بسم الله الرحمن الرحيم
تونس.. تلك الجميلة الخضراء القابعة كدرّة تتوسط تاجاً.. فهي تتربع وسط دول إفريقيا العربية، شبه ضائعة على الخريطة بين جاراتها الأكبر مساحة.. إلا أنها تجاريهنّ عراقة وجمالاً وتاريخاً مشرفاً وحاضراً واعداً..
كانت تونس واحدة من البلاد التي أتشوّق لزيارتها.. ولو فتح المجال لأذكر الأسباب لضاقت بي الصفحات، ولكنّ هناك علاقة حب طويلة الأمد بين فلسطين وتونس، وبين شعبي البلدين.. ورغم أني لم أسمع عن تونس ممّن زاروها أبداً، ولا أعرف أحداً سافر إليها وحدّثني عنها ليزيدني لها شوقاً، إلا أنني كنت أتحرى اليوم الذي أتجول فيه بين بيوتها البيضاء وناسها الطيبين..
سنحت الفرصة أخيراً وقمنا بإجازة عائلية، قصيرة وسريعة جداً، إلى تونس الرائعة في أغسطس الماضي.. وسأحاول في هذا التقرير أن ألقي الضوء على وجهة سياحية لا تحظى بما تستحق من تعريف في بلادنا العربية .. فرغم الفترة القصيرة والظروف التي عاكست برنامجنا، كانت تلك من أجمل الرحلات التي قمت بها مع عائلتي.. وأصبح في قائمة ذكرياتنا الجميلة بلد رائع وأصدقاء في غاية الطيبة، ووجهة مدهشة سنعود إليها كلما سنحت الفرصة.
أعود قريباً بإذن الله مع التفاصيل
وحتى اكتمال الجزء الأول -قريباً- تفضلوا كوب الشاي التونسي بالصنوبر ...
نبدأ الحكاية ولا بد أن نعود إلى البداية. كما قلت أنني رغبت دوماً بزيارة تونس (والمغرب التي لا زالت على قائمة الأمنيات).. ولكن كان العائق، كالمعتاد، طلب التأشيرة من حملة الجوازات الأردنية، وكنت قد سألت عدداً من زملائي ومعارفي كثيري الأسفار عن مدى صعوبة الحصول عليها فأخبرني أحدهم بأن التأشيرة التونسية كانت الوحيدة التي لم يتمكن من الحصول عليها رغم سفره إلى ما يقارب 50 بلداً حول العالم
.
المشكلة الثانية كانت الاضطرابات التي سادت فترة الثورة وما بعدها بقليل، ثم الأعمال الإرهابية التي استهدفت السياح وآخرها في شهر مارس الماضي على ما أذكر .. وهي بالتأكيد أضرت بالاقتصاد التونسي والسياحة ضررا شديداً.
ولكن حلمي في زيارة تونس عاد إلى مقدمة الأمنيات عندما أعفي المواطنون الأردنيون من تأشيرة الدخول إلى تونس ، وهكذا لم يتبقّ سوى إيجاد وقت مناسب بين زحمة الأعمال والمدارس ..وإقناع زوجي بتجربة جديدة!
- تونس؟؟ إيش فيها شي مميز تونس؟
- ما بعرف، بس هي حلوة، و..
- نروح لآخر الدنيا عشانها حلوة؟ والاولاد .. ؟
- أعطيني يومين بس.
طبعا هذا الحوار الذي دار بيني وبين زوجي، ثلاث مرات يومياً على الأقل، وفي كل مرة كان يبدي رفضاً وتحفظاً على الفكرة. فإذا اصطحبنا أطفالنا معنا لا بد أن نجد فعاليات تناسبهم وإلا أرهقهم الملل وأرهقنا "الزنّ"..
بدأت من حيث يجب أن أنطلق، بتحديد الوقت المناسب للحجوزات أصلا، وكنا قد تأخرنا كثيرا في اتخاذ قرار الإجازة. فما بين ضغط عملي وعمل زوجي، وهي أعمال حرة لا موعد لها ولا إجازات، وبين بدء الدراسة في 23 أغسطس، كان لدينا 3 أيام فقط! قررت تعطيل الأولاد يومين أو ثلاثة في بداية المدارس، وهو أمر لا أفعله عادة، وحددت الفترة بين 20 - 25 أغسطس.. قصيرة جدا ولكنها كل ما نملك من وقت
!
عدت لإقناع أبو زيد، والذي يمازحه الكثيرون باسم "سيدي بوزيد" على غرار البلدة التونسية التي شهدت انطلاقة الثورة
. "ما عندك فضول تشوف سيدي بوزيد؟" .. "انت بس اعطيني برنامج يناسب الأولاد وأوعدك إني أفكر بالموضوع"..
تفكر؟؟ انا فكرت وقررت خلاص يا سيدي.. هي بس "حتة" البرستيج قبل ما تدفع
وقع اختياري المبدئي على الطيران التركي. لا يوجد طيران مباشر من عمّان إلى تونس، ولهذا كان لا بد من الاختيار بين خيارات محدودة أفضلها التركي، يليها الطيران المصري.. في نفس الوقت قررت الإقامة في مدينة الحمامات التونسية .. لسبب واحد هو أن تكون هناك خطة بديلة في حال لم نجد أية أنشطة نقوم بها، فنقضي الوقت في السباحة والأكل والجلوس في الشمس..
بقي البرنامج، والذي كان بالفعل أمراً مرهقاً.. فالمنتدى لم يسعفني كثيراً في بحثي عن أنشطة في تونس العاصمة وما حولها، كما أن معظم المواقع الأجنبية والمنتديات السياحية تركز على جزيرة جربة والقيراون، ووقتنا لا يتّسع لكل تلك التنقلات. جلست مع نفسي جلسة مصارحة وتساءلت: " ماذا تريدين من تونس؟" .. لوهلة، فكرت أن أغير الوجهة إلى تركيا لأتجنب الإحراج والخسائر بلا داع، إلا أنني تذكرت أن ما أريده بالفعل هو زيارة سيدي بو سعيد، البلدة التونسية الصغيرة المطلة على البحر.. والتي تكتسي كل بيوتها بالأبيض والأزرق في منظر لم أنساه منذ رأيته في صور قديمة تعود إلى طفولتي.
عزمت على الثبات على رأيي، صليت الاستخارة وعدت إلى جهازي الذي أصبح معسكراً دائماً للبحث والتنقيب عن أنشطة تناسب العائلة. سألت أحد مشرفي المنتدى عن بعض المعلومات وحينها تذكرت فجأة أن أحد أعضاء المنتدى، واسمه محمد، كان قد أضافني لصفحته في موقع "فيسبوك" بعد أن قرأ تقريري عن رحلة ماليزيا. تذكرت أنه تونسي ولا زال في قائمة الأصدقاء.. فأرسلت له على الفور أستفسر عن بعض الأمور التي لم أجد لها جواباً في المواقع الإلكترونية.. وكانت تلك البداية الحقيقية لرحلة لن ننساها.
ساعدني محمد، مشكوراً، في وضع تصوّر أوضح للمسافات والتكلفة وغيرها، بل وفي حجز بعض الفعاليات مسبقاً، كما سأذكر لكم في سياق التقرير ان شاء الله.. وبهذا تمكنت من تقديم برنامج مبدئي يناسب أربعة ايام من الأنشطة المتنوعة لزوجي، والذي لا زال متردداً في الموافق
- أسعار التذاكر بدأت ترتفع ..
- خليني أفكر
- نحجز بعدين نفكر، شو رأيك؟ مقاعد الطيران التركي بدأت تنفد..
- انت دائماً متهورة، أعطيني يوم بس أفكر وأقرر..
- الفنادق .. الـ...
لا فائدة.. زوجي هو العنصر الحكيم في العائلة
ولا يمكن أن يصدر قراراً دون دراسة جدوى وتفكير مطول. أعطاني الموافقة أخيراً، دون حماس في البداية، لكنني قلت له أن الأولاد سيستمتعون -على الأقل- بالسباحة وحسب، فوافقني الرأي وطلب مني البدء بترتيب الحجوزات
طبعا طارت المقاعد على الطيران التركي وطارت معها أسعار الطيران المصري.. بالكاد وجدت مقاعد بسعر 420 دينار (حوالي 2200 ريال/درهم) للشخص الواحد، مع ترانزيت بسيط في القاهرة. "أغلى من ماليزيا!"، كان هذا تعليق زوجي على سعر التذكرة فأخبرته بأننا تأخرنا بسبب ما يتمتع به من حب للتأني .. فليس الانتظار دوماً هو الخيار الصحيح.. ما علينا، بو طبيع ما يجوز عن طبعه
المرحلة الثانية كانت حجز الفندق، وبالطبع كانت الغرف تتلاشى أمام عينيّ والأسعار ترتفع سريعاً، فهو موسم الصيف. معظم الفنادق حجوزاتها غير مستردة، ولهذا لم أتمكن من اختيار فندق قبل الحصول على الضوء الأخضر ..
وقع الاختيار في النهاية على فندق سنتيدو السلطان Sentido Le Sultan، رغم أنني كنت معجبة جدا جداااا بفندق راديسون بلو الحمامات...كان الفيصل في القرار هو السعر، فغرف راديسون أغلى بكثير ونحن دفعنا حتى الآن ما يقارب 10 آلاف ريال للتذاكر فقط..
للأمانة، اخترت فندق سنتيدو بناء على صور الغرف لأني أعجبت بالديكور والألوان. حجزنا غرفة عائلية لأربعة أشخاص، شاملة كل الوجبات والمشروبات all inclusive، وهو خيارنا المفضل عند الذهاب في إجازة استرخاء صيفية. أما بركة السباحة والمرافق الأخرى فقد بدت لي شبيهة بغيرها من الفنادق الأخرى في الحمامات.
كما تلاحظون، الغرفة تقريبا عبارة عن غرفتين يفصل بينهما باب سحاب.. تتسع لأربعة أشخاص كبار.
سعر الغرفة لخمس ليال كان حوالي 1200 دينار أردني (6 آلاف درهم/ريال) تقريباً، تم خصمها فوراً عند الحجز.
وكما أخبرتكم سابقاً، أعددت بعض الحجوزات، طبعت بعض المعلومات، وبقيت على اتصال مستمر مع محمد، والذي أصرّ إصراراً تاماً على أن يأتي للمطار لاصطحابنا بسيارته إلى الفندق. المسافة من مطار قرطاج الدولي في تونس إلى مدينة الحمامات حوالي 80 كيلومتر، وكنت أحاول اتخاذ قرار بشأن استئجار سيارة أو تاكسي من المطار، عندما قال لي أنه قادم إلى المطار في كل الأحوال حتى وإن لم نوافق على عرضه لتوصيلنا! وافقنا على عرضه خجلين من كرم شخص لا يعرفنا إلا عن طريق الإنترنت، ولكن بعد ان عرفنا محمد وعائلته أدركنا أن التوصيلة كانت جانباً بسيطاً جداً من كرمهم الذي غمرونا به من قبل وصولنا وحتى لحظة مغادرتنا!
بعد الانتهاء من الحجوزات والاستعدادات الأخرى، بقيت 4 أو 5 أيام على موعد السفر انشغلنا خلالها بالعمل وشؤون أخرى. وكلما عرف أحدهم أننا سنذهب في إجازتنا السريعة إلى تونس، رمقني بنفس النظرة
يتبعها السؤال :"شغل؟" .. "لا والله سياحة".. "حدا بيروح على تونس؟!!" ..
أرهقتني تلك النظرة السلبية لبلد لا يعرفه الكثيرون عندنا
، ودعوت الله أن تخيب ظنونهم وتصدق توقعاتي بأننا سنقضي إجازة جميلة في بلد طيب.
كلما سمعت اسم تونس، عادت بي الذاكرة إلى أوائل الثمانينات، حيث كنت طفلة صغيرة و سكنت مع أسرتي بيتا صغيراً في شارع تونس بمنطقة حولّي في الكويت. ورغم أننا تركنا الكويت قبل 30 عاماً تماماً، إلا أنني لا أنسى معالم الشارع الذي كنت أرى فيه عالمي الكبير.. شارع تونس.
قبل السفر بقليل أرسل لي محمد رقم هاتفه لأتصل به بمجرد وصولنا، وسألني عن عدد الحقائب والأفراد ليقرر أي سيارة تناسبنا، فأسرته كلها الآن تعرف عن زيارتنا وتشاركه الترتيب للأمر!
آخر الترتيبات كان صرف العملة الأردنية إلى التونسية، ولم تكن مهمة سهلة فقد اضطررنا لزيارة أكثر من محل صرافة للحصول على مبلغ يكفينا يوما أو يومين، وحملنا البقية دولارات. الدينار الأردني يساوي حوالي 3 دنانير تونسية (2.8 تقريبا) ..
تغيرت العملة التونسية بعد الثورة عام 2011، وأصبحت تحمل صوراً لأعلام تونس وشخصياتها التاريخية .. وهذه بعض صور العملة الجديدة
جاء يوم السفر: الأطفال في قمة الحماس، وأنا في قمة التوتر. غادرنا المنزل في الثالثة صباحاً لأن موعد الطائرة في السادسة، وانتهينا من الإجراءات سريعاً قبل الصعود إلى الطائرة في موعدها. كانت الرحلة عموماً سلسة لم تشهد أية مشاكل والحمدلله، وفترة الترانزيت أقل من ساعة ونص.
وصلنا إلى تونس في الموعد تماماً، العاشرة والنصف صباحاً بتوقيتها الذي يتأخر عن توقيتنا في الأردن ساعتين. وجدنا طوابير هائلة على كاونترات الجوازات في المطار
، والجميع يملأ استمارات ببيانات القادمين، فملأنا 5 استمارات على عددنا، ولكن التقدم بطيء جداً
فجأة فتح أحد الموظفين نافذة ونادى على زوجي وسأله : "من أين؟" فأجابه على الفور وإذا بالموظف ينادينا من بين العشرات لنختم جوازاتنا لديه
. لا أعرف السبب حقيقة ولكني كنت ممتنة لهذه النقلة السريعة من قاعة الجوازات المزدحمة إلى ما بعدها، وسررت أكثر بوصول حقائبنا الثلاثة دون ضياع أي منها.
خرجنا أخيراً إلى منطقة استقبال القادمين، وخرج زوجي مع الأولاد سريعاً إلى الهواء الطلق، فقد قضينا حوالي 9 ساعات بين المطارات والطائرات وكنا بحاجة إلى هواء نقي وشيء من الحركة. في هذه الأثناء توجهت إلى كشك شركة أوريدو ooredoo للهواتف المتحركة لشراء بطاقة هاتف.
- "8 دينارات"
- بس؟؟
- ها؟؟
- آسفة، تفضلي ..
اشتريت خطاً به دقائق اتصال وحزمة إنترنت، للأسف لا أذكر تفاصيلها ولكنها كفتني وزيادة خلال 6 أيام الإقامة وسعرها طبعا ممتاز.
خرجت لألتقي الأولاد ووالدهم، وأنعشني الهواء العليل.. كانت الأردن حينها تتعرض لموجة حرارة غير مسبوقة، سبقتها موجة غبار لم نعهدها من قبل، فكان الجو في تونس، وإن مال إلى الحرارة في بعض الأوقات، تغييراً رحّبنا به جميعا
اتصلنا بمحمد الذي كان على بعد أمتار منا فقط، وحضر للقائنا مع خطيبته التي أصبحت على الفور صديقة عزيزة لي ولابنتي
. كانت لحظة من اللحظات النادرة في الحياة، والتي تشعر فيها بالألفة مع أشخاص تراهم لأول مرة. الأطفال طبعا انسجموا على الفور وأثقلوا رأسي مضيفينا العزيزين بالأسئلة والتعليقات والكلام، حتى قبل أن نصل إلى السيارة
استمرت الرحلة من المطار إلى مدينة الحمامات حوالي ساعة، تبادلنا فيها الأحاديث واكتسب الأطفال بكل حماس مجموعة من الكلمات التونسية التي لا زالوا يستخدمونها إلى اليوم . توقفنا عند محطة لدفع رسوم الطريق السريع، وهناك كانت مجموعة من الباعة المتجولين، اشترى محمد من أحدهم خبزاً لذيذا يسمونه "الملوي"، التهمناه سريعاً قبل أن نتوقف عند محطة وقود اشترينا من عندها العصير والتسالي الخفيفة. طبعا أول ملاحظاتنا كالعادة أن الأسعار أقل مما هي في الأردن ..رغم وجود ضرائب على المبيعات ورسوم جمركية على البضائع المستوردة.
تونس الخضراء بالفعل... على جانبي الطريق امتدت المساحات الخضراء والجبال المكسوة بالغابات على مدّ النظر، رغم أن الجميع، يومها وفي الأيام التالية، أخبرنا بأن الخضرة تتراجع بسبب الصيف، وأن المنظر أجمل وأبهى في الربيع..
الطريق واسع ومرتب والقيادة منظمة .. الجميع تقريبا ملتزم بالسرعة ...
بعض المناظر ذكرتنا بالأردن كثيراً.. فالطبيعة في بعض المناطق متشابهة جدا خاصة شمال الأردن
وصلنا مدينة الحمامات ولكن زوجي رغب في شراء شريحة هاتف، فاتجهنا مباشرة إلى نابل، وهي بلدة تبعد الحمامات حوالي 10 دقائق بالسيارة، وهي المدينة التي يقيم فيها صديقنا محمد وعائلته، تشتهر بصناعة الخزف والسيراميك يدوياً. أشكال المباني والبيوت الصغيرة في الطريق وفي نابل أشعرتني بأنني وصلت إلى المكان الذي أريده تماماً..
مدخل مدينة نابل ..
توقفنا لشراء بطاقة الهاتف، بالأحرى، نزل الرجال لشراء البطاقة وبقيت في السيارة مع الأطفال وخطيبة محمد، رغم أننا جميعا بدأنا نشعر بالنعاس والتعب. فجأة، وفيما كنت أتحدث إلى رفيقتنا اللطيفة، توقفت سيدة عند نافذة السيارة وبدأت الحديث بمرح وأريحية معنا. استغربت لأنها لم ترد عليها، ولكن، لدهشتي وإحراجي الشديدين، اكتشفت أنها شقيقة محمد، وكانت تتحدث إلي مرحبة بنا ومتمنية لنا إقامة سعيدة في تونس. لم أفهم كلمة واحدة مما قالت في البداية
.. فاللهجة التونسية صعبة على من لا يعرفها خاصة إذا تحدثوا بها سريعاً.. "يعيشك" .. هو كل ما استطعت أن أجيبها به وأرد على عباراتها اللطيفة، مع قليل من الاعتذار والابتسامة البلهاء من جانبي طبعاً.
والآن انتهينا من موضوع الهاتف وتوجهنا إلى فندقنا.. وصلنا في حدود الثانية بعد الظهر على ما أعتقد، وأخذنا حقائبنا وحاولنا أن نفي محمد وخطيبته حقهم من الشكر على ما فعلوه لنا اليوم. اتفقنا على لقاء قريب وودعناهما ودخلنا إلى الفندق.
وهنا بدأ الأكشن - اللقطة الأولى
اعترض موظف الاستقبال لأن عددنا خمسة أشخاص بينما الغرفة لأربعة. حملت ابني الصغير ليرى أنه مجرد طفل في الرابعة والنصف، حجمه لا يزيد على حجم ذراع الموظف، وقلت له أننا لن نطلب سريراً إضافياً، فقال أن المشكلة ليست فقط في السرير بل في الوجبات ..
ألطم؟
شخص بهذا الحجم ماذا سيأكل أصلا؟ حاولنا تجاهل الأمر وقلنا له أننا سندفع تكلفة الوجبات، ولا يمكننا بالطبع أن نحجز غرفة إضافية لطفل بهذا العمر والحجم. أثناء الحديث، كان الموظف يسلّمنا أوراق الحجز ومفتاح الغرفة، وأعطانا معها ورقة غريبة المحتوى تحمل صورة فتاة ترتدي الأسود. أدهشتني البطاقة، فهي تحمل تعليمات بمنع السباحة بالملابس الطويلة أو ما نسميه بالمايوه الشرعي أو الإسلامي .. وتؤكد بأن "البكيني" هو اللباس الوحيد المسموح به في بركة السباحة.
لم نغضب عندما اعترض الموظف على عددنا ولكننا شعرنا بدهشة وغضب شديدين إزاء هذه التعليمات الغريبة. أبدينا اعتراضنا فقال لنا انها تعليمات في كل بلاد العالم. لا يا سيدي، نحن نعرف العالم جيداً.. وملابسنا مصنوعة من قماش خاص بالسباحة، وانا كما ترى محجبة .. فردّ بأن النزلاء الأجانب يشعرون بالانزعاج وتعليمات إدارة الفندق تقضي بمنع السباحة بتلك الملابس نهائياً.
شعرت بالأسى لأن ابنتي لا يمكن أن تسبح بملابس سباحة كتلك التي يريدونها.. وهي طفلة لا يمكن أن تقضي خمسة أيام في فندق وإجازة صيفية دون سباحة. أخبره زوجي بأننا قطعنا قارة كاملة حتى نستجم ونرتاح هنا لنفاجأ بأمر غير منطقي بتاتاً.. وأنه سيكتب تقييماً سيئا لفندق لا يحترم المسلمين في بلد يعتبر مسلماً. بدأ الموظف يلين قليلا، فأخبرنا بأن نتحدث إلى الإدارة، وبأنه سيعيد لنا ما دفعناه إذا أردنا الذهاب إلى فندق آخر.
وقبل أن نغادر إلى غرفتنا، وقف معنا واعتذر بشدة عن هذه التعليمات، واعتذر عن كل ما قاله بشأن الطفل الإضافي، وقال أننا لن ندفع تكلفة أي وجبات إضافية عنه ..
صعدنا إلى الغرفة وأنا أشعر بأنني أوقعت بهم جميعاً في فخ.. وانتظر أن يبدأ أحدهم بلومي على الاختيار. بدأنا بالبحث على موقع بوكينغ عن فنادق مناسبة واتصلنا بهم جميعاً هاتفياً لنسأل عن توفر الغرف، الأسعار، وسياسة حوض السباحة.
"آسفين يا مدام، سياسة الفندق ممنوع السباحة إلا بالبكيني..
" ..
"عفواً أختي، لكن ممنوع ملابس سباحة طويلة.
."
"اعتذار نصفه بالفرنسية ونصفه بالتونسية لم أفهم منه إلا كلمة بكيني
"..
أسقط في يدينا وأدركنا بأننا لن نجد فندقاً آخر.. وطلبت من ابنتي أن ترتدي ملابس سباحة أقصر بقليل من اللباس الإسلامي الذي أحضرته معها ولنر ما هي ردة الفعل. نزل الجميع إلى البركة وقضيت الوقت في ترتيب الملابس والدعاء إلى الله بأن تكون الرحلة أجمل من هذه البداية المزعجة..
إطلالة الغرفة على البحر
بالمناسبة هذه هي البركة الوحيدة في الفندق ..
صورة الغرفة من النت
الغرفة مطابقة تماماً للتي أقمنا فيها .. وتقسيمها مريح جدا لعائلة باستثناء أن الشرفة موجودة في قسم الأطفال وهو خطر نوعا ما على الصغار .. كما أن فيها حمام واحد فقط ..
الديكور اللي خرفنّي وخلاني احجز في الفندق
عاد الجميع من البركة سعداء وأخذوا يصفون لي الشاطئ والبحر والمتعة في السباحة وووو فشعرت بشيء من الارتياح، على الأقل استمتعوا بوقتهم ولم يعترض أحد على لباس ابنتي.. بداية معقولة.
قررنا أن نغير خيار الوجبات من الوجبات الشاملة إلى إفطار وعشاء فقط، لأننا سنكون خارج الفندق في معظم اوقات النهار، فوافق موظف الاستقبال دون نقاش، ثم توجهنا إلى البوفيه لتناول العشاء. تشكيلة الطعام عموماً كبيرة، فيها الكثير من المأكولات البحرية واللحوم عموما، والمذاق طيب لا بأس به.. مستواه كمستوى معظم المنتجعات المشابهة.
وهكذا انتهى اليوم الأول في تونس ونام الجميع مبكراً، فنحن مستيقظون منذ ساعات طووووويلة.. ولدينا في الغد مخططات تبعث على الحماس.
استيقظنا اليوم التالي، والذي كان يوم جمعة، ونحن بحال أفضل بكثير.. أفطرنا في بوفيه الفندق ثم ذهب الأولاد للسباحة، بينما تجولت أنا في الفندق لأستكشف بعض مرافقه التي لم أرها بالأمس..
من هنا ملاعب التنس والغولف ونادي الأطفال وكرة الطاولة وركوب الخيل وغيرها من الأنشطة التي لم يتسع لنا الوقت لنجربها ..
صالة في اللوبي
مكاني المفضل للجلوس قريبا من البركة والمطعم وكل المرافق دون التعرض للبلل أو الشمس
الشاطئ
عند مقارنة المنتجع بمنتجعات مصر مثلا، فهو أصغر حجماً لكنه مع ذلك أقل ازدحاماً بكثير وهناك العديد من المناطق الهادئة للاسترخاء والقراءة مثلاً..
اليوم كان لدينا مخطط مثير للحماس، فسنجرّب لأول مرة "السباحة مع الدلافين"..
قلت لكم أنني حجزت بعض الأنشطة قبل السفر. ففي رحلة البحث عن برنامج مناسب للأطفال، عثرت على حديقة "إفريقيا" للحيوانات، او Friguia .. وهي حديقة للحيوانات والطيور، وفيها منطقة خاصة لإقامة عروض الدلافين. كما تخصص ثلاث فترات يومياً للسباحة مع الدلافين، بإشراف المدربين، ولا بد من الحجز المسبق لها. طبعا استهواني الأمر كثيراً وقررت الحجز. سعر السباحة مع الدلافين لمدة 45 دقيقة هو 200 دينار تونسي في الساعة، أي حوالي 360 درهم /ريال للشخص، حسب الموقع الإلكتروني للحديقة. ولكني بحثن على صفحتهم عبر الإنترنت ووجدت أن هناك عرضاً خاصاً لشهر أغسطس بخصم 50 بالمائة، يعني أصبحت التذكرة الواحدة بسعر 100 دينار تونسي. حاولت العثور على بقية التفاصيل إلا أن الموقع الإلكتروني للحديقة وصفحتها على الفيسبوك وكل ما فيها باللغة الفرنسية التي لا أجيدها.. فاستعنت بمحمد مرة أخرى، والذي اتصل هاتفياً بالحديقة وأبلغني بكل التفاصيل اللازمة:
يجب أن يكون هناك شخص بالغ مرافق لكل طفل أقل من 12 سنة، وبالطبع كل منهم يدفع تذكرة منفصلة. والخصم فعلي يستمر حتى نهاية شهر أغسطس. يمكننا اختيار فترة من الفترات الثلاثة، وهي في الصباح الباكر، الثانية ظهراً والرابعة عصراً، وتسجيل أسمائنا مسبقاً ليسمحوا لنا بالدخول. بعد المداولات مع العائلة الكريمة، طلبت منه أن يحجز باسمي واسم ابنتي، لأن زيد أبدى تخوفاً من الفكرة، وسيف ممكن أن يورطنا في قضية لحماية حقوق الحيوان
موعدنا هو اليوم، الجمعة، في الثانية عصراً، وبحسب بحثنا المسبق وما أعطانا إياه محمد من معلومات، فالطريق إلى حديقة إفريقيا يحتاج حوالي الساعة لنصل على الموعد.. فاتفقنا على المغادرة في الثانية عشرة والنصف. طلبنا تاكسياً عادياً من الاستقبال فأوقف لنا أحد الموظفين سيارة أجرة حضرت إلى المدخل. أخبرنا السائق على الفور أن عددنا أكبر من العدد المسموح بتحميله، حتى وإن كان الخامس طفلاً صغيراً، وأن القيادة على الطريق السريع ستعرّضه لمخالفة واحتجاز الرخص.
طبعاً رضخنا للأمر التزاماً بالقوانين، وطلبنا منه الاتصال بزميل له لنستقل سيارتين إلى وجهتنا.
قبل الانطلاق مررنا ببقالات صغيرة بجانب مدخل الفندق، تبيع التذكارات والوجبات الخفيفة والمرطبات وغيرها، أصحابها في قمة الطيبة والتسامح، ظل أحدهم يخصم من حسابنا ويكرر "أنتم ضيوفنا" .. وفي النهاية بقي مبلغ بسيط ولم يكن مع أي منا "فكة"، فقال أن بإمكاننا أن نحضره في أي وقت!
في هذه الأثناء كان السائق الثاني قد وصل، واتفقنا على مبلغ 50 دينار تونسي لكل سيارة، ذهاباً وإياباً على ان ينتظرانا على مدخل الحديقة، وانطلقنا باتجاه محافظة سوسة، والتي تقع إلى الجنوب من العاصمة، لنسبح مع الدلافين لأول مرة
حرصت على ذكر موقفنا مع بائع البقالات لنفس السبب والنظرة اللي بتخلي كتير منا يكره السفر لدول عربية .. أبدا نهائياااااا ما كان في أي شخص يحاول يبيعنا مكرهين أو يطلب أي شي بالعكس ما شفنا الا ناس في قمة الرقي والتحضر باين عليها الشبع رغم ان المستوى المعيشي متدني لدى طبقة ضخمة من الشعب.. انت تخيل نفسك في بقالة في بلد مختلف وعارفين انك سائح.. هل ممكن يخصم لك من الأسعار المكتوبة.. ويقول لك جيب الباقي بعدين
؟
الشاطئ نظيف متل الصورة تماماً.. في شواطئ اجمل بكثييير للأسف ما زرناها منها شاطيء قليبية.. باذن الله في نهاية التقرير حيكون في جزء عن المعالم اللي كانت في المخطط وما قدرنا نزورها لسبب او لآخر ...
نسيت أجاوبك بخصوص الأمن .. مشيت لوحدي مشوار صغير حوالي كيلومتر في الليل وما حسيت بأي مشاكل.. تمشيت مع زوجي خارج الفندق في مناطق فاضية في الليل وما حسينا بأي قلق .. وزرنا مطاعم معزولة في الليل - حتى كانوا على وشك إغلاق المطعم لكن استقبلونا بترحيب - وما كان في أي شي يدعي للقلق أو حتى التفكير بموضوع الأمن .. ما بعرف ان كان الوقت اللي قضيناه كافي للحكم على البلد لكن في بعض البلاد كنت أخاف تماماً امشي فيها لوحدي من أول يوم ..
سامحوني نسيت صورتين من مرافق الفندق .. قبل ما نكمل المشوار للحديقة ..
منظر البركة من جهة البحر، والمبنى خلفها هو المطعم، وعلى اليسار يوجد سبا مع بركة علاجية مغطاة ..
وهذا مطعم / مقهى جميييل ألوانه تفتح النفس (في الطبيعة احلى من الصورة بكتير) .. غير البوفيه المشمول في سعر الغرفة، يعني وجباته حسابها مختلف.. جلسته رايقة جدا وديكوراته رائعة .. (كاني زودتها بمدح الديكورات)
نكمل مشوارنا إلى حديقة إفريقيا والسباحة مع الدلافين. كما ذكرت لكم، اضطررنا لركوب سيارتين متوسطتين نظراً لعددنا، فاحرصوا إن كنتم في موقف مماثل على طلب سيارة كبيرة تتسع للجميع.
انقسمنا إلى فريقين بالطبع، زوجي وابنتي والصغير في سيارة وانا وزيد في سيارة، وانطلقنا في رحلة يفترض أن تكون مدتها ساعة كاملة. إلا أن مغادرتنا تزامنت مع خروج المصلين من المساجد بعد صلاة الجمعة.. وكانت أفواج المصلين تبطيء الحركة وتعيق مرور السيارات .. ولكن لا يسعني أن أصف لكم فرحي بهذا المشهد
خاصة أننا كنا نسمع عن وضع المساجد وصلاة الجمعة والشعائر الإسلامية في تونس قصصاً وروايات تدمي القلب.. ورؤية المئات تخرج من صلاة الجمعة أثلجت صدري بحق. سألت السائق إن كان الوضع قد تغير بعد الثورة فأجاب بأن الأمور انقلبت تماماً من هذه الناحية ..
في بداية الطريق التقطت بعض الصور للأبواب والزخارف الرائعة
بعد مسافة بسيطة أصبح الطريق خالياً من المشاة تماماً وانطلقنا بسرعة في شارع تحفه المزارع والقرى الصغيرة من الجانبين.. صدقاً لم أشعر بطول الطريق أبداً فهي ممتعة جداً، ولكني لم أتمكن من تصوير أي شيء بسبب سرعة السيارة التي فاقت المائة .. وصلنا إلى حديقة إفريقيا.. واتفقنا مع السائقين على انتظارنا. كان هناك طابور بسيط على شباك التذاكر فقضينا الوقت في التصوير ..
تذكرون سيف الدين الإمليزي الذي صدعنا بحب ماليزيا وعلم ماليزيا؟
هنا عانق العلم التونسي (طبعا اقنعناه بصعوبة انه ليس علم تركيا ولكنه يشبهه) وأصبح علمه المفضل - حتى إشعار آخر. طبعا طفلي ليس عبقريا ولا يعرف إلا اعلام الدول التي زارها .. ولديه ما يشبه "الهوس" بالخرائط والأعلام .. الله أعلم لمين طالع
وعندما وصلنا إلى شباك التذاكر كانت أسماؤنا هناك بالفعل. قلت لزيد أن عليه أن يجرب السباحة مع الدلافين بدلا مني، فوافق متردداً، ولكن كانت هناك مشكلة بسيطة في شرط وجود مرافق بالغ مع كل طفل.
أخبرت مسؤول التذاكر بذلك فنظر إلى أولادي وضحك.. قال لي يبدوان أكبر من عمرهما بكثير، سأعتبر عمرهما 15 و12 سنة ويدخلان على هذا الأساس. طبعا ناسبني الأمر تماماً فالتجربة أصلا من أجل الأولاد، وهما يعرفان السباحة جيداً فلا معنى لوجودي معهم، خاصة أن المسبح سيكون مليئا بالمدربين.
أخذنا تذاكرهما، ولاحظت أن هناك تذاكر منفصلة لحضور عرض الدلافين بعد السباحة مباشرة، فقلت له أننا خمسة ومعنا تذكرتان فقط.. دعنا نشتري ثلاثة لحضور العرض... فضحك وقال "أنت غاوية تدفعي؟ .. خلاص ادخلوا وما عليكم.." – طبعا انسوا اللهجة، لا يمكنني تقليدها ..
ترددنا قليلاً ولكنه بالفعل أشار إلى الشاب الذي اصطحبنا جميعا للداخل بأن تذاكرنا مدفوعة. وتلوموني في حب التوانسة
فور وصولنا إلى المكان ذهب الأطفال مع المدرب وبقيت مع زوجي وسيف الدين التونسي في المدرج، وهو مدرج كبير مظلل مواجه لبركة العرض.. فترة ربع ساعة تقريبا ثم حضر الجميع مدججين بسترات النجاة وملابس إضافية سميكة، وبالمناسبة، لم يعترض أي شخص على ارتداء جنى ملابس السباحة الإسلامية ..
المسبح من المدرج
واحد من الدلافين في مرحلة الهياتة قبل العرض
بداية العرض بتعويد الدولفين على أشخاص جدد وإزاالة الرهبة لدى المشاركين
زيد يلاعب الدولفين عن بعد
وجنى تلاعبه من قرب
أحد عناصر الدرس .. كيف تجعل الدولفين يقفز أمامك
طبعا حصل ما توقعته، فزيد عمره 9 سنوات ولا زال يخشى الحيوانات عن قرب، فحاول الابتعاد عنها ولم يشارك بالسباحة كما أردنا ولكنها كانت تجربة جيدة هيأته نفسياً للمرة القادمة.. أما جنى فكانت على مستوى التوقعات أيضاً، وسبحت معهم بكل جرأة .. لاعبتهم وقبّلتهم وامتطت ظهر أحدهم !
انتهت فترة السباحة مع الدلافين .. وبالطبع عرضوا علينا شراء سي دي وصور للأولاد ولكننا غطينا كل ما نريد بكاميراتنا. تلا ذلك عرض الدلافين لحوالي نصف ساعة، وهو بصراحة أول عرض نحضره جميعاً للدلافين، لا يمكنني تقييم مستواه مقارنة بغيره لكنه أعجبنا جدا جداً..
وخرجنا من العرض مبتسمين كتلك المخلوقات الجميلة الباسمة. كعادتي لا أحب أن أدرج فيديوهات ومقاطع تفسد المفاجأة على من يحضر العرض لأول مرة، ولكني قمت بتحميل مقطعين بسيطين تظهر فيهما ابنتي مع الدولفين، لإعطائكم فكرة عن بعض ما يتضمنه الأمر.هناك مقاطع أوضح وأنشطة أجمل .. لكن فيها سيدات أو صوت العندليب الأسمر
يطغى على ما حوله ..
المقطع الاول
المقطع الثاني
انتهت فقرة الدلافين ولكن لا زلنا في الحديقة
.. طبعا اي مكان فيه حيوانات اعرفوا اننا نقضي فيه وقتاً أطول من أي مكان آخر
وصلنا إلى نهاية عرض الدلافين، حضرته الكثير من الأسر التونسية لأنه يوم جمعة، ولكن كما قلت، لم ندفع تذاكر لحضور العرض ولكن ثمن التذكرة بسيط بكل الأحوال (لا أذكره بالضبط) ..
تبقى على إغلاق حديقة الحيوان التابعة لحديقة افريقيا حوالي الساعة، وربما يعرف بعضكم بالفعل من تقريري السابق أننا عائلة تعشق الحيوانات وكل ما يتعلق بها
لهذا قررنا الدخول ومشاهدة ما يمكن قبل موعد إغلاق الحديقة.
للذهاب إلى منطقة الحيوانات عليك الخروج تماماً من منطقة الدلافين (الدولفيناريوم) والتوجه إلى البوابة الرئيسية نفسها. ضحك موظف مكتب التذاكر لرؤيتنا وأخذ يتمتم .. انتو مصرين تدفعوا؟ ادخلوا يا جماعة ! برّر ذلك بأن الحديقة على وشك أن تغلق أبوابها، واننا دفعنا بالفعل ما يكفي ليوم واحد!
اعجبتني الديكورات والألوان الإفريقية في الحديقة، فالديكورات من الخشب الأسود الداكن وحولها ألوان زاهية وأشكال الحيوانات المختلفة. أما الميزة الأفضل في الحديقة برأيي، فهي أن معظم المساحات المخصصة للحيوانات تقع أسفل ممرات خشبية، بحيث يراها الزائرون من الأعلى بدلاً من الرؤية الأفقية بنفس المستوى ومن خلال شباك تجعل الرؤية مشوشة غير واضحة!
فمثلا هذه صورة مقربة للنمر الذي خصصت له مساحة كبيرة يتنقل فيها بحرية، ونحن نطل عليه من ممر خشبي يعلو حوالي 3 أمتار أو أكثر، والأمر نفسه ينطبق على الأسد والضبع وبعض الحيوانات الأخرى..
أترككم مع بعض الصور ..
سلحفاة ضخمة
طبعا الفهد لا تنطبق عليه شروط إزالة الحواجز ..
إذا كنتم قرأتم تقرير عن رحلتنا الماليزية فربما يذكر بعضكم مقطوعتنا الموسيقية عن الفيل،
والتي انتهت بخيبة أمل شديدة شعرت بها ابنتي لأنها في النهاية رأت فيلا هزيلا وصغيراً. أقنعناها حينها بأن الفيل الآسيوي صغير، وان الإفريقي هو الفيل الكبير الضخم بالفعل، وهنا سنحت لها فرصة جديدة لترى الفيل الإفريقي الضخم!
وصلنا إلى منطقة الأفيال بعد مشي مسافة بسيطة، والاستدلال بالإشارات الواضحة داخل الحديقة، ولكن المفاجئ أن المنطقة بكاملها كانت خالية تماماً من أي فيل
! كان الوقت متأخراً ولم نر أي موظفين لسؤالهم، ولكن ابنتي اتخذت وضعية آه يا زمن.. واعتبرتها مؤامرة كونية امتدّت من ماليزيا شرقاً إلى تونس غرباً، لتمنعها من التمتع بمنظر الفيل الضخم..
أجمل ما في الحديقة بيت الزرافات، وهو بيت كبير تصعد درجاً للوصول إلى أعلاه، وهناك توجد حواجز زجاجية على مستوى رأس الزرافة تماماً! لو كان الوقت مناسباً، كنا سنرى إطعام الزرافات وربما نقوم بإطعامها أيضاً، ولكننا استمتعنا بمشاهدة وجوهها الأليفة عن قرب بكل حال.
في الحديقة مجموعة كبيرة من الحيوانات التي لم نذهب لرؤيتها كالجمال والزواحف، ومنطقة لألعاب الأطفال الصغار والعديد من محلات المثلجات والعصائر وغيرها..وجلسات جميلة في الممرات.
أثناء جولتنا، اتصل بنا صديقنا محمد ليطمئن إلى سير الأمور حسب الترتيب، وإلى أن السباحة مع الدلافين مرّت بسلام! واتفقنا على أن نلتقي قريباً.
قريبا من المدخل توجد بركة لعروض أسد البحر، بالطبع كانت العروض قد انتهت ولكن ربما في المرة القادمة سنحرص على التواجد في موعدها ..
غادرنا الحديقة ووجدنا السائقين بانتظارنا، فعدنا إلى الفندق مع غروب الشمس تقريباً. وبعد العشاء المبكر، أخذنا الأولاد إلى عرض يقيمه الفندق كل مساء في أحد قاعاته، يقوم فيها فريق الترفيه ببعض الألعاب مع الصغار، الأغاني والرقص والحكايات، ومن ثم عرض فيلم خاص بالأطفال حتى التاسعة مساءً..
وفي تلك الأثناء ذهبت مع زوجي إلى البقالات القريبة لدفع حسابنا المتبقي من الصباح وشراء بعض التذكارات من هناك، واشتريت توابل السمك العجيبة والهريسة (الشطة) اللذيذة التي تعتبر من أهم مكونات المائدة التونسية .. ولكنها لا تناسب أصحاب القرحة أمثالي
وانتهى يومنا الثاني في تونس بمعنويات مرتفعة وشوق كبير لبرنامج الغد !
تحية من التونسي الصغير الذي ملأته السعادة برؤية الأسد والنمر والفهد في مكان واحد
يومنا الثالث في تونس كان يوم سبت.. وكان موضع نقاش لأن المكان الذي أردنا الذهاب إليه يزدحم عادة في إجازات نهاية الأسبوع - ولكن يوم السبت هو اليوم الوحيد الذي يمكنني الغياب فيه فترة طويلة دون القلق حيال العمل
وهذا أهم من مواجهة بعض الازدحام.. وفي النهاية كان لي ما أريد وقررنا الذهاب إلى .... مدينة قرطاج لاند
ولأضع الأمور في صورتها الصحيحة، توجد في مدينة الحمامات، حيث نقيم، مدينة قرطاج لاند ولكنها الأقدم، بينما في تونس العاصمة مدينة قرطاج لاند على البحيرة، وهي حديثة وأكبر حجماً وأفضل في مرافقها .. فلم نتردد في اتخاذ قرارنا في الذهاب إلى العاصمة رغم انها تبعد حوالي الساعة..
وبالطبع، بعد تجربة البارحة واستخدام سيارتين، طلبنا من الفندق تأمين سيارة أجرة عائلية لتقلّنا بعد الإفطار، وبالتحديد في التاسعة والنصف، إلى قرطاج لاند تونس.
وصلت سيارتنا في الموعد، وهي سيارة فان تتسع لثمانية أشخاص مع السائق، وهو شاب لطيف اتفقنا معه على سعر 180 دينار تونسي للتوصيلة ذهابا وايابا، على أن ينتظرنا هناك. طوال الطريق انشغلت بتصوير الفيديوهات للخضرة التي تكسو الجبال على مد النظر، ولكن كلما شاهدتها داهمتني موجة من الضحك بسبب الأحاديث الدائرة في السيارة.. فالأطفال "جننوا" السائق بالأسئلة عن تونس - حتى المنتخب التونسي لكرة القدم لم يسلم منهم ، وتعلموا الكثييير من الكلمات التونسية وبدؤوا استخدامها في جمل
وكل هذا في الفيديوهات
وصلنا قبل الحادية عشرة بقليل، وانطلقنا حاملين عدتنا إلى المدخل ... وهذه هي الأسعار الراااائعة
اخترنا منها قرطاج لاند مع وجبة لكل شخص.. وهي أسعار لا تقارن حقيقة بمدينة الألعاب المائية الوحيدة في عمّان .. حيث زرناها قبل السفر بأسبوع مع الأصدقاء ودفعنا ما يضاهي ثروة صغيرة للدخول والطعام والشراب
هناك تفتيش صارم عند الدخول يمنع إدخال أية أطعمة أو مشروبات، ويؤكد على استخدام ملابس مخصصة للسباحة - لكن ملابسنا مسموحة والحمدلله ولا مشكلة في الحجاب ابدا
انطباعنا الأولي عند دخول المدينة هو الدهشة والانبهار ... والمزيد من الدهشة .. مع أفكار تخبرنا بأننا "مضحوك علينا" بمدينة الألعاب المائية في عمّان ..! وأفكار أخرى سأحدثكم عنا في حينها
لم أتمكن من عد كل الألعاب المائية الموجودة .. فهي في كل مكان، بكل الارتفاعات والأشكال ولجميع الأعمار ..
منطقة الأطفال الصغار
على فكرة الصور من الإنترنت
طبعا وضعنا كل أغراضنا وهواتفنا وكاميرتنا في خزائن الأمانات، وانطلقنا في يوم لا ينسى من المتعة المائية والطرطشة
اعتذر لتأخيري في إتمام الرد .. زيارة مفاجئة وعمل مفاجئ في نفس الوقت
سأتحدث عن تجربتنا في مدينة قرطاج لاند بشكل نقاط وان شاء الله تكون مفيدة لأي شخص يخطط للزيارة ..
* المدينة كبيرة فيها عدد ضخم من الألعاب والمنزلقات المائية وفيها مدينة ملاهي كبيرة (ألعاب) وسينما 7D لم نجربها، ولكن جربنا الألعاب كالسيارات والسفينة، والمفاجئ أنها كانت بنفس تذكرتنا للألعاب المائية! الشرط الوحيد هو ان تكون الملابس جافة عند ركوب الألعاب..
* الغداء المشمول في السعر معقول ولكنه عادي، الخيارات برغر ودجاج وباستا وبطاطس مقلية وكوردون بلو.. لكن توجد خيارات أخرى من غير المشمولة في السعر. لم نجربها، ولكن الأسعار معقولة جدا اشترينا حلويات ومثلجات وعصير وكلها أسعارها مقبولة جدا كمكان سياحي ..
* الزحام كان كبيرا نسبيا لانه يوم إجازة وفي عز الصيف الاحمر
لو خططت لزيارتها مرة أخرى سأتجنب السبت والجمعة والأحد بكل تأكيد، مع العلم أن الزحام لم يسبب لنا أي مشكلة إلا في موعد الطعام، فلم نجد طاولة للأكل بسهولة.
* أكثر مكان قضينا فيه الوقت النهر البطئ (ليزي ريفر) ... ميزته ان فيه أمواج تدفعك للأمام دون أن تبذل أي جهد للسباحة.. وفيه نفق على شكل كهف يضم عدداً من تماثيل الديناصورات المتحركة مع شيء من الإضاءة والمؤثرات الصوتية... تجربة ممتعة لمن يريد البقاء في الماء دون تعب..
* بكل صراحة وتجرد .. رأينا جميعا كان أنها أجمل وأفضل بكثير من صنواي لاغون
صحيح ان الأخيرة كانت ممتعة جدا، لكن قرطاج لاند فيها خيارات أكثر بكثير لكل الأعمار والرغبات، وفيها كل انواع الزحليقات بعدد كبير ومستويات مختلفة من الصعوبة ...
المكان أكثر اتساعاً وشعرنا فيه عموما براحة ومتعة أكثر بكثييير .... الكلام عن الألعاب المائية فقط وليس عن باقي أقسام صنواي لاغون. وبالطبع تبقى آراء وأذواق وما أعجبنا قد لا يعجب غيرنا .
* المدينة قريبة جدا من مطار تونس، ومن الممتع جدا مشاهدة الطائرات وهي تقلع وتهبط أثناء الوجود في البركة أو بركة الأمواج ..
* في نهاية اليوم هناك منصة للعروض والفعاليات والمسابقات (عند المدخل مباشرة) .. الفعاليات اجمالا عائلية ولكن للتنبيه والأمانة، كانت كلها رقص وأغاني. ربما لا يكون الوضع كذلك دوماً..
بالإجمال كانت تجربة من أروع ما يمكن بصراحة، بدءاً من السعر وحتى المكان الجميل والأجواء الرائعة .. كل من هناك يبادلك ابتسامة والجميع بنفسية عالية، طبعا 90 بالمائة من الموجودين تونسيين والباقي جزائريين وليبيين حسب ما فهمت.. لمكان عائلي 100% ولم نتضايق من أية مناظر او تصرفات من أي شخص..
وجدنا سائقنا بالانتظار، وسر كثيراً بأننا سعدنا بتلك التجربة في الداخل. من الأمور التي لفتت انتباهي في الشعب التونسي ولاؤه الشديد لبلاده وحبه لإظهارها بأجمل صورة... وحتى المساوئ أو العيوب هي في نظرهم شيء فردي لا يخفي حسن البلد وأخلاق أهلها. رأيت هذا في ماليزيا ورأيته في تركيا.. ولكنني للأسف أفتقده في الكثير من بلادنا
قبل أن أنسى، أخذنا رقم هاتف السائق ووعدناه باننا سنتصل به أو نخبر من نعرف عند زيارة تونس، فسعره ممتاز وأخلاقه عالية .. وهنا أيضاً أشيد بأنه لم يطلب أبدا ثمن غداء أو وجبة أو بدل انتظار طوال 7 ساعات ..
المدينة تقع قرب بحيرة (ومنها أخذت اسمها الكامل) .. وهي مكان جميل جدا للتمشي في المساء، وحولها الكثير من المطاعم الراقية والمقاهي المطلة ... ولكن كنا في غاية التعب بعد السباحة في الشمس طوال النهار ففضلنا الذهاب إلى الفندق فوراً..
وصلنا إلى الفندق قبيل الغروب بقليل .. وطلبت من السائق أن يأخذنا قبل الدخول إلى شارع الفندق، إلى أي سوبرماركت للتبضع سريعاً.. فاعتذر لارتباطه بموعد قريب جدا ولكنه أخبرني بأن كارفور على بعد كيلومتر مشياً من المدخل. تشاورنا سريعاً، ولأنني أعرف تماماً ما أريد شراءه، والأولاد نصفهم متعب والنصف نائم
.. اتفقنا أن أذهب وأعود مشياً، فالمكان قريب والدنيا أمان.. ولكن حصل لي موقف نكتة
ذهبت إلى كارفور وبالفعل كان على بعد أقل من كيلومتر مشياً.. وكانت الشمس غابت بالفعل. كل ما كنت أريده هو بعض العصائر والخفائف للأولاد، ونوع محدد من البهارات كنت أبحث عنه شكلاً ولا أعرف اسمه. كان الفرع أحد الفروع الصغيرة وليس هايبرماركت كبير ولكنه يفي بالغرض
وبالطبع لم أجد البهارات .. ولكني وجدت الهريسة الأصلية واشتريت منها كمية لوالدي.. عاشق المطيّبات الحارة.. فهي الهدية المثالية له من أي بلد
وقفت في الطابور أتأمل الناس من حولي، وعندما جاء دوري دفعت الحساب بكل ثقة، فانطلقت الموظفة ترغي وتزبد وتتحدث بالتونسية المطعمة بالفرنسية كما هو المعتاد فيهم جميعاً..
- الموظفة :
الصراف الذي أعطانا النقود في الأردن يبدو أنه لم يعرف (أو ربما يعرف، ولكنني أود افتراض حسن النية) أن العملة التونسية القديمة سحبت تماماً من الأسواق بعد مرحلة انتقالية، أما الآن فلا يمكن تداولها أبدا وعلى من يحملها استبدالها من البنك المركزي ..
تماماً.. شعور أهل الكهف
طبعا استبدلت الأوراق التي أشارت إليها.. لأن معي نقودا جديدة وقديمة معاً.. بعد أن شعرت أنني أصبحت فرجة
لكن الاحراج تلاشى سريعا والحمدلله والتهمت في الطريق لوحين شوكولاتة لأتناسى توتري
وصلت الفندق ووجدت الأطفال نائمين من التعب حتى قبل العشاء .. والعمل، طبعا، أن أحدنا ينزل للعشاء بمفرده ويبقى الآخر مع الأولاد في الغرفة، ومن ثم ينزل للعشاء بعد عودة الأول..
قمة الرومانسية
وانتهى اليوم الثالث.. كله حماس وتشويق.. ونحن على موعد مع يوم جديد في تونس الخضراء
اعتذر بشدّة عن التأخير في مواصلة الموضوع لظروف العمل والسفر والعمل والعائلة والعمل والمرض
كم مرة قلت العمل؟ في اليوم التالي للألعاب المائية كانت هناك مجموعة من الاقتراحات المطروحة للنقاش على مائدة الإفطار .. ونتيجة التصويت الديمقراطي كما يلي:
ماما: شاطئ قليبية وياسمين الحمامات جنى: نرجع نسبح مع الدولفين ونشوف الفيل الإفريقي زيد: نرجع مدينة قرطاج لاند سيف: بدي اشوف "أخوي" محمد - لليوم يصفه بكلمة "أخي"..
بابا: تعبنا من المسافات الطويلة كل يوم .. خلينا نريّح في الأوتيل للعصر
طبعا الغلبة كانت لبابا المرهق والأولاد بعد أن رحبوا بخيار قضاء النهار في بركة السباحة.. اما أنا فأصبت بشيء من الإحباط قبل أن أدرك أن الحق معهم .. فكل المشاوير تقريبا تحتاج إلى أكثر من ساعة بالسيارة في كل اتجاه.. ربما علينا الاسترخاء قليلاً.
وبما انني ممنوعة من السباحة في بركة الفندق، وطبعا عملي يرافقني كالمعتاد، قررت قضاء النهار في إتمام بعض الأعمال التي تراكمت عبر نهاية الأسبوع بينما يسبح الأطفال ووالدهم.
في هذه الأثناء.. دعوني أعرض لكم صور المنطقة التي كانت في برنامجي الأصلي (والله انا بخطط صح بس هم اللي ما بيلبقلهم
) .. ومعلومات بسيطة عنها علّكم ترغبون بوضعها في برنامجكم .. أما أنا، فما كنت لأعرف عنها لولا أن أخبرني محمد عن جمالها في مرحلة التخطيط للسفر ..
تمتاز قليبية بشواطئها الهادئة ومياهها شديدة النقاء، وبوجود قلعة قليبية التي تعود إلى العصر البيزنطي. من أهم النشاطات التجارية في المدينة الصغيرة صيد السمك، وهي تابعة لمحافظة نابل التي كنا نقيم على أحد أطرافها (تضم نابل، الحمامات وقليبية). أفضل الخيارات هي التوجه إلى شاطئ منعزل للسباحة بخصوصية .. وخاصة في الأيام التي لا تصادف يوم عطلة، وأخذ عدة الشواء للاستمتاع بوجبة شهية في أحضان طبيعة بكر لم تمتد لها يد التعمير.
ميزة المنطقة أن بالإمكان البحث عن خيارات سكن لدى عائلة تونسية أو في نزل بسيط أو شاليه على الشاطئ، فهي خالية من الفنادق الضخمة مما يزيد من هدوئها ويجعلها خيارا مميزا لمن يتطلع إلى عيش الحياة المحلية بتفاصيلها ...
اتصل محمد ظهراً لترتيب أمر اللقاء والعشاء معاً تلك الليلة، فرحبنا بالأمر واتفقنا على اللقاء في حدود الرابعة لزيارة منطقة ياسمين الحمامات، وهي بالمناسبة المنطقة المثالية للسياح في الحمامات. توجهت إلى مكتب الاستقبال لأرى إن كان بالإمكان تبديل وجبة العشاء المدفوعة مسبقاً بوجبة غداء، فرحبوا على الفور بالأمر وتم إجراء ما يلزم. أنهينا الغداء في الثالثة واستعدينا في انتظار محمد الذي جاء في الموعد وأخبرنا بأن عائلته ترغب بالتعرف إلينا قبل أن نخرج في مشوارنا المقرر. بالطبع رحبنا بالأمر كثيراً
و يلا بينا على منزل "سي محمد"، والد محمد
..
في الطريق توقفنا لصرف الدولارات التي كنا نحملها إلى دينارات تونسية، وأصرت جنى على شراء نظارة شمسية رأتها في أحد المحلات، بينما تعلّق قلبي بمحلات السيراميك التي تبهر الأنظار وتدعو محبي البورسلان والسيراميك، من أمثالي، إلى القفز من السيارة والفوز بأكبر غنيمة ممكنة.
لم يكن الوقت مناسباً بعد للتسوق، فأجلت الفكرة قليلاً. طلبنا من محمد التوقف عند محل يبيع علب شوكولاتة، لأننا لم نحمل معنا شيئاً لزيارة أسرته، فضحك من طلبنا وقال أن المعتاد لديهم أن يحمل الزوار معهم "غلال".. أي فاكهة.. وليس شوكولاتة! فاصطحبنا إلى محل غلال وأخذنا ما تيسر .. ولاحظنا طبعا أن الأسعار أقل بكثيييير مما هي لدينا ..
صور من المباني في الطريق
هذا رأس أحد المارة !
طبعا لو كان الأمر بيدي لقضيت ساعات أتامل المباني والزخارف وأصورها واحدا واحدا
وصلنا إلى منزل محمد، منزل تونسي تقليدي جميييل من الخارج، وعدت نفسي بتصويره عندما نغادر..
ولكن نغادر ويييين..؟ توقعنا أن تدوم الزيارة ساعة كحد أقصى، فهي للتعارف والمجاملة يعني ... لكننا منذ اللحظة التي دخلنا فيها منزل تلك العائلة الرائعة، شعرنا أننا بين أهل يعرفوننا ونعرفهم.. لا يمكن أن تصف الكلمات تلك المشاعر.. فحتى حاجز اللهجات المختلفة تلاشى، والمسافة الشاسعة بين بلدينا اختفت وحل مكانها شعور حميم بالألفة والأخوة، وبدأنا بالحديث عن تفاصيل دقيقة جدا في حياة وأسرة وبلاد كل منا .. لا يمكن أن ترويها لشخص تطلق عليه صفة "غريب"..
كان في استقبالنا والد محمد ووالدته وخطيبته، ولتحلو الجلسة أكثر، حضرت شقيقته -تلك التي قابلتها في السيارة لدى وصولنا أول يوم- مع ابنها وابنتها .. وهما من سن أولادي تقريبا.. أما سيف الدين فاندمج مع محمد في متابعة مباراة كرة قدم، قبل أن يلعب الشباب لعبة كرة طاولة...
في هذه الأثناء طبعا لا تسألوا عن الحال في جلسة السيدات - كلام وحلويات واستعراض الأزياء التونسية التقليدية في الأعراس وما يسبقها من ليال ومناسبات .. وحديث سياسي تخللته تعليقات الرجال من جانب، وإبداعات الأطفال من جانب آخر... امتدت الجلسة قرابة ثلاث ساعات، وانتهت باكتساب الجميع أصدقاء جدد، بما فيهم جنى وزيد، ووعوداً من الجميع بلقاء قريب إن شاء المولى ..
خرجنا من المنزل وقد حل الظلام... واتفقنا على التوجه إلى ياسمين الحمامات وفقاً لجدولي المنحوس
>>
في الطريق عادت محلات البورسلان والسيراميك تناديني وتغريني بما فيها من بضائع جميلة ونقوش أعشقها .. وتذكرت انني أحاول جمع طبق مزخرف من كل بلد أزوره لأعلقها على أحد جدران منزلي ... فلم لا أشتري طبقا الآن؟
كان الاتفاق أن انزل للمحل وحدي كي انتهي سريعا.. ولكن الجميع لحق بي وأصبحت أتأمل المعروضات تارة وأشير للأولاد بالانتباه والحذر تارة أخرى.. انتهت الجولة في نصف ساعة تقريبا اشتريت خلالها طقما أعجبني ... استخدمته بعد العودة بتقديم الحلوى التونسية والشاي ..
الجميل في هذه المحلات أنهم لا يبيعون الأواني بالطقم بل بالقطعة.. ويمكنكم تنسيق المجموعة التي تعجبكم بالعدد المناسب لكم.. كما اشترينا بعض الهدايا كأطباق المكسرات وغيرها .. أما السعر فهو معقول جدا جدا، خاصة أن محمد فاصل البائع وأخبره بأنه تونسي وليس سائحا ليبيعه بالأسعار السياحية
بعد غنيمتي الدسمة من البورسلان والسيراميك، كان المقرر التوجه إلى ياسمين الحمامات، وهي المنطقة الحيوية التي أعتقد أنها الخيار الأفضل للإقامة في مدينة الحمامات التونسية.. ليست بعيدة جدا عن فندقنا ولكنها تحتاج إلى سيارة طبعا... بينما هي في الواقع تعج بالفنادق من كل المستويات، وتعتبر مناسبة جدا لمن يحبون السهر والمقاهي والأسواق في شوارع صاخبة لا تنام...
قبل أن نخرج من محيط نابل، المدينة التي يقيم فيها محمد وعائلته وتوجد فيها أجمل محلات البورسلان، أتحفنا أحد الأولاد بكلمة "جااائع"... فقلنا أننا سنتناول العشاء في الياسمين، وتشاورنا مع محمد حول أفضل مطعم للمأكولات البحرية، فوجدنا أنه أقرب إلينا بكثير من ياسمين الحمامات .. فتغير المخطط إلى عشاء ثم سهرة وتمشية ...
اقترح محمد مطعم الصياد الصغير.. وقال أنه من أفضل مطاعم المأكولات البحرية في المكان فوافقناه الرأي فوراً وتوجهنا إلى المطعم الصغير الواقع في شارع هادئ جدا .. كان الشارع معتما والصور غير واضحة فاستلفت هذه الصورة من الإنترنت
اعتقد، والعلم عند الله، أن على من يرغب بالذهاب للمطعم حفظ اسمه بالفرنسية ..
كعادتي التي لم أستطع تغييرها بعد، لم أصور شيئاً من الطعام ولكنننننن هذه الصور من الإنترنت مطابقة للواقع 100% ...
من هنا تطلب الأسماك و المخلوقات التي تريد تناولها وتحدد طريقة طهيها - شواء أو قلي وغيره
.. والطلب ترافقه عادة سلطة مع بطاطس مقلية وأرز أو مكرونة، وهناك بالتأكيد هريسة (شطة) على المائدة....
وبالطبع توجد خيارات أخرى من الباستا والدجاج واللحوم في المطعم، رغم أنه متخصص بالبحريات ولكن يقدم أطباق أخرى لم نجرب أياً منها..
المأكولات البحرية كانت رائعة ولكن المقبلات لم تكن جيدة برأينا ... ورغم أننا لسنا خبراء في الأطباق البحرية والأسماك.. إلا أننا كنا راضين تماما عن مذاق ونكهة الطعام والخدمة والأسعار التي كانت بالنسبة لنا خرافية بمعنى الكلمة .... لا أذكر كم كان الحساب للأسف ولكن الأكيد ان 7 وجبات لنا جميعا مع وجبة ربيان (جمبري) إضافية ومقبلات ومشروبات غازية لم تتجاوز 120 دينار تونسي (60 أردني / 300 ريال سعودي) ..
الخدمة كانت ممتازة وسريعة والتعامل باحترام شديد بدون اية منغصات..
كانت الجلسة ممتعة جدا وأجواء المطعم محببة وحيوية ... ولكن بعد تناول الطعام تساقط الأولاد نعاساً واحداً تلو الآخر .. وتشاورنا في موضوع ياسمين الحمامات ولكن كان القرار محسوماً أصلا.. فالأولاد ووالدهم شعروا بالنعاس قرابة العاشرة نظراً لأنهم قضوا معظم اليوم في السباحة.. فاضطررنا لإلغاء المشوار للأسف
انتهت ليلتنا سريعاً بعد ذلك، حيث توجهنا للفندق على اتفاق اللقاء في الغد أيضاً، وهو آخر أيامنا في تونس قبل العودة إلى الوطن
وصلنا لآخر أيامنا فعلياً في تونس.. حيث أن رحلة العودة في صباح اليوم التالي ولن يكون هناك مجال لأية أنشطة ..
كان الاتفاق المبدئي أن نذهب اليوم إلى شاطئ قليبية الذي تحدثنا عنه بالأمس.. ولكن قلبي لم يكن مرتاحاً للاتفاق .. فكرت كثيراً قبل أن أصرّح برأيي ..
فأنا جئت إلى تونس أصلا كي أزور "سيدي بو سعيد".. فكيف يمكن أن أفوت زيارتها؟ قلبنا الأمر من كل جوانبه.. لا يمكن أن نجمع المكانين معاً .. فهما في اتجاهين متعاكسين..
طبعا الأطفال لا يحفلون بسيدي بو سعيد ولا غيره.. فهم يريدون البحر والسباحة
ولكني أصررت على رأيي بصراحة.. زوجي لم يكن مقتنعا ولكن وفي النهاية كانت الغلبة لي
اتفقنا مع محمد أن يمرّنا بالفندق مع خطيبته في حدود الرابعة.. وقضينا الوقت كالأمس.. بالسباحة واستبدال العشاء بالغداء، ومن ثم حضّرت حقائبنا لأنني أدرك تماماً انني لن أتمكن من إعدادها في صباح الغد .. والحمدلله أنني فعلت .
طرأ على محمد أمر أخّره قليلاً، فغادرنا قبل الغروب بحوالي ساعة.. وسلكنا طريقنا نحو العاصمة تونس من جديد، فسيدي بوسعيد تبعد منها حوالي 20 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي.. مما يعني ان مشوارنا يقارب 100 كيلومتر..
هذه الساعة تظهر في الطريق .. وهي ساعة ميدان الحبيب بورقيبة الشهير ,,, واتفقنا على أن نمر بالشارع الجميل ونتمشى فيه عند عودتنا من سيدي بوسعيد..
قبل الوصول إلى سيدي بوسعيد، مررنا بمسجد كبير وجميل كان يحمل اسم الرئيس السابق وأصبح اسمه مسجد أنس بن مالك.. وموقعه قريب من مسرح قرطاج الذي يستضيف المهرجان الدولي الشهير ...
وبعدها مررنا بمكان جميل وحدائق واسعة، أخبرنا محمد بأنها المقبرة الأمريكية التي دفن فيها جنود أمريكيون إبان الحرب العالمية.. وتوجه بنا لزيارة المكان ولكنها كانت قد أغلقت أبوابها في السادسة تماماً..
عندها توجهنا صوب سيدي بوسعيد.. وقلبي ينبض بعنف لأنني أدركت أنني لن أتمكن من رؤيتها جيداً في النهار .. ولكن لا زلت في قمة الحماس للزيارة والحمدلله أن الجميع بدأ يشاركني الحماس بعد أن كانوا ممتعضين (أولادي طبعا) ..
بدأنا جولة سيدي بوسعيد بالاتفاق على أن نذهب إلى منطقة القهوة العالية ومقهى سيدي الشبعان أولا.. قبل أن نعود للتسوق والتسكع بين المحلات الجميلة والتصوير .. وذلك في محاولة أخيرة لالتقاط المشهد الرائع قبل أن يحل الظلام ...
كنت أسير وانا أصوّر في نفس الوقت .. فأنا لا يمكن أن ألتزم بالاتفاق في كل هذا الجمال
..
للشبابيك في سيدي بوسعيد حكاية .. ولكل منها اسم يحاكي شكله..
أخبرتني خطيبة محمد بأسماء الشبابيك .. لكن الوحيد الذي علق في ذهني هو الشباك التالي "بو كرش" ...
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1024x737.
الصورة الأخيرة من الإنترنت ليست من تصويري..
لا زلنا نحث الخطى صعوداً باتجاه القمة ... والمحلات تغريني بالتوقف وتقليب كل ما لديها ..
اعتذر بشدة عن دقة الصور .. كنت أسرق الصور أثناء السير السريع والانتباه للاولاد والمارة والحديث مع من معي ... ولكني كنت ممتنة جدا فيما بعد لأنني التقطت كل تلك الصور
عشقي هالابواب والألوان
برأيي سيدي بوسعيد تستحق سفرة تصوير لوحدها ....
من هنا اشترينا حلوى لذيذة اسمها "بمبلوني" ,,, لدينا في الأردن وفلسطين ما يشبهها باسم "تمرية" وهي في الواقع لا علاقة لها بالتمر ...
هنا تصل إلى نهاية الصعود تقريبا وتجد أمامك -القهوة العالية- مقهى لطيف مرتفع وأسعاره، كما قال لنا محمد، مناسبة وأفضل من المقهى الآخر ذو الإطلالة المبهرة ...
بجانب القهوة العالية درج جميل ومحلات للتذكارات تنتشر على طول الطريق ..
من الصور القليلة التي أجدت التقاطها.. لأن الجميع توقف هنا ...
اتفقنا على الذهاب للمقهى الآخر .. وكانت الشمس غابت بالفعل ولكن لا زالت السماء غير مظلمة تماماً..
عندما وصلت إلى هنا لم أصدق عيني .. أخيرا وصلت مقهى سيدي الشبعان صاحب الإطلالة المميزة والشاي الشهير ...
المقهى يحمل اسم سيدي شبعان وCafe Delice .. تفاوت كبير بين الاسمين
ضعت بعدها بين التقاط الصور ولملمة الأولاد الذين أخذوا يتراكضون من كل اتجاه للتمتع بالمنظر الجميل ... وبين انتقاء جلسة مناسبة في ظل الازدحام الكبير في المكان ...
طوال الجلسة التي امتدت أكثر من ساعة ونصف، لم أر إلا نادلاً واحداً، يعيد على مسامع كل ضيف قائمة المشروبات المتوفرة لديهم بسرعة وحيوية محببة ... ثلاثة أرباعها بالفرنسية والربع الآخر بالتونسية غير المفهومة ... تاي بالبندق يعني شاي بالصنوبر .. والباقي عليكم ...
شربت، وانا مدمنة الشاي الأكبر في العائلة، 3 أكواب من الشاي اللذيذ بينما طلب الأولاد عصير الفاكهة والكوكتيل ثم المثلجات ...
حاولت الاحتراف هنا .. ولكن كان هناك ناس اسفل منا ، والحاجز ليس بالثبات المطلوب.. فتخيلت أن الكوب سيقع على أحدهم ويصيبه
الصور جميعها بجوالات وليست متقنة فاعذروني ..
أجمل إطلالة
أثناء سهرتنا الجميلة التي شاركنا إياها أصدقاؤنا من تونس، لمعت السماء امامنا بالبرق أكثر من 20 مرة .. وأبدينا استغرابنا لأن البرق شديد وقوي ولكن لم يتبعه الرعد أبدا...
بعد جلسة لا تمل، قررنا الخروج والعودة إلى حيث التسوق والتذكارات .. ومن ثم انتقاء مطعم جميل للعشاء ..
قبل ذلك نزلنا باتجاه المرفأ للتصوير .. وعلى قدر جمال المنظر، لم نتمكن من التصوير بسبب الظلام الشديد ، ولم تفلح محاولاتنا مع الفلاش وإعدادات الكاميرا في التقاط صور جيدة. بعد عودتنا إلى المنزل واستعراض الصور، وجدنا صورا للكثير من الأشخاص الذين يبدو أنهم كانوا متواجدين في المكان! ظهروا في الصور ولكننا لم نراهم ههههه
اشتاتا أشتوووت
ومن ثم عدنا أدراجنا .. صعوداً في البداية حتى القهوة العالية ..
كنا في طريقنا نزولا من مقهى سيدي الشبعان وإطلالة المرسى الرائعة باتجاه أسواق سيدي بوسعيد .. عندما فوجئنا بدون سابق إنذار أو مقدمات .. بهبوب ريح صرصر عاتية .. رياح شديدة محملة بالحجارة والأتربة تهب باتجاه معاكس لنا.. حملنا الصغير وطلبنا من الكبار ان يغطوا أعينهم ولا يفتحوا أفواههم فالريح كانت بتلك القوة! دقائق معدودة حتى استحالت الريح إلى أمطار غزيرة ! نحن في عز الصيف في نهايات أغسطس.. فكيف لها أن تمطر بتلك الغزارة بعد الأجواء الوديعة التي كانت تسود المكان قبل أقل من 10 دقائق!؟
كان المطر شديداً إلى حد أن الجميع بدأ يختبئ أمام المداخل المظللة ويحتمي بأي باب أو بروز من أي مبنى.. وصلنا إلى مدخل مطعم ووقفنا فيه مع مجموعة كبيرة من الناس بانتظار توقف المطر، وحالنا لا يسر -وكذلك حال الآخرين .. فالملابس غطتها الأتربة ثم نقعتها المياه فاستحالت إلى طين ملتصق بالأجسام .. وطبعا هبوب الهواء يزيد البرودة والانزعاج ..
بعد مرور فترة تطوع محمد بالذهاب لإحضار سيارته والدخول من هذا الزقاق الظاهر في الصورة.. وكنا ممتنين للغاية لما فعل .. فقد غاب لأقل من عشر دقائق وحضر إلى حيث نقف .. فدخلنا السيارة وملأناها ماء وطينا
(آسفين يا ابو حميد) .. وبدانا نلتقط أنفاسنا ولا زال المطر يهطل بغزارة غريبة ..
شعرت بخيبة أمل كبيرة، فقد كنت أؤجل شراء التذكارات والهدايا إلى هذا المساء لأنني أردت أن اشتريها من سيدي بوسعيد
واخذ محمد يحاول اقتراح الحلول بأن عبر عن استعداده بأن يأخذنا صباح الغد إلى هناك قبل المطار، لأراها في الصباح واشتري ما أريد.. طبعا كان هذا كرم أخلاقه المعتاد ولكن رفضنا لأن علينا التواجد في المطار في التاسعة والنصف تماماً.. وطريقنا تستغرق أكثر من ساعة.
أصبح هطول المطر خفيفاً جداً بوصولنا إلى قلب العاصمة تونس.. وهنا دخل محمد بنا إلى شارع الحبيب بورقيبة، والذي أصبح فيما بعد يعرف باسم شارع 14 يناير
هنا المشهد الشهير للرجل التونسي الطيب الذي شاهدناه جميعا على قنوات الأخبار .. هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية
طبعا الجولة كلها بالسيارة .. الشوارع فرغت تماماً من الناس والأجواء بدت كئيبة. تمنيت أننا سهرنا هنا يوما ولكن ربما المرة القادمة ان شاء الله ..
الساعة
الشارع فيه مباني جميلة وبعضها يعود لزمن قديم .. من بينها كنيسة ومسرح ولكن لم أعد أذكر هويتها بصراحة ...
خرجنا من تونس باتجاه الحمامات .. وفي الطريق توقف المطر تماماً وبدأ الجو يعود إلى ما كان عليه من صفاء وجمال.. وبالطبع ليس لأننا لا نحب أجواء المطر بل لأنه كان قوياً ومؤذيا بشكل غريب
..
عندها تذكرنا جميعا اننا نريد العشاء .. وطلبنا من محمد أن يأخذنا إلى مكان لطيف وقريب من الفندق .. فاختار مطعماً صغيرا وبسيطاً للأطباق الخفيفة.. كان موظفوه على وشك إغلاق الأبواب عندما وصلنا .. ولكنهم رحبوا بنا واستقبلونا رغم ذلك ..
أعتقد ، وللأسف لم أسجل هذه المعلومة، أن اسم المطعم هو الاصدقاء أو Friends لا أعرف ايهما رأيت .. وربما لم يكن كذلك .. وهو في نابل التي يقيم بها محمد قريبا من فندقنا. حينها كانت بطاريات الهواتف والكاميرا كلها نفدت ولم تكن معنا أي وسيلة للتصوير في المكان. على أي حال ... مش حاضحك عليكم، أنا أصلا ما بصور في المطاعم
تنوعت طلباتنا بين البيتزا والشاورما والبرغر.. والسعر كان أكثر من معقول لكن لا أذكره للأسف
أما الطعم فهو جيد باستثناء الشاورما .. لاننا اعتدنا على مذاقها المختلف لدينا..
أوصلنا محمد مشكورا إلى الفندق وودعناه .. بعد أن رجوناه بأن لا يكلف نفسه عناء المجئ صباح الغد.. لكنه أصر أن يحرجنا بكرمه حتى اللحظة الأخيرة وأن يوصلنا بنفسه للمطار .. فاتفقنا على أن نتحرك من الفندق قبل الثامنة والنصف تفاديا لازدحام الطرق صباحاً.. وخلدنا إلى نوم عميق بعد أمسية مرهقة..
وإن كنتم تعتقدون أن آكشن الامطار في سيدي بو سعيد هو الأخير.. فلا تبتعدوا.. لا زالت هناك مواقف أخرى
اعتذر من جديد على التأخير لو قلت لكم اني متأكدة اني كملت الموضوع قبل أيام حتصدقوني؟
كتبت التكملة على ملف وورد وضاع مني
ففضلت أن أتركه لفترة كي أقبل على الكتابة دون تذمر أو استعجال..
على العموم نحن وصلنا إلى اليوم الأخير في رحلتنا، وهو يوم الرجوع إلى الوطن ومغادرة الخضراء الجميلة التي لم نر منها إلا لمحات بسيطة ..
كنا قد اتفقنا مع محمد على المغادرة في الثامنة والنصف، فأنهينا إجراءات المغادرة سريعاً وسط سلام حار من الموظفين واعتذارهم على سوء التفاهم في اليوم الأول - ووعد أحدهم بأن يبادروا باقتراح لتغيير تعليمات السباحة ..
بعد أمطار الأمس وعواصفه الشديدة، كان اليوم صحواً مشمساً للغاية.. فقضينا فترة الانتظار عند مدخل الفندق نلتقط الصور ونلاعب القطط ونودّع المكان ..
سيف يتوعد القطة على ما يبدو..
وصل محمد في موعده .. وليزيد من حرجنا إزاء كرمه الشديد .. أحضر معه علبة من الحلوى التونسية الشهيرة (المقروض التونسي) .. وهي تشبه إلى حد بعيد ما نسميه المقروطة في بلدنا - أساسها السميد والدقيق وحشوة من عجوة التمر ..
أما المفاجأة الأخرى هي أنه احضر لي مغناطيساً على شكل أحد أبواب سيدي بوسعيد! فبالأمس أخبرتهم أن أهم ما سأشتريه هو باب خشبي صغير كتذكار من سيدي بوسعيد، ومغناطيسات كتلك التي اجمعها من كل مكان.. ولكن الأمطار أفسدت كل المخططات .. إلا أن محمد لم يترك الأمر ينتهي هنا
مع ذلك طلبت المرور على المحلات القريبة من الفندق قبل الانطلاق، واشتريت بعض التذكارات الخفيفة قبل أن نتجه إلى المطار في رحلة قاربت الساعة..
موعد رحلتنا كان الحادية عشرة والنصف، ووصلنا في تمام التاسعة والنصف .. موعد مناسب تماماً. ودعنا محمد على وعد أن يزور أحدنا الآخر إن أتيحت الفرصة، ثم قرر زوجي صرف الدنانير التونسية إلى دولارات لأننا "لن نحتاجها"..
وقفنا في الطابور لإجراءات التشك إن .. إلا أنه كان يسير ببطء شديد جداً جداً.. بعد حوالي الساعة وصلنا إلى الكاونتر وأتممنا الإجراءات مع ابتسامات عريضة من الموظفين .. وتوجهنا فوراً إلى الجوازات.. ترددت قليلاً على مدخل الجوازات بسبب وجود عدد من العسكر الضخام عريضي المنكعين
ولكنهم لم يتحدثوا إلى أحد فدخلنا بسلام آمنين .. ووقفنا في أحد الطوابير القليلة.
إن كان سير الطابور في السابق بطيئاً، فالبطء هنا كان قاتلاً.. أمامنا أقل من ساعة على إقلاع الرحلة.. ولكن ختم جواز واحد كان يستغرق أكثر من 10 دقائق. كان الوضع مماثلاً على كل الكاونترات، وجميع المسافرين يبدو عليهم الاستعجال فلم نطلب من أي منهم تجاوزه..
أصبحت الساعة 11 وربعاً عندما وصلنا أخيراً إلى نافذة الجوازات .. حيا زوجي الضابط وأعطاه الجوازات فبادره على الفور بسؤال :::: فهمنا منه كلمة معلوم وطابعة فقط...
النظرة على وجوهنا اثارت غضبه على ما يبدو.. فأعاد سؤاله بنبرة حادة مع رفع الجواز بطريقة مستفزة.. فانفعل زوجي طبعا وطلب منه أن يتحدث بوضوح لأنه لا يفهم ما يقول وطائرتنا على وشك الإقلاع . فهمنا أخيرا ان هناك ضريبة للمغادرة علينا دفعها وإلصاق طوابع على الجوازات على ما يبدو .. 30 دينار تونسي! لم نعرف عن ذلك ولم يخبرنا أحد به! قال بأنه لا يأبه لذلك وعلينا الخروج من الصالة وتدبير الأمر والعودة إليه .. فطلبنا منه أن نتجاوز الدور عند عودتنا على الأقل.. لم تكن هناك فائدة من ذهابنا جميعاً.. فانطلق زوجي في رحلة الجري السريع للحصول على الطابعة الجبائية .. تأخر كثيراً وشعرت بأنني على وشك الاختناق.. فلم يكن من الوارد أن نتأخر يوما إضافيا بسبب ارتباطات العمل التي لا يمكن الاعتذار عنها ..وبدأت بلوم نفسي لأنني لم أعرف ذلك من قبل ..
عاد أبونا لاهثاً.. كان عليه إعادة صرف الدولارات إلى دينار تونسي ومن ثم شراء الطوابع .. ولدى دخوله صالة الجوازات من جديد.. رأى لوحة كبيرة واضحة تقول بأن على الأجانب دفع ضريبة المغادرة..
سألته كيف لم نر اللافتة عندما دخلنا .. فقال أنها كانت خلف مجموعة الرجال الذين وقفوا على المدخل بشكل مريب
ولم نتمكن من رؤيتها !
عدنا إلى صاحبنا اللطيف، والذي لم يكن لطيفاً بأي حال وحبسنا أنفاسنا إلى أن ختم آخر جواز ! وهوووباااااااااااا .. انطلاق يا اولاد! اركضوا واتركوا أي فرد يتخلف عن الركب.. بيدبر حاله
نسيت ان أخبركم بأن ذلك حدث الساعة الثانية عشر إلا عشر دقائق.. أي أن الطائرة بالحسابات الطبيعية أقلعت بالفعل. لم تكن هناك أية شاشات في صالة الجوازات ولم نسمع أي نداء أو غيره .. ولهذا كان لدينا أمل بأن الطائرة تنتظر عدداً من الركاب، من بينهم نحن
اعترضنا حاجز تفتيش.. اضطرنا حتى لخلع الأحذية.. ولأول مرة في حياتي تجاهلت الدور وتجاوزت بضع أشخاص دون اعتذار أو التفات
وبعد الحاجز أشرت إلى الاولاد بعيني أن ينسوا موضوع لبس الأحذية من جديد فليس هذا وقتها
واركض ياللي بتركض ...
وبين متابعة اللافتات والشاشات لمعرفة مكان البوابة... وصلنا إلى بوابتنا ونحن في حال يرثى لها، لأفاجأ بكلمة retardés على شاشة فوق مدخل البوابة ...
نظرت إلى زوجي مستفهمة.. اليس معناها (تأخرت)؟ ,,, فبادلني النظرة بـ "جحرة" تعني "وانا شو بعرفني .. ثقافتي صيني" ... لم يكن هذا الوقت المناسب لأي حوار عائلي
دخلنا الصالة ووجدنا الجميع بالانتظار.. أعني وجدنا الرحلة تأجلت .. ساعة كاملة.. فتهاوينا على ما وجدنا من مقاعد وبدأنا بعدّ الأشخاص والأحذية والحقائب التي بقيت معنا ونحن نشعر بأن جبلاً ثقيلاً أزيح عن صدورنا..