جزيرة سقطرى اليمنية: لؤلؤة على شاطئ المحيط الهندي
بقلم ساره يحي
تقول الروايات أنه وحين قررت القوات البريطانية المحتلة الانسحاب من جزيرة سقطرى بصقت جلالة الملكة حينها بصقة يأس وتذمر بالقرب من الجزيرة فما الذي دفع بالملكة التي تحكم إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس إلى ردة الفعل هذه؟
في هذا المقال ستطوف كلماتي المتواضعة حول قداسة هذا الكنز البيولوجي العظيم وستتناثر العبارات القاصرة حول الكمال التاريخي والجغرافي لهذه البقعة المعزولة من العالم فكيف تبدو جزيرة سقطرى يا ترى وما الذي تعرفه عنها عزيزي القارئ؟
كل ما تود معرفته عن جزيرة سقطرى
بطاقة تعريفية
تعتبر الجزيرة جزء من أراضي الجمهورية اليمنية حيث تقع بالقرب من خليج عدن، على بعد 350 كم جنوب شبه الجزيرة العربية وتبعد 210 أميال عن شواطئ المحيط الهندي وتعتبر جزيرة سقطرى أكبر الجزر العربية واليمنية.
التاريخ
اكتشف فريق أثري روسي أطلال مدينة في سقطرى يرجع تاريخها إلى القرن الثاني الميلادي حيث تم العثور على السلاح الحجري القديم المعروف ب اولدوان Oldowan في جزيرة سقطرى مما يعني أن دماء هذه المنسية قديمة قدم السيد المسيح عليه السلام قدم الديانات وقدم التاريخ.
وبمناسبة الحديث عن الديانات فكما تروي الروايات المحلية أن السكان الأصليين تحولوا إلى المسيحية من قبل Thomas في عام 52 ميلادي. وذكر الجغرافي العربي أبو محمد الحسن الحمداني في القرن العاشر أنه في وقته كان معظم السكان مسيحيين.
في عام 1507 أحتل الجزيرة أسطول برتغالي بقيادة “تريستاو دا كونها Tristão da Cunha” مع “أفونسو دي ألبوكيركي Afonso de Albuquerque ” كان هدفهم من هذه الحملة أنشاء قاعدة برتغالية لوقف التجارة العربية من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي، وتحرير سكان الجزيرة من الحكم الإسلامي باعتبارهم أصدقاء مفترضين كونهم مسيحيون. ومع ذلك، لم يتم الترحيب بهم بحماس كما توقعوا وتركوا الجزيرة بعد أربع سنوات فقط كما تركتها ملكة بريطانيا بعد ذلك وكأن قدر هذه الجزيرة أن تكون عصية على الاحتلال كخنجر غجري مسموم في خاصرة كل طامع.
الجغرافيا
للجزيرة ثلاثة تضاريس جغرافية مميزة. السهول الساحلية الضيقة، هضبة من الحجر الجيري والجبال التي ترتفع إلى 1500 متر (Haghier Mountains).
وقد وُصفت سقطرى بأنها واحدة من أكثر الأماكن غرابة على وجه الأرض فبجانب عزلتها عن العالم، فهي لا تعتبر أيضًا ذات أصل بركاني وإنما ذات أصل قاري وقد تم الإعلان عنها مؤخرًا في منظمة اليونيسكو كموقع للثرات العالمي
ونظرًا لموقعها بالقرب من الممرات البحرية ، مثلت سقطرى على الدوام قيمة إستراتيجية من قبل كل القوى الطامحة الفاغرة أفواهها لاحتلالها قديمًا وحديثًا، وليس موقعها فقط هو السبب بل جمال جغرافيتها حيث أن كل مشهد في سقطرى من الأراضي المنخفضة الجافة والساخنة إلى الجبال المغطاة بالضباب، يكشف عن العجائب والسحر الذي لا يمكن رؤيته في أي مكان آخر على سطح هذا الكوكب.
الكنز
تمثل سقطرى بتنوعها البيولوجي وباحتوائها على عدد كبير من النباتات والحيوانات الفريدة كنزا حقيقا لهذا العالم فهي موطن أصلي لحوالي 800 نوع من النباتات والحيوانات النادرة حيث أن ثلث الأنواع الموجودة في جزيرة المحيط الهندي مستوطنة حصرا فيها ولا يمكن رؤيتها في أي مكان آخر على هذه الأرض.
وبالإضافة إلى النباتات الغير التقليدية، فإن الجزيرة هي موطن لـ 140 نوعًا من الطيور، 10 منها لا يمكن العثور عليها إلا في جزيرة سقطرى وحدها.
أما عن الحيوانات فـ 90% من الزواحف مستوطنة في سقطرى وغيرها الكثير من العناكب والشعاب المرجانية النادرة.
ولا ينبغي لنا أن ننسى أو نتناسى تلك الشجرة العملاقة الشبيهة بالمظلة والتي لا تفتأ أن تُذكر سقطرى إلا وترتسم ملامح تلك الشجرة في الأذهان وكأنها أصبحت إيقونة الجزيرة أنها شجرة دم الأخوين التي يبلغ عمرها حوالي 200 مليون سنة والتي يخرج منها عصارة حمراء أشبه بالدم استخدمها الرسامين اليونانيين والفراعنة بتخليد حضارتهم، واستغل المصريون القدماء والرومانيون كنوز عالم الطبيعة في سقطرى ومنها: المستخلصات العطرية من شجرة اللبان التي تتميز بها سقطرى أيضًا، خلاصة شجرة الصبر الطبية ، والنسرة الحمراء الداكنة المستخلصة من شجرة دم الأخوين. حيث كانت رائحة اللبان هي المسئولة عن تعطير جنازات الفراعنة المصريين ومعابد الآلهة اليونانية.
بلغت قيمة بخور اللبان ودم الأخوين ذروتها خلال عهد الإمبراطورية الرومانية. بعد ذلك، خدمت الجزيرة في الغالب كمحطة للتجار، ثم مرت بقرون عزلة ثقافية نسبية.
تعتبر من بين أهم مراكز التنوع البيولوجي في العالم ، حيث تجمع بين عناصر إفريقيا وآسيا وأوروبا بطرق لا تزال تجعل منها حلم يتوق له كل علماء الأحياء والباحثين.
الإنسان والنظام الاجتماعي
تتميز الجزيرة بأنها ذات كثافة سكانية منخفضة حيث تتكون تقريبا من 600 قرية عبارة عن منازل مبعثرة هنا وهناك على مساحات داخلية جبلية ويعمل معظم سكانها في الزراعة أو الصيد. الميزة الأكثر لفتا للانتباه في هذا المكان المعزول هو أن سكان سقطرى جيلاً بعد جيل عاشوا كما كان أسلافهم، ذالك الجبل البدوي ذاته الذي يعتنق ويضم ماعزهم، الساحل الذي يجود عليهم بصيده دائما، وموسم الحصاد الذي ينتظرونه كل عام. أما إذا سألت –عزيزي القارئ- عن التاريخ الاجتماعي المتمثل بالرقصات الفلكلورية، الحكايات الشعبية والأهازيج الغنائية فكل هذا قد تم تمريره من خلال تلو الشعر بلغة السُقَطْريين الأصلية التي لا يفهمها حتى أهل اليمن أنفسهم بجانب اللغة العربية المتعارفة. رائعة هذه الجزيرة المختلفة أليس كذلك!
على مر القرون، طور السكان الأصليين طرقًا عملية للتعامل مع الرعي، وجمع الأخشاب، وحل نزاعات ملكية الأراضي بين العشائر، واستخدام الموارد المائية، وغيرها الكثير من القضايا المماثلة.
حيث يتم تعيين قائد يحتل مكانة في العشيرة وفقا لعمره وحكمته تخوله لحل القضايا سلمياً في الاجتماعات بين أهل القرية والقرى المجاورة، حتى مع وجود السلاح والسلاح الأبيض (الجنبية) الذي يعتبر الزي التقليدي الجميل لليمنيين إلا أن الأمور دائما ما تحل وديا. على عكس ما يحدث في مركز الدولة اليمنية ومحافظاتها التي تشتعل الصراعات فيها بين الحين والآخر.
علماء في سقطرى
كان العالم الروسي V.A. Zhukov ضمن البعثه الروسية التي اكتشفت وجود نقوش وأدوات تعود للسكان الأصليين لسقطرى في العام 2008.
وكان عالم الفيزياء البلجيكي “كاي فان دام Kay Van Damme ” (المصنف من ضمن أصدقاء سقطرى )أول من وصل إلى سقطرى في عام 1999 كجزء من رحلة علمية متخصصة، يذكر أنه وزملاءه اكتشفوا فصائل جديدة ببساطة تامة فقط أثناء مشيهم وتجوالهم في الطرقات أو خوضهم في الجداول التي تجمع السحالي والقواقع والحشرات والنباتات وغيرها من أشكال الحياة، وذكر أنه في كثير من الأحيان عثر على العديد من الأنواع غير الموصوفة مسبقًا في الكتب العلمية في يوم واحد فقط. أنها تزخر ثراء وغنى أليس كذلك؟
لنعد إلى “كاي” الذي لم يستطع أن يقاوم سحر سقطرى وكنوزها الطبيعية فعاد إليها السنة تلو الأخرى ومع عودته كان بجانب التركيز العلمي البحت الاهتمام بشكل أوسع بالجزيرة وثقافتها. يقول عن هذا: “لقد تمت دعوتنا إلى منازل الناس، وتعلمت أن السكان هنا في سقطرى لديهم علاقة قوية جدًا ببيئتهم”. “أدركت أن الطريقة الوحيدة التي تمكنت جميع هذه الأنواع من البقاء على قيد الحياة كل هذا الوقت لها علاقة بالطرق التقليدية التي يحرس بها الناس جزيرتهم.”
شاهد هذا الفيديو:
أخيرا.. لقد بدأت تعرف المدنية طريقها إلى هذه الأرض البكر وتنهش بأنيابها جمالها العذري الأصيل، الطرق المعبدة تزحف في كل مكان تلتف وتخنق أجمل الجزر وجدت على وجه هذه البسيطة، كل هذا وغيره الكثير أرق المستكشفين الجدد، الذين يأملون في تعلم أسرارها الفريدة قبل أن يغير العالم الحديث ذلك إلى الأبد.
فهل تعتقد عزيزي القارئ أن المليحة المخضبة بالأحمر الداكن سقطرى يجب أن تظل حسناء الكوكب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟ إذا كان كذلك فكيف -برأيك- يستطيع الأفراد والحكومات الحفاظ على هذه الجوهرة؟