براغ ربما كوريّة .. وربما يابانيّة

arabtrvl1446655338331.jpg



arabtrvl1446655338372.jpg



arabtrvl144665533843.jpg



arabtrvl1446655338434.jpg



arabtrvl1446655338475.jpg



arabtrvl144665533856.jpg



arabtrvl1446655338537.jpg
 
ودّعتُ ذلك المشهد الخرافي ..


ونزلتُ مسرعا .. يقودني قلبي ..!


فكّرتُ بنزهة صغيرة .. على الضفّة المقابلة للجسر ..


لمحتُ هناك بطّات بيضاء ..


وفتيات صغيرات يلعبن معها .!


وأطفال يقتربون بحذر نحوها !!


تتفهّمُ البطّاتُ ذلك الحذر الطّفولي ..


فتبادر هـي نحوهم .. تقترب قليلا لكنّـها تظل على مسافة آمنة .!


تلك هي نصيحة الجدّات .. لا تثقن بالإنسان .!


سألتُ عن الطريق الضيّق ..


هل سمعتم بأضيقِ شارع في العـالم .؟!


تصوّروا .. أنّهم وضعوا له إشـارة مروريّـة خاصّـة ..!


بلونينِ فقط .. أخضر وأحمر .!


وحين تضيء الإشارة الخضراء يمكنك عبورُ الطريق للناحيةِ الأخرى .!!


وحين تضيء الإشارة الحمراء توقّف .. فذلك يعني أنّ أحدا يعبرُ الطريق متجها نحوك .!


لا غرامات مالية لعدم الالتزام بإشارتي الطريق الضيّق.. لكنّك قد تضطر للعودة من منتصف الطريق إذا قابلك شخص قادم من الطرف الآخر .!


لأنه لا يتسعُ لكليكما .!!


فكرةُ الطريق الضيّق مسلّية ..


لكن تفوحُ منـها رائحة تجاريـة .!!

arabtrvl1447340779221.jpg



arabtrvl1447340779262.jpg



arabtrvl1447340779293.jpg



arabtrvl1447340779354.jpg
 
ومررتُ بمقاه فاتنة .. يا لرومانسيّة مقاهيك يا فلتافا .!!



وما أغباني .. أنا الغبي محدثك .!!



أنا البائس الذي لطالما أجّلتُ الجلوس في مقاهيك ..!


يا لوقاحتي ..


ما أجمل ذاكرة المقاهي .. والنواصي .!!


هل تسمح لي بأن أعدك بتصحيحِ كل أخطائي في المرةِ القادمة .؟! عندي إحساسٌ عميق بأننا سنلتقي ..


إن شاء الله .. سنلتقي .!






وأكملتُ طريقي ناحية التلّـة الكبيرة ..


وقادتني خطاي لحديقة صغيرة ومتأنقة ..


قد بالغت في تأنقها .!!


ويمر الترامُ الأحمرُ الزاهي .. بضجيجه المزعج .!


وعند نهايةِ الشارعِ الأخير ..


ينعطفُ مبتعدا ناحية فلتافا .!!


تعجبني رشاقته ..


رأيته مرة يتوقف عند الإشارةِ الحمراء .!


فلم أجرؤ على عبور الطريق .. كلهم عبروا إلا أنا .!!


بقيتُ مبحلقا بالسائق الذي يرتدي ملابس لا تناسبه.!


تخيّلتُ نفسي وأنا أجلسُ مكانه ..


وفي رقبتي كل هذه العربات الممتدّة .!!


فجأة .. وجدتُ نفسي في تحد تكنولوجي ..؟!


أفقدُ ثقتي بنفسي حين أقفُ بمواجهةِ الآلات ..!


لا أفهمها .. ولا تفهمني .!






عليّ قطع تذكرتي بنفسي ..


سأركبُ القطارُ الجبلي الباهت والكسول لأعلى التلّة .!


هل سمعتم ببرج بيترين .؟!


إنّه هناك في الأعلى ..


حاولتُ استعطاف العاملين .. لكنّهم اكتفوا بشرح مفصّل لكيفيّة قطع التذكرة .. بهداوة في المرة الأولى


لكنّ اللهجة تغيّرت في المرة الثانية .!


باتت أقل حميميّة ..


فشلتُ مرتين ..!


وفي المرّة الثالثةِ فعلتها .!


لقد فعلتها ..!


لقد تغلّبتُ على تلك الآلـةِ الماكـرة .. والمتـآمرة .!!


إنّـه انتصار لقيم الإنسانيّة ..


ضد حضارة الصلبِ والحديد .!!
 
وتحرّك القطارُ الجبلي ببطئ ..



نعبرُ الغابة المتسلّقة .. ببطئ .!!



لا أحد يهتم لأنينِ العربات المنهكة ..!


لا أظن بأنّ حيوانا يحترمُ حيوانيته يسكنُ في الجوار!


وسط كل هذا الضجيج .. والضحكات .!



وحين وصلنا ..


اكتشفتُ أنّ عليّ قطع تذكرة أخرى .!


بطريقة إنسانيّة وآدميّة هذه المرّة ..


فتاة فارعة الطولِ تجلس خلف النافذة .!


سلّمتها الكورونات .. وسلّمتني التذكرة .!


لا حاجة إذن لتلك الآلات لتتدخل بيننا .!!


لا يروقني برجُ بيترين .!


هذه الكتلة من الحديد ليست ذات معنى .!


مجـرّدُ قطع حديديّة متشابكة .. باردة


وأيضا بلا رائـحة .!!


وحين تفقدُ الأشياء رائحتها فذلك يعني أنّها فاقدة للحياة


أشارت الموظفة الفارعة الطول لطريق البداية .!


وكأنّي لمحتُ ابتسامة ساخرة .!


إنّها لا تبدو واثقة من قدرتي على الوصول للقمّة .!


شعرتُ بالإثارة .. والتحدّي .!


بدأتُ بهمّة عالية .. وبشحنة معنويّة جبّارة .!


لكنّ البطّارية الأصليّة والاحتياطيّة فضّت بعد دقيقتين!! وحتى مدخراتي من الشحنات المعنوية والعبارات الطنّانة والرنّانة انتهى مفعولها بعدها بدقيقة واحدة .!


لكنّي قاومتُ حتى النّهاية ..


معتمدا على شدّة خجلي من نفسي ..


ومن تلك الفتاة فارعة الطول .!!


ماذا لو عدتُ إليها بعد دقيقتين .؟!


تسابقني طفلة في الوصولِ لخطّ النّهاية ..!


منحتها فرصـة تجـاوزي .. وهزيمتي .!


أنا سعيدٌ بهزيمتي ..!!
 
ولمحتُ جيجكوف من بعيد ..



أتذكرون جيجكوف ..؟!



يظنّ أنّه بذلك يخرّبُ رحلتي ..



يعني نوع من تصفيةِ الحسابات .!!



محاولـة إثبـات وجود .. بطريقـة الأمر الواقع .!



ذلك البـرجُ التعيـسً يحاولُ فـرض إرادتـه في سماءِ براغ



يحاولُ نشر ثقافة القبح على الأرض .. وفي السّـماء .!



لكـن بـراغ الجميـلة قادرة على تجاوزِ سيئـاتِ أبنائها.!





اترك مكانك يا جيجكوف .. واقتـرب قليلا .!



هل اغتسلـت يوما في فلتافا .؟!



فكيـف تدّعي أنّـك ابن شرعي لبراغ ؟!



ولـم ترقص يوما على كارلوف موست .!



ولـم تجلس في مقاهي فلتافا .؟!



حرّر جسدك المتصلّب يا جيجكوف .!!



انزلِ السّاحة القديمة ..



واعزف لحنا قديما .. وتمايل .!



فلتأتِ لترى .. تعال هنا لترى ..



كيف أن براغ محكوم عليها بالجمال .!




مرحبا .. أيّها البرج المتحرّرُ من الأسماء ..!



كـيف أنت .؟! إنّي أفتقدك ..!



لقد تركتُ قلبي عند العتبةِ الأخيرة ..



يقول بأنه سيقضي المساء بصحبتك .!!



سلامـي لذلـك الغريب الـذي يلـوّح في الفراغ ..



قـل لـه بأنّـي أفهمه .!






ماذا عن ذلـك السّافل .؟!



ألا يـزالُ محتضنا تلك الفتاة فاقعة الجمال بالمقاييس العالمية .؟!



قـل لـه بأنّـي لن أسامحه ..!



والتفتُ ناحيـة قلعـة براغ ..



وعدتـها بأن نلتقي غدا .!




سأنزلُ التلّـة ماشيا ..



جهّزتُ صوتـي .. سأغنّي حتى النّهر .!



سأتركُ المجال لقلبي .. ليختار الأغنية التي يشاء .!



أغنية واحدة تملّكتني ..



فيروز وهي تغنّي الوجع الفلسطيني ..



" غاب نهار آخر ..



غاب نهار آخر ..



غربتنا زادت نهار ..



واقتربت عودتنا نهار " ..!





أشعرُ بالحزنّ يخترقني ..



لكنّي لا أتوقّفُ عن الغناء .!



وتغمر العتمة التلال .. وتختفي الظلال .!!



وظللتُ أغنّي .. لوحدتي وغربتي !!



حتى النّهر ..
 
كان صباحا مشمسا .. إنّه صباحي التشيكي الثالث لو تذكرون .؟! كانت في حدودِ التاسعة ..



ولم أكن بحاجة لمن يدلّني على الطريق .!



لكن ولمجرّد فتح حوار صباحي ..


ولكي لا أنسى بعض المفردات الإنجليزيّـة من قلّـة الكلام سألتُ شرطيّا عن الطريق للقلعـة .!


دخلتُ القلعة ولم يستوقفني أحد .. ولم يفتشني أحد .!


أليس هذا مقر رئيس الجمهوريّة .؟!


نعم .. كل التقارير التي قرأتها تؤكّدُ ذلك .!!


أنا في قلعةِ براغ أخيرا ..


كم تمنّيتُ الوقوف حيثُ أقفُ الآن .!


ضغطتُ بحذائي على الأرض لمزيد من الاطمئنان .!


المئاتُ يتجمّعون عند إحدى البوابات ..


يحضرون مراسم تبديل الحرس الرئاسي .!


أولئك الذين يتحرّكون كالآلات ..


ويقفون كالأصنـام ..!


ويرتـدون نظّـارات سوداء ليخـفوا رمشات عيونهم ..


لكي لا تلتقي نظراتهم بنظرات هؤلاء المتطفلين ..


والمعجبين الذين لا يملّون الانتظار .. بانتظارِ حركة .!


لعلّهم يوثّقون ضحكة .. حكّة .. عطسة .!


فهمتُ أنّ سرّ هؤلاء الحرّاس المساكين يكمنُ في نظّارتهم


اقتربتُ بحذر من أحدهم ..


وقفتُ بمحاذاة عينيـه .!


فاكتشفـتُ أيّ بؤس تخفي تلك النظّارات السوداء .!


اقتربتُ .. لألمح نظراته العصبيّـة ..


وهي تتجوّل بين الحشود .!


وهي تشتهي جسد سيدة فاتنة ..


خلف تلك العتمةِ .. حياة .!


وحين اكتشف أنّي اكتشفته ..


تصـلّبت حتـى رموشه .!


arabtrvl1447341801521.jpg
 
ابتعدتُ قليلا .. لأقترب من عمود ماريان .!



أي عمود مريم .. أم السيّد المسيح عليه السّلام



لقد أقاموه احتفالا بانتصارِ المدينةِ على الطاعون .!


لا أحـد في الجـوار ..!


هل قلتُ لكم بأنّـها أي القلعة هي الأكـبر في العـالم .؟!


ربّـما نسيت .. هكـذا تقول موسـوعة جينيس .!!


هل قلتُ لكم بأنّها بنيت للمرة الأولى في العام870 م؟


عدّوا القرون والسنين على مهلكم ..


لا داعي للعجـلة ..!


لكنّـها تغيّـرت كثيـرا ..


قرأتُ بأنّ رؤسـاء التشيك يرفضون رفع علم الاتحاد الأوربي فوق المقر الرئاسي بقلعة براغ .!!


لأنّـها رمز القوميّـة التشيكيّـة ..!!


arabtrvl1447341801572.jpg
 
كآبـة تظلّـل كاتدرائيّة القدّيس فيتوس ..



بلونهـا الخارجي القاتم ..



تشبـه قصر " دراكولا " في الرسوم المتحركة .!


لا ينقصها سوى بعض الغربان والوطاويط وبومة عجوز!


أيّ بائـس أشار عليهم بهـذه الألوان الجنائزيّـة .؟!


طفتُ حولها .. وتلّمستُ جدرانها القاسية .!


لا توحي بالألفة ولا بالطمأنينة ..!


هنـا كانت تحط المواكبُ الملكيّـة ..


هنا يتوّج الملوك


وهنـا تـودّع جنائـزهم ..!


وهي الأكبر والأهم والأكثر قدسيّة في كل تشيكيا .!


لماذا هذا الإصـرار علـى تلـك الأبـراج الحادّة الملامح والزوايـا وهي تتجـه نحو السّمـاء .؟!


إنّـها تفتقرُ للرشاقةِ ..


تشبهُ الصواريخ الموجّهة نحو الأعلى .!!


هل يحق لـي هذا التشبيه المهين ..؟!


لكنّ ذلك تحديدا ما شعرتُ به .!




تقدّمتُ ناحية الباب الكبير ..


كان مفتوحا .. لكنّي مرّرتُ أصابعي على تفاصيلـه .!


توقّفتُ مبهورا ممّـا رأيت ..


لا أجد كلمات تعبّر عمّا رأيت .!!


هل جرّبتم ذلك الإحساس بالجمال المرعب .؟!


ذلك المزيج من الإثارةِ والخوف ..!


الخوف من شيء غامض ..


تلك الزوايا الحادّة والمعتمة تربكني ..


وكأنّها أعشاش لكائنات برأسين .!


لا يمكنني البقاء هنا وحيدا حين يحل الظلام .!!


صدّقوني .. لن تكون تجربـة سعيـدة .!


لكنّـها جميلـة .. لا يمكنني نكـرانُ ذلـك ..!


لهـا جاذبيّـة من نـوع خـاص ..


وكـأنّها تجسّدُ الصراع بين الخـيرِ والشّـر .!


تتقاذفني أحاسيسٌ متناقضة .. متداخلـة .. متشابكـة.!






تجـوّلتُ لساعتينِ بين الأضـرحةِ


والتماثيـلِ المتدليـة كأنّـها جثثٌ معلّقـة ..!


والصولجاناتُ والهدايا والتحف الذهبيّـة ..


أعجبتني تلك النوافذ الزجاجيّـة الملـوّنة .. ما أجملها .!
 
قرّرتُ وبملء إرادتـي صعـود برج الكاتدرائيّـة .!


استوقفتني سيّدة عجوز ..


وأعـادت علـيّ عبـارة واحدة مرّتيـن .!

سيـكونُ عليك صعود البـرج على قدميـك .!

كانـت لهجتهـا أقـرب للتحذيـر .!

وكأنّـها تقول لا تتهـوّر يا بني ..!

قلـتُ لـها بثقـة بأنّـي أفهـمُ ذلك ..

فكّرتُ بأن أعدّد لهـا الأبـراج التـي صعدتـها .!

والتقنيـات التـي أستخدمـها للوصـول للقمّـة

وأنـا في قمّـة نشـاطي .!!

لكنّـي تراجعـتُ عن تلك الفكـرة الصبيانيّـة ..

فلا يليـقُ بـي البـوح بأسـراري للغربـاء .!!



وضعـتُ بقدمي على العتبـةِ الأولـى .. وبدأتُ بالعد .!

كانت نبرات صوتي مفعمة بالتحدّي ..

لكنّـها سـرعان ما تراخـت وذوت .!

توقّفـتُ عند الزوايا التي تمنحني مساحـة منـاسبة ..

لأسحـبُ أنفاسي مـن أعمق نقطـة في بطنـي .!

لا أدري أيّها الشهيقُ وأيّها الزّفير ..

مـّرت بقربـي فتـاة في طريقـها للنزول .!

حبسـتُ أنفاسي خجلا ممـا زاد في معانـاتي .!

سألـتُ العائـدين من القمّـة .. كم تبقـى من الوقـت .؟!

أحداهـنّ تجاهلتني بقسوة .. أحدهـم تعطّـف قائلا بأنّـي في منتصفِ الطريـق للقمّـة .!!!

ليتني ما سألتُك .. أيّهـا الوقـح .!

تمنّيـتُ لو كـذب عليّ .. لو أوهمنـي .. لو خدعنـي .!

على الأقـل كنـتُ سأعيشُ الوهـم لدقيقـة أو دقيقتـين.!

لكنّـي وصلـتُ أخيـرا ..

وكافأتني براغ .. ربّمـا للمرّةِ العاشرة .!

أكادُ لا أحصي عطاياكِ يا براغ ..


توقّفـتُ قبـالـة برج الكاتدرائيّـة ..!

لأقيـس إنجـازي .. كانـت مغامـرة تليـقُ بي ..!

arabtrvl1447342790461.jpg



arabtrvl1447342790492.jpg



arabtrvl1447342790533.jpg



arabtrvl1447342790574.jpg



arabtrvl1447342790615.jpg
 
وقادتني خطـاي لبـرج مراقبـة صغـير ..



هو أقـربُ لقـزم صغـير مقارنـة ببرج الكاتدرائيّـة.!



لا شيء مثيـر .. مجرّد استعراض للملابس العسكريّـة


توقّـفتُ للأزياء العسكريّـة النسائيّـة .!


لا يمكنني استيعاب أن تكـون المـرأة قاتـلـة ..


تحـرّض على المـوت والكـراهيـة .!


لماذا يقتـلون أجمـل ما فينـا .؟!!


أكملـتُ طريقي .. للطـريق الذهـبي ..!


مـن هنـا كانـت تمـرّ العـربات الملكيّـة في طريقهـا للكاتدرائيّـة ..


بيـوت متواضعـة .. أنيقـة ودافئـة ومفعمةٌ بالألـوان!


وعلـى شرفاتهـا الزّهور .!


لكنّ أهلها هجـروها ..


أشـك بأنّـهم تركـوها من طيـبِ خاطـر .!!


ربّـمـا طـردوهم منّـها بشياكـة ..!


ليحّولوهـا لمتـاحف ..!



وفـي العليّـةِ .. فـوق هذه البيـوت تمـاما


متحـف آخـر .. ممتـدٌ ومعتم .!


لمـاذا يا تـرى .؟!


لخوذات المقاتلـين .. وأدواتِ التعذيـب ..!!


لتعيشـوا هذا التناقـض العجـيب ..


قصّـة الإنسـان .. حلـوها ومـرّها .!


لـم تكـنِ الأدواتُ مبهـرة .. ولا جذّابـة .!


وتجوّلـتُ في قصـور وكنـائـس ..


لكنّـها جميـعـا لـم تكـن بمسـتوى طموحـي .!!


لقـد توقّـفت المتعـة عـند الطـريق الذهـبي ..!


انتصـف النّـهار وحـان وقـتُ العـودة .!!


مـررتُ بشوارع جديـدة ..


كـان واضـحـا أنّ بـراغ تستعـرضُ مفاتنـها .!!



 
أهـلا بك سيّـد جـان هـوس .!



كيـف أنـت هـذا المسـاء .؟!



أتذكـرنـي .. لقـد التقينـا مرّتيـن مـن قبـل ..!


احـنِ رأسـك قليـلا .. هل تعرّفـت علـيّ .؟!


أتسـمحُ لـي بالجلـوس .؟!


سأجـلس هنـا حتـى موعـد العشـاء .. مـا رأيـك .؟!


أتعـرف لمـاذا اختـرتُك .. لأجـلس بقربـك .؟!


لأنّ كـراسيـك مجانيّـة .!


هل أنـت غاضـبٌ من وقاحتـي .؟!


احنِ رأسـك .. اجلـس قليـلا .!


ألـم تتعـب من الوقـوف .؟!


ألـم تتعـب من دورِ البطـولـة .؟!


اضحـك .. أتعـرف كيـف تضحـك .؟!


اجـلس هنـا ومدّ رجليـك .. مدّها عن آخـرها .!


وتثاءب حين تـرغب في التثاؤب ..


ففي ذلـك المقهـى لا يمكنـك التثاؤب إلا بشياكـة .!


في ذلـك المقـهى عليـك أن تتثاءب بشكل حضاري ..


وتضحـك بشكل حضاري .. وتعطس ..


وتحرّك رجليك وعينيك بشكل حضاري .!!


وإلا سيركـلونك للخـارج بشكـل غير حضاري .؟!


لا عليـك .. أعدك بأنّنـا سنلقّنهـم درسـا في الحضـارة


ونحـن هنـا .. علـى رصيفـك المجّـاني يا بطـل .!!


لكـن كيـف السّبيلُ إلـى ذلـك ..


سنفكّـر فـي ذلـك لاحقـا .!


دعنـا الـآن مـن القيـل والقـال ..


مـا رأيـك لـو لعبـنا لعبـة مسلّيـة .؟!


سنعتبـرُ هذه السّـاحة العجيبـة مسـرحا كبيـرا ..


فلنتخيّلـها كـذلـك .. هل يمكنك التخيّل .؟!


وكل الذيـن في السّاحـة ممثّلون .. أو ممثّلين


لا أدري موقعها من الإعـراب ..!!


ونحـن الجمهـور .. لكننـا جمهـور متخفي .!


لن نعتـرف لهـم بذلـك ..


ليأخـذوا راحتـهم في التمثيـل والتعبيـر .!!


ما رأيـك فكـرتي .؟!


تجنّـن .. أليـس كذلـك .؟!
 
هل قلـتُ لـك أنّـي سعيـدٌ بصحبتـك ؟!



ألمـح شابّانِ أظنّهمـا أمريكيّـان ..



يقتـربانِ من وسـطِ السّـاحة .!


تأكّدتُ أنّهمـا سيكونـانِ بطـلا المسرحيّـة لهـذا المسـاء!


تجهّـزا جيّـدا للعـرض الـذي سيدوّخـانِ به الجمهـور .!!


وضعـا عدّة الشغـل .. جيتـار وطبلتـان .!!


واتفقـا بأن تكـون حقيبـة الجيتـار هـي السلـة التـي سيلقـي فيـها المعجبـون بالكورونات واليوروات والدولارات .!! جهـزاها جيّـدا لتكـون قادرة علـى استيعـاب مبلـغا معتبـرا .!!


ربّـما يكفـي لقطـع تذكرتا العودة لكاليفورنيا


وعلى الدرجـةِ الأولـى .!


قامـا بتوزيـع الأدوار .. أحدهمـا ستعزفُ على الجيتارِ ويغنّـي .. والثانـي سيكتفـي بالتطبيـل والتشجيـع .!


لكـن الخطّـة لم تنجـح .. لـم يقتـرب منهمـا أحد .!


فقررا تغييـر التكتيـك ..


رفعـا صوتهمـا .. وقرّر أحدهمـا أنّ عليـه أن يقـوم ببعـض الحركـات الاستعراضيـة ليكونا أكثـر جاذبيّـة .!


فالنّـاس يحبّـون الخـروج عن المألوف ..!


تـرك الجيتـار جانبـا وقـام ليؤدي رقصـات ويدورُ حـول صاحبـه ليوهـم العابـرين بأنّـه وصـل لحالـة من النّشـوة جعلـته يرقـصُ طـربا .!


لكـنّ هذه الخطّـة باءت بالفشـل أيـضا ..!


رفعـا صوتهمـا .. عاليـا ..! فكـان صراخـا ضد هذا التجاهـل المهيـن للفن والفنّانيـن .!!


ووصلـت لهمـا تعزيـزات إضافيّـة .. اقتـرب منهمـا رجـلانِ بمـلامح هنديّـة .. وعـرضا عليهمـا المسـاعدة بشـرط أن يتولـى أحدهما زمـام الأمـور..


فيكـون العـازف والمغنّـي معـا ..!


يعنـي اثنيـن في واحـد ..


وذلـك في محاولـة أخيـرة لإنقـاذ الموقـف المتهـور ..


تـرك العازفـان الأصليّـان كرامتهمـا جانـبا .. ووافقـا ..!


واستمـر الراقـص فـي رقصـه ..


والعـازف فـي عـزفـه .!


والطبّـالُ فـي طبلـتـه ..


سأكتـفي بهـذا المشـهد .. أظنّـه كافيـا ومعبّرا .!


صفّقتُ لأبطـالِ المشـهدِ الدرامـي البائـس ..


لكنّـي لـم أتحمّـس لإلقـاء شيء فـي حقيبـة الجيتـار .!


فلربّمـا يفسّـر أصحابنـا الأربعـة ذلـك نـوع من الاحتفـاء والاعتـراف العملـي بقدراتهـم وإمكاناتهـم .!


أعجبنـي إصـرارهـم .. لساعتـين .!


قضيـتُ معهـم وقـتا ممتـعا ..!


حظـا وافـرا فـي المـرة القادمـة ..


ربّـما عليـكم الاستعانـة بصـوت شجـي .!


أو وجـه جميـل .!!


تصبـحون علـى خيـر جميـعا ..


وأنـت أيضـا يا سيّد " هوس " ..


نلتـقـي لاحقـا .!
 
أنـا لا أعـرفُ من يكـون جـون لينـون .؟!



لكـنّي فـي الطـريق لزيارةِ جـدار يحمـلُ اسمـه ..



جـدار لينـون .!!


قرأت أنّـه من مطـربـي الرُّوك المشهورين ..


كـان مناهضـا الشيوعيّـة والشيوعيّيـن ..!!


والـذيـن كـانوا أيّـامها يحكمـون التشيّـك ..


وعنـد وفاتـه أراد بعـض الشبّـاب تخليـد ذكـراه بكتـابة أغانيـه على هـذا الجـدار .!!


لـم يكـن ذلـك مقبـولا في الثمانينات ..


فالشّباب يكتبون .. والحكـومة تمسـح ما يكتبـون .!


كـان الجـدارُ تعبيـرٌ عن إرادتيـن .. وعالميـن ..!


تحـول جـدار لينـون لـرمز .. طريقـة مسالـمة للتمـرد .!


ذهبـت الشيوعيّـة .. وظـلّ الجـدارُ قائـما ..!


ربّـما تغيّـرتِ الشعـارات .. لكـنّ الفكّـرة ظلّـت قائـمة .!


التغيـير بالكلمـات .. بالألـوان ..!


توقّعتـها مجـرد شخابيـط .. وعبـارات بذيئـة .!


لكنـها كانـت مسـاحة للبـوح ..!


للإبـداع .. وللتعبيـر الراقي ..!