الحمدلله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد , وهو على كل شئ قدير , و الصلاة و
السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , وعلى آله و أصحابه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان
إلى يوم الدين , ثم أما بعد , فاتقوا الله تعالى واتبعوا أوامره واجتنبوا نواهيه , قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) آل عمران ..
أيها المؤمنون , حب الوطن , هو موضوعنا لهذا اليوم المبارك , و من منا لا يحب وطنه ,
دولته ومنطقته وقريته , بعيدا عن ذلك الأثر الشهير المعروف : ( حب الوطن من الإيمان )
هذا الأثر الذي لم يثبت و لم يصح عن النبي عليه الصلاة و السلام , فحب الوطن غريزة
في قلب كل إنسان , و لا ترتبط بالإيمان إلا من أراد أن يكون حبه لوطنه من الإيمان ,
حب الوطن يستوي فيه المسلم و الكافر , المؤمن و المنافق , و لقد رُكِز في جبلّة البشر
حبُّ الأوطان و الشغَف بالمنشأ ، و هذا الحب فطرةٌ ثابتةٌ في حنايا النفوس متجذِّرةٌ في
شغاف القلوب , حب الوطن فطرة فيقلب كل إنسان تنشأ معه , و تكبر معه , فيبقى
محبا عاشقا مخلصا لوطنه و أهله و جماعته , و لا يشذ عن ذلك إلا خائن لوطنه خائن
لمعتقداته التي نشأ و تربى عليها , و لقد دل القران الكريم على هذه المكانة لحب الوطن
و أنه أمرٌ مركوز في الفطَر جُبلت عليه النفوس، قال تعالى : ( وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ
اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ) النساء , لكن المسلم
أصدقُ الناس حبًا لوطنه , لأنه يريد لأهله سعادة الدنيا و الآخرة بتطبيق الإسلام و عقائده
في كل حياته , و الحرص على إنقاذهم من النار و من سخط الجبار , قال تعالى حكايةً عن
مؤمن آل فرعون : ( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ
اللَّهِ إِنْ جَاءنَا ) غافر , قال ذلك محذرًا لقومه ناصحًا لهم و مريدًا لهم الخير و النجاة ..
أيها المؤمنون , لو أننا تأملنا قليلا في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم , لوجدنا شيئا
من مدى محبة النبي عليه الصلاة و السلام لوطنه و أرضه التي نشأ بها , عن عبد الله بن
عدي وابن عباس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على الْحَزْوَرَةِ فقال : والله
إنك لخير أرض الله و أحب أرضٍ إليَّ , و لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك )
أحمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجه و الدارمي , فانظر كيف أحب النبي عليه الصلاة
والسلام مدينته مكة التي ولد و نشأ و تربى فيها , و هذا شعور عام لكل إنسان , فكيف
و في مكة بيت الحرام , و في مكة بدأ رسولنا عليه الصلاة و السلام الصدع بالرسالة و
تبليغها لأهله وقومه فيها ؟ , و لقد ظل الشعور بالحنين إلى مكة ملازما للنبي صلى الله
عليه وسلم ، لا يقدم عليه من مكة قادم إلا سأله عنها ، واهتز قلبه شوقا إليها , وعَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ
يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ )
متفق عليه , بل إنه عليه الصلاة والسلام دعا إلى الرجوع إلى الوطن و لو كان موجودا في
مكة بيت الله الحرام , روى الحاكم بإسناد ثابت عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ
النبي صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَجَّهُ فَلْيُعَجِّلِ الرِّحْلَةَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ
أَعْظَمُ لأَجْرِهِ ) قال العلماء المراد بأهله : أي وطنه و إن لم يكن له فيها ولد أو أهل .
بل لو تأملنا في سيرة بعض أصحابه رضوان الله عليهم لوجدنا مثل ذلك في حب الوطن ,
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وُعك
أبو بكرٍ وبلالٌ . قالت , فدخلتُ عليهما فقلتُ : يا أبت كيف تجدك ؟ يا بلاَلُ كيف تجدك ؟
قالت : فكان أبو بكر إذا أخذته الحُمَّى يقول : كلُ امرئ مُصَبَّحٌ في أهله , والموتُ أدنى من
شِرَاك نعله , و كان بلالٌ إذا أقلع عنه الحُمَّى يرفع عقيرته و يقول : ألا ليتَ شِعرى هل
اْبيتنَّ ليلةً .. بوادٍ و حولى إِذْخَرٌ و جَلـيل , و هل أرِدَنْ يوما مياه مَجَنَّة .. و هل يَبْدُوَنْ لىَ
شامةٌ وطَفِيل .. قالت عائشة : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه ، فقال :
اللهمَّ حببْ إلينا المدينة كحبّنا مكةَ أو أشد ، و صحّحْها ، و بارك لنا في صاعها و مُدِّها ،
و انقل حمَّاها فاجعلها بالجُحفة ) متفق عليه , فانظر إلى بلال رضي الله عنه كيف
يذكر مكة و أراضيها و هو في غمرات الحمى ..
أيها المؤمنون , قال تعالى في آية عظيمة وعد فيها من نصر دينه بالنصر والتمكين : ( وَ
لَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) الحج , و وعد من حاد دينه بالكبت والخذلان
فقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا
آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَ لِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ) المجادلة , ومن هاتين الآيتين العظيمتين ننتقل معا
إلى بدايات توحيد هذه البلاد المباركة و الوطن الحبيب , حيث قام الملك عبد العزيز رحمه
الله بمن معه من الرجال مجاهدا لأن يوحد أرض الجزيرة وأن يخضع قبائلها المتناحرة تحت
راية واحدة ، قام مخلصا بمساندة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله , و التي
تدعو إلى محاربة الشرك والبدع و نشر التوحيد الخالص ، فكان الله سبحانه وتعالى نصيره
و تلك سنة إلهية وضعها الخالق المدبر سبحانه لنا في آية تتلى إلى يوم القيامة , قال
تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ )
النور , فتوحدت أرجاء هذه البلاد المباركة بعد جهاد عظيم وصبر في سبيل ذلك أعظم .
و مع كل ذكرى سنوية لتوحيد هذه البلاد المباركة , فإنه ينبغي أن نتذكر نعمة الله علينا
و نجعلها حاضرة في أذهاننا و قلوبنا ، فمن أعظم نعم الله علينا في توحيد هذه البلاد
أنها بفضل الله تعالى قامت على أساس الدين ، فأصبح الناس يؤدون عباداتهم في يسر
و سهولة و حرية لا يجدون مضايقة في ذلك , و عم الأمن و الأمان ربوع هذا الوطن
الحبيب , هذه النعمة الكبرى التي لا يعرفها إلا من فقدها ، وبعد أن كانت أرض الجزيرة
أرض خوف و اضطرابات ، وبعد أن كانت عبارة عن قبائل متناحرة يسطو بعضها على
بعض وينهب بعضها بعضاً ، و بعد أن كان الرجل لايأمن على نفسه الخروج إلى أطراف
المدينة , و لا يأمن على أهله و أبنائه , بعد كل ذلك تحولت أرض الجزيرة إلى مضرب
المثل في الأمن و الأمان , و ما ذلك إلا بعد توفيق الله لولاة الأمر و هدايتهم إلى
الحرص على تطبيق شريعة الله تعالى : ( وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي
لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) النور ..
ثم توالت نعم الله العظيمة تترى على هذه البلاد المباركة , فبعد أن توحدت هذه الدولة
كانت دولة فقيرة ليس لديها من مصادر المال ما تقوم عليه ، و الأرض صحراء قاحلة , لا
أنهار فيها و لا بحيرات , و الشعب تنتشر فيه الأمية و الجهل ، و يغلب عليه الفقر والجوع
و العوز , بعد كل ذلك من الله بنعمة عظيمة ستقلب الإقتصاد المالي رأسا على عقب ,
و الله سبحانه و تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين , بيده خزائن السموات و الأرض , وعد
من استقام على دينه بالرزق ورغد العيش و الحياة الطيبة , قال تعالى : ( وَ أَلَّوْ اسْتَقَامُوا
عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ) الجن ، وقال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَ
اتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَ لَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )
الأعراف , فظهرت آبار النفط من تحت الصحراء القاحلة , و إذا بهذه الدولة الفقيرة تصبح
من أغنى دول العالم , و يعم المال و الخير جميع ربوعها , بل و تصنف بعد ذلك من أكبر
الدول التي تمتلك احتياطياً نفطياً في العالم . و وفق الله ولاة الأمر للإستفادة من عوائد
النفط في تنمية الدولة الفتية ، فظهرت الرقعة الخضراء و أخذت في الزيادة ، و عمرت
المدن والقرى ، وامتدت شبكات الطرق الكبيرة التي تربط أرجاءها , و ازدادت المدارس
والمعاهد الدينية التي تعلم الشريعة ومختلف العلوم , و انتشرت الجامعات في مناطق
المملكة الرئيسة , كل ذلك بفضل نشر دعوة التوحيد و الاستقامة عليها و الحمدلله .
أيها المؤمنون , لا مانع من الفرح و الإحتفال بيوم الوطن العظيم , لكن علينا ان نأخذ
على أيدي العابثين الذين يسيئون إلى اليوم الوطني بسلوكياتهم الخاطئة و تصرفاتهم
الطائشة , تصرفات طائشة و شاذة قوامها التعدي على حريات الآخرين و إيذاؤهم و
ذلك بإقفال الطرقات و ممارسة الرقص و التمايل و التميع دون حياء و لا خلق , و
ممارسة التفحيط المزعج الذي قد يؤدي إلى عواقب غير محمودة , و معاكسة النساء
و التعدي على المرافق العامة , و هو ما يتناقض تماما مع ما يجب إبرازه في يوم
الوطن من الفرح و السرور دون مبالغة و تعد على حريات الآخرين و إيذائهم , وإظهار
الحب للوطن و قادته بالالتزام بالنظام و التعليمات ..
و اعلموا أيها المؤمنون أنَّ أصدق الحديث كلام الله ، و خير الهدى هدى محمد صلى
الله عليه وسلم ، و شرَّ الأمور محدثاتها ، و كلَّ محدثةٍ بدعة ، و كل بدعةٍ ضلالة ، و
عليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة , و صلُّوا و سلِّموا على محمد ابن عبد الله
كما أمركم الله تعالى بذلك في كتابه فقال : ( إِنَّ اللَّهَ وَ مَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) الأحزاب , و قال صلى الله عليه و
سلم : ( و مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ) ,
اللهم صلِّ على محمدٍ و على آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنَّك
حميدٌ مجيد ، و بارك على محمدٍ و على آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد . اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، و أذل الشرك والمشركين ،
و دمِّر أعداء الدين و احم حوزة الدين , اللهم آمِنَّا في أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة
أمورنا و اجعل ولايتنا فيمن خافك و اتقاك و اتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفِّق
ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام .
السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , وعلى آله و أصحابه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان
إلى يوم الدين , ثم أما بعد , فاتقوا الله تعالى واتبعوا أوامره واجتنبوا نواهيه , قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) آل عمران ..
أيها المؤمنون , حب الوطن , هو موضوعنا لهذا اليوم المبارك , و من منا لا يحب وطنه ,
دولته ومنطقته وقريته , بعيدا عن ذلك الأثر الشهير المعروف : ( حب الوطن من الإيمان )
هذا الأثر الذي لم يثبت و لم يصح عن النبي عليه الصلاة و السلام , فحب الوطن غريزة
في قلب كل إنسان , و لا ترتبط بالإيمان إلا من أراد أن يكون حبه لوطنه من الإيمان ,
حب الوطن يستوي فيه المسلم و الكافر , المؤمن و المنافق , و لقد رُكِز في جبلّة البشر
حبُّ الأوطان و الشغَف بالمنشأ ، و هذا الحب فطرةٌ ثابتةٌ في حنايا النفوس متجذِّرةٌ في
شغاف القلوب , حب الوطن فطرة فيقلب كل إنسان تنشأ معه , و تكبر معه , فيبقى
محبا عاشقا مخلصا لوطنه و أهله و جماعته , و لا يشذ عن ذلك إلا خائن لوطنه خائن
لمعتقداته التي نشأ و تربى عليها , و لقد دل القران الكريم على هذه المكانة لحب الوطن
و أنه أمرٌ مركوز في الفطَر جُبلت عليه النفوس، قال تعالى : ( وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ
اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ) النساء , لكن المسلم
أصدقُ الناس حبًا لوطنه , لأنه يريد لأهله سعادة الدنيا و الآخرة بتطبيق الإسلام و عقائده
في كل حياته , و الحرص على إنقاذهم من النار و من سخط الجبار , قال تعالى حكايةً عن
مؤمن آل فرعون : ( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ
اللَّهِ إِنْ جَاءنَا ) غافر , قال ذلك محذرًا لقومه ناصحًا لهم و مريدًا لهم الخير و النجاة ..
أيها المؤمنون , لو أننا تأملنا قليلا في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم , لوجدنا شيئا
من مدى محبة النبي عليه الصلاة و السلام لوطنه و أرضه التي نشأ بها , عن عبد الله بن
عدي وابن عباس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على الْحَزْوَرَةِ فقال : والله
إنك لخير أرض الله و أحب أرضٍ إليَّ , و لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك )
أحمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجه و الدارمي , فانظر كيف أحب النبي عليه الصلاة
والسلام مدينته مكة التي ولد و نشأ و تربى فيها , و هذا شعور عام لكل إنسان , فكيف
و في مكة بيت الحرام , و في مكة بدأ رسولنا عليه الصلاة و السلام الصدع بالرسالة و
تبليغها لأهله وقومه فيها ؟ , و لقد ظل الشعور بالحنين إلى مكة ملازما للنبي صلى الله
عليه وسلم ، لا يقدم عليه من مكة قادم إلا سأله عنها ، واهتز قلبه شوقا إليها , وعَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ
يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ )
متفق عليه , بل إنه عليه الصلاة والسلام دعا إلى الرجوع إلى الوطن و لو كان موجودا في
مكة بيت الله الحرام , روى الحاكم بإسناد ثابت عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ
النبي صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَجَّهُ فَلْيُعَجِّلِ الرِّحْلَةَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ
أَعْظَمُ لأَجْرِهِ ) قال العلماء المراد بأهله : أي وطنه و إن لم يكن له فيها ولد أو أهل .
بل لو تأملنا في سيرة بعض أصحابه رضوان الله عليهم لوجدنا مثل ذلك في حب الوطن ,
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وُعك
أبو بكرٍ وبلالٌ . قالت , فدخلتُ عليهما فقلتُ : يا أبت كيف تجدك ؟ يا بلاَلُ كيف تجدك ؟
قالت : فكان أبو بكر إذا أخذته الحُمَّى يقول : كلُ امرئ مُصَبَّحٌ في أهله , والموتُ أدنى من
شِرَاك نعله , و كان بلالٌ إذا أقلع عنه الحُمَّى يرفع عقيرته و يقول : ألا ليتَ شِعرى هل
اْبيتنَّ ليلةً .. بوادٍ و حولى إِذْخَرٌ و جَلـيل , و هل أرِدَنْ يوما مياه مَجَنَّة .. و هل يَبْدُوَنْ لىَ
شامةٌ وطَفِيل .. قالت عائشة : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه ، فقال :
اللهمَّ حببْ إلينا المدينة كحبّنا مكةَ أو أشد ، و صحّحْها ، و بارك لنا في صاعها و مُدِّها ،
و انقل حمَّاها فاجعلها بالجُحفة ) متفق عليه , فانظر إلى بلال رضي الله عنه كيف
يذكر مكة و أراضيها و هو في غمرات الحمى ..
أيها المؤمنون , قال تعالى في آية عظيمة وعد فيها من نصر دينه بالنصر والتمكين : ( وَ
لَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) الحج , و وعد من حاد دينه بالكبت والخذلان
فقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا
آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَ لِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ) المجادلة , ومن هاتين الآيتين العظيمتين ننتقل معا
إلى بدايات توحيد هذه البلاد المباركة و الوطن الحبيب , حيث قام الملك عبد العزيز رحمه
الله بمن معه من الرجال مجاهدا لأن يوحد أرض الجزيرة وأن يخضع قبائلها المتناحرة تحت
راية واحدة ، قام مخلصا بمساندة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله , و التي
تدعو إلى محاربة الشرك والبدع و نشر التوحيد الخالص ، فكان الله سبحانه وتعالى نصيره
و تلك سنة إلهية وضعها الخالق المدبر سبحانه لنا في آية تتلى إلى يوم القيامة , قال
تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ )
النور , فتوحدت أرجاء هذه البلاد المباركة بعد جهاد عظيم وصبر في سبيل ذلك أعظم .
و مع كل ذكرى سنوية لتوحيد هذه البلاد المباركة , فإنه ينبغي أن نتذكر نعمة الله علينا
و نجعلها حاضرة في أذهاننا و قلوبنا ، فمن أعظم نعم الله علينا في توحيد هذه البلاد
أنها بفضل الله تعالى قامت على أساس الدين ، فأصبح الناس يؤدون عباداتهم في يسر
و سهولة و حرية لا يجدون مضايقة في ذلك , و عم الأمن و الأمان ربوع هذا الوطن
الحبيب , هذه النعمة الكبرى التي لا يعرفها إلا من فقدها ، وبعد أن كانت أرض الجزيرة
أرض خوف و اضطرابات ، وبعد أن كانت عبارة عن قبائل متناحرة يسطو بعضها على
بعض وينهب بعضها بعضاً ، و بعد أن كان الرجل لايأمن على نفسه الخروج إلى أطراف
المدينة , و لا يأمن على أهله و أبنائه , بعد كل ذلك تحولت أرض الجزيرة إلى مضرب
المثل في الأمن و الأمان , و ما ذلك إلا بعد توفيق الله لولاة الأمر و هدايتهم إلى
الحرص على تطبيق شريعة الله تعالى : ( وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي
لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) النور ..
ثم توالت نعم الله العظيمة تترى على هذه البلاد المباركة , فبعد أن توحدت هذه الدولة
كانت دولة فقيرة ليس لديها من مصادر المال ما تقوم عليه ، و الأرض صحراء قاحلة , لا
أنهار فيها و لا بحيرات , و الشعب تنتشر فيه الأمية و الجهل ، و يغلب عليه الفقر والجوع
و العوز , بعد كل ذلك من الله بنعمة عظيمة ستقلب الإقتصاد المالي رأسا على عقب ,
و الله سبحانه و تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين , بيده خزائن السموات و الأرض , وعد
من استقام على دينه بالرزق ورغد العيش و الحياة الطيبة , قال تعالى : ( وَ أَلَّوْ اسْتَقَامُوا
عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ) الجن ، وقال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَ
اتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَ لَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )
الأعراف , فظهرت آبار النفط من تحت الصحراء القاحلة , و إذا بهذه الدولة الفقيرة تصبح
من أغنى دول العالم , و يعم المال و الخير جميع ربوعها , بل و تصنف بعد ذلك من أكبر
الدول التي تمتلك احتياطياً نفطياً في العالم . و وفق الله ولاة الأمر للإستفادة من عوائد
النفط في تنمية الدولة الفتية ، فظهرت الرقعة الخضراء و أخذت في الزيادة ، و عمرت
المدن والقرى ، وامتدت شبكات الطرق الكبيرة التي تربط أرجاءها , و ازدادت المدارس
والمعاهد الدينية التي تعلم الشريعة ومختلف العلوم , و انتشرت الجامعات في مناطق
المملكة الرئيسة , كل ذلك بفضل نشر دعوة التوحيد و الاستقامة عليها و الحمدلله .
أيها المؤمنون , لا مانع من الفرح و الإحتفال بيوم الوطن العظيم , لكن علينا ان نأخذ
على أيدي العابثين الذين يسيئون إلى اليوم الوطني بسلوكياتهم الخاطئة و تصرفاتهم
الطائشة , تصرفات طائشة و شاذة قوامها التعدي على حريات الآخرين و إيذاؤهم و
ذلك بإقفال الطرقات و ممارسة الرقص و التمايل و التميع دون حياء و لا خلق , و
ممارسة التفحيط المزعج الذي قد يؤدي إلى عواقب غير محمودة , و معاكسة النساء
و التعدي على المرافق العامة , و هو ما يتناقض تماما مع ما يجب إبرازه في يوم
الوطن من الفرح و السرور دون مبالغة و تعد على حريات الآخرين و إيذائهم , وإظهار
الحب للوطن و قادته بالالتزام بالنظام و التعليمات ..
و اعلموا أيها المؤمنون أنَّ أصدق الحديث كلام الله ، و خير الهدى هدى محمد صلى
الله عليه وسلم ، و شرَّ الأمور محدثاتها ، و كلَّ محدثةٍ بدعة ، و كل بدعةٍ ضلالة ، و
عليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة , و صلُّوا و سلِّموا على محمد ابن عبد الله
كما أمركم الله تعالى بذلك في كتابه فقال : ( إِنَّ اللَّهَ وَ مَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) الأحزاب , و قال صلى الله عليه و
سلم : ( و مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ) ,
اللهم صلِّ على محمدٍ و على آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنَّك
حميدٌ مجيد ، و بارك على محمدٍ و على آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد . اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، و أذل الشرك والمشركين ،
و دمِّر أعداء الدين و احم حوزة الدين , اللهم آمِنَّا في أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة
أمورنا و اجعل ولايتنا فيمن خافك و اتقاك و اتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفِّق
ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام .