الحمدلله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد , و هو على كل شيء قدير , و الصلاة و السلام على
أشرف الأنبياء و المرسلسن , نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين , ثم أما بعد , فاتقوا الله تعالى
أيها المؤمنون , ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) آل عمران ..
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم : ( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ) ابراهيم . و لو
تدبرنا القرآن الكريم لوجدنا أن أوامر الله تعالى في الصلاة جاءت بلفظ الإقامة ، ( و أقيموا الصلاة )
( الذين يقيمون الصلاة ) ، ( و المقيمين الصلاة ) ، ( و أقم الصلاة ) ، و غيرها من الآيات , و التعبير
بهذا اللفظ يقتضي العناية بأداء الصلاة ، و فعلها على الوجه المطلوب كما وردت , و قد قال عليه
الصلاة و السلام : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) البخاري ..
و في الصحيحين أن سهل بن سعد رضي الله عنه كان يحدث عن منبر النبي صلى الله عليه و سلم ،
قال : ( وَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ وَ كَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَ هُوَ عَلَى
الْمِنْبَرِ , ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ , ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ , ثُمَّ أَقْبَلَ
عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَ لِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي ) متفق عليه .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل المسجد ، فدخل رجل فصلى ثم
جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد عليه السلام فقال : ارجع فصلَّ فإنك لم تصلّ , فعل
الرجل ذلك ثلاثاً ، و في كل مرة يقول له النبي صلى الله عليه و سلم : ارجع فصل فإنك لم تصلّ ,
فقال : و الذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إذا قمت
إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن , ثم اركع حتى
تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ،
ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ) متفق عليه .
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : ( صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَوْمًا ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ :
يَا فُلَانُ أَلَا تُحَسِّنُ صَلَاتَكَ ؟ أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي كَيْفَ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ ؟ إِنِّي أُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ بَيْنَ
يَدَيَّ ) مسلم ..
أيها المؤمنون , هل تعلمون من هو أسوأ الناس سرقة ؟ إنه الذي يسرق من صلاته , قال عليه الصلاة
و السلام : ( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته . قالوا : و كيف يسرق من صلاته ؟ . قال : لا
يتم ركوعها و لا سجودها ) رواه أحمد و الحاكم و صححه الألباني . فالواجب على المسلم أن يقبل على
صلاته و يطمئن فيها و يخشع فيها بقلبه و بدنه , لقول الله تعالى : ( قد أفلح المؤمنون , الذين هم
في صلاتهم خاشعون ) المؤمنون , و يكره له العبث فيها بثيابه أو أصابعه أو لحيته أو غير ذلك ، و إذا
كثر العبث و توالى حرم ذلك و أبطل الصلاة , و عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال , سمعت رسول الله
صلى الله عليه و سلم يقول : ( إن الرجل لينصرف و ما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها
سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها ) أحمد و أبو داود , و صححه الألباني , و هذا التفاوت يكون بحسب
ما حضر من القلب في تلك الصلاة ، فما عقل الإنسان من صلاته كتب له و ما لم يعقل منها رد عليه .
و بعد ذلك أيها المؤمنون , فإن علينا أن نتعلم صفة الصلاة كما صلاها عليه الصلاة و السلام ،
فإذا أراد المسلم أن يصلي , فإنه يسبغ الوضوء ، و هو أن يتوضأ كما أمره الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ ) المائدة , و قول النبي صلى الله عليه و سلم : ( لا تقبل صلاة بغير طهور ) مسلم , و قوله
صلى الله عليه و سلم للذي أساء صلاته : ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ... ) متفق عليه ..
ثم يتوجه المصلي إلى القبلة قاصدا بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة ، و لا ينطق
بالنية بلسانه ، لأن النطق باللسان غير مشروع , و النبي صلى الله عليه و سلم لم ينطق بالنية و لا
أصحابه رضي الله عنهم ، و يجعل له سترة يصلي إليها إن كان إماما أو منفردا ، و استقبال القبلة شرط
في الصلاة , ثم يقول : الله أكبر , و تكبيرة الإحرام ركن لا تنعقد الصلاة إلا بها ، لقوله صلى الله عليه
و سلم : ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة فكبِّر ) . و لا بدَّ من قولها باللسان ،
و يُسَن أن يرفع يديه عند هذه التكبير و تكون مضمومتي الأصابع لحديث ابن عمر رضي الله عنهما :
( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة , و إذا كبَّر للركوع ، و إذا
رفع رأسه من الركوع ) ، و يرفعهما بمحاذاة منكبيه أو بمحاذاة أذنيه ، لحديث مالك بن الحويرث رضي
الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا كبر يرفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ) ,
ثم يضع يده اليسرى على اليمنى ، على صدره ، إما أن يقبض اليسرى باليمنى أو يضعها وضعاً ,
لحديث وائل ابن حُجر رضي الله عنه : ( فكبر - أي النبي صلى الله عليه و سلم - ثم وضع يده اليمنى
على ظهر كفه الأيسر و الرُسغ و الساعد ) , و في لفظ : ( كان يضعهما على صدره ) ,
و ينظر إلى موضع سجوده ، ثم يقرأ دعاء الاستفتاح ، و هو سنة ، و أدعية الاستفتاح كثيرة ، منها :
( سبحانك اللهم و بحمدك ، و تبارك اسمك ، و تعالى جدك ، و لا إله غيرك ) , أو يقول : ( اللهم باعد
بيني و بين خطاياي كما باعدت بين المشرق و المغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما يُنقى الثوب
الأبيض من الدنس ، الله اغسلني بالماء و الثلج و البَرَد ) ,
ثم يستعيذ ، أي يقول : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) , و إن شاء قال : ( أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرجيم ) , و إن شاء قال : ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه
و نفخه و نفثه ) , ثم يبسمل ، يقول : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ..
ثم يقرأ الفاتحة في كل ركعة , لقوله صلى الله عليه و سلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )
متفق عليه , و هي ركن لا تصح الصلاة بدونها , و إذا كان المصلي لا يُجيد الفاتحة ، فإنه يقرأ ما تيسر
من القرآن بدلها ، فإذا كان لا يجيد ذلك ، فإنه يقول : ( سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله
أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله ) , و يجب عليه المبادرة بتعلم الفاتحة . ثم يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من
القرآن الكريم , إما سورة كاملة ، أو عدة آيات ..
ثم يركع قائلاً : ( الله أكبر ) رافعًا يديه بمحاذاة منكبيه أو أذنيه ، كما سبق عند تكبيرة الإحرام ، و يجب أن
يسوِّى ظهره في الركوع ، و يُمَكِّن أصابع يديه من ركبتيه مع تفريقها , و يقول في ركوعه : ( سبحان ربي
العظيم ) , و الواجب أن يقولها مرة واحدة ، و ما زاد فهو سنة . و يسن أن يقول في ركوعه : ( سبحانك
اللهم ربنا و بحمدك ، اللهم اغفر لي ) ، أو يقول : ( سُبُّوحٌ قدُّوس , ربُّ الملائكة و الروح ) , قال صلى
الله عليه و سلم : ( أما الركوع فعظموا فيه الرب و أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب
لكم ) مسلم
ثم يرفع رأسه من الركوع قائلاً : ( سمع الله لمن حمده ) , و يُسَن أن يرفع يديه , ثم يقول بعد أن يستوي
قائمًا : ( ربنا لك الحمد ) ، أو ( ربنا و لك الحمد ) أو ( اللهم ربنا لك الحمد ) أو ( اللهم ربنا و لك الحمد ) ,
و يُسن أن يقول بعدها : ( ملء السماوات و ملء الأرض و ملء ما بينهما , و ملء ما شئت من شيء
بعد ، أهل الثناء و المجد ، أحق ما قال العبد ، و كلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ، و لا معطي لما
منعت ، و لا ينفع ذا الجد منك الجد ) , و يُسَن أن يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره في هذا
القيام ، كما فعل في القيام الأول قبل الركوع ..
ثم يسجد قائلاً : ( الله أكبر ) ، و يقدم ركبتيه قبل يديه عند سجوده ، لحديث وائل بن حُجر رضي الله عنه
قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه و سلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ) , و يجب أن يسجد المصلي
على سبعة أعضاء : رجليه و ركبتيه و يديه و جبهته مع الأنف ، و لا يجوز أن يرفع أيَّ عضو منها عن
الأرض أثناء سجوده ، و إذا لم يستطع المصلي أن يسجد بسبب المرض فإنه ينحني بقدر استطاعته ،
فإن عجز أو منعه الطبيب سقط عنه السجود , و يُسَن في السجود أن يُباعد عضديه . و هما أعلى اليد ,
عن جنبيه ، لأنه صلى الله عليه و سلم : ( كان يسجد حتى يُرى بياض إبطيه ) ، إلا إذا كان ذلك يؤذي
من بجانبه , و يُسَن في السجود أيضًا أن يُبعد بطنه عن فخذيه , و يُسَن في السجود أن يفرِّق ركبتيه ،
أي لا يضمهما إلى بعض ، و أما القدمان فإنه يلصقهما ببعض ، لأنه صلى عليه و سلم ( يرصُّ عقبيه
في سجوده ) , و يكره أن يفرش المصلي يديه على الأرض في سجوده , لقوله صلى الله عليه و سلم :
( اعتدلوا في السجود و لا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب ) متفق عليه ، و يجوز أن يتكئ بيديه على
فخذيه إذا تعب من طول السجود , و يجب أن يقول في سجوده : ( سبحان ربي الأعلى ) مرة واحدة ،
و ما زاد على ذلك فهو سنة , و يُسَن أن يقول في سجوده : ( سُبُّوح قُدوس , رب الملائكة و الروح ) ،
أو يقول : ( سبحانك اللهم ربنا و بحمدك ، اللهم اغفر لي ) , و يكثر من الدعاء لقوله صلى الله عليه و
سلم : ( أما الركوع فعظموا فيه الرب و أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ) مسلم
ثم يرفع رأسه قائلاً : ( الله أكبر ) ، و يجلس بين السجدتين مفترشًا رجله اليسرى ناصبًا رجله اليمنى , و
يجب أن يقول و هو جالس بين السجدتين : ( رب اغفر لي ) مرة واحدة ، و ما زاد على ذلك فهو سنة , و
يُسَن أن يقول : ( رب اغفر لي و ارحمني و اهدني و عافني و ارزقني ) , و يضع يديه في هذه الجلسة على
فخذيه ، و أطراف أصابعه عند ركبتيه ، و له أن يضع يده اليمنى على ركبته اليمنى و يده اليسرى على
ركبته اليسرى كأنه قابض لهما , ثم يسجد و يفعل في السجدة الثانية ما فعل في الأولى ..
ثم يرفع رأسه مكبرا و يجلس جلسة خفيفة كالجلسة بين السجدتين و تسمى جلسة الاستراحة ، و هي
مستحبة , و إن تركها فلا حرج , و ليس فيها ذكر و لا دعاء , فقد أخرج البخاري و غيره عن مالك بن
الحويرث : ( أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يصلي ، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى
يستوي قاعداً ) , ثم ينهض من السجود إلى الركعة الثانية معتمدًا على ركبتيه ، قائلاً : ( الله أكبر ) ,
ثم يصلي الركعة الثانية كما صلى الركعة الأولى ، إلا أنه لا يقول دعاء الاستفتاح في أولها ،
و لا يتعوذ قبل القراءة ..
إذا كانت الصلاة ثنائية أي ركعتين كصلاة الفجر و الجمعة والعيد , فإنه يجلس في نهايتها للتشهد ( مفترشًا )
ناصبا رجله اليمنى مفترشا رجله اليسرى , و يقبض أصبعه الخنصر و البنصر و يُحلق الإبهام مع الوسطى
و يشير بالسبابة عند الدعاء ( أي عند عبارة في التشهد فيها معنى الدعاء ) , أو يقبض جميع أصابع يده
اليمنى و يشير بالسبابة عند الدعاء ، أما يده اليسرى فيضعها على فخذه الأيسر ، و يقول في هذا
الموضع : ( التحيات لله و الصلوات و الطيبات ، السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته , السلام
علينا و على عباد الله الصالحين , أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدًا عبده و رسوله ) , ثم يقول
بعده : ( اللهم صلِّ على محمد و على آل محمد ، كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم , إنك حميد
مجيد ، و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد )
و يُسَن أن يقول بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم : ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ،
و من عذاب القبر ، و من فتنة المحيا و الممات ، و من فتنة المسيح الدجال ) , ثم يدعو بما شاء من خير
الدنيا و الآخرة ، كقوله : ( اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك ) , و إذا دعا لوالديه أو غيرهما
من المسلمين فلا بأس , سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة , لعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم
في حديث ابن مسعود لما علمه التشهد : ( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ) النسائي و أبو داود ,
و في لفظ آخر : ( ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء ) مسلم , و هذا يعم جميع ما ينفع العبد في الدنيا
و الآخرة ، ثم يسلم عن يمينه و شماله قائلا : السلام عليكم و رحمة الله ، السلام عليكم و رحمة الله .
و إذا كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر و العصر و العشاء , فإنه يقرأ التشهد المذكور آنفا
مع الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم , ثم ينهض قائما معتمدا على ركبتيه رافعا يديه إلى حذو
منكبيه قائلا : ( الله أكبر ) و يضعهما على صدره كما تقدم , و ( يقرأ الفاتحة فقط ) , و إن قرأ في الثالثة
و الرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس , لما جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله
عنه : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ
ثَلَاثِينَ آيَةً ، وَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ - وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ ) مسلم .
و إن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم بعد التشهد الأول فلا بأس , لأنه مستحب و ليس
بواجب في التشهد الأول ، ثم ( بجلس متوركا ) بعد الثالثة من المغرب و بعد الرابعة من الظهر و العصر
و العشاء , و هو أن ينصب المصلي رجله اليمنى ، و يخرج يسراه من جهة يمينه ، و يلصق وركه بالأرض
و كذا إليته اليسرى , و يتشهد و يقرأ الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و يدعو , كما تقدم ذلك
في الصلاة الثنائية كالفجر و الجمعة , ثم يسلم عن يمينه و شماله ..
أما إن كان مأموما , فإنه يتابع الإمام , و لا يسابقه في التكبير و الركوع و السجود ,
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : ( إن رسول الله -صلى الله عليه و سلم علمنا صلاتنا و علمنا
ما نقول فيها ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا كبر الإمام فكبروا ، و إذا قرأ فأنصتوا ,
و إذا قال : ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ ) فقولوا : آمين يجيبكم الله. وإذا كبر وركع فكبروا
و اركعوا , و إذا رفع رأسه و قال : سمع الله لمن حمده فارفعوا رؤوسكم و قولوا : اللهم ربنا و لك
الحمد يسمع الله لكم ، فإذا كبر وسجد فكبروا و اسجدوا . و إذا رفع رأسه و كبر فارفعوا رؤوسكم
و كبروا , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تلك بتلك ) , قال الإمام أحمد : قول النبي صلى
الله عليه و سلم : إذا كبر فكبروا ، معناه : أن تنتظروا الإمام حتى يكبر و يفرغ من تكبيره و ينقطع
صوته ثم تكبرون بعده ..
أسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصلاة و الزكاة و الصيام و صالح الأعمال , و أن يجعلها خالصة
لوجهه الكريم , و صلوا و سلموا على نبينا محمد و على آله و أصحابه أجمعين ..
أشرف الأنبياء و المرسلسن , نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين , ثم أما بعد , فاتقوا الله تعالى
أيها المؤمنون , ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) آل عمران ..
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم : ( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ) ابراهيم . و لو
تدبرنا القرآن الكريم لوجدنا أن أوامر الله تعالى في الصلاة جاءت بلفظ الإقامة ، ( و أقيموا الصلاة )
( الذين يقيمون الصلاة ) ، ( و المقيمين الصلاة ) ، ( و أقم الصلاة ) ، و غيرها من الآيات , و التعبير
بهذا اللفظ يقتضي العناية بأداء الصلاة ، و فعلها على الوجه المطلوب كما وردت , و قد قال عليه
الصلاة و السلام : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) البخاري ..
و في الصحيحين أن سهل بن سعد رضي الله عنه كان يحدث عن منبر النبي صلى الله عليه و سلم ،
قال : ( وَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ وَ كَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَ هُوَ عَلَى
الْمِنْبَرِ , ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ , ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ , ثُمَّ أَقْبَلَ
عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَ لِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي ) متفق عليه .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل المسجد ، فدخل رجل فصلى ثم
جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد عليه السلام فقال : ارجع فصلَّ فإنك لم تصلّ , فعل
الرجل ذلك ثلاثاً ، و في كل مرة يقول له النبي صلى الله عليه و سلم : ارجع فصل فإنك لم تصلّ ,
فقال : و الذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إذا قمت
إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن , ثم اركع حتى
تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ،
ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ) متفق عليه .
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : ( صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَوْمًا ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ :
يَا فُلَانُ أَلَا تُحَسِّنُ صَلَاتَكَ ؟ أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي كَيْفَ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ ؟ إِنِّي أُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ بَيْنَ
يَدَيَّ ) مسلم ..
أيها المؤمنون , هل تعلمون من هو أسوأ الناس سرقة ؟ إنه الذي يسرق من صلاته , قال عليه الصلاة
و السلام : ( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته . قالوا : و كيف يسرق من صلاته ؟ . قال : لا
يتم ركوعها و لا سجودها ) رواه أحمد و الحاكم و صححه الألباني . فالواجب على المسلم أن يقبل على
صلاته و يطمئن فيها و يخشع فيها بقلبه و بدنه , لقول الله تعالى : ( قد أفلح المؤمنون , الذين هم
في صلاتهم خاشعون ) المؤمنون , و يكره له العبث فيها بثيابه أو أصابعه أو لحيته أو غير ذلك ، و إذا
كثر العبث و توالى حرم ذلك و أبطل الصلاة , و عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال , سمعت رسول الله
صلى الله عليه و سلم يقول : ( إن الرجل لينصرف و ما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها
سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها ) أحمد و أبو داود , و صححه الألباني , و هذا التفاوت يكون بحسب
ما حضر من القلب في تلك الصلاة ، فما عقل الإنسان من صلاته كتب له و ما لم يعقل منها رد عليه .
و بعد ذلك أيها المؤمنون , فإن علينا أن نتعلم صفة الصلاة كما صلاها عليه الصلاة و السلام ،
فإذا أراد المسلم أن يصلي , فإنه يسبغ الوضوء ، و هو أن يتوضأ كما أمره الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ ) المائدة , و قول النبي صلى الله عليه و سلم : ( لا تقبل صلاة بغير طهور ) مسلم , و قوله
صلى الله عليه و سلم للذي أساء صلاته : ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ... ) متفق عليه ..
ثم يتوجه المصلي إلى القبلة قاصدا بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة ، و لا ينطق
بالنية بلسانه ، لأن النطق باللسان غير مشروع , و النبي صلى الله عليه و سلم لم ينطق بالنية و لا
أصحابه رضي الله عنهم ، و يجعل له سترة يصلي إليها إن كان إماما أو منفردا ، و استقبال القبلة شرط
في الصلاة , ثم يقول : الله أكبر , و تكبيرة الإحرام ركن لا تنعقد الصلاة إلا بها ، لقوله صلى الله عليه
و سلم : ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة فكبِّر ) . و لا بدَّ من قولها باللسان ،
و يُسَن أن يرفع يديه عند هذه التكبير و تكون مضمومتي الأصابع لحديث ابن عمر رضي الله عنهما :
( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة , و إذا كبَّر للركوع ، و إذا
رفع رأسه من الركوع ) ، و يرفعهما بمحاذاة منكبيه أو بمحاذاة أذنيه ، لحديث مالك بن الحويرث رضي
الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا كبر يرفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ) ,
ثم يضع يده اليسرى على اليمنى ، على صدره ، إما أن يقبض اليسرى باليمنى أو يضعها وضعاً ,
لحديث وائل ابن حُجر رضي الله عنه : ( فكبر - أي النبي صلى الله عليه و سلم - ثم وضع يده اليمنى
على ظهر كفه الأيسر و الرُسغ و الساعد ) , و في لفظ : ( كان يضعهما على صدره ) ,
و ينظر إلى موضع سجوده ، ثم يقرأ دعاء الاستفتاح ، و هو سنة ، و أدعية الاستفتاح كثيرة ، منها :
( سبحانك اللهم و بحمدك ، و تبارك اسمك ، و تعالى جدك ، و لا إله غيرك ) , أو يقول : ( اللهم باعد
بيني و بين خطاياي كما باعدت بين المشرق و المغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما يُنقى الثوب
الأبيض من الدنس ، الله اغسلني بالماء و الثلج و البَرَد ) ,
ثم يستعيذ ، أي يقول : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) , و إن شاء قال : ( أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرجيم ) , و إن شاء قال : ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه
و نفخه و نفثه ) , ثم يبسمل ، يقول : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ..
ثم يقرأ الفاتحة في كل ركعة , لقوله صلى الله عليه و سلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )
متفق عليه , و هي ركن لا تصح الصلاة بدونها , و إذا كان المصلي لا يُجيد الفاتحة ، فإنه يقرأ ما تيسر
من القرآن بدلها ، فإذا كان لا يجيد ذلك ، فإنه يقول : ( سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله
أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله ) , و يجب عليه المبادرة بتعلم الفاتحة . ثم يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من
القرآن الكريم , إما سورة كاملة ، أو عدة آيات ..
ثم يركع قائلاً : ( الله أكبر ) رافعًا يديه بمحاذاة منكبيه أو أذنيه ، كما سبق عند تكبيرة الإحرام ، و يجب أن
يسوِّى ظهره في الركوع ، و يُمَكِّن أصابع يديه من ركبتيه مع تفريقها , و يقول في ركوعه : ( سبحان ربي
العظيم ) , و الواجب أن يقولها مرة واحدة ، و ما زاد فهو سنة . و يسن أن يقول في ركوعه : ( سبحانك
اللهم ربنا و بحمدك ، اللهم اغفر لي ) ، أو يقول : ( سُبُّوحٌ قدُّوس , ربُّ الملائكة و الروح ) , قال صلى
الله عليه و سلم : ( أما الركوع فعظموا فيه الرب و أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب
لكم ) مسلم
ثم يرفع رأسه من الركوع قائلاً : ( سمع الله لمن حمده ) , و يُسَن أن يرفع يديه , ثم يقول بعد أن يستوي
قائمًا : ( ربنا لك الحمد ) ، أو ( ربنا و لك الحمد ) أو ( اللهم ربنا لك الحمد ) أو ( اللهم ربنا و لك الحمد ) ,
و يُسن أن يقول بعدها : ( ملء السماوات و ملء الأرض و ملء ما بينهما , و ملء ما شئت من شيء
بعد ، أهل الثناء و المجد ، أحق ما قال العبد ، و كلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ، و لا معطي لما
منعت ، و لا ينفع ذا الجد منك الجد ) , و يُسَن أن يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره في هذا
القيام ، كما فعل في القيام الأول قبل الركوع ..
ثم يسجد قائلاً : ( الله أكبر ) ، و يقدم ركبتيه قبل يديه عند سجوده ، لحديث وائل بن حُجر رضي الله عنه
قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه و سلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ) , و يجب أن يسجد المصلي
على سبعة أعضاء : رجليه و ركبتيه و يديه و جبهته مع الأنف ، و لا يجوز أن يرفع أيَّ عضو منها عن
الأرض أثناء سجوده ، و إذا لم يستطع المصلي أن يسجد بسبب المرض فإنه ينحني بقدر استطاعته ،
فإن عجز أو منعه الطبيب سقط عنه السجود , و يُسَن في السجود أن يُباعد عضديه . و هما أعلى اليد ,
عن جنبيه ، لأنه صلى الله عليه و سلم : ( كان يسجد حتى يُرى بياض إبطيه ) ، إلا إذا كان ذلك يؤذي
من بجانبه , و يُسَن في السجود أيضًا أن يُبعد بطنه عن فخذيه , و يُسَن في السجود أن يفرِّق ركبتيه ،
أي لا يضمهما إلى بعض ، و أما القدمان فإنه يلصقهما ببعض ، لأنه صلى عليه و سلم ( يرصُّ عقبيه
في سجوده ) , و يكره أن يفرش المصلي يديه على الأرض في سجوده , لقوله صلى الله عليه و سلم :
( اعتدلوا في السجود و لا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب ) متفق عليه ، و يجوز أن يتكئ بيديه على
فخذيه إذا تعب من طول السجود , و يجب أن يقول في سجوده : ( سبحان ربي الأعلى ) مرة واحدة ،
و ما زاد على ذلك فهو سنة , و يُسَن أن يقول في سجوده : ( سُبُّوح قُدوس , رب الملائكة و الروح ) ،
أو يقول : ( سبحانك اللهم ربنا و بحمدك ، اللهم اغفر لي ) , و يكثر من الدعاء لقوله صلى الله عليه و
سلم : ( أما الركوع فعظموا فيه الرب و أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ) مسلم
ثم يرفع رأسه قائلاً : ( الله أكبر ) ، و يجلس بين السجدتين مفترشًا رجله اليسرى ناصبًا رجله اليمنى , و
يجب أن يقول و هو جالس بين السجدتين : ( رب اغفر لي ) مرة واحدة ، و ما زاد على ذلك فهو سنة , و
يُسَن أن يقول : ( رب اغفر لي و ارحمني و اهدني و عافني و ارزقني ) , و يضع يديه في هذه الجلسة على
فخذيه ، و أطراف أصابعه عند ركبتيه ، و له أن يضع يده اليمنى على ركبته اليمنى و يده اليسرى على
ركبته اليسرى كأنه قابض لهما , ثم يسجد و يفعل في السجدة الثانية ما فعل في الأولى ..
ثم يرفع رأسه مكبرا و يجلس جلسة خفيفة كالجلسة بين السجدتين و تسمى جلسة الاستراحة ، و هي
مستحبة , و إن تركها فلا حرج , و ليس فيها ذكر و لا دعاء , فقد أخرج البخاري و غيره عن مالك بن
الحويرث : ( أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يصلي ، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى
يستوي قاعداً ) , ثم ينهض من السجود إلى الركعة الثانية معتمدًا على ركبتيه ، قائلاً : ( الله أكبر ) ,
ثم يصلي الركعة الثانية كما صلى الركعة الأولى ، إلا أنه لا يقول دعاء الاستفتاح في أولها ،
و لا يتعوذ قبل القراءة ..
إذا كانت الصلاة ثنائية أي ركعتين كصلاة الفجر و الجمعة والعيد , فإنه يجلس في نهايتها للتشهد ( مفترشًا )
ناصبا رجله اليمنى مفترشا رجله اليسرى , و يقبض أصبعه الخنصر و البنصر و يُحلق الإبهام مع الوسطى
و يشير بالسبابة عند الدعاء ( أي عند عبارة في التشهد فيها معنى الدعاء ) , أو يقبض جميع أصابع يده
اليمنى و يشير بالسبابة عند الدعاء ، أما يده اليسرى فيضعها على فخذه الأيسر ، و يقول في هذا
الموضع : ( التحيات لله و الصلوات و الطيبات ، السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته , السلام
علينا و على عباد الله الصالحين , أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدًا عبده و رسوله ) , ثم يقول
بعده : ( اللهم صلِّ على محمد و على آل محمد ، كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم , إنك حميد
مجيد ، و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد )
و يُسَن أن يقول بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم : ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ،
و من عذاب القبر ، و من فتنة المحيا و الممات ، و من فتنة المسيح الدجال ) , ثم يدعو بما شاء من خير
الدنيا و الآخرة ، كقوله : ( اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك ) , و إذا دعا لوالديه أو غيرهما
من المسلمين فلا بأس , سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة , لعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم
في حديث ابن مسعود لما علمه التشهد : ( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ) النسائي و أبو داود ,
و في لفظ آخر : ( ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء ) مسلم , و هذا يعم جميع ما ينفع العبد في الدنيا
و الآخرة ، ثم يسلم عن يمينه و شماله قائلا : السلام عليكم و رحمة الله ، السلام عليكم و رحمة الله .
و إذا كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر و العصر و العشاء , فإنه يقرأ التشهد المذكور آنفا
مع الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم , ثم ينهض قائما معتمدا على ركبتيه رافعا يديه إلى حذو
منكبيه قائلا : ( الله أكبر ) و يضعهما على صدره كما تقدم , و ( يقرأ الفاتحة فقط ) , و إن قرأ في الثالثة
و الرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس , لما جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله
عنه : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ
ثَلَاثِينَ آيَةً ، وَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ - وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ ) مسلم .
و إن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم بعد التشهد الأول فلا بأس , لأنه مستحب و ليس
بواجب في التشهد الأول ، ثم ( بجلس متوركا ) بعد الثالثة من المغرب و بعد الرابعة من الظهر و العصر
و العشاء , و هو أن ينصب المصلي رجله اليمنى ، و يخرج يسراه من جهة يمينه ، و يلصق وركه بالأرض
و كذا إليته اليسرى , و يتشهد و يقرأ الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و يدعو , كما تقدم ذلك
في الصلاة الثنائية كالفجر و الجمعة , ثم يسلم عن يمينه و شماله ..
أما إن كان مأموما , فإنه يتابع الإمام , و لا يسابقه في التكبير و الركوع و السجود ,
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : ( إن رسول الله -صلى الله عليه و سلم علمنا صلاتنا و علمنا
ما نقول فيها ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا كبر الإمام فكبروا ، و إذا قرأ فأنصتوا ,
و إذا قال : ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ ) فقولوا : آمين يجيبكم الله. وإذا كبر وركع فكبروا
و اركعوا , و إذا رفع رأسه و قال : سمع الله لمن حمده فارفعوا رؤوسكم و قولوا : اللهم ربنا و لك
الحمد يسمع الله لكم ، فإذا كبر وسجد فكبروا و اسجدوا . و إذا رفع رأسه و كبر فارفعوا رؤوسكم
و كبروا , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تلك بتلك ) , قال الإمام أحمد : قول النبي صلى
الله عليه و سلم : إذا كبر فكبروا ، معناه : أن تنتظروا الإمام حتى يكبر و يفرغ من تكبيره و ينقطع
صوته ثم تكبرون بعده ..
أسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصلاة و الزكاة و الصيام و صالح الأعمال , و أن يجعلها خالصة
لوجهه الكريم , و صلوا و سلموا على نبينا محمد و على آله و أصحابه أجمعين ..