[ الدار البيضاء حُورية نائمةٌ على كفوفِ المحيط الأطلسي ، في أعماقها تجتمعُ كل الحقائق وفي أحيائها تجدُ كل الفروقات والمتناقضات ، وتجتمع المتضادات ،اسميتها "مُعجم الجَمال ومنجم اللآل " جَميلةٌ أصيلة مُدهشةٌ منعشة تجذبك إليها بصمت وتعودُ إليها أينما كُنت ، إن عشقتها أدمنتها وإن أدمنتها حفظتها وبعد أن تحفظها تشعرُ وبأنك لا تعرفُ بها شيئاً وتعود إليها من جديد لتكتشفها ]
سأتطرقُ إلى البرنوصي لاحقاً بعد أن أعرج على "الحي المحمدي " مجدداً !!
تجددت بي الذكريات فاتجهتُ إلى شارع المقاومة ورحتُ أقبلُ صورة الدار البيضاء في مخيلتي وأرسمُ هالات التعجب لكل ما أراه ، عدتُ إلى باب مراكِش بعد أن أضناني التعب وأرهقني الوزن الزائد تلك الأيام والذي تغلبتُ عليه فيما بعد ، حيث تم توقيع المعاهدات السلمية مع المعدة وتوثيق المعاهدة لدى "هيئة الأمم النسائية" و تعزيز وإمدادات من لدن "والدتي" و "شتى" اصناف النُكات والتعليقات الساخِرة من إخوتي ووالدي ، حفظهم الله جميعاً .
صاحِب سيارة الأجرة .
شابٌ طويل يرتدي نظارة طِبية ذهبية الأطراف غليظةُ العدسات ، حدجني بنظرته ثم ابتسم و أخذ يسألني وأنا واقِفٌ عند ذلك المحل البسيط ، هَل تُريد أن تكتري شقة ؟
أجبته : هل تراني اسحب حقائبي معي يا صاحبي ؟
لم ينطق بأي كلمةٍ وراح في طريقه ولم يوقفني إلا اشتياقي أمام باب مراكش ، نظرتُ إلى الساعة
الشامخة المتدلية من البُرج وكأنها عقد مرجان .
قدم رجل وسألني عن الساعة هل هي دقيقة ؟ هل التوقيت صحيح ؟
هل زادو ساعة ؟ أما زال التوقيت القديم يستخدم !!
اجبتهُ بأنها دقيقة وبأن التوقيت صحيح ، وبين جمل الشُكر منه و الأحاديث ظهر أمامي ذلك الرجل الذي يحمل بعض القمصان و "فوقية" بيضاء في يدهِ اليمين أغرتني وجذبتني ، أخذ يمدحُ في بضاعته وبأنها تفصيل يدوي وليست تفصيل "كمبيوتر" و و و و !!
السعرُ مرتفع وأنا أمازحه بأني لا ارغبُ بشراء أي شيء لكني كنتُ أرغب وبشدة شراء تلك "الفوقية" لأني لم أر مثلها في السوق !!
دخلنا في مفاوضات للسعر ولم يعجبني السعر وظل يلاحقني حتى بلغنا وسط السوق بالقربِ من ذلك المقهى الشعبي الذي يقدم أروع أتاي في المغرب
حيث يضعُ زهرة الزعتر فوقه ويقوم بتحضيره بطريقةٍ "فانتازية "..
طلبتُ منه أن يتناول الأتاي معي ويأكل بعضاً من "الشهيوات" وأصدقكم القول بأني اسعدُ كثيراً بالجلوس والاستماع إلى هذهِ الفئة البسيطة من البَشر لكن دون خوض مواضيع أخرى .
أخيراً قال لي : بـ 50 درهم يا صاحبي وخذها لك والحق بأنها تستحق أكثر من هذا السعر ، أخذتها وأعطيته مائة درهم وأعدتها إليه واستغرب من الأمر !!
لماذا ألا تُريدها ؟
بلى ، لكني أراها جميلة عليك أكثر وليست جميلة عَلَي والمائة درهم هدية لك .
قبل التغلغل في أعماق الحي المحمدي وتفاصيله البسيطة ، سأحدثكم عن باب مراكش بصورةٍ سريعة
وعن تلك المنتجات التي تجدونها متراصة ومرصوفة بشكل جَميل رغم بساطته وعن ذلك الحانوت الصغير جداً في جهةِ الشمال بالقربِ من محل الجُلود والمعروضات "الأمازيغية" وقبل ذلك يكون في الزاوية الأمامية في الواجهة المطعم الصغير للأسماك الذي كلما رأيته تذكرت أبو "حسن" زخ مطر وأخذتني الابتسامة ودعوت الله في نفسي أن يجمعني ومع العشاق في المطعم هذا لتناول أي وجبة ذات يوم .
قدِم إلي صاحب تلك "البسطة"
[ البسطة ]
إشارةً إلى من يضع المنتجات على الأرض أو فوق الرصيف ...
قدم إلي صندوقاً صغيراً وطلب مني فتحه وفي حال قيامي بهذهِ العملية فإني سآخذه بالمجان !!
قلتُ له ستخسر الرهان يا صاحبي ومن الأفضل أن تسحب كلامك لأني لستُ جديداً هُنا واعرفُ باب مراكش
وضحك كثيراً وقال جرب فلن تخسر شيئاً ، الصندوق صغير بعض الشيء له زوايا ملساء يكونُ لونه بُني ، وفي الأمام منه أعمدة صغيرة كأنها [ مفاتيح العود الشرقي ] وبالزاوية الصغيرة هنالك طرفٌ حاد وكل ما في المسألة حركة بسيطة تجعلك تخرج المفتاح ثم تدفع الطرفين إلى الخلف قليلاً لتجد مكان القُفل وتفتحه !!
بكل بساطة لكنها تحتاج إلى تفكير بسيط .
بعد أن فتحتها ضحك البائع وقال : خطير أنت لكن ألا تريد بعض الأشياء من هُنا ؟
الصحون الجميلة التي رسمت عليها بعض معالم الدار البيضاء تشدني رغم اقتنائي لكثير منها
لكنها العادة التي ترافقني !!
شراء أي شيء حتى وإن لم يكن لي به فائدة أو متكدس في المنزل ، لكن ما المانع لو أخذتها هدية للأصدقاء ؟
إذا ما خرجتَ من " باب مراكش" انظر إلى خط المشاةِ على الأرض !!
و ارمق بنظراتك تلك البناية الكَبيرة " بنك المغرب للتجارة " ، وعلى اليمين ستجدُ "فندق حياة رجنسي" وكل ما عليك أن تتجه إلى الأمام لتحتضن قلب المدينة النابضة بالحياة !!
وستشاهد مقهى فرنسا !!
ومكاتب السفر !!
والباعة المتجولين والبشر بالقرب من "وفا تجاري بنك " !!
ستتعمقُ في الأزقة وبين الطُرقات ، وإذا خطوت بعض الخطوات ستقطع الشارع !!
ولن تقف إلا عند سينما ريالتو !!
ستقف قبلها عند مطعم الرياض في الجهة اليمنى !!
وشاورما الحاج متولي !!
و و و و !!
هل أهرق قهوتي على الأرصفة لأتفادى نزيف الذكريات ؟
أم اتجهُ إلى "سوق النوار" ؟
أم إلى "سناك أمين " ؟
أم إلى مطعم النجمة بالسوق المركزي "المارشية" ؟
هل أعودُ إلى تلك المباني وتلك الشوارع ؟
إلى ذلك الرجل الذي كان يطربني بعزفهِ في الشارع !!
وكنتُ اعزفُ له بعض الأحيان ؟
إلى أين سيأخذنا الاشتياق ؟
باب مراكش هو نقطة الانطلاق إلى قلب المدينة ، وتخيلوا منظر المشاة وهم يحاولون العبور إلى الضفة الأخرى !
مسابقين العربات والحافلات !!
الوقارُ كلهُ في سوق الحُبوس ، والهيبة الجميلة والحركة الدائبة والمكتبات الزاخرة بشتى أنواع الكُتب والمحلات التجارية ، كأنك تتجول في عالمٍ آخر !!
تسرق مني الكثير من الوقت هذه الذكريات واكتبها دون توقف وأحياناً أقف لألتقط أنفاسي !!
مررتُ بالحبوس وغرقتُ في تفاصيله واشتريت بعض الكُتب (قصص ، روايات ، دوواين ، سِيرَ )
استنشقتُ كل التفاصيل الكائنة هنا ، لا أحد يتهمني بالجنون إذا ما قلتُ بأني أحببت حتى رائحة الجُلود المعروضة في المحلات !!
لا ترموني بالجُنون وإن كنت مُصرين على التهمة فاسألوا الدار البيضاء فهي من تعرفني جيداً .
لن أطيل في سردِ هذهِ الثرثرة العاطفية عن الدار الغنَّاء (البيضاء)وسأكتفي إلى هذا القَدر من الذكريات
لأن درجة الاشتياق بلغت ذروتها .
ومن واقع تجربةٍ قبل أن أختم هذهِ الأجزاء ، تناولوا القهوة في المقهى الكائن في الحبوس ، القريب من المحكمة
فإنها قهوةٌ لا تضاهيها قهوة والشاي كذلك ولكم الحكم.
في كل صباحٍ أخرجُ إلى الشاطئ لأطلق ساقي للريح ، مداعباً همس الأطلسي ومحتضناً شمس الدار البيضاء
ولا بد لي أن أشحن رئتي من ريحان "كازا" ...
ذات صباح خرجتُ قُبيل الافطار ، بل أتوقع بأني خرجتُ قبل أن تخرج البلابل للبحث عن رزقها وقبل الخلائق ؛ كي اشاهد شروق الشمس الجميلة من خلف أكتافِ المحيط الأطلسي ، ولا شيء يعدل جمالها أبداً حينما تسكبُ الذهب في أقداحِ الشُروق وعلى الأمواج تنثر الزمرد والياقوت .
حينما بلغتُ الشاطئ وجدتُ الكثير من الرياضيين "صغار السن و كبار " ، والكل يمارس رياضة الملوك " المشي"
والبعض يسابق الريح مهرولاً ، فذلك متأنٍ في خطواته وتلك تُسابق الريح على أنغام الموسيقى التي شاهدت سماعاتها في أذنها وذلك برفقةِ الأحبة وتِلك واقِفَةٌ تنظر إلى المارة .
قلتُ في نفسي : لحظة جَميلة ويا ليت " الداخلية" برفقتي الآن في هذا الصباح لكنها نائمة !!
وماهي إلا ثوانٍ حتى اتصلت " الداخلية" !!
صباح الخَير
صباح النور والعطور !!
" قلقت عليك أين ذهبت " ؟!
الأجواء باردة صباحاً فأين اتجهت ؟ هل عدت إلى الشاطئ مجدداً كالمجنون تطارد الأمواج ؟
نعم
حسناً لا تتأخر فإني اعددت لك الإفطار ، والله إنك لمجنون تخرج قبل أن يستيقظ الأنام في الدار البيضاء !!
عزيزتي ومنذ متى تنام البَشر في الدار البيضاء ؟
الكلُ هنا مستيقظ ..!
عدتُ إلى المنزل وتناولت الإفطار مع " الداخلية" وناقشنا أوضاع المنزل والعائلة وأمور كثيرة ، قالت : ما رأيك لو اتجهنا إلى الرباط ؟
نُريد تغيير الأجواء بعض الشيء ، قلت لها بأني موافق .
ما أجمل أن تذهب إلى الرباط في الصباح الباكِر وتعود مساءاً لتغنم الوقت وتنعم به في أحضان الدار البيضاء معشوقتي الأبدية ، خرجنا إلى الرباط مستقلين المركبة وما إن وصلنا غايتنا حتى خرجنا إلى الشاطئ ، ورحت التقط الصور التي ارفقتها في موضوع مستقل في المنتدى .
ثم اتجهنا إلى المارينا ، ولم نجلس مطولاً نظراً لرغبتي في تناول الأتاي في القصبة ، وعند أبو حسن والأخ عادل الخبر اليقين بالأتاي الذي يقدمونه هناك فهو لا يضاهى ولا يقارع أبداً .
لكن دعونا نتحدث عن الرباط قَليلاً !!
للوهلةِ الأولى ومن النظرة السريعة تشعرُ وكأنك في عالمٍ آخر !!
مختلف كلياً عن عالم الدار البيضاء ، لأن الفروقات كثيرة جداً فمن اعتاد على الضجيج والصخب يجدُ الرباط ملاذاً له في بعض الأحيان من ضغوطات الحياةِ وضجيج البيضاء ، الرباط قلب المغرب النابضِ بالهدوء والجَمال وفوق هذا كله
تجد البساطة متمثلة في الأماكن التراثية والعادات المتأصلة من جذورٍ أصيلة .
لا تأخذ الرباط من زائرها سوى بضع يوم للتعرف عليها ،سهلةٌ للغاية ورائعة ، ففي كل مكان تجد لك نصيباً من الذكرى .
قمنا بزيارة أغلب الأماكن في الرباط على وجهِ السرعة ، وكانت القصبة أهم مكان بالنسبة إلي ، وذلك للكم الهائل من الذكريات هناك ، علاوةً على الراحة النفسية التي أجدها " والمغرب كله راحة نفسية من طنجة حتى الكويرة" ، ومررنا بشالة أيضاً و المدينة والأسواق " النساء والأسواق " معادلة صعبة " ، ومررنا بباب الرواح وتجولنا في عدة مناطق وكان لحي المنزه والفتح والسلام نصيباً أكبراً من الزيارة ، حيث تبدلت الآراء و خرجت لنا صديقة "الداخلية" زوجتي و عزمتها على الغداء ، لكننا اعتذرنا بضيق الوقت وقصر المدة وإن لنا إخوة لم نزرهم !!
علماً بأني أردتُ زيارة " عبد العزيز " وإلقاء التحية عليه فلهُ في قلبي مكانةً لا يعلمها إلا الله .
بعد الغداء ثقلت الخطوات وذبلت الحماسة ودب النعاس ، فاتجهنا إلى المارينا للجلوس قليلاً وتغيير الأجواء حتى قبل صلاة العصر ، وركبنا المركب
ولقد شاهد أبو حسن " زخ مطر" تلك الصور في المركب والتي تضمنت إحداهن قرب سقوطي نظراً لارتفاع الأمواج.
لا تعليق !!
السندباد يعود مجدداً لكن في الرباط .
وما بين الضحك والمواقف الطريفة ظلت الساعات تطوي صفحاتها .
عدتُ إلى المنزل وتناولت الإفطار مع " الداخلية" وناقشنا أوضاع المنزل والعائلة وأمور كثيرة ، قالت : ما رأيك لو اتجهنا إلى الرباط ؟
نُريد تغيير الأجواء بعض الشيء ، قلت لها بأني موافق .
ما أجمل أن تذهب إلى الرباط في الصباح الباكِر وتعود مساءاً لتغنم الوقت وتنعم به في أحضان الدار البيضاء معشوقتي الأبدية ، خرجنا إلى الرباط مستقلين المركبة وما إن وصلنا غايتنا حتى خرجنا إلى الشاطئ ، ورحت التقط الصور التي ارفقتها في موضوع مستقل في المنتدى .
ثم اتجهنا إلى المارينا ، ولم نجلس مطولاً نظراً لرغبتي في تناول الأتاي في القصبة ، وعند أبو حسن والأخ عادل الخبر اليقين بالأتاي الذي يقدمونه هناك فهو لا يضاهى ولا يقارع أبداً .
لكن دعونا نتحدث عن الرباط قَليلاً !!
للوهلةِ الأولى ومن النظرة السريعة تشعرُ وكأنك في عالمٍ آخر !!
مختلف كلياً عن عالم الدار البيضاء ، لأن الفروقات كثيرة جداً فمن اعتاد على الضجيج والصخب يجدُ الرباط ملاذاً له في بعض الأحيان من ضغوطات الحياةِ وضجيج البيضاء ، الرباط قلب المغرب النابضِ بالهدوء والجَمال وفوق هذا كله
تجد البساطة متمثلة في الأماكن التراثية والعادات المتأصلة من جذورٍ أصيلة .
لا تأخذ الرباط من زائرها سوى بضع يوم للتعرف عليها ،سهلةٌ للغاية ورائعة ، ففي كل مكان تجد لك نصيباً من الذكرى .
قمنا بزيارة أغلب الأماكن في الرباط على وجهِ السرعة ، وكانت القصبة أهم مكان بالنسبة إلي ، وذلك للكم الهائل من الذكريات هناك ، علاوةً على الراحة النفسية التي أجدها " والمغرب كله راحة نفسية من طنجة حتى الكويرة" ، ومررنا بشالة أيضاً و المدينة والأسواق " النساء والأسواق " معادلة صعبة " ، ومررنا بباب الرواح وتجولنا في عدة مناطق وكان لحي المنزه والفتح والسلام نصيباً أكبراً من الزيارة ، حيث تبدلت الآراء و خرجت لنا صديقة "الداخلية" زوجتي و عزمتها على الغداء ، لكننا اعتذرنا بضيق الوقت وقصر المدة وإن لنا إخوة لم نزرهم !!
علماً بأني أردتُ زيارة " عبد العزيز " وإلقاء التحية عليه فلهُ في قلبي مكانةً لا يعلمها إلا الله .
بعد الغداء ثقلت الخطوات وذبلت الحماسة ودب النعاس ، فاتجهنا إلى المارينا للجلوس قليلاً وتغيير الأجواء حتى قبل صلاة العصر ، وركبنا المركب
ولقد شاهد أبو حسن " زخ مطر" تلك الصور في المركب والتي تضمنت إحداهن قرب سقوطي نظراً لارتفاع الأمواج.
لا تعليق !!
السندباد يعود مجدداً لكن في الرباط .
وما بين الضحك والمواقف الطريفة ظلت الساعات تطوي صفحاتها .
خرجتُ إلى شارع محمد الخامِس بعد وصولي بساعتين تقريباً ، رغبةً مني في تجديد الولاء للدار البيضاء
ومصافحة كفوفها الباردة مساءاً والوقوف عند بعض الذكريات ، بالقرب من الشيراتون وتحديداً عند المطاعم الكائنة بالزاوية اليمنى للشارع وما بينَ الضجيج الجميل والصخب العذب كنتُ استمعُ لعزف ذلك الرجل ، وقفتُ عندهُ وسألته بأن اعزف شيئاً في نفسي وقبل أن اعزف قال : سأعزفُ لك اغنية "طلال مداح" فأجبته : صوت الأرض
اسمعنا ما تحفظه من الأغاني ، وبالفعل عزف وأتقن وأجاد اغنية طلال رحمه الله [ أغراب ] ، فأخذتُ منه العود لأسمعه : مرسول الحب فين مشيتي فين غبتي !! نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
لـ عبد الوهاب الدكالي ، ابتسم مطولاً وقال : رائع عزفك ، اسمعني اغنية لطلال !!
فعزفت له : أحبك لو تكون حاضر ، ثم قال : محمد عبده ..!
يا صاحبي ستجتمع الناس من حولي ونحنُ هنا فلا أريد إثارة أي شيء ولا طاقة لي بالعزف !!
فأنا أعزف على قدم واحدة وقدمي الأخرى تثبت العود ..!
اشعل سيجارته اللاذعة الحارِقة وتنهد قائلاً : من بعد طلال ماتَ الفَن !! نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أهديتهُ ديوان للشاعر العراقي (أحمد مطر ) والذي كنت قد اشتريته فيما سبق من أحد الباعةِ المتجولين
وأهديتُ ذلك الطِفل أيضاً الذي كانَ يستمعُ إلينا قطعة شكولاته فرنسية كانت في معطفي .
اشعرُ بنشوةٍ عارمة في الدار البيضاء وسرور لا أجدهُ في المدن الأخرى رغم عشقي للمغرب قاطبة لكن !!
القلب وما يميل إليه وما يهوى .
قررنا في صباح الغد أن نتجه إلى " طماريس" أنا و أخي "سعد " و " رحيم " أبو نسب
قلتُ لهم بأني جائع وعلينا أن نتناول الغداء في مطعم " النجمة " ومن ثم نمضي إلى "طماريس" ، اتفقنا على الأمر وخرجنا سيراً على الأقدام ، وفي منتصف الطريق حدثت لنا قصة !!
القصة مضحكة مبكية مؤلمة ، طاردتنا تلك المرأة تطلب منا أن نساعدها ونقدم لها المعونة فأخرج أخي مبلغاً من المال وقدمهُ لها وكذلك فعل عبد الرحيم أما أنا فلم يكن لدي "فكة" ولم يكن هنالك إلا الزرقاء "200 " درهم
ولأننا سنكون في طماريس فالوضع "تقشف" و " حرص " ، قالت : وأنت لماذا لا تعطيني ؟
ظللتُ صامتاً مكملاً لخط سيري تجاه المطعم لكن المرأة "هداها الله " أبت إلا أن تفتعل أمراً لتجمع الناس من حولنا ، ضاق عبد الرحيم ذرعاً بها وخرج عن طوره ، قالت له المرأة كلاماً بذيئاً جداً واتهتمه بأقبح التهم و رمتهُ بأشياء يشيبُ لها الرأس وفوق هذا كله بصقت عليه !!
وعبد الرحيم يا جماعة " بركان خامد " وأعرفه جيداً فهو مجازفٌ جداً وابن الحَي المحمدي ، دخلتُ بينهما لأفرق !!
تخيلوا بدأت المرأة ترفع يدها وتتعارك مع عبد الرحيم ، ولا أكذب عليكم إذا ما قلتُ بأننا اقتربنا عند الشيراتون !!
لأننا تفاديناها كثيراً لكنها مصرة على أن تأخذ سهمها مني ولا أعلم الطمع الذي انتابها ..!
ثم أخذت تشتمنا جميعاً ، أنا وسعد اشفقنا عليها لأنها تحمل ابنها فوق ظهرها لكن عبد الرحيم !!
شعر بأنها اهانته إهانةً عظمى ولستُ أدافع عن أحدٍ هنا ، لكن !!
كان حرياً به تجاهلها حتى وإن بصقت فلا حل يأتي مع العِراك ، وكنتُ مخطئاً في نظرتي هذه ، أ تعلمون لماذا ؟
لأنها رفعت علينا سِلاحاً كاد أن يخترق صدر عبد الرحيم لولا لطف رب العباد !!
تجمعت الناس من حولنا والشرطة كذلك ، وأخذ رجال الشرطة يسألون الحشود عن الموضوع ولم يسألوني أنا وأخي ، لكنهم لاحظوا بأني أفرقُ بين عبد الرحيم والمرأة فظنوا بأني لست معه !!
وقال عبد الرحيم : سأذهب أنا و عد إلى المنزل أنت وسعد ولا تحمل هماً !!
قدم إلي رجل آخر وأظهر لي الرخصة السعودية وبأنهُ كان في مؤسسة تابعةٍ لـ فيصل الشهيل رجل الأعمال المعروف بالمنطقة الشرقية ونصحني بأن لا أذهب مع الشرطة مهما كانْ ، قلتُ له : لا تخف فإني لن أركب معهم
قال ولا حتى تقدم شهادة لأنك قد تتحمل الكثير من اللوم وقد يحدث مالا يحمد عقباه !!
عادت الشرطة ونزلت المرأة وسألتني قائلة : شهادة لوجه الله أمام الملأ !!
هل ضربتُ أنا الرجل الذي معكم ؟
تشير بهذا إلى " عبد الرحيم "
قلتُ نعم وكدتِ أن تزهقي نفسه !!
وبصقت عليه !!
المسكينة انهارت وأخذت تتوسل للشرطي ، والله الموقف آلمني كثيراً لكن لو كنتم مكاني فما أنتم فاعلين ؟
انتظرت " عبد الرحيم " حتى يخرج من القِسم ، وما هي إلا نصف ساعةٍ حتى هاتفني وقال بأنهُ قادمٌ إلينا !!
أجبتهُ بأني ألغيتُ فكرة " طماريس" وأنا الآن في " الكورنيش " بالقربِ من المَنارة ، قدم إلينا بعد أن اتجه إلى البيت وتناولنا أشياء خفيفة وقررنا تأجيل فكرة "طماريس" إلى أجلٍ غير مسمى .
ما أجمل منظر البواخِر الجاثمة على المحيط وما أجمل عزف النوارس وإطلالة الأمواج ، الهواء النقي ينسابُ بعذوبةٍ ويتسلل خلسةً إلى رئتي ، كم أنتِ كريمة يا " كازا "
كانت عقارب الساعةُ تشير إلى قرب موعدِ الزَّوال فآثرنا العودة إلى المنزل و الجلوس مع الأصدقاء لاحقاً في المطعم الصيني " وسط المدينة" ، ذلك المطعم الصغير الذي بالكاد أن تراهُ العين نظراً لموقعهِ الذي لا يتطرق للأذهان.
قدِم إلينا الأخ " عزيز " من الحُسيمة ، الذي قضى 20 سنة في هولندا ، بل حينما رأيتهُ أول مرة ظننتهُ هولندياً !!
رسم "سعد" و " عبد العزيز " الخطة للخروج هذا المَساء ولم يكن علي سوى التأييد فإني على علم بأنهما ثنائي الروعة والأفكار الـ " مُروعة " !!
وكنتُ على يقين بأنهما سيقرران تناول العشاء في المطعم الصيني كما ذكرتُ سابقاً ،اتفقنا على تناول العشاء هنالك ، لكني قلتُ لهم بأني سأتأخرُ قليلاً لانشغالي في بعض الأمور .
أتيتُ إلى المطعمِ الصيني والأدخنةُ تتصاعدُ تلقائياً والضوء الخافت يلامسُ عيني التي طغى عليها النُعاس والموسيقى الهادئة تداعبُ مسمعي ، لم ألقِ لكل هذا بالاً ورحتُ أبحثُ عن رفقتي ، حتى وجدتهم في أقصى المطعم ، تناولنا العشاء الصيني وخططنا للخروج لاحقاً إلى " عين الدياب " ، وكما قال سعد : عين الدياب هو نقطة الانطلاق ونقطة التجمع حتى وإن أتيت إليه ألف مرة فإنك ستكتشف أشياء جديدة وتشتاقُ إليه مجدداً .
وصلنا إلى الكورنيش رغبةً منا في إطلاق سراح الأرجل وتخفيف الأوزان الهائلة التي حملناها في بطوننا ورحنا نتبادل أطراف الحَديث حتى بلغنا منتصف الطريق تقريباً ، وبالقربِ من مطعم " السعد " راودتني فكرة احتساء القهوة " الكحلا " لكن الأصحاب اختلفت آراءهم و اتفقوا لاحقاً على شربها في مطعم "الدار البيضاء" في فندق حياة ريجنسي !!
يا أصحابي لماذا نشربها هناك ونحنُ هنا قريبين ؟ والأجواء أفضل ؟!
وما أعذب همسك الذي يدخلُ إلى القلبِ دونَ توقف ، في طريق العودةِ نرى " جامع الحسن الثاني " وأنوارهُ تعانقُ السماء في لوحةٍ خيالية رائعة والسحبُ كأنها ترسم ظِلال المئذنة العالية ،كانت النفسيات مرتفعة والمعنويات عالية ؛ كيف لا ولقد صافحتُ عين الدياب مجدداً وخطت أقدامي على أرصفته "قصائد الجنون ".
وصلنا إلى فندق " حياة ريجنسي" ، وما إن تصل إلى هُناك حتى تجد أولئك الموظفين بالرداء الأسود وأجهزة الإرسال الموصولة في آذانهم ، بشكلٍ يذكرك برجالِ الإف بي آي ، دخلنا إلى الفندق الكَبير والأضواء كأنها أقمار متدلية من عنقِ السماء ، واتجهنا مباشرةً إلى المطعم الموجود في نهايةِ الرواق تدفعنا أمواج " القهوة " التي صارعناها مطولاً هذا المساء .
أخذنا موضعاً لنا في أقصى الزاوية وطلبنا القهوة وبعض الحلويات .
المطعمُ يعج بشتى الجنسيات ومختلف اللغات ، والكُل في رحلةِ الفكر تائه ، كانت أصواتنا ضائعةُ في معمعةِ الضجيج حتى أتت تلك الفرقة الموسيقية التي زادت الطين بلة وارتفعت الأصوات وبدأت الأغاني تأتي إلى مسامعنا كأنها فيضان عرم ، قلتُ للأصحابِ بأني سأخرجُ لاستنشاق الهواء الطلق فلقد ضاقَ صدري من الأدخنة المتصاعدة وتشبعت النفس من كُتِل الدخان ، بالرغم من أني مدخن لكن لا منفذ لتلك الأدخنة إلا الهرب إلى خارج المطعم .
عند خروجي إلى باب الفندق الخارِجي صدفتُ بعض الحُراس الذين انشغلوا بترتيب الأوضاع واستقبال النازلين لديهم ، دعاني الفُضول إلى التوجه إلى مقهى "فرنسا" لتناول " الكحلا" لكن بصورةٍ شعبية رائعة ، على اليمين من المقهى كانَ هنالك شابٌ يبيع "الصحف" وبعض " العطور " اخذت من عنده صحيفة المساء وأتخذتُ مقعداً لي في المقهى ، الجَميل في هذا المقهى أنك تشاهد الجميع ما بين الغدو والرواح وتتأصل البساطة فيه وفي خدمته البسيطة ، وفيما مضى كنتُ أتناول قهوتي سريعاً بعد صلاة العَصَر ، على الجوانبِ الأخرى من المقهى تجد العديد من الباعة المتجولين الذين يعرضون خدماتهم وبضاعاتهم ، قدمتْ إلي سيدة بانت عليها ملامح التقدم في السن وسألتني بالمغربية الدارجة عَنْ أقرب مركز شرطة !!
أجبتها بأن القسم في مكانٍ ليس ببعيدٍ من هُنا ووصفت لها ، ثم عدتُ إلى طاولتي لكني وجدت أحدهم وبرفقة زوجته وابنته الصغيرة في طاولتي
دفعتُ الحِساب وعدتُ إلى الأصحاب !!
المنظر الجَميل يكمنُ في تلك الخطوات المارة على الرصيف وفي الشارع ، والازدحام الذي لا يهدأ أبداً
والسباق المحموم بين المُشاة والسائقين ، بلغتُ مرادي وقضيتُ أغلب الوقت برفقة الزملاء حتى انتصف الليل
فقررتُ العودةَ إلى المنزل والإرهاق أخذ مِني ما أخذ والتعبُ دبَّ في جسدي.
كانَ مذياع سيارة ذلك الشاب يصدحُ بأعلى صوتٍ لأغنية نجوى كَرم !!
في مساءٍ باردٍ للغاية وفي " زنقةٍ" ذات اتجاه واحد فالسيارات تمرُ فقط ولا تستطيع العودة ، وأهل الحَي في سباتهم ، وكل هذا في المدينة القَدِيمة !!
كنتُ وحيداً ذلك المَساء كعادةِ "المجانين" حينما يفقدون تركيزهم وتأخذهم "الأفكار" إلى وادٍ غير ذي " عَقل " !!
ولا أخفي عليكم بأني اشتقتُ للذكريات الأولى لي في كازا ، فقررتُ التوجه بالقرب من فندقٍ قديم كنت قد سكنتهُ فيما مضى وكانت زيارتي للسلام على صاحبه و العاملين به .
في الطَريق إلى الفُندق أخذتني خطوتي واشتياقي للجميع هُناك ، تجاوزت الأحياء و أخذتُ طريقاً مختصراً لأصل
وكانت الساعةُ تشير إلى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل تقريباً ، قدمت بمحاذاتي فَتاةٌ في مقتبل العُمر بدت ملامح الحيرة عليها والقَلق وأخذت تسألني : هل رأيت طفلاً صغيراً مر من هُنا ؟
أجبتها بأني لستُ من أهل المدينة ولم يمضِ لقدومي الحي إلا بضعُ دقائق ،راحت في نوبةِ بكاء هستيرية وخشيتُ أن يعتقدَ أحدهم بأني افتعلتُ مشكلةً معها ولكم أن تتخيلوا كازا في منتصف الليل !!
حاولت تهدئتها بزرع الأمل في نفسها بأن شقيقها سيعود ، لكنها أردفت قائلةً والدمعُ يغتال حروف كلامها : لسنا من أهل الدار البيضاء وأخشى أن يكون هنالك مشكلة أو وقع خطبٌ ما !!
قدمت مجموعة من الشُّبان وهنا لا أخفي عليكم بأني خشيتُ أن أسقط في أيديهم أو تكون الطامة الكُبرى !!
استغفرت الله كثيراً في نفسي وتبتُ إليه وجمعتُ أنفاسي المضطربة ودعوته بأن يفرج عني كل حَزَن وبلاء .
ابتسم أحد الشبان وقال : لماذا جعلت " الحبيبة" تبكي ؟ أ هكذا يكون جزاؤها ؟
يا لقسوة قلبك !!
وكأنهُ فتح لي باباً آخراً أهربُ منه و أشرتُ له بعيني بالرضا وبأن الأمور على ما يُرام ، ومضوا في سبيلهم !
هنا تنفست الصعداء والفتاةُ المسكينة لا تعلم ما القصة لكنها كانت خائفة لولا ستر الله لأصبحنا ذلك المساء في نشرةِ الأخبار الصباحية !!
طلبت المسكينة بأن تمضي بجانبي ولا ألومها فالخوف تكاثر في قلبها والمدينة القديمة مساءاً مرعبة لغير ساكني البيضاء ، قلتُ لها بأني سأتجهُ إلى الفندق المجاور لزيارة بعض الأصدقاء ومن ثم سأمضي إلى المنزل وأتمنى أن يعود أخيك .
لم يتبق على الفندق إلى خطوات بسيطة والخوفُ مسيطرٌ على الوضع بالفعل لم أكن خائفاً على نفسي لكني خشيتُ على الفتاة المسكينة التي لا حول ولا قوة لها هُنا فأنا استطيعُ أن ادافع عن نفسي على أقل تقدير
لكن هي ؟
انبثقت أضواء الفندق وصافحت عيني تلك الألوان الجميلة وخرجت زفرات الفرح من صدري لكن المفاجأة !!
كانت بظهور ذلك المترنح "المخمور" وبيده تلك القارورة ذات الأطراف المكسورة ، تمكن من إبقاء الفتاةِ في زاوية الشارع فاضطرت إلى الاحتماء بالجدار ،وغابت عن بالي حقيقة المسكينة لأنها كانت تمشي ببطء وخوف وحذر ،
الآن المصيبة في إيجاد حلٍ لهذا المخمور ، هرعتُ إليها ولا أبالغ إذا ما قلتُ بأني استخدمتُ العنف مع ذلك الرجل وكانت فرصتي حينما وجدتهُ على شَفير السقوط فباغتهُ بضربةٍ آلمتني أكثر مما آلمته .
قدم إلينا حارس الفندق ويدعى " عبد الإله " وأخذ بضرب المخمور حتى أسقطهُ على الأرض واجتمع البشر
وكان هنالك مجموعة شُبان من الخَليج خرجوا من الفُندق في صورةٍ دراماتيكية و وسط آهات الرجل ودموع الفَتاة
نزل بعض الشُبان من الحَي و قدموا إلينا وبأيديهم بعض المضارب والألواح وتجمهروا حول الرجل سيء الذكر وأخذوا يكملون عليه وكادو أن يجهزوا عليه ، تيقنت بأنها فرصتهم للنيل منه واتضح فيما بعد بأنهُ كان يؤذيهم بأفعاله .
أما الفتاة المسكينة اضطررت أن أحضر لها سيارة " أجرة " لتعود من حيث أتت لكن المصيبة كانت بأن جميع سائقي الأجرة يطلبون أسعاراً خيالية !!
ظناً منهم بأن الفتاة خارجة من فندق أو ؟ ولمجرد تأخر الوقت فإنهم ينظرون إلى الفتاة بأنها رخيصة !!
يا لهذا الجشع والطمع وفساد القلوب والضمائر !!
قمة الاستغلال !!
قالت سأعود من حيث أتيت مشياً على الأقدام !!
لا و الله لن تعودي مشياً على الأقدام وستذهبين معززة مكرمة ، هل البيت بعيد من هنا ؟
نعم إنه بعيد بعض الشيء ..
اتفقتُ مع مدير الفندق بأن يساعدني باثنين من حُراسه ليكونوا بمعية الفَتاة وبأن أجرهم سيكون علي
وفعلاً لم يكن هنالك حرج وتم الاتفاق ، ولكم أن تتخيلوا أجساد الحُراس في الدار البيضاء !!
جلستُ في حديثٍ ودي مع مدير الفندق " داوود " وأخذ يحدثني عن الضرائب المتعلقة بالفنادق التي يملكها
وبأنه سيفتتح قريباً فندقاً جديداً في وسطِ المدينة فئة " 4 " نجوم بل وشرح لي تفاصيله كاملة و حدد موعداً معي لمشاهدة الفندق عن كثب ، وأخذ يتذمرُ من المشاكل التي تحدثُ بالقرب من الفندق في كل مساء والمشاكل العديدة وبأنه قلقٌ على سلامة أبناء الحَي أيضاً ويأمل ألا يكون هنالك لهم ازعاج .
الساعةُ الثانية تقريباً بعد منتصف الليل وكازا لا تعرفُ النوم أبداً والأصواتُ ما زالت تزحفُ نحو شواطئ مسامعي والفكر مسافرٌ باتجاه المنزل و زوجتي وتلك الفتاة المسكينة ، بعد عودة الحُراس سألتهم عن الأوضاع كيف سارت معهم وهل كل شيء تحت التصرف فأجابوا بأن كل شيء على ما يُرام .
استأذنتُ من السيد " داوود " وأخبرتهُ بأني ذاهبٌ إلى المنزل ، لكنهُ قال معاتِباً : يا بُني إن الوقت متأخر والدار البيضاء في هذا الوقت مرعبة سأقلك إلى منزلك أو على أقل تقدير سأوفر لك غرفة ترتاحُ بها حتى الصباح الباكِر.
لكني اعتذرتُ له بشأن المبيت في الفندق و أصر على رأيه وقال : الغرفة مجانية يا بُني !!
ليست المسألة هكذا صدقني ، فقط أريد الذهاب إلى البَيت لئلا تقلق زوجتي .
ابتسم و قال : المغربية تغارُ عليك وتخاف أيضاً من أن تتأخر حتى هذا الوقت وما أظنها إلا منتظرةً قدومك مع كم هائلٍ من الأسئلة .
صعدتُ إلى سيارته و أوصلني إلى المنزل ودعوتُه لتناول الغداء لدينا لكنهُ سبقني قائلاً : سأكون في بلجيكا بعد غد وأرغبُ في الاستعداد للسفر وإذا كان هنالك متسع من الوقت فإني سأتناول القهوة معكم .
[ أتعجبُ كثيراً ممن يسألني قائلاً : هل المغرب آمِن ؟ يُشعرني بأنهُ لا يفقهُ شيئاً في المغرب وبأنهُ خائف !! عزيزي الخائِف إن أنت لم تقدم على شيء يغضبِ الله ولا يضر عباده فإنه لا خوف عليك ولا تحمل في قلبك ريبةً ولا شكاً وعليك بتقوى الله وتجنب المشاكل والابتعاد عن مواطِن الشُبهات ]
لا ألومه لأني هاتفتهُ في الساعةِ السادسة إلا رُبع !!
اتصلتُ على زوجتي وقلتُ لها : خذي سيارة أجرة فإنه يلزمني نصف ساعةٍ تقريباً لأصل إليك بعد أن آخذ السيارة.
لا بأس سأكونُ في مركز الشرطة مع " عمتي " تعال إلى هُناك لاحقاً !!
سأصدقكم القول بأني عدتُ إلى الفِراش ولم ألقِ لقصة "سيمو " بالاً وبعثتُ برسالةٍ نصية إلى زوجتي وقلت :
متى ما انتهت مشكلة سيمو اتصلي بي و ارجعي إلى المنزل برفقة ابنة عمتك ..
استيقظتُ على آذان الظهر !!
وكنتُ أعتقدُ بأني في غفوةٍ بسيطة لكن النوم سلطان يا اخوان
سيمو قصته قصه وأحواله " عجب " كما قال ذلك المطرب الشعبي ، الذكي الفطن سيمو احتفظ ببعض الأجهزة الالكترونية والتي طلب منه صاحبه الاحتفاظ بها حتى عودته ، لكنه لم يكن يعلم بأن الأجهزة مسروقة !!