إن أردت التعرف فعلاً على تونس، فعليك أن تنزل من سيارتك الفارهة والمكيفة، وتسير بين الناس في الشوارع، أو تستقل المواصلات العامة مثلهم.
ستكتشف أن مدينة سيدي بوسعيد إحدى الوجهات المفضلة لكثير من سكان العاصمة التونسية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بزيارة المناطق الثقافية والتراثية.
الوصول إليها سهل، كل ما عليك هو أن تعطي ظهرك لشارع الحبيب بورقيبة، الواقع بوسط العاصمة، وتتجه نحو «محطة تونس البحرية» لتستقل «ترامواي» أو ترام الخط البحري، الفريد بلونيه التركوازي والأبيض. وتبلغ سعر التذكرة الواحدة أقل من دينار تونسي (الدولار الأميركي يعادل نحو 3 دنانير تونسية)، وتبرز أهمية استقلال الترام التونسي البسيط في إمكانية التعرف عن قرب على الشخصية التونسية، عبر وجوه المواطنين والركاب، الي جانب الإطلالة المميزة على الحدائق والأشجار والبحيرات الملاصقة لشريط قضبانه الحديدية، طوال مدة الرحلة.
قبل وصول الترام إلى «سيدي بوسعيد»، يمر بنحو 10 محطات، أبرزها «حلق الوادي» و«البطاح» و«قرطاج» وغيرها، في مدة تستغرق نصف الساعة. بمجرد النزول من رصيف المحطة الصغيرة تجد نفسك وسط المدينة، التي تبهرك بألوانها الثلاثة التي لا رابع لها: أبيض يُزين كل حوائط البيوت من الخارج، وهو بمثابة خلفية هادئة للوحة كبيرة ومتناسقة، بينما يكسر اللون الأزرق في النوافذ والأبواب لون الصفحة البيضاء الواسعة. وأخيراً وليس آخراً، يُضفي اللون الأخضر على هذه اللوحة مزيداً من البهاء والنقاء والراحة، إذ لا تخلو جنبات المدينة من الأشجار الخضراء الوارفة. ويبدو واضحاً أن الأجهزة المحلية التونسية المسؤولة عن المدينة، لم تترك شيئاً لم تصبغه باللون الأزرق والأبيض، سوى الأرضية الحجرية، حتى اللقى الفخارية الموضوعة خارج المنازل الخاصة بأشجار الزينة، تم دهانها باللون الأزرق، لترسم تكويناً فنياً ومعمارياً يسر الناظرين، بينما تُبرز بشكل لافت، أبواب وشرفات البيوت العتيقة المعدنية والخشبية الزرقاء، والمزركشة باللون الأسود، ذات الطرز الإسلامية، وتُمثل ركناً أساسياً من أركان جمال سيدي بوسعيد، بما تمثله من روعة في التصميم والشكل.
ورغم أن درجات الشوارع الحجرية غير مستوية بشكل دقيق، فإن القائمين على المدينة راعوا عمليات صرف مياه الأمطار، وسير الدراجات في نهر الشوارع والأزقة.
بالصعود لأعلى، تتكشف رويداً معالم المدينة التراثية العريقة، التي توجد على بعد 20 كيلومتراً في الضاحية الشمالية من العاصمة التونسية، وتتوسط مُدن «حلق الوادي» و«الكرم» و«قرطاج» و«المرسى» و«قمرت».
بفضل موقعها على قمة منحدر صخري، تطل سيدي بوسعيد على مدينة قرطاج وخليج تونس، إذ يستطيع الزائر رؤية قصر قرطاج الرئاسي بسهولة، رغم الأشجار الضخمة المحيطة به، فتُظلله وتُسيجه في الوقت ذاته.
على تلة مرتفعة بصدر «سيدي بوسعيد» يُطل مسجد الغفران بمئذنة وقبة بيضاء رشيقة، يحسبه مسافر المنطقة للمرة الأولى مسجداً أثرياً عتيقاً؛ لكنه ليس كذلك، إنما يتمتع موقعه بفسحة خضراء تفصله عن الشارع الرئيسي المؤدي إلى قمة المدينة. ويجاور المسجد ضريح «سيدي الظريف» الذي تشير إليه لافتة بارزة بالشارع.
تعود نشأة سيدي بوسعيد لزمن الفينيقيين الذين أسّسوا مدينة قرطاج، وكان جبل سيدي بوسعيد يُسمى آنذاك «جبل المنار» أو «جبل المرسى». وقد استعمل هذا الجبل لمراقبة وتحصين قرطاج، وحمل اسم «سيدي بوسعيد» رسمياً عام 1893، ثم أُطلق هذا الاسم على المدينة، التي يعيش فيها نحو 6000 نسمة، لوجود ضريح بوسعيد بن خلف بن يحيى التميمي الباجي «أحد أولياء الله الصالحين» فيها، مع عدد آخر من مقابر «الأولياء»، فهم يحظون بأهمية كبيرة في التراث الشعبي العربي والإسلامي. وتحتوي المدينة أيضاً على أكثر من 500 مرقد وضريح، ويقام في المدينة احتفال سنوي يسمى «خرجة سيدي بوسعيد» تشارك فيه فرق من العيساوية التي تلقي القصائد والمدائح، مع الدفوف والبخور والزغاريد.
وليوم الجمعة من كل أسبوع خصوصية شديدة لدى سكان سيدي بوسعيد، والمناطق المجاورة، إذ يقصد كثير من الأشخاص ضريح «سيدي بوسعيد» لتناول وجبة غداء مجانية تقدم عقب صلاة الظهر، في جو روحاني وشعبي رائق.
أعلى قمة المدينة، يظهر مشهد «بانورامي» رائع، إذ تبرز فيه بعض البيوت البيضاء، وكأنها جزر متناثرة وسط بحيرة خضراء من الأشجار المتشابكة. كما يظهر بوضوح المرسى السياحي، وقصر قرطاج الرئاسي، ومياه البحر الأبيض المتوسط الزرقاء. ويعتمد اقتصاد المنطقة بشكل كبير على عوائد السياحة؛ حيث تعد سيدي بوسعيد من أبرز الوجهات السياحية التي تجذب آلاف السياح العرب والأجانب سنوياً.
وخلال السير نحو قمة المدينة تبرز معالمها التراثية الرائعة، مع ظهور البازارات السياحية على جانبي الشارع الرئيسي، الذي يقود نحو قمة المدينة وشوارعها الضيقة والملتوية. ويزيد من سحر «سيدي بوسعيد» احتضانها لأشجار التمر، والصبير (التين الشوكي)، وأزهار الياسمين.
إلى ذلك، فإن «سيدي بوسعيد» تعرف بأسواقها التقليدية، ومرافقها السياحية، كالفنادق، والمقاهي، والمطاعم التي تقدم أطباقاً محلية لا بد من تذوقها، مثل أكلتي المشموم التونسي، والبمبالوني، والكفتاجي، واللبلابي. وتتميز بأسعارها المناسبة طبقاً للقيمة المنخفضة لسعر الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية.
ومن أشهر معالم سيدي بوسعيد ما يعرف بقصر «النجمة الزهراء»، الذي بناه الكونت الإنجليزي «إرلانجر»، وتحول لاحقاً إلى متحف يعرض الآلات الموسيقية، وتقام فيه حفلات الموسيقى الكلاسيكية والعربية.
همسة
> بينما يحتفي المواطنون التوانسة بالزوار العرب والأجانب في كثير من المواقع، يلجأ متحايلون إلى البحث عن أفكار مبتكرة للنصب على الغرباء. فبعضهم يجيد سرعة التعارف والتقرب من الزوار الجدد، الذين يتعرفون إليهم بسهولة من وسط الآلاف لاختلاف اللهجة والشكل. ويأتي التحايل غالباً في صورة طلب أموال للمساعدة، أو عرض المساعدة للوصول إلى قمة المدينة، كنوع من الترحيب بالضيوف، وفي منتصف الجولة يطلبون مقابلاً مادياً.
ستكتشف أن مدينة سيدي بوسعيد إحدى الوجهات المفضلة لكثير من سكان العاصمة التونسية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بزيارة المناطق الثقافية والتراثية.
الوصول إليها سهل، كل ما عليك هو أن تعطي ظهرك لشارع الحبيب بورقيبة، الواقع بوسط العاصمة، وتتجه نحو «محطة تونس البحرية» لتستقل «ترامواي» أو ترام الخط البحري، الفريد بلونيه التركوازي والأبيض. وتبلغ سعر التذكرة الواحدة أقل من دينار تونسي (الدولار الأميركي يعادل نحو 3 دنانير تونسية)، وتبرز أهمية استقلال الترام التونسي البسيط في إمكانية التعرف عن قرب على الشخصية التونسية، عبر وجوه المواطنين والركاب، الي جانب الإطلالة المميزة على الحدائق والأشجار والبحيرات الملاصقة لشريط قضبانه الحديدية، طوال مدة الرحلة.
قبل وصول الترام إلى «سيدي بوسعيد»، يمر بنحو 10 محطات، أبرزها «حلق الوادي» و«البطاح» و«قرطاج» وغيرها، في مدة تستغرق نصف الساعة. بمجرد النزول من رصيف المحطة الصغيرة تجد نفسك وسط المدينة، التي تبهرك بألوانها الثلاثة التي لا رابع لها: أبيض يُزين كل حوائط البيوت من الخارج، وهو بمثابة خلفية هادئة للوحة كبيرة ومتناسقة، بينما يكسر اللون الأزرق في النوافذ والأبواب لون الصفحة البيضاء الواسعة. وأخيراً وليس آخراً، يُضفي اللون الأخضر على هذه اللوحة مزيداً من البهاء والنقاء والراحة، إذ لا تخلو جنبات المدينة من الأشجار الخضراء الوارفة. ويبدو واضحاً أن الأجهزة المحلية التونسية المسؤولة عن المدينة، لم تترك شيئاً لم تصبغه باللون الأزرق والأبيض، سوى الأرضية الحجرية، حتى اللقى الفخارية الموضوعة خارج المنازل الخاصة بأشجار الزينة، تم دهانها باللون الأزرق، لترسم تكويناً فنياً ومعمارياً يسر الناظرين، بينما تُبرز بشكل لافت، أبواب وشرفات البيوت العتيقة المعدنية والخشبية الزرقاء، والمزركشة باللون الأسود، ذات الطرز الإسلامية، وتُمثل ركناً أساسياً من أركان جمال سيدي بوسعيد، بما تمثله من روعة في التصميم والشكل.
ورغم أن درجات الشوارع الحجرية غير مستوية بشكل دقيق، فإن القائمين على المدينة راعوا عمليات صرف مياه الأمطار، وسير الدراجات في نهر الشوارع والأزقة.
بالصعود لأعلى، تتكشف رويداً معالم المدينة التراثية العريقة، التي توجد على بعد 20 كيلومتراً في الضاحية الشمالية من العاصمة التونسية، وتتوسط مُدن «حلق الوادي» و«الكرم» و«قرطاج» و«المرسى» و«قمرت».
بفضل موقعها على قمة منحدر صخري، تطل سيدي بوسعيد على مدينة قرطاج وخليج تونس، إذ يستطيع الزائر رؤية قصر قرطاج الرئاسي بسهولة، رغم الأشجار الضخمة المحيطة به، فتُظلله وتُسيجه في الوقت ذاته.
على تلة مرتفعة بصدر «سيدي بوسعيد» يُطل مسجد الغفران بمئذنة وقبة بيضاء رشيقة، يحسبه مسافر المنطقة للمرة الأولى مسجداً أثرياً عتيقاً؛ لكنه ليس كذلك، إنما يتمتع موقعه بفسحة خضراء تفصله عن الشارع الرئيسي المؤدي إلى قمة المدينة. ويجاور المسجد ضريح «سيدي الظريف» الذي تشير إليه لافتة بارزة بالشارع.
تعود نشأة سيدي بوسعيد لزمن الفينيقيين الذين أسّسوا مدينة قرطاج، وكان جبل سيدي بوسعيد يُسمى آنذاك «جبل المنار» أو «جبل المرسى». وقد استعمل هذا الجبل لمراقبة وتحصين قرطاج، وحمل اسم «سيدي بوسعيد» رسمياً عام 1893، ثم أُطلق هذا الاسم على المدينة، التي يعيش فيها نحو 6000 نسمة، لوجود ضريح بوسعيد بن خلف بن يحيى التميمي الباجي «أحد أولياء الله الصالحين» فيها، مع عدد آخر من مقابر «الأولياء»، فهم يحظون بأهمية كبيرة في التراث الشعبي العربي والإسلامي. وتحتوي المدينة أيضاً على أكثر من 500 مرقد وضريح، ويقام في المدينة احتفال سنوي يسمى «خرجة سيدي بوسعيد» تشارك فيه فرق من العيساوية التي تلقي القصائد والمدائح، مع الدفوف والبخور والزغاريد.
وليوم الجمعة من كل أسبوع خصوصية شديدة لدى سكان سيدي بوسعيد، والمناطق المجاورة، إذ يقصد كثير من الأشخاص ضريح «سيدي بوسعيد» لتناول وجبة غداء مجانية تقدم عقب صلاة الظهر، في جو روحاني وشعبي رائق.
أعلى قمة المدينة، يظهر مشهد «بانورامي» رائع، إذ تبرز فيه بعض البيوت البيضاء، وكأنها جزر متناثرة وسط بحيرة خضراء من الأشجار المتشابكة. كما يظهر بوضوح المرسى السياحي، وقصر قرطاج الرئاسي، ومياه البحر الأبيض المتوسط الزرقاء. ويعتمد اقتصاد المنطقة بشكل كبير على عوائد السياحة؛ حيث تعد سيدي بوسعيد من أبرز الوجهات السياحية التي تجذب آلاف السياح العرب والأجانب سنوياً.
وخلال السير نحو قمة المدينة تبرز معالمها التراثية الرائعة، مع ظهور البازارات السياحية على جانبي الشارع الرئيسي، الذي يقود نحو قمة المدينة وشوارعها الضيقة والملتوية. ويزيد من سحر «سيدي بوسعيد» احتضانها لأشجار التمر، والصبير (التين الشوكي)، وأزهار الياسمين.
إلى ذلك، فإن «سيدي بوسعيد» تعرف بأسواقها التقليدية، ومرافقها السياحية، كالفنادق، والمقاهي، والمطاعم التي تقدم أطباقاً محلية لا بد من تذوقها، مثل أكلتي المشموم التونسي، والبمبالوني، والكفتاجي، واللبلابي. وتتميز بأسعارها المناسبة طبقاً للقيمة المنخفضة لسعر الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية.
ومن أشهر معالم سيدي بوسعيد ما يعرف بقصر «النجمة الزهراء»، الذي بناه الكونت الإنجليزي «إرلانجر»، وتحول لاحقاً إلى متحف يعرض الآلات الموسيقية، وتقام فيه حفلات الموسيقى الكلاسيكية والعربية.
همسة
> بينما يحتفي المواطنون التوانسة بالزوار العرب والأجانب في كثير من المواقع، يلجأ متحايلون إلى البحث عن أفكار مبتكرة للنصب على الغرباء. فبعضهم يجيد سرعة التعارف والتقرب من الزوار الجدد، الذين يتعرفون إليهم بسهولة من وسط الآلاف لاختلاف اللهجة والشكل. ويأتي التحايل غالباً في صورة طلب أموال للمساعدة، أو عرض المساعدة للوصول إلى قمة المدينة، كنوع من الترحيب بالضيوف، وفي منتصف الجولة يطلبون مقابلاً مادياً.