الحمدلله رب العالمين , أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد , و هو على كل
شيء قدير , قال تعالى : ( وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَ
قَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) الزمر , و أشهد أن نبيَّنا و سيدَنا محمدًا عبدُه و
رسولُه القائلُ : ( كلُّ أمتي يدخُلون الجنةَ إلا من أبَى , قيل و من يأبَى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعَني
دخلَ الجنةَ ، و من عصانِي فقد أبَى ) البخاري ، صلَّى الله و سلم عليه و على آله و أصحابه أجمعين ,
ثم أما بعد ، فاتقوا الله تعالى , فإن في تقواه النجاة و الفلاح , ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَ لَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران ..
أيها المؤمنون , خلقَ الله الجنةَ و جعلَها دارًا لأوليائِه و مقرًّا لأصفيائه ، و ملأها من رحمته و كرامته
و رِضوانِه ، و رغَّبَ فيها و دعا إليها و سمَّاها دارَ السلام ، دارٌ لا ينفَدُ نعيمُها و لا يَبِيد ، دارٌ فيها من
كل خيرٍ مَزيد ، قد تشوَّقَت لطالِبِيها و تزَيَّنَت لمُريدِيها ، عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن رسول الله
صلى الله عليه و سلم قال : ( قال الله تعالى , أعددتُ لعبادي لصالحِين ما لا عينٌ رأَت ، و لا أُذنٌ
سمِعَت ، و لا خطَر على قلبِ بشر ) متفق عليه .
دارٌ أشرقَ بهاؤُها و طابَ فِناؤُها و عظُم بناؤُها ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( قلنا يا رسول الله ,
الجنة ما بناؤها ؟ قال , لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَ مِلاطُهَا المسْكُ الأَذْفَرُ ، وَ حَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ
وَ اليَاقُوتُ وَ تُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ ، مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ وَ لا يَبْأَسُ وَ يُخَلَّدُ وَ لا يَمُوتُ ، لا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَ لا يَفْنَى
شَبَابُهُمْ ) الترمذي و الدارمي , و عن أبي سعيد رضي الله عنه : ( أن ابن صياد سأل النبي صلى الله
عليه و سلم عن تربة الجنة , فقال : «دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ ، مِسْكٌ خَالِصٌ ) مسلم ..
أيها المؤمنون , إسألوا الله تعالى الجنة , إسألوا الله تعالى بهمة عالية الفردوس الأعلى منها , قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس , فإنه أعلى الجنة ، و
أوسط الجنة ، و منه تُفجّر أنهار الجنة ، و فوقه عرش الرحمن ) متفق عليه ..
أولُ من يقرعُ بابَ الجنة هو نبيُّنا و سيِّدُنا محمدٌ صلى الله عليه و سلم ، عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( آتي يوم القيامة باب الجنة فأستفتح ,
فيقول الخازن , من أنت ؟ فأقول محمد , فيقول , بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك ) مسلم .
و حوضُ النبي صلى الله عليه و سلم في أرض الموقف ، عرضُه مثلُ طولِه ما بين ناحِيَتيه مسيرةُ
شهرٍ ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال , قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( حَوْضِي
مَسِيْرَةُ شَهْرٍ ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ ، وَ رِيْحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ ، وَ كِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ ، مَنْ
شَرِبَ مِنْهَا فَلا يَظْمَأُ أَبَداً ) متفق عليه ..
و أولُ زُمرةٍ يدخُلون الجنةَ على صُورة القَمر ليلة البدر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال , قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : ( إنّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إضَاءَةً ، لا يَبُولُونَ وَ لا يَتَغَوَّطُونَ ، وَ لا يَتْفِلُونَ وَ لا يَمْتَخِطُونَ ،
أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَ رَشْحُهُمُ المِسْكُ وَ مَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ ، وَ أَزْوَاجُهُمُ الحُورُ العِينُ ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ
وَاحِدٍ ، عَلَى صُورَةِ أَبِيْهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي السَّمَاءِ ) متفق عليه ..
و عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ
جُرْداً مُرْداً مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاثِينَ ، أَوْ ثَلاثٍ وَ ثَلاثِينَ سَنَةً ) أخرجه أحمد و الترمذي ,
و قال عليه الصلاة و السلام : ( يُنَادِي مُنَادٍ - يعني في أهل الجنة - : إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا
تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا ، وَ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَ إِنَّ لَكُمْ
أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا ) مسلم ..
أما أدنى أهل الجنة منزلة , فعن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قال , قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و
سلم : ( إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا ، وَ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّة ، رَجُلاً يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا ،
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ , فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إليه أَنَّهَا مَلأَى فَيَقُولُ , يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى ،
فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ : اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ . فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إليه أَنَّهَا مَلأَى . فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ
وَجَدْتُهَا مَلأَى ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَ عَشَرَةَ أَمْثَالِهَا ,
فَيَقُولُ : أَتَسْخَرُ بِي أَوْ تَضْحَكُ مِنِّى وَ أَنْتَ الْمَلِكُ , قال : فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و
سلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، فَكَانَ يَقولُ : ذَلِكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ..
و أما أعلاهُم منزلةً , فقد جاء في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه , عنه صلى الله عليه و
سلم : ( ... فَيَقُولُ الله : هَذَا لَكَ وَ عَشَرَةُ أمْثَالِهِ ، وَ لَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَ لَذَّتْ عَيْنُكَ ، فَيَقُولُ :
رَضِيتُ رَبِّ , قال : رَبِّ فَأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً ؟ قال : أولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي ، وَ خَتَمْتُ
عَلَيْهَا ، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَ لَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ وَ لَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ , قال وَ مِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ الله عَزَّ
وَ جَلَّ : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ) مسلم ..
أما نساء أهل الجنة , فلسن كنساء الدنيا , ألم تسمع قوله تعالى ( و لهم فيها أزواج مطهرة ) البقرة ،
مطهرة من الحيض و النفاس ، و من البول و الغائط , و المخاط و البصاق و سائر الأنجاس , و قال
تعالى : ( كَذَلِكَ وَ زَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) الدخان , الحوراء : الشابة الجميلة البيضاء ، شديدة سواد العين
شديدة بياضها , و العيناء واسعة العينين , و عن أنس رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه
و سلم قال : ( لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً ، و لأضاءت ما
بينهما ، و لنصيفها على رأسها خير من الدنيا و ما فيها ) متفق عليه , و عن أبي هريرة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين ، على كل
واحدة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من وراء اللحم ) أحمد ..
و قد وصف الله أهل الجنة بأنهم في شغل ، قال تعالى : ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل
فاكهون , هم و أزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون , لهم فيها فاكهة و لهم ما يدعون ) يسن ,
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( شغلهم افتضاض العذارى ) ..
أما طعام أهل الجنة و شرابهم فهو ألذ و أشهى من طعامنا و شرابنا ، قال تعالى : ( و فاكهة مما
يتخيرون , و لحم طير مما يشتهون ) الواقعة , وقال تعالى : ( وَ أَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَ لَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ )
الطور , و إذا اشتهيت الفاكهة في الجنة ، فهي بين يديك قريبة دانية , قال تعالى : ( قطوفها دانية )
الحاقة ، و قال تعالى : ( وَ دَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ) الإنسان , يرى أحدهم الطير في
السماء فيشتهيه ، فإذا به يسقط بين يديه ناضجاً شهياً , قال تعالى : ( وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) فصِّلت , و قال تعالى : ( و لحم طير مما يشتهون ) الواقعة ..
و من مشارب أهل الجنة عيون تفجر لهم بألذ ما يطلبه الشاربون , قال تعالى : ( وَ يُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا
كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا , عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ) الإنسان , و قال تعالى : ( يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ,
خِتَامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ , وَ مِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ , عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ )
المطَّففين , و هذه العيون تتفجر لهم في أي مكان من الجنة إذا اشتهوا شرابها , قال تعالى : ( عَيْنًا
يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) الإنسان , و يدار عليهم بالأشربة في كل مكان ، و تصلهم في
كل أوان , قال تعالى : ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ , بِأَكْوَابٍ وَ أَبَارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ , لَا
يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَ لَا يُنْزِفُونَ ) الواقعة ..
و أما تصريف الطعام و الشراب في الجنة , فليس كما هو في الدنيا ، بل هو جشاء و رشح يفيض
مسكاً , كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فيها وَ يَشْرَبُونَ و لا يَتَغَوَّطُونَ و لا
يَمْتَخِطُونَ و لا يَبُولُونَ وَ لَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ ) مسلم .
و أما ثياب أهل الجنة ، فليست كثيابنا ، قال تعالى : ( عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَ حُلُّوا
أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَ سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ) الإنسان , فوصف الله ثياب أهل الجنة بحسن ألوانها
فقال : ( خضر ) , و وصفها بطيب ملمسها فقال : ( ثياب سندس خضر و إستبرق ) , و السندس
ما رق من الحرير ، و الإستبرق ما غلظ منه , و مع هذه الثياب الجميلة ، يحلون بالحلي و الأساور ,
قال تعالى : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤًا ۖ وَ لِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ )
فاطر , عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : ( أتى النبي صلى الله عليه و سلم بثوب من حرير ،
فجعلوا يعجبون من حسنه و لينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لمناديل سعد بن معاذ
في الجنة أفضل من هذا ) البخاري ..
أيها المؤمنون , إن أعظم ما يعطاه أهل الجنة , رؤية الله سبحانه وتعالى و رضاه , عن أبي سعيد رضي
الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن الله تعالى يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ،
فيقولون : لبيك ربنا و سعديك و الخير كله في يديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : و ما لنا لا
نرضى يا رب و قد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟
فيقولون : يا رب و أي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده
أبداً ) متفق عليه , و قد صرح ربنا تبارك و تعالى برؤية العباد لربهم في جنات النعيم : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
ناضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) القيامة , و عن صهيب الرومي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة ، يقول تبارك و تعالى : تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون : ألم
تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ، و تنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئاً أحب
إليهم من النظر إلى ربهم تبارك و تعالى ) مسلم , و عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( كنا عند
رسول الله صلى الله عليه و سلم فنظرَ إلى القمر ليلةَ البدر ، و قال : إنكم سترَون ربَّكم عِيانًا كما ترَون
هذا القمرَ ، لا تُضامُون في رُؤيتِه ) متفق عليه ..
أيها المؤمنون , تلك بعضُ أوصافِ الجنة و نعيمِها , فكيف يُفرِّطُ في هذا النعيمِ المُفرِّطُ لأجل دُنيا دنِيَّة
زائلة , هو عنها منتقل , فالحَذَر الحَذَر أيها المؤمنون ، فالموتُ معقودٌ بنواصِيكم ، و الدنيا تُطوَى من
ورائِكم ، عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : ( مَنْ خَافَ أَدْلَجَ ،
وَ مَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ )
الترمذي و قال حديث حسن ..
ألا و صلوا و سلموا رحمكم الله على خير البرية و أزكى البشرية , فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال :
( إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليماً ) الأحزاب ..
شيء قدير , قال تعالى : ( وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَ
قَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) الزمر , و أشهد أن نبيَّنا و سيدَنا محمدًا عبدُه و
رسولُه القائلُ : ( كلُّ أمتي يدخُلون الجنةَ إلا من أبَى , قيل و من يأبَى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعَني
دخلَ الجنةَ ، و من عصانِي فقد أبَى ) البخاري ، صلَّى الله و سلم عليه و على آله و أصحابه أجمعين ,
ثم أما بعد ، فاتقوا الله تعالى , فإن في تقواه النجاة و الفلاح , ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَ لَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران ..
أيها المؤمنون , خلقَ الله الجنةَ و جعلَها دارًا لأوليائِه و مقرًّا لأصفيائه ، و ملأها من رحمته و كرامته
و رِضوانِه ، و رغَّبَ فيها و دعا إليها و سمَّاها دارَ السلام ، دارٌ لا ينفَدُ نعيمُها و لا يَبِيد ، دارٌ فيها من
كل خيرٍ مَزيد ، قد تشوَّقَت لطالِبِيها و تزَيَّنَت لمُريدِيها ، عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن رسول الله
صلى الله عليه و سلم قال : ( قال الله تعالى , أعددتُ لعبادي لصالحِين ما لا عينٌ رأَت ، و لا أُذنٌ
سمِعَت ، و لا خطَر على قلبِ بشر ) متفق عليه .
دارٌ أشرقَ بهاؤُها و طابَ فِناؤُها و عظُم بناؤُها ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( قلنا يا رسول الله ,
الجنة ما بناؤها ؟ قال , لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَ مِلاطُهَا المسْكُ الأَذْفَرُ ، وَ حَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ
وَ اليَاقُوتُ وَ تُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ ، مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ وَ لا يَبْأَسُ وَ يُخَلَّدُ وَ لا يَمُوتُ ، لا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَ لا يَفْنَى
شَبَابُهُمْ ) الترمذي و الدارمي , و عن أبي سعيد رضي الله عنه : ( أن ابن صياد سأل النبي صلى الله
عليه و سلم عن تربة الجنة , فقال : «دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ ، مِسْكٌ خَالِصٌ ) مسلم ..
أيها المؤمنون , إسألوا الله تعالى الجنة , إسألوا الله تعالى بهمة عالية الفردوس الأعلى منها , قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس , فإنه أعلى الجنة ، و
أوسط الجنة ، و منه تُفجّر أنهار الجنة ، و فوقه عرش الرحمن ) متفق عليه ..
أولُ من يقرعُ بابَ الجنة هو نبيُّنا و سيِّدُنا محمدٌ صلى الله عليه و سلم ، عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( آتي يوم القيامة باب الجنة فأستفتح ,
فيقول الخازن , من أنت ؟ فأقول محمد , فيقول , بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك ) مسلم .
و حوضُ النبي صلى الله عليه و سلم في أرض الموقف ، عرضُه مثلُ طولِه ما بين ناحِيَتيه مسيرةُ
شهرٍ ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال , قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( حَوْضِي
مَسِيْرَةُ شَهْرٍ ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ ، وَ رِيْحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ ، وَ كِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ ، مَنْ
شَرِبَ مِنْهَا فَلا يَظْمَأُ أَبَداً ) متفق عليه ..
و أولُ زُمرةٍ يدخُلون الجنةَ على صُورة القَمر ليلة البدر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال , قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : ( إنّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إضَاءَةً ، لا يَبُولُونَ وَ لا يَتَغَوَّطُونَ ، وَ لا يَتْفِلُونَ وَ لا يَمْتَخِطُونَ ،
أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَ رَشْحُهُمُ المِسْكُ وَ مَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ ، وَ أَزْوَاجُهُمُ الحُورُ العِينُ ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ
وَاحِدٍ ، عَلَى صُورَةِ أَبِيْهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي السَّمَاءِ ) متفق عليه ..
و عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ
جُرْداً مُرْداً مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاثِينَ ، أَوْ ثَلاثٍ وَ ثَلاثِينَ سَنَةً ) أخرجه أحمد و الترمذي ,
و قال عليه الصلاة و السلام : ( يُنَادِي مُنَادٍ - يعني في أهل الجنة - : إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا
تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا ، وَ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَ إِنَّ لَكُمْ
أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا ) مسلم ..
أما أدنى أهل الجنة منزلة , فعن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قال , قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و
سلم : ( إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا ، وَ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّة ، رَجُلاً يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا ،
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ , فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إليه أَنَّهَا مَلأَى فَيَقُولُ , يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى ،
فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ : اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ . فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إليه أَنَّهَا مَلأَى . فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ
وَجَدْتُهَا مَلأَى ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَ عَشَرَةَ أَمْثَالِهَا ,
فَيَقُولُ : أَتَسْخَرُ بِي أَوْ تَضْحَكُ مِنِّى وَ أَنْتَ الْمَلِكُ , قال : فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و
سلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، فَكَانَ يَقولُ : ذَلِكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ..
و أما أعلاهُم منزلةً , فقد جاء في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه , عنه صلى الله عليه و
سلم : ( ... فَيَقُولُ الله : هَذَا لَكَ وَ عَشَرَةُ أمْثَالِهِ ، وَ لَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَ لَذَّتْ عَيْنُكَ ، فَيَقُولُ :
رَضِيتُ رَبِّ , قال : رَبِّ فَأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً ؟ قال : أولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي ، وَ خَتَمْتُ
عَلَيْهَا ، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَ لَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ وَ لَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ , قال وَ مِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ الله عَزَّ
وَ جَلَّ : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ) مسلم ..
أما نساء أهل الجنة , فلسن كنساء الدنيا , ألم تسمع قوله تعالى ( و لهم فيها أزواج مطهرة ) البقرة ،
مطهرة من الحيض و النفاس ، و من البول و الغائط , و المخاط و البصاق و سائر الأنجاس , و قال
تعالى : ( كَذَلِكَ وَ زَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) الدخان , الحوراء : الشابة الجميلة البيضاء ، شديدة سواد العين
شديدة بياضها , و العيناء واسعة العينين , و عن أنس رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه
و سلم قال : ( لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً ، و لأضاءت ما
بينهما ، و لنصيفها على رأسها خير من الدنيا و ما فيها ) متفق عليه , و عن أبي هريرة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين ، على كل
واحدة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من وراء اللحم ) أحمد ..
و قد وصف الله أهل الجنة بأنهم في شغل ، قال تعالى : ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل
فاكهون , هم و أزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون , لهم فيها فاكهة و لهم ما يدعون ) يسن ,
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( شغلهم افتضاض العذارى ) ..
أما طعام أهل الجنة و شرابهم فهو ألذ و أشهى من طعامنا و شرابنا ، قال تعالى : ( و فاكهة مما
يتخيرون , و لحم طير مما يشتهون ) الواقعة , وقال تعالى : ( وَ أَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَ لَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ )
الطور , و إذا اشتهيت الفاكهة في الجنة ، فهي بين يديك قريبة دانية , قال تعالى : ( قطوفها دانية )
الحاقة ، و قال تعالى : ( وَ دَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ) الإنسان , يرى أحدهم الطير في
السماء فيشتهيه ، فإذا به يسقط بين يديه ناضجاً شهياً , قال تعالى : ( وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) فصِّلت , و قال تعالى : ( و لحم طير مما يشتهون ) الواقعة ..
و من مشارب أهل الجنة عيون تفجر لهم بألذ ما يطلبه الشاربون , قال تعالى : ( وَ يُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا
كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا , عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ) الإنسان , و قال تعالى : ( يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ,
خِتَامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ , وَ مِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ , عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ )
المطَّففين , و هذه العيون تتفجر لهم في أي مكان من الجنة إذا اشتهوا شرابها , قال تعالى : ( عَيْنًا
يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) الإنسان , و يدار عليهم بالأشربة في كل مكان ، و تصلهم في
كل أوان , قال تعالى : ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ , بِأَكْوَابٍ وَ أَبَارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ , لَا
يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَ لَا يُنْزِفُونَ ) الواقعة ..
و أما تصريف الطعام و الشراب في الجنة , فليس كما هو في الدنيا ، بل هو جشاء و رشح يفيض
مسكاً , كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فيها وَ يَشْرَبُونَ و لا يَتَغَوَّطُونَ و لا
يَمْتَخِطُونَ و لا يَبُولُونَ وَ لَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ ) مسلم .
و أما ثياب أهل الجنة ، فليست كثيابنا ، قال تعالى : ( عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَ حُلُّوا
أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَ سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ) الإنسان , فوصف الله ثياب أهل الجنة بحسن ألوانها
فقال : ( خضر ) , و وصفها بطيب ملمسها فقال : ( ثياب سندس خضر و إستبرق ) , و السندس
ما رق من الحرير ، و الإستبرق ما غلظ منه , و مع هذه الثياب الجميلة ، يحلون بالحلي و الأساور ,
قال تعالى : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤًا ۖ وَ لِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ )
فاطر , عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : ( أتى النبي صلى الله عليه و سلم بثوب من حرير ،
فجعلوا يعجبون من حسنه و لينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لمناديل سعد بن معاذ
في الجنة أفضل من هذا ) البخاري ..
أيها المؤمنون , إن أعظم ما يعطاه أهل الجنة , رؤية الله سبحانه وتعالى و رضاه , عن أبي سعيد رضي
الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن الله تعالى يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ،
فيقولون : لبيك ربنا و سعديك و الخير كله في يديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : و ما لنا لا
نرضى يا رب و قد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟
فيقولون : يا رب و أي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده
أبداً ) متفق عليه , و قد صرح ربنا تبارك و تعالى برؤية العباد لربهم في جنات النعيم : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
ناضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) القيامة , و عن صهيب الرومي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة ، يقول تبارك و تعالى : تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون : ألم
تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ، و تنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئاً أحب
إليهم من النظر إلى ربهم تبارك و تعالى ) مسلم , و عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( كنا عند
رسول الله صلى الله عليه و سلم فنظرَ إلى القمر ليلةَ البدر ، و قال : إنكم سترَون ربَّكم عِيانًا كما ترَون
هذا القمرَ ، لا تُضامُون في رُؤيتِه ) متفق عليه ..
أيها المؤمنون , تلك بعضُ أوصافِ الجنة و نعيمِها , فكيف يُفرِّطُ في هذا النعيمِ المُفرِّطُ لأجل دُنيا دنِيَّة
زائلة , هو عنها منتقل , فالحَذَر الحَذَر أيها المؤمنون ، فالموتُ معقودٌ بنواصِيكم ، و الدنيا تُطوَى من
ورائِكم ، عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : ( مَنْ خَافَ أَدْلَجَ ،
وَ مَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ )
الترمذي و قال حديث حسن ..
ألا و صلوا و سلموا رحمكم الله على خير البرية و أزكى البشرية , فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال :
( إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليماً ) الأحزاب ..