الصدقةُ في حال الصحة و القوة

ياراا

:: مسافر ::
15 يناير 2019
992
3
0
41

الحمدلله رب العالمين , أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد , و هو على كل
شيء قدير , و أشهد أن نبيَّنا و سيدَنا محمدًا عبدُه و رسولُه ، صلَّى الله و سلم و بارك عليه و على
آله و أصحابه أجمعين , ثم أما بعد ، فاتقوا الله تعالى , فإن في تقواه النجاة و الفلاح , قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُون ) آل عمران ..

أيها المؤمنون , اتقوا الله تعالى و اشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين و الدنيا ، قال
تعالى : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَ مَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ ) الأنعام , و عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله
عليه و سلم إِذَا أَصْبَحَ قَالَ : أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ وَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ ، وَ دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ
صلى الله عليه و سلم , وَ مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا ، وَ مَا كاَنَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) احمد و
النسائي و الدارمي , و إسناده حسن ..
أما نعم الدنيا فكثيرة لا تعد و لا تحصى , و منها العافية و الصحة و الزوجة و الولد و المال ,
قال تعالى : ( الْمَالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَ خَيْرٌ
أَمَلاً ) الكهف , و لقد أفاض سبحانه علينا بالمال ، لنستعين به على طاعته ، و نتمتع به في
حدود ما أباحه لنا ، فاعرفوا حقه و ابذلوه في مستحقه ، قال تعالى : ( وَ مَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم
مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَ أَعْظَمَ أَجْرًا وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) المزمل . و
سوف يموت الإنسان وحيدا و لن يأخذ ماله معه إلى قبره , و لن ينفعه إلا إن أحسن إنفاقه ,
قال تعالى : ( وَ لَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ )
الأنعام , فرادى وحدانا حفاة عراة غرلا ، لا مال معكم و لا زوج و لا ولد و لا خدم , و تركتم كل
ما أعطينكم خلف ظهوركم في الدنيا , فعلينا إذا ان ننفق من اموالنا التي أنعم الله تعالى بها
علينا , ابتغاء وجه الله تعالى , فإنه لن يبقى لنا و ينفعنا إلا ما انفقناه , عن عبدالله بن مسعود
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ , قَالَ النبي صلى الله عليه و سلم : ( أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أْحَبُّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؟
قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ , مَا مِنَّا أحَدٌ إلَّا مَالُهُ أحَبُّ إِلَيْهِ ، قَالَ : فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَ مَالُ وَارِثِهِ مَا
أخَّرَ ) البخاري , و عن عائشة رضي الله عنها : ( أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً ، فتصدقوا بها سوى كتفها ,
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : مَا بَقِيَ مِنْهَا ؟ قَالَتْ : مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا ، قَالَ :
بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا ) الترمذي وَ قَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ..

أيها المؤمنون : إن كثيراً من الناس يتهاون في شأن الصدقة و لا يبالي بها ، و يكتفي بأداء
الزكاة ، إن كان يؤديها , و و الله لو أدى المسلمون ما فرضه الله تعالى عليهم ، من زكاة في
أموالهم ، ما رأيت فقيراً في المسلمين , فكيف لو تجاوز المسلمون ذلك إلى إخراج بعض
الصدقات بين الحين و الآخر ؟ , ففيها سدٌ لحاجات الفقراء و المحتاجين ، و إنها سبيل لجلب
السعادة إلى نفوسهم ، و رسم الابتسامة على شفاههم ، و هي وسيلةٌ لتحقيق التكافل
الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد ، و طريقٌ إلى انتشار الرحمة و التآخي والمودة بين الناس .

و إن الصدقة لبرهان على إيمان العبد بربه تعالى , فالمال محبوب إلى النفس , و النفس به
شحيحة , فإذا بذله الإنسان لله فإن الإنسان لا يبذل ما يحب إلا لما هو أحب إليه منه , عَنْ
أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ رضي الله عنه قَالَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : ( الطُّهُورُ
شَطْرُ الإِيمَانِ , وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ , وَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ
السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ , وَ الصَّلاَةُ نُورٌ , وَ الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ , وَ الصَّبْرُ ضِيَاءٌ , وَ الْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ
عَلَيْكَ , كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ) مسلم ..

أيها المؤمنون , لعلنا نتوسع قليلا في فضائل الصدقة و فوائدها , لاسيما و أنها بابٌ من
أبواب الخير و الفلاح ، و سبيلٌ إلى الفوز برضوان الله سبحانه و تعالى في الدنيا و الآخرة ..

1 - أن الصدقة تنميةٌ و زيادة للأموال ، قال تعالى : ( إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَ أَقْرَضُوا
اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَ لَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) الحديد , و عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن
رسول الله صلى الله عليه و سلم ، أنه قال : ( ما نقصت صدقة من مالٍ ، و ما زاد الله عبدًا
بعفوٍ إلا عزًا ، و ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله ) مسلم , و إنها تنميةٌ للأجر و الثواب الذي
يحصل عليه المتصدق عند الله تعالى , قال تعالى : ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَ يُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَ اللَّهُ
لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) البقرة , أي يضاعفها سبحانه و ينمبها , و عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، و لا
يصعد إلى الله إلا الطيب ، فإن الله يتقبلها بيمينه ، ثم يُربيها لصاحبه ، كما يُرَبِّي أحدكم
فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل ) متفق عليه , و عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى
الله عليه و سلم قال : ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان , فيقول أحدهما :
اللهم أعط منفقًا خلفًا ، و يقول الآخر : اللهم أعط ممسكًا تلفًا ) البخاري ,
و أنَّها كذلك مطهرة للمال ، تخلصه من الدَّخن الذي يصيبه من جراء اللغو و الحلف و
الكذب و الغفلة , عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قال : كان صلى الله عليه و سلم يقول : ( يَا
مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَ الْحَلِفُ ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ ) الترمذي و أبو داود
و النسائي و ابن ماجه ، و صححه الألباني ..

2 - أن الصدقة تدفع النِقم و المكاره و الأسقام عن صاحبها بإذن الله تعالى , عن أنس بن
مالك رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن الصدقة لتطفئ
غضب الرب ، و تدفع ميتة السوء ) ابن حبان و الترمذي , و قال حديث حسن غريب , و عن
عمرو بن عوف رضي الله عنه , أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إن صدقة المسلم
تزيد في العمر و تمنع ميتة السوء ) الترمذي و حسنه ..
بل إنها سببٌ لعلاج الأمراض , عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : ( حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ ، وَ دَاوَوْا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ ، وَ أَعِدُّوا لِلْبَلاءِ الدُّعَاءَ )
الطبراني و أبو نعيم ..

3 - أن الصدقة تُطفئ الخطيئة و تمحوها , عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( و الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار )
الترمذي و صححه , و كذلك تطفئ حرَّ القبور على أهلها ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه
قال , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إنّ الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبور ،
و إنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته ) مسلم و أحمد , بل إنها لتطفيء
غضب الرب سبحانه و تعالى , و قد مر معنا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال ,
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن الصدقة لتطفئ غضب الرب ، و تدفع
ميتة السوء ) ..

4 - أن الصدقة سترٌ للمسلم , و حمايةٌ له من النار و حجاب له عنها , و سبب لدخول الجنة ,
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أيّما
مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة ، و أيّما مؤمن سقى
مؤمنا على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم ، و أيّما مؤمن كسا مؤمنا على
عُرْي كساه الله من خضر الجنة ) الطبراني و البيهقي , و عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ رضي الله عنه
قَالَ : ( لَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ وَجْهَ كَذَّابٍ ,
وَ كَانَ أَوَّلَ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ : أَيُّهَا النَّاسُ , أَفْشُوا السَّلامَ وَ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَ صِلُوا الأَرْحَامَ
وَ صَلُّوا وَ النَّاسُ نِيَامٌ , تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ) الترمذي و قال حديث حسن صحيح ..
بل إن المتصدق يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة , كما في حديث
أبي هريرة رضي الله عنه , أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من أنفق زوجين في
سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير : فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب
الصلاة ، و من كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، و من كان من أهل الصدقة دُعي
من باب الصدقة ، و من كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان , قال أبو بكر : يا رسول
الله ، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة , فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟
قال , نعم و أرجو أن تكون منهم ) متفق عليه ..
و عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال , سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ( اتقوا
النار و لو بشق تمرة ) متفق عليه , وفي رواية لهما عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم : ( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه و بينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا
يرى إلا ما قدم , و ينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم , و ينظر بين يديه فلا يرى إلا النار
تلقاء وجهه , فاتقوا النار و لو بشق تمرة , فمن لم يجد فبكلمة طيبة ) متفق عليه ..
و عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( تصدّقوا ، فإن
الصدقة فكاككُمْ من النار ) أحمد و الترمذي ..

5 - أن الصدقة تُظل صاحبها يوم القيامة ، يوم تدنو الشمس من الرؤوس , و يؤذي الناس
حرها و يؤذيهم العرق , عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال , سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول : ( كل امرئ في ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس ) أحمد و ابن حبان
و الحاكم , و سنده حسن , و عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل , و شاب نشأ في عبادة
الله ، و رجل قلبه معلق بالمساجد ، و رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرقا عليه ، و رجل
دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال إني أخاف الله , و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى
لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، و رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) متفق عليه ..

6 - أن الصدقة تقي الرجل الفتنة في أهله و ماله و نفسه و ولده و جاره , عن حذيفة بن
اليمان رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : ( فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَ
مَالِهِ وَ وَلَدِهِ وَ جَارِهِ , تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ و الصّوم و الصّدقة ، و الأمر و النّهي ) متفق عليه ..
و المراد بالفتنة ما يعرض للإنسان مع مَن ذكروا ، أو الالتهاء بهم , أو أن يأتي لأجلهم بما
لا يحل له أو يخل بما يجب عليه ..

أيها المؤمنون , و أفضل مراتب الصدقات أن يتصدق الإنسان من أطيب ماله في وقت هو
محتاج إليه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا
من نخل ، و كان أحبَّ أمواله إليه بَيْرَحَاء ، و كانت مستقبلة المسجد ، و كان رسول الله صلى
الله عليه و سلم يدخلها و يشرب من ماء فيها طيِّب ، قال أنس : فلما أنزلت هذه الآية : ( لَن
تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ) آل عمران ، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه
و سلم فقال يا رسول الله , إنَّ الله تبارك و تعالى يقول : ( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا
تُحِبُّونَ ) ، و إنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرَحَاء ، و إنَّها صدقة لله ، أرجو برَّها وذخرها عند الله ، فضعها
يا رسول الله حيث أراك الله . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بخ بخ ، ذلك
مال رابح ، ذلك مال رابح ، و قد سمعت ما قلت ، و إنِّي أرى أن تجعلها في الأقربين , فقال
أبو طلحة : أفعل يا رسول الله , فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه و بني عمِّه ) متفق عليه ..

و أفضل الصدقات أيضاً ، الذي ينفق فيه على الأهل المحتاجين و الأولاد , عن أبي مسعود
الأنصاري , عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا أنفق المسلم نفقة على أهله و هو
يحتسبها كانت له صدقة ) متفق عليه , و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَرْبَعُ دَنَانِيرَ : أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِهَا ؟ دِينَارٌ أَعْطَيْتَهُ مِسْكِينًا ، وَ دِينَارٌ
أَعْطَيْتَهُ فِي رَقَبَةٍ ، وَ دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ،
فَأَفْضَلُهَا الدِّينَارُ الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ) مسلم ,
لأن الصدقة على المسكين صدقة ، بينما الصدقة على ذي الرحم صدقة و صلة , عن سلمان
بن عامر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( الصدقة على المسكين صدقة ، و هي على
ذي الرحم ثنتان , صدقة و صلة ) أحمد و ابن ماجه و الترمذي ..

و أفضل الصدقات الصدقةُ في حال الصحة و القوة , فهي أفضل من الوصية بعد الموت أو
حال المرض و الاحتضار , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( جاء رجل إلى النَّبيِّ صلى الله
عليه و سلم فقال : يا رسول الله ، أي الصَّدقة أعظم أجرًا ؟ قال : أن تصدَّق و أنت صحيح
شحيح ، تخشى الفقر و تأمل الغنى ، و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلتَ : لفلان كذا ،
و لفلان كذا ، و قد كان لفلان ) متفق عليه ..

و أفضل الصدقات الصدقة الخفية , لأنَّها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة , قال تعالى :
( إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَ إِن تُخْفُوهَا وَ تؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ ) البقرة .
و مر معنا حديث أبي هريرة في الصحيحين , في السبعة الذين يظلهم الله في ظله ,
يوم لا ظل إلا ظله , و ذكر منهم : ( و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله
ما تنفق يمينه ) متفق عليه ..

أسأل الله سبحانه و تعالى بأسمائه الحسنى و صفاته العلى أن يجعلنا من المتصدقين
في كل أحوالنا ، في غنانا و فقرنا ، في صحتنا و مرضنا ، في حضرنا و سفرنا ، و في
سائر أحوالنا إنه ولي ذلك و القادر عليه , و أن يقبل صدقاتنا و يأخذها منا بيمينه
سبحانه ، و ينميها عنده ، حتى نأتي يوم القيامة و إذا هي كجبل أحد في ميزاننا ..
و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ..