عقوبة الجريمة و الذنب في الدنيا و الآخرة

ياراا

:: مسافر ::
15 يناير 2019
992
3
0
41
السلام عليكم أيها الأحباب الكرام

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله
فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن نبينا و
سيدنا محمداً عبده و رسوله ، اللهم صلِّ و سلم و بارك على عبدك و رسولك محمدٍ و على آله و صحبه
أجمعين . أما بعد : فاتقوا الله حق تقواه , فما أعظم أجرَ المتقين ، و ما أسعد حال الطائعين ..

أيها المؤمنون , إن عقوبة الجريمة و الذنب في الدنيا و الآخرة تكون بسبب قبح الجريمة و ضررها على فاعلها
و المجتمع , قال تعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ )
النحل ، و قال تعالى : ( و َلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) الأعراف .

و من الجرائم الخطيرة ، و الكبائر المهلكة و الذنوب المفسدة للفرد و المجتمع المخدِّرات و المسْكِرات ،
فما وقع أحد في شباكها إلا دمرته ، و لا تعاطاها أحد إلا أفسدته بأنواع الفساد ، و لا انتشرت في مجتمع
إلا أحاط به الشر كله ، و وقع في أنواع من البلاء ، و حدثت فيه كبار الذنوب ، و وقعت فيه مفاسد يعجِز
عن علاجها العقلاء و المصلحون .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الأَنصَابُ وَ الأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ , إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ و الْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ
يَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَ عَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ , وَ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَ أَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَ احْذَرُواْ فَإِن
تَوَلَّيْتُمْ فاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِين ) المائدة .
و قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( اجتنبوا الخمر , فإنها أم الخبائث ) ، و روى الحاكم أن النبي صلى
الله عليه و سلم قال : ( اجتنبوا الخمر , فإنها مفتاح كل شر ) و قال حديث صحيح .
و عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ( أوصاني خليلي ، لا تشرب الخمر , فإنها مفتاح كل شر ) رواه ابن
ماجه و البيهقي ، و المخدرات أعظم ضرراً من الخمر , فهي محرمة أشدَّ التحريم ، و في الصحيحين و
غيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( كل مسكر خمر ، و كل
مسكر حرام , و من شرب الخمر في الدنيا فمات و هو مدمنها لم يشربها في الآخرة ) . و في رواية :
( من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب لم يشربها في الآخرة و إن دخل الجنة ) , هذه الرواية للبيهقي .
وفي رواية مسلم : ( من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة ) .
قال الخطابي ثم البغوي في شرح السنة وغيرهما : وفي قوله حرمها في الآخرة وعيد بأنه لا يدخل الجنة لأن
شراب أهل الجنة خمر إلا أنهم ( لا يصدعون عنها و لا ينزفون ) الواقعة , و من دخل الجنة لا يحرم شرابها ..

و أضرار المخدرات و مفاسدها كثيرة .

و منها ما عرفه الناس ، و منها ما لم يعرفه بعد ، و المخدرات بجميع أنواعها حرمها الله و حرمها رسوله
صلى الله عليه و سلم سواء كانت نباتاً ، أو حبوباً ، أو مطعوماً ، أو مشروباً ، أو استنشاقاً ، أو إبراً ..
فالمخدرات بجميع أحوالها شددت الشريعة في الزجر عنها و تحريمها , لما فيها من الأضرار و التدمير، و لما
فيها من الشر ، و لما تُسبِّب لمتعاطيها بتحويله إلى إنسان شرير يُتوقَّع منه الإفساد و الجريمة ، و لا يُرْجى
منه خيرٌ ، و قد نادى عقلاء العالم بإنقاذ المجتمعات من وَيْلات المخدرات لما شاهدوا من الكوارث .
و ضرر المخدرات على متعاطيها و على المجتمع كبير , و أضرارها كثيرة لا تحصر إلا بكلفة ،

فمن أضرار المخدرات على متعاطيها :

ـــ ذَهابُ العقل , و العقل هو ميزة الإنسان عن البهائم , و من ذهب عقله أقدم على الجرائم و تخلى عن
الفضائل , فلقد كرم الله عز و جل بني الإنسان على كثير من مخلوقاته , قال تعالى ( وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ
وَ حَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَ ٱلْبَحْرِ وَ رَزَقْنَـٰهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَ فَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) الإسراء .
ـــ تبدُّل طبائع الإنسان و مسخُه إلى شيطان من الشياطين ، و تخليه عن صفات الصالحين .
ـــ السفه في التصرف , فيفعل ما يضره و يترك ما ينفعه ، قد قاده الشيطان إلى كل رذيلة ،
و أبعده عن كل فضيلة .
ـــ فساد التدبير , فيفقد الفكر الصحيح و الرأي السديد ، و يحجب عن عواقب الأمور و لا ينظر إلا
إلى لذة الساعة التي هو فيها , و إن كان فيها هلاكُه و ضرره و حتفه .
ـــ فقدانه للأمانة و تفريطه فيما يجب حفظه و رعايته , فلا يؤمن على مصلحة عامة ، و لا على أموال و لا
على عمل ، و لا يؤمن حتى على محارمه و أسرته , لأن المخدرات قد أفسدت عليه إنسانيته و العياذ بالله .
ـــ انهيار الأسرة و ضياعها , و التي هي اللبنة الأولى لصلاح المجتمع , و من ثم انهيار المجتمع و ضياعه ,
و كثرة حالات الطلاق ، وقوع العداوة و البغضاء ، و انطفاء نار الغيرة على العرض في قلب المدمن : بل
إنه قد يلجأ و العياذ بالله إلى المتاجرة بعرضه للحصول على المخدر .
ـــ أن يكون متعاطيها عالةً على المجتمع ، فلا يقدم لمجتمعه خيراً و لا يفلح فيما يُسْندُ إليه , بل يكون
منبوذا و مكروهاً حتى من أقرب الناس إليه .
ـــ تبديده لماله و عدم قدرته على الكسب الشريف , فيلجأ إلى كسب المال بطرق إجرامية .
ـــ تدهورُ الصحة العامة ، و الوقوعُ في أمراض مستعصية تسلم صاحبها إلى الموت .
ـــ فقد الرجولة ، و الميل إلى الفواحش و الفجور من الرجل أو المرأة .
ـــ قِصرُ العمر , لما تسببه من تدمير لأجهزة البدن و لما يعتري صاحبَها من الهموم و الاكتئاب .
ـــ ثقل الطاعة و كراهيتها و بغضها ، و كراهية الصالحين و بغضهم وعدم مجالستهم ، و البعد عن مواطن
الذكر و العبادة ، و حب الجرائم و المعاصي ، ومصاحبة الأشرار و صداقتهم و مودتهم .
ـــ تسلط الشياطين على متعاطيها , و بُعْد ملائكة الرحمة عنه حتى تورده جهنم , قال تعالى : ( و َمَن يَعْشُ
عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ , وَ إِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ,
حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ , وَ لَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ
أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) الزخرف .
ـــ حلولُ اللعنة لمتعاطيها إلا أن يتوب , لقوله صلى الله عليه و سلم : ( لعن الله الخمر و شاربها و ساقيها
و مبتاعها و بائعها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمولة إليه ) رواه أبو داود من حديث ابن عمر
رضي الله عنهما و اللفظ له ، و ابن ماجة و زاد ( و آكل ثمنها ) , و روى مثله ابن ماجة و الترمذي و قال
غريب من حديث أنس . قال الحافظ المنذري : رواته ثقات . و أخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح و ابن حبان
في صحيحه والحاكم و قال صحيح الإسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( سمعت رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقول : أتاني جبريل فقال يا محمد إن الله لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و شاربها و
حاملها و المحمولة إليه و بائعها و مبتاعها و ساقيها و مسقاها ) .
بل لقد توعد الله سبحانه من تمادى في تعاطي الخمر و ما في حكمها حتى مات و لم يتب بالعذاب الأليم ،
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من مات و هو يشرب الخمر كان حقاً على الله أن يسقيه من
طينة الخبال ) رواه مسلم , و هي عصارة أهل النار ، و قذارتهم ، و قيحهم ، و صديدهم .
و في الحديث : ( من شرب حسوة من خمر لم يقبل الله منه ثلاثة أيام صرفاً و لا عدلاً ، و من شرب كأساً
لم يقبل الله صلاته أربعين صباحاً ، و المدمن الخمر حقٌّ على الله أن يسقيه من نهر الخبال ، قيل : يا
رسول الله ، و ما نهر الخبال ؟ قال : صديدُ أهل النار ) رواه الطبراني . و في الحديث : عن النبي صلى الله
عليه و سلم : ( ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة : مدمنُ الخمر ، و عابد وثن ، و مدمن الخمر و الديوث ) .

و المخدرات أعظم من الخمر فالنهي عن الخمر نهيٌ عن المخدرات و الوعيد على الخمر وعيد على المخدرات .

و من أضرار المخدرات على المجتمع :

- فُشُوُّ الجرائم المتنوعة فيه ، و انتشار الفواحش و المنكرات , و قد تجد من قتل أخاه و صديقه , بل
و العياذ بالله قد تجد من قتل أباه أو أمه من أجل المال و ذلك للحصول عليها .
ـــ أنها توقع العداوة و البغضاء ، و تصور لشاربها خلاف الواقع ، و يتوهم و هو سكران القدرة على
مصارعة الأُسود ، و أنه السيد المطاع و الحاكم المطلق و البحر العظيم في الكرم و الجود .
ـــ ضياع الأسر و انحراف الناشئة , لأنهم بدون عائل يسلكون الغواية .
ـــ نزول العقوبات و الفتن , قال الله تعالى : ( و َاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ
خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الأنفال .

و المخدرات يزرعها و يصنعها و يصدرها شياطين الإنس , ليحققوا مقصدين يسعون لهما , المقصد الأول :
إفساد المجتمعات حتى لا يفكر متعاطي المخدرات إلا بما تهتم به البهائم ، و إذا فشى في المجتمع
المخدرات فلم تحارب فقد تُوُدِّع منها , المقصد الثاني : كسب المال الحرام و بئس الكسب , فالمال
المكتسب من المخدرات و المسكرات لا خيرَ و لا بركةَ فيه بل هو يفسد القلب و يدمر البيوت و يشتت
الأسر و يدمرها و يورث الخزي و العار و انقطاع النسل .

و إذا كانت هذه أضرار المخدرات فإننا نتساءل ، كيف يجرؤ المسلم العاقل أن يتعاطى هذه السموم ؟
و ما أسباب هذه الظاهرة الخطيرة و الجريمة العظيمة ؟

1 - ضعف الإيمان : و لهذا يقول عليه الصلاة و السلام في حديث أبي هريرة المتفق عليه : ( لا يزني
الزاني حين يزني و هو مؤمن ، و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن ) . و إن أقواماً ضَعُف إيمانُهم
و نَسُوا ربَّهم , و اتبعوا أهواءهم , و هجروا مساجدَهم ، هم أقربُ الناس إلى طريق المخدرات .
2 - ضعف التربية الأسرية , بإهمال الوالدين و تقصيرهم في تربيةَ أولادهم , أو القسوة و الكبت و
الحرمان ، أو التفرقةِ و عدمِ العدل بين الأولاد , و كذلك بتدليل الأبناء المفرط ، و ضعفُ جانب
الحزم و المنع و الوقاية في الأسرة .
3 - القدوة السيئة , و ذلك بأن يقع أحدُ الوالدين في تعاطي المخدرات , فيسلك الأبناء هذا الطريق .
4 - التفكك الأسري و كثرة الخلافات بين الزوجين ، و قل مثل ذلك في طول غياب الوالدين عن المنزل ،
فالوالد مشغول بعمله أو تجارته أو جلساته و سهراته , و الوالدة مشغولة بعملها أو زياراتها لصديقاتها .
5 - رفقة السوء , فهم مفاتيح الشرور , و أعوان الشياطين , الذين ربما يلتقي بهم الشاب في المدرسة
أو الحي أو حتى في بيت أحدهم ، أو النوادي و الحدائق و الأماكن العامة .
6 - وسائل الإعلام ، خصوصا ما يعرض في بعض القنوات الفاسدة من مشاهد شرب الخمور و تعاطي
المخدرات ، مما يغري الشباب بل و الفتيات بشربها , من باب حب الاستطلاع و التجربة و التقليد .
7 - السفر إلى الخارج ، فالكثير من متعاطي المخدرات في هذه البلاد سبق لهم السفر إلى الخارج ،
يسافرون عندما يسافرون إلى مجتمعات غريبة عليهم , و يعودون عبر بوابات الوهم و الإدمان .

أيها المؤمنون , احذروا مصائد الشيطان الكثيرة التي يصطاد بها أتباعَه ليكونوا معه في جهنم خالدين .
و لكثرة مفاسد و أضرار المخدرات فقد حاربت الدولة أعزها الله هذه المخدرات ، و أعدت في المنافذ و
المطارات مسئولين يحبطون و يكتشفون عمليات التهريب و يوقعون العقوبة على المفسدين بالتهريب .

فيا أيها المسئول أنت على ثغر كبير ، فإياك أن يدخل الشر و الدمار على مجتمعك من المنفذ الذي
وُضعتَ فيه , فإن ولي الأمر ائتمنك على مسئولية و أمانة تحاسب عليها أمام الله تعالى .

و يا أيها الأب و الوصي و الأخ و المدرس و الأم و القريب , أحسنوا الرعاية على أولادكم ذكورِهم و إناثِهم ,
و جنبوهم جلساءَ السوء ، و امنعوهم من أماكن الفساد ، و احذروا عليهم من السهر مع رُفقة السوء ، و
امنعوهم من الدخان فإنه بداية المخدرات و المفتِّرات . و الطفل الذي هو في مقتبل الحياة لا يعرف خيراً
و لا شراً إلا أن وليه والمسئول عنه هو الذي يجب عليه أن يجنِّبه كلَّ ضار ، و أن يرشده إلى كل خير و نافع .
و يا أيها المجتمع بأفراده و طوائفه كونوا متعاونين على فعل الخيرات و محاربة المنكرات ..

أما أنت أيها المروج ، نعم أنت أيها المروج , كيف تطيب نفسُك أيها المروج بأن تدمر نفسَك و مجتمعك ,
و أن تسعى للإفساد و الفساد في الأرض و أن تكون من حزب الشيطان ، و أن تكون من الذين يسعون
في الأرض فساداً ؟ أينفعك مالك ؟ أتنفعك دنياك ؟ أينفعك شيء اكتسبته من هذا الطريق حرام ؟ ,
اتق الله في نفسك ، و ارجع إلى الله عز و جل و كن داعياً إلى الخير ، و لا تكن سبباً في الشر و داعياً إلى
الشر , قال الله تعالى : ( و تَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَ التَّقْوَى وَ لاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ وَ اتَّقُواْ اللّهَ
إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة ..

و من الشرور العظيمة عموما أيها المؤمنون , كلُّ مسكر ، و كل مفتر ، و كل مخدر ، و إن النبي صلى الله
عليه و سلم لما سئل عن أشياء ، لما سئل عن التمر يتخذ منه الخمر ، و عن الذرة و عن حبوب أخرى يتخذ
منها الخمر قال : ( كل مسكر حرام ) ، و المسكر أيها المؤمنون هو ما غطى العقل و أزاله
و أفسده , و المفتر هو ما فتر الأعضاء و أدخل عليها الرخاوة و الكسل ، و غيَّر طبيعة الإنسان .
و من ابْتُلي بشيء من هذا ، من ابتلي بالخمر و من ابتلي بالمخدرات أو بالمفترات فليَتُبْ إلى الله تبارك و
تعالى , فإن الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات ، و قد أمر الله عز و جل بالتوبة
فقال : ( وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور ..
و الله تبارك و تعالى يفرح بتوبة عبده فبادروا إلى التوبة ، و النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ( كلكم
خَطَّاء ، و خير الخطائين التوابون ) , فتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .
و المسلم بهذه التوبة يحسن إلى نفسه و يحسن إلى مجتمعه و يحسن إلى أسرته و يحسن إلى أقربائه ,
و الله تبارك و تعالى إذا علم صدق النية فإنه يعين على ذلك قبل أن يأتي يومٌ لا ينفع فيه الندم , فإنه
سيأتي عليه يومٌ يندم فيه ، و لكن وقت الندم لا ينفعه ..
و إن احتاج إلى المساعدة الطبية و النفسية لترك هذه المخدرات فليتقدم إلى المراكز التي أعدتها الدولة
لتوجيه المدمنين و علاجهم ، و ليقبل نصح الناصحين و ليخلع هواه و يبتعد عن رفقة السوء , فإن هؤلاء
هم الذين أوقعوه فيما هو فيه و سيوقعونه غدًا فيما هو أعظم ، أو أن يوضع في السجن بأسبابهم و
أن يضيع كثيراً من عمره أو يضيع عمره كله .

فاتقوا الله أيها المؤمنون و تعاونوا على الخير و حاربوا الشر فإن الله تعالى جعل من صفات المؤمنين
أن يوصي بعضُهم بعضاً لكل خير و أن يتآمروا بالمعروف و يتناهوا عن المنكر , قال تعالى : ( وَ الْعَصْرِ ,
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ , إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْ ) العصر ..

اللهم صلِّ و سلِّم و بارك على عبدك و رسولك محمد ، اللهم صلِّ على سيد الأولين والآخرين و إمام
المرسلين , اللهم و ارض عن الصحابة أجمعين ، و عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر و عمر و عثمان
و علي ، و عن سائر أصحاب نبيك أجمعين ، و عن التابعين و من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
اللهم و ارضَ عنا معهم بمنك و كرمك و رحمتك يا أرحم الراحمين ..
أيها المؤمنون : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَ إِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَ الْمُنكَرِ وَ الْبَغْيِ
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ , وَ أَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَ لاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ
اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) النحل ..