وصلنا الجزء الأخير من رحلتنا .. وقبل أن أكمل حديثي أؤكد بأن أي موقف أتعرض له في أيّ بلد لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يجعلني أعممه على أهلها.. ولا يمكن أن أقول مثلاً انني كرهت تونس لموقف فيها ، أو أنني لا أحب المصريين بسبب طيرانهم
بعد ان اتفقنا على هذه المقدمة.. نعود إلى مكاننا عند إحدى البوابات في مطار تونس. بحسبة سريعة وجدنا أن التأخير لمدة ساعة واحدة فقط لن يكون مشكلة، إلا أننا سنفوت طائرتنا من القاهرة إلى عمان إذا امتد التأخير ساعة أخرى.
بعد عشر دقائق تم نقل بوابتنا إلى مكان آخر، فانتقلنا لبوابة ثانية وجلسنا في مقاعد متقاربة وبدأت أعصابنا ترتاح.. ولكن الراحة لم تطُل.. فالشاشة بدأت تعلن أن موعد الإقلاع أصبح 1 ونصف بدلا من 12 ونصف .. وهذا بالتأكيد معناه أن الرحلة راحت علينا .. فالإقلاع من القاهرة في الخامسة والنصف والمسافة أكثر من ثلاث ساعات، وهناك فارق توقيت لساعة واحدة.
بحث سريع على موقعي المفضل إكسبيديا أظهر أن هناك طائرة أخرى تغادر إلى عمان الساعة 10 ليلاً.. طبعا كانت صدمة شديدة لنا ولكن لم يكن هناك خيار سوى الجلوس والانتظار.
بالطبع فكرنا في تغيير الحجز إلى الملكية الأردنية ولكن مواعيدها لم تكن أفضل !
بعد ساعة أخرى تم تغيير البوابة... وضاع "كريد العش" .. آخر العنقود لدقائق معدودة ارتفعت فيها حرارة دماغي إلى الألف .. رغم أن زوجي كان يقول ببرود أنه لن يضيع في مكان صغير كهذا ولكن بالطبع لم يكن ذلك وقت المنطق..
استقرينا عند البوابة الجديدة... وجاء طاقم مصر للطيران لتوزيع الساندويتشات والمرطبات على الجميع - وهو ما رحبنا به للغاية فنحن نركض منذ ساعات .. حاولنا الاستفسار عن موعد الطائرة ولكن الجميع أخبرنا بأن الموعد لم يتغير ... وطبعا الشاشة لم تتغير.. إلا أن الساعة أصبحت الواحدة والربع ونحن في مكاننا ، والطائرات أسفل منّا تتهادى وتطلق وتحلّق.. ولم تكن من بينها أية طائرة مصرية..
لم يعد هناك ما يعنينا في التأخير صراحة.. فالأمر أصبح يعني إما الجلوس في مطار تونس أو مطار القاهرة .. ولكن دائما يشعر المرء بالتوتر إن لم يكن يعرف ما هي الخطوة التالية. بالإضافة إلى وجود الأطفال الذين سيشعرون بالإرهاق والتعب في فترات الانتظار وهذا بالتاكيد ينعكس على اخلاقهم وتصرفاتهم
فلا يوجد أسوأ من طفل متعب او مريض أو يشعر بالنعاس ...
سأختصر الطريق عليكم وأعلمكم بأننا بعد تغيير البوابة للمرة الرابعة بدأنا بالفعل الصعود إلى الطائرة في الثالثة والربع تقريبا.. وعلى بوابتها سألنا الطاقم ان كنا سنحصل على مقاعد في الطائرة التالية فأكدوا لنا ذلك، إضافة إلى حصولنا على غرفة فندقية للراحة ..
وصلنا مطار القاهرة بعد ثلاث ساعات لا أذكر منها شيئاً.. وتوجهنا فورا إلى الكاونتر المختص بهذه الحالات ومعنا الكثيرون ممن ضاعت عليهم فرصة مواصلة الرحلات مثلنا ..
تحدث إلينا الشاب بكل أدب، وأخبرنا بأنه لا يمكن منحنا غرفة للراحة لأن موعد الطائرة بقي عليه أربع ساعات (أصبح موعدها 11 بدلاً من 10 ليلاً) .. ولكنه سيعطينا قسيمة voucher لنجلس في الصالة للطعام والراحة. قلنا ماشي على امتعاض .. وأخبرناه بأننا غادرنا الفندق منذ حوالي 12 ساعة وجميعنا متعبون نريد أن نغتسل ونصلي ونرتاح .. فنحن لم نحسب حساب كل هذا التأخير ..
حينها ازدادت ابتسامة الموظف اللطيف اتساعاً.. وقال لنا بأنه يقدّر كل ذلك ولهذا سيعطينا مقاعد على درجة رجال الأعمال ! على الفور وافقنا وأعطانا بطاقات البوردينغ .. طار الأطفال من الفرحة لأنهم سيركبون لأول مرة في درجة رجال الأعمال، وحفظ كل منا رقم مقعده وأخذنا نتبادل النكات والمزاح حول الأمر ..
بعد عشر دقائق عدنا لنستفسر عن قسيمة الصالة والطعام.. فجميعنا نمنا على الطائرة ولم نأكل شيئا من الصباح سوى ساندويتش بسيط .. قابلنا الموظف الآخر باستغراب .. فاوتشر إيه وصالة إيه ... شرحنا له الأمر فطلب بطاقات البوردينغ، غاب دقائق وعاد لنا بالبوردينغ وقسيمة تسمح لنا بتناول البيتزا + مشروب غازي في أحد مطاعم المطار فقط...
مشيناها وقلنا معلش .. وتناول كل منا شريحة بيتزا فقط مع مشروب غازي .. والباقي على حسابنا. طبعا في فترة الانتظار ارتفعت نسبة اللقافة والزناخة في دم الأطفال.. وانخفضت نسبة النيكوتين في دم زوجي (أضاع السجائر في مطار تونس) .. وهذا المزيج النادر كفيل بأن يكهرب الأجواء ويعكر صفوها..
تسليت مع سيف الدين قليلاً وتشاهدون هنا ابتسامته التي تعبر عن مستوى "الهسهسة" بعد حوالي 10 ساعات في المطارات ..
أخيرا حان موعد الرحلة وتوجهنا إلى البوابة .. ونحن نؤمل أنفسنا بالجزء الأجمل من اليوم في درجة رجال الأعمال... على مدخل البوابة أخذ الضابط بطاقات البوردينغ.. تصفحها جميعا ثم قال لزوجي (لحظة واحدة دعني أرتب لكم مقاعدكم بشكل متجاور)...
قال له زوجي .. لا داعي كلها متقاربة ..
فاستغرب الرجل وأبرز لنا أحد البطاقات .. ثم الأخرى ... ثم الثالثة ... وأعتقد أنه لو كان هناك من التقط صورتنا في تلك اللحظة.. لفاز بجائزة أفضل اندهاشة في العالم ..
الأرقام كانت متباينة بين 35 و 37 و 32.. أسوأ المقاعد على الإطلاق.. في البداية لم يسمع منا الضابط سوى كلمات ... رجال أعمال، تأخير، غلط ، وغيرها من الغمغمة.. قبل أن ينهال عليه زوجي بالصراخ وبأن مقاعدنا في درجة رجال الأعمال وهذا غير صحيح ..
طبعا الضابط بادله الصراخ بأعلى.. وحاولت بهدوء ان أهدئ زوجي فهو يصرخ على رجل أمن وفي بلد غير بلده.. لا قبل لنا بمشاكل من هذا النوع لا سمح الله ... ولكني أيضاً كنت مصدومة ولا أفهم ما حدث .. فنحن رأينا المقاعد بأعيننا والآن هذه البطاقات تحمل أسماءنا وأرقام مختلفة!!
بعد لحظات بدأت أفهم ... الشاب الذي أعطانا قسيمة البيتزا والمشروبات استبدل بطاقات البوردينغ في الدقائق التي غابها عنا.. أفهمت زوجي الأمر باقتضاب وسرعة .. فبدا عليه غضب لم أعهده فيه من قبل بكل صراحة.. فهو الطرف الهادئ العاقل في العائلة ، وكان على وشك العودة إلى حيث الشاب للتفاهم معه .. بل إنه بالفعل استدار وبدأ يتحدث بغضب.. ولكنني رجوته بأن يتناسى الأمر فنحن لن نحتمل تأخيرا آخر ..
طبعا الرجال يفهمون كم يصعب على الرجل أن يتغاضى في هذه الحالات .. يعني بالنسبة له الأمر المنطقي هو أن يعود إلى حيث ذلك النصّاب ويشبعه ضرباً ويستعيد منه البطاقات .. لكنه في النهاية رضخ لصوت العقل والمنطق وطلب من الضابط -والذي فهم الأمر أخيراً، وصدقنا لأن انفعالنا ودهشتنا كانت عفوية صادقة- ان يغير المقاعد إن امكن.. خدمنا الضابط مشكورا ولكنه علّق تعليقاً مزعجاً فانفعلت أنا هذه المرة وأخبرته بأنه لا يمكننا أن نقبل، بعد تأخير لأكثر من ست ساعات، بشريحة بيتزا وعلبة بيبسي فقط! وأننا نسافر إلى كل مكان في العالم ولم نصادف يوما موظفاً قام بهذا الفعل الدنيء..
وصلنا الطائرة في أسوأ حالات الانزعاج، وبخاصة زوجي الذي شعر بأنه "تعلّم عليه" أي تعرض للنصب برضاه هههه ... ولم تفلح أية محاولات في تغيير مزاجه خاصة مع غياب الدخان ..
وصلنا إلى عمّان قرابة منتصف الليل وكنا في غاية التعب .. ولكن بحلول الصباح بدا كل شيء ذكرى بعيدة ولم يعد يعنينا منها سوى الأوقات الجميلة التي قضيناها في تونس، ومع محمد وأسرته وفي سيدي بوسعيد .. وقتنا الرائع في قرطاج لاند ومتعتنا المتناهية في حديقة أفريقيا.. والطقم الجميل والحلوى التونسية والتذكارات التي وجدت مكاناً دائما لها في منزلنا وقلوبنا ..
أصبحنا ونحن نتحدث عن الرحلة، وعن زيارتنا القادمة لتونس، وكيف سنفسح مجالا في البرنامج لياسمين الحمامات، ويوم كامل لسيدي بوسعيد، وأياما للقيروان والشواطئ الجميلة ..
حدثنا كل من زارنا بعدها عن جمال تونس وروعة اهلها وطيبتهم .. وضيّفناهم جميعا الشاي بالنعناع مع المقروض التونسي وتباهينا بجمال طقمنا الجديد وسعره المدهش
.. أصبح لتونس في قلوبنا مكانة لم تحصل عليها الكثير من البلاد التي زرناها، أما الأولاد، فقضوا الأسابيع الأولى من بعد عودتنا بالتحدث بما تعلموه من كلمات تونسية .. لا يمكن بعد كل هذا إلا أن نقول أنها كانت رحلة رائعة ممتعة وناجحة 100% .. وأن ما حدث لم يكن إلا سوء حظ ربما منع عنا سوءاً لا نعرفه .. فالحمدلله من قبل ومن بعد.
ضيافتي لكم في نهاية الموضوع .. مع اعتذاري عن التأخير في استكماله شاكرة لكم جميعا متابعتكم المشجعة وتفاعلكم الدائم ..
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1328x747.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1328x747.
بعد ان اتفقنا على هذه المقدمة.. نعود إلى مكاننا عند إحدى البوابات في مطار تونس. بحسبة سريعة وجدنا أن التأخير لمدة ساعة واحدة فقط لن يكون مشكلة، إلا أننا سنفوت طائرتنا من القاهرة إلى عمان إذا امتد التأخير ساعة أخرى.
بعد عشر دقائق تم نقل بوابتنا إلى مكان آخر، فانتقلنا لبوابة ثانية وجلسنا في مقاعد متقاربة وبدأت أعصابنا ترتاح.. ولكن الراحة لم تطُل.. فالشاشة بدأت تعلن أن موعد الإقلاع أصبح 1 ونصف بدلا من 12 ونصف .. وهذا بالتأكيد معناه أن الرحلة راحت علينا .. فالإقلاع من القاهرة في الخامسة والنصف والمسافة أكثر من ثلاث ساعات، وهناك فارق توقيت لساعة واحدة.
بحث سريع على موقعي المفضل إكسبيديا أظهر أن هناك طائرة أخرى تغادر إلى عمان الساعة 10 ليلاً.. طبعا كانت صدمة شديدة لنا ولكن لم يكن هناك خيار سوى الجلوس والانتظار.
بالطبع فكرنا في تغيير الحجز إلى الملكية الأردنية ولكن مواعيدها لم تكن أفضل !
بعد ساعة أخرى تم تغيير البوابة... وضاع "كريد العش" .. آخر العنقود لدقائق معدودة ارتفعت فيها حرارة دماغي إلى الألف .. رغم أن زوجي كان يقول ببرود أنه لن يضيع في مكان صغير كهذا ولكن بالطبع لم يكن ذلك وقت المنطق..
استقرينا عند البوابة الجديدة... وجاء طاقم مصر للطيران لتوزيع الساندويتشات والمرطبات على الجميع - وهو ما رحبنا به للغاية فنحن نركض منذ ساعات .. حاولنا الاستفسار عن موعد الطائرة ولكن الجميع أخبرنا بأن الموعد لم يتغير ... وطبعا الشاشة لم تتغير.. إلا أن الساعة أصبحت الواحدة والربع ونحن في مكاننا ، والطائرات أسفل منّا تتهادى وتطلق وتحلّق.. ولم تكن من بينها أية طائرة مصرية..
لم يعد هناك ما يعنينا في التأخير صراحة.. فالأمر أصبح يعني إما الجلوس في مطار تونس أو مطار القاهرة .. ولكن دائما يشعر المرء بالتوتر إن لم يكن يعرف ما هي الخطوة التالية. بالإضافة إلى وجود الأطفال الذين سيشعرون بالإرهاق والتعب في فترات الانتظار وهذا بالتاكيد ينعكس على اخلاقهم وتصرفاتهم
سأختصر الطريق عليكم وأعلمكم بأننا بعد تغيير البوابة للمرة الرابعة بدأنا بالفعل الصعود إلى الطائرة في الثالثة والربع تقريبا.. وعلى بوابتها سألنا الطاقم ان كنا سنحصل على مقاعد في الطائرة التالية فأكدوا لنا ذلك، إضافة إلى حصولنا على غرفة فندقية للراحة ..
وصلنا مطار القاهرة بعد ثلاث ساعات لا أذكر منها شيئاً.. وتوجهنا فورا إلى الكاونتر المختص بهذه الحالات ومعنا الكثيرون ممن ضاعت عليهم فرصة مواصلة الرحلات مثلنا ..
تحدث إلينا الشاب بكل أدب، وأخبرنا بأنه لا يمكن منحنا غرفة للراحة لأن موعد الطائرة بقي عليه أربع ساعات (أصبح موعدها 11 بدلاً من 10 ليلاً) .. ولكنه سيعطينا قسيمة voucher لنجلس في الصالة للطعام والراحة. قلنا ماشي على امتعاض .. وأخبرناه بأننا غادرنا الفندق منذ حوالي 12 ساعة وجميعنا متعبون نريد أن نغتسل ونصلي ونرتاح .. فنحن لم نحسب حساب كل هذا التأخير ..
حينها ازدادت ابتسامة الموظف اللطيف اتساعاً.. وقال لنا بأنه يقدّر كل ذلك ولهذا سيعطينا مقاعد على درجة رجال الأعمال ! على الفور وافقنا وأعطانا بطاقات البوردينغ .. طار الأطفال من الفرحة لأنهم سيركبون لأول مرة في درجة رجال الأعمال، وحفظ كل منا رقم مقعده وأخذنا نتبادل النكات والمزاح حول الأمر ..
بعد عشر دقائق عدنا لنستفسر عن قسيمة الصالة والطعام.. فجميعنا نمنا على الطائرة ولم نأكل شيئا من الصباح سوى ساندويتش بسيط .. قابلنا الموظف الآخر باستغراب .. فاوتشر إيه وصالة إيه ... شرحنا له الأمر فطلب بطاقات البوردينغ، غاب دقائق وعاد لنا بالبوردينغ وقسيمة تسمح لنا بتناول البيتزا + مشروب غازي في أحد مطاعم المطار فقط...
مشيناها وقلنا معلش .. وتناول كل منا شريحة بيتزا فقط مع مشروب غازي .. والباقي على حسابنا. طبعا في فترة الانتظار ارتفعت نسبة اللقافة والزناخة في دم الأطفال.. وانخفضت نسبة النيكوتين في دم زوجي (أضاع السجائر في مطار تونس) .. وهذا المزيج النادر كفيل بأن يكهرب الأجواء ويعكر صفوها..
تسليت مع سيف الدين قليلاً وتشاهدون هنا ابتسامته التي تعبر عن مستوى "الهسهسة" بعد حوالي 10 ساعات في المطارات ..
أخيرا حان موعد الرحلة وتوجهنا إلى البوابة .. ونحن نؤمل أنفسنا بالجزء الأجمل من اليوم في درجة رجال الأعمال... على مدخل البوابة أخذ الضابط بطاقات البوردينغ.. تصفحها جميعا ثم قال لزوجي (لحظة واحدة دعني أرتب لكم مقاعدكم بشكل متجاور)...
قال له زوجي .. لا داعي كلها متقاربة ..
فاستغرب الرجل وأبرز لنا أحد البطاقات .. ثم الأخرى ... ثم الثالثة ... وأعتقد أنه لو كان هناك من التقط صورتنا في تلك اللحظة.. لفاز بجائزة أفضل اندهاشة في العالم ..
الأرقام كانت متباينة بين 35 و 37 و 32.. أسوأ المقاعد على الإطلاق.. في البداية لم يسمع منا الضابط سوى كلمات ... رجال أعمال، تأخير، غلط ، وغيرها من الغمغمة.. قبل أن ينهال عليه زوجي بالصراخ وبأن مقاعدنا في درجة رجال الأعمال وهذا غير صحيح ..
طبعا الضابط بادله الصراخ بأعلى.. وحاولت بهدوء ان أهدئ زوجي فهو يصرخ على رجل أمن وفي بلد غير بلده.. لا قبل لنا بمشاكل من هذا النوع لا سمح الله ... ولكني أيضاً كنت مصدومة ولا أفهم ما حدث .. فنحن رأينا المقاعد بأعيننا والآن هذه البطاقات تحمل أسماءنا وأرقام مختلفة!!
بعد لحظات بدأت أفهم ... الشاب الذي أعطانا قسيمة البيتزا والمشروبات استبدل بطاقات البوردينغ في الدقائق التي غابها عنا.. أفهمت زوجي الأمر باقتضاب وسرعة .. فبدا عليه غضب لم أعهده فيه من قبل بكل صراحة.. فهو الطرف الهادئ العاقل في العائلة ، وكان على وشك العودة إلى حيث الشاب للتفاهم معه .. بل إنه بالفعل استدار وبدأ يتحدث بغضب.. ولكنني رجوته بأن يتناسى الأمر فنحن لن نحتمل تأخيرا آخر ..
طبعا الرجال يفهمون كم يصعب على الرجل أن يتغاضى في هذه الحالات .. يعني بالنسبة له الأمر المنطقي هو أن يعود إلى حيث ذلك النصّاب ويشبعه ضرباً ويستعيد منه البطاقات .. لكنه في النهاية رضخ لصوت العقل والمنطق وطلب من الضابط -والذي فهم الأمر أخيراً، وصدقنا لأن انفعالنا ودهشتنا كانت عفوية صادقة- ان يغير المقاعد إن امكن.. خدمنا الضابط مشكورا ولكنه علّق تعليقاً مزعجاً فانفعلت أنا هذه المرة وأخبرته بأنه لا يمكننا أن نقبل، بعد تأخير لأكثر من ست ساعات، بشريحة بيتزا وعلبة بيبسي فقط! وأننا نسافر إلى كل مكان في العالم ولم نصادف يوما موظفاً قام بهذا الفعل الدنيء..
وصلنا الطائرة في أسوأ حالات الانزعاج، وبخاصة زوجي الذي شعر بأنه "تعلّم عليه" أي تعرض للنصب برضاه هههه ... ولم تفلح أية محاولات في تغيير مزاجه خاصة مع غياب الدخان ..
وصلنا إلى عمّان قرابة منتصف الليل وكنا في غاية التعب .. ولكن بحلول الصباح بدا كل شيء ذكرى بعيدة ولم يعد يعنينا منها سوى الأوقات الجميلة التي قضيناها في تونس، ومع محمد وأسرته وفي سيدي بوسعيد .. وقتنا الرائع في قرطاج لاند ومتعتنا المتناهية في حديقة أفريقيا.. والطقم الجميل والحلوى التونسية والتذكارات التي وجدت مكاناً دائما لها في منزلنا وقلوبنا ..
أصبحنا ونحن نتحدث عن الرحلة، وعن زيارتنا القادمة لتونس، وكيف سنفسح مجالا في البرنامج لياسمين الحمامات، ويوم كامل لسيدي بوسعيد، وأياما للقيروان والشواطئ الجميلة ..
حدثنا كل من زارنا بعدها عن جمال تونس وروعة اهلها وطيبتهم .. وضيّفناهم جميعا الشاي بالنعناع مع المقروض التونسي وتباهينا بجمال طقمنا الجديد وسعره المدهش
ضيافتي لكم في نهاية الموضوع .. مع اعتذاري عن التأخير في استكماله شاكرة لكم جميعا متابعتكم المشجعة وتفاعلكم الدائم ..