- تورونتو : الأسبوع الأول بقلم المدونه السعوديه مشاعل
21.3.2016
الإقلاع 3:30 صباحاً ..
كانت الرحلة قد تأجلت ساعة عن موعدها ، لم أشعر بالانزعاج رغم التعب ووجدتها فرصة لإجراء المزيد من الاتصالات ، رغم أن شهرين ليست بالمدة الطويلة ولكنها بالنسبة لي كانت أطول مدة أبتعد فيها عن عائلتي .
لم أكن أعلم ما الذي ينتظرني في هذه الرحلة ولم أخطط لها كثيراً ولم تكن لدي أي توقعات و أعتقد أن هذا ما جعل إقامتي طوال تلك الشهرين ممتعة ومليئة بالمفاجآت الغير متوقعة ، ففي معظم الأوقات التوقعات العالية هي ما تفسد علينا متعة الاستمتاع باللحظة .
استغرقت الرحلة قرابة الـ 14 ساعة وهي حتى الآن أطول رحلة لي بالطائرة .. لا أدري كم عدد المرات التي غفوت فيها واستيقظت وقرأت كتاباً و التقطت صورا لكل التضاريس التي مررنا عليها ولم نصل بعد . كان من المضحك أنني استيقظت فجأة ووجدت على الشاشة أنه تبقى 20 دقيقة على الهبوط .. أيقظت أخي وذهبت إلى دورة المياة مسرعة ( أعزكم الله ) وعندما عدت وجدت بأن الموعد قد تغير وأنه بقي 4 ساعات أخرى على الهبوط ! .
من الأشياء الجميلة التي رأيتها خلال الرحلة كانت عند الهبوط حيث رأيت قوس قزح من النافذة .. في البداية اعتقدت بأنه كان مجرد انعكاس على النافذة لأنه لم يكن نصف دائرة ولكن كان دائرة كاملة .. عندما أمعنت النظر اتضح بأنه كان قوساً حقيقياً وليس من مخيلتي فكلما اقتربنا من الأرض كان يبدو أكبراً وعندما مرت الطائرة من فوقه انعكس ظلها عليه . لا أعلم متى كانت آخر مرة رأيت فيها قوس قزح لذلك رؤيته من الطائرة وبذلك المنظر كان شيئاً رائعاً بالنسبة لي .
استقبلنا في المطار شاب اسمه زكريا من أمريكا الوسطى يحفظ القرآن كاملاً ويجيد أكثر من لهجة سعودية ! ساعدنا على شراء الشريحة وأعطانا العديد من المعلومات عن المدينة ، كما أخبرنا عن الحي الذي نسكن فيه حيث أن غالبيته من اليهود لكنه يعد في منطقة راقية . كذلك أن صاحبة المنزل تحب أن تجمع قطع الأثاث العتيقة و تقوم ببيعها وقد سألها مرة عن قيمة إحدى القطع وفوجيء بسعرها الغالي رغم أن الشكل لا يوحي بذلك .
كان أول ما فعلناه بعد وضع حقائبنا هو أننا ذهبنا مع ميامي إلى – السوبر ماركت – لأنها أرادت منا أن نختار ما نريده حتى تعرف ذوقنا في الأكل ولم تقبل أن تأخذ منا أي مبلغ وهو ما جعلني في الحقيقة أنحرج من اختيار كل ما أريده . بعد عودتنا ذهبت معها مرة أخرى لتبضع بعض الحاجيات التي نست أن تشتريها في المرة السابقة وأيضاً قمنا بجولة حول الحي الذي نسكن فيه لمعرفة الأماكن القريبة منا ، وفي نفس اليوم أيضاً اصطحبتني معها إلى المطعم التي تديره هي لنأخذ معنا الدفايات الموجودة هناك .
بعد ذلك عدنا إلى محطة القطار القريبة من المنزل وعندها شعرت بالإنجاز والفخر وأنه يمكنني الآن الذهاب إلى أي مكان أريده بدون أن أقلق خاصة بأنها كانت المرة الأولى التي استخدم فيها المترو بدون مساعدة أحد … تبقى الآن فقط الخطوة الأخيرة وهي ركوب الحافلة الصحيحة التي ستوصلنا إلى المنزل وعندها فقط بدأت مرحلة الضياع حيث كانت المشكلة في اسم الشارع الذي كنا نسكن فيه (sheppard avenue west ) لذلك عندما رأيت الحافلة التي تحمل الاسم صعدت فيها بلا تفكير .. انتظرت كثيراً في الحافلة حتى غادر جميع من ركبوا معنا ولم أصل إلى محطة التوقف المرجوة وعندها فقط أدركت بأني كنت مخطئة ، نزلت من الحافلة ولا أعلم لماذا ركبت حافلة أخرى كانت على الجهة المعاكسة ظناً مني بأنها ستعيدنا إلى محطة المترو .
عندما فقدت الأمل من نفسي ومن خرائط قوقل أخبرت سائقة الحافلة باسم الشارع الذي نعيش فيه قالت بأنها لم تسمع باسمه من قبل ولكن سألتني إن كان هناك مكان معروف بالقرب منه .. حينها تذكرت جولتي مع ميامي حول الحي وأخبرت السائقة فوراً بأنه يوجد ( تيم هورتنز ) بالقرب من الشارع أخبرتني بأنه يوجد تيم هورتنز قريب من هنا وفعلاً أوصلتنا إليه وللوهلة الأولى ظننت بأننا في المكان الصحيح .. الآن وأنا أكتب القصة أضحك على سذاجتي لم أكن أعلم وقتها بأنه يمكن أن تجد تيم هورتز في كل زاوية في تورونتو . هنا فقط وأعلم بأنه متأخراً جداً اتصلت على ميامي وأخبرتها أين نحن .. أخبرتنا بأننا لسنا ببعيد عن المنزل وأعطتني رقم الحافلة التي يجب أن أصعدها .. قررت بأني لن أصعد أي حافلة وفتحت خرائط قوقل ومن حسن الحظ كنت قد حفظت موقع المنزل لدي تحسباً .. وجدت بأن المنزل يبعد ساعة مشياً على الأقدام لم تكن الفكرة الأروع أن نمشي في درجة حرارة تحت الصفر لمدة ساعة لكنها كانت خيارنا الوحيد .
أذكر محادثتي مع الجدة في ذلك اليوم وهي تعد العشاء .. لم يكن سوانا في المنزل .أخبرتني بأن لا أقلق كثيراً و سأعتاد على هذه المدينة قريباً . أخبرتني بقصتها عندما أتت إلى كندا أول مرة وكيف عانت في شتائها القارس حيث كان الثلج يصل إلى منتصف الساق ولم يكن لديها سيارة كما لم يكن لديها المعطف المناسب الذي يقيها من البرد فكما حكت لي كانت تخجل من أن تطلب من أبنائها أن يقوموا بشراء معطف لها وكانت تأخذ ملابسهم المستعملة وهذا ما تفعله حتى الآن ! . لا أزال أذكر عبارتها ” i survived you will survive too ” .نعود إلى موضوع الحافلة .. أخبرتني هيلاري لاحقاً بأن هناك حافلتين لنفس الشارع إحداهما للغرب والأخرى للشرق وعلينا أن نأخذ المتجهة للشرق وهو على عكس اسم الشارع .
من أجمل الأشياء التي حدثت خلال هذا الأسبوع هو رؤيتي لتساقط الثلج لأول مرة .. كان من الرائع رؤية الأرض وهي تكتسي بالبياض ، لكن لم تكن تجربة المشي فوقه رائعة لأنه كان ثلجاً صلباً أقرب ما يكون للثلج الموجود في حلبة التزلج . لاحظت بأن الجدة كانت تحمل معها كيس كبير من الملح الخشن وترشه على الثلج قبل أن تخطو خطواتها ، عندما سألتها .. أخبرتني بأنه يسهِّل المشي على سطح الثلج الزلق . بالطبع أصبحت أقلدها كلما أردت الخروج من المنزل
في ذلك اليوم أتوا أصدقاء ميامي لزيارتها .. عندما علموا بأنها المرة الأولى لي في الثلج ..قرروا الخروج جميعاً في جولة بالسيارة وأكثر ما أثار دهشتي خلال تلك الجولة أكثر من الثلج نفسه هم أنهم قاموا بشراء الآيسكريم في ذلك الجو ! ، لم أستطع أن أردهم عندما قدموا لي واحداً وفي الحقيقة كان لذيذاً وأدمنت عليه بعدها .
في نفس الأسبوع قابلنا صديقة أخرى لميامي في تيم هورتز لأنها أرادت أن تسد دينها الذي اقترضته من ميامي .. وأخبرتني ميامي قصتها وهي أيضاً خسرت أموالها بسبب القمار والآن هي عائدة إلى الفلبين . أخبرتها لماذا لم يتقفوا عن القمار رغم خسارتهم الأولى ردت قائلة بأن القمار مثل الإدمان لا تستطيع تركه ما إن تجرب اللعب .
عندما حكيت لهم عن ميامي .. أخبروني بأني محظوظة لأن تجربتهم لم تكن رائعة مع العائلة المضيفة . أكثر ما أحببته في ميامي أنها كانت تصطحبني معها لكل مكان تذهب إليه حتى تجعلني أعتاد على المدينة وكانت تفعل كل ذلك بلا مقابل .
أضيف إلى أني جربت الـ ( pretzel bagel ) للمرة الأولى بناء على اقتراح أختي ، والذي أصبح لاحقاً تناوله أمر شبه يومي بالنسبة لي .
وبعودة أختي ( محبة ) إلى سدبيري أنهيت أسبوعي الأول في تورنتو . لم أتوقع بأن تكون التدوينة بهذا الطول وكنت أعتقد بأنه يمكنني جمع شهر كامل في تدوينة واحدة لكنها على ما تبدو مهمة صعبة سواء على القاريء أم على الكاتب . وأيضاً لم أتوقع بأن تتدفق تفاصيل الأيام في ذاكرتي هكذا رغم أني لم أدون مذكراتي أثناء تلك التجربة لكن شكراً على نعمة الصور التي تجعلنا نعيش الأيام مرة أخرى .
التعديل الأخير: