الزواج آية عظيمة

ياراا

:: مسافر ::
15 يناير 2019
992
3
0
41
الحمدلله وحده لا شريك له , أشهد ألا إله إلا الله , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ
قدير , وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,
ثم امابعد , فَأُوصِيكُمْ أيها المؤمنون ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تعالى و كَثْرَةِ ذِكْرِه ، و أَحُثُّكُمْ
عَلى طاعَتِهِ وشُكْرِه قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ
وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران .

أيها المؤمنون , الزواج آية عظيمة من آيات الله تعالى , و سنة مِن سُنن الله تعالى ،
و هو ارتباطٌ وثِيق محبب ، يحفظ الله به النسلَ البشَري ، و يحقِّق به العفَّة و الطُّهر
و التحصين لكلا الزوجين ، بل و للمجتمع كلِّه . قال تعالى : ( وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ
مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ ) الروم , و قد جعَل الله لهذا الزواج نِظاما رائعا كاملا ، فحقَّق به السعادة
لكلاَ الزوجين ، و حفِظ لهما الحقوق ، و بيَّن ما عليهما مِن الواجبات ..

لكننا في هذا الموضوع سنركز على بداية هذا الإقتران المبارك , بداية مهمة تلقي
الضوء على ما فرضه ديننا الإسلامي الحنيف , و ما كفلته الأعراف لهذه المرأة
المقبلة على الإرتباط بهذا الرجل , فقد فرَض الدين للمرأة حقًّا على الرجل ، ألا و
هو الصَّداق و المهر الذي يعطيه لها دَلالةً على صِدق اقترانه بها و رغبته فيها ،
و أنَّها موضع حبِّه و بِرِّه ، و عطفه و عنايته و رعايته , قال تعالى : ( وَ آتُوا النِّسَاءَ
صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) النساء ..

و الإسلام لم يحدد مقدار المهر و كميته ، و ذلك لتباين الناس و اختلاف مستوياتهم
و بلدانهم و عاداتهم ، و لكن الاتجاه العام في الشريعة الإسلامية يميل نحو التقليل
فيه ، فيكون حسب القدرة و حسب التفاهم والإتفاق , و لم يؤثر عن النبي صلى الله
عليه وسلم و لا عن أحد من أصحابه أو التابعين لهم بإحسان أنهم تغالوا في المهور ،
و لا أمروا بذلك ، و قدْ ثبت أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم زوَّج بما تيسر مهما كان
قليلاً ، فإنَّ الله وعْد أن يبارك فيه , قال تعالى : ( وَ أَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ
مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور .

و علينا أيها المؤمنون أن نساعد و نعين المقبلين على الزواج , فالله سبحانه و تعالى
يعينهم , عن أبي هريرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ( ثلاثةٌ حقٌّ على
الله عونهم , المكاتب الذي يُريد الأداء ، و الناكِح الذي يُريد العفافَ ، و المجاهِد في
سبيلِ الله ) رواه النسائي و أبو داود و الترمذي ..

و لو استعرضنا عددا من الأحاديث الشريفة عن النبي صلى الله عليه و سلم , و عن
صحابته الكرام و التابعين , لوجدنا ما يطمأن به القلب في هذا الجانب المهم ..
وقد قال الفاروق رضي الله عنه : ( ألا لا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّساء , فإنَّها لو كانت مكرمة
في الدنيا أو تقوى عند الله , لكان أولاكم بها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم , ما أصْدَق
رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم امرأةً من نسائه ، و لا أُصْدِقَتِ امرأةٌ من بناته أكثرَ
من ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ) أبو داود النسائي وابن ماجه ، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن
أنه قال : ( سألت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى عليه وسلم , كم كان صداق
رسول الله صلى الله عليه وسلم , قالت : كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية و
نشّا , قالت , أتدري ما النش؟ قال , قلت لا , قالت , نصف أوقية فتلك خمسمائة
درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه ) مسلم ..
و أوقية الفضة تساوي تقريبا 119 جراما , و أوقية الذهب تساوي تقريبا 30 جراما ,
و الأوقية من غير الذهب و الفضة تساوي تقريبا أربعين درهما , فهذا صداق رسول
الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه , وهذا باعتبار أكثرهن رضي الله عنهن , و إلا فإن
خديجة و جويرية بخلاف ذلك ، و صفية كان عتقها صداقها ، و أم حبيبة أصدقها
عنه النجاشي أربعة الآف ، وهذا الفعل ليس من فعل النبي صلى الله عليه وسلم
و إنما هو إهداء من النجاشي للنبي صلى الله عليه وسلم نيابة عنه ..

وعن أنس رضي الله عنه قال : ( خطَب أبو طلحة أمَّ سُليم فقالت , واللهِ ما مِثلُك يا
أبا طلحةَ يُرَدُّ ولكنَّك رجلٌ كافِر و أنا امرأةٌ مسلمة ولا يحلُّ لي أن أتزوَّجك، فإنْ تُسلِم
فذاك مهْري و ما أسألك غيرَه ، فأسْلَم فكان ذلك مهرَها , قال ثابت , فما سمعتُ
بامرأة قطُّ كانتْ أكرمَ مهرًا من أمِّ سليم الإسلام ,فدخَل بها فولَّدتْ له ) النسائي ..

و الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يمهرون ملء الكف من الدقيق أو السويق أو التمر ،
أخرج أبو داود بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : ( من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل ) ..

و هذا عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ، و هو مِن أغْنى أهل المدينة ، و الذي
تُوفِّي عن أربعة وستِّين مليون دينار، تزوَّج على وزن نواةٍ مِن ذهب , عن أنس رضي
الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة
فقال : ما هذا ؟ قال إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب ، قال , بارك الله
لك ، أولم و لو بشاة ) متفق عليه , و وزن نواة من ذهب ليست بالشيء الكثير ..

و هذا سعيد بن المسيِّب رحمه الله تعالى سيِّد التابعين يتقدَّم لخِطبة ابنته الخليفة
عبدالملك بن مرْوان لابنه الوليد ولي العهْد فيرفض ، ويزوِّجها لتلميذ له صالِح اسمه
عبدالله بن أبي وداعة ماتتْ زوجته ، فقال له شيخُه بعدَ بضعة أيام , ( وهل استحدثتَ
امرأةً غيرها ؟ قال , و مَن يزوِّجني و ما أملِك إلا درهمين أو ثلاثة؟ فقال أنا أزوِّجك ،
وزوَّجه بابنته على درهمين أو ثلاثة , قال فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح فصرت
إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ و ممن استدين ، فصليت المغرب و انصرفت إلى
منزلي و استرحت ، و كنت وحدي صائماً فقدمت عشائي أفطر كان خبزاً وزيتاً ، فإذا
بآت يقرع فقلت : من هذا ؟ قال سعيد . قال : فأفكرت في كل انسان اسمه سعيد
إلا سعيد بن المسيب فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد ، فقمت فخرجت
فإذا سعيد بن المسيب ، فظنت أنه قد بدا له فقلت يا أبا محمد ، ألا أرسلت إلي
فآتيك ؟ قال : لأنت أحق أن تؤتى , قال : قلت : فما تأمر ؟ قال : إنك كنت رجلاً
عزباً فتزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك و هذه امرأتك . فإذا هي قائمة من
خلفه في طوله ، ثم أخذها بيدها فدفعها بالباب و رد الباب فسقطت المرأة من
الحياء ، فاستوثقت من الباب ثم قدمتها إلى القصعة التي فيها الزيت و الخبز
فوضعتها في ظل السراج لكي لا تراه , يقول , فدخلتُ بها ، فإذا هي من أجملِ
النِّساء ، و أحفظ الناس لكتابِ الله ، و أعلمِهم بسُنَّة رسول الله ، و أعرَفهم بحقِّ
الزوج .... ) ذكرها أبو نعيم في الحلية ...

و قدْ أنكر الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم على المغالين في المهور , عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني تزوجت
امرأة من الأنصار , فقال له النبي صلى الله عليه و سلم هل نظرت إليها فإن في
عيون الأنصار شيئا قال قد نظرت إليها , قال على كم تزوجتها ؟ قال على أربع أواق
فقال له النبي صلى الله عليه و سلم على أربع أواق , كأنما تنحتون الفضة من
عرض هذا الجبل , ما عندنا ما نعطيك , و لكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب
منه , قال فبعث بعثا إلى بني عبس بعث ذلك الرجل فيهم ) مسلم ..

بل إننا لنجد أن هناك من بحثوا لبناتهم عن الأزواج الأكفاء , فهذا عمر بن الخطَّاب
رضي الله عنه يعرِض ابنته حفصةَ على أبي بكر رضي الله عنه ليتزوَّجها ، ثم على
عثمان رضي الله عنه , وهذا شُعيب عليه السلام يعرِض ابنته على موسى الفقيرِ
المطارَد , ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ) القصص ..

أيها المؤمنون , لقد حثَّ الإسلامُ على تسهيلِ الزواج و تيسير أموره ، و نهَى عن
المغالاة في المهور ، و المبالَغة في تكاليف الزواج ، فهذا خيرُ البشَر محمَّد صلَّى
الله عليه وسلَّم يزوِّج ابنته فاطمة رضي الله عنها بعَليِّ بن أبي طالب بما يساوي
أربعمائة درهم , فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لما تزوّجَ عليٌّ فاطمة قال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم , أعطها شيئًا ، قال ما عندي ، قال أين درعك
الـحُـطَـمِيّة ؟ ) أبو داود و النسائي و ابن حبان في صحيحه ..
واعتبر الإسلام أنَّ المرأةَ كلما كان مهرُها قليلاً كان خيرُها كثيرًا , عن عائشة رضي
الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن أعظم النكاح بركة ،
أيسره مؤونة ) أحمد و البيهقي . و روى الإمام أحمد و البيهقي و الحاكم مرفوعاً :
( إن من يمن المرأة تيسير خطبتها و تيسير صداقها ) ..

فاتَّقوا الله أيها المؤمنون ، و يسِّروا أمْرَ الزواج ، و احرِصوا على مَن ترْضَون دِينه و
خلُقه ، و إيَّاكم و الرغبةَ في المال دون الدِّين ، فالمال عَرَض زائل و عارية مسترَدَّة ،
و البقاء للدِّين , عن أبي حاتم المُزَني قال , قال صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا
جاءكم من ترضون دينه و خلقه فأنكحوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض و فساد
كبير ) الترمذي و قال حديث حسن ، و ابن ماجة و الحاكم ..

اللهم وفِّقنا لما تحبُّه و ترضاه ، و اجعلْنا ممَّن يستمع القولَ فيتبع أحسنَه ,
و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ..