الأحياء الشعبية البسيطة

" كولونيل حته وحده " !!



يا لحظك الجَميل يا سيمو !!
وترغبُ في النجاة ؟


سأختصرُ عليك الوقت وأقول : احلم بالخروج فالتهمةُ لن تتجاوزك أبداً وستكون درساً قاسياً لك !!

دخلت عمة زوجتي ووالدتها وبناتها والحزن مخيم على الملامح والكل متفق بأن "سيمو " مظلوم !!
والتهمة الصقت به لأنهُ لا يعرف أحداً و و و كثر اللغط والصخب .


إنها فرصتي للهروب من ضجيج النساء وقصصهن و المشاكل التي يؤرقنك بها ، حتى مشاكل لا تخصهم تجدهن يتحدثن عنها بحماسة ..!



إلى أين ستكون الوجهة يا تُرى ؟



" راودتني فكرة تناول الغداء في البَرانس ، ونظراً لحبي لتلك المنطقة الجَميلة المليئة بالبَشر إلا أنها تعكسُ مدى انسجام المشاعر وتناغم الأحاسيس وتوافق الأحداث ، فجلسةٌ واحدة هناك تغنيك عن ألفِ خطوةٍ عن سواها "
 
بالقربِ من مكتبةِ فَرير ..!

أول مرة قرأتها جَرير ، حيث تقع في " علال بن عبد الله " وعلى رأس الشارع تجدُ المقاهي وبعض المطاعم الصغيرة ، تقودك خطواتك نحو معانقةِ " كازا " وقضمِ رغيفِ العشق ، وقفتُ على رأس الشارع وتأملت المنظر لكن الكاميرا لم تكن برفقتي وإلا أرفقتُ لكم صوراً تدخل البهجة إلى النفس .



في طريقي نحو " البرانس" صادفتُ مجموعةً من الشُبان وبرفقتهم إمرأة ثلاثينية العمر تقريباً ، اقتربت إلي وبيدها ورقة وسألتني إذا ما كان لدي وقت لتحادثني وتطرح بعض الأسئلة ..!


قلتُ لها : أعرفُ الأسئلة والإجابة ليست موجودة !!
وهذا الإشهار للسياحة مررتُ بهِ كثيراً ، ومتى ما وضعتم "كازا" من ضمن الخيارات فإني سأجيب على الأسئلة !!
ابتسمت وحاولت أن تكسب مزيداً من الوقتِ معي ، لكنها حينما رأت تعنتي وعنادي سألتني سؤالاً واحداً فقط !!


أي مدينةٍ تحب إذن ؟ ولماذا كازا بالذات ؟



قلت المغرب كله يجري في عروقي مجرى الدم وأحبه و أعشقه لكن قلبي مع "كازا" ومشاعري تجاه هذهِ المدينة جياشة ولا أكاد أن أطيق الصبر في البعدِ عنها ..!



ما سِر حبك للمدينة ؟


كل شيء يا أختي ، هل تحب المكوث في الفنادق أم في الشِقق ؟ وأين تجد راحتك !!


باركَ الله فيك كسبتِ وقتاً معي


حسناً يا للا ، في سفراتي السابقة أحب الفنادق وخصوصاً تلك القريبة من الأماكن البسيطة والتي تتمركز حولها الأسواق الشعبية والمحلات الأخرى لكي تكون منطلقاً لي نحو عناق الدار البيضاء والآن فلقد مَنَّ الله علي بزوجةٍ من هذا البلد الطيب واشتريتُ شقةً وطابَ لي المُقام .


سألتني مجدداً : من أين أنت ؟

" اعلمُ بأن هنالك ضحايا لبعض المكاتب الوهمية المنتشرة في كافةِ أنحاء العالم لكني هُنا جعلتُ من الحديث مع هذهِ السيدة متنفساً لي "


قلت : من أرضِ الله الواسعة الشاسعة .

هل أنت من قَطر ؟

كلا .. أهل قطر أهلنا وأحبابنا وأصحابنا ..!

وهم جيراننا كذلك !!


وقتي قصير يا أختي ، والجوع يقتلني ، فاسمحي لي بالانصراف بارك الله فيك وشكراً على وقتك .
 
القائمةُ طويلة عريضة والأصنافُ عديدة والمعدةُ تئنُ من هولِ الجوع والفِكرُ مضطرب والعينُ تكادُ أن تغرق في محيطاتِ النظر ، تاهت النفس ما بين الطواجين أو "الطعام" الكسكس و احتارت الأفكار وهاجت وماجت حينما شاهدت العين منظر المشاوي ، حيرة ما بعدها حِيرة والمعدةُ تقرقر ، قرقري ولا تقرقري فإن لكِ موعداً مع التخمة وكوباً من اللبن .


اتصلتُ على زوجتي وخيرتها أن تختار أحد الأحرف : ط ، ك ، م


أجابت : أنا أعرف بأنك محضر لي مفاجأة فاحضر ما شئت !!


والله إني انفجرتُ من الضحك حتى سمعني الغالبية في المطعم ، قلت : الكاف : كفته أو كسكس والطاء : طاجين والميم : مشاوي

أين ذهبت بكِ الأفكار ؟
 
( لَيْسَ هُنَالِكَ أجمل من الصدق أبداً مهما كانت النتائج والصراحةُ كما قالوا راحَة ، رِسالتي هذهِ أوجهها لبعض الشباب هدانا الله وإياهم لمصارحة النفس قبل كُل شيء وعَدَم الكَذِب والسفرُ دونَ عِلم أهاليهم إلى أي مكانٍ في العَالم ، فلقد سمعتُ الكثير من القصص ووقعت أحداث كثيرة لبعضهم في وقتٍ كانَ بحاجةٍ ماسة للمساعدة
لا يضركم شيء إن أنتم أخبرتم ذويكم !! فالسفرُ لن يَطير والدنيا لن تَزول ، فلا تُغضِب والديك أو أحدهما وتكون عاقاً لهما لأجلِ اسبوع أو أكثر تقضيه خارج بلادك وتكذبُ مدعياً بأنك في دورة عَمَل أو نُزهة بَرية).....!




 
إلى " الدار البيضاء "








يَروقُ لي منكِ عذاب السفر
يشدني إليكِ بجنونٍ و سَهَر
تذوب الأبجديات بالوصفِ كلها
وعلى ضفافِ الصمتِ حُباً تَنتحِر
ضجيجكِ نغمةٌ يرددها فؤادِي
وصخبكِ كالندى يداعبُ الزَّهر
 
لن يجديكَ نفعاً البُكاء على الأطلال و خَنق الأزهار لتخرج منها رحيق الذكريات..

هكذا قالَ لي شقيقي " سعد " ، حينما عرجتُ على المدينة القديمة لاحقاً..


لكنهُ لا يَعلم بأن الذكرى رصيدُ الحَنين و أرغفةُ العُشاق الساخنة دائماً !!

من منكم يجوعُ و يراوده عَبقُ رغيفُ الأمس ؟!
 
عبثاً قلّبتُ في أوراقي ليلة الأمس ، طمعاً في البوح و لو بالهَمس
عانقتُ في حُلمي " الدار البيضاء" و ذابت للحَنين " شمس"
تجاوزتُ كافةَ الأحياء و الذكريات ، شربتُ و بعدها هشّمتُ الكأس..!
خرجتُ مُسرعاً دونما توقف ، بعبوسٍ خاطبتُ " الدار البيضاء"..
دعيني وحيداً ما عدتُ أنا العاشق وما عدتِ أنتِ محببةً للنفس ..
كاذبٌ أنا لا تصدقوني..
لكني اعلنتُ الانسحاب مؤقتاً..






الكُل ينظرُ إلي في مطار محمد الخامس، سادسُ أيام عيد الفطر المُبارك
ألقيتُ نظرةً على تلك اللبنات التي عاشت تفاصيل سفري ، على المطعم الكائن بقلب المطار..
على المحلات..
رحتُ أرمقُ الكُل بنظراتٍ عجيبة ، وهم لا يدركون حجم جُنوني و انفصام " عشقي" و ازدواجية " نبضي" المترنح
بينَ رحلةٍ و أخرى ..!

كنتُ غاضباً لدرجة أن البراكين قذفت حممها بداخلي و أصابعي المسكينة لم تقاوم جوعَ التفكير و الفراغ العاطِفي..
الحُلم الذي عشته انحرف عن مساره فأضحى كابوساً يؤرقني ، و الذكرى دون شك تحرقني..
اكتفيتُ من الغرق و لم يعد هنالك محيطٌ يغرقني..!
اعطيتك من عمري " عمراً" لكنك آثرت أن تسرقني..!

 
الرغيفُ الذي اشتريته من مخبز " الأخوين"
عادَ بي إلى الوراء على هيئة " حنين "..
اشتقتُ إلى تلك الشوارع الصغيرة
و الأحياء البسيطة ، إلى تلك العيون التي أوسعها الزمنُ دمعاً
إلى تلك الهمسات بين العاشقين ، إلى ما قبل الترامواي في شارع الجيش الملكي !
و محمد الخامس..!



و لن أنسى " درب سلطان " !
وتلك النقوش الجدارية و الرسومات ( غرافيتي )
التي تُلهب عشاق فريق " الرجاء المغربي"
وبحكم عشقي للأحمر ( الوداد ) ديما حمرا
إلا أن القلب بداخله يعرفُ جيداً بأن الأخضر والأحمر = المغرب ..!


 
مؤخراً حينما زرت ( الحبوس) في شهر رمضان المبارك
تسارعت إلي الذكريات آملةً معانقة عيني ، لكني سبقتها
و صافحتها في مخيلتي التي أخذت بالذبول.
فالارتباط و مشاغل الحَياة تأخذنا إلى غابات التعب
و التحامل على الذكرى..!


عرجتُ على محلات كنت أزورها فيما مضى
ليس لشيء سوى الاطمئنان على فلذات ( الحنين)..
بائعةُ ( الشهيوات) و تلك التي تعجنُ الحلوى
و صاحب محل الخضار ، و الإسكافي الكَهل..
أنغام الباعة و صيحاتهم ، نزوات ( المازوت) القاتلة لعيني و رائحة زيوت المحركات
و المسمن !
مزيج رهيب يدعو للتأمل..
كانَ الموسم عامراً بـ ( الدلاح) البطيخ ، و أي بطيخ أعني غير ما نعشقه
من أرض ( دكالة ) الخصبة.
كنتُ برفقة شقيقتي ( الوسطى ) تتأملُ صمتي و تنقلي بين المحلات..
ترقبُ شغفي بالتفاصيل، تهمسُ لي : نُريد أن نأخذ هدايا و تذكارات للعائلة..
فاتمتم : حسناً..!


مسكين هذا القلب ، نحملهُ مالا طاقة له به ، ترسبات و تراكمات العواطف
تجعلهُ يلوذ إلى البوح بمكنونه..

 
الهاتف لم يرن كعادته !
تيقنتُ بأن المنزل مشغولون باعداد الإفطار..
الشباكية و البريوات أمام العين، تتسابقُ في مضمار الجوع
و تتراقصُ رائحةُ المخابز على خشبة الإغواء المُباح..
هل أهدم محراب الحَنين أم أقطعُ صلاةَ العاشقين؟!





 
عُدت إلى المدينة القديمة قَبل عشرة أيام تقريباً
اشتقتُ لأصواتِ الباعة و همسات العُشاق ، تسلبني نظرات الحائرين
وخطوات العابرين ، ارتميتُ على تلك الزاوية أمام مقهى فَرنسا و الذي تبدّلت حلته
و العينُ تَرقبُ بصمتٍ كل التفاصيل.
التراموي !
فندق حياة ريجنسي
ساحة الأمم !
خلف الأسوار لباب مراكش هنالك غُموضٌ لذيذ
و عند السقالة وتلك الشُجيرات التي لم يمسها شيبُ الذبول إلى الآن.
كان شقيقي برفقتي مندهشاً صامتاً لا يعلم سر خطواتي السريعة ولا نظراتي الخاطفة
حتى اخبرتهُ بأني أخشى أن أموت لفرطِ العشق بين جنبات هذه المنطقة.
يا لرائحة تلك الأمكنة !





 
arabtrvl1456814944781.jpg



هُنا للمواعيد لذة !
و لصوت القطارات " نغمة " !
العينُ ترقبُ الشاشة
و الوجوه في بشاشة !
قطارُ الرباط
قطارُ المطار !
قطارات تخترقُ سكك الحديد
تأخذنا إلى المواعيد !
مسكين ذلك القلب ..
شرايينه لضخ الدم
تُعيد..
" آجي " !
فين اصاحبي؟!
آجي خويا
القطار د كازا
مشي بعيد !
و أنا أرهف المسامع له
واخا !
كون هاني
يا سيد


e030.png
 
arabtrvl1456815294061.jpg


من يوم عرفتك و هذي ترى حالي !
اعلل النفس بشوفك و أداريها ..

* لشاعرها


و تجرني الخُطى !
اسمع صوت القطى..
ارسل الزفرات تتبعها الحسرات
على خل بَطى !
قلت يا خلي علامك ؟
تغيرت حتى بكلامك ؟
نور الدمع بعيونه سطى..
الحياه يا حبيبي
أشواق..
والحب أخذ و عطا !
اقفى و عين دياب يسمع
همس ثقيلات الأدمع !
وقال قلبي :
لله ما أخذ
ولله ما عطى..
 
و كُلما راود قَلبي الحَنين
نهرتهُ دونما شفقة !
فيرتمي نورُ الدمع إلى حُضن المُقل !
يؤنبني فأجيبه : مهٍ فالجوى ليس بسهل ..

اعاتبُ فيكِ عمري كما قال جويدة
ارفعُ رايات الاستسلام فأجثو أمام بوابة المطار
ولقد لثمتُ ما جمعته النبضات ما بين زفراتٍ و آهات
فاحزم الحقائب
وأقول :
أهلاً بالغائب !
و الله ما نسيتك يا طفلتي
شاباً كُنت
و إن شابت الذوائب


ألا يكفيكِ بأني انطقُ في نومي !
و اتباهى أمام قومِي ؟!
أيتها العَتيقة






غيابي عنك

والله



ما أطيقه
 
arabtrvl1464855101581.jpg



يا زين لمتنا !
في بيتنا
وسط أهالينا
وسط حومتنا !




عرجتُ على المدينة فاستشعر صديقي بوجودي كعادته
ولا غَرو !
فهو يعرفُ توقيتي للسفر والرحلات ( غالباً) بعد أن
تعارفنا تحديداً قبل 9 سنوات بالضبط من تاريخ كتابة هذهِ الأسطر
عُمر مضى ، و العشقُ مُصيبة ومن يعشقُ وهو صغير
فإنهُ يدركُ تفاصيل غصة الحَنين.


فيما مضى كُنت أقول :
سأكتفي إلى أن يبلغ عُمري : 23 !
سأبلغُ الخامسة و العشرين و اعتزل !
بعدها قلتُ : في الثلاثين !
الآن لم ابلغ الـ 38 لكني آثرتُ الصمت
ولن أقول إلى الأربعين

فالعيال " كبرت " !
والدار الكبيرة " باقه "


و


هوّنا من الحب الأناني !
تبدلنا و صرنا شكل ثاني
عرفنا اللي لنا و اللي علينا !
دورنا

لقينا


خل


ثاني
 
ذاتَ مساء عرجنا على " الزيراوي " !
تحديداً مقابل تلك اللائحة الصفراء الكبيرة التي تحمل " إشهاراً" لأحد ماركات الأواني المنزلية..
على رأس الشارع ، هنالك حكايا يا صديقي
هنالك ذكراك إلى أن تعتكف أنفاسك في محراب عين دياب !
 
من يعبر " الشانطي" !
من يُسابق الخُطى؟!
من تتجه أنفاسه إلى حَرم أوكسجين "كازا" ؟!
من المسكين الذي ظل معتكفاً في العَتيقة !!


رائحةُ البيتزا تنبعثُ من محلٍ صغير في بوركون
الخادمةُ تجري خلف السائق تُذكرهُ ببعضِ الطلبات
حقائبهم تكاد أن تغرق في عَتمة الشارع
أنفاسهم مضطربة، ملامحهم شَرقية مُتعبة عناء السفر !

كل الحكاية
اشتقت لك !