قادنا الفضول إلى خوض تجربة «السياحة الإسلامية» أو ما اصطلح على تسميتها «السياحة الحلال» أو «النزل الحلال». والحقيقة أن ما روجته الصحافة التونسية حول الخدمات الشرعية والفصل بين الجنسين قد غذى فضولنا أكثر لخوض هذه التجربة والاندماج داخلها والتأكد من صحة ما أشيع من أقاويل حول هذه النوعية من السياحة، والتعرف عن كثب على مميزات هذه السياحة، ومحاولة تقييمها من الداخل وعدم الاكتفاء بما نقله الآخرون حول هذه القضية الإضافية التي تطرح إلى جانب قضايا أخرى مهمة بعد الثورة.
وترتبط هذه المسألة بموضوع البوركيني المطروح بقوة على طاولة النقاش المجتمعي في عدة دول غربية؛ على رأسها فرنسا.
السجال في تونس بدأ مبكرا عبر «فيسبوك»، وصور هذا النشاط على أساس أنه معركة جديدة بين المحافظين والحداثيين، وأنه قد يؤسس لمجتمع مختلف عما تعود عليه التونسيون في النزل السياحة وفي حياتهم العادية.
ولكن لنرى ما الذي حدث خلال 4 أيام قضيناها في أحد النزل السياحية في مدينة المهدية (وسط شرقي تونس) ممن سبقتهم الدعاية للسياحة الإسلامية ولسياحة العائلات والسياحة المحافظة.
* النقاب في النزل
منذ البداية اتضح أن الاندماج في هذا الوسط الاجتماعي المتقارب من حيث بنيته الفكرية يصعب على غير من تعود عليه، وهو أقرب إلى المجازفة منه إلى الالتزام بشيء ما زال في مرحلة التشكل ولم تتضح معالمه بعد.
فبمجرد الدخول إلى قاعة الاستقبال في بهو النزل تلاحظ أسئلة مرسومة على الوجوه تكاد تنطق في وجهك وتقول لك: «ماذا تفعل هنا؟ قد تكون أخطأت العنوان، فهذا ليس مكانك». ولكن عليك تفاديها ومواصلة الطريق فأنت في فضاء عام ومن حق كل التونسيين التوجه إليه.
عدد قليل من النساء المنتقبات لا تدري إن كن ينظرن إليك من تحت النقاب أم إن الأمر لا يعنيهن ألبتة. وعلى كل حال، لا تقع ملامح ظاهرة يمكن أن تعبر عما يختلج في الباطن، ولكنها إشارة مؤكدة إلى أن المتوجه إلى النزل قد دخل في «أرض ملغومة» وعليه تحمل وزر أفعاله، أما بقية النساء، فيرتدين أزياء شرعية عادية لا تثير الانتباه كثيرا بالمقارنة مع النقاب.
في الغرفة المخصصة لنا، لم نجد غير القنوات التلفزية المعتادة في تونس، وهي قنوات تونسية حكومية خصوصا، باستثناء قناتين خاصتين، بالإضافة إلى قناة «الجزيرة» في قطر، وهو أمر خلف لدينا بعض الإحباط؛ فلا قنوات رياضية، ولا قنوات أفلام، ولا قنوات موسيقى، مهما كانت ألوانها، ولا قنوات ناطقة بلغات أجنبية على غرار الفرنسية والإنجليزية والألمانية وربما الإيطالية الموجودة في بعض النزل السياحية.
كان علي وعلى عائلتي جس النبض قليلا والتصرف بعقل وروية حتى نستطيع التعايش مع واقع مختلف تمام الاختلاف مع مقومات السياحة التقليدية، فالأغاني التي كانت تردد لمدة ساعات كانت في معظمها دينية على غرار: «قمر سيدنا النبي وجميل»، وعدة أغاني ذات توزيع موسيقي عصري، وهي كذلك حول النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولن بعدة لغات فرنسية وعربية وتركية ولغات أخرى لا أعرف لها منتهى، مع أن كل النزلاء كانوا تونسيين في بداية وصولنا إلى النزل.
وبعد نحو يومين، حل بعض الجزائريين والتحقوا بالركب، وقال أحدهم إنه جاء مباشرة من فرنسا وحجز مكانه في النزل الحلال عبر الإنترنت.
وبين الحين والآخر، تمرر أغاني عن فلسطين والقدس الشريف في إشارة إلى التمسك بالمبادئ والدفاع عن قضايا الأمة.
وعلى مقربة من المسبح، هناك علامة صغيرة الحجم تقول: «ممنوع لباس البحر»، وتصور امرأة تلبس البيكيني ورجلا يلبس «شورتا قصيرا» وتضع علامة قاطع ومقطوع، في إشارة إلى عدم إجازة هذا النوع من اللباس في المسبح وفي كل الفضاء السياحي.
غير أن اللباس العصري للسباحة ظل موجودا على الشاطئ التابع للنزل السياحية ولم يمنع، وداخل النزل واصلت النساء السباحة بأزياء شرعية في تناقض صارخ مع ما يحصل على الشاطئ، مع أن المسافة بينهما لا تزيد على بعض الأمتار، وهي عبارة عن بوابة تجمع بين النزل والشاطئ.
وحتى لا يتحدث متابعو هذه التجربة السياحية عن تزمت الإسلاميين، فقد نظمت الشركة التي أطلقت هذه النوعية من السياحة وممثلها السيد هشام، ألعابا رياضية مائية، ولكن مع الإبقاء على الفصل بين الجنسين، فالنساء يلعبن معًا، والرجال يلعبون بدورهم منفصلين عن النساء.
ومرت السهرة الأولى فيما يشبه المعسكر من حيث الانضباط، فقد اتضح أن معظم المقبلين على هذه النوعية من السياحة، في هذا النزل على الأقل، يعرف بعضهم بعضا حتى إنهم يذكرون العائلات بأسمائها.
وأثناء الليل، كانت سهرة موسيقية رائعة أحيتها إحدى الفرق الموسيقية المرتبطة بالتيارات الإسلامية، وكانت الأغاني دينية مع إضافة بعض الأغاني التونسية المعروفة، ودارت السهرة في كنف احترام كبير للحضور والفرقة الموسيقية، ولا تسمع غير عبارات الاستحسان لمن أدى الأغاني، في حين كان كل المتفرجين جالسين على الكراسي دون رقص أو تهريج مبالغ فيه، كما هو الشأن في الأفراح والسهرات الموسيقية الأخرى التي تدور في النزل العادية.
وترتبط هذه المسألة بموضوع البوركيني المطروح بقوة على طاولة النقاش المجتمعي في عدة دول غربية؛ على رأسها فرنسا.
السجال في تونس بدأ مبكرا عبر «فيسبوك»، وصور هذا النشاط على أساس أنه معركة جديدة بين المحافظين والحداثيين، وأنه قد يؤسس لمجتمع مختلف عما تعود عليه التونسيون في النزل السياحة وفي حياتهم العادية.
ولكن لنرى ما الذي حدث خلال 4 أيام قضيناها في أحد النزل السياحية في مدينة المهدية (وسط شرقي تونس) ممن سبقتهم الدعاية للسياحة الإسلامية ولسياحة العائلات والسياحة المحافظة.
* النقاب في النزل
منذ البداية اتضح أن الاندماج في هذا الوسط الاجتماعي المتقارب من حيث بنيته الفكرية يصعب على غير من تعود عليه، وهو أقرب إلى المجازفة منه إلى الالتزام بشيء ما زال في مرحلة التشكل ولم تتضح معالمه بعد.
فبمجرد الدخول إلى قاعة الاستقبال في بهو النزل تلاحظ أسئلة مرسومة على الوجوه تكاد تنطق في وجهك وتقول لك: «ماذا تفعل هنا؟ قد تكون أخطأت العنوان، فهذا ليس مكانك». ولكن عليك تفاديها ومواصلة الطريق فأنت في فضاء عام ومن حق كل التونسيين التوجه إليه.
عدد قليل من النساء المنتقبات لا تدري إن كن ينظرن إليك من تحت النقاب أم إن الأمر لا يعنيهن ألبتة. وعلى كل حال، لا تقع ملامح ظاهرة يمكن أن تعبر عما يختلج في الباطن، ولكنها إشارة مؤكدة إلى أن المتوجه إلى النزل قد دخل في «أرض ملغومة» وعليه تحمل وزر أفعاله، أما بقية النساء، فيرتدين أزياء شرعية عادية لا تثير الانتباه كثيرا بالمقارنة مع النقاب.
في الغرفة المخصصة لنا، لم نجد غير القنوات التلفزية المعتادة في تونس، وهي قنوات تونسية حكومية خصوصا، باستثناء قناتين خاصتين، بالإضافة إلى قناة «الجزيرة» في قطر، وهو أمر خلف لدينا بعض الإحباط؛ فلا قنوات رياضية، ولا قنوات أفلام، ولا قنوات موسيقى، مهما كانت ألوانها، ولا قنوات ناطقة بلغات أجنبية على غرار الفرنسية والإنجليزية والألمانية وربما الإيطالية الموجودة في بعض النزل السياحية.
كان علي وعلى عائلتي جس النبض قليلا والتصرف بعقل وروية حتى نستطيع التعايش مع واقع مختلف تمام الاختلاف مع مقومات السياحة التقليدية، فالأغاني التي كانت تردد لمدة ساعات كانت في معظمها دينية على غرار: «قمر سيدنا النبي وجميل»، وعدة أغاني ذات توزيع موسيقي عصري، وهي كذلك حول النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولن بعدة لغات فرنسية وعربية وتركية ولغات أخرى لا أعرف لها منتهى، مع أن كل النزلاء كانوا تونسيين في بداية وصولنا إلى النزل.
وبعد نحو يومين، حل بعض الجزائريين والتحقوا بالركب، وقال أحدهم إنه جاء مباشرة من فرنسا وحجز مكانه في النزل الحلال عبر الإنترنت.
وبين الحين والآخر، تمرر أغاني عن فلسطين والقدس الشريف في إشارة إلى التمسك بالمبادئ والدفاع عن قضايا الأمة.
وعلى مقربة من المسبح، هناك علامة صغيرة الحجم تقول: «ممنوع لباس البحر»، وتصور امرأة تلبس البيكيني ورجلا يلبس «شورتا قصيرا» وتضع علامة قاطع ومقطوع، في إشارة إلى عدم إجازة هذا النوع من اللباس في المسبح وفي كل الفضاء السياحي.
غير أن اللباس العصري للسباحة ظل موجودا على الشاطئ التابع للنزل السياحية ولم يمنع، وداخل النزل واصلت النساء السباحة بأزياء شرعية في تناقض صارخ مع ما يحصل على الشاطئ، مع أن المسافة بينهما لا تزيد على بعض الأمتار، وهي عبارة عن بوابة تجمع بين النزل والشاطئ.
وحتى لا يتحدث متابعو هذه التجربة السياحية عن تزمت الإسلاميين، فقد نظمت الشركة التي أطلقت هذه النوعية من السياحة وممثلها السيد هشام، ألعابا رياضية مائية، ولكن مع الإبقاء على الفصل بين الجنسين، فالنساء يلعبن معًا، والرجال يلعبون بدورهم منفصلين عن النساء.
ومرت السهرة الأولى فيما يشبه المعسكر من حيث الانضباط، فقد اتضح أن معظم المقبلين على هذه النوعية من السياحة، في هذا النزل على الأقل، يعرف بعضهم بعضا حتى إنهم يذكرون العائلات بأسمائها.
وأثناء الليل، كانت سهرة موسيقية رائعة أحيتها إحدى الفرق الموسيقية المرتبطة بالتيارات الإسلامية، وكانت الأغاني دينية مع إضافة بعض الأغاني التونسية المعروفة، ودارت السهرة في كنف احترام كبير للحضور والفرقة الموسيقية، ولا تسمع غير عبارات الاستحسان لمن أدى الأغاني، في حين كان كل المتفرجين جالسين على الكراسي دون رقص أو تهريج مبالغ فيه، كما هو الشأن في الأفراح والسهرات الموسيقية الأخرى التي تدور في النزل العادية.