تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة .
غادرنا نينيتـال إلى البحيـراتِ القريبـة .. ربما تكـون Bhimtal أشهـرها .! فيهـا تلـك الجزيـرة الصغيـرة في وسطهـا .! وتمثـال " Hanuman" ..!
ثـم بحيـرة اللوتـس التـي كـانت تغطيهـا أوراق الشجـر.. كان منظـرها ملفتـا ومريحـا .!
ثـم بحيـرة ثالثـة ورابعـة .. يتشابهـن ولو كن مختلفـات .. وتعوّض الواحدة عن الأخريات .!
وغطـى الضبـاب كـل شـيء .. توارتِ السهـول والجبال والوديـان .. لا شـيء خلف هذا الحاجز الهلامـي .. لا شـيء .!
يشبهني هذا الضـباب العابـر .. حين يتلاشـى ويتبـدّد .. كأن لم يكـن .!
تلك كانت ليلتي الأخيرة في نينيتـال ..!
قلـبي يرقـصُ طربـا حين تأتي سيـرة الهمـلايا..
كلمـة ساحرة وآسـرة .. يسميهـا الهنـود " هماليا " .!
سمعتُ ببلـدة صغيرة اسمهـا " كوساني .. Kausani" .. من هنـاك يمكنني رؤيـة جبـال الهمـلايا ..
بعيـدة .. لكنهـا تملئ الأفـق حيـن تكـون السماء صافيـة .! ولنضـع خطـا تحـت العبارة الأخيـرة .. حين تكـون السماء صافيـة.! لقـد انتهـى موسـم الأمطار .. لكن الغيـوم تعاود الظهـور وهـذا ما أخشـاه .! لكن قلبي يحدثني بأنّ الغيـوم لن تكـون سببا في تعاستـي .!
عبـرنا بـلادا وقـرى كثيـرة .. رأيـتُ معابـد ملوّنـة وجنـازة يتقدمهـا كـاهن .. ويتجهـون نحو النهرِ مسرعيـن..شعرتُ برعـدة .!
هـل سيحرقـون الجثـة هنـا؟
رأيـتُ جسـورا تتأرجـحُ براكبيهـا .. ومـزارع تحرسهـا الفزّاعات والكـلاب .! وراع يلهـو بهاتفـه المحمـول وقد تفرقـتِ الأغنـام من حولـه احتجـاجا .!
وأخيرا وصلنـا .. فندق بائس بإطـلالـة رائعـة وشرفـة واسعـة .! يقتـرب المسـاء ولا تـزال الغيوم تغطي الأفق البعيد .. للحظـة شعرتُ بنوع من الخديعة .!
هل يكذبـون عليّ .؟! هل يمكن لتلك الغيـوم أن تخفي الهمـلايا فعـلا .؟!
أشعر وكـأن الغيـوم تنـزاحُ قليـلا .. كستـارة ستكشـف عمّـا خلفهـا .! لكنّ ستارة أخرى من الغيـوم تحل مكانهـا .. وكـأنها تبـدّل أماكنهـا لا أكثـر .. وكـأنها تلعـبُ بي .!
وعند الغـروب انـزاح الحجـاب .. وأطـلّتِ القمم العظيمة .. بيضاءُ ناصحـة .!
يا لروعـةِ هـذا الكـون .. وسـرت في جسـدي طاقة إيمانية عجيبـة .! شعرتُ بضآلتـي وانكساري .. بسخـف حروبنا .. بتفاهـةِ همومنـا وعداواتنـا .!
شعرتُ بروحي وقـد تخففت من أحمالهـا وأثقالهـا .!
تحتوينـي الهمـلايا بسحرها .. وتستولي عليّ بحضـورها الأبدي وبهـائها القديـم ..!
غمرنـي شعـور بالامتنـان لكي شيء حـولي ..
إنها تجربتي الخاصةِ بي .. ولكل منا تجاربه .!
كانـت ليلـة باردة جـدا ..
استيقظـتُ في الخامسـةِ فجـرا .. ارتـديـتُ ملابـس شتويـة لأتمكـن من الجلـوس في الشـرفـة .!
وحـدي بانتظـار الشمــس ..
ستشـرق على تلك القممِ البعيـدة أولا .!
هنـاك يبـدأ النهار وهنـاك ينتهـي .. !
بدأتِ العتمـة في التلاشـي .. والسمـاء صافية .!
الجيـران يستيقظـون ليشاركـوني لحظـة الميـلاد.!
لقد تحققت أمنية صغيـرة ..
وما زال في جعبتي الكثيـر منهـا .!
في التاسعـةِ غادرتُ كوسـاني .. ستكونُ رامنجـار هي محطـتي الثالثـة .! ماذا هنـاك .؟! الحقيقـة لا شيء هنـاك .! ستكـون مجرّد محطّـة استراحـة .!!
رامنجـار هـي النقطـة التي ينطلقـون منهـا لمحميـة جيم كوربيـت الشهيـرة .! هـي أقـدم محميـة هنديـة للنمـور .! لكنّ المحميّـة مغلقة حاليـا وتفتـح أبوابهـا في منتصـفِ نوفمبـر .! كان الطريـق إليها شاقا ومتعبـا .. سـت ساعـات من الانحناءات والالتواءات.! أحيـانا لا يمكـن لسياراتين العبـور معـا في الاتجـاهين .. على السيارة الصغيـرة عادة الانتظـار حتـى تعبـر أختهـا الكبيـرة .! وصلنـا في الثالثةِ عصـرا .! كـان الجـو حارٌ جـدا .. لقـد عدنـا للسهـول .! الغابـات هنـا أقـرب للأحراش المتداخلـة والمخيفـة ..! قـد يكـون مجـرد انطبـاع شخـصي .. لكنّ النمـور البريـة على مقربـة مـن هنـا .! نظـرتُ من السيـارة للعابريـن على طرفـي الطريـق .. هـل قامـتِ النمور بمهاجمـةِ أحدهـم يومـا .؟! قرأت عن ذلـك من قبل .!
هـذهِ الغابـات أقـل ألفـة .. يمـر بالقـربِ منهـا نهـرٌ ضحـل نسبيا لكن مجـراه متسـع .! يقـولون بأنّه يفيـض في فتـرةِ الأمطـار الموسميّـة .! عـبرتُ الجسـر ناحيـة المعبـد المقـام وسـط النهـر .. تتدلـى منـه التعاويذّ والأقمشة الملونة .. ولا تصلـه الميـاه .!
كانـت ليـلة مجوّفـة وفارغـة .!
غادرتُ رامنجار في السادسة تمـامـا ..
وفي الثانية عشر ظهرا وصلـت هاريدوار .!!
ربـما وصلـتُ قبـل ذلـك .. لقـد اختلطـت عليّ المشـاويـر التـي تتنافـس في طولهـا .! كـان الطريـق إلى هاريدوار معاكسـا لطريق رامنجـار .. مستقيـمٌ جـدا ومنبسـط .! لقـد ابتعـدنا قليـلا عنِ الجـبال .!
وهـذا هـو سر هاريدوار .. وريشيكيش أيـضا .!
وهمـا قريبتـانِ من بعضهمـا .!
غانجـا هو نهـر الهنـد الأكثـر قداسة .. يبجلـه الهنـدوس ويغتسلـون فيـه ليتحرروا من الخطـايا والآثـام .! ويلقـون فيه أمانيهـم وعلى ضفافـه قامـت المدن والحضـارات .. يولـدُ في الهمـلايا وينتهـي به المطـاف في بنجلاديـش .! ويبـدأ رحلـته الأرضية في ريشيكيش وهاريدوار .!! لـذلك هما مدينتـانِ مقدستـانِ عند الهندوس .! يحـج إليهـا ملايين الهنـدوس لزيارةِ معابدهـا والتبـركِ بميـاهِ نهر غانجـا!
وهاريدوار تعنـي " خطـى الرب " .!
لـقد انتهـى الجـزء البـارد من الرحلـة .. بقية الرحلـة ستكـون في السهـول الحارة .. درجة الحرارة 37 مئويّـة .!
يبـدو أني تعقّـدتُ من الفنـادق التـي نزلـتُ فيها في اليومين الأخيريـن .! لـذلـك اختـرتُ فندقا بماركـة عالمية .. راديسـون بلو .!
لكـن الفنـدق بعيـد عن وسـطِ المدينـة .. وبقربـه مـول فـوق المتوسـط من ناحيةِ الحجـم .! الطريـق إليـه متسع بمقاييس المدنِ الهندية .! لمحـتُ بنايات حديثـة وإعلانات لماركـات شهـيرة .. ومحـلات بواجهـات زجاجية زرقـاء نظيفـة ..! وأكثـر ما شـد انتباهـي في شوارعِ المدينـة ذلـك الحضـور اللافـتِ " للتك تـك " .! وذلـك يشـير لكثـرة زوارهـا من البسطـاء .!! لكـن لا شـيء يوحـي في وسـط هـذا الضجيج بسر قدسيةِ هـذه المدينـة .!
وكـأني وضـعتُ في بوتقـة تفصلنـي عـن العالمِ الخارجـي .! خجـلتُ قليلا .. وكـأني خـنتُ الرحـالة والمغامريـن بنزولي في هذا الفنـدق .!
هـذا هـو إذن نهر غانجـا .. أو الغانـج كمـا في ترجمته العربية المنقولـةِ عن الإنجليـزية ربمـا .!
تصطـفُ على ضفتيـهِ المعابـد والفنـادق القديمـة الرثـة والجميـلة في آن واحـد .. والبيـوت الملونـة .!
متـلاصقـة تتنافـس علـى بركـةِ القـربِ منه .. علـى الدرجـات الممتـدة يجـلس الآلاف يمارسـون طقوسهـم وعباداتهـم .! يغطسـون في النهـر متمسكيـن بسـلاسـل مثبـتة جيدا ..
فالتيـار جارف والنهـر في عنفوانـه .. رحلـة طويـلة تلك التي تنتظـره ..! ما أجملهـا من مفـاجأة .!!
قـررتُ فورا أن أمدّد بقائـي هنـا .. فهـذا الجمـال المتواري يستحـق التوقـف عنـده .! واكتشافـه بهدوء فلا داعي للعجلـة .! الشمـس توشـكُ على الغـروب .. والحـجاج يتوافـدون لحضـورِ تراتيـل المسـاء .!
الشحاذيـن والمعاقين يصـطفون على الجسـر المؤدي للمعابـدِ المقامـة في وسطِ النهـر .!
لكنـهم لا يلاحقـون أحـدا .!
عالـم ثـري فعـلا .. ترمقـني بعض الوجوه لكنهم سرعـان ما ينشغلـون عنّي .. تدق الأجـراس فيقتـرب المتعبـدون من حافـةِ النهر .. يحتفـي الحضور ببدايـةِ الصـلاة .. يردد الكـاهن الذي ربمـا يكـون جالسـا في المعبـدِ الأوسـط تراتيـل بصـوت أجش .! يقولهـا بسـرعة من تعـوّد عليهـا .. يحمـل الكهنـة النيـران التـي باركها الكاهـن المستتـر ويمررونهـا علـى المتعبّديـن .. الذيـن يتلقونهـا بكـل الاحترام والتبجيـل .! فيمـا يقـوم آخرون بإشعـال العيـدانِ المثبتة فـي القرابيـن المصنوعةِ من لحـاء الشجـر .. والتي تشبـه القوارب الصغيـرة .! يضعـونها في النهـر بحـرص ويحمّلونهـا أمانيهـم وصلواتهـم .! يتابعـونها بنظـراتهـم وهـي تخـوض في النهرِ المضطـرب ناحيـة المجهـول .!
كان صباح اليـوم التالـي مخصص للراحـة .. للقراءةِ والاستلقـاء على السـرير الواسـع والمريـح .. وكنوع من التغييـر نزلـتُ للقراءة في لوبي الفنـدق الواسـع.!
قراءة وتأمل في وجـوه القادميـن الجـدد والمغادريـن .. فرصـة للتلصص على شكل آخر للهنـد .. هنـد الطبقـة فوق المتوسطـة.. والأقرب للثـراء .! وفي الثالثـةِ توجهـت لوسـط المدينة بغيـة زيارة العديـد من المعالـم الأثريـة للمدينة .! كان الجو حـار جدا .! فكـرت في أن تكـون البدايـة بالمعبـد الكبيـر المطـل على المدينـة.. لا أذكـر اسمـه.! الأسمـاء هنـا لهـا وقـع .. لكنهـا تتشابـه على الغربـاء .!
عبـرتُ الجسر إلى الضفة الأخرى من النهـر.. تداخـلتِ الحارات وتشابهـتِ الأسـواق ..
لا توجـد لوحـات ولا مسـارات واضحـة .. في البداية تبعـتُ السلـك المعلّـق لأحدد النقطـة التي يتوقـف عنـدهـا .. لكـن السـلك تـاه منّـي .. ولـم أعـد قادرا على تحديـدِ الاتجـاه الصحيـح.! تخـلّيـتُ عن عنـادي وسـألتُ الباعـة مستخدمـا يدي للإشـارة للتلفريـك.!
لـم يكـن طابـور الانتظـار طويـلا .. يمـر بقربي بعض المحظوظـين الذين استلمـوا تذاكرهـم الكبيـرة والزاهيـة الألـوان .! يقلبونهـا وكـأنهم حصـلوا على شيء ثميـن.. أمنّي نفسي بواحـدة مثلهـا .! لكن كـل ما حصلـتُ عليه تذكـرة باهتـة وصغيـرة .! لم يسـألني الموظـف عن نوع التذكـرة التي أريـد .!
اتخـذ قراره بالنيابـةِ عنّي .. تذكـرة عاديـة.!
صدمنـي الطابور الطويل والملتـوي.. فكـرتُ في الانسحـاب والهروب من المكـان.! وجدتُ حججا عقلية مقنعـة لذلـك .! لكني ومـع ذلـك حجـزتُ موقعـي في الطـابور الذي يتقدم ببطء شديـد.!
شيء ما يحرضني على البقاء حتى النهاية ..
إنه تحد صغير.. وبعد ساعة ونصـف انتهـت رحلتـي للوصـول لعربـة التلفريـك .. التقطـتُ لهـا صورة تذكاريـة .! ساعـة ونصـف لأجـل ركـوب تلفريـك .!
المئـات يصعدون إلى المعبـدِ على أقدامهـم .. ربمـا لأجـلِ المزيـدِ من البـركـةِ والأجـر.!
وفـور وصولنـا غيـّرت رأيي .. فأنا متقلـب المـزاج أحيانـا .! لا شـيء أزعجنـي لكني لـم أشعر برغبـة في البقاء هنـاك .. لـذلك حجـزتُ مكـاني في الطابور المعاكـس .! طابـور العائـدين إلى الأرض .. ضحكـتُ على نفـسي .. ما هـذه الرحـلة .!!
طـابور طويـل آخـر .. لكنه وللأمانـة أقصـر من الطـابور الأول .. وهـذا يعطيـه ميـزة نسبيّـة .!
غـابت الشمـس أو تكـاد .. ثـلاث ساعـات كامـلة .. ساعـة تتلـوهـا ساعـة قضيتهـا مستمتعـا بالوقـوف في الطـوابيـرِ الطويلـة وفي تجربـة تلفريكـاتِ الهنـد .!
كـانت رحلـة لطيفـة .! لا أمـزحُ في توصيفـي لهـا .. على الأقـل أذكـرها الآن بابتسامـة مـرح .!
لقـد تعـذّبـت حتى حفظـتُ اسم هاريدوار .. والآن عليّ حفظ اسم مدينـة هندوسية مقدسة أخـرى .!
لقـد حكيـتُ لكم عنهـا سابقـا .. ريشيكيش .!
إنهـا أول مدينـة يعبرها نهر غانجـا في رحلـته الطويلـة التي تنتهـي في خليـج البنغال .!
إنها هبة غانجـا الأولـى وبعـدها تأتي هاريدوار .. في تسلسلهـا المكـاني طبعـا .! هنا يعـيش النسـاك والكهنـة وتمارس فنون اليوجـا والتـأمل مـنذ آلاف السنيـن.. وصلتهـا بعـد ساعـة ونصـف ..!
عـبرتُ جسـرها الشهـير .. يسمـونه Laxman Jhula
لقد بات أيقونة المدينـة برغـم حداثـة بناءه .. يتأرجـحُ الجسـرُ قليـلا .. هل كـان يتأرجـح فعـلا أم أنـي من تخيـلتُ ذلـك .! ينسابُ غانجـا أسفلـه بوداعـة خادعـة.! وعلى ضفتيـه تتراص المعابـد والبيوت العتيقـة الملونـة..لوحـات الإعلانات المعلقـة هنـا وهنـاك تثير اشمئـزازي.! بودّي لو حظـروا أيّ إشارة حضارية زائفـة في المدينـة.!
برغم تعاطفـي معهـا إلا أنهـا تخفـي عنـي سرّهـا .. أشعـر وكأنهـا لا تبالـي بالعابـرين مـن أمثالـي الذين يعلقـون كاميراتهـم في أعناقهـم.. وعلى ظهـورهـم حقائبهـم الصغيـرة الأنيقـة وتفـوح منهـم عطـورٌ فرنسيّـة.! هكـذا تحدثنـي روحهـا القديمـة ..
وكأني بهـا تطردنـي بلطـف.! تكتفـي بأن ترينـي ثيابهـا الزاهـية .. وتضاريسهـا ومفاتنهـا التـي لا يزيدهـا الزمـان إلا حسنـا.! ريشيكيش روح هائمـة فـوق نهر غانجـا .! هذا الصمـت المريـب يقتلنـي .. أشعـر بالعجـز عن فهـم ما يجـري حـولـي ..! ريشيكيش هي الشيء واللاشيء .. الحضـور والغيـاب .!
لكـن هاريدوار أقـرب للقـلب .. ربمـا لأنهـا أقل تحفظـا مع الغربـاء.!
كـانت جولـة سريعـة .. لثلاث ساعات فقـط .!
ظـلت ريشيكيش صامتة .. ولا تبـوح بشيء !
فلتكـن على راحتهـا .. كانت فرصـة لأن أكتشـف عالمهـا الخارجـي على الأقـل .! ومن يدري فلربمـا تجمعنـا صدف الزمـان.!
نـزلـت لحافـةِ النهـر .. سيدات يمارسن حياتهـن اليوميـة بدون اهتمـام بالزوار الطارئين علـى المشـهد! لقـد تعوّدن على حضورهـم المؤقـت.. مجـرد نظـرة فضوليـة وسرعـان ما يعـدن لمتابعـة حياتهـن العادية.. يغتسلن في النهـرِ المقدس ويبدلن ملابسهـن على ضفةِ النهـر..يتم ذلـك ببساطة شديدة وبلا تعقـيد .. كل ما الأمر أن امرأتين يحطـن زميلتهـن الثالثـة بفوطـة كبيـرة.!
فيكـون ذلـك حاجـزا بينهـا وبيـن العالمـين ..
تأخذ راحتهـا في تبديـل ملابسهـا .!
قد يستغرق ذلـك وقتـا .. ثـم تخرج بغير الهيئة التي دخـلت بهـا .. ويتبادلن الأدوار عـادة .!
مجمـوعة أخرى يغسلن ملابسهـن بالنهرِ المقدّس.! وبالقرب تمر بقـرة ملّـت من التجـوال في الشوارع المكتظـة وقررت أن تتمشـى على حافةِ النهر.! وهـي مرحـبٌ بهـا جدا هنـا.!
يلاصق الجسر معبـد بطابع هندسـي مميـز .! لـه شكـل مدرّج يوحي وكـأنه يتجـه صعودا نحـو السمـاء! في لحظـة ما ذكـرني بهـرم سقـارة المدرج!
لكنـه جسدٌ جميـل وروح غائبـة .. يتوزّع الكهنـة والبائعيـن على طـول المسـار إلـى نقطـةِ النهايـة .. هنـاك يجـلس الكـاهن الأخيـر.. مشغـولٌ بمباركـةِ الواصليـن وتجميـع صدقاتهـم التي يلقونهـا في إناء مذهّـب.! تستفزني لوحة إعلانية تروّج لنشاطـات رياضية في النهـر الذي يفتـرضُ بـه القداسـة .. وتصلنـي ضحكـات المغامرين في القواربِ المطاطيـّة وهـم يعبـرون أسفـل الجـسر ..
لم يـرق لي المشهـد ووجدتـه مهينـا للمدينـة.!