فلنتق الله جميعًا في طلب أرزاقنا

ياراا

:: مسافر ::
15 يناير 2019
992
3
0
41
الحمدلله رب العالمين , أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد , و هو على
كل شيء قدير , و أشهد أن نبيَّنا و سيدَنا محمدًا عبدُه و رسولُه ، صلَّى الله و سلم و بارك عليه و
على آله و أصحابه أجمعين , ثم أما بعد ، فاتقوا الله تعالى , فإن في تقواه النجاة و الفلاح , قال
تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُون ) آل عمران ..

أيها المؤمنون , موضوعنا اليوم عن أمر يسبب قلقا لكل من خلقه الله من البشر إلا من رحم الله
ممن قلبه مطمئن بالإيمان ، هذا الأمر يتصارع عليه الناس ، و يتنافسون و يتقاتلون من أجله ،
و قد يظلم بعضهم بعضا , و قد يسرق بعضهم من بعض , و قد يرشي بعضهم بعضا , و يقبل
بعضهم الرشوة من بعض , مع أن هذا الأمر قد حسمه ربنا سبحانه ، ألا و هو أمر الرزق ..
و إن هذه القضية اعتقادية مهمة ، ينبغي للعبد المؤمن أن يعتقدها و يعمل بها ..
إذن قد يتساهل الكثير في الكسب و تحصيل المال ، و يصدق فيهم قول الرسول عليه
الصلاة و السلام : ( ليأتينّ على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال , أمن حلال أم من
حرام ) البخاري من حديث أبي هريرة ..

أيها المؤمنون , إن الله تعالى قد تكفل بأرزاق العباد ، فلا يطلب الرزق إلا منه تعالى ، قال تعالى :
( وَ فِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَ مَا تُوعَدُونَ ) الذاريات , يرزق البر و الفاجر ، و المؤمن و الكافر ، نعمة و
رحمة منه و فضلا يتفضل به الله على عباده أجمعين ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ ) الذاريات , فلا إله إلا الله وحده ، يختص بالرزق و يقدره و يبسطه لمن يشاء ، قال تعالى :
( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَ يَقْدِرُ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) سبأ , و قال تعالى :
( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ ۚ وَ مَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ
خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) سبأ , بل امتد رزقه للبهائم أيضا ، فيرزق الطير في أوكارها ، و السباع و الوحوش
و باقي حيوانات البر في جحورها ، و الحيتان و الأسماك ، بل شمل رزقه الدواب بأنواعها ، قال
تعالى : ( وَ مَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَ مُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي
كِتَابٍ مُبِينٍ ) هود , بل حتى إبليس عليه لعنة الله كتب الله رزقه ، ففي الحديث الصحيح عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( قَالَ إِبْلِيسُ : يَا رَبِّ ، كُلُّ
خَلْقِكَ بَيَّنْتَ رِزْقَهُ ، فَفِيمَا رِزْقِي ؟ قَالَ , فِيمَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمِي عَلَيْهِ ) أبو نعيم و صححه الألباني

و الحديث عن الرزق حديث ذو أهمية بالغة ، و خاصة في هذا الزمان الذي ضعف فيه إيمان
كثير من الناس بربهم ، و أن الرزق بيده سبحانه و أنه المتكفّل بالأرزاق , مما جعل اعتمادهم
و للأسف على خلق مثلهم ، يرجونهم أو يخشونهم على أرزاقهم , و يتقربون منهم و يتذللون
لهم , و كم نحن بحاجة عظيمة لنذكر أنفسنا و نعظها ليرسخ فيها أن الرزق لا يملكه أحد سوى
الله ، و أن الخلق كلهم لا يملكون لأحد نقيرا و لا قطميرًا ، كما قال عليه لابن عباس رضي
الله عنهما : ( وَ اعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ
كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ
عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَ جَفَّتْ الصُّحُفُ ) الترمذي و قال حسن صحيح ..
و لن تموت نفس حتى تستوعب رزقها الذي كتب لها , عن أبي أمامة رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إن رُوح القدس نفَثَ في رُوعي أن نفسًا لن تموت
حتى تستكمل أجلَها و تستوعب رِزقَها ، فاتَّقوا الله و أجمِلوا في الطلب ، و لا يحملَنَّ
أحدَكم استبطاءُ الرِّزق أن يطلبه بمعصية , فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته )
أبو نعيم في الحلية و صححه الألباني ..

أيها المؤمنون , تأملوا عظمة الله و فضله و إحسانه و كمال قدرته ، فالمخلوق الذي لا يحمل
الرزق يُحمل إليه الرزق , و الذي لا يملك قوت يومه أو غده ييسره الله سبحانه له , قال تعالى :
( وَ كَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَ إِيَّاكُمْ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) العنكبوت ..
و إن الرزق نفسه هو الذي يطلبك و ليس العكس , عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال , قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ ) البيهقي والطبراني
بإسناد جيد , و لفظ الطبراني : ( إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله ) ، و عن جابر رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَفِرُّ مِنَ المَوْتِ ،
لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كما يُدْرِكُهُ المَوْتُ ) أبو نعيم في الحلية , و صححه الألباني , فالأجل معروف ، و
كل الناس لا شك عندهم أنهم سيموتون و أن آجالهم آتية , فالرزق يطلبك أكثر مما يطلبك
أجلك كما أخبر بذلك رسولنا عليه الصلاة و السلام ..

أيها المؤمنون ، إن هذه الأرزاق قسمها ربنا سبحانه و تعالى و فرغ منها قبل أن يخرج الإنسان
إلى هذه الدنيا ، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( حدَّثَنا رسولُ الله صلى الله عليه
و سلم و هو الصادق المصدوق : إنَّ أحدَكُم يُجْمَعُ خلقُه في بطن أمِّه أربعين يومًا ، ثم يكون
علقةً مِثلَ ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يُرسَل الملَكُ ، فينفخ فيه الرُّوح ، و يُؤْمَر
بأربع كلمات: بِكَتْبِ رزقه و أجلِه و عملِه و شقيٌّ أو سعيد ) متفق عليه ..

أيها المؤمنون , إن على العبد المؤمن أن يعلم أن هذه الأرزاق قسمها الله بعلمه و حكمته
و لطفه بعباده ، فلم يقسمها بمعيار التقوى و الصلاح ، و إلا كان أغنى الخلق أحبهم لله و
هو حبيبنا رسول الله عليه الصلاة و السلام ، فهذه الأرزاق قال الله تعالى عنها : ( وَ لَوْ
بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَ لَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ )
الشورى , أي : أن الله تعالى خبير بعباده بصير ، يعلم ما يصلحهم , فتقسيم الأرزاق بعلم
الله و حكمته ، و كم من رجل صالح أو طالب علم كان من الأتقياء الصالحين ، فوسع الله
عليه في رزقه و أصبح من أهل الأراضي و العقارات ، ففتن و ترك العلم و الدعوة إلى
الله ، و كم من رجل فقير منيب إلى ربه لا تفوته صلاة في المسجد , يسارع إلى مرضاة
الله بكل رضا و قناعة , فتضييق الرزق يكون أحيانا هو الصالح لك , لتلجأ إلى الله و
تتوسل إليه ، و توسعة الرزق قد يكون فيه فساد كبير أحيانا ..

أيها المؤمنون , ما أحوجنا إلى صدق التوكل على الله و الرضا بما قسم لنا سبحانه من
الرزق , و إننا لنجد الناس تتكالَب على الدنيا كما مر آنفا ، و كلٌّ ينظر إلى ما في يد أخيه ،
الكل يجري و يلهث كالوُحُوش ، فأين نحن من التوكُّل الحق ؟
عن عمر رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( لو
أنكم تَتَوَكَّلون على الله حق توكله ، لَرَزَقَكُم كما يرزق الطير ، تغدو خماصًا ، و تروح
بطانًا ) التِّرمذي ..
فلنتق الله جميعًا في طلب أرزاقنا ، ( اتقوا الله و أجملوا في الطلب ) ، و لنثق بما عند
الله لنا ، قال تعالى : ( وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقَى ) طه , و لنشكره على ما رزقنا ، قال تعالى :
( كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ ) سبأ ، و لنوقن بالخلف بعد البذل و الإنفاق ، قال
تعالى : ( وَ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) سبأ , و قال تعالى :
( وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) طه

هذا و صلوا و سلموا على رسول الله , فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً : ( إِنَّ
اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) الأحزاب ,
اللهم صلِّ على محمد و على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك
على محمد و على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ..