لبنان الأرز

دودو

:: مسافر ::
إنضم
4 مارس 2017
المشاركات
501
مستوى التفاعل
7
النقاط
0
العمر
40
الإقامة
مصر
c0d87cec5da8080f596535d0030ed7bf.jpeg
منذ القديم والأرز ولبنان توأمان. وما زالت غابة أشجار الأرز الألفية تشكل إحدى أبرز المناطق السياحية اللبنانية. ويمكن بلوغ منطقة الأرز إنطلاقاً من البقاع أو من الساحل. فالطريق الأولى تنطلق من بلدة “دير الأحمر” الواقعة عند السفوح الشرقية من سلسلة جبال لبنان الغربية, فتتسلق منعطفاتها المشرفة على سهل البقاع. وكلما اقتربت الطريق من القمة, ازداد الهواء نقاء والجو انتعاشاً وأصبح بالمكان مشاهدة بعض المثلجات الصغيرة التي بقيت صامدة في وجه حرارة الصيف. ومع بلوغ القمة ينفتح أمام الناظر مشهد رائع يمتد ليشمل غابة الأرز ومحطة التزلج وليغوص في أعماق “وادي قاديشا” ويصل إلى البحر, غير أنّ هذه الطريق الجميلة تبقى مقفلة في فصل الشتاء بسبب تراكم الثلوج عليها.
أما الطريق الأخرى، وهي الأقصر، فتنطلق من “شكا” إلى “بشرى”, ومنها تتشعب إلى طريقين يوصلان كلاهما إلى بقعة الأرز التي لا تبعد عن “بشرى” أكثر من سبعة كيلومترات. فالأولى, وهي طريق قديمة، تمتاز بتعرجاتها الضيقة, تسمح للزائر ببلوغ “مغارة قاديشا” وهو في طريقه إلى الأرز. أما الأخرى, فهي أكثر حداثة وتجهيزاً بحيث أنها تبقى سالكة في أيام الشتاء. وأياً كانت الطريق, فسينعم الزائر بالمخاطر الخلابة, لاسيما عندما يبدأ الضباب بالتوغل في أحشاء الوديان.
بالوصول إلى “الأرز” تطالعك الفنادق والمطاعم والملاهي التي تؤلف مركز استجمام يعمل على مدار السنة، ويلجأ إليه الهاربون من الحر والرطوبة صيفاً والراغبون في التزلج على الثلج شتاءً. ولا تبعد غابة الأرز أكثر من كيلومتر واحد عن هذا المركز, عبر طريق تقوم على جانبيها المطاعم الصغيرة ودكاكين التذكارات.
وتؤدي هذه الطريق عينها إلى مركز التزلج الذي يبلغ ارتفاعه 2.066متراً فوق سطح البحر, ومن بعده إلى البقاع.
الأرز في التاريخ
لقد فعل التاريخ فعله في أرز لبنان ولم بترك فيه إلاّ غابة صغيرة يمكن اعتبارها بمثابة ذخيرة متبقية من الغابات القديمة التي كانت تغطي الجبل والتي كانت تتألف بغالبيتها من الأرز والسرو والصنوبر والسندباد.
لعب الأرز دوراً بارزاً في ثقافة الشرق الأدنى القديم, كما في تجارته وطقوسه الدينية، بحيث ورد ذكره في التوراة وفي نصوص قديمة أخرى.
وقد بدأ استثمار أخشاب الأرز بشكل مكثف منذ الألف الثالث (ق.م.) عندما أخذت مدن الساحل الكنعان يتصدره إلى مصر. وكان هذا الخشب يشكل جزءاً رئيسياً من الجزية التي كانت المدن – الدويلات الكنعانية – الفينيقية تدفعه عبر العصور المتعاقبة إلى غزاتها الاشوريين والبابليين والفرس.وكان الفينيقيون يصنعون منه سفنهم، كما أنّ سليمان طلب من حيرام الصوري تزويده بكميات منه لبناء قصره وهيكله. وفي إحدى الكتابات التي خلفها، يفاخرالملك الأشوري “سنحارب” (715-681)ق.م.) بأنّه توغل في أعالي جبال لبنان وقطع بيديه أجمل أرزاته وسرواته وأعظمها. وكذلك فعل من بعده الملك البابلي “نابو قد نصر” (605-562 ق.م.), وكان القدماء يرغبون في الأرز بسبب عبيره ومتانته وطول جذوعه, فيستعملون خشبه في بناء السفن كما في سقف القصور والمعابد, ناهيك عن استعمال زيته في طقوس التحنيط وصمغه كمادة عازلة.
وفي غضون القرن الثاني الميلادي, عمد الامبراطور الروماني “هادريانوس” (117-138م) إلى اتخاذ تدابير من شأنها حماية عدد من أصناف الأشجار التي كانت تنمو في جبال لبنان.وقد أوكل إلى عدد من فرق المساحة بمسح الأحراج والغابات بهدف تحديد الأصناف التي كان قطعها ممنوعاً والتي كانت تعتبر بمثابة محمية امبراطورية, وهي الأرز والصنوبر والعرعر والسنديان. وما تزال صخور جبال لبنان تحمل ما يزيد عن مئتي كتابة من تلك الكتابات المرقومة التي كان من شأنها تذكير حطابي تلك الأيام بواجباتهم. ومن المؤسف حقاً أن يعمد بعض القرويين والرعاة والحطابين إلى تدمير هذه الرُقُم أو تشويهها أو نسفها ظناً منهم بأنها إشارات تدلّ على كنوز دفينة!
بيد أنّ الاهتمام الذي أبداه “هادريانوس” بغابات لبنان لم يدم طويلاً, فأخذت الغابات تتعرى من غطائها الأخضر وأخذت الأخشاب طريقها إلى المواقد والمشاحر وأتاتين الكلس. واستغلت الغابات استغلالاً واسع النطاق في غضون القرن التاسع عشر، وأصبحت في أثناء الحرب العالمية الأولى مصدراً رئيسياً للأخشاب اللازمة لمد خط سكة الحديد التي أنشأها الجيش البريطاني لوصل طرابلس بحيفا.
c0d87cec5da8080f596535d0030ed7bf.jpeg
الأرز
لم يعد لبنان يحتفظ إلاّ بعدد محدود من أجمات الأرز المبعثرة في أرجائه. ومن خصائص هذه الأشجار أنها تنمو على ارتفاعات تتراوح بين 1500م, و2000م. فوق سطح البحر. ومن بين تلك الأجمات, في محافظة لبنان الشمالي, محمية “حرش إهدن” الطبيعية وأجمة “حدث الجبّة”, وأجمة “تنورين”. أما محافظة جبل لبنان, ففيها إحدى أقدم الأجمات التي جرى استغلالها في العصور القديمة وهي أجمة “جاج” في قضاء جبيل, التي لم يبق منها إلاّ عدد محدود من الأشجار المنتشرة فوق القمم المشرفة على البلد. وتذخر منطقة الشوف بأجمة أرز “الباروك” التي يزيد عمر أشجارها على (350) سنة, وهي أحسن حالاً وأفضل حماية من جميع أجمات الأرز اللبنانية على الإطلاق, تضاف إليها أجمتا “عين زخلتا” و”معاصر الشوف” في المنطقة عينها.
وأشهر الأجمات على الإطلاق أجمة “بشري” المعروفة باسم “أرز الرب”, وأرزاتها أقدم أشجار الأرز في لبنان, ومن شأنها إعطاء صورة عما كانت عليه تلك الغابات التي اشتهر بها لبنان في العصور القديمة. ومن تلك الأشجار (375) شجرة يصل عمرها إلى بضعة مئات من السنين, من بينها أربعة أرزات يصل ارتفاعها إلى 35م, وقطرها إلى ما بين 12 و14م. وتمتاز هذه الأشجار باستقامة جذوعها وبأغصانها العظيمة المروحية الشكل التي تنبسق متعامدة مع الجذوع.
بالإضافة إلى تلك الأشجار الوقورة هناك ألوف من الأشجار الأصغر سناً, وقد غرست منذ عقود أو سنوات بهدف تأمين استمرارية هذا الإرث الوطني. ولابد من الإشارة إلى أنّ الأرزة شجرة بطيئة النمو وقد يلزمها ما لا يقل عن أربعين سنة لتبدأ بطرح بذور منتجة.
c0d87cec5da8080f596535d0030ed7bf.jpeg
التزلج في الأرز
قد يفوق مركز التزلج في الأرز سائر مراكز التزلج في لبنان بروعة مشاهده ونوعية ثلجه. وتنتظم مسارب التزلج على منحدرات مدرج طبيعي يحتفظ بثلوجه طيلة نحو خمسة أشهر, بين كانون الأول (ديسمبر) ونيسان (أبريل) من كل عام.
وتعود بدايات رياضة التزلج على الثلج في الأرز إلى أيام الانتداب، عندما أقام الجيش الفرنسي مدرسة تزلج على مقربة من أجمة الأرز، وما تزال منشآتها قائمة وهي اليوم تابعة للجيش اللبناني. وفي المركز خمسة مصاعد تؤمن وصول المتزلجين إلى أعالي المسارب, بالإضافة إلى بعض المصاعد والمسارب المخصصة للأطفال, ومن الممكن الحصول على معدات التزلج من المحلات المخصصة لذلك في المركز, ناهيك عن المدربين المحترفين.
والمركز مجهز بعدد من الفنادق والمطاعم ومحلات بيع المأكولات السريعة، بالإضافة إلى ما تقدمه المنشآت المماثلة في بلدة “بشري” التي لا تبعد عن المركز أكثر من ربع ساعة.
c0d87cec5da8080f596535d0030ed7bf.jpeg
منطقة الأرز
تذخر منطقة الأرز بمواقع طبيعية وتاريخية مثيرة للاهتمام, وقد لا يلزم الزائر أكثر من نصف ساعة لينتقل من علو (3000) متر إلى ما دون (1000) متر حيث يبلغ أعماق وادي قاديشا. وتعج المنطقة بالأنهر والينابيع والشلالات والاشكال الطبيعية الأخرى إلى جانب الكنائس والأديار والصوامع الصخرية, ناهيك عن القرى المضيافة.
إذا سنح لك الوقت بذلك
من الممكن القيام بنزهة لزيارة القرى المشرفة على وادي قاديشا فانطلاقاً من بلدة “قناة” تطالعك بلدة “حدث الجبة” الواقعة على مشارف الوادي الجنوبية, وهي قرية ورد ذكرها فيعدد من نصوص القرن السادس للميلاد.
تلي “الحدث” قرية “الديمان” التي أصبحت منذ القرن التاسع عشرة مركز البطريرطية المارونية الصيفي. وتشرف هذه القرية على “دير قنوبين” الذي كان من قبل مركزاً لهذه البطريركية, ومنها يمكن بلوغ أعماق الوادي سيراً على الأقدام عبر درب شديد الانحدار.
على مسافة قريبة من “الديمان” تقع بلدة “حصرون” الواقعة على شقير الجوف المشرف على الوادي. وتمتاز هذه البلدة بمنازلها المبنية على الطراز المعماري اللبناني التقليدي وبسطوحها القرميدية الحمراء. وتنتشر فيها الكنائس القديمة وتحيط بمنازلها الجنائن الغناء. ومنها يمكن بلوغ أعماق الوادي عبر درب شديد الانحدار يوصل إلى عدد من الكنائس والصوامع الصغيرة الكهفية.
تلي “حصرون” بلدة “بقرقاشا” حيث تقودك طريق إلى قرية”بقاع كفرا” التي تقع على علو (1600) متر فوق سطح البحر, وهي من أجمل القرى اللبنانية المتميزة بمنازلها الريفية التقليدية, ناهيك عن أنها مسقط رأس “مارشربل”, أحد قديسي الموارنة المشهورين, وقد ولد فيها عام1828م.
ثم تصل الطريق الرئيسية إلى بلدة “بشري”, مسقط رأس “جبران خليل جبران” ومثواه الأخير, وفيها دير على اسم “مارسركيس” يقوم فيه متحف يضم أعمال الأديب الكبير الفنية.
بعد “بشري” تقودك الطريق إلى بلدة “حدشيت” الواقعة على شفير الحرف الصخري المشرف على الوادي,وهي بلدة ما زالت تحتفظ بمنازلها وأزقتها التقليدية وبعدد من كنائسها القديمة. ويمكن بلوغ أعماق الوادي عبر درب شديد الانحدار يوصل إلى عدد من الكنائس والصوامع الكهفية التي تكسو بعضها جدرانيات تعود إلى القرون الوسطى.
ومن شاء أن يحتفظ ببعض الذكريات وشراء بعض المحتويات المصنوعة من خشب الأرز,عليه أن يتوقف في بلدة “بلوزا” القريبة من “حدشيت”. ومنها يمكن إكمال الطريق باتجاه الأرز, أو سلوك بعض الدروب المؤدية على “الديمان” المقابلة أو إلى “دير قنوبين” القائم في قلب الوادي.
انطلاقاً من الطريق القديمة التي تصل “بشري” بالأرز, هناك درب يسير بمحاذاة الجرف الصخري ليصل إلى “مغارة قاديشا” التي يتفجر منها شلال عظيم يبلغ أوجه في فصل الربيع, وتزين داخل هذه المغارة ترسبات كلسية اتخذت أشكال صواعد ونوازل. وقد تمت إنارتها بحيث يتمكن الزوار من ولوجها والتمتع بمناظرها.
تسلق أعلى قمم لبنان
يمكن بلوغ “القرنة السوداء” التي يصل ارتفاعها إلى (3088) متر فوق سطح البحر سيراً على الأقدام إنطلاقاً من مركز التزلج في الأرز, وبعد السير نحو ساعتين بمحاذاة خط المصعد الكهربائي, يطالعك كوخ صغير يمكنك أن تنطلق منه باتجاه الشمال لتصل بعد نحو ساعة إلى القمة عبر درب تواكبها بعض المثلجات الصغيرة التي ما زالت تحتفظ بثلوج الشتاء السابق.
أما الطريق الأسهل لبلوغ القمة, فهي التي يمكن سلوكها بواسطة سيارات مجهزة بأربعة دواليب دافعة انطلاقاً من “ضهر القضيب”, وهي النقطة الأعلى على الطريق المؤدية من الأرز إلى بلدة “اليمونة” البقاعية.
ومن القمة, عند الموضع المشار إليه بمثلث معدني, يمكن مشاهدة الساحل اللبناني بطوله, وقد يمتد النظر في بعض الأوقات التي يكون فيها الجو مواتياً ليصل إلى جزيرة قبرص.
c0d87cec5da8080f596535d0030ed7bf.jpeg
وجبة غداء لا تنسى
قد تقودك هذه الرحلة الصيفية إلى ما بعد “القرنة السوداء”.. فإذا أكملت الطريق باتجاه سهل البقاع, فإنّك ستصل إلى الموضع الذي يقال له “عيون أرغش”, وهي بقعة تكثر فيها الينابيع والعيون التي تتفجر منها المياه الجليدية ويربى فيها سمك الأطروط أو “الترويت” وقد أقيم فيها عدد من المطاعم الصيفية.
 
أعلى