تفسير بعض سور القرآن الكريم

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع مرسي الفر
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

القصاص: مشروعيته وحكمته
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى
فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ
فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178)وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179)}.
{
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى}
أي فرض عليكم أن تقتصوا من الجاني فقط فإِذا قتل الحرُّ الحرَّ فاقتلوه به،
وإِذا قتل العبد العبد فاقتلوه به، وكذلك الأنثى إِذا قتلت الأنثى،
مثلاً بمثلٍ ولا تعتدوا فتقتلوا غير الجاني،
فإِن أخذ غير الجاني ليس بقصاص
بل هو ظلم واعتداء


{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}
أي فمن تُرك له من دم أخيه المقتول شيء،
بأن ترك وليُّه القَوَد وأسقط القصاص راضياً بقبول الدية

{فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}
أي فعلى العافي اتباعٌ للقاتل بالمعروف بأن يطالبه بالدية بلا عنفٍ ولا إِرهاق،
وعلى القاتل أداءٌ للدية إِلى العافي - ولي المقتول - بلا مطل ولا بخس .


{
ذَلِكَ تَخْفِيفٌمِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}
أي ما شرعته لكم من العفو إِلى الدية تخفيف من ربكم عليكم ورحمة منه بكم،
ففي الدية تخفيف على القاتل ونفعٌ لأولياء القتيل،
وقد جمع الإِسلام في عقوبة القتل بين العدل والرحمة،
فجعل القصاص حقاً لأولياء المقتول إِذا اسقطوا القصاص عن القاتل وذلك رحمة

{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
أي فمن اعتدى على القاتل طالبوا به وذلك عدل،
وشرع الدية إِذا القاتل بعد قبول الدية فله عذاب أليم في الآخرة

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الأَلْبَابِ}
أي ولكم - يا أولي العقول - فيما شرعت من القصاص حياةٌ وأيُّ حياة
لأنه من علم أنه إِذا قتل نفساً قُتل بها يرتدع وينزجر عن القتل،
فيحفظ حياته وحياة من أراد قتله
وبذلك تُصان الدماء وتُحفظ حياة الناس

{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
أي لعلكم تنزجرون وتتقون محارم الله ومآثمه.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم


حكم الوصية قبل الموت

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ
حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ(180)فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(181)
فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(182)}.

{
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا}
أي فرض عليكم إِذا أشرف أحدكم على الموت وقد ترك مالاً كثيراً

{الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}
أي وجب عليه الإِيصاء للوالدين والأقربين

{بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}
أي بالعدل بأن لا يزيد على الثلث وألا يوصي الأغنياء ويترك الفقراء،
حقاً لازماً على المتقين لله
وقد كان هذا واجباً قبل نزول آية المواريث
ثم نسخ بآية المواريث


{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ}
أي من غيَّر هذه الوصية بعد ما علمها من وصيّ أو شاهد

{فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}
أي إِثم هذا التبديل على الذين بدّلوه لأنهم خانوا وخالفوا حكم الشرع

{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
فيه وعيد شديد للمبدِّلين .


{
فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا}
أي فمن علم أو ظنَّ من الموصي ميلاً عن الحق بالخطأ

{أَوْ إِثْمًا}
أي ميلاً عن الحق عمداً

{فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}
أي أصلح بين الموصي والموصَى له فلا ذنب عليه بهذا التبديل

{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
أي واسع المغفرة والرحمة لمن قصد بعمله الإِصلاح.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

سبب نزول الآية (184):
أخرج ابن سعد في طبقاته عن مجاهد قال:
هذه الآية نزلت في مولاي قيس بن السائب:

{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}
فأفطر،
وأطعم لكل يوم مسكيناً.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم


فرضية الصيام

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)
أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ
وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184)شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا
أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185)}


{
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}
ناداهم بلفظ الإِيمان ليحرك فيهم مشاعر الطاعة ويُذْكي فيهم جَذْوة الإِيمان


{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}
أي فرض عليكم صيام شهر رمضان


{كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}
أي كما فرض على الأمم قبلكم


{لَعَلكُمْ تَتَّقُونَ}
أي لتكونوا من المتقين لله المجتنبين لمحارمه


{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}
أي والصيام أيامه معدودات وهي أيام قلائل،
فلم يفرض عليكم الدهر كله تخفيفاً ورحمةً بكم


{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
أي من كان به مرضٌ أو كان مسافراً فأفطر فعليه قضاء عدة ما أفطر من أيام غيرها .



{
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}
أي وعلى الذين يستطيعون صيامه مع المشقة لشيخوخةٍ
أو ضعفٍ إِذا أفطروا عليهم فدية بقدر طعام مسكين لكل يوم


{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا}
أي فمن زاد على القدر المذكور في الفدية


{فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}
ثم قال تعالى


{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}
أي والصوم خير لكم من الفطر والفدية
إِن كنتم تعلمون ما في الصوم من أجر وفضيلة.
ثم بيّن تعالى وقت الصيام فقال


{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}
أي والأيام المعدودات التي فرضتها عليكم أيها المؤمنون
هي شهر رمضان الذي أبتدأ فيه نزول القرآن حال كونه هداية للناس لما فيه من إِرشاد وإِعجاز
وآيات واضحات تفرق بين الحق والباطل


{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
أي من حضر منكم الشهر فليصمه


{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
أي ومن كان مريضاً أو مسافراً فأفطر فعليه صيام أيام أخر،
وكرّر لئلا يتوهم نسخه بعموم لفظ شهود الشهر


{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}
أي يريد الله بهذا الترخيص التيسير عليكم لا التعسير


{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ}
أي ولتكلموا عدة شهر رمضان بقضاء ما أفطرتم


{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}
أي ولتحمدوا الله على ما أرشدكم إِليه من معالم الدين


{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
أي ولكي تشكروا الله على فضله وإِحسانه ...
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

سبب نزول الآية (186):
أخرج ابن جرير الطبري وغيره عن معاوية بن حَيْدة عن أبيه عن جده،
قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: أقريب ربنا، فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟
فسكت عنه فنزلت الآية:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي..}.



سبب نزول الآية (187):

أخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن معاذ بن جبل قال:
كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء مالم يناموا،
فإذا ناموا، امتنعوا، ثم إن رجلاً من الأنصار يقال له:
قيس بن صِرْمة صلى العشاء، ثم نام فلم يأكل ولم يشرب،
حتى أصبح، فأصبح مجهوداً،

وكان عمر أصاب من النساء بعدما نام،
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له،
فأنزل الله:

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ..}

إلى قوله:

{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.

وهذا يدل على أنه حين فرض الصيام،
كان كل إنسان يجتهد فيما يراه أحوط وأقرب للتقوى،
حتى نزلت هذه الآية.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم


إجابة دعوة الداعي وأحكام الصيام

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ
وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ
فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ
ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ
فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187)}

ثم بيّن تعالى أنه قريب يجيب دعوة الداعين ويقضي حوائج السائلين
فقال
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}
أي أنا معهم أسمع دعاءهم، وأرى تضرعهم وأعلم حالهم كقوله


{ونحن أقرب إِليه من حبل الوريد}
{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}
أي أجيب دعوة من دعاني إِذا كان عن إِيمانٍ وخشوع قلب


{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
أي إِذا كنت أنا ربكم الغني عنكم أجيب دعاءكم فاستجيبوا أنتم لدعوتي بالإِيمان بي
وطاعتي ودوموا على الإِيمان لتكونوا من السعداء الراشدين .
ثم شرع تعالى في بيان تتمة أحكام الصيام بعد أن ذكر آية القرب والدعاء فقال


{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}
أي أبيح لكم أيها الصائمون غشيان النساء في ليالي الصوم

{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}
قال ابن عباس:
هنَّ سكنٌ لكم وأنتم سكنٌ لهن


{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ}
أي تخونونها بمقارفة الجماع ليلة الصيام وكان هذا محرماً في صدر الإِسلام ثم نسخ.
روى البخاري عن البراء رضي الله عنه قال:
لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله،
وكان الرجال يخونون أنفسهم فأنزل الله

{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ}
الآية
{فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}

أي فقبل توبتكم وعفا عنكم لما فعلتموه قبل النسخ


{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}
أي جامعوهن في ليالي الصوم واطلبوا بنكاحهن الولد ولا تباشروهن لقضاء الشهوة فقط


{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}
أي كلوا واشربوا إِلى طلوع الفجر

{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
أي أمسكوا عن الطعام والشراب والنكاح إِلى غروب الشمس


{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
أي لا تقربوهن ليلاً أو نهاراً ما دمتم معتكفين في المساجد


{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا}
أي تلك أوامر الله وزواجره وأحكامه التي شرعها لكم فلا تخالفوها

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}
أي يتقون المحارم.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

سبب النزول:
قال مقاتل بن حيان:
نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندي،
وفي عبدان بن أَشْوَع الحضرمي،
وذلك أنهما اختصما إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم في أرض،
وكان امرؤ القيس هو المطلوب (المدعى عليه)،
وعبدان هو الطالب (المدعي)،
فأنزل الله تعالى هذه الآية،
فحكم عبدان في أرضه، ولم يخاصمه.

وقال سعيد بن جبير:
إن امرأ القيس بن عابس وعبدان بن أشوع الحضرمي،
اختصما في أرض، وأراده امرؤ القيس أن يحلف،
ففيه نزلت:
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم


أكل الأموال بالباطل

{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ
لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(188)}

{
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}
أي لا يأكل بعضكم أموال بعض بالوجه الذي لم يبحه الله


{وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}
أي تدفعوها إِلى الحكام رشوة


{لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ}
أي ليعينوكم على أخذ طائفة من أموال الناس بالباطل

{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
أنكم مبطلون تأكلون الحرام.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم


سبب النزول:
قال ابن عباس:
إن معاذ بن جبل وثعلبة بن غَنَم -
وكانا من الأنصار -
قالا: يا رسول الله،
ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط،
ثم يزيد حتى يمتلئ ويستوي ويعظم،
ثم لا يزال ينقص ويدِقّ،
حتى يعود كما كان،
لا يكون على حالة واحدة كالشمس،
فنزلت هذه الآية.
ويروى أيضاً
أن اليهود سألت عن الأهلة.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

التوقيت بالشهر القمري وحقيقة البِرّ

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ
وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(189)}.


{يسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ}

أي يسألونك يا محمد عن الهلال لم يبدو دقيقاً مثل الخيط ثم يعظم
ويستدير ثم ينقص ويدق حتى يعود كما كان؟

{قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}
أي فقل لهم إِنها أوقات لعباداتكم ومعالم تعرفون بها مواعيد الصوم والحج والزكاة

{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا}
أي ليس البر بدخولكم المنازل من ظهورها كما كنتم تفعلون في الجاهلية

{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى}
أي ولكنَّ العمل الصالح الذي يقرّبكم إلى الله تعالى هو اجتناب محارم الله

{وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}
ادخلوها كعادة الناس من الأبواب

{وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
أي اتقوا الله لتسعدوا وتظفروا برضاه.

سبب النزول:

قوله تعالى:

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ..}
الآية.

قال ابن عباس فيما أخرجه الواحدي:
نزلت هذه الآيات في صلح الحُدَيْبِيَة،
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صُدَّ عن البيت هو وأصحابه،
نحر الهَدْي بالحُدَيْبِيَة، ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه،
ثم يأتي القابل، على أن يُخْلُوا له مكة ثلاثة أيام، فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء.
وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان العام المقبل،
تجهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القضاء،
وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك، وأن يصدّوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم،
وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم، فأنزل الله:

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}
يعني قريشاً.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

وقوله:
{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ}
الآية،
قال قتادة فيما أخرجه الطبري:
أقبل نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذي القعدة،
حتى إذا كانوا بالحديبية، صدَّهم المشركون،
فلما كان العام المقبل دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القعدة،
وأقاموا بها ثلاث ليال، وكان المشركون قد فَجَروا عليه حين ردّوه يوم الحديبية،
فأقصّه الله تعالى منهم، فأنزل:

{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ}
الآية.

وقوله:

{وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ..}
الآية،
قال الشعبي: نزلت في الأنصار، أمسكوا عن النفقة في سبيل الله تعالى،
فنزلت هذه الآية، وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي جبيرة بن الضحاك
قال: كانت الأنصار يتصدقون ويطعمون ما شاء الله،
فأصابتهم سَنَة (قحط)،
فأمسكوا، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.

وروى البخاري عن حذيفة قال:
نزلت الآية في النفقة. وأخرج أبو داود والترمذي وصححه،
وابن حبان والحاكم وغيرهم،عن أبي أيوب الأنصاري قال:
نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما أعزّ الله الإسلام، وكثر ناصروه،
قال بعضنا لبعض سرّاً: إنّ أموالنا قد ضاعت، وإنّ الله قد أعزّ الإسلام،
فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها،
فأنزل الله يردّ علينا ما قلنا:

{وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}،
فكانت التهلكة:
الإقامة على أموالنا وإصلاحها وتركنا الغزو.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم


قواعد القتال في سبيل الله

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(190)
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ
وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ
كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ(191)فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(192)وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَ عَلَى الظَّالِمِينَ(193)الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ
وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(194)وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(195)}

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}
أي قاتلوا لإِعلاء دين الله من قاتلكم من الكفار

{وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
أي لا تبدءوا بقتالهم فإِنه تعالى لا يحب من ظلم أو اعتدى،
وكان هذا في بدء أمر الدعوة ثم نسخ بآية براءة

{وقاتلوا المشركين كافة}
وقيل نسخ بالآية التي بعدها وهي قوله

{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}
أي اقتلوهم حيث وجدتموهم في حلّ أو حرم

{وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}
أي شرّدوهم من أوطانهم وأخرجوهم منها كما أخرجوكم من مكة

{وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ}
أي فتنة المؤمن عن دينه أشدُّ من قتله، أو كفر الكفار أشد وأبلغ من قتلكم لهم في الحرم،
فإِذا استعظموا القتال فيه فكفرهم أعظم

{وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}
أي لا تبدءوهم بالقتال في الحرم حتى يبدءوا هم بقتالكم فيه

{فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}
أي إِن بدءوكم بالقتال فلكم حينئذٍ قتالهم لأنهم انتهكوا حرمته والبادي بالشر أظلم

{كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}
أي هذا الحكم جزاء كل من كفر بالله

{فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
أي فإِن انتهوا عن الشرك وأسلموا فكفّوا عنهم فإِن الله يغفر لمن تاب وأناب .


{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}
أي قاتلوا المحاربين حتى تكسروا شوكتهم ولا يبقى شرك على وجه الأرض
ويصبح دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان

{فَإِنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ}
أي فإِن انتهوا عن قتالكم فكفوا عن قتلهم فمن قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم
ولا عدوان إِلا على الظالمين، أو فإِن انتهوا عن الشرك فلا تعتدوا عليهم
ثم بيّن تعالى أن قتال المشركين في الشهر الحرام يبيح للمؤمنين دفع العدوان فيه فقال

{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}
أي إِذا قاتلوكم في الشهر الحرام فقاتلوهم في الشهر الحرام، فكما هتكوا حرمة الشهر
واستحلوا دماءكم فافعلوا بهم مثله

{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}
أي ردوا عن أنفسكم العدوان فمن قاتلكم في الحرم أو في الشهر الحرام فقابلوه وجازوه بالمثل

{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}
أي راقبوا الله في جميع أعمالكم وأفعالكم واعلموا أن الله مع المتقين بالنصر
والتأييد في الدنيا والآخرة

{وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
أي أنفقوا في الجهاد وفي سائر وجوه القربات ولا تبخلوا في الانفاق فيصيبكم الهلاك
ويتقوى عليكم الأعداء
وقيل معناه:
لا تتركوا الجهاد في سبيل الله وتشتغلوا بالأموال والأولاد فتهلكوا

{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
أي أحسنوا في جميع أعمالكم حتى يحبكم الله وتكونوا من أوليائه المقربين.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

سبب النزول:
سبب نزول قوله تعالى:

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}:
أخرج ابن أبي حاتم عن صفوان بن أمية قال:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم متضمخ بالزغفران،
عليه جبة، فقال: كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي؟
فأنزل الله:

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
فقال: أين السائل عن العمرة، قال: ها أنذا، فقال له: ألق عنك ثيابك،
ثم اغتسل واستنشق ما استطعت، ثم ما كنت صانعاً في حجك، فاصنعه في عمرتك.

وقوله تعالى:

{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا}:
روى البخاري عن كعب بن عُجْرَة أنه سُئل عن قوله:

{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ}
قال: حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والقمل يتناثر على وجهي،
فقال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا، أما تجد شاة؟
قال: قلت: لا، قال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين،
لكل مسكين نصف صاع من طعام، واحلق رأسك، فنزلت فيَّ خاصة، وهي لكم عامة.

وروى مسلم عن كعب بن عُجْرة قال: فيَّ أنزلت هذه الآية،
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أدنه، فدنوت مرتين أو ثلاثاً،
فقال: أيؤذيك هوامُّك؟ قال ابن عون، وأحسبه قال: نعم، فأمرني بصيام،
أو صدقة، أو نسك ما تيسر".
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم


أحكام الحج والعمرة

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ
حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ
أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ
ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(196)ا
لْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ(197)}

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
أي أدوهما تأمين بأركانها وشروطها لوجه الله تعالى

{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}
أي إِذا منعتم من إِتمام الحج أو العمرة بمرضٍ أو عدوٍ
وأردتم التحلل فعليكم أن تذبحوا ما تيسر من بدنة أو بقرةٍ أو شاة .


{وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}
أي لا تتحللوا من إِحرامكم بالحلق أو التقصير حتى يصل الهدي المكان الذي يحل ذبحه فيه
وهو الحرم أو مكان الإِحصار

{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
أي فمن كان منكم معشر المحرمين مريضاً يتضرر معه بالشعر فحلق،
أو كان به أذى من رأسه كقملٍ وصداعٍ فحلق في الإِحرام،
فعليه فدية وهي إِما صيام ثلاثة أيام أو يتصدق ثلاثة آصع على ستة مساكين
أو يذبح ذبيحة وأقلها شاة

{فَإِذَا أَمِنتُمْ}
أي كنتم آمنين من أول الأمر، أو صرتم بعد الإِحصار آمنين

{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ}
أي من اعتمر في أشهر الحج واستمتع بما يستمتع به غير المحرم من الطيب والنساء وغيرها،
فعليه ما تيسّر من الهدي وهو شاة يذبحها شكراً لله تعالى.


{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}
أي من لم يجد ثمن الهدي فعليه صيام عشرة أيام، ثلاثة حين يحرم بالحج وسبعة إِذا رجع إِلى وطنه

{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}
أي عشرة أيام كاملة تجزئ عن الذبح، وثوابها كثوابه من غير نقصان

{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
أي ذلك التمتع أو الهّدْي خاص بغير أهل الحرم، أما سكّان الحرم فليس لهم تمتع وليس عليهم هدي

{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
أي خافوا الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه واعلموا أن عقابه شديد لمن خالف أمره.
ثم بيّن تعالى وقت الحج فقال

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}
أي وقت الحج هو تلك الأشهر المعروفة بين الناس وهي شوال وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة

{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}
أي من ألزم نفسه الحجَّ بالإِحرام قاصد لرضاه، فعليه أن يترك الشهوات،
وأن يترك المعاصي والجدال والخصام مع الرفقاء

{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}
أي وما تقدموا لأنفسكم من خير يجازيكم عليه الله خير الجزاء

{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}
أي تزودوا لآخرتكم بالتقوى فإنها خير زاد

{وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}
أي خافون واتقوا عقابي يا ذوي العقول والأفهام.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

سبب النزول:
نزول الآية (198):

روى البخاري عن ابن عباس قال:
كانت عكاظ ومِجَنَّة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية،
فتاثَّموا أن يتَجروا في المواسم، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك،
فنزلت:
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ}
أي في موسم الحج.

وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن جرير الطبري والحاكم
وغيرهم من طرق عن أبي أمامة التيمي قال:
"قلت لابن عمر: إنا نَكْرِي (أي نُؤَجر الدواب للحجاج)، فهل لنا من حج؟
فقال ابن عمر: جاء رجل إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم،
فسأله عن الذي سألتني عنه، فلم يُجِبه، حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية:
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ..}
فدعاه النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم حجاج".


نزول الآية (199):
أخرج ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال:
كانت العرب تقف بعرفة، وكانت قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة،
فأنزل الله:
{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم


نزول الآية (200):
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:
كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم، يقول الرجل منهم: كان أبي يُطعِم،
ويحمل الْحَمَالات، ويحمل الديات، ليس لهم ذكر غير أفعال آبائهم،
فأنزل الله:
{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ}
الآية.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال:
كانوا إذا قضوا مناسكهم، وقفوا عند الجمرة، وذكروا آباءهم في الجاهلية،
وفعال آبائهم، فنزلت هذه الآية، حتى إن الواحد منهم ليقول:
اللهم إن أبي كان عظيم القُبَّة، عظيم الْجَفْنة، كثير المال،
فأعطني مثل ما أعطيته، فلا يذكر غير أبيه،
فنزلت الآية،
ليُلزِموا أنفسَهم ذكرَ الله أكثر من التزامهم ذكر آبائهم أيام الجاهلية.



نزول آخر الآية (200) والآيتين (200-201):

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:
كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف،
فيقولون:
اللهم اجعله عام غيث، وعام خصب، وعام ولاء وحسن،
لا يذكرون من أمر الآخرة شيئاً،
فأنزل الله فيهم:
{فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}
ويجيء آخرون من المؤمنين،
فيقولون:
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً..}
إلى قوله:
{سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

جواز التجارة للحاجِّ ، والأمر بذكر الله تعالى كثيراً ،
ورفع الحرج عمّن تعجَّل بالنفر من مِنى

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ
فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ
وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ(198)
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(199)
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا
فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ(200)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(201)
أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(202)
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ
وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(203)}


{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ}
أي لا حرج ولا إِثم عليكم في التجارة في أثناء الحج
فإِن التجارة الدنيوية لا تنافي العبادة الدينية،
وقد كانوا يتأثمون من ذلك فنزلت الآية تبيح لهم الاتجار في أشهر الحج

{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}
أي إِذا دفعتم من عرفات بعد الوقوف بها فاذكروا الله بالدعاء والتضرع
والتكبير والتهليل عند المشعر الحرام بالمزدلفة

{وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}
أي اذكروه ذكراً حسناً كما هداكم هداية حسنة،
واشكروه على نعمة الهداية والإِيمان فقد كنتم قبل هدايته لكم في عداد الضالين،
الجاهلين بالإِيمان وشرائع الدين .

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}
أي ثمّ انزلوا من عرفة حيث ينزل الناس لا من المزدلفة،
والخطاب لقريش حيث كانوا يترفعون على الناس أن يقفوا معهم
وكانوا يقولون:
نحن أهل الله وسُكّان حرمه فلا نخرج منه
فيقفون في المزدلفة لأنها من الحرم ثم يفيضون منها
وكانوا يسمون "الحُمْس"
فأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم
أن يأتي عرفة ثم يقف بها ثم يفيض منها

{وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
أي استغفروا الله عمّا سلف منكم من المعاصي
فإِن الله عظيم المغفرة واسع الرحمة .
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}
أي إِذا فرغتم من أعمال الحج وانتهيتم منها فأكثروا ذكره
وبالغوا في ذلك كما كنتم تذكرون آباءكم وتعدون مفاخرهم بل أشدّ،
قال المفسرون كانوا يقفون بمنى بين المسجد والجبل بعد قضاء المناسك
فيذكرون مفاخر آبائهم ومحاسن أيامهم فأمروا أن يذكروا الله وحده

{فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}
أي من الناس من تكون الدنيا همّه فيقول:
اللهم اجعل عطائي ومنحتي في الدنيا خاصة
وما له في الآخرة من حظ ولا نصيب

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً}
أي ومنهم من يطلب خيري الدنيا والآخرة وهو المؤمن العاقل،
وقد جمعت هذه الدعوة كل خيرٍ وصرفت كل شر،
فالحسنة في الدنيا تشمل الصحة والعافية،
والدار الرحبة، والزوجة الحسنة، والرزق الواسع إلى غير ما هنالك
والحسنة في الآخرة تشمل الأمن من الفزع الأكبر،
وتيسير الحساب، ودخول الجنة، والنظر إلى وجه الله الكريم إلخ

{وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
أي نجّنا من عذاب جهنم

{أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}
أي هؤلاء الذين طلبوا سعادة الدارين لهم حظ وافر مما عملوا من الخيرات
والله سريع الحساب يحاسب الخلائق بقدر لمحة بصر.



{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}
أي كبروا الله في أعقاب الصلوات وعند رمي الجمرات في أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر

{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}
أي من استعجل بالنفر من منى بعد تمام يومين فنفر فلا حرج عليه

{وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}
أي ومن تأخر حتى رمى في اليوم الثالث - وهو النفر الثاني فلا حرج عليه أيضاً

{لِمَنِ اتَّقَى}
أي ما ذكر من الأحكام لمن أراد أن يتقي الله فيأتي بالحج على الوجه الأكمل

{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}
أي خافوا الله تعالى واعلموا أنكم مجموعون إِليه للحساب فيجازيكم بأعمالكم.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

سبب النزول:
روى ابن جرير عن السُّدِّي في نزول الآيات (204-206):
أن الأخنس بن شُرَيق الثقفي أتى النبَّي صلى الله عليه وسلم،
وأظهر له الإسلام، ثم خرج،
فمرَّ بزرع لقوم من المسلمين وحُمُر، فأحرق الزرع،
وعقر (قتل) الحمر، فأنزل الله الآية.

وقال سعيد بن المسيِّب -
فيما يرويه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وبن أبي حاتم -:
أقبل صهيب الرومي مهاجراً إلى النبَّي صلى الله عليه وسلم،
فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته، وانتشل ما في كنانته،
ثم قال: يا معشر قريش:
لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأيم الله،
لا تصلون إليّ حتى أرمي كل سهم معي في كنانتي،
ثم أضرب بسيفي، ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم،
وإن شئتم دللتكم على ما لي بمكة، وخليتم سبيلي،
قالوا: نعم،
فلما قدم على النبَّي صلى الله عليه وسلم المدينة،
قال:
"ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع"،
ونزلت الآية:
{وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ..}.
 
رد: تفسير بعض سور القرآن الكريم

من الناس منافق ومخلص

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ
وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ(204)وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ(205)وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ
فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ(206)وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ
وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ(207)}


{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ}
أي ومن الناس فريق يروقك كلامه يا محمد
ويثير إِعجابَك بخلابة لسانه وقوة بيانه،
ولكنه منافق كذّاب

{فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
أي في هذه الحياة فقط أما الآخرة فالحاكم فيها علاّم الغيوب
الذي يطّلع على القلوب والسرائر

{وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}
أي يظهر لك الإِيمان ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق

{وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}
أي شديد الخصومة يجادل بالباطل ويتظاهر بالدين والصلاح بكلامه المعسول

{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا}
أي وإِذا انصرف عنك عاث في الأرض فساداً، وقد نزلت في الأخنس
ولكنها عامة في كل منافق يقول بلسانه ما ليس في قلبه

"يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغُ الثعلب"