الحمدلله رب العالمين , أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , و هو على
كل شيء قدير , و أشهد أن نبيَّنا و سيدَنا محمدًا عبدُه و رسولُه ، صلَّى الله وسلم و بارك عليه و
على آله و أصحابه أجمعين , ثم أما بعد ، فاتقوا الله تعالى , فإن في تقواه النجاة و الفلاح , قال
تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُون ) آل عمران ..
أيها المؤمنون ، إن من أعظم نعم الله علينا أن جعلما مسلمين ننتسب للإسلام ، الذي هو
دين الله ، و أن جعلنا من أمة سيد المرسلين خير أمة أخرجت للناس ، فإن هذه أجل النعم
علينا و أعظمها , و إن خيرية هذه الأمة على سائر تظهر فيما ذكره الله تعالى عنها في كتابه
العظيم حيث قال تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بالله ) آل عمران ، فمناط الخيرية في هذه الأمة موصول بالأمر بالمعروف
و النهي عن المنكر المنبثق من الإيمان بالله و رسوله ، فمن اتصف من هذه الأمة بهذه
الصفات تحققت فيه الخيرية , و إن أمة جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبرز
صفات أفرادها لتنال رحمة الله تعالى , قال تعالى : ( وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَ يُطِيعُونَ
اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة .
أيها المؤمنون ، إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو الركن الركين لهذا الدين ، و إنه
من أعظم الواجبات الشرعية و الشعائر الدينية , و هو الذي من أجله بعث الله المرسلين ، و
هو مهمة رسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام ، قال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ و الإنجيل يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ ) الأعراف . فالله تعالى بعث محمدًا داعيًا إلى المعروف , ناهيًا عن المنكر ، على هدى
و بصيرة , و إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر شعيرة دينية ، أمر الله بها المؤمنين ،
فقال تعالى : ( وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران , و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع بلسانه ،
فإن لم يستطع فبقلبه ، و ذلك أضعف الإيمان ) مسلم .
و من فوائد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر العظيمة أن الله جعله سببًا لدفع العقوبات
العامة و رفعها ، فالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سياج الإيمان ، و العاصم من وقوع
غضب الجبار الواحد الديان ، قال تعالى : ( فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ
عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ) هود ، و قال تعالى : ( وَ مَا كَانَ رَبُّكَ
لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) هود , و عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه ، أَنّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَتَنْهَوُنَّ
عَنِ الْمُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ )
أحمد و الترمذي و قال حديث حسن .
و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبب عظيم لحصول المسلم على الأجور العظيمة ,
بل قد على ثواب عبادات لم يباشرها , فمن أمر بصلاة مثلاً كان له مثل أجر من صلاها ، و
من أمر بصدقة أو صوم أو حج أو نحوها من الطاعات ، كان له من الأجر مثل أجر من عملها ،
كما أخبر بذلك عليه الصلاة و السلام , عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ , لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ
مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا , وَ مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ
ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا ) مسلم .
و لقد حذرنا الله تعالى من أن نتعرض لما تعرض له غيرنا من اللعن بسبب ترك الأمر بالمعروف
و النهي عن المنكر , فقال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَ عِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَ كَانُوا يَعْتَدُونَ , كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ
يَفْعَلُونَ ) المائدة , و عن ابن مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ و
سَلَّم : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ : يَا هَذَا
اتَّق اللَّه وَ دعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لك ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَ هُو عَلَى حالِهِ ، فلا يمْنَعُه ذلِك أَنْ
يكُونَ أَكِيلَهُ و شَرِيبَهُ وَ قعِيدَهُ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّه قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ , ثُمَّ قال :
( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَروا مِنْ بنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ داوُدَ و عِيسَى ابنِ مَرْيمِ ذلِك بما عَصَوْا و كَانوا
يعْتَدُونَ ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعلُون صَلّى , تَرى كثِيراً مِنْهُمُ
يَتَوَلَّوْنَ الَّذينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ) إلى قوله : ( فَاسِقُونَ ) المائدة , ثُمَّ قَالَ :
كَلاَّ ، وَ اللَّه لَتَأْمُرُنَّ بالْمعْرُوفِ ، وَ لَتَنْهوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، و لَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ ، و لَتَأْطِرُنَّهُ
عَلَى الْحَقِّ أَطْراً ، و لَتقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ،
ثُمَّ لَيَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ ) أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن .
و لقد ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم مثلا للأمة التي تقوم بهذه الفريضة فتنجو ،
و الأمة التي تهملها فتهلك , عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
و سلم ، قال : ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَ الْوَاقِعِ فِيهَا , كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ
فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا , فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا
عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ , فَقَالُوا , لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَ لَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا , فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ
وَ مَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا , وَ إِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَ نَجَوْا جَمِيعًا ) البخاري , و القائم على
حدود الله هو الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر , و في هذا دلالة على أن الناس إذا منعوا
الفاسق عن فسقه ، نجا و نجوا معه ، و إن تركوه يفعل المعصية و لم يردعوه ، نزل بهم
عذاب الله تعالى و هلكوا جميعاً , فالعذاب يعم الفاعل للمنكر و التارك للإنكار , قال تعالى :
( وَ اتّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً و اعلموا أن الله شديد العقاب ) الأنفال ،
و هذا ما أكده النبي صلى الله عليه و سلم : ( حينما سُئل : أنهلك و فينا الصالحون ؟
قال : نعم , إذا كثُر الخبث ) البخاري .
أيها المؤمنون , إن كثيراً من المسلمين لا يشكون في فرضية الأمر بالمعروف و النهي عن
المنكر ، و لا يشكون في أهميته و فائدته للأمة المسلمة و لدينهم ، و لكنهم يتكاسلون و
يتقاعسون عن ذلك , إما تهاوناً أو تفريطاً أو تسويفا أو اعتماداً على غيرهم ، و إما جبنا يلقيه
الشيطان في قلوبهم و تخويفاً ، و الله تعالى يقول : ( إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ
فَلَا تَخَافُوهُمْ وَ خَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران , و بعضهم يتعلل بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) المائدة , و لقد قطع الطريق
على هؤلاء أبو بكر رضي الله عنه حينما خطب الناس فقال : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ
الْآيَةَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) , وَ إِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ
أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ ) أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن صحيح و ابن
ماجه و النسائي و ابن حبان في صحيحه .
أيها المؤمنون , مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر ، و ليكن لنا في نبينا عليه الصلاة و
السلام و سلفنا الصالح قدوة حسنة , و إن ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من
شأنه أن يحول المجتمع إلى جحيم المعاصي ، و يجعله لقمة سائغة لأعدائه من الكفار و
دعاة الرذيلة من بني جلدتنا الذين ينفثون فيه سمومهم ، و بالتالي تتزعزع العقيدة في
نفوس أبنائنا و بناتنا ، و يتمكن أعداؤنا من سلب الأمة تمسكها بدينها و أخلاقها و قذفها
من عزها و عليائها إلى قيعان الحضيض المنحطة ..
هذا وصلوا و سلموا على رسول الله , فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً : ( إِنَّ
اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) الأحزاب ,
اللهم صلِّ على محمد و على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك
على محمد و على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ..
كل شيء قدير , و أشهد أن نبيَّنا و سيدَنا محمدًا عبدُه و رسولُه ، صلَّى الله وسلم و بارك عليه و
على آله و أصحابه أجمعين , ثم أما بعد ، فاتقوا الله تعالى , فإن في تقواه النجاة و الفلاح , قال
تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُون ) آل عمران ..
أيها المؤمنون ، إن من أعظم نعم الله علينا أن جعلما مسلمين ننتسب للإسلام ، الذي هو
دين الله ، و أن جعلنا من أمة سيد المرسلين خير أمة أخرجت للناس ، فإن هذه أجل النعم
علينا و أعظمها , و إن خيرية هذه الأمة على سائر تظهر فيما ذكره الله تعالى عنها في كتابه
العظيم حيث قال تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بالله ) آل عمران ، فمناط الخيرية في هذه الأمة موصول بالأمر بالمعروف
و النهي عن المنكر المنبثق من الإيمان بالله و رسوله ، فمن اتصف من هذه الأمة بهذه
الصفات تحققت فيه الخيرية , و إن أمة جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبرز
صفات أفرادها لتنال رحمة الله تعالى , قال تعالى : ( وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَ يُطِيعُونَ
اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة .
أيها المؤمنون ، إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو الركن الركين لهذا الدين ، و إنه
من أعظم الواجبات الشرعية و الشعائر الدينية , و هو الذي من أجله بعث الله المرسلين ، و
هو مهمة رسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام ، قال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ و الإنجيل يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ ) الأعراف . فالله تعالى بعث محمدًا داعيًا إلى المعروف , ناهيًا عن المنكر ، على هدى
و بصيرة , و إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر شعيرة دينية ، أمر الله بها المؤمنين ،
فقال تعالى : ( وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران , و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع بلسانه ،
فإن لم يستطع فبقلبه ، و ذلك أضعف الإيمان ) مسلم .
و من فوائد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر العظيمة أن الله جعله سببًا لدفع العقوبات
العامة و رفعها ، فالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سياج الإيمان ، و العاصم من وقوع
غضب الجبار الواحد الديان ، قال تعالى : ( فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ
عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ) هود ، و قال تعالى : ( وَ مَا كَانَ رَبُّكَ
لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) هود , و عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه ، أَنّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَتَنْهَوُنَّ
عَنِ الْمُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ )
أحمد و الترمذي و قال حديث حسن .
و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبب عظيم لحصول المسلم على الأجور العظيمة ,
بل قد على ثواب عبادات لم يباشرها , فمن أمر بصلاة مثلاً كان له مثل أجر من صلاها ، و
من أمر بصدقة أو صوم أو حج أو نحوها من الطاعات ، كان له من الأجر مثل أجر من عملها ،
كما أخبر بذلك عليه الصلاة و السلام , عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ , لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ
مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا , وَ مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ
ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا ) مسلم .
و لقد حذرنا الله تعالى من أن نتعرض لما تعرض له غيرنا من اللعن بسبب ترك الأمر بالمعروف
و النهي عن المنكر , فقال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَ عِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَ كَانُوا يَعْتَدُونَ , كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ
يَفْعَلُونَ ) المائدة , و عن ابن مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ و
سَلَّم : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ : يَا هَذَا
اتَّق اللَّه وَ دعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لك ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَ هُو عَلَى حالِهِ ، فلا يمْنَعُه ذلِك أَنْ
يكُونَ أَكِيلَهُ و شَرِيبَهُ وَ قعِيدَهُ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّه قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ , ثُمَّ قال :
( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَروا مِنْ بنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ داوُدَ و عِيسَى ابنِ مَرْيمِ ذلِك بما عَصَوْا و كَانوا
يعْتَدُونَ ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعلُون صَلّى , تَرى كثِيراً مِنْهُمُ
يَتَوَلَّوْنَ الَّذينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ) إلى قوله : ( فَاسِقُونَ ) المائدة , ثُمَّ قَالَ :
كَلاَّ ، وَ اللَّه لَتَأْمُرُنَّ بالْمعْرُوفِ ، وَ لَتَنْهوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، و لَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ ، و لَتَأْطِرُنَّهُ
عَلَى الْحَقِّ أَطْراً ، و لَتقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ،
ثُمَّ لَيَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ ) أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن .
و لقد ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم مثلا للأمة التي تقوم بهذه الفريضة فتنجو ،
و الأمة التي تهملها فتهلك , عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
و سلم ، قال : ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَ الْوَاقِعِ فِيهَا , كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ
فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا , فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا
عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ , فَقَالُوا , لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَ لَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا , فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ
وَ مَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا , وَ إِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَ نَجَوْا جَمِيعًا ) البخاري , و القائم على
حدود الله هو الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر , و في هذا دلالة على أن الناس إذا منعوا
الفاسق عن فسقه ، نجا و نجوا معه ، و إن تركوه يفعل المعصية و لم يردعوه ، نزل بهم
عذاب الله تعالى و هلكوا جميعاً , فالعذاب يعم الفاعل للمنكر و التارك للإنكار , قال تعالى :
( وَ اتّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً و اعلموا أن الله شديد العقاب ) الأنفال ،
و هذا ما أكده النبي صلى الله عليه و سلم : ( حينما سُئل : أنهلك و فينا الصالحون ؟
قال : نعم , إذا كثُر الخبث ) البخاري .
أيها المؤمنون , إن كثيراً من المسلمين لا يشكون في فرضية الأمر بالمعروف و النهي عن
المنكر ، و لا يشكون في أهميته و فائدته للأمة المسلمة و لدينهم ، و لكنهم يتكاسلون و
يتقاعسون عن ذلك , إما تهاوناً أو تفريطاً أو تسويفا أو اعتماداً على غيرهم ، و إما جبنا يلقيه
الشيطان في قلوبهم و تخويفاً ، و الله تعالى يقول : ( إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ
فَلَا تَخَافُوهُمْ وَ خَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران , و بعضهم يتعلل بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) المائدة , و لقد قطع الطريق
على هؤلاء أبو بكر رضي الله عنه حينما خطب الناس فقال : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ
الْآيَةَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) , وَ إِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ
أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ ) أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن صحيح و ابن
ماجه و النسائي و ابن حبان في صحيحه .
أيها المؤمنون , مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر ، و ليكن لنا في نبينا عليه الصلاة و
السلام و سلفنا الصالح قدوة حسنة , و إن ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من
شأنه أن يحول المجتمع إلى جحيم المعاصي ، و يجعله لقمة سائغة لأعدائه من الكفار و
دعاة الرذيلة من بني جلدتنا الذين ينفثون فيه سمومهم ، و بالتالي تتزعزع العقيدة في
نفوس أبنائنا و بناتنا ، و يتمكن أعداؤنا من سلب الأمة تمسكها بدينها و أخلاقها و قذفها
من عزها و عليائها إلى قيعان الحضيض المنحطة ..
هذا وصلوا و سلموا على رسول الله , فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً : ( إِنَّ
اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) الأحزاب ,
اللهم صلِّ على محمد و على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك
على محمد و على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ..