ألصقتُ وجهي بنافذةِ القطارِ المتسخة قليلا .!!
تحرّك القطارُ ببطء .. ربما ليمنحني فرصة أخيرة ..!
تحرّك القطارُ ببطء .. ربما ليمنحني فرصة أخيرة ..!
ودّع مدينتك أيها الغريب .. فلربما لا تلتقيان .!!
تجاهلتُ وصاياه السوداء .. ونبرته الخبيثة .!!
أظنّنا سنلتقي .. قالت لي ميونخ بلا يقين .!!
لكنّ ذلك اللايقين في صوتها .. يقين .!!
لكنّي .. ودّعتها كنوع من الاحتياط .. فمن يدري .!!
وسمعتُ ضحكات ذلك الهاجس الأسود تتردّد في جنباتِ هذا القطار الذي لا أذكرُ اسمه .. ولا لونه!!
على الكرسي المقابلِ فتاة صينيّة ..
ربما كوريّة .. وربما يابانيّة .!! وجهها صالح لأن يحمل ثلاث جنسيّات دفعة واحدة .. وربّما أكثر .!!
تبدّلتِ الوجوه طيلة ست ساعات ..! كنتُ في الطريقِ إلى براغ .. هل قلتُ لكم ذلك .؟!! تبدّلتِ الوجوهُ وظلّت تلك الفتاةُ بقربي .!! لم تكنِ المسافةُ بين قدمينا كافية لأن أبحبح في جلستي .. ولم يكن أحدنا مستعد لأن يتنازل عن موقعه بقربِ النافذة المتسخة قليلا كما قلتُ لكم .! لـذلك تكررت حوادثُ الاصطدام بين قدمينا .!! ومعها تكرّرت كلمة واحدة يتيمة .. Sorry.!!
لم أكن دائما في دورِ الجاني والمتسبّب في الحادث ..
لقد تبادلنا الأدوار .!!
وبين الحادثةِ والحادثة .. كنتُ ألجأ لروايتي الجديدة .!
( قلعة في البيرينيه ) لجوستاين غاردر .!! قلّبتُ الرواية ومرّرتُ أصابعي على حوافّها .. لأتأكد أنها لا تعاني من خدوش ولا أيّة إصابات أخرى .!! ما يهمني حين أجهّزُ حقيبتي أن تكون كتبي في وضع آمن .!! أختارُ لها مكانا يليقُ بمكانتها في قلبي .!! مسحتُ عليها برفق..
إنّها طقوسُ ما قبل القراءة .!!
وعلى الغلاف سيّدة تنظرُ بيأس للناحية الأخرى .. تطالعُ سيارة حمراء .. وبحرا وجبالا بعيدة .!!
من هذه السيّدة يا ترى .؟! وما علاقتها بي ..؟!
هل هي ميونخ .؟ أم براغ .؟!
ولماذا تديرُ لي ظهرها .؟!!
أيّة رسالة تحملها هذي الصورة الحمراء ..!! أنا في الطريق بين مدينتين .. وعالمين .!!
هل كان عليّ الاختيارُ بين مدينتين .؟!!
أنا الآن مثل هذه السيّدة .. أديرُ ظهري لميونخ .!!
وكذا القطار .. والمسافرين .!!
فماذا يعني ذلك ..؟!
من أنت يا سيّدة الغلاف .؟! كلّميني ..!!