احييكم مرة أخرى وابدأ معكم تفاصيل رحلتي هذه والتي ارجو من الله أن أوفق في سرد أحداثها وسبر لطائفها بشكل سلس وجميل يليق بمنتدانا
بداية، عقدت العزم على القيام بهذه الرحلة مباشرة بعد انتهائي من رحلتي الاوربية البرية الأولى في العام 2012 "
" حيث كان الشمال الأوروبي بمثابة لغز بالنسبة لي وخاصة أضواؤه العجيبة والتي لطالما حلمت برؤيتها، ولكن يقدر الله ما يشاء وكانت بدلا عنها رحلتي إلى أمريكا وكندا "
"والتي كانت لي شرف المشاركة بها بهذا المنتدى في موقعه السابق.
كان اختيار نقطة الانطلاق وهي براغ عاصمة التشيك أيسر ما في هذه الرحلة، وذلك لتواجد ابني ياسر فيها لابتعاثه فيها
أخبرته بموعد السفر وطلبت منه البحث عن سيارة مناسبة وحجزها، حيث الحجز من التشيك أرخص من ألمانيا أو دول الشمال عموما
كان حجز الرحلة على الخطوط التركية من ينبع إلى براغ ذهابا وإيابا عن طريق استنبول مع فترة انتظار لسبع ساعات في الذهاب وقرابة الثلاثة عشر ساعة عند العودة وهو ما عزمت النية لاستغلالها في زيارة أهم المعالم السياحية في تلك المدينة والتي لم أزرها من قبل.
هذا يا احبابي هو كامل التخطيط المسبق لهذه الرحلة، وما سوى ذلك هو العلم بأني سأقود سيارة متجول بها من بلد إلى آخر.
طبعا كل من قرأ منكم موضوعي السابق "17000 كم في رحاب أمريكا وكندا" لن يكون إعدادي لهذه الرحلة وبهذه الكيفية مفاجئاً له!
في مطار استنبول وخلال السبع ساعات انتظار جلست في المقهى وكان بالقرب مني رجل خمنت من سحنته انه أمريكي فبادرته بالتحية بقولي "هاي" والذي بدوره رد بمثلها، بعد فترة من الزمن اتاني اتصال من الوالدة حفظها الله، وبعد انتهاء المكالمة وإذا بجاري يستهل الحديث معي وبلهجة محلية فلم يكن إلا من منطقة الرياض وكان اسمه رياض!
علمت حينها ولا حول ولا قوة إلا بالله بمدى فراستي!
تبادلنا انا وصديق الانتظار والذي كان مغادرا على نفس الرحلة أرقام الهاتف، وعلمت منه أنه سيستقل سيارة من براغ متجها إلى "جيلينا قور" وهي منطقة تقع في الغرب البولندي حيث يمكث هناك لدى صديق له يمتلك نزلا وهومن اصل سوري، وأن بينهم علاقة عمل وأنه بعد ذلك سيغادر إلى ألمانيا خلال بضعة ايام، وبدأ يحثني على زيارته ويغريني بالطبيعة البولندية، فقلت له اني قد أفعل.
استقبلني ابني ياسر في المطار وأخذني إلى منزله وكان قد أعد لي وليمة دعى إليها بعض اصدقائه
في اليوم التالي وبعد أن غادر ياسر إلى الجامعة ذهبت إلى قلب براغ وبدأت استعيد ذكرياتي فيها
أعمق سلم كهربائي شاهدته
بعض ممن يقومون بالاستعراض في قلب براغ
علمت من ابني لاحقا انه لم يجد لي السيارة المناسبة بعد، فبدأنا نبحث في مكاتب تأجير السيارات التشيكية، وذلك لفارق السعر الكبير بينها وبين المكاتب العالمية والمعروفة، مثل بدجت وهانكو وغيرها
لا أعلم ما السبب، ولكن أسعار الإيجار لم تكن كما عهدتها، زرنا الكثير من المكاتب ولكن دون جدوى، ثم صادف مرورنا بالقرب من مكتب إيوروب كار، فقال ياسر دعنا نرى ما لديهم، فأخبرته بأنه مكتب دولي ولن يكون سعره مناسب ابداً، فنوه بأننا لن نخسر شيئا إن سألنا
ألف ومائتي يورو كان هو أفضل سعر وجدناه حتى حينه قيمة أجار سيارة صغيرة لمدة شهر
دخلنا مكتب إيوروب كار وبادرت الموظفة برغبتي
فاعتذرت وعيناها على الحاسب الآلي بعدم توفر أي سيارة حالياً
لم أكد أرمق ابني بتلك النظرة حتى بادرت بقولها:
إن تصبر حتى صباح الغد أستطيع أن اعطيك مرسيدس من الفئة سي
سريعا قلت في نفسي إممم..سوف نتعدى حاجز الألفي يورو لا محالة..
حسنا وبكم سيكون اجارها؟
هل تريد تأمينا شاملا
نعم
إذاً لمدة شهر مع تأمين شامل ستكون التكلفة سيدي ألف ومائتي يورو
فغرت فاهي ولا أظن اني كنت وحيدا في ذلك
فقلت:
بدون تحديد أميال بالطبع
نعم الاميال مفتوحة
لم أكن مصدقا لما اسمع قلت سأسافر بها إلى خارج التشيك
تسطيع سيدي أن تذهب بها أينما تريد في نطاق دول الاتحاد الأوروبي ولكن طرق التشيك هي الوحيدة المدفوعة ضرائبها
اتممنا العقد وخرجنا من المكتب ونحن في غبطة وذهول
في الصباح التالي عدت إلى المنزل بعد ان استلمت السيارة وبدأت بالتجهيز للرحيل وحين عاد ابني من الجامعة أبدى رغبته في مرافقتي ولا سيما ان الإجازة الاسبوعية قد حلت وأن اول محاضرة له لن تكون قبل الساعة الثانية ظهرا من يوم الإثنين
أسعدني ذلك وأطلعته على حكاية صديق المطار وأني انوي الذهاب إليه
أرسل صديقي رياض إحداثيات موقعه بعد اتصالي به والذي كان بمنطقة "جيلينا قور" والتي تقع في الغرب البولندي، وكانت المسافة تبعد قرابة الساعتين بالسيارة
وصلنا إليه متأخرين نسبياً، فقد كان مسار الطريق ملتوياً نوعاً ما، وقد يكون ذلك بسبب عدم تحديث جهاز الملاحة
حين وصلنا النزل
استقبلنا الأخ رياض بحفاوة بالغة وأخذ بأيدينا مباشرة وأدخلنا النزل فوراً وصعد بنا إلى الطابق الثاني ولم نقف إلا عند موقد الغاز في مطبخ صديقه، وبدأ يكشف لنا الآنية واحدة تلو الأخرى ليطلعنا بمكنونها ثم أمرنا بملئ أطباقنا بما نريد وجلس هو على طاولة الطعام وبدأ يتم طعامه!
تبادلنا النظرات أنا وابني ياسر ومرت لحظات قبل أن أبدأ انا بملئ طبقي
ها نحن ذا بمنزل أحدهم في مطبخه نأخذ من طعامه ولما نقابله بعد!
جلسنا على طاولة الطعام وأستهل رياض الحديث مطلعنا بأن هذا الجناح خاص بصديقه صاحب النزل، وأنه يقطن غرفة فسيحة مجاورة له
ليس إلا قليل، حتى اقبل من تخطى الستين من عمره، فاره الطول ضخم الجثة والذي بدأ وبلهجة سورية مرحباً بنا سائلاً إيانا عن الذي نود شربه
جلسنا إلى التلفاز بعد إتمام الطعام وبدأ ابو طارق صاحب النزل والذي كان في غاية اللطافة بسرد قصة هجرته إلى بولندا وبالأعمال التي زاولها ومن ثم وزواجه من زوجته البولندية بعد إسلامها إلى غير ذلك من قصصه الشيقة
بعدها انضمت إلينا زوجته تلك والتي لا تخفي سحنتها رغم سني عمرها الجمال التي كانت تحظى به في يوم ما، وكانت هي أيضاً في غاية الرقة واللطافة ولم تكن تعرف من العربية إلا النذر اليسير
أخذنا بعد تلك الأمسية الجميلة صديقنا رياض إلى غرفته والتي كانت أقرب للجناح منها إلى الغرفة، فقد كانت تحتوي على أربعة اسرة وطقم جلوس كامل وحمام فسيح، وبعد قليل من الحديث الهزلي وشيئ من الضحك أخذ كل منا سريره وخلدنا للنوم
سألت صديقي رياض ابو محمد خلال تلك الأمسية الجميلة إن كان جاهزاً لمرافقتنا غداً إلى هامبورغ حيث وجهتنا الأولى ولكنه قال بأنه ينتظر غداً امر ما يخص عمله وإن انتظرناه لبعد الغد فسوف يكون سعيداً بمرافقتنا
نظرت إلى ياسر فهو صاحب الوقت المقيد، فأبدى استعداده بالمكوث وخاصة انه لم يزر بولندا من قبل
عندها انبرت باتا زوجة ابا طارق قائلة إنها وأخاها وصديقته وأمها سيقومون برحلة طوال يوم الغد يقومون خلالها بزيارة إحدى القلاع والذهاب إلى الملاهي وسألتنا إن كنا نود مرافقتهم فما كان منا إلا أن أبدينا إعجابنا بالفكرة
وبالفعل، انطلقنا في الصباح الباكر إلى تلك القلعة والتي كانت تبعد عنا قرابة المائة كيلو متر شرقاً، وتجولنا بداخلها لبعض الوقت
كانت قلعة كسيز (هكذا قرأتها) جميلة في تصميمها رائعة في موقعها
بعد زيارة القلعة تلك اتجهنا في طريق العودة إلى مدينة صغيرة أخرى حيث الملاهي واستمتعنا لبعض الوقت، وفي طريق العودة تناولنا الطعام في أحد المطاعم ومن ثم اتجهنا إلى النزل
العجوز التي صاح من خلفها ياسر فأطلقت العنان لعربتها (كما في الفلم)
بنهاية ذلك اليوم أطلعنا أبو محمد بعدم إتمام الأمرالذي كان ينتظره وأنه بالتالي لن يستطيع مرافقتنا غداً في مسيرتنا إلى ألمانيا
تجهزت وولدي ياسر في صباح اليوم التالي وانطلقنا صوب هامبورغ في المانيا
وفي الطريق ابدى ياسر رغبته برؤية جدار برلين
تم تغيير الإحداثيات لجهاز الملاحة، وعند الوصول تجولنا قليلا في المدينة
بعد الانطلاق صوب هامبورغ، ناولت ياسر جهاز الهاتف الجوال سائلاً إياه بالبحث عن فندق مناسب فيها
وهنا دار بيننا الحديث التالي الذي بدأه ابني:
بابا، بابا، بابا
باو
إيش رايك تجرب الباك بكرز
أيش يطلع البكر هذا
هوستيلز (فنادق ذات غرف نوم يشترك فيها أكثر من نزيل)
خير إن شاء الله، ليش هوستيل
والله يا بابا فلة، وتتعرف على ناس ولها جوها
يا ابني أيش إلي انام مع ناس غرب ما اعرفهم
بابا، أول ما جربتها في نيوزيلاندا، ومن بعدها انا اشوفها احسن من الفنادق
يا ولدي كيف الراحة كيف النظافة، إيشبك إنتا صاحي؟
اووووه يا بابا، والله لو قعدت اشرحلك قد أيش ما حتصدق، وبعدين انتا ايش خسران؟ إحنا الإتنين ما نوصل اربعين دولار في الليلة
يا واد بلا بهللة، لا بكر ولا بقر
اسمع يا بابا، انا احجز من جوالي ولو ما عجبك نخرج لأي فندق والهوستيل على حسابي
ياواد روق
الله يخليك يا بابا عديلي هيا المرة دي بس وشوف
….
….
….
….
اقلك انسى، شيل الفكرة هادي من مخك نهائياً، قلك بقر قال
جينيريتور، كان هو الهوستل (الباك بكر) الذي تم حجزه
كانت الغرفة التي حجزنا فيها تحتوي على عشرة أسرة، كل سريرين معاً أحدهما يعلو الآخر
كانت عكس المتوقع تماما
غاية في النظافة والترتيب والهدوء
كان كل سرير مجهز بإضاءة للقراءة ومقبس كهرباء ومنفذ لشحن الجوال
كان هناك خزينة لكل نزيل
كل غرفة مجهزة بدورة مياه ومروش منفصلين، بالاصافة إلى دورة مياه كبير مع مروش لكل مجموعة من الغرف
الشامبو والصابون ومعاجين الأسنان وغيرها تباع منفصلة لدى الاستقبال وبأحجام صغيرة وكبيرة
المكان وبشكل مجمل مريح وهادئ والأهم من ذلك انه لا يشعرك بالوحدة خاصة لمن يسافر منفردا
اما بالنسبة لي فقد كان شعوري غريبا، فلم اعتد شيئاً من هذا القبيل مسبقا
لكن حقيقة، لم يدم هذا الإحساس طويلا
فقد أخذت أغط في نوم عميق، ما هو شعور الآخرين؟
لا أعلم
في الصباح الباكر استيقظت ولكيلا أزعج الآخرين اخذت كل ما يلزم وذهبت إلى دورة المياه الخارجية للاغتسال
عدت إلى غرفتي، عفوا غرفتنا وصليت الفجر
بعدها أيقظت ياسر، وما أن اغتسل وصلى حتى كانت الغرفة كحلية نحل
فهذا يلبس وغيره يسرح شعره وذاك يحدث هذا وذلك يضحك، وآخران مستلقيان على بطنيهما يغطان في نوم عميق
منظر غريب لا يخلو من الظرافة
ركبت وولدي السيارة وأخذته إلى مطار هامبورغ حيث موعد عودته إلى براغ
بعد أن غادر عدت إلى سيارتي وأدخلت إحداثيات كوبنهاجن العاصمة الدنماركية في جهاز الملاحة
وها أنا ذا أعود إلى سابق عهدي، مسافر وحيد
ها أنا ذا حر طليق مرة أخرى
ها أنا ذا أذهب أينما أشاء وكيفما أشاء….. لا بكر ولا بقر
تتبعت إرشادات جهاز الملاحة خطوة بخطوة باتجاهي صوب كوبنهاجن
ولكن فجأة وبدون مقدمات، سألني الصعود إلى العبارة البحرية
لم يكن في الحسبان أني سوف استقل عبارة، ولكن هذا ما يريده مرشدي
تحركت العبارة مغادرة الأراضي الألمانية، تشق عباب البحر
هذه عبارة أخرى تسير بالاتجاه المعاكس
وهذه الصورة من داخل العبارة
وحين وصولي الأراضي الدنماركية، بدأت أعبر طرقها وجسورها كما يرشدني دليلي
وعندما وصلت كوبنهاجن، قدت قليلا في شوارعها
بعد ذلك توقفت كعادتي لأبحث في موقع بوكينج عن الفنادق المتوفرة بالقرب مني
أخذت أتصفح واتخير بين الفندق والآخر حتى وقعت عيناي عل جينيريتور
إنه هو
إنه هو نفس النزل (الهوستل) الذي نزلناه أنا وياسر في هامبورغ
إممم..
هل أنزل فيه؟
لا أخفيكم القول، كان السؤال من باب الترفيه عن النفس، وجوابه غالباً كان لن يتخطى النفي
ولكن أيضاً من باب ماذا سأخسر كما واجهني به ابني من قبل
قلت سأذهب وأشاهد النزل فقط للعلم بالشيء، وأنا في الأصل اتجول في شوارع كوبنهاجن، فليكن هذا أيضاً ضمن تجولي
حين وصلت، أخذت أتجول في النزل، في ردهاته وصالاته وأماكن الجلوس فيه
وإذا به قد فاق صاحبه في هامبورغ حجماً وجمالاً
لقد كان مكتظاً بالنزلاء من جميع الفئات
كان يحتوي العديد من الأنشطة والألعاب الرياضية
حقيقة وبدون تردد توجهت لموظف الاستقبال وطلبت مشاهدة الغرف والتي هي أيضاً تفوقت في حجمها وجمالها
عندها حجزت سريراً أرضياً وقد كانت تكلفته على ما أظن التسعة عشر يورو
عدت إلى السيارة وأخذت سجادتي وما يلزم من لبس وخلافه
صليت المغرب والعشاء، ثم عدت إلى بهو النزل
كان هناك صالتي طعام، تناولت في إحداهن طعام العشاء متجاذباً أطراف الحديث مع من هم حولي
هنا، الجميع وعلى مختلف مشاربهم يتحلون بنوع من الحميمية والتي تمكنهم من مشاركة بعضهم البعض الحديث واللعب وإلى ما سوى ذلك من الانشطة
هذا، إضافة إلى السعر، هما السببان الرئيسيين اللذين يرغبان المسافرين لاختيار مثل هذه النزل
قضيت معظم الوقت اتنقل من نشاط إلى آخر، مشاهد تارة ومشارك تارة أخرى
ما لفت انتباهي وجود صالة لا بأس بحجمها مغطاة بالرمل الناعم يلعب بها بالحجر والكرات الصغيرة التي تقذف
كان مجموعة كبيرة من الناس أصغرهم قد تخطى الأربعين من عمره يلعبون هنا
كان هناك شيء من الحماس
راقبتهم لبضع دقائق وتحدثت مع بعضهم ولكني لم أفهم اللعبة
مهما كانت ميولك وهواياتك، فلن يخيب ظنك هنا في أن تجد من يشاركك فيها
دارت هنا كل أطياف الحديث
الفنون بأنواعها، السياسة، الاقتصاد، الرياضة، السياحة، إلى ما غير ذلك حتى الطبخ كان له نصيب وافر
كانت الساعة قد قاربت الحادية عشر مساءً حين كنت أشاطر مجموعة من النزلاء الحديث، حيث بادر أحدهم برغبته بزيارة حي كرستيانيا في كوبنهاجن
وبدأ يشجعنا على ذلك بقوله إن لهذا الحي تاريخه، وأنه يعتبر بمثابة مدينة داخل مدينة
اقتنعنا بالفكرة وانضم إلينا آخرون كذلك
مررت بسيارتي وأخذت منها كامرتي وانطلقنا
نظر أحدهم إلى كامرتي نظرة استهجان لم أفهمها في حينها
بعد مضي ثلث الساعة وكنا قد اقتربنا من ذاك الحي، خاطبني قائلاً:
ألا تخاف على الكاميرا
ولم؟
الا تعلم أن التصوير في ذلك الحي ممنوع؟
لا، لا أعلم!
سمعت انهم يحطمون الكاميرات هناك
ماذا؟
أنظر إن كان بإمكانك إخفائها
أخفي ماذا (وقد كانت الكاميرا نيكون د810 والعدسة المصاحبة لها 70-200)
اممم…
دعنا نصل أولاً، وسنرى، فإن كان ما قلت فسوف أعود
عند مدخل الحي كان هناك محل صغير الذي بادرت البائع فيه بالسؤال عن صحة ما سمعت عن الكاميرا
وبدوره أكد لنا الخبر ولكنه طمأنني بأنه لن يقع لي مكروه إن لم أصور وإن حافظت على الكاميرا بجانبي ولم ارفعها كمن يريد أن يصور
بعد ذلك المحل انعطفنا يميناً وإذا نحن بمدخل الحي وكأننا نعبر نقطة تفتيش
كانت هناك إضاءات كاشفة وكان الشارع خالياً إلا من شخص كأنه كان متسكعاً هناك، ولكن الحقيقة أن عيناه كانت كعيني الصقر التي ترقب كل من دخل أو خرج
نظر إليً ذاك الرجل نظرة ثاقبة ثم حولها فجأة إلى كامرتي
انتابني شيء من الخوف حينها ولكني دثرته بتصرف السائح اللامبالي والمنبهر بما يرى من حوله
لم يكن المكان مكتظاً بالناس ولعل السبب هو الوقت المتأخر الذي أتينا فيه
بعد تلك الإضاءات كان المكان خافت الإضاءة أينما ذهبنا
كانت النظرات لا تفارقنا أبدا
الحي بدا لي طبيعياً من حيث المنازل والبنايات والتي يعتري بعضها القدم
لفت انتباهنا وجود بعض الخيم الصغيرة على الطرقات
اختلست النظر إلى بعضها وكانت المفاجئة
فهؤلاء يتعاطون المخدرات مستخدمين الإبر، وهؤلاء في وضع حميمي ماجن، وغيرهم يدخنون ما أظنه الحشيش
لم يكن الحي بما فيه من ساكنين وبنايات وشوارع ومتاجر إلا وكراً لتجار وعصابات المخدرات
هم يسيطرون تماماً على الحي على الرغم من كل الأساليب التي اتبعتها الحكومة الدنماركية
هو فعلا مدينة داخل مدينة، ويبقى وصمة عار على تلك الحكومة
انتهينا من التجول في ذلك الحي وعدنا أدراجنا إلى النزل وقد بلغ بنا التعب مبلغه
ستوكهلم، عاصمة السويد
هو اسم المدينة التي لمست حروفها الواحد تلو الآخر على جهاز الملاحة
حيث كانت هي وجهتي لهذا الصباح
بعد انقضاء الساعة بقليل وانا على الطرقات
أفاجأ مرة أخرى بالأمر الصادر من ذلك الصوت والذي ألفته كثيرا، صوت جهاز الملاحة
أفاجأ به يأمرني بالصعود إلى العبارة مرة أخرى هكذا وبدون سابق انذار
هذا الصوت والذي لم يكن إلا صوت فتاة أمريكية، لي معه صولات وجولات
لقد تحدثت إليها كثيرا
نعم، وجادلتها كثيرا كذلك
كثيرا ما كنت أخطئ الاتجاه
فتأمرني بالعودة، ولكني كنت دوماً أجيبها بأني لن أعود وأن عليك أن تجدي لنا طريقاً آخر
كانت تكرر الأمر بالعودة بلا كلل ولا ملل وفي بعض الأحيان لساعة كاملة
وفي كل مرة كنت اقول لها
لن أعود جدي لنا طريق آخر
كنت أتعمد في بعض الأحيان القيادة في الطرق النائية
والتي تمر بين الأحراش أو الجبال
فأمتع المناظر التي شاهدتها كانت على مثل تلك الطرق
كنت اشاهد فيها القرى النائية، والطبيعة البكر كما أبدعها الخالق سبحانه وتعالى
بالطبع أشاهد كل ذلك وصاحبتي كما هي، تكرر نفس الأمر
عد عندما تتاح لك الفرصة
بل وكانت تجد لي المنعطفات والمناطق التي أستطيع الالتفاف فيها للعودة
هي لحظة النصر التي أشعر بها والتي ترسم ابتسامة على محياي
حين تيأس محدثتي تلك وتبدأ برسم مسار جديد للرحلة
وأجيبها أيضاً: ألم أقل لك بأني لن أعود
ولكن لن أخفيكم الأمر
فالنصر لم يكن حليفي على الدوام
فكثيراً ما كنت أجبر للرضوخ لها
حين ينتهي بي الطريق أو أصل لطريق لا تطيقه مركبتي
هل هذا ضرب من الجنون
هل هو ضريبة السفر منفردا
لا أعلم، ولكنه شيء ما كنت أمتع نفسي فيه وكفى
صعدت العبارة حسب الأوامر الصادرة
ومن على ظهر المركب كنت أستطيع رؤية الشاطئ الآخر
فلم تكن المسافة تتعدي الخمسة كيلو مترات
تركنا مدينة هيلسينجور مغادرين بها الأراضي الدنماركية
لم نكن وحدنا، فالطير كان مرافقاً لرحلتنا تلك
دقائق قليلة بعدها حتى بدت تتضح لنا معالم اليابسة الأخرى
ثم ها نحن ذا نستهل الأراضي السويدية بمدينة هيلسينجبورج
بعد نزولنا من العبارة
عدت مرة أخرى أعالج الطرق صوب هدفي ستوكهولم
.
عند الوصول بحثت وبدون تردد عن نزل
وبالفعل نزلت في أحدها
(بحثت في سجل بوكينج ووجدت ان الكثير من الحجوزات السابقة غير مسجلة
الظريف أن كل الحجوزات التي تم إلغاؤها مسجلة)
في ذلك النزل تحدثت واحدهم قرابة العشر دقائق مستخدماً اللغة الإنجليزية
كنت أظنه من دول أوروبا الشرقية
وكان هو يظنني من دول أمريكا الجنوبية
ولم يكن زميل السكن ذاك إلا سورياً
يقطن هذا السوري الخلوق كوبنهاجن، وقد أتى إلى هنا في رحلة عمل
أمضينا سوياً بقية ذلك اليوم متجولين في قلب مدينة ستوكهولم
ثم تناولنا طعام العشاء في طريق العودة إلى النزل
وخلدنا بعدها للنوم
في الصباح الباكر
كانت الأجواء ماطرة حين كنت أخط اسم مدينة هلسنكي على جهاز الملاحة
توكلت على الله وبدأت القيادة
بعد ذلك صدر الأمر بركوب العبارة
هنا في هذا المكان
لا يوجد أحد
المكان خالي
البوابات شاغرة، لا يوجد موظفين
كنت أبحث بلا جدوى (كما في الدقيقة 23:40 من الفلم)
ذهبت إلى مبنى كبير بالقرب، والذي تبين لي أنه مبنى القدوم والمغادرة
المكاتب خالية
صعدت إلى الطابق الثاني، فإذا أنا بصالة انتظار كبيرة وأخرى للطعام
يوجد القليل جداً من المسافرين
ذهبت إلى العاملات في صالة الطعام وسألتهن عن رحلة هلسنكي
كن لا يجدن الإنجليزية
طفقت أسأل كل من أقابل
جهل مدقع
عدت إلى سيارتي، وأخذت أتنقل بين المكان للمرة الرابعة أو الخامسة
المداخل والمخارج غير واضحة المعالم
يجب أن أفعل شيئاً
ذهبت إلى حيث مركبات الشحن، تحدثت إلى قائديها
أشاروا إلى مبنى صغير في الطرف الآخر
ذهبت إليه، فإذا به مكتب للجوازات
كان هناك خمسة مسافرين فقط
كان في المكتب موظفتان، ذكرتاني بموظفي الجوازات لدينا قبل عشرين سنة
كانتا لا تخلوان من الجلافة والاستعلاء
كنت أراقبهما يعدان جوازات المسافرين وأتعجب من الأمر
عندما فرغت الأولى ذكرت لها برغبتي بالذهاب إلى هلسنكي
أخبرتني بأن الذهاب إلى هلسنكي يكون من ستوكهولم
إذاً، تسعين كيلو متراً قطعت عبثا، ويتحتم عليّ الآن العودة مرة أخرى
أخذت اسير الهوينا في طريق العودة حتى أني جادلت صاحبتي
ولكنها انتصرت هذه المرة، حيث سلكت طريق مسدود
عدت إلى نفس النزل مرة أخرى
مستعيناً بالإنترنت، بحثت عن العبارة إلى هلسنكي
واتضح لي أنها باخرة وأن الرحلة تستغرق خمسة عشر ساعة
تم الحجز في غرفة مكونة من أربعة أسرة، وكأنه نزل آخر
كان موعد الإقلاع عصر يوم الغد
ماهي أحداث اليوم التالي
وكيف كان ركوب الباخرة
وهل اعجبتني هلسنكي
هذا حديثنا القادم والذي قد يتأخر قليلاً بسبب الشهر الفضيل
وبهذه المناسبة
أبارك لكم حلول شهر الخير
وأتمنى القبول للجميع
أعاننا الله جميعاً على صيامه وقيامه
وكل عام وأنتم بخير
بعد أن أتممت صلاتي وإفطاري في صباح اليوم التالي لم يتبقى ما أفعله سوى انتظار موعد الباخرة والمتوجهة إلى هلسنكي
لذلك أخذت اتمشى في قلب مدينة استكهولم ملتقطاً بعض الصور لها
بعدها، عدت إلى النزل وأتممت إجراءات المغادرة
ومن ثم قدت سيارتي ميمماً صوب الميناء البحري
لاحت باخرتي في الأفق
طبعاً لن أدعي أني عرفتها في حينها
بل على العكس
لقد قضيت أكثر من نصف ساعة حتى وصلت إليها!
"الجارمن" جهاز الملاحة لدي والذي اشتريته من أمريكا
كان متضمناً لخرائط أمريكا وكندا محدثة لمدى الحياة مجاناً
أما خرائط أوروبا وغيرها من الخرائط فكان لزاماً عليّ شراؤها
وهذا ما لم افعله
بل أخذت أحْدَثها من الإنترنت وحملتها على الجهاز
وهنا يتم فقدان التحديث المباشر للخرائط والذي يفيد كثيراً عند تغير الطرق نتيجة أعمال الصيانة والحوادث إلى ما غير ذلك
فالمسافر على الطرق وخاصة لمسافات طويلة كما أفعل أنا
قد يظن أنه يوفر قيمة الخرائط عند تنزيلها من المواقع المختلفة في الإنترنت وعلى ما أذكر أن منتدانا هذا يحتوي على البعض منها،
ولكن في الحقيقة لو تم حساب الوقت والوقود المهدر بسبب عدم التحديث المباشر، نجد أن الخسائر قد تفوق سعر الخريطة الأصلية
فلذلك وعن تجربة، فإني أنصح باستخدام الخرائط الأصلية وخاصة لمن كان يكثر التنقل بالسيارة
طريف جداً أن تكون تائهاً عن مكان تراه بعينيك ولا تستطيع الوصول إليه
ولكني بحمد الله وصلت
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم لم يتبقى ما أفعله سوى انتظار موعد الباخرة والمتوجهة إلى هلسنكي
لذلك أخذت اتمشى في قلب مدينة استكهولم ملتقطاً بعض الصور لها
بعدها، عدت إلى النزل وأتممت إجراءات المغادرة
ومن ثم قدت سيارتي ميمماً صوب الميناء البحري
لاحت باخرتي في الأفق
طبعاً لن أدعي أني عرفتها في حينها
بل على العكس
لقد قضيت أكثر من نصف ساعة حتى وصلت إليها!
"الجارمن" جهاز الملاحة لدي والذي اشتريته من أمريكا
كان متضمناً لخرائط أمريكا وكندا محدثة لمدى الحياة مجاناً
أما خرائط أوروبا وغيرها من الخرائط فكان لزاماً عليّ شراؤها
وهذا ما لم افعله
بل أخذت أحْدَثها من الإنترنت وحملتها على الجهاز
وهنا يتم فقدان التحديث المباشر للخرائط والذي يفيد كثيراً عند تغير الطرق نتيجة أعمال الصيانة والحوادث إلى ما غير ذلك
فالمسافر على الطرق وخاصة لمسافات طويلة كما أفعل أنا
قد يظن أنه يوفر قيمة الخرائط عند تنزيلها من المواقع المختلفة في الإنترنت وعلى ما أذكر أن منتدانا هذا يحتوي على البعض منها،
ولكن في الحقيقة لو تم حساب الوقت والوقود المهدر بسبب عدم التحديث المباشر، نجد أن الخسائر قد تفوق سعر الخريطة الأصلية
فلذلك وعن تجربة، فإني أنصح باستخدام الخرائط الأصلية وخاصة لمن كان يكثر التنقل بالسيارة
طريف جداً أن تكون تائهاً عن مكان تراه بعينيك ولا تستطيع الوصول إليه
ولكني بحمد الله وصلت
ومن ثم وبعد اتمام كافة الإجراءات
طلب منا التقدم بمحاذات مقدمة الباخرة
وهنا تساءلت
ما هي فرص ميلان الباخرة
مجرد تساؤل لا أكثر
بعد أن تم تحميل جميع الشاحنات إلى الباخرة
حان دور إركابنا نحن أصحاب السيارات
أما المسافرون بدون مركبات فقد كان إركابهم سابق لنا بفترة
أوقفت سيارتي حيث أرشدني العاملين على المواقف
ثم نزلت من السيارة وولجت أحد البيبان المؤدية إلى داخل الباخرة
بعد السؤال وقراءة الإرشادات وصلت إلى غرفتي
اخترت سريري ثم التقط بعض الصور
كانت الغرفة المتهيئة لاستقبال أربعة أشخاص في الطابق الثاني من الباخرة، والتي تتكون من تسعة طوابق
ولقد تبين لاحقاً أني النزيل الوحيد في هذه الغرفة
فالركاب أقل بكثير من حمولة هذه الباخرة الكبيرة
جلست قليلاً على السرير ثم وهكذا وبدون مقدمات
التياتنك
نعم التايتنك
ومن ثم وبعد اتمام كافة الإجراءات
طلب منا التقدم بمحاذات مقدمة الباخرة
وهنا تساءلت
ما هي فرص ميلان الباخرة
مجرد تساؤل لا أكثر
بعد أن تم تحميل جميع الشاحنات إلى الباخرة
حان دور إركابنا نحن أصحاب السيارات
أما المسافرون بدون مركبات فقد كان إركابهم سابق لنا بفترة
أوقفت سيارتي حيث أرشدني العاملين على المواقف
ثم نزلت من السيارة وولجت أحد البيبان المؤدية إلى داخل الباخرة
بعد السؤال وقراءة الإرشادات وصلت إلى غرفتي
اخترت سريري ثم التقط بعض الصور
.
كانت الغرفة المتهيئة لاستقبال أربعة أشخاص في الطابق الثاني من الباخرة، والتي تتكون من تسعة طوابق
ولقد تبين لاحقاً أني النزيل الوحيد في هذه الغرفة
فالركاب أقل بكثير من حمولة هذه الباخرة الكبيرة
لحظات الغرق في فلم التايتنك كاملة تمر أمام ذهني الآن
يا للهول
أنا في البحر
أنا تقريباً تحت سطح الماء بخمس طوابق
ماذا لو حدث مكروه
كيف سأجد طريقي في حالة الطوارئ، وفي الظلام الدامس
لم أنتهي من هذه التساؤلات إلا وأنا أمام موظف الاستقبال
أريد استبدال غرفتي بأخرى على السطح
أعطني رقم حجزك لو سمحت
تفضل
أوو.. أنت في غرفة مشتركة، ولذا يتوجب عليك دفع فارق السعر
لا مشكلة
حسناً، أنا آسف، لا توجد غرفة شاغرة على السطح وهي الأدوار من السابع وحتى التاسع
ماذا؟
أستطيع تدبر واحدة لك في الدور السادس
الدور السادس
نعم، وستدفع اثنان وخمسين يورو فارق السعر وستكون في الغرفة بمفردك
أنا في الغرفة بمفردي الآن
نعم صحيح، الباخرة ليست في أقصى حمولتها
دفعت المبلغ المطلوب وانتقلت إلى غرفتي الجديدة
والتي كما كنت أواسي نفسي تبعد طابقاً واحداً فقط عن السطح
لم تختلف الغرفة عن سابقتها إلا بوجود مقعد للجلوس عوضاً عن أحد الأسرة
هدَأت نفسي قليلاً
ومن ثم قمت بوضع الخطة أ، ب، ج …...و ي للهروب إن حدث مكروه لا سمح الله
بدأت الباخرة بالتحرك
تحزمت كامرتي وعلوت سطحها
وسأدعكم الآن تبحرون معي قليلا من على سطح هذه الباخرة
.
عندما ابتعدت الباخرة عن اليابسة
عدت إلى داخلها
كانت وسائل الترفيه والتسوق متوفرة في هذه الباخرة
فهي تحتوي على سوق كبير وبعض المتاجر الصغيرة
تحتوي على مكان للمساج وتحسين البشرة
أماكن لألعاب الأطفال
الألعاب الالكترونية
البارات المتعددة واماكن العاب القمار
ثلاث من صالات الغناء والمراقص
وثلاثة من المطاعم، كان أحدها للوجبات الخفيفة
وثانيهما كان عبارة عن بوفيه كبير جداً
وأما ثالثهما فقد كان مطعماً أرستقراطياً إلى أبعد الحدود
دعوني آخذكم في جولة سريعة في متن هذه الباخرة
لحظات الغرق في فلم التايتنك كاملة تمر أمام ذهني الآن
يا للهول
أنا في البحر
أنا تقريباً تحت سطح الماء بخمس طوابق
ماذا لو حدث مكروه
كيف سأجد طريقي في حالة الطوارئ، وفي الظلام الدامس
لم أنتهي من هذه التساؤلات إلا وأنا أمام موظف الاستقبال
أريد استبدال غرفتي بأخرى على السطح
أعطني رقم حجزك لو سمحت
تفضل
أوو.. أنت في غرفة مشتركة، ولذا يتوجب عليك دفع فارق السعر
لا مشكلة
حسناً، أنا آسف، لا توجد غرفة شاغرة على السطح وهي الأدوار من السابع وحتى التاسع
ماذا؟
أستطيع تدبر واحدة لك في الدور السادس
الدور السادس
نعم، وستدفع اثنان وخمسين يورو فارق السعر وستكون في الغرفة بمفردك
أنا في الغرفة بمفردي الآن
نعم صحيح، الباخرة ليست في أقصى حمولتها
دفعت المبلغ المطلوب وانتقلت إلى غرفتي الجديدة
والتي كما كنت أواسي نفسي تبعد طابقاً واحداً فقط عن السطح
لم تختلف الغرفة عن سابقتها إلا بوجود مقعد للجلوس عوضاً عن أحد الأسرة
هدَأت نفسي قليلاً
ومن ثم قمت بوضع الخطة أ، ب، ج …...و ي للهروب إن حدث مكروه لا سمح الله
بدأت الباخرة بالتحرك
تحزمت كامرتي وعلوت سطحها
وسأدعكم الآن تبحرون معي قليلا من على سطح هذه الباخرة
.
عندما ابتعدت الباخرة عن اليابسة
عدت إلى داخلها
كانت وسائل الترفيه والتسوق متوفرة في هذه الباخرة
فهي تحتوي على سوق كبير وبعض المتاجر الصغيرة
تحتوي على مكان للمساج وتحسين البشرة
أماكن لألعاب الأطفال
الألعاب الالكترونية
البارات المتعددة واماكن العاب القمار
ثلاث من صالات الغناء والمراقص
وثلاثة من المطاعم، كان أحدها للوجبات الخفيفة
وثانيهما كان عبارة عن بوفيه كبير جداً
وأما ثالثهما فقد كان مطعماً أرستقراطياً إلى أبعد الحدود
دعوني آخذكم في جولة سريعة في متن هذه الباخرة
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1152.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
حان وقت العشاء
ذهبت إلى المطعم الأول، ولم يرق لي ما وجدته
كان معظم ما فيه عبارة عن بعض الشطائر والعصائر ولا أظنه يحتوي على شيء من الطعام الساخن
تناولت طعام العشاء في ثاني المطاعم
لقد كان تنوع الطعام في البوفيه كبير جداً
لا أظن قاصده إلا أن يجد فيه مبتغاه من الطعام
أما جودة الطعام فقد كانت هي أيضاً مرضيةُ جداً
لم تكن تلك كل أحداث تلك الليلة
فقبل أن تنتصف الساعة عند العاشرة
أخذت الباخرة تهدئ من سرعتها
وإذا بها تتجه إلى ميناء ماريهامن في الأراضي الفنلندية
حيث تم إنزال بعض الركاب والشاحنات هناك وتحميل غيرها
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
بعد الإبحار مرة أخرى
عدت إلى غرفتي وعلى عكس المتوقع
نوم عميــــــــــــق
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1152.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
حان وقت العشاء
ذهبت إلى المطعم الأول، ولم يرق لي ما وجدته
كان معظم ما فيه عبارة عن بعض الشطائر والعصائر ولا أظنه يحتوي على شيء من الطعام الساخن
تناولت طعام العشاء في ثاني المطاعم
لقد كان تنوع الطعام في البوفيه كبير جداً
لا أظن قاصده إلا أن يجد فيه مبتغاه من الطعام
أما جودة الطعام فقد كانت هي أيضاً مرضيةُ جداً
لم تكن تلك كل أحداث تلك الليلة
فقبل أن تنتصف الساعة عند العاشرة
أخذت الباخرة تهدئ من سرعتها
وإذا بها تتجه إلى ميناء ماريهامن في الأراضي الفنلندية
حيث تم إنزال بعض الركاب والشاحنات هناك وتحميل غيرها
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 2048x1367.
بعد الإبحار مرة أخرى
عدت إلى غرفتي وعلى عكس المتوقع
تنشقت نسمات الصباح العليل على سطح الباخرة شعور لا يوصف
إنها بالفعل من أجمل اللحظات التي قضيتها في هذه الرحلة
شعرت بالجوع قليلاً، فلم اتناول شيئاً بعد غير القهوة
ذهبت إلى نفس المطعم والذي تناولت فيه طعام العشاء
كانت التذكرة في يدي، فطعام الإفطار تم الدفع له مسبقاً مع حجز الرحلة
كان الركاب يتقاطرون إلى المطعم
وقفت انتظر حتى أتى دوري
ناولت النادل التذكرة، فما كان منه إلا أن أشار إليّ باتجاه المطعم الثالث
لم أعر إشارته بالاً وأخبرته بأني أريد أن أتناول طعام الإفطار
فأخبرني بأن الحجز الموجود هو في ذلك المطعم وليس هذا
ذهبت على مضض إلى المطعم الآخر
يستقبلك أحدهم ولا يدعك حتى يجلسك على الطاولة ويناولك المنديل بعد فرده
يبدأ بسرد قائمة الطعام بطريقة مملة
يخبرك بمكونات كل طبق وبطريقة إعداده
يعدد لك خيارات المشروبات المتوفرة وبسرد مفصل
تبدأ تناول الطعام والأعين تراقبك
لا تكاد تسقط سكيناً أو شوكة إلا وقبل أن تلامس الأرض، يناولك أخرى
لا تمضغ اللقمة وأختها إلا وهناك من يسألك إن كنت تريد شيئاً آخر
تسكب هذه لك القهوة، وبعدها بقليل تسألك الأخرى إن كنت تريد شيئاً من الشاي
يحيط بك أصحاب الياقات البيضاء
تكاد تجزم أن هناك خلل بعظام رقابهم
ضحكات مصطنعة وأحاديث الأنا ديدنهم
هذه نتيجة التعجل وعدم التحقق مما تختاره حين تستخدم الحجز الآلي
لقد كان هناك خياران لنوع الإفطار المراد حجزه
وأظني كنت جائعاً فاخترت الأغلى
وها أنا ذا أعاني من هذه الأرستقراطية المقيتة
عدا هذه الحادثة، فقد كان ركوب الباخرة مجملاً في غاية الراحة
لم اشعر بميلان أو اهتزازات أو خلافه
إلا القليل جداً من المطبات والتي حتى على مستوى السيارة تعتبر صغيرة جداً
عدت من جديد إلى غرفتي واستلقيت على سريري
وبعد القليل من الوقت على ما أظن
بدأت أسمع بعض الأصوات الصادرة من مكبرات الصوت
ثم أصوات أخرى عبارة عن حركة الركاب وحديثهم إلى بعضهم البعض
ارتديت ملابسي وخرجت استطلع الأمر
فإذا بالباخرة قد توقفت في ميناء هلسنكي
لم أشعر بوصولنا البتة
عدت إلى الغرفة وحزمت امتعتي وانطلقت إلى السيارة
كانت أعين الملامة ترمقني من كل جانب
فقد كانت سيارتي هي الأخيرة
وكانت كل الشاحنات بانتظاري لأخرجها
أشرت للجميع بيدي معبراً عن أسفي وانطلقت مسرعاً خارج الباخرة
ها أنا ذا في هلسنكي، العاصمة الفنلندية
لماذا أتيت إلى هنا؟ لا أعلم
ماذا سأشاهد؟ لا أدري
فقط بدأت أجوب شوارعها لا ألوي على شيء
أكثر ما لفت انتباهي في هذه المدينة
هو كثرة المراكب الشراعية والكبيرة
لم أرى هذا الكم من قبل وبهذا الحجم
عدى ذلك، لم أشعر بها إلا مدينة باردة خامدة
كأنها مدينة أشباح، على الرغم من بعض الحركة فيها
لم تعجبني على الإطلاق
هل هذا الحكم بسبب تجولي فيها بالسيارة فقط؟
ولكن هذا هو ديدني
كم وكم من مدينة أخذت بلب بفؤادي ولم أقم فيها إلا بالتجول بالسيارة فقط
هل هو بسبب فصل الشتاء؟
ولكنه الخريف وليس الشتاء بعد، فنحن في شهر أكتوبر
لم تجذبني هذه المدينة كسائح البتة
حقيقة، لم أكن أود على الإطلاق ترككم بهذه النظرة التشاؤمية
فالمغادرة الآن أمر حتمي
ولكن من ناحية أخرى، ولعل هذا يعيد التفاؤل لديكم
أُطلعكم على أن الجمال الحقيقي لهذه الرحلة لم يبدأ بعد
بعد تلك الجولة في العاصمة الفنلندية هلسنكي، أخذت أتوجه شمالاً
الشمال هو ضالتي الآن، وتخصيصاً ألتا
تعتبر ألتا مدينة صغيرة في أقصى الشمال النرويجي
ومع ذلك تعتبر من أكبر المناطق المأهولة في تلك الأصقاع
على الرغم من تاريخها البالغ في القدم وبعض الصناعات القائمة فيها
إلا أن لها صيتها العالمي بين هواة مشاهدة وتصوير أضواء الشمال
فهي واحدة من أفضل الأماكن لمن يريد أن يشاهد أضواء الشمال
أضواء الشمال أو كما يحب البعض أن يسميها "الشفق القطبي"
سنشبعها لاحقاً تفصيلاً وإسهابا
ولنعد الآن إلى حيث كنا
لمست نقطة عشوائية شمالاً في جهاز الملاحة وانطلقت
نعم هكذا، لم يكن عندي أي نوع من التخطيط
الهدف مدينة ألتا وكفى
وبما أن كل تلك المناطق تعتبر غريبة عليّ، فإني لا أبالي بأي الطرق أسير
فإني لا محالة سوف أرى الجديد واستمتع به
وهكذا انطلقت
والآن سوف أتشرف باصطحابكم معي في تلك الطرق
وسأبذل جهدي ليشعر كل منكم بأنه قد مر بها كما فعلت أنا
وليعذرني الجميع فكل الصور مقتطعة من الأفلام والتي أخذت بكاميرا الفيديو
وهذا موضوع آخر، أعني كاميرة الفيديو وغيرها من الأدوات اللازمة للتصوير
والذي قد نتطرق إليه لاحقا في هذه المشاركة إن أراد الله
وهنا كانت نهاية الطرق المزدوجة لهذا اليوم
ومع ذلك لم يكن الأمر مزعجاً
فلم تكن في الأصل كثافة الحركة المرورية عالية
ومن ناحية أخرى، وهذا ما أعجبت به
كان طريق الذهاب أو الإياب يتكون من مسارين بالتناوب بينهما
وهذا ما كان يساهم في سلاسة الحركة خاصة بوجود الشاحنات الكبيرة
لم أرى الشمس يومها
بل كنت أتقلب بين وابل المطر ورذاذه تارة والضباب تارة أخرى
وبكليهما أحيانا
لم تكن الطبيعة يومها إلا عارضة ازياء
تعرض مفاتنها مع كل ثوب ترتديه
فسبحان من أبدع
هل أنا أعبر جزراً؟
يساورك ذلك الشعور هنا
مياه عن يميني، ثم عن شمالي وأحياناً على الجانبين
لا تنتهي بحيرة إلا وتردفها أخرى، المياه تلوَ المياه
حينها تبدأ بعض اللهو (كمسافر فرد)
فتحسب الثواني وانت بصحبة الماء والأخرى التي بدونها لترى أيهم يغلب صاحبه
ظللت أعبر المدن والقرى حتى انتهى يومي عند مدينة سافونلينا
وهنا توجب عليّ المبيت
لكن الظريف هو أين تقع سافونلينا هذه
إنها في الشمال الشرقي للعاصمة هلسنكي!
بل إن ما تبقى لأعبر الحدود الروسية ليس إلا العشرات من الكيلو مترات
لا أعلم كيف تم الانعطاف شرقاً
ولم أعصي إرشادات رفيقتي قط ذلك اليوم
ولكن هذه هي نتيجة أن تلمس أعلى شاشة جهاز الملاحة كيفما اتفق ظاناً أنه الشمال
ثم وبكل بلادة تنطلق
كان حجزي لتلك الليلة في "ريتا هاوس" وهو عبارة عن بيت ضيافة رخيص السعر
كان عبارة عن مجموعة منازل خشبية، كمعظم المنازل هناك
كان كل منزل يتكون من أربع إلى خمس غرف نوم
يتوسطهن بهو كبير يحتوي مكاناً للجلوس ومطبخ
عند وصولي إلى المكان، بحثت عن مكان الاستقبال دون جدوى
طرقت الباب تلو الآخر ولا مجيب
اتصلت بالهاتف، فأخبرني الموظف بأنه سيوافيني خلال خمس دقاق
بالفعل دقائق قليلة ووصل بسيارته مرحباً بي
فتح أحد المنازل وطلب مني تخير الغرفة التي تناسبني
معللاً قوله بأني النزيل الوحيد لهذا اليوم
أخذني بغد ذلك إلى الخارج مرة أخرى
وبدأ يشير بيده إلى ما بالخارج من وسائل ترفيه
كالدراجات الهوائية ودراجات الأطفال
والكثير من الألعاب الكروية وملاعب الأطفال المختلفة
إضافة إلى كامل مستلزمات الشواء
وأخبرني أني كنزيل أستطيع استخدام ما أشاء منها
أخبرني بعد ذلك إن أنا غادرت مبكراً أن أضع المفتاح على الباب
ثم ودعني ورحل
غادر وأنا ثبتُ في مكاني تعلوني الدهشة
أراقب كل وسائل الترفيه تلك والمتناثرة في أرجاء الساحة
تلك الساحة تطل على الشارع العام، ولا يوجد سور فاصل أو سواه
يستطيع أياً كان أن يوقف سيارته بقرب ما يشاء ويضعه داخل السيارة وينطلق
والله إنه لأمن من نوع آخر لم نعهده نحن
هكذا، قطع متناثرة، البخس منها والثمين لا يمسها أحد
إنه بالفعل أمن وأمان
ومذ تلك اللحظة وأنا أرقب هذا الأمر
فوجدته واقعاً ملموساً وبالذات في كل من فنلندا والنرويج
السرقات والجرائم بشكل عام هيّ غاية في الندرة في هاتان الدولتان
لاسيما إذا ما قورنت بمثيلاتها من الدول
في المساء أحسست بشيء من الجوع
هل هو فعلاً جوع حقيقي
أم هو الاحساس بالفراغ والشعور بالملل فالمكان خالٍ من كل أشكال الحياة
تحركت بسيارتي أبحث عن شيء املأ به فراغي غلى ما أظن وليس معدتي
الإضاءة في الخارج خافتة جداً وفي بعض الأماكن مظلمة تماماً
شاهدت هذا الشخص يسير وحيداً والظلام دامس
حتى إنه يحمل مصباحاً في يده، لا أعلم ليستضيء به الطريق أم ليراه الآخرون
بعدها بقليل بدأت المصابيح تزين الشوارع وبدأت أشاهد بعض المحلات هنا وهناك
حتى وقع نظري على مطعم كتب على لافتته "كباب"
دخلت المطعم وكان صغير الحجم
يحتوي عل القليل من الطاولات ولم يكن فيه إلا شخص واحد ينتظر طلبه
ابتسمت لي من خلف طاولة الإعداد تلك السيدة وسألتني عن الذي أريده
كان بالقرب منها رجل له ملامح عربية واضحة
وكان يتراقص خلفه سيخ الشاورما الشهير
ابتسمتُ بدوري لتلك المرأة وعيناي تجوب المكان بحثاً عن قائمة الطعام
ثم سألتها عن المتوفر من الطعام
كانت الوجبة الرئيسية هي الشاورما
وكان كل ما في الأمر هو طريقة اعدادها
عندها انبرى ذلك الرجل وبلهجة مصرية واضحة معدداً طرق تقديم الشاورما
وكانت إحداها طبق الشاورما بالرز
وهذه كانت المرة الأولى التي أسمع فيها عن ذلك الطبق
طلبت الشاورما بالرز وجلست إلى إحدى الطاولات أنتظر
أحضر أبو عمْر وهذا هو لقبه الطبق مرحباً بي متمنياً أن ينال الطبق إعجابي
كان الطعام لذيذ جداَ، لقد أعجبني حقا
كنت استمتع بطعامي حين مر بي أبو عمْر
ليرى إن كنت أرغب بالانضمام إليه على كوب من الشاي بعد تناول العشاء
أجبته على الفور بمدى سعادتي بذلك
جلسنا على طاولة خارجية لتناول الشاي
والذي كان صعيدياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى
لأبي عمْر أكثر من أربعة عشر سنة وهو في الغربة في هذه المنطقة
هو المالك لهذا المطعم
ولم تكن تلك السيدة إلا زوجته التي اقترن بها بعد إسلامها
أعجبت بأبي عمر حقيقة
فقد كان هادئ الطباع ورزين
وهو في نظري مثال للرجل العصامي من ناحية
والمتمسك بأصوله وتقاليده وعاداته من ناحية أخرى
ونحن كذلك، إذ بعمْر يأتي للسلام علينا
لقد كان في الثامنة أو التاسعة من عمره
هُيء إلىّ حين أبصرت به، أنه قفز إليّ للتو من صعيد مصر
كان فيه شيئاً من البدانة ومرتدياً جلباباً مصريا
وأخذ يحدثني بلهجته المصرية وبطلاقة
كم يا ترى من أبناء الجاليات العربية في الغرب كصاحبنا هذا
عدت إلى ذلك المنزل بعد أن ودعت صاحبي
ممتعاً نفسي بكل لحظات ذلك اليوم
بعد تلك الجولة في العاصمة الفنلندية هلسنكي، أخذت أتوجه شمالاً
الشمال هو ضالتي الآن، وتخصيصاً ألتا
تعتبر ألتا مدينة صغيرة في أقصى الشمال النرويجي
ومع ذلك تعتبر من أكبر المناطق المأهولة في تلك الأصقاع
على الرغم من تاريخها البالغ في القدم وبعض الصناعات القائمة فيها
إلا أن لها صيتها العالمي بين هواة مشاهدة وتصوير أضواء الشمال
فهي واحدة من أفضل الأماكن لمن يريد أن يشاهد أضواء الشمال
أضواء الشمال أو كما يحب البعض أن يسميها "الشفق القطبي"
سنشبعها لاحقاً تفصيلاً وإسهابا
ولنعد الآن إلى حيث كنا
لمست نقطة عشوائية شمالاً في جهاز الملاحة وانطلقت
نعم هكذا، لم يكن عندي أي نوع من التخطيط
الهدف مدينة ألتا وكفى
وبما أن كل تلك المناطق تعتبر غريبة عليّ، فإني لا أبالي بأي الطرق أسير
فإني لا محالة سوف أرى الجديد واستمتع به
وهكذا انطلقت
والآن سوف أتشرف باصطحابكم معي في تلك الطرق
وسأبذل جهدي ليشعر كل منكم بأنه قد مر بها كما فعلت أنا
وليعذرني الجميع فكل الصور مقتطعة من الأفلام والتي أخذت بكاميرا الفيديو
وهذا موضوع آخر، أعني كاميرة الفيديو وغيرها من الأدوات اللازمة للتصوير
والذي قد نتطرق إليه لاحقا في هذه المشاركة إن أراد الله
وهنا كانت نهاية الطرق المزدوجة لهذا اليوم
ومع ذلك لم يكن الأمر مزعجاً
فلم تكن في الأصل كثافة الحركة المرورية عالية
ومن ناحية أخرى، وهذا ما أعجبت به
كان طريق الذهاب أو الإياب يتكون من مسارين بالتناوب بينهما
وهذا ما كان يساهم في سلاسة الحركة خاصة بوجود الشاحنات الكبيرة
لم أرى الشمس يومها
بل كنت أتقلب بين وابل المطر ورذاذه تارة والضباب تارة أخرى
وبكليهما أحيانا
لم تكن الطبيعة يومها إلا عارضة ازياء
تعرض مفاتنها مع كل ثوب ترتديه
فسبحان من أبدع
هل أنا أعبر جزراً؟
يساورك ذلك الشعور هنا
مياه عن يميني، ثم عن شمالي وأحياناً على الجانبين
لا تنتهي بحيرة إلا وتردفها أخرى، المياه تلوَ المياه
حينها تبدأ بعض اللهو (كمسافر فرد)
فتحسب الثواني وانت بصحبة الماء والأخرى التي بدونها لترى أيهم يغلب صاحبه
ظللت أعبر المدن والقرى حتى انتهى يومي عند مدينة سافونلينا
وهنا توجب عليّ المبيت
لكن الظريف هو أين تقع سافونلينا هذه
إنها في الشمال الشرقي للعاصمة هلسنكي!
بل إن ما تبقى لأعبر الحدود الروسية ليس إلا العشرات من الكيلو مترات
لا أعلم كيف تم الانعطاف شرقاً
ولم أعصي إرشادات رفيقتي قط ذلك اليوم
ولكن هذه هي نتيجة أن تلمس أعلى شاشة جهاز الملاحة كيفما اتفق ظاناً أنه الشمال
ثم وبكل بلادة تنطلق
كان حجزي لتلك الليلة في "ريتا هاوس" وهو عبارة عن بيت ضيافة رخيص السعر
كان عبارة عن مجموعة منازل خشبية، كمعظم المنازل هناك
كان كل منزل يتكون من أربع إلى خمس غرف نوم
يتوسطهن بهو كبير يحتوي مكاناً للجلوس ومطبخ
عند وصولي إلى المكان، بحثت عن مكان الاستقبال دون جدوى
طرقت الباب تلو الآخر ولا مجيب
اتصلت بالهاتف، فأخبرني الموظف بأنه سيوافيني خلال خمس دقاق
بالفعل دقائق قليلة ووصل بسيارته مرحباً بي
فتح أحد المنازل وطلب مني تخير الغرفة التي تناسبني
معللاً قوله بأني النزيل الوحيد لهذا اليوم
أخذني بغد ذلك إلى الخارج مرة أخرى
وبدأ يشير بيده إلى ما بالخارج من وسائل ترفيه
كالدراجات الهوائية ودراجات الأطفال
والكثير من الألعاب الكروية وملاعب الأطفال المختلفة
إضافة إلى كامل مستلزمات الشواء
وأخبرني أني كنزيل أستطيع استخدام ما أشاء منها
أخبرني بعد ذلك إن أنا غادرت مبكراً أن أضع المفتاح على الباب
ثم ودعني ورحل
غادر وأنا ثبتُ في مكاني تعلوني الدهشة
أراقب كل وسائل الترفيه تلك والمتناثرة في أرجاء الساحة
تلك الساحة تطل على الشارع العام، ولا يوجد سور فاصل أو سواه
يستطيع أياً كان أن يوقف سيارته بقرب ما يشاء ويضعه داخل السيارة وينطلق
والله إنه لأمن من نوع آخر لم نعهده نحن
هكذا، قطع متناثرة، البخس منها والثمين لا يمسها أحد
إنه بالفعل أمن وأمان
ومذ تلك اللحظة وأنا أرقب هذا الأمر
فوجدته واقعاً ملموساً وبالذات في كل من فنلندا والنرويج
السرقات والجرائم بشكل عام هيّ غاية في الندرة في هاتان الدولتان
لاسيما إذا ما قورنت بمثيلاتها من الدول
في المساء أحسست بشيء من الجوع
هل هو فعلاً جوع حقيقي
أم هو الاحساس بالفراغ والشعور بالملل فالمكان خالٍ من كل أشكال الحياة
تحركت بسيارتي أبحث عن شيء املأ به فراغي غلى ما أظن وليس معدتي
الإضاءة في الخارج خافتة جداً وفي بعض الأماكن مظلمة تماماً
شاهدت هذا الشخص يسير وحيداً والظلام دامس
حتى إنه يحمل مصباحاً في يده، لا أعلم ليستضيء به الطريق أم ليراه الآخرون
بعدها بقليل بدأت المصابيح تزين الشوارع وبدأت أشاهد بعض المحلات هنا وهناك
حتى وقع نظري على مطعم كتب على لافتته "كباب"
دخلت المطعم وكان صغير الحجم
يحتوي عل القليل من الطاولات ولم يكن فيه إلا شخص واحد ينتظر طلبه
ابتسمت لي من خلف طاولة الإعداد تلك السيدة وسألتني عن الذي أريده
كان بالقرب منها رجل له ملامح عربية واضحة
وكان يتراقص خلفه سيخ الشاورما الشهير
ابتسمتُ بدوري لتلك المرأة وعيناي تجوب المكان بحثاً عن قائمة الطعام
ثم سألتها عن المتوفر من الطعام
كانت الوجبة الرئيسية هي الشاورما
وكان كل ما في الأمر هو طريقة اعدادها
عندها انبرى ذلك الرجل وبلهجة مصرية واضحة معدداً طرق تقديم الشاورما
وكانت إحداها طبق الشاورما بالرز
وهذه كانت المرة الأولى التي أسمع فيها عن ذلك الطبق
طلبت الشاورما بالرز وجلست إلى إحدى الطاولات أنتظر
أحضر أبو عمْر وهذا هو لقبه الطبق مرحباً بي متمنياً أن ينال الطبق إعجابي
كان الطعام لذيذ جداَ، لقد أعجبني حقا
كنت استمتع بطعامي حين مر بي أبو عمْر
ليرى إن كنت أرغب بالانضمام إليه على كوب من الشاي بعد تناول العشاء
أجبته على الفور بمدى سعادتي بذلك
جلسنا على طاولة خارجية لتناول الشاي
والذي كان صعيدياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى
لأبي عمْر أكثر من أربعة عشر سنة وهو في الغربة في هذه المنطقة
هو المالك لهذا المطعم
ولم تكن تلك السيدة إلا زوجته التي اقترن بها بعد إسلامها
أعجبت بأبي عمر حقيقة
فقد كان هادئ الطباع ورزين
وهو في نظري مثال للرجل العصامي من ناحية
والمتمسك بأصوله وتقاليده وعاداته من ناحية أخرى
ونحن كذلك، إذ بعمْر يأتي للسلام علينا
لقد كان في الثامنة أو التاسعة من عمره
هُيء إلىّ حين أبصرت به، أنه قفز إليّ للتو من صعيد مصر
كان فيه شيئاً من البدانة ومرتدياً جلباباً مصريا
وأخذ يحدثني بلهجته المصرية وبطلاقة
كم يا ترى من أبناء الجاليات العربية في الغرب كصاحبنا هذا
عدت إلى ذلك المنزل بعد أن ودعت صاحبي
ممتعاً نفسي بكل لحظات ذلك اليوم
لم تحن الساعة السابعة صباحا من هذا اليوم إلا ومحرك السيارة قيد التشغيل
هذه المرة لم أقم بتلك الحماقة ولمس نقطة عشوائية على جهاز الملاحة
بل كتبت حروف ألتا حرفاً حرفا
انطلقت مغادراً مدينة سافونلينا مودعاً أبا عمْر في قرارة نفسي
ومن ثم بدأت أعارك الطرق مرة أخرى
بكل استقاماتها وتعرجاتها
بأمطارهاالغزيرة وضبابها
المزدوج منها والمفرد
ولكن باتجاه الشمال
كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة مساءً بقليل
عندما وصلت مدينة أولو الرائعة
لم يكن في الأصل للمدينة وجود في مخطط الرحلة
ولكن حين وصولها احتجت لبعض الراحة
لذا، بحثت عن فندق ووقع اختياري على فندق "لاساراتي"
مصنف أربعة نجوم وكان سعر الغرفة ثمانون يورو
موقعه في غاية الروعة وبالقرب من النهر
وهنا والمميز في معظم فنادق الشمال الأوروبي
والذي نادراً ما شاهدته في غيرها من الفنادق
هو وجود شطاف ماء بالقرب من المغسلة في الحمام أكرمكم الله
طبعاً الهدف من هذا الشطاف هو غسل الرأس كسلاً بدل الاستحمام
أما نحن، فلا جدال ولا مراء في أننا نعلم كيف نستخدمه حق استخدامه
فهذا وبلا شك أوفر وأفضل من شراء قارورة مياه بلاستيكية
وصنع ثقب في غطائها!
عوداً إلى غرفة الفندق، فقد كانت هي أيضاً مناسبة جداً إذا ما قورنت بسعرها
وأكثر ما كان يميزها هو إطلالتها على النهر
نهر ماديكوسكي
أولو، لو استثنينا روسيا
فإن أولو هي أكبر مدينة في شمال الكرة الأرضية
أي إن كل المدن الأبعد منها شمالاً، سواء كانت في القارة الأوربية أو غيرها
هي في الواقع أصغر منها
المدينة هادئة وجميلة
وعبور نهر ماديكوسكي ومن ثم مصباته في خليج بوثنيه
زادها رونقاً وجمالاً
في المساء تناولت طعام العشاء في الفندق والذي كان مرضياً جداً
ذهبت بعدها إلى مكان الشراب أو ما يطلق عليه "بار" والذي كان ملاصقاً لمكان الاستقبال
فهنا راودني شعور لم اتكأكد منه، أن كل العاملين هنا عبارة عن عائلة واحدة
فموظفة الاستقبال هي نفسها النادلة والتي أيضاً تراها تعمل في اعداد الطعام
طريقة عملهم توحي بأنهم هم ملاك هذا الفندق
طلبت كوباً من القهوة ثم جلست على الأريكة
كنت أراجع الصور التي التقطها اليوم على كامرتي حين أتت الموظفة بكوب القهوة
سألتني إن كنت أتيت إلى هنا كسائح ومصور
فأخبرتها بأني ذاهب إلى ألتا لمشاهدة وتصوير أضواء الشمال
فقالت... ولكنك تستطيع مشاهدتها هنا، فلست بحاجة للذهاب إلى ألتا
خاصة والمسافة بعيدة جداً
رددت عليها وقد أخذ تفكيري يسرح بعيداً في تلك المسافة
نعم... نعم أستطيع مشاهدتها هنا
.
.
.
أستطيع مشاهدتها هنا
ما هي في الحقيقة إلا جزيئات مشحونة انطلقت من الشمس مع الرياح الشمسية والناتجة عن الانفجارات الضخمة التي تحدث في الشمس
ما يهمنا هو أن تلك الانفجارات الشمسية والتي ينتج عنها طاقة وحرارة هائلتين
هي المصدر لتلك الأضواء
كيف…
ما يحدث في الواقع هو أن تلك الجزيئات المشحونة تنطلق من الشمس بسرعة عالية
وتسبح في الفضاء الفسيح وفي كل اتجاه
ما يمر منها بالأرض يصطدم بالغلاف المغناطيسي لها ويتحول مسارها نحو قطبي الأرض الشمالي والجنوبي
عند القطبين تصطدم هذه الجزيئات المشحونة بالغلاف الجوي بما فيه من ذرات وجزيئات
هذه الاصطدامات يتولد عنها فوتونات وهي عبارة عن ضوء
المجموعة الهائلة من تلك الاصطدامات والمولدة لمجموعة هائلة من الفوتونات الصادرة عنها
هوما نراه في السماء وتسمى بأضواء الشمال أو أضواء الجنوب
وللعلم فهذه الظاهرة ليست خاصة بكوكبنا الأرض فقط
بل قد سجلت مشاهدات مماثلة لكواكب أخرى في المجموعة الشمسية على حد علمي
وهكذا ترى هذه الأضواء من الفضاء بالنسبة لكوكبنا
الليل والسماء الصافية، هما الشرطان الرئيسيان لتتمكن من رؤية هذه الأضواء
وذاك ما يحصر الأمر لأفضل فرص المشاهدة في شمال الكرة الأرضية مثلاً، ما بين شهر أكتوبر وحتى منتصف أبريل
عدى ذلك فإن ضوء الشمس يحجز الرؤيا لمعظم الوقت بقية العام
هذه الأضواء تزداد حدتها وتنقص تبعاً للإنفجارات الشمسية كما ذكر سابقاَ
وللعلم هذه الإنفجارات تتزايد وتتناقص حسب دورة البقع الشمسية والتي تستغرق أحد عشر عاماً
طبعاً البقع الشمسية هذه هي ما ترى بالمناظير والمكبرات كبقع سوداء، وهي ليست إلا تلك الإنفجارات
نفهم من ذلك أن هناك أعواماً أفضل من أخرى
وهذا صحيح، فالبقع السوداء يتناقص حدوثها الآن حتى تبلغ أدناها في العام ألفين وعشرين
ومن ثم سوف تبدأ بالإزدياد مجدداً وهكذا دواليك لتكمل دورتها
لذلك من أراد مشاهدتها هذه السنة أو السنة القادمة، فحظه أوفر من الذي يليه
وكانت أفضل مشاهدة لهذه الدورة الحالية في العامين الثالث عشر والرابع عشر بعد الألفين
مما سبق نستطيع أن نستشف صعوبة توقع درجة وضوح هذه الأضواء
لكن العلماء وباستخدام المراصد والأجهزة الأخرى تمكنوا من بعض التنبؤات والتي في الغالب لا تكون صادقة إلا بمعدل
سويعات قليلة قبل الحدث، وذلك مشابه نوع ما لما نعايشه من التنبؤ بالطقس
درجة وضوح الأضواء، نعم ذكرت هذه الجملة سابقاً
فهذه الأضواء لها مقياس ودرجات تشبه مقياس ريختر للزلازل
فكما هي في الزلازل، تقاس درجة ذلك الضوء بمقياس مكون من تسع درجات
وهذه الدرجات تحدد كمية الضوء المشاهد وألوانه، وأيضاً تحدد الأماكن التي من الممكن مشاهدته منها
فلو كانت الدرجة اثنان مثلاً، لاستطاع من في ألتا مشاهدتها بوضوح
ولو كانت الدرجة ثمانية مثلاً، لكانت مشاهدتها بمقدور كل من في بولندا والمانيا وغيرها
فكل ما ارتفعت الدرجة، زادت فرصة رؤيتها جنوبا أكثر، وهكذا
كل ما ذكر سابقاً ينطبق تماماً على أضواء الجنوب
نعم الأضواء التي تحدث عند القطب الجنوبي للكرة الأرضية
ليس لها صيت، نعم
ببساطة لا يوجد هناك إلا القطب الجنوبي
أما نيوزيلاند واستراليا وجنوب القارة الأمريكية فلا يستطيعون مشاهدة تلك الأضواء
إلا إن تجاوزت درجاتها السبع درجات على ما أظن
لذلك كل من رغب بمشاهدة هذه الظاهرة الفريدة، فلا خيار أمامه إلا الشمال
سواء كان الأوروبي أو الأمريكي
أما الأمور الأخرى والمتعلقة بهذه الظاهرة فسيأتي ذكرها قي سياق هذه المشاركة
كلٌ في نسقه
إذاً هل أسمع كلام محدثتي وأبقى هنا في أولو لمشاهدة أضواء الشمال؟
لا...لا... وألف لا
من أهم أهداف هذه الرحلة هي تلك الأضواء
إذاً لا بد أن أذهب لأفضل الأماكن والتي يمكنني من مشاهدتها منها
أخذت رشفة من كوب القهوة وابتسامة الرفض على محياي
فما كان منها إلا أن تمنت لي ليلة سعيدة وغادرت
بعدها صعدت إلى غرفتي
جلست على فراشي أراقب جريان الماء في النهر وأنا اتلو أذكار النوم
ثم خلدت للنوم
آه....لقد نسيت!
من أراد منكم الاستزادة في موضوع أضواء الشمال
فليبدأ بهذا الموقع
أصبحنا وأصبح الملك لله
اليوم هو الأحد، الثاني عشر من أكتوبر للعام أربعة عشر وألفين
سميت بالله وأدرت محرك السيارة
لا زال الهدف على جهاز الملاحة هو مدينة ألتا
تلوت دعاء الركوب وانطلقت…
وهنا تحضرني طرفة حدثت بالفعل من أحد زملاء العمل وقد عاد للتو من إجازته الزوجية
فأحب أحدهم مداعبته واختبار ثقافته الدينية، فقال له: ماذا تقول إذا أتيت أهلك؟
فأجاب صاحبنا وبكل ثقة وكان جاداً تماماً وقال:
أقول دعاء الركوب "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون"
بدأ طريق اليوم بالالتفاف حول رأس خليج بوثنيه حتى وصل إلى مدينة تورنيو
وكان طريقاً مزدوجا
ثم بعدها انفرد واستقام شمالاً واستمر كذلك حتى بلغ مدينة ألتا
كان هناك متغيران تلاحظهما بسهولة عندما استقام الطريق شمالاً
الأول هو حلول الخريف
نعم فقد تحولت الطبيعة تماماً في يوم واحد وأنا أشاهد كل ذلك
فبعد أن كانت الخضرة هي سيدة الموقف
أصبحت وفي سويعات من الندرة حتى لا تكاد ترى
وفي الحقيقة هذا ليس بالغريب
فالخريف يحل في الشمال أولاً ثم ينحدر جنوبا
أما المتغير الثاني فقد كانت درجات الحرارة
كانت حتى صباح اليوم تتراوح ما بين الدرجتين والسبع درجات مئوية
ولكنها الآن في انخفاض سريع
وبدأت الطرق تزدان بالبياض رويداً رويدا
إنها الثلوج، الكسوة المفضلة لتلك البقاع في فصل الشتاء
واصلت درجات الحرارة انخفاضها شيئاً فشيئاً
حتى اقتربت من مدينة ألتا حيث بلغت سبع درجات ونصف تحت الصفر
كان كل ما ألبسه يعتبر صيفياً بمعنى الكلمة، ما عدا المعطف الذي أرتديه
وفي الحقيقة لا يوجد شعور بالبرد نهائياً
فالتكييف يعمل أينما ذهبت، إن كان في المركبة أو المتجر أو السكن
كنت خلال ذلك أقف بين الحين والآخر لألتقط بعض الصور
خاصة عند مروري بالمياه أين كان نوعها
حل عليّ الغروب وأنا أقترب من الحدود الفنلندية النرويجية
حينها بدأت أتلمس المبيت كعادتي وبعد البحث وجدت أحد المنتجعات
والذي كان في "إينونت إكيا" وهي عبارة عن قرية صغيرة
ذهبت إلى المنتجع
لقد كان خالياً تماماً
ولم يكن هو الوحيد خالياً
بل المنطقة بأسرها ومنذ ساعات قلائل بدأت تخلو تدريجياً من الحياة
بدأت الحياة المدنية تضمحل تدريجياً، حيث كانت الهجار والقفار تسود الموقف
لم يبقى إلا الطريق واصباغه البيضاء والصفراء ولوحه الارشادية
أقول لم يبقى إلا ذلك يؤنسني ويشعرني أن هناك بشرا
راجعت نفسي قليلاً، فأضواء الشمال هي الهدف، وهي لا ترى إلا في الليل
فقلت إن وجدت مكاناً للمبيت، فسأنطلق صباحاً إلى ألتا وسأصل في الغالب ظهراً
فماذا عساني أصنع نهاراً هناك؟
فكان القرار أن أستمر في مسيري وأبحث عن أضواء الشمال في طريقي بعد أن تظلم
حتى أصل ألتا
غربت شمس ذلك اليوم قبل أن تبلغ الساعة الخامسة مساءً وأنا أقود مركبتي
ثم بعدها حل الظلام
إنه ليس الظلام الذي نعرفه
ففي أوطاننا الكثير من التلوث
نعم، التلوث الضوئي
إضاءة مدننا وطرقنا شديدة جداً، لدرجة أن شعاعها يظهر حتى ولو ابتعدت عنها المائة كيلو متر
وكل من له درايةً بفن التصوير الليلي يعي كلامي هذا
أما هنا فإن قيل لك ظلام حالك فهو كذلك
ظلام دامس…
معظم السائقين هنا وخاصة في النرويج يضيفون المصابيح الكاشفة إلى مركباتهم
المقل منهم ترى في مركبته مصباحان
أما الشاحنات فحدث ولا حرج، فالأضواء الناتجة عن إحداها كافية لإضاءة مهرجاناً بأكمله
وهنا يتجلى الخلق القيادي للسائقين
فلا يكاد أحدهم يرى من بعيد ضوء مركبتي، ولم يرى مركبتي بعد، حتى يخفض من أضواء مركبته
تخيل لو أبدلناهم بسائقينا!
فوالله إن سلمت من الحوادث لن تسلم من العمى، والحمد لله على كل حال
كنت أسير في ذلك الظلام وعينايّ إلى السماء
أين هي تلك الأضواء؟
كيف أجدها؟
هل سأراها؟
هل أضواء مركبتي تعيق ذلك؟
ولهذا كنت أقف بين الفينة والأخرى وأطفئ محرك السيارة تماماً وأبحث عن تلك الأضواء
كرهت من حينها تلك الأضواء الحديثة المضافة إلى المركبات والتي تسمى إل إي دي "ليد"
لم يكن لها مفتاح خاص بها لإطفائها!
كانت الطريقة الوحيدة هي إطفاء محرك المركبة
كنت أخرج من المركبة وأراقب السماء بكل اتجاه
ولك أن تتخيل الآن ما أشعر به!
ظلام دامس، لا أكاد أرى حتى يدي
هدوء قاتل إلا من بعض الأصوات الغريبة بين الحين والآخر والتي لا أعرف مصدرها
جهل تام بالحياة البرية هنا وما عساه يكون بقربي
إنه رعب بمعنى الكلمة
لم يكن إلا الدافع والذي كان دوماً يتغلب على هكذا رعب
إنه الحلم برؤية هذه الأضواء
كنت كذلك حتى لم يتبقى على ألتا إلا قرابة الثلاثون كيلو مترا
لم أوفق بعد، بل حينها قد بدأت بالتنازل عن حلمي ذاك
فقد كنت محصوراً وقد بلغ بي التعب أيضاً كل مبلغ
وفجأة إذا بي أرى مركبتين متوقفتان على جانب الطريق
لمحت سريعاً أشخاصاً يقفون بجانب كمراتهم
يا الله، إنهم يصورون أضواء الشمال
هذا ما أبحث أنا عنه
ذهب عني فجأةً كل ما أعانيه
أدرت مركبتي وعدت إليهم
كانوا قرابة الثمانية أشخاص
نزلت من المركبة وألقيت التحية عليهم، فردوها بدورهم
قلت ساعتها: أريد الانضمام إليكم
فانصرفوا عني جميعاً، الواحد تلو الآخر، إلا أطولهم تقدم مني وقال
ماذا تقصد بالانضمام إلينا؟
أريد أن أشاهد الأُرورا (وهذا الاسم المشهور لأضواء الشمال هناك ويطلق عليها أُرورا بوريلز)
وهل أنت مهتم بمشاهدتها؟
نعم بكل تأكيد
ومن أين أتيت؟
من السعودية
أتيت من السعودية إلى هنا لمشاهدة الأُرورا؟
نعم
فما كان منه إلا أن التفت إلى صحبه وصاح
أنظروا إلى هذا، لقد أتى من السعودية إلى هنا لمشاهدة الأُرورا!
عاد بعضهم إليّ، ورحب البعض الآخر من مكانه
ثم مد صاحبنا الفارع الطول يده مصافحاً وقال:
معك اندي كين
أهلاً وسهلاً وأنا محمد النمر
هل عرفتني؟
لا
ألم تسمع بي؟
لا
ألم تقل إنك مهتم بالأُرورا؟
نعم
ولم تسمع بي؟
لا
لا مشكلة، أطفئ أضواء مركبتك وقم بإعداد كامرتك إن كان لديك واحدة
أما أنا فصائد الأُرورة اندي كين
اندي كين هو أحد المشاهير في عالم أضواء الشمال
هو إنجليزي ويعتبر صائد أضواء الشمال الرسمي للعائلة المالكة البريطانية
وهذا هو موقعه على الإنترنت
Aurorahunters - In Pursuit Of The Northern Lights - Aurorahunters - In Pursuit of the Northern Lights
كان حينها الجميع كل أمام كامرته يراقب حديثنا
ولم أعلم أن أضواء مركبتي كانت العائق أمام عودتهم للتصوير
أعددت كامرتي ثم سألته ماذا أصور؟
أشار بيده ناحية الشمال وقال صور هناك
قلت لا أرى شيئاً!
سألني ليتأكد إن كانت الإعدادات سليمة في الكاميرا فأجبته بنعم
فقال صور ولا بأس، ستستطيع كامرتك رؤية ما لا تراه أنت
انتظرت ثلاثين ثانية حتى انتهى أخذ الصورة وكانت هذه النتيجة
وهي أول صورة قمت بأخذها لأضواء الشمال
لن تتخيل كم كانت فرحتي عارمة بهذه الصورة
إنها أضواء الشمال ذلك الاخضرار في أعلى الصورة
كان فعلاً شعوراً غريباً
بدأت أدقق في السماء وكان بإمكاني رؤيتها الآن
وأخذت الصورة الثانية وكانت أفضل من سابقتها
الآن لو عدنا إلى الصورة الأولى لرأينا وكأن السحب في الركن الأيمن مضاءة
وهذا ليس إلا وهج أضواء مدينة ألتا ونحن نبعد عنها قرابة الثلاثون كيلو مترا!
ومن ناحية أخرى ولأجل تلك السحب، قرر اندي التحرك بمن معه جنوباً لتفادي تلك السحب
قلت له سأتبعكم، فأبدى ترحيبه بذلك
بدأنا بالتحرك جنوباً من حيث أتيت!
وكان يقف فينا من مكان إلى آخر وكلما اقتربت السحب ابتعدنا أكثر
حتى سرنا أكثر من مائة كيلو متراً جنوبا
وفي آخر المطاف وجدنا المكان المناسب لالتقاط الصور
خلال ذلك بدأ البرد ينال مني
لم أكن أشعر به وأنا في السيارة، أما الآن فإني أنتفض بشدة
كنت أنتعل أكرمكم الله حذاءً ذو فتحات للتهوية! صيفي بطبيعة الحال
وكان عندي آخر مصمت من الجلد في الخزانة الخلفية للمركبة
فقلت ارتديه لعله يقيني شيئاً من البرد
كانت درجة الحرارة قد بلغت حينها ثمان درجات ونصف تحت الصفر!
لبست الحذاء أكرمكم الله، وكأني لبست قالباً من الثلج في قدمي
كل ذلك وأنا أزاول التصوير ومستمتع بما أفعل
حتى إن أحدهم وكان إسكتلندياً صعب حالي عليه ناولني كأساً به مشروباً ساخناً
ومن طبعي ان لا أشرب الساخن حتى يبرد قليلا
أما ذلك الكأس فقد اختفى ما فيه بلمح البصر
أثناء ذلك سمعت صوتاً، ولمحت شيئاً يتحرك بالقرب مني
ففتحت باب السيارة وأنرت مصابيحها
فإذا به هذا الثعلب
نظر الجميع إليّ حين أنرت أضواء المركبة ثم شاهدوا الثعلب
بعدها انبرى السكندر وهو ابن اندي إلى مركبته مسرعاً
وأحضر بعض الطعام، وأخذ يطعم الثعلب!
آه من اختلاف الثقافات
والله ما ظننته إلا محضراً سلاحه ليردي به ذلك الثعلب
هل ظننتم أنتم أيضاً ما ظننته أنا؟
وفقت تلك الليلة بأخذ بعض الصور لأضواء الشمال والحمد لله
بعدها اشتدت أضواء الشمال بالتراقص والتمايل
ووالله إنه لسحر
لم أصور حينها البتة
كنت أرفض أن تتضيع مني لحظة واحدة
كنت فاغراً فاهي ورأسي إلى السماء أرقب إبداع الخالق
وللعلم، لم تكن تلك المرة الوحيدة التي أقف فيها عن التصوير، فقد حدث ذلك معي مرة أخرى
لا أعتقد أن بمقدور أي كان، أن يرى تلك الأضواء لأول مرة حين تتلاعب
ثم ينشغل عنها بأمر آخر
كانت الساعة تشير إلى تمام الثانية صباحاً حين أعلن اندي نهاية ذلك اليوم
ذهبت إليه مبدياً رغبتي بدفع ما علي من المال بحكم مشاركتي تلك الليلة
كان رفضه قاطعاً على الرغم من كل محاولاتي البائسة
فما كان مني إلا أن شكرته وودعت الجميع
وهنا كانت المرة الأولى التي أضرب أنظمة القيادة في أوروبا أو غيرها بعرض الحائط
قدت مركبتي إلى ألتا تعباً حاصراً لا أرى أمامي إلا حماماً أكركم الله وسريرا
كان هذا المنظر الذي التقطه صباحاً من نافذة الفندق في مدينة ألتا
ذلك الفندق ذو الطابقين والمبني بأكمله من الخشب
هذه المباني، عزل الصوت فيها شبه منعدم
فكل حركة تقوم بها، لها أصداءها لدى الغرف المجاورة والتي أسفل منك!
لكن عزل هذه النوعية من المباني للبرد واحتفاظه بالحرارة بالإضافة إلى تكلفته
هو ما يجعله مرغوب في مثل هذه المناطق
هنا، ومعظم الفنادق في الشمال الأقصى، لديهم طريقة مختلفة في ترتيب الأسرة
فاللحاف هنا لا يثنى تحت مرتبة السرير
بل يوضع عليها بالطول، وكلا طرفي اللحاف الطويلان مثنيان ليتقابلا من أسفله
وحين ترى السرير تظن أن أحدهم نائماً عليه!
لملمت حاجياتي ونزلت إلى الأسفل لمغادرة الفندق
وقفت أتحدث إلى موظفة الاستقبال وأنا أشرب شيء من القهوة
وإذا بهذا الشخص الذي يحيّني
لم يكن إلا السكندر ابن اندي كين!
ثم تبادلت والآخرين التحايا وأخذنا نتعارف
لقد كانا امريكيان وسنغافوريان وكوري والأخير إسكتلندي الجنسية
لم يكن الفندق إلا المكان الذي يُنزل فيه اندي كل المشاركين معه البحث عن اضواء الشمال
تناولا بعض أطراف الحديث جميعاً لبعض الوقت ثم رحلت
هكذا كان المنظر صباحاً وأنا أغادر الفندق
كنت قد تصفحت في جوالي العزيز صباح اليوم الطريق إلى أوسلو
وكم كانت المفاجئة أن الطريق السريع إلى اوسلو يمر معظمه بالسويد!
النرويج بلد له خارطة تتخذ شكل الحيوان المنوي
له رأس وذيل
فجنوبها هو الرأس، وما تبقى منها هو الذيل
أضف إلى ذلك، فإن معظم التضاريس في هذه الدولة تعتبر جبلية
فلذلك التنقل بين شمالها وجنوبها يمر بسلسلة جبلية طويلة لا تكاد تنتهي
وبالطبع الطرق الجبلية لا تخلو أبداً من الصعود والهبوط والالتواءات
فلذلك فإن أسرع الطرق لعبور النرويج هو من خلال السويد!
وذاك الطريق هو ما عرضه علي السيد جوجل على خرائطه حين بحثت عن الطريق إلى اوسلو
ولكن عبور جبال النرويج كان مطلباً رئيسياً لهذه الرحلة
لذلك عقدت العزم على اختيار نقطةً عشوائية على جهاز الملاحة جنوباً
وعند بلوغي إليها أختار أخرى وهكذا دواليك
لأضمن وصولي إلى الجنوب عبوراً بالنرويج فقط
بدأت المسير، وأتضح أن خياري كان صائبا
فالبحر عن يميني والجبال عن يساري
طرق أبداً لا تمل ولا تكل من السير فيها
كان هذا المنظر الذي التقطه صباحاً من نافذة الفندق في مدينة ألتا
ذلك الفندق ذو الطابقين والمبني بأكمله من الخشب
هذه المباني، عزل الصوت فيها شبه منعدم
فكل حركة تقوم بها، لها أصداءها لدى الغرف المجاورة والتي أسفل منك!
لكن عزل هذه النوعية من المباني للبرد واحتفاظه بالحرارة بالإضافة إلى تكلفته
هو ما يجعله مرغوب في مثل هذه المناطق
هنا، ومعظم الفنادق في الشمال الأقصى، لديهم طريقة مختلفة في ترتيب الأسرة
فاللحاف هنا لا يثنى تحت مرتبة السرير
بل يوضع عليها بالطول، وكلا طرفي اللحاف الطويلان مثنيان ليتقابلا من أسفله
وحين ترى السرير تظن أن أحدهم نائماً عليه!
لملمت حاجياتي ونزلت إلى الأسفل لمغادرة الفندق
وقفت أتحدث إلى موظفة الاستقبال وأنا أشرب شيء من القهوة
وإذا بهذا الشخص الذي يحيّني
لم يكن إلا السكندر ابن اندي كين!
ثم تبادلت والآخرين التحايا وأخذنا نتعارف
لقد كانا امريكيان وسنغافوريان وكوري والأخير إسكتلندي الجنسية
لم يكن الفندق إلا المكان الذي يُنزل فيه اندي كل المشاركين معه البحث عن اضواء الشمال
تناولا بعض أطراف الحديث جميعاً لبعض الوقت ثم رحلت
هكذا كان المنظر صباحاً وأنا أغادر الفندق
كنت قد تصفحت في جوالي العزيز صباح اليوم الطريق إلى أوسلو
وكم كانت المفاجئة أن الطريق السريع إلى اوسلو يمر معظمه بالسويد!
النرويج بلد له خارطة تتخذ شكل الحيوان المنوي
له رأس وذيل
فجنوبها هو الرأس، وما تبقى منها هو الذيل
أضف إلى ذلك، فإن معظم التضاريس في هذه الدولة تعتبر جبلية
فلذلك التنقل بين شمالها وجنوبها يمر بسلسلة جبلية طويلة لا تكاد تنتهي
وبالطبع الطرق الجبلية لا تخلو أبداً من الصعود والهبوط والالتواءات
فلذلك فإن أسرع الطرق لعبور النرويج هو من خلال السويد!
وذاك الطريق هو ما عرضه علي السيد جوجل على خرائطه حين بحثت عن الطريق إلى اوسلو
ولكن عبور جبال النرويج كان مطلباً رئيسياً لهذه الرحلة
لذلك عقدت العزم على اختيار نقطةً عشوائية على جهاز الملاحة جنوباً
وعند بلوغي إليها أختار أخرى وهكذا دواليك
لأضمن وصولي إلى الجنوب عبوراً بالنرويج فقط
بدأت المسير، وأتضح أن خياري كان صائبا
فالبحر عن يميني والجبال عن يساري
طرق أبداً لا تمل ولا تكل من السير فيها
كانت خلال ذلك تستوقفني إبداعات الخالق
اطلقت حينها العنان لكاميرتي لنسخها
فاللسان لا يطيق وصف ما تراه العين
أظلمت السماء
وحان موعد المبيت
وقد وقع الاختيار على (إل إتش إل - كلينيكيني) "LHL-klinikkene" في مدينة سكيبوتن "Skibotn"
كان موقع المنتجع في وسط غابة من الأشجار، وكانت الإضاءة خافتة جداً
وكان قد مر بي سابقاً بعض العلامات الإرشادية والتي تحذر من الدببة
نعم الدببة مرةً أخرى!
أوقفت مركبتي وبالخطوة السريعة وصلت إلى باب المنتجع
كان المدخل فسيحاً حين عبرت بابه الأول ومن ثم الثاني
بعدها كان هناك ممراً فسيحاً وطويلاً ممتداً يميناً وشمالاً
كان مكتب الاستقبال أمامي
وقبل أن أبلغه لمحت عن يميني رجلاً كبيراً في السن
كانت خطواته متثاقلة وكان يجر بجانبه حاملاً لعلبة المغذي والمحقونة بجسده
كل ما خطر ببالي حينها هو ما الذي أتى بهذا إلى هنا؟
وقفت عند مكتب الاستقبال ولم يكن هناك أحداً مما حدى بي لقرع الجرس
بدأت عيناي تقلب ما على المكتب وما خلفه
فإذا أنا بسماعة طبية، وجهاز قياس ضغط الدم وبعض الأدوية
فقلت من الذي اتى بي أنا إلى هنا؟
وأنا في دهشتي تلك أقبلت من تخطت الخمسين من عمرها مرحبةً بي
اعتذرت منها فوراً، مبدياً خطئي في الوصول إلى هنا ملقياً باللوم على جهاز الملاحة
ومعللاً بأن الفندق الذي حجزت فيه لابد أنه يقع بالقرب من هنا
ولكنها بادرتني ضاحكة، لا، لا أنت لم تخطئ العنوان
وهذا هو المكان الذي حجزت فيه أنت
ولكن اسمحي لي، فأنا أرى مشفىً، لا فندقا
هذا في الواقع منتجع صحي، ونحن نستقبل كافة النزلاء فيه، السقيم منهم والصحيح
هل تعنين بذلك أنه سيكون لي غرفة فندقية بحمامها؟
نعم، نعم هذا صحيح، وكأي فندق آخر لك كل الخدمات
خرجت من غرفتي ومعي قدحاً من القهوة أحيي من أقابل من المرضى
لم أرى نزيلاً غيري تلك الليلة، إلا من راغبي العلاج أو النقاهة بعد المرض
كانوا جميعاً نساءً ورجالاً يتراوحون بين الستين والسبعين من سني عمرهم
وكانوا لا يتحدثون الإنجليزية إلا النذر اليسير منها
وهذا ما علمت به لاحقاً
كنت استغرب في البداية من مصادفتي لكثير من السياح في كل دول الشمال وذلك لإجادتهم اللغة الإنجليزية
ما اتضح لاحقاً، هو أن الجميع هنا وبالذات من كان سنه أقل من الخمسين عاماً
يجيدون اللغة الإنجليزية وبطلاقة، وذلك حين تم فرض تعلم اللغة في المدارس من مراحلها الأولى
فلذلك إن وجدت من هو في الخمسين من عمره أو أقل، فهو لا محالة مجيداً للغة الإنجليزية
تنقلت بقدح القهوة ذاك من مكان إلى آخر متبادلاً التحايا مومئاً بيدي تارة وبرأسي تارة أخرى
مما دفعني إلى العودة لمحدثتي الأولى
دار بنا الحديث يمنة ويسرة حتى بلغ بنا إلى مخاوفي تلك من الدببة
كان وقع حديثها كالبلسم عليّ حيث قالت إن الدببة هنا نادرة جداً، وأن عددها لا يتجاوز العشرات
وأن لها خمس وعشرون عاماً تسلك هذا الطريق ولم ترى واحداً من قبل
وأن من الصعب رؤية أحدها حتى لمن يبحث عنها
ولكنها استثنت جزر سفالبارد النرويجية والبعيدة جداً، حيث تقع شمالاً بالقرب من القطب الشمالي
فقد ذكرت وجود الدب القطبي هناك وبوفرة
وحذرت من خطورته الشديدة، والتي يذهب ضحيتها بعض السياح وبشكل سنوي تقريباً
فرغ قدح القهوة، وغادرت محدثتي تلك إلى غرفتي والسعادة تغمرني من حديثها ذاك
أزحت النائم من على سريري وتدثرت به ونمت
كانت خلال ذلك تستوقفني إبداعات الخالق
اطلقت حينها العنان لكاميرتي لنسخها
فاللسان لا يطيق وصف ما تراه العين
أظلمت السماء
وحان موعد المبيت
وقد وقع الاختيار على (إل إتش إل - كلينيكيني) "LHL-klinikkene" في مدينة سكيبوتن "Skibotn"
كان موقع المنتجع في وسط غابة من الأشجار، وكانت الإضاءة خافتة جداً
وكان قد مر بي سابقاً بعض العلامات الإرشادية والتي تحذر من الدببة
نعم الدببة مرةً أخرى!
أوقفت مركبتي وبالخطوة السريعة وصلت إلى باب المنتجع
كان المدخل فسيحاً حين عبرت بابه الأول ومن ثم الثاني
بعدها كان هناك ممراً فسيحاً وطويلاً ممتداً يميناً وشمالاً
كان مكتب الاستقبال أمامي
وقبل أن أبلغه لمحت عن يميني رجلاً كبيراً في السن
كانت خطواته متثاقلة وكان يجر بجانبه حاملاً لعلبة المغذي والمحقونة بجسده
كل ما خطر ببالي حينها هو ما الذي أتى بهذا إلى هنا؟
وقفت عند مكتب الاستقبال ولم يكن هناك أحداً مما حدى بي لقرع الجرس
بدأت عيناي تقلب ما على المكتب وما خلفه
فإذا أنا بسماعة طبية، وجهاز قياس ضغط الدم وبعض الأدوية
فقلت من الذي اتى بي أنا إلى هنا؟
وأنا في دهشتي تلك أقبلت من تخطت الخمسين من عمرها مرحبةً بي
اعتذرت منها فوراً، مبدياً خطئي في الوصول إلى هنا ملقياً باللوم على جهاز الملاحة
ومعللاً بأن الفندق الذي حجزت فيه لابد أنه يقع بالقرب من هنا
ولكنها بادرتني ضاحكة، لا، لا أنت لم تخطئ العنوان
وهذا هو المكان الذي حجزت فيه أنت
ولكن اسمحي لي، فأنا أرى مشفىً، لا فندقا
هذا في الواقع منتجع صحي، ونحن نستقبل كافة النزلاء فيه، السقيم منهم والصحيح
هل تعنين بذلك أنه سيكون لي غرفة فندقية بحمامها؟
نعم، نعم هذا صحيح، وكأي فندق آخر لك كل الخدمات
خرجت من غرفتي ومعي قدحاً من القهوة أحيي من أقابل من المرضى
لم أرى نزيلاً غيري تلك الليلة، إلا من راغبي العلاج أو النقاهة بعد المرض
كانوا جميعاً نساءً ورجالاً يتراوحون بين الستين والسبعين من سني عمرهم
وكانوا لا يتحدثون الإنجليزية إلا النذر اليسير منها
وهذا ما علمت به لاحقاً
كنت استغرب في البداية من مصادفتي لكثير من السياح في كل دول الشمال وذلك لإجادتهم اللغة الإنجليزية
ما اتضح لاحقاً، هو أن الجميع هنا وبالذات من كان سنه أقل من الخمسين عاماً
يجيدون اللغة الإنجليزية وبطلاقة، وذلك حين تم فرض تعلم اللغة في المدارس من مراحلها الأولى
فلذلك إن وجدت من هو في الخمسين من عمره أو أقل، فهو لا محالة مجيداً للغة الإنجليزية
تنقلت بقدح القهوة ذاك من مكان إلى آخر متبادلاً التحايا مومئاً بيدي تارة وبرأسي تارة أخرى
مما دفعني إلى العودة لمحدثتي الأولى
دار بنا الحديث يمنة ويسرة حتى بلغ بنا إلى مخاوفي تلك من الدببة
كان وقع حديثها كالبلسم عليّ حيث قالت إن الدببة هنا نادرة جداً، وأن عددها لا يتجاوز العشرات
وأن لها خمس وعشرون عاماً تسلك هذا الطريق ولم ترى واحداً من قبل
وأن من الصعب رؤية أحدها حتى لمن يبحث عنها
ولكنها استثنت جزر سفالبارد النرويجية والبعيدة جداً، حيث تقع شمالاً بالقرب من القطب الشمالي
فقد ذكرت وجود الدب القطبي هناك وبوفرة
وحذرت من خطورته الشديدة، والتي يذهب ضحيتها بعض السياح وبشكل سنوي تقريباً
فرغ قدح القهوة، وغادرت محدثتي تلك إلى غرفتي والسعادة تغمرني من حديثها ذاك
صباح اليوم التالي لمست نقطة عشوائية جنوباً على جهاز الملاحة وانطلقت
لبعض الوقت لم يكن البحر ملازماً لي كما هو يوم أمس
ثم عاد البحر مرة أخرى يسايرني
كم أعشق تلك الطرق
ارصفتها البحار والجبال
تجول عيناك بين أدنى الأرض وأعلاها في نفس اللحظة
هذا سائل وهذا صلب
تناقض عجيب ومبهر
وقع كل منهما قاس
واجتماعهما آية من آيات الله في كونه
جمال لا يضاهيه جمال
وهنا نلاحظ كما في الصورة السابقة
أن الجسر يقام ولا تأثير لذلك على الحركة أسفله
والأدهى والأمر، أن ذلك في منطقة نائية!
أما هنا، فنشأة جسر تعني السنون والسنون من إغلاق الحركة وارباك السير
حتى في أكبر المدن وأشدها ازدحاما
لا أعلم ما الذي ينقصنا؟
لدينا المال ولدينا العلم والكوادر
لكن هل لدينا الأمانة؟
حسبنا الله ونعم الوكيل
دعونا نعود إلى ما كنا فيه ونستعرض بعضاً من مشاهدات ذلك اليوم
وهنا أعلن عن مكافئة عبارة عن شحن شريحة اتصال بقيمة مائة ريال
لأول من يكشف عن ماهية الجسم الأصفر في تلك الصورة الأخيرة، مدعماً جوابه بصورة للتوضيح
وأرجو من الأعضاء قاطني الدول الأوروبية والأمريكية اتاحة المجال لإخوانهم في العالم العربي
أحد الأمور التي تؤخذ في الحسبان عند السفر براً هي الشمس
فتجد أحدهم يسافر صباحاً لتكون الشمس عن يمينه
والآخر يسافر مساءً ليتفادى الشمس أن تكون من ناحيته، وهكذا
لم ذكرت ذلك الآن؟
الذي دعاني لذكر ذلك الأمر هو ما أشاهده هنا!
فالشمس هنا في الشمال وعلى مدار اليوم تكون في الأفق، أي أنها لا تصل إلى كبد السماء مطلقاً!
فإن كنت مثلاً متجه شمالاً، فإن الشمس ستكون خلفك تماماً من شروقها وحتى غروبها
أما لو اتجهت جنوباً كما هو أنا الآن
فإن الشمس لا تغادر الزجاج الأمامي للسيارة أبداً من الشروق وحتى الغروب
النظارات الشمسية هنا قد تكون ضرورة ملحة
أكملت مسيرتي بعد ذلك حتى حل عليّ المساء
واصلت مسيري وخاصة أن الوقت لا زال مبكراً لأقف
وحين أظلمت بدا يلوح لي شيء في السماء
توقفت مباشرة، واعددت كاميرتي وأنا أسابق لا أدري ماذا
ولكني كنت في عجلة من أمري
هل هو الخوف من فقدانها؟
قد يكون ذلك صحيحاً
ولكني والحمد لله بدأت أصورها
الغريب في هذا المكان هو حركة السيارات
كل نصف ساعة أو حولها أشاهد مركبة أو اثنتين تتجهان جنوبا
بعدها بدقائق، مثلهما تتجهان شمالا
ثم تقف الحركة تماماً، وهكذا دواليك
انشغلت بالتصوير ورؤية تلك الأضواء عن كل شيء
لم أتنبه لنفسي إلا وأنا أنتفض وبشدة
لقد أخذ البرد مني كل مأخذ
لقد كانت اسناني تصر صريرا
أصبحت أسمع صوتي تماماً كما يفعل الأطفال
المكيف لا يعمل، فالسيارة مطفأة بسبب تلك الأضواء الأمامية اللعينة
ولكن هل كنت أهتز من البرد فقط أو من البرد والخوف معاً
دعونا من هذا، فلن أخوض فيه
ما يهم، هو بسبب ذلك البرد أو غيره أصبحت محصوراً جدا
وكان لزاماً عليّ متابعة الحركة
ضغط زر التشغيل فدار محرك المركبة
وما هي إلا دقائق حتى بدأ يعود الدفء إلى أوصالي
ولكن من ناحية أخرى وبعد دقائق قليلة
صدرت الأوامر من محدثتي بركوب العبارة
هكذا وبلا مقدمات
عبارة!
بئس الرفيق أنت
هلا أخبرتني مسبقاً
ومن ثم انتهى الطريق إلى سطح العبارة
وهذا كان سبب الحركة المتقطعة لتلك المركبات التي كانت تمر بقربي وأنا أصور!
دخلت الحمام أكرمكم الله بالقرب من مكان ركوب العبارة حيث أنها لم تصل بعد
ثم صعدت على ظهرها حين وصلت
كانت الأضواء لا زالت تتراقص في كبد السماء
وبالفعل هذا هو أحد أسمائها هناك الأضواء الراقصة
سألت عن الوقت الذي تستغرقه العبارة وعلمت أنه قرابة الخمس وعشرين دقيقة
قلت هذا كثير
عدت إلى المركبة وأخذت الكاميرا وانطلقت صاعداً إلى سطح العبارة
وها أنا ذا أرتجف مرة أخرى
ولكنه البرد مؤكداً وليس غيره
انطلقت بالمركبة بعد توقف العبارة
أخذت اسير باتجاه الفندق الذي حجزته والذي لم يكن إلا
المركز السياحي تيس فيورد (Tysfjord turistsenter AS)
بهو الفندق كان مليئاً بالحيوانات المحنطة من المنطقة
وكان منها الدببة وبعض الحيوانات المفترسة الأخرى التي لا أعلم اسمائها
لا يهم
ذهبت إلى الاستقبال واستلمت غرفتي
سألتها بعدها عن أضواء الشمال إن كان هناك من اعداد لها
فقالت إن الناس في الساحة الخلفية يلتقطون الصور لها!
لم أضيع وقتاً البتة
يا له من يوم حافل
لقد كنت محظوظاً بهكذا ليلة شبه صافية
استطعت التقاط العديد من الصور فيها والحمد والمنة لله
اتجهت إلى غرفتي
وآه ما أجمل الدفء
آه ما أجمله
آه كم كنت أتضايق من سماع هذه الجملة
خاصة ونحن نعاني الأمرين من حرارة الأجواء لدينا
لكن ما أطيبها هنا وما أجمل وقعها
إنه البرد يا سادة... إنه البرد
بعد أن استعديت للنوم...
مؤكد أنكم تعلمون ما فعلت
نعم
صحيح، صحيح
قلت لكم أنكم تعلمون
فعلاً، أزلت النائم وتدثرت به ونمت
ما بقي من أحداث وطرائف وجولات وكثيرة هي
سنستأنفه بعد العيد إن شاء الله
وحتى ذلك الحين
لكم مني أجمل الأمنيات
سائلاً الله جل في علاه أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا
وكل عام وأنتم بخير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحباً بالجميع مرة أخرى
نستهل إن شاء الله من حيث انتهينا في شهر رمضان
تقبل الله من الجميع قيامه وصيامه
وكل عام وأنتم بخير
صباح الأربعاء الموافق للخامس عشر من شهر أكتوبر
كانت مغادرتي لذلك الفندق المليء بالحيوانات المحنطة
لم تكد تتحرك السيارة حتى شاهدت على ما يبدو رجل وزوجته، وهما كبيري السن
كانا يتجها إلى باب الفندق ويشيران إلى المركبة موجهي الحديث إليّ ويبتسمان
لم يكونا يتحدثا الإنجليزية ولم أفهمهما إلا بصعوبة
أنهما تشيكيان وكانا يتعجبان اغتباطاً من كون السيارة تشيكية
وأظن لسان حالهما كان يقول
أي جنون هذا؟ يقود سيارة من التشيك إلى هنا!
وبالفعل فلم أشاهد هنا سيارات إلا من فنلندا والدنمارك والنرويج بالطبع
ودعتهما وانطلقت إلى جناني، اسوس فيه الطرق واسبر غورها
منذ اليوم السابق لم يعد البحر يرافقني إلا ما ندر
فأنا أسير في منتصف الذيل النرويجي بين الحدود السويدية وبحر النرويج باتجاه الجنوب بالطبع
ولكن مفارقة المياه في هذه الأراضي يكاد يكون من المستحيلات
فإن انت ابتعدت عن شاطئ البحر، جاورت شاطئ بحيرة أو نهر، لا محالة
وكما تجري عليه العادة كنت أقف بين الحين والآخر
أشاهد وانسخ ما أستطيع من الجمال الرباني
.
عند اقتراب المساء، كانت بعض الغيوم تلوح لي في الأفق البعيد جنوباً
وككل مساء في هذه المناطق لا بد للزائر من تناول شيء من فاكهتها
ولكن تلك السحب البعيدة لا محالة ستحول بيني وبين تلك الفاكهة
فقلت يجب عليّ أن أجد مكاناً لأقف فيه وأصور الأورورا
وأنا كذلك، وإذا أنا بهذا الموقف الكبير والغريب!
لا ارشادات لا تخطيط للمواقف، لا شيء البتة
مساحة ضخمة مسفلتة في منطقة نائية وفقط!
ولكنها كانت لي كمائدة طعام من النوع الفاخر والمريح والتي تزيد من شهيتك للطعام
أوقفت المركبة وبدأت أجهز الكاميرا استعداداً لتلك الأضواء الخلابة
كان هناك الكثير من الوقت ولكن والحمد لله فإن المركبة كانت مليئة بالوقود، فليس هنا قلق بهذا الصدد
فالمركبة ستكون قيد التشغيل حتى يحين موعد التصوير فالبرد قارص
أعددت كوباً من القهوة واسترخيت بانتظار ان تودعني شمس ذلك اليوم
لقد زرت والحمد لله الكثير من دول العالم في مختلف القارات، ولكني لم ازر اليابان بعد!
ماذا اريد أن أقول؟..
الحقيقة هي أن أغلى بلد زرته إلى الآن هو النرويج!
الغلاء هنا فاحش، وذكر القهوة هو ما نبهني لذكر هذا الغلاء
كان يكلفني كوب القهوة الصغير اثنان وثلاثين ريالاً، وذلك من الأماكن العامة وليست المقاهي الفاخرة!
وهذا ما حدا بي لشراء إناء ماء وكوب قهوة حافظين للحرارة
ومن ثم ابتعت زجاجة من قهوتي المفضلة نسكافيه الذهبية
وبذلك وفرت الكثير والكثير من النقود، فكوب القهوة مرافق لي على الدوام ولا يفارقني أبدا
ومع ذلك، كنت أدفع قيمة الماء الساخن عند فراغ العبوة!
غربت الشمس، وبدأ الظلام يلف المكان وأنا أرقب السماء
كان الظلام حالكاً وقد تأخر الوقت ولكني لم أرى شيئاً البتة
أطفئت محرك المركبة ونزلت أصور عل وعسى أن أجد شيئا
ولكني وجدت ما كدر خاطري بالفعل
أكثر من ساعتان من الانتظار في هذا المكان المقفر البارد ذهبت سدى
اظهرت لي الصورة سرعة جريان تلك السحب والتي بلغتني وغطت السماء من فوقي تماماً
حمدت الله وعدت إلى الطريق
لم أفقد الأمل بعد، وكنت اقود على مهل علني أجد ثغرة هنا أو هناك في تلك السحب
كنت كذلك حتى حل بي التعب وكنت حينها اعبر مدينة موشيان
شاهدت فندقاً لا أعلم كيف يكتب اسمه وهو "Fru Haugans Hotel"
كانت الحركة كثيفة في بهو الفندق
وبالتالي لم تكن هناك غرف شاغرة
لا أعلم كيف كانت تعابير وجهي حين علمت بذلك
ولكن حين هممت بالانصراف أوقفتني الموظفة وقالت
توجد غرفة واحدة شاغرة، دعني أريك إياها
اصطحبتني تلك الثلاثينية إلى خارج الفندق، إلى بيت من الخشب ملاصق له
فتحت الباب وصعدت بي إلى الأعلى
ثم ارتني غرفة وقالت إن سعر هذه أغلى من غرف الفندق
ثم أخذت بسرد تاريخ المبنى، متى بني ومن بناه وما إلى ذلك
ومن ثم بدأت تعدد أسماء بعض من سكنوا هذه الغرفة من الشخصيات الهامة والشهيرة على مر السنين
وكأن ذلك كان يعني لي شيئاً!
حقيقة كانت تعدد الأسماء وكنت انا أحاول أن أتذكر اسم الطيب التي تضعه
لم تكن رائحته غريبةً على الإطلاق، ولكني لم أنجح
بعد أن اغتسلت وصليت المغرب والعشاء
وقفت لوهلة أتخير أحد السريرين
ثم عالجت الفائز منهما علاجاً، لو عولج به غيره، لعولج علاجاً لم يعالج به غيره…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحباً بالجميع مرة أخرى
نستهل إن شاء الله من حيث انتهينا في شهر رمضان
تقبل الله من الجميع قيامه وصيامه
وكل عام وأنتم بخير
صباح الأربعاء الموافق للخامس عشر من شهر أكتوبر
كانت مغادرتي لذلك الفندق المليء بالحيوانات المحنطة
لم تكد تتحرك السيارة حتى شاهدت على ما يبدو رجل وزوجته، وهما كبيري السن
كانا يتجها إلى باب الفندق ويشيران إلى المركبة موجهي الحديث إليّ ويبتسمان
لم يكونا يتحدثا الإنجليزية ولم أفهمهما إلا بصعوبة
أنهما تشيكيان وكانا يتعجبان اغتباطاً من كون السيارة تشيكية
وأظن لسان حالهما كان يقول
أي جنون هذا؟ يقود سيارة من التشيك إلى هنا!
وبالفعل فلم أشاهد هنا سيارات إلا من فنلندا والدنمارك والنرويج بالطبع
ودعتهما وانطلقت إلى جناني، اسوس فيه الطرق واسبر غورها
منذ اليوم السابق لم يعد البحر يرافقني إلا ما ندر
فأنا أسير في منتصف الذيل النرويجي بين الحدود السويدية وبحر النرويج باتجاه الجنوب بالطبع
ولكن مفارقة المياه في هذه الأراضي يكاد يكون من المستحيلات
فإن انت ابتعدت عن شاطئ البحر، جاورت شاطئ بحيرة أو نهر، لا محالة
وكما تجري عليه العادة كنت أقف بين الحين والآخر
أشاهد وانسخ ما أستطيع من الجمال الرباني
عند اقتراب المساء، كانت بعض الغيوم تلوح لي في الأفق البعيد جنوباً
وككل مساء في هذه المناطق لا بد للزائر من تناول شيء من فاكهتها
ولكن تلك السحب البعيدة لا محالة ستحول بيني وبين تلك الفاكهة
فقلت يجب عليّ أن أجد مكاناً لأقف فيه وأصور الأورورا
وأنا كذلك، وإذا أنا بهذا الموقف الكبير والغريب!
لا ارشادات لا تخطيط للمواقف، لا شيء البتة
مساحة ضخمة مسفلتة في منطقة نائية وفقط!
ولكنها كانت لي كمائدة طعام من النوع الفاخر والمريح والتي تزيد من شهيتك للطعام
أوقفت المركبة وبدأت أجهز الكاميرا استعداداً لتلك الأضواء الخلابة
كان هناك الكثير من الوقت ولكن والحمد لله فإن المركبة كانت مليئة بالوقود، فليس هنا قلق بهذا الصدد
فالمركبة ستكون قيد التشغيل حتى يحين موعد التصوير فالبرد قارص
أعددت كوباً من القهوة واسترخيت بانتظار ان تودعني شمس ذلك اليوم
لقد زرت والحمد لله الكثير من دول العالم في مختلف القارات، ولكني لم ازر اليابان بعد!
ماذا اريد أن أقول؟..
الحقيقة هي أن أغلى بلد زرته إلى الآن هو النرويج!
الغلاء هنا فاحش، وذكر القهوة هو ما نبهني لذكر هذا الغلاء
كان يكلفني كوب القهوة الصغير اثنان وثلاثين ريالاً، وذلك من الأماكن العامة وليست المقاهي الفاخرة!
وهذا ما حدا بي لشراء إناء ماء وكوب قهوة حافظين للحرارة
ومن ثم ابتعت زجاجة من قهوتي المفضلة نسكافيه الذهبية
وبذلك وفرت الكثير والكثير من النقود، فكوب القهوة مرافق لي على الدوام ولا يفارقني أبدا
ومع ذلك، كنت أدفع قيمة الماء الساخن عند فراغ العبوة!
غربت الشمس، وبدأ الظلام يلف المكان وأنا أرقب السماء
كان الظلام حالكاً وقد تأخر الوقت ولكني لم أرى شيئاً البتة
أطفئت محرك المركبة ونزلت أصور عل وعسى أن أجد شيئا
ولكني وجدت ما كدر خاطري بالفعل
أكثر من ساعتان من الانتظار في هذا المكان المقفر البارد ذهبت سدى
اظهرت لي الصورة سرعة جريان تلك السحب والتي بلغتني وغطت السماء من فوقي تماماً
حمدت الله وعدت إلى الطريق
لم أفقد الأمل بعد، وكنت اقود على مهل علني أجد ثغرة هنا أو هناك في تلك السحب
كنت كذلك حتى حل بي التعب وكنت حينها اعبر مدينة موشيان
شاهدت فندقاً لا أعلم كيف يكتب اسمه وهو "Fru Haugans Hotel"
كانت الحركة كثيفة في بهو الفندق
وبالتالي لم تكن هناك غرف شاغرة
لا أعلم كيف كانت تعابير وجهي حين علمت بذلك
ولكن حين هممت بالانصراف أوقفتني الموظفة وقالت
توجد غرفة واحدة شاغرة، دعني أريك إياها
اصطحبتني تلك الثلاثينية إلى خارج الفندق، إلى بيت من الخشب ملاصق له
فتحت الباب وصعدت بي إلى الأعلى
ثم ارتني غرفة وقالت إن سعر هذه أغلى من غرف الفندق
ثم أخذت بسرد تاريخ المبنى، متى بني ومن بناه وما إلى ذلك
ومن ثم بدأت تعدد أسماء بعض من سكنوا هذه الغرفة من الشخصيات الهامة والشهيرة على مر السنين
وكأن ذلك كان يعني لي شيئاً!
حقيقة كانت تعدد الأسماء وكنت انا أحاول أن أتذكر اسم الطيب التي تضعه
لم تكن رائحته غريبةً على الإطلاق، ولكني لم أنجح
بعد أن اغتسلت وصليت المغرب والعشاء
وقفت لوهلة أتخير أحد السريرين
ثم عالجت الفائز منهما علاجاً، لو عولج به غيره، لعولج علاجاً لم يعالج به غيره…
صباح اليوم وبعد تناولي لوجبة الإفطار غادرت الفندق والسعادة تغمرني
كان مزاجي معتدلاً جداً
هل تظنون أن أشباح أولئك المشاهير الذين سكنوا تلك الغرفة لها دور؟
قد تكون آثارهم أو شيء ما يتعلق بهم له تأثير معين!
ألا تعتقدون ذلك؟
همم... هذا هو إذاً سبب رفع الأسعار لمثل هذه الغرف!
فأنت لا تدفع أجر الغرفة فقط، بل تدفع مقابل تأثير تلك الشخصيات عليك!
آه لو أجد إحدى الغرف والتي نام فيها أينشتاين أو بوش مثلاً
أصبح عبقرياً أو رئيساً، رائع وجميل، اليس كذلك؟
مهلاً...
كيف لو محيت آثارهم ولم يتبقى منها مثلاً إلا جنون أينشتاين أو حماقة بوش!
إممم…
الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى
طريقنا اليوم لازال على ما هو
يعبر الاستطالة النرويجية في وسطها
متوازياً مع كل من الحدود السويدية وبحر النرويج
طبعاً وبما أن المزاج في أحسن حالاته ( يا لها من غرفة )
بدأت أمازح رفيقتي لبعض الوقت
أبدلت الطريق الرئيسي بأخرى فرعية أغمر عبابها على غير هدى
كل ذلك وحسنائي تلك لا تيأس
بعد مائتين وخمسين متراً انعطف يميناً... بعد كيلو متراً واحداً التف إن أمكن
وهكذا لا تصمت أبداً
لن أنعطف... ليس شأنك... قولي ما شأت لن أسمع كلامك… أسكتي يا هذه
كنت وإياها كذلك حتى أصبحت أسير في طريق ترابي!
وبعدها بفترة من الزمن وإذا أنا بهذا الجسر!
هذا الجسر هو ما تشاهدوه في الفلم عند الدقيقة الحادية عشر تماماً
ما تشاهدوه في الفلم هو ما حدث تماماً
كنت أسير ولا أبالي حتى أدخلت مقدمة السيارة الجسر
وإذا بأجراس إنذار السيارة ترن من كل مكان!
توقفت
ثم عدت للخلف
ترجلت من السيارة ورحت أقلب الأمر
جسر ضيق جداً جداً وخشبي!
رحت أتساءل بيني وبين نفسي إن كان هذا بني للمركبات أم للمشاة والدراجات؟
نظرت إلى الأسفل وإذا بنهر جارٍ لا يستهان به
حقيقة اصابني الوجل
هل أعبر أم أعود
نظرت إلى الأرض أسفل مني وإذا بآثار اطارات المركبات جلية
ولكن ما أدراني متى كانت آخر مركبة عبرت هذا الجسر؟
وهل هي مركبة عادية أم من نوع خاص صغير يستخدم هنا؟
ألقيت نظرة أخرى إلى النهر…
لا، لا، لا
لا مجال البتة من النجاة إن وقع مكروه لا سمح الله
لقد تلوت أذكار الصباح، لم كل هذا القلق إذاً؟
هذا ما كنت أشجع به نفسي
ثم إن العلامة الإرشادية الوحيدة الموجودة تحذر من ارتفاع المركبة فقط
لم يكن هناك تحذير من وزن أو حجم أو ما شابه ذلك
توكلت على الله وعبرت
كانت ثواني العبور قليلة، ولكن لساني لهج فيها بكل ما أحفظ وزيادة!
بعد ذلك أكملت طريقي وكنت كالولد المطيع لرفيقتي تلك
الصورتان الأخيرتان تم التقاطهما بعد الساعة الثانية ظهرا
هل لاحظتم الشمس؟
ذلك هو أقصى ارتفاع لها على مدار اليوم
هل تذكرون ما حدثتكم عنها من قبل؟
هي هكذا طيلة اليوم لا تفارق زجاج المركبة الأمامي
تشرق من يساره وتغرب عن يمينه
بالطبع ذلك في حال اتجاهك جنوبا، أما المتجه شمالاً فالشمس في ظهره طوال يومه
أنوه هنا مرة أخرى على ضرورة استخدام النظارات الشمسية
( رجاءً يا طارق، ما هي للبيع )
كان هناك القليل من الصور لهذا اليوم
أعرض لكم بعضها
واصلت مسيرتي لهذا اليوم وقد عاد مزاجي للاعتدال بعد عبور ذلك الجسر
ولا مجال للشك في أن طاعتي كانت عمياء لرفيقتي
كنت وإياها كذلك حتى حل المساء
وصلت قرية كفام حيث اخترت نزلاً فيها
كان عبارة عن موتيل يقع على البحيرة ويحتوي إضافة للغرف على بعض الكبائن
تتبعت الخرائط إليه حتى انعطفت في الطريق المؤدي إليه
وكان أول ما واجهني متجر كووب
ومن خلف المتجر يظهر الموتيل وكبائنه الصغيرة
وهذه صورة له
يدير النزل عائلة تقطن الطابق السفلي منه
اما الطابق الثاني فيحتوي على خمس غرف على ما أعتقد ومطبخ
كل غرفة تحتوي على حمام أكرمكم الله، أما مكان الاستحمام فهو مشترك
استقبلتني فتاة لم تتجاوز العشرين من سني عمرها، تقطن المنزل المجاور للموتيل مع طفليها!
كانت تعاون والديها في إدارة هذا الموتيل والتي تعود ملكيته لهما
صعدت بي إلى الأعلى وخيرتني بين الغرف
كنت النزيل الوحيد هنا!
والأهم لا يوجد طعام!
المطبخ متكامل والمتجر على بعد خطوات!
لم أخبرها طبعاً أني أجهل حتى سلق البيض
كان هناك باب مجاور تماماً لباب غرفتي لم ندخله
سألتها عنه
فتحته فإذا هي شرفة صغيرة تطل على البحيرة في غاية اللطافة
أول ما بدر بذهني حينها الأورورا، فسألتها إن كانت تشاهد هنا؟
أطلقت ضحكتها تلك مشيرة ناحية البحيرة وقالت إنها تملؤ السماء هنا
طربت لذلك كثيراً
أخيراً سأتمكن من تصوير أضواء الشمال من المنزل
وداعاً للبرد… وداعاً للخوف... وأهلاً براحة البال والتمتع فقط
ذهبت إلى المتجر وابتعت ما يأكل وزدت شيئاً للإفطار
عند حلول الظلام جهزت كاميرتي وخرجت إلى الشرفة أترقب أضواء الشمال
كنت كلما غلبني البرد أعود إلى الغرفة
التقطت الكثير من الصور لكن دون جدوى
ظللت على هذا الحال حتى غلبني النعاس
ذهبت إلى سريري... إلى الدفء
إلى……
كانت الأجواء رائعة صباحاً
السماء صافية لليوم الثاني على التوالي
كم كنت اتمنى مثل هذه الأجواء في ألتا
التقطت هاتان الصورتان بكاميرا الجوال من مدخل الموتيل
أو ما يسمى بالتراس وأنا أرتشف قهوتي
مكان هادئ وجميل
خلفي تماماً البحيرة وأمامي تل جميل
شرفة ملاصقة لغرفتي
المتجر على بعد خطوات
اشعر ببعض الإنهاك
لا… لا...
لن أغادر اليوم
سأبقى ليوم آخر لأستجم قليلا
كان كل ذلك يدور في ذهني وأنا أستمتع بمذاق القهوة الغنية بطعمها
هاي
وكانت تلك تحية تلك الفتاة والتي كبحت بها جماح أفكاري
قالتها وجلست
دار بيننا حديث طويل كان معظمه عنها وعن عائلتها
تجاذبنا أطراف الحديث ببساطة وبلا تكلف وفي نهايته
استفسرتُ عن أفضل الأماكن القريبة من هنا لأقضي بعض الوقت فيها
فأشارت عليّ بزيارة مدينة ستاينكير والتي تبعد عنهم قرابة العشرون كيلو مترا
رحبت بالفكرة…
ثم سألتها إن كان بإمكانها أن تخبر والدتها برغبتي بتناول عشاءً نرويجياً عائلي في منزلهم
متحملاً لكافة التكاليف وللجميع إن لزم الأمر
فأجابت مؤكدة عدم ممانعة والدتها ذلك إن لم تكن مرتبطة بأمر ما
افترقنا على أن تخبرني برد والدتها عند عودتي من المدينة
من أشد الأمور التي أحرص عليها في سفري قدر المستطاع، هو استضافة أحدهم لي في منزله
أن تزور بلد ما، هو ليس إلا تزود بالثقافة والمعرفة ناهيك عن المتع المصاحبة له
تستمتع بالطبيعة وترقب المدن، تدخل اسواقها، تشاهد قاطنيها، تتعرف على بعض عاداتهم
فما بالك لو دخلت منازلهم وأكلت من طعامهم!
أن تشاهد قوم أمر، وأن تخالطهم أمر آخر
لم آلو جهداً أبداً في فعل ذلك في كل بلد أزوره
عدت إلى غرفتي وملأت قدح القهوة وانطلقت إلى ستاينكير
مدينة صغيرة جداً وجميلة
جمالها في بساطتها
تجولت بالسيارة فيها حتى شاهدت سوقاً كبيرا
تسكعت فيه حتى داهمني الجوع
تناولت غدائي ثم قفلت عائداً إلى كفام
استوقفني هذا المنظر في طريق عودتي
عند وصولي مررت بمتجر كووب
لفت انتباهي جورب سميك صنع من الصوف كما كتب عليه
ابتعته بخمس وخمسين ريالاً، لا يساوى في نظري الخمسة ريالات، ولكن قلت أجرب
وصلت الموتيل وعند صعودي الدرج استوقفتني الفتاة
وأخبرتني بموافقة والدتها وأن العشاء سيكون عند تمام التاسعة!
كان بالطبع بدون مقابل رغم كل المحاولات
عند حلول الظلام واستغلالاً للوقت حتى الساعة التاسعة، أخذت كامرتي إلى البحيرة
قلت سأجرب وأصور من هنا
كم هي جميلة هذه البحيرة
ولكن في النهار فقط، أما الآن فهي موحشة قافرة حالكة!
كنت أصور فقط، لم أشاهد الأورورا
عند التاسعة كنت في منزل الأسرة
كانت الفتاة ووالديها باستقبالي
ادهشتني حفاوتهم بي، لم أكن أتوقعها خاصة وأنا من طلب العشاء
جلسنا إلى مائدة الطعام والمكونة من سلطة خضراء وطبق حلويات
وطبق آخر به شيء من الخضار مخلوط معه بطاطس مهروسة
والسمك والبطاطس المقليان
الطعام بشكل عام لا بأس به
أما السمك فكأني اتناوله في أحد المطاعم المنتشرة في لندن والمسماة فش اند شيبس
دام مكوثي معهم قرابة الساعة ونصف
كانت الحرب طاحنة بيني وبينهم خلالها في إدارة دفة الحديث
كنت أوجه الدفة صوب النرويج فينحرفون بها صوب العرب والمسلمين
طبعاً لا شك كانت هزيمتي نكراء، فقد كانوا ثلاثة مقابل واحد
كان لديهم شغف لمعرفة من نحن وما نكون وما هي عاداتنا وتقاليدنا
هل هو انغلاق نرويجي أم هي هذه العائلة فقط بحكم وجودها في هذه القرية؟
حقيقة لا أعلم
بعد العشاء مباشرة كنت في الشرفة أحاول أن أجد وأصور الأورورا
خلال ذلك خرج من المنزل والد الفتاة
نظرت إلى الأسفل وألقيت عليه تحية وداع
رد التحية ثم التفت مرة أخرى إلي وسألني عما أفعل!
قلت له أصور الأورورا، أنت تعلم ذلك!
فرد بقوله الذي صعقني وقال
ولكن يجب عليك أن تصور شمالاً ها هنا
هااا
كان ذلك ردي، وبالعربية!
تسمرت في مكاني، وفُغر فاهي
يا إلاهي..
كيف سمحت لتلك الفتاة أن تبرمج تصرفاتي وبإشارة من يدها هكذا وبكل بساطة!
لم أتحقق حتى من الاتجاهات، أخذت أصور حيث أشارت وحسب
كنت أصور جنوباً!
برد ومعاناة وسهر ليلة الأمس كلها ضاعت سدى!
عدت إلى رشدي والتقطت الكاميرا من حاملها وأخذت أصور وهي في يدي
كنت أريد أن أرى اخضراراً فقط
وبالفعل هذا ما رأيته
كان الضوء الأخضر في غاية الوضوح
وكان التل بمثابة عائق
توجب عليّ حينها التحرك لمكان آخر
وبالفعل ركبت سيارتي وانطلقت حتى التففت حول التل
أطفأت محرك السيارة وبدأت أصور
وها أنا ذا أعود مرة أخرى إلى الرعب والبرد
وتلك الصور والتي بلا تركيز خير برهان
كان جسدي كله ينتقض
ولاكن ولأول مرة كانت قدماي تشعران بالدفء
إنه ذلك الجورب والذي ابتعته من كووب
عزيزي القارئ
إن أفضل صديق لك في أجوائك الحارة هو عدوك الأول هنا
القطن…
بالفعل، القطن هو من أفضل ما نلبسه نحن
ولكن ها هنا في مثل هذه المناطق، هو الأسوأ على الإطلاق
مهما كان ما تلبسه سميكاً فإنه لن يزيدك إلا بردا
تخيل نفسك في عز الشتاء تقف في الصحراء والرياح شديدة عارياً!
هذا ما أشعر به الآن
المناطق هنا رطبة جداً بالإضافة إلى برودتها
وكل ما يفعله القطن هو امتصاص تلك الرطوبة
تخيل بعدها مرور تلك الرياح الباردة جداً جدا
ستكون كمن يتدثر من البرد بالجليد
عزيزي
إن كنت تفكر بالسفر إلى مثل هذه الأجواء
فعليك بالصوف، والمارينو هو اجوده
طبعاً الحديث هنا عن كامل اللبس، الداخلي منه والخارجي
هذا إذا أردت أن تستمتع بكامل سفرتك
أما إن لم تكن من أصحاب النشاطات الخارجية
وسفرتك لا تتجاوز سيارة وفندق وسوق، فأنت وشأنك
حديثي هذا ليس فلسفةً وإنما هو عن واقع تجربة
لقد عانيت الأمرين من البرد في سفرتي هذه
وشتان بينها وبين سفرتي الثانية في هذا العام في شهر فبراير الشديد البرودة
كنت أصور وهي أقل من ثمان عشرة درجة تحت الصفر ولم أشعر بالبرد كما أشعر به الآن!
بعد أن شارفت على الهلاك عدت إلى غرفتي إلى الدفء
وما أن نعمت به حتى عاد حنيني لتلك الأضواء
خرجت إلى الشرفة والتقطت بعضاً من الصور
هل لاحظتم كيف أن الأضواء ترى في الأفق البعيد ولم تعد في كبد السماء؟
هذا لأننا الآن لسنا في أقصى الشمال كما كنا في ألتا
طبعاً لو كانت درجتها أعلى قليلاً، كان من الممكن مشاهدتها في كامل السماء
الآن دعوني من فضلكم أنعم بالدفء قليلاً وسألقاكم لاحقا