بريطانيا في أميركا

سامح

:: أدارة المنتدي ::
8 يناير 2011
12,179
16
89
48
طبعا، لم يكتشف البريطانيون الدنيا الجديدة. اكتشفها الإسبان، ثم البرتغاليون (سادة الاكتشافات العالمية في ذلك الوقت). لكن، ركز هؤلاء على أميركا الوسطى والجنوبية، وركزوا على مناجم الذهب.

بعد أكثر من مائة عام من اكتشاف الدنيا الجديدة، وصل أول المهاجرين البريطانيين. وإذا اهتم الإسبان بالذهب، ونشر المسيحية الكاثوليكية، اهتم البريطانيون بالتبغ، ونشر المسيحية البروتستانتية، الأكثر انفتاحا، والأكثر تركيزا على الحرية. وكانت ولاية ماساتشوستس منطلقهم نحو بقية الولايات المتحدة (من قبل تأسيس الولايات المتحدة). هنا تأسست أفكار مثل: «أميركان دريم» (الحلم الأميركي)، و«نيوفرنتيرز» (الحدود الجديدة)، و«ديستني مانفستو» (وثيقة القدر).

لهذا، ربما يفضل الذي يريد زيارة المعالم البريطانية في الولايات المتحدة أن يبدأ بولاية ماساتشوستس. ثم يتجه جنوبا، وغربا.



* صخرة «بليموث» (ولاية ماساتشوستس):

الذي يزور بوسطن، ربما يقدر على أن يسافر شمالا نحو «صخرة بليموث»، حيث نزل «الحجاج» البريطانيون إلى الدنيا الجديدة (عام 1620) من السفينة «مايفلاور». بينما يستعمل الأميركيون كلمة «مهاجرين» عن الذين هاجروا إلى هنا، يستعملون كلمة «بلقريمز» (حجاج) عن أولئك المهاجرين الأوائل، وذلك لأن هروبهم من بريطانيا كان بسبب الاضطهاد الديني.

هذه صخرة هامة بالنسبة للأميركيين. لكن، حتى يومنا هذا، يوجد جدل حول مصداقيتها. وحسب معلومات في المتحف القريب من الصخرة نفسها، سجلت أول إشارة مكتوبة (في صحف أو خطابات) عن الصخرة في عام 1715 (بعد مائة عام تقريبا من وصول أوائل المهاجرين). ويقال: إن الصخرة الحقيقية موجودة تحت الماء على مسافة قريبة. وهي الصخرة التي رست عليها السفينة، إذ لا يعقل أن تكون السفينة وصلت إلى البر مباشرة، حيث الصخرة الحالية.

هذه صخرة عملاقة، طولها خمسة عشر قدما. ومكتوب عليها «1620».

وبالقرب من «صخرة بليموث»، تقع «مزرعة بليموث»، أول مزرعة أسسها المهاجرون. هنا زرع المهاجرون الذرة وربوا الديك الرومي (ديك الحبش). وهنا أقاموا مأدبة «ثانكسغيفيغنز» (الشكر لله) التي صارت عيدا يحتفل به الأميركيون كل عام، حتى اليوم.



* بحيرة ثورو (ولاية ماساتشوستس):

يمكن اعتبار ولاية ماساتشوستس أكثر ولاية بريطانية من بين الولايات المتحدة. ليس فقط لأن أوائل المهاجرين البريطانيين جاءوا إلى هنا. ولكن، أيضا، لأن الفكر، والثقافة، والديمقراطية، والأساس المسيحي، والنظام الرأسمالي، كلها تأسست هنا. ثم انتشرت في بقية الولايات المتحدة (قبل تأسيس الولايات المتحدة).

الذي يزور بوسطن (عاصمة الولاية) ربما يقدر على زيارة كونكورد، المدينة الصغيرة القريبة. وزيارة بحيرة «والدين ثورو»، الأميركي البريطاني الذي ولد عام 1817 (كان الرئيس هو توماس جفرسون). ويعتبر ثورو أبو «يانيكيزم» (اليانكي: الحياة الحرة، المستقلة، المغامرة، المنظمة تنظيما دقيقا).

على جانب البحيرة، يوجد منزل ثورو، المكون من غرفة واحدة، والذي بناه بعد أن ترك المدينة، وقرر أن ينفذ فلسفته تنفيذا عمليا: يبتعد عن الناس، ليقدر على اختبار استقلاليته.

وهناك تمثال ثورو، وعليه عبارات اشتهر بها. منها:

أولا: «جئت إلى الغابة لأعيش حرا طليقا».

ثانيا: «إذا انعزل الرجل عن زملائه، ربما لأنه سمع صوت طبل مختلفا. دعوه يتابع صوت الطبل إلى حيث يقوده».

ثالثا: «طريقان تفرعا في الغابة. وأنا سرت على الطريق الذي لا يسير عليه الناس. وهكذا، صرت مختلفا».

لا بأس من هذه الاستقلالية والفردية. بسببهما كتب ثورو كتاب «العصيان المدني» (على الظلم والفساد. كجزء من عدم ثقته في الناس). وبعده بأكثر من مائة عام، سار على هذه الفلسفة مشاهير مثل: الهندي غاندي، والزنجي الأميركي مارتن لوثر كينغ.



* جيمستاون (ولاية فرجينيا):

إذا كانت ماساتشوستس هي الولاية البريطانية الأميركية الأولى بسبب نزول «الحجاج» البريطانيين فيها، تعتبر فرجينيا هي الثانية. جاء إليها أوائل المهاجرين البريطانيين عام 1607. قبل «حجاج» الولاية. لكن، لم يركز هؤلاء على الدين. بل ركزوا على التجارة مع بريطانيا. وخاصة في التبغ.

في الحقيقة، عرفت فرجينيا بعد ذلك بمائة عام، مع بداية المطالبة بالاستقلال عن بريطانيا. وذلك لأن عمالقة الحرية والاستقلال الأميركي من هنا، ومن أصول بريطانية. مثل: توماس جفرسون، جيمس ماديسون، جورج ماسون.

في كل الأحوال، بدأ استعمال كلمة «ولاية» رسميا بعد استقلال الولايات المتحدة. قبل ذلك كانت كل ولاية «مستعمرة» بريطانية.

وكانت «جيمستاون كولوني» (مستعمرة جيمستاون) أول المستعمرات البريطانية. وتقع بالقرب من ويليامزبيرغ، العاصمة، بعد أن توسعت مستعمرة جيمستاون وصارت مستعمرة فرجينيا. اليوم، صارت كلها مناطق سياحية، تسجل الماضي البعيد. وخاصة، علاقة المهاجرين البريطانيين مع سكان البلاد الأصليين، الهنود الحمر.

قبل عشرين سنة، سجلت أفلام «وولت ديزني» هذه العلاقة في فيلم «بوكاهونتاس». وهو عن علاقة غرامية، انتهت بالزواج، بين فتاة من الهنود الحمر بهذا الاسم، ومهاجر بريطاني هو جون سميث. فضلت الفتاة البريطاني على رجل من قبيلتها، قبيلة «بوهاتان».

البيت الأبيض (واشنطن):

من ماساتشوستس إلى فرجينيا، ومن فرجينيا إلى واشنطن العاصمة. تاريخيا، لا يوجد أثر بريطاني هنا. وذلك لأن واشنطن تأسست بعد استقلال الولايات المتحدة من بريطانيا (كانت العاصمة نيويورك، ثم فيلادلفيا).

لكن، يقول بعضهم إن البيت الأبيض أثر بريطاني. وذلك لأن البريطانيين، بعد ثلاثين عاما من استقلال الولايات المتحدة، حاولوا غزوها، وإعادتها إلى حظيرة إمبراطوريتهم. وفعلا، وصلت قواتهم (من كندا) إلى واشنطن العاصمة، وحرقت جزءا كبيرا من البيت الأبيض والكونغرس.

حسب وثائق يمكن أن يراها الزائر في متحف البيت الأبيض (قريب من البيت الأبيض)، تأخرت بريطانيا ثلاثين عاما قبل أن تحاول غزو الولايات المتحدة (المستقلة)، وذلك لأن بريطانيا انشغلت بالحروب مع القائد الفرنسي نابليون بونابرت، الذي تولى الحكم مع استقلال الولايات المتحدة. وتقول هذه الوثائق، أيضا، إن من أسباب الغزو زيادة نفوذ الولايات المتحدة (وفكرها الحر، وديمقراطيتها) في البحر الكاريبي والمحيط الأطلسي، حيث تقع مستعمرات بريطانية كثيرة (من برمودا إلى جامايكا).

تمثال شيرشل (واشنطن):

على شارع ماساتشوستس، في واشنطن العاصمة، توجد السفارة البريطانية، وهي واحدة من أكبر السفارات في واشنطن. وخارجها يقف تمثال ونستون شيرشل، رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

وتقول لافتة قرب التمثال إن قدم شيرشل اليمنى تقف على أرض السفارة، وتقف قدمه اليسرى على أرض واشنطن. كدليل على العلاقات القوية بين البلدين. وكدليل على أن شيرشل نفسه أميركي وبريطاني (والده بريطاني ووالدته أميركية). وكان منح الجنسية الأميركية «التشريفية».

وحسب متحف صغير تابع للسفارة، تأرجحت العلاقات بين البلدين، ما بين حرب الاستقلال وغزو الانتقام، إلى التحالف في الحربين العالمية الأولى والعالمية الثانية. وهناك صور ومعلومات عن الملك جورج السادس عندما زار الولايات المتحدة عام 1939. وكانت أول زيارة لملك بريطاني منذ استقلال الولايات المتحدة.

وهناك صور ومعلومات عن فرقة «بيتلز» (الخنافس) البريطانية عندما زارت الولايات المتحدة أول مرة عام 1964. وحتى اليوم، تعتبر الزيارة، وذكرياتها، جزءا هاما في العلاقات بين البلدين.

وأيضا: «الحرب ضد الإرهاب»، متمثلا في زيارة الأمير شارلز للولايات المتحدة للتعزية في ضحايا هجوم 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. وزيارة الرئيس بوش الابن للسفارة للتعزية في ضحايا هجوم 7 يوليو (تموز) عام 2005 في بريطانيا.



* بون (ولاية نورث كارولينا):

من واشنطن نحو ولايات الجنوب، تقع ولاية نورث كارولينا. ولا تذكر هذه إلا ويذكر المكتشف البريطاني دانيال بون. ولد قبل استقلال الولايات المتحدة بخمسين عاما تقريبا. «اكتشف» ولايات منها: نورث كارولينا، كنتاكي، إنديانا. ومثل غيره من «المكتشفين»، اشتبك في حروب مع سكان البلاد الأصليين، الهنود الحمر. لكن، تقول لافتة في متحف باسمه في مدينة «بون» (ولاية نورث كارولينا) إنه كان من أتباع طائفة «كويكار» المسيحية الليبرالية. ولهذا، لم يكن متشددا ضد الهنود الحمر خلال اكتشافاته.

ورغم أنه ولد في ولاية بنسلفانيا، صارت «بون» مركزه. ولا يزور شخص بون إلا ويزور مطعم «دانيال بون»، الذي يقدم الدجاج المقلي على الطريقة التقليدية. وأيضا، يؤكل على الطريقة التقليدية (تقدم الأطعمة لكل العائلة حول مائدة واحدة، ويضع كل واحد ما يريد في الصحن الذي أمامه).

وقريبا من بون، تقع «مستعمرة للهنود الحمر»، تصور حياتهم، قبل أن يأتي البريطانيون. هذه أطراف مرتفعات جبال «ابلايشيان»، حيث كان الهنود الحمر يعيشون. وحيث وقعت مذابح طردهم إلى ولايات الغرب البعيدة، مثل ولاية أوكلاهوما. والذي يقضي أياما في «المستعمرة»، يقدر على أن يأكل أكل الهنود الحمر، ويعيش مثلما كانوا يعيشون.



* مدرسة أميرسون (ولاية ميتشيغان):

الذي يصل إلى ولاية ميتشيغان، في الغرب الأوسط، ربما يقدر على زيارة مدرسة رالف أميرسون. تأسست عام 1973. في أن أربور (قرب جامعة ميتشيغان). مدرسة حديثة، لكنها رمز لفيلسوف أميركي بريطاني قديم، هو رالف أميرسون، أبو «العقلانية الدينية»، التي تعترف بالله الخالق، من دون أن تدخل في تفاصيل الانتماءات الدينية. مثله، لا تفرق المدرسة بين الأديان، ولهذا، تتحاشى تدريس أي دين. وتشجع التلاميذ والتلميذات السود، والسمر، والصفر (بالإضافة إلى البيض).



* الجالية البريطانية (سان فرانسيسكو):

يقدر الذي يصل إلى الساحل الغربي، ويزور سان فرانسيسكو، على زيارة مقر جمعية الصداقة الأميركية البريطانية. والتي تنظم زيارات معالم بريطانية في المدينة. ربما لقرب سان فرانسيسكو من «سيليكون فالي» (وادي شركات الكومبيوتر)، يعيش فيها عدد ليس قليلا من المواطنين البريطانيين. ويحاولون أن يعيشوا وكأنهم في بريطانيا. ومن المعالم البريطانية هنا:

- «دكان الويسكي»: لا يتخصص فقط في الكحول الاسكوتلندية، ولكن، أيضا، في ثقافة اسكوتلندا، وملابسها، وأغانيها.

- مقهى «دوغ فوغ»: لا تفوت عليه مباراة بريطانية في كرة القدم. وينظم مباريات محلية وسط المواطنين البريطانيين.

- متجر «يو ساي»: يتخصص في الأطعمة والمشروبات البريطانية. خاصة بسكويت وكيك «افترنون تي» (شاي العصر) الذي يحرص بريطانيون عليه وكأنهم في بريطانيا.

- «تي روم» (غرفة الشاي): لا يحتاج الشخص لشراء لوازم شاي العصر. يذهب إلى هنا، ويشرب شاي العصر في جو بريطاني أصيل. مع موسيقى هادئة ورقص خفيف.

- «كافالاير»: عربة من عربات السكة الحديد، في شكل مطعم يقدم أطعمة بريطانية. وعلى طريقة «فيكتوريا ستيشن»، سلسلة مطاعم بريطانية في عربات السكة الحديد.



* هليديل (ولاية يوتا):

حسب آخر إحصاء للسكان في الولايات المتحدة (عام 2010)، قال 20 في المائة من الأميركيين إن جدودهم بريطانيون (إنجلترا، اسكوتلندا، ويلز). وطبعا، أغلبية الآباء المؤسسين، والرؤساء الأميركيين بعدهم، بريطانيو الأصل (مثل: جورج واشنطن، توماس جفرسون، جيمس ماديسون... حتى بوش الابن. والدة أوباما من آيرلندا).

وحسب هذا الإحصاء السكاني، قال 67 في المائة من سكان هليديل (ولاية يوتا) إن أصولهم بريطانية. هذه مدينة صغيرة جدا، لا يزيد عدد سكانها عن ألفي شخص. ومن المفارقات أنها، كلها تقريبا، تدين بدين الكنيسة المرمونية اليمينية. وربما سبب ارتفاع هذه النسبة هو عادة التزاوج العائلي وسط المرمون. وأيضا، تنوع الزواج. بل يمكن اعتبارها عاصمة تنوع الزوجات في الولايات المتحدة (يمنع القانون الأميركي تنوع الزوجات. لكن، بسبب نقاط قانونية فنية، يقدر بعض الرجال على ذلك). الذي يزور المدينة، لا بد أن يلاحظ غياب سود، أو سمر، أو صفر. 99 في المائة من السكان بيض (12 لاتينيا، وأسود، يعملون في مطاعم المدينة). ورغم كل شيء، يقول السكان بأن مطعم «هايد بارك» فيه أحسن «فيش إند تشيبس» (سمك وبطاطس) في كل الولايات المتحدة.