بقيادة «انغريد»، المرشدة السياحية السويدية الشقراء، وفي حافلة أنيقة، طافت مجموعة من السياح الأميركيين على قصرين ملكيين في ستوكهولم:
الأول: قصر «دروتننغهولم» (جزيرة الملكة) الذي بني في القرن السابع عشر، وتعيش العائلة المالكة فيه، وهو من الآثار التاريخية في قائمة منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة.
الثاني: قصر «كونغليغا سلوتر» (القصر الملكي) الذي بني في القرن السادس عشر، وهو القصر الرسمي، حيث تجرى الاستقبالات الرسمية. وهو من أكبر قصور أوروبا، به 1,430 غرفة.
وقالت المرشدة السياحية إن تاريخ العائلة المالكة في السويد يعود إلى القرن العاشر. في ذلك الوقت، قسمت العائلة المالكة السويد إلى إمارات، وعينت أميرا لكل إمارة. في البداية، كان الأمير هو الحاكم الفعلي. لكن، في وقت لاحق، قلت سلطته الفعلية. وقلت، أيضا، سلطة الملك والملكة الفعلية.
تتكون العائلة المالكة، في الوقت الحاضر، من الملك غوستاف، والملكة سلفيا، والأميرة فيكتوريا (ولية العرش)، والأمير كارل، والأميرة ماديلين، والأميرة بريجتا (أخت الملك)، والأمير دانيال (زوجة ولية العرش)، والأميرة استيل (بنت ولية العرش).
ورغم أن السويد واحدة من أكبر الدول الأوروبية مساحة، فهي واحدة من أقل الدول الأوروبية سكانا (عشرة ملايين فقط). وهي ملكية دستورية، يرأسها الملك. لكنه لا يحكم فعليا.
وحسب أرقام المرشدة السياحية، والتي قالت إنها أرقام الأمم المتحدة، السويد هي الأولي في العالم في «الحكم الرشيد». والثالثة في «الرخاء» (الاستقرار، والرضا، والطمأنينة). والثالثة في «المساواة» (قلة الفرق بين متوسط دخل الأغنياء ومتوسط دخل الفقراء). والتاسعة في متوسط دخل الفرد.
* رخاء وإباحية
* في اليوم الذي سبق وصول السفينة السياحية العملاقة «أميرالد برنسيس» (التابعة لشركة «برونسيس كروز»)، التي تحمل أكثر من ثلاثة آلاف سائح، أغلبيتهم أميركيون، إلى ستوكهولم، وفي مسرح السفينة الضخم، قدم بيون تيبياك، أستاذ متقاعد من جامعة أوبسالا السويدية، محاضرة عن السويد.
وبدأ بسؤال: «ما أول شيء يخطر ببالك عندما تسمع كلمة السويد»؟
قال البعض: «ويلفير» (الرعاية الاجتماعية). وقال آخرون: «بيرميسيفنيس» (الإباحية).
وعلق: «هكذا يقول كل أجنبي اسأله هذا السؤال». وتندر: «إذا بدأت بالحديث عن الجنس، ستنصرفون بعد نهايته. لهذا، أبدأ بالحديث عن الرعاية الاجتماعية».
لماذا نجحت الرعاية الاجتماعية؟
قال إن نفس الشيء ينطبق تقريبا على بقية دول اسكندنافيا (النرويج، الدنمارك، فنلندا).
ويوجد سببان رئيسان:
أولا: لم تشترك هذه الدول في حروب خلال أغلبية تاريخها الحديث. منذ سنة 1800، لم تشترك السويد في أي حرب. واشتركت بعض جاراتها في حروب قصيرة، أو وضعت عليها من الخارج (غزوات روسيا، أو ألمانيا، أو فرنسا). وطبعا، يخفض غياب الحرب نصيب القوات المسلحة في الميزانية السنوية، ويحول جزءا أكبر من الميزانية إلى التعليم، والصحة، والبنيات التحتية، والتصنيع.
ثانيا: تمارس هذه الدول «رأسمالية إنسانية». (يمكن أن تسمى «رأسمالية معتدلة» أو «رأسمالية اشتراكية» أو «ديمقراطية اشتراكية»).
وعن النقطة الثانية قال: «يحتار كثير من الاقتصاديين في تفسير رخاء تسيطر عليه الحكومة، بينما تجتاح العالم فلسفة الرخاء بإطلاق العنان للبنوك والشركات». وأضاف: «لكن هذه فلسفة ظهرت، أو عادت، في الثمانينات في أميركا وبريطانيا. وسميت الرأسمالية الفردية».
* أميركيون يحتجون
* لكن، أثار هذا الرأي نقاشا مع سياح أميركيين، واعترض عليه بعضهم. لكن، لم يغير البروفسور المتقاعد رأيه. وشرح الآتي:
أولا: في الولايات المتحدة، ظهرت «ريغانوميكس»: نظرية الرئيس رونالد ريغان الاقتصادية بأن الحكومة هي المشكلة. وقوله: «حرية أن يصير الشخص غنيا واحدة من الحريات الأميركية الأساسية».
ثانيا: في بريطانيا، ظهرت «ثاتشريزم»: نظرية رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر بأن هناك سببين لبطء التنمية الاقتصادية: ملكية الحكومة لمؤسسات ومصانع، وسيطرة نقابات العمال على هذه. وقالت ثاتشر إن الحل هو تحويل المؤسسات الحكومية إلى القطاع الخاص. وإن هذا يحقق هدفين في نفس الوقت: زيادة المنافسة، وإضعاف نقابات العمال.
وكأنه يتحدى الأميركيين أمامه، قال إن السويد، وجاراتها، تثبت خطأ «ريغانوميكس» و«ثاتشريزم». وبينما ركز ريغان وثاتشر على «الرأسمالية الفردية»، تركز السويد، وجاراتها، على «الرأسمالية الإنسانية».
* الاستقلالية
* وعن موضوع الإباحية، قال إنه، وبقية السويديين، لا يسمونها كذلك. ويفضلون «الفردية» أو «الاستقلالية»، أي إن كل شخص، رجلا أو امرأة، يحق له أن يفعل ما يريد، «ما دام لا يؤذي الآخرين»: يقول ما يريد، ويعمل ما يريد، ويلبس ما يريد، ويمارس الجنس كما يريد.
وقال إنه يتحاشى كلمة «فردية» لأنها سلبية، ويفضل كلمة «استقلالية» لأنها إيجابية: شخص حر مستقل يفعل ما يريد.
وقال إن الفردية مجرد سلوك شخصي، وليست نظرية. وفرق بين كلمتين:
الأولى: «إنديفيديوال» (فردي)، وهي مجرد سلوك شخصي.
الثانية: «إنديفيديواليزم» (الفردية)، وهي نظرية وفلسفة (مثل الشيوعية والنازية). وهي أقرب إلى الأنانية، وحب الذات.
ونفى أن هذه هي طبيعة السويديين، والشعوب المجاورة.
وفرق، أيضا، بين كلمتين:
الأولى: «إنديبندانس» (مستقل). أي إن الشخص يمكن أن يكون «مستقلا» في موقف معين.
الثانية: «إنديبندانيسزم» (الاستقلالية). وقال إن هذه فلسفة ونظرية. وهي تعني أن الشخص يمكن أن يكون فرديا وإنسانيا في نفس الوقت.
وقال إن السويديين، وجيرانهم، من أكثر الشعوب فردية، لكنهم أكثر الشعوب إنسانية. وقدم دليلين: النظام الاجتماعي الإنساني الذي أسسوه، والمساعدات الخارجية، خاصة لدول العالم الثالث الفقيرة. وقال إن أرقام الأمم المتحدة توضح أن السويد هي الأولى في نسبة المساعدات الخارجية إلى الدخل القومي. وتعمد أن يقول للسياح الأميركيين إن أميركا هي الدولة التاسعة عشرة (رغم ضخامة المساعدات الأميركية، نسبتها قليلة بالمقارنة مع دخلها القومي).
* هنريك ابسين
* في اليوم التالي، كان خمسون سائحا تقريبا يجوبون شوارع ستوكهولم في حافلة فاخرة، بينما تشرح انغريد، المرشدة السياحية. وعندما وقفت الحافلة أمام حديقة، أشارت إلى تمثال، وقالت إنه للروائي السويدي «التقدمي» جوان سترندبيرغ (توفي عام 1912). وأسهمت في الحديث عنه.
وقالت: إذا كان هنريك ابسين (توفي عام 1906)، مؤلف رواية «ادولز هاوي» (بيت اللعبة) هو أبو الأدب النرويجي الحديث، فإن سترندبيرغ (توفي عام 1912) هو أبو الأدب السويدي الحديث.
الأول «شكسبير النرويج»، والثاني «شكسبير السويد».
وقالت إن الاثنين اشتهرا، وسببا مشكلات، لأن كثيرا من رواياتهما كانت فيها «إباحية جنسية».
* غريبة!
* مثل البروفسور السويدي المتقاعد في السفينة السياحية، سارعت المرشدة السياحية السويدية، وقالت، وكأنها تكرر ما قال هو: الأجانب يسمونها «إباحية جنسية». لكننا نسميها «استقلالية».
وقالت إن كلا من ابسين وسترندبيرغ، مع بداية القرن العشرين، كتبا عن أشياء ما كانت تكتب، وخاصة العلاقات الجنسية. وبينما دافع كل واحد عن نفسه بالقول إن المشكلات الجنسية لا تحل إلا بالحديث عنها علنا، قال ناقدوهما إن الجنس موضوع خاص، وليس موضوعا عاما.
رواية «ادولز هاوس» (بيت اللعبة) عن «نورا»، الزوجة التي هربت من زوجها وأولادهما، وقالت: «أريد أن أكون حرة لأقدر على اكتشاف نفسي. أريد أن أعرف، حقيقة، من أنا». وكتب ابسن: «في مجتمعاتنا، لا تقدر المرأة على أن تكون حرة حقيقة. هذه مجتمعات يسيطر عليها الرجال. الرجل هو الخصم والحكم، هو ممثل الاتهام والقاضي». وفي سلسلة محاضرات قبل موته، كرر أنه لا يدعو إلى حرية جنسية للمرأة. لكنه يدعو لاستقلالية المرأة لتفعل ما تريد. ومثل الاسكندينافيين الذين تحدثنا معهم خلال هذه الرحلة، قلل ابسن، قبل مائة سنة تقريبا، من استعمال «إباحية جنسية». وفضل «استقلالية».
* سترندبيرغ
* مثلما قال ابسين قبل مائة سنة تقريبا، ومثلما قال البروفسور السويدي المتقاعد في السفينة، ومثلما قالت المرشدة السويدية في الحافلة، قال سترندبيرغ، قبل مائة سنة تقريبا، نفس الشيء: «استقلالية المرأة، لا إباحيتها».
وقال إن أهم أنواع الاستقلالية هي استقلالية التفكير، واستقلالية العقيدة، واستقلالية السلوك الاجتماعي، وتأتي «الاستقلالية الجنسية» في أسفل القائمة.
كتب ذلك في مقدمة طويلة لرواية «قيتنغ ماريد» (تزوجت). هذه مجموعة روايات صغيرة، بطلاتها نساء تزوجن. بعضهن كنت سعيدات في زواجهن، وبعضهن لم يكن سعيدات. وهناك رواية عن زواج سحاقيتين (مثليتين). ورواية عن زواج رجل بصبي.
كان ذلك في عام 1884، وأثارت الروايات ضجة. وأمرت ملكة السويد بعدم نشرها، وبمحاكمة المؤلف. وعندما عاد المؤلف إلى السويد ليمثل أمام المحكمة، استقبلته مظاهرات تأييد ضخمة. في وقت لاحق، أعلنت المحكمة براءته، وسمحت الملكة بنشر مجموعة من الروايات.
* كاتدرائية
* عند زيارة كاتدرائية ستوكهولم، تحدثت المرشدة «انغريد» عن دور الدين في السويد، خاصة، وفي دول اسكندنافيا، بصورة عامة.
وقالت إنه، قبل ألفي سنة تقريبا، دخلت المسيحية أوروبا. وقبل خمسمائة سنة تقريبا، انقسمت إلى كاثوليك وبروتستانت، ودفع الانفتاح عجلة الحضارة (التعليم، والعلم). وقبل مائة سنة تقريبا، بدأت تضعف (بسبب الحضارة نفسها). وفي الوقت الحاضر (حيث وصلت الحضارة قمتها) ضعفت أكثر من أي وقت في تاريخها هناك.
وسألها سائح أميركي، يبدو أنه غيور على المسيحية: «ماذا سيحدث للمسيحية في أوروبا بعد مائة سنة؟ وبعد ألف سنة؟ هل ستختفي؟».
وأجابت عليه بسؤال: «لماذا تتوقع أنها ستختفي؟ لماذا لا تتوقع أن يحدث فيها إصلاح ثان (إشارة إلى الإصلاح الديني في القرن الـ16، بقيادة القس الألماني مارتن لوثر)؟ وتفلسفت: لماذا لا؟ إذا كان الإصلاح الأول بسبب الغلو في الدين، يمكن أن يكون الإصلاح الجديد بسبب الابتعاد عن الدين».
وقالت المرشدة السياحية إن السويديين كانوا وثنيين، يعبدون الصنم. ثم صاروا مسيحيين (القرن 11). وصار الملك رأس «سفنيسكا كيركان» (كنيسة السويد الرسمية)، وكأنه ممثل الله في السويد. ثم تركوا الكاثوليكية، وتحولوا إلى البروتستانتية اللوثرية، إشارة إلى القس مارتن لوثر (القرن 16). ثم تحررت اللوثرية أكثر، وألغت قانونا يعلن أن كل من يترك المسيحية مرتد، ويحل قتله (القرن 19). ثم زادت العلمانية (القرن 20). ثم انفصلت الدولة نهائيا عن المسيحية (القرن 21):
أولا: لم يعد الملك رأس الكنيسة.
ثانيا: لم يعد في السويد دين رسمي.
ثالثا: صارت كل كنيسة تدير شؤونها، من دون مساعدات من الحكومة.
رابعا: صارت علاقة كل سويدي بربه علاقة خاصة.
الأول: قصر «دروتننغهولم» (جزيرة الملكة) الذي بني في القرن السابع عشر، وتعيش العائلة المالكة فيه، وهو من الآثار التاريخية في قائمة منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة.
الثاني: قصر «كونغليغا سلوتر» (القصر الملكي) الذي بني في القرن السادس عشر، وهو القصر الرسمي، حيث تجرى الاستقبالات الرسمية. وهو من أكبر قصور أوروبا، به 1,430 غرفة.
وقالت المرشدة السياحية إن تاريخ العائلة المالكة في السويد يعود إلى القرن العاشر. في ذلك الوقت، قسمت العائلة المالكة السويد إلى إمارات، وعينت أميرا لكل إمارة. في البداية، كان الأمير هو الحاكم الفعلي. لكن، في وقت لاحق، قلت سلطته الفعلية. وقلت، أيضا، سلطة الملك والملكة الفعلية.
تتكون العائلة المالكة، في الوقت الحاضر، من الملك غوستاف، والملكة سلفيا، والأميرة فيكتوريا (ولية العرش)، والأمير كارل، والأميرة ماديلين، والأميرة بريجتا (أخت الملك)، والأمير دانيال (زوجة ولية العرش)، والأميرة استيل (بنت ولية العرش).
ورغم أن السويد واحدة من أكبر الدول الأوروبية مساحة، فهي واحدة من أقل الدول الأوروبية سكانا (عشرة ملايين فقط). وهي ملكية دستورية، يرأسها الملك. لكنه لا يحكم فعليا.
وحسب أرقام المرشدة السياحية، والتي قالت إنها أرقام الأمم المتحدة، السويد هي الأولي في العالم في «الحكم الرشيد». والثالثة في «الرخاء» (الاستقرار، والرضا، والطمأنينة). والثالثة في «المساواة» (قلة الفرق بين متوسط دخل الأغنياء ومتوسط دخل الفقراء). والتاسعة في متوسط دخل الفرد.
* رخاء وإباحية
* في اليوم الذي سبق وصول السفينة السياحية العملاقة «أميرالد برنسيس» (التابعة لشركة «برونسيس كروز»)، التي تحمل أكثر من ثلاثة آلاف سائح، أغلبيتهم أميركيون، إلى ستوكهولم، وفي مسرح السفينة الضخم، قدم بيون تيبياك، أستاذ متقاعد من جامعة أوبسالا السويدية، محاضرة عن السويد.
وبدأ بسؤال: «ما أول شيء يخطر ببالك عندما تسمع كلمة السويد»؟
قال البعض: «ويلفير» (الرعاية الاجتماعية). وقال آخرون: «بيرميسيفنيس» (الإباحية).
وعلق: «هكذا يقول كل أجنبي اسأله هذا السؤال». وتندر: «إذا بدأت بالحديث عن الجنس، ستنصرفون بعد نهايته. لهذا، أبدأ بالحديث عن الرعاية الاجتماعية».
لماذا نجحت الرعاية الاجتماعية؟
قال إن نفس الشيء ينطبق تقريبا على بقية دول اسكندنافيا (النرويج، الدنمارك، فنلندا).
ويوجد سببان رئيسان:
أولا: لم تشترك هذه الدول في حروب خلال أغلبية تاريخها الحديث. منذ سنة 1800، لم تشترك السويد في أي حرب. واشتركت بعض جاراتها في حروب قصيرة، أو وضعت عليها من الخارج (غزوات روسيا، أو ألمانيا، أو فرنسا). وطبعا، يخفض غياب الحرب نصيب القوات المسلحة في الميزانية السنوية، ويحول جزءا أكبر من الميزانية إلى التعليم، والصحة، والبنيات التحتية، والتصنيع.
ثانيا: تمارس هذه الدول «رأسمالية إنسانية». (يمكن أن تسمى «رأسمالية معتدلة» أو «رأسمالية اشتراكية» أو «ديمقراطية اشتراكية»).
وعن النقطة الثانية قال: «يحتار كثير من الاقتصاديين في تفسير رخاء تسيطر عليه الحكومة، بينما تجتاح العالم فلسفة الرخاء بإطلاق العنان للبنوك والشركات». وأضاف: «لكن هذه فلسفة ظهرت، أو عادت، في الثمانينات في أميركا وبريطانيا. وسميت الرأسمالية الفردية».
* أميركيون يحتجون
* لكن، أثار هذا الرأي نقاشا مع سياح أميركيين، واعترض عليه بعضهم. لكن، لم يغير البروفسور المتقاعد رأيه. وشرح الآتي:
أولا: في الولايات المتحدة، ظهرت «ريغانوميكس»: نظرية الرئيس رونالد ريغان الاقتصادية بأن الحكومة هي المشكلة. وقوله: «حرية أن يصير الشخص غنيا واحدة من الحريات الأميركية الأساسية».
ثانيا: في بريطانيا، ظهرت «ثاتشريزم»: نظرية رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر بأن هناك سببين لبطء التنمية الاقتصادية: ملكية الحكومة لمؤسسات ومصانع، وسيطرة نقابات العمال على هذه. وقالت ثاتشر إن الحل هو تحويل المؤسسات الحكومية إلى القطاع الخاص. وإن هذا يحقق هدفين في نفس الوقت: زيادة المنافسة، وإضعاف نقابات العمال.
وكأنه يتحدى الأميركيين أمامه، قال إن السويد، وجاراتها، تثبت خطأ «ريغانوميكس» و«ثاتشريزم». وبينما ركز ريغان وثاتشر على «الرأسمالية الفردية»، تركز السويد، وجاراتها، على «الرأسمالية الإنسانية».
* الاستقلالية
* وعن موضوع الإباحية، قال إنه، وبقية السويديين، لا يسمونها كذلك. ويفضلون «الفردية» أو «الاستقلالية»، أي إن كل شخص، رجلا أو امرأة، يحق له أن يفعل ما يريد، «ما دام لا يؤذي الآخرين»: يقول ما يريد، ويعمل ما يريد، ويلبس ما يريد، ويمارس الجنس كما يريد.
وقال إنه يتحاشى كلمة «فردية» لأنها سلبية، ويفضل كلمة «استقلالية» لأنها إيجابية: شخص حر مستقل يفعل ما يريد.
وقال إن الفردية مجرد سلوك شخصي، وليست نظرية. وفرق بين كلمتين:
الأولى: «إنديفيديوال» (فردي)، وهي مجرد سلوك شخصي.
الثانية: «إنديفيديواليزم» (الفردية)، وهي نظرية وفلسفة (مثل الشيوعية والنازية). وهي أقرب إلى الأنانية، وحب الذات.
ونفى أن هذه هي طبيعة السويديين، والشعوب المجاورة.
وفرق، أيضا، بين كلمتين:
الأولى: «إنديبندانس» (مستقل). أي إن الشخص يمكن أن يكون «مستقلا» في موقف معين.
الثانية: «إنديبندانيسزم» (الاستقلالية). وقال إن هذه فلسفة ونظرية. وهي تعني أن الشخص يمكن أن يكون فرديا وإنسانيا في نفس الوقت.
وقال إن السويديين، وجيرانهم، من أكثر الشعوب فردية، لكنهم أكثر الشعوب إنسانية. وقدم دليلين: النظام الاجتماعي الإنساني الذي أسسوه، والمساعدات الخارجية، خاصة لدول العالم الثالث الفقيرة. وقال إن أرقام الأمم المتحدة توضح أن السويد هي الأولى في نسبة المساعدات الخارجية إلى الدخل القومي. وتعمد أن يقول للسياح الأميركيين إن أميركا هي الدولة التاسعة عشرة (رغم ضخامة المساعدات الأميركية، نسبتها قليلة بالمقارنة مع دخلها القومي).
* هنريك ابسين
* في اليوم التالي، كان خمسون سائحا تقريبا يجوبون شوارع ستوكهولم في حافلة فاخرة، بينما تشرح انغريد، المرشدة السياحية. وعندما وقفت الحافلة أمام حديقة، أشارت إلى تمثال، وقالت إنه للروائي السويدي «التقدمي» جوان سترندبيرغ (توفي عام 1912). وأسهمت في الحديث عنه.
وقالت: إذا كان هنريك ابسين (توفي عام 1906)، مؤلف رواية «ادولز هاوي» (بيت اللعبة) هو أبو الأدب النرويجي الحديث، فإن سترندبيرغ (توفي عام 1912) هو أبو الأدب السويدي الحديث.
الأول «شكسبير النرويج»، والثاني «شكسبير السويد».
وقالت إن الاثنين اشتهرا، وسببا مشكلات، لأن كثيرا من رواياتهما كانت فيها «إباحية جنسية».
* غريبة!
* مثل البروفسور السويدي المتقاعد في السفينة السياحية، سارعت المرشدة السياحية السويدية، وقالت، وكأنها تكرر ما قال هو: الأجانب يسمونها «إباحية جنسية». لكننا نسميها «استقلالية».
وقالت إن كلا من ابسين وسترندبيرغ، مع بداية القرن العشرين، كتبا عن أشياء ما كانت تكتب، وخاصة العلاقات الجنسية. وبينما دافع كل واحد عن نفسه بالقول إن المشكلات الجنسية لا تحل إلا بالحديث عنها علنا، قال ناقدوهما إن الجنس موضوع خاص، وليس موضوعا عاما.
رواية «ادولز هاوس» (بيت اللعبة) عن «نورا»، الزوجة التي هربت من زوجها وأولادهما، وقالت: «أريد أن أكون حرة لأقدر على اكتشاف نفسي. أريد أن أعرف، حقيقة، من أنا». وكتب ابسن: «في مجتمعاتنا، لا تقدر المرأة على أن تكون حرة حقيقة. هذه مجتمعات يسيطر عليها الرجال. الرجل هو الخصم والحكم، هو ممثل الاتهام والقاضي». وفي سلسلة محاضرات قبل موته، كرر أنه لا يدعو إلى حرية جنسية للمرأة. لكنه يدعو لاستقلالية المرأة لتفعل ما تريد. ومثل الاسكندينافيين الذين تحدثنا معهم خلال هذه الرحلة، قلل ابسن، قبل مائة سنة تقريبا، من استعمال «إباحية جنسية». وفضل «استقلالية».
* سترندبيرغ
* مثلما قال ابسين قبل مائة سنة تقريبا، ومثلما قال البروفسور السويدي المتقاعد في السفينة، ومثلما قالت المرشدة السويدية في الحافلة، قال سترندبيرغ، قبل مائة سنة تقريبا، نفس الشيء: «استقلالية المرأة، لا إباحيتها».
وقال إن أهم أنواع الاستقلالية هي استقلالية التفكير، واستقلالية العقيدة، واستقلالية السلوك الاجتماعي، وتأتي «الاستقلالية الجنسية» في أسفل القائمة.
كتب ذلك في مقدمة طويلة لرواية «قيتنغ ماريد» (تزوجت). هذه مجموعة روايات صغيرة، بطلاتها نساء تزوجن. بعضهن كنت سعيدات في زواجهن، وبعضهن لم يكن سعيدات. وهناك رواية عن زواج سحاقيتين (مثليتين). ورواية عن زواج رجل بصبي.
كان ذلك في عام 1884، وأثارت الروايات ضجة. وأمرت ملكة السويد بعدم نشرها، وبمحاكمة المؤلف. وعندما عاد المؤلف إلى السويد ليمثل أمام المحكمة، استقبلته مظاهرات تأييد ضخمة. في وقت لاحق، أعلنت المحكمة براءته، وسمحت الملكة بنشر مجموعة من الروايات.
* كاتدرائية
* عند زيارة كاتدرائية ستوكهولم، تحدثت المرشدة «انغريد» عن دور الدين في السويد، خاصة، وفي دول اسكندنافيا، بصورة عامة.
وقالت إنه، قبل ألفي سنة تقريبا، دخلت المسيحية أوروبا. وقبل خمسمائة سنة تقريبا، انقسمت إلى كاثوليك وبروتستانت، ودفع الانفتاح عجلة الحضارة (التعليم، والعلم). وقبل مائة سنة تقريبا، بدأت تضعف (بسبب الحضارة نفسها). وفي الوقت الحاضر (حيث وصلت الحضارة قمتها) ضعفت أكثر من أي وقت في تاريخها هناك.
وسألها سائح أميركي، يبدو أنه غيور على المسيحية: «ماذا سيحدث للمسيحية في أوروبا بعد مائة سنة؟ وبعد ألف سنة؟ هل ستختفي؟».
وأجابت عليه بسؤال: «لماذا تتوقع أنها ستختفي؟ لماذا لا تتوقع أن يحدث فيها إصلاح ثان (إشارة إلى الإصلاح الديني في القرن الـ16، بقيادة القس الألماني مارتن لوثر)؟ وتفلسفت: لماذا لا؟ إذا كان الإصلاح الأول بسبب الغلو في الدين، يمكن أن يكون الإصلاح الجديد بسبب الابتعاد عن الدين».
وقالت المرشدة السياحية إن السويديين كانوا وثنيين، يعبدون الصنم. ثم صاروا مسيحيين (القرن 11). وصار الملك رأس «سفنيسكا كيركان» (كنيسة السويد الرسمية)، وكأنه ممثل الله في السويد. ثم تركوا الكاثوليكية، وتحولوا إلى البروتستانتية اللوثرية، إشارة إلى القس مارتن لوثر (القرن 16). ثم تحررت اللوثرية أكثر، وألغت قانونا يعلن أن كل من يترك المسيحية مرتد، ويحل قتله (القرن 19). ثم زادت العلمانية (القرن 20). ثم انفصلت الدولة نهائيا عن المسيحية (القرن 21):
أولا: لم يعد الملك رأس الكنيسة.
ثانيا: لم يعد في السويد دين رسمي.
ثالثا: صارت كل كنيسة تدير شؤونها، من دون مساعدات من الحكومة.
رابعا: صارت علاقة كل سويدي بربه علاقة خاصة.