بوابة السفر الى
امريكا اللاتينية LATIN AMERICA
عنوان التقرير
امريكا الجنوبية على الدراجة الهوائية
يسعد أيامكم
سأشرع بنشر تقرير حول رحلة على الدراجة الهوائية قمت بها السنة الماضية عبر الشيلي و الأرجنتين
الجزء الأول
الفكرة
ما زلت أتذكر ذلك اليوم حين حطت بي الطائرة في مطار بوينوص أيرص لأول مرة. كان ذلك في 6 يناير 1999. وكانت أول مغامرة لاستكشاف أمريكا الجنوبية. سحرتني مميزات تلك البلاد من جمال طبيعتها، كرم سكانها وتعدد ثقافاتها وتقاليدها فأصبحت منذ ذلك الوقت الوجهة المميزة لقضاء إجازاتي. ونظرا لانعكاس الفصول بين النصف الشمالي والنصف الجنوبي من الكرة الأرضية، حيث أن فصل الشتاء في النصف الشمالي يوازيه فصل الصيف في النصف الجنوبي، فإنها أصبحت ملجئي المفضل للهروب من برد أروبا
منذ ذلك الحين كان لي لقاءآت متعددة مع أمريكا الجنوبية، لم تقتصر على السياحة فقط بل أنها شملت بحوثا ميدانية قمت بها أثناء دراستي بمعهد الدراسات الجنوب أمريكية في أمستردام
كنت كل مرة أجوب فيها تلك البلاد وأنتقل من مكان إلى آخر راكبا الحافلة أستاء نوعا ما من سرعة وتيرة السفر، وذلك أن كل شبر من الأماكن التي نمر بها تستحق وقفة قصيرة أو طويلة للإستمتاع بمميزاتها الطبيعية. أفضل هواياتي هي ركوب الدراجة الهوائية. لذلك فكرت يوما: لمالا أسافر إلى هناك بدراجتي وأقوم برحلة بطيئة ؟ في ذلك الحين ولدت الفكرة ولم يمض وقت طويل إلا وقد تمخظت الفكرة عن مشروع مدروس بكل تفاصيله، وبدأت الإستعدادات
رحلات الدراجة الهوائية
تعرفت على الدراجة الهوائية مباشرة بعد قدومي للإقامة في هولندة في التسعينيات من القرن الماضي. في البداية كنت أستعملها للتنقلات اليومية. إلا أنها سرعان ما تحولت إلى وسيلة للقيام بجولات ترفيهية خارج المدينة، خاصة في فصل الصيف حينما يكون الجوجميلا وتكون الطبيعة في أرقى حلتها. وكنت كل مرة أكتشف المزيد من المزايا التي يمتاز بها ركوب الدراجة الهوائية. فأية رحلة بالدراجة الهوائية تعتبرنزهة ورياضة في آنواحد. التنزه بالدراجة الهوائية له نكهة خاصة. الدراجة تجعلك تحس بالإنسجام مع المحيط الذي تتجول فيه وكأنك جزء منه. بإمكانك التوقف بكل سهولة عند كل صغيرة وكبيرة. ثم أن التجول بالدراجة يجعلك تتفادى كل مناطق الإزدحام والقلق، وتقوم بجولتك والأعصاب هادئة. أما من الناحية الجسمية، فإنك تحس في نهاية المطاف بالرضى عن لياقتك البدنية.
بعد الجولات الصغيرة، بدأت تستهويني المغامرة في رحلات طويلة فانطلقت في رحلات الآلاف كيلومتر. تتوفر أروبا على شبكة كثيفة من الطرق الخاصة بالدراجات الهوائية. وهناك طرق معروفة تمتد من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق تخترق عدة بلدان ولها شعبية كبيرة. وكانت اول تجربتي بهذه الطرق رحلة قمت بها عبر طريق الراين، وهو طريق يمر على ضفاف نهر الراين وينطلق من هولندة، يمر على ألمانيا وينتهي في سويسرا.
التخطيط والإستعداد
خريطة الطريق
بعد أن ولدت الفكرة وجدت نفسي أمام عدة خيارات: ما هي الدولة أو الدول التي ستكون مسرحا لرحلتي؟ الإختيار لم يكن سهلا. كل دول أمريكا الجنوبية تسحرني وكل واحدة لها خصاصيات منفردة. كانت مدة إجازتي ثلاثة أشهر. ولذلك كان علي أن أحسم في إقليم معين. والخيارات كانت على النحو التالي: 1 المكسيك و أمريكا الوسطى. 2 فنيزويلا، كولومبيا والإكوادور.3 الإكوادور، البيرو وبوليفيا. 4 الشيلي والأرجنتين. وأخيراوصلت إلى حل مرضي، وهو أن أبدأ في الجنوب، أي الأرجنتين والشيلي، وأتجه نحوالمكسيك في مراحل. وهذه ستكون المرحلة الأولى، وستتبع في السنوات القادمة بمراحلأخرى.
أثناء التخطيط لهذه المرحلة كان عندي محددين إثنين. أن تكون نقطة البداية هي مدينة أوشوايا في الأرجنتين، وأن تمر الرحلة عبر الطريق الجنوبي في الشيلي. فأوشوايا لها جاذبية خاصة كأقصى مدينة جنوبية على اليابسة. وهو مقصد مشهور عند هواة الدراجة الهوائية. كثيرون يبدؤون في أماكن متفرقة كل واحد حسب سعة جيبه ووقته ولكن المقصد يبقى دائما أوشوايا. أما الطريق الجنوبي في الشيلي فهي أيضا مشهورة عند الدراجين، وهي تعتبرذروة المغامرة. طوله 1250 كلم، منها 1000 كلم غيرمعبد. وتمتاز بطبيعته العذرية حيث آثار الإنسان قليلة جدا فطريقي يبدأ إذن في أوشوايا بالأرجنتين، ويتجه نحو الشمال الغربي ليلتقي بالطريق الجنوبي (الشيلي)، وهذه المرحلة أسميها مرحلة الرياح العاتية والقفار. اماالطريق الجنوبية بالذات فإنه يمكن تسميتها بمرحلة الأمطار والغابات الدائمة الإخضرار. ثم يعود الطريق من جديد إلى الأرجنتين ليصل إلى صان مارتن عبر طريق البحيرات السبع، الذي هو أيضا طريق جميل من حيث المناظر الطبيعية. وهنا تبدأ مرحلة الشمس الحارقة. هذه الرحلة إذن مغازلة للطبيعة وتحدي لها في آن واحد.
أما نقطة النهاية فلم تكن معروفة أثناء التخطيط. كان الحد الأدنى التقديري هومدينة صان مارتين على بعد نحو 3500 كلم عن نقطة الإنطلاق. وهناك كان سيبدأ تخطيط جديد حسب الوقت الذي سيتبقى لي. نظريا رشحت عدة مدن أخرى لتكون خط النهاية كميندوصا و صان خوان في شرق ووسط الأرجنتين أو بهواخو وخونين في إقليم بوينوص أيرص. كل شيء يتعلق بالحالة الصحية وتقلبات الطقس وتنوع التضاريس، وهي العوامل التي تحدد وتيرة التقدم في مثل هذه الرحلات.
معدات السفر
أما من ناحية المعدات، فالأسئلة التي كانت تواجهني هي: ما نوع الدراجة؟ ماذا عن الخيمة؟ كيس وحصيرة النوم؟ اللباس؟ أدوات المطبخ؟ الإلكترونيات من جهاز ملاحة وموسيقى ؟ قطع الغيار للدراجة؟ أدوات الإصلاح؟ فأنت في مثل هذه الرحلات تقضي وقتا طويلا في اماكن غير معمورة، حيث الإعتماد على النفس هي الطريقة الوحيدة لحل المشاكل. وفي المقابل هناك حد طبيعي لما يمكن أن تحمله معك. فأنت لا تسافر في سيارة ذات الدفع الرباعي بل على الدراجة الهوائية ولايمكن أن تحمل أكثر من طاقة ركبتيك. إذن فخفة الوزن مع الجودة العالية هماالمعياران الأساسيان الذان يجب أن يتوفرا في معدات هذه الرحلة.
فيما يخص الدراجة فالإختيار الرئيسي يكون بين الإطار الحديدي و إطار الألومنيوم. هذا الأخير يمتاز بخفة وزنه، ولكن إذا حدث وأنكسر فإن إصلاحه غير متوفر في كل الأماكن. من الصعب أن يتكسر الإطار، لكن قد يحدث وخاصة تحت ضغط الثقل والطرق السيئة أو نتيجة السقوط. ثم يأتي الخيار الثاني ويخص حجم العجلات: 26 أو 28 إنتش؟ الأولى تمتاز بصلابتها وتحملها للثقل بينما عجلاتها العريضة تعمل على توفير بعض الإستقرار فى الطرق الغير معبدة. أما الثانية فتمتاز بسرعتها على طرق الأسفلت. الخلاصة التي وصلت إليها هي أن للرحلة في أروبا تفضل دراجة الألومنيوم 28 إنتش. فهنا لا تحتاج إلى حمل معدات كثيرة، و في حالة كسر في الإطارفإمكانية تلحيمه متوفرة في كل مكان. أما إذا كنت تنوي السفر إلى أفريقيا، آسيا أوأمريكا الجنوبية فيفضل الحديد الصلب 26 إنتش. من هذه الفئة الأخيرة يوجد عدة أسماء في السوق الأروبية ككوغا - صانتوص - فاررادما نو فاكتور. استقر رأيي على الأخيرة. أما الأكياس فهم من أورتليب ويمتازون بمتانتهم ومقاومتهم للمياه
ثم الخيمة، فهي ستكون منزلي خلال معظم أيام الرحلة، أحيانا سوف لا يكون هناك أي خيار ثاني. إذن يجب أن تكون قادرة على مقاومة الرياح والأمطار. أما كيس وحصيرة النوم فيجب أن يكونا قادران على توفير النوم المريح. فيما يخص المطبخ فهناك مواقد خاصة لمثل هذه الأسفار. تشتغل بمعظم أنواع المحروقات. من الإلكترونيات أخذت معي جهاز ملاحة، آلة تصوير، ناوتبوك، مپ3. رغم أن الطريق لم يكن فيها أي تعقيد فإن جهاز ملاحة مفيد لتحديد الموقع أو لتقدير المسافات. لعل السؤال الذي يطرح الآن هو كيف يمكن شحن هذه الأجهزة في مناطق يقل فيها العمران والكهرباء؟ والجواب هو: دينامو العجلة.فباستعمال محول خاص يمكن شحن هذه الأجهزة الصغيرة بواسطة الطاقة التي يولدها الدينامو.
شيء مهم أيضا هو سلسلة لربط الدراجة، فقد اشتريت واحدة من آخر ابتكارات تكنولوجيا الأمن. إذ أنها تتوفر علي جهاز يتحسس أية حركة تقوم بها الدراجة فيصدر إنذار بقوة 110 دسبل.لكن لا أدري ماذا سوف أعمل إذا أيقظني هذا الجهاز في الخلاء يوما، ورأيت عصابة قد ذهبت بدراجتي. ربما المقصود هو أن أكون حاضرا لوداعها وإلقاء النظرة الأخيرة عليها، وهذا بطبيعة الحال إذا تركوني سالما!
أخيراً وصل اليوم الموعود. في 29ـ12ـ2012 كانت الحقيبة مجهزة والدراجة في صندوقها وأنا في تمام الإستعداد للذهاب إلى المطار. أسئلة كثيرة كانت تشغل بالي أهمها: هل سيتحقق الحلم أو على الأقل الحد الأدنى من الحلم وأصل بسلام إلى صان مارتن أو أبعد؟ هل ستواجهني مصاعب في الطريق؟ وهل أنجح في تجاوزها؟ هل ستتحمل الدراجة كل هذه المسافات بدون أعطاب؟
هذا ما سنتعرف عليه من خلال هذا التقرير الذي أضع بين أيديكم