الحمدلله وحده لا شريك له , أشهد ألا إله إلا الله , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ,
و أصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , ثم اما بعد ,
فاتقوا الله ربكم , و أصلحوا ذات بينكم , و اقتدوا بنبيكم , تفوزوا و تفلحوا , قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) آل عمران .
أيها المؤمنون , نحن في حياتنا التي نعيشها نتقلَّب بين الأفراح والأتراح ، والمسرات والأحزان ,
وبين المثبطات والمحبطات في مختلف الأوقات ، وكلها أمور يختلط بعضها في بعض , ممَّا
يستدعي الصبر والحكمة عند التعامل مع أقراد الأسرة والأهل والأقارب وكافة أطياف المجتمع
الذين يختلط بهم و يتعامل معهم , و قد ينالنا من هذه التقلبات و الإختلاط مع الناس شيء
من التعامل السيء و الأذى , و لذلك لا بد من الصبر و الإحتمال و الحكمة على ما ينالنا من
أخطاء الناس في تعاملاتهم معنا , عن ابن عمر رضي الله عنهما قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي
لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ) أحمد والترمذي و ابن ماجة , و حسّنه ابن حجر
و صححه الألباني و الأرناؤوط ..
و الإنسان أيها المؤمنون ضعيف و مجبول على الخطأ و التقصير , إلا من عصمه الله تعالى
من الأنبياء والرسل ، و من يسر الله له اليسرى في الأخلاق و المعاملة , عن أنس بن مالك
رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ , وَخَيْرُ
الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) أحمد و الترمذي و ابن ماجة , و حسنه الألباني , و لو يعاقب الله تعالى
الناس ويكافئهم بما عملوا من الذنوب و المعاصي , و اجترحوا من الأخطاء ما ترك على
ظهرها من دابة تدب عليها , قال تعالى : ( وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ
ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَ لَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ) فاطر ..
فالخطأ وصف ملازم للإنسان لا ينفك عنه ، و لذلك كان أصل محاسن الأخلاق و القاعدة
التي يحقق الإنسان بها حسن الخلق ما ذكره الله في كتابه الكريم : ( خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) الأعراف ..
أيها المؤمنون , إن على المسلم أن يعتذر إن أخطأ , و أن يلتمس العذر للمسلمين إن وقعوا
في بعض الأخطاء , و أن يعفو ويسامح , و ألا يسيء الظن بأهله وإخوانه وأصدقائه , و ألا
يستعجل في الحكم على الأقوال و الأقوال التي تصدر منهم , و أن يجد لهم العذر طالما أنه
يجد لها في الخير محملا , و إن الاعتذار للناس و التماس الأعذار لهم ، من الصفات الكريمة ,
بل إنه من كمال العقل ، و هو من أكبر الشيم التي ينعم بها الإنسان في حياته ، و من كان
كذلك عاش سعيدا و محبوبا من أهله و مجتمعه , و كيف يعيش أناس حياتهم و هم
يسيئون الظن بأهلهم و أقاربهم و جيرانهم و معارفهم و أصحابهم ؟
و إنَّ مشكلة إساءة الظن في بيوتنا و مجتمعاتنا ينتج عنها كثير من القبائح و الذنوب , مثل
الغيبة و النميمة و البهتان و الكذب , و المشاكل من فرقة و تباغض و تقاطع , بالإضافة
إلى ما يعانيه المسلم من الهموم والغموم الملازمة , و العجيب أن بعض الناس يتطلبون
الزلات في كثير من الأحيان و يبحثون عنها في العبارات و الحركات ، بل إنهم ليفرحون
بالسقطات ، وهذا سوء ظن و عمل سيء ، إذا تورط فيه الإنسان فإنه من تطلب عورات
المسلمين كشفه الله ، و أوقعه في سيء أعماله ، و تورط فيما هو مثله أو أعظم منه .
أيها المؤمنون , إن على المسلم العاقل الخلوق أن يلتمس لأهله و إخوانه عشرات الأعذار ,
و مما يقال على ألسنة الناس مع قلة العاملين به : ( التمس لأخيك سبعين عذرا ) , ومثله
ما ورد أن جعفر بن محمد قال : ( إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذراً واحداَ
إلى سبعين عذرا ، فإن أصبته و إلا قل , لعل له عذرا لا أعرفه ) , و قد جاء في الحديث عن
عبدالله بن عمر قال : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال , يا رسول الله كم
نعفو عن الخادم ؟ فصمت ثم أعاد عليه الكلام فصمت , فلما كان في الثالثة قال , اعفوا
عنه في كل يوم سبعين مرة ) أبو داود , والحديث حسَّنه ابن حجر و صحَّحه الألباني ..
و من أساء لنا في ظنه و قوله و فعله , ثم أتى لكي يعتذر ، فعلينا أن تقبل منه عذره ،
فالله تعالى يقول : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعَافِينَ عَنِ
النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران , و يقول تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ
بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) الأنفال ..
و على المسلم حينما يسمع بأخيه شراً أو سوءاً و مثله لا يظن به إلا الخير والصلاح , فإنَّه
لا ينبغي الظن به إلا خيراً ، و لأجل ذلك قال تعالى في سياق حديث الإفك : ( لولا إذ
سمعتموه ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين ) النور ..
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( لا يحل لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة يظن بها
سوءاً وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجاً ) و قال : ( لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه )
و قال سعيد بن المسيب : ( كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله أنْ ضعْ أمر
أخيك على أحسنه ، ما لم يأتك ما يغلبك ، و لا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًا ،
و أنت تجد لها في الخير محملاً ) , و عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال : ( رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق ، فقال له : أسرقت ؟ قال : كلا
و الله الذي لا إله إلا هو ! فقال عيسى : آمنت بالله ، و كذّبت عيني ) متفق عليه ..
و قد ضرب حبيبنا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام أروع الأمثال في هذا الجانب , فعن أبي
هريرة رضي الله عنه قال : ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرَ على الصدقة فقيل
للنبي صلى الله عليه وسلم منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس بن عبد المطلب , فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : أما ابن جميل فما ينقم إلا أن كان فقيرا فأغناه الله , و أما خالد
فإنكم تظلمون خالدا ، فإنه احتبس أدرعه وَ أَعْتِدَهُ في سبيل الله , و أما العباس فهي علي
و مثلها معها , ثم قال : يا عمر ، أما شعرت أن عم الرجل صنوُ أبيه؟ ) متفق عليه ,
فهذا الحديث: فيه إرشاد للتصرف مع الأفعال التي ظاهرها القصور و الخطأ في تصرفات
الناس ، و أنه ينبغي أن يسعى الإنسان جاهدا في طلب العذر للناس ، و ألا يآخذهم
مباشرة من أقوالهم و أفعالهم ..
و العلاقة الزوجية تحتاج إلى تجنب سوء الظن , و إلى التماس العذر للزوجة إن قيل شيء
أو حصل شيء , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( جاء رجل من بني فزارة إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي ولدت غلاما أسود , فقال له : هل لك من إبل ؟ ،
قال : نعم ، قال : فما ألوانها؟ ، قال حُمْر ، فقال له : هل فيها من أورق ؟ ، قال نعم ،
قال : فأنى كان ذلك ؟ ، قال : أراه عرقٌ نزعه ، قال : فلعل ابنك هذا نزعه عرق )
متفق عليه ، فلم يرخص له عليه الصلاة والسلام في الانتفاء منه ..
بل إنه عليه الصلاة والسلام غضب على أسامة غضبا شديدا , حينما ظن بأحد المشركين
ظنا , و لم يقبل منه كلمة لا إله إلا الله , عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : ( بَعَثَنَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا
فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَ قَتَلْتَهُ ؟ قَالَ :
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ ، قَالَ : أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ
أَقَالَهَا أَمْ لَا ؟ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ ) مسلم ..
بل إنه عليه الصلاة والسلام لم يجعل لأحد مجالا يظن فيه السوء , عن صفية بنت حيي
رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه و سلم معتكفا . فأتيته أزوره ليلا .
فحدثته ثم قمت لأنقلب ، فقام معي ليقلبني , فمر رجلان من الأنصار , فلما رأيا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أسرعا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما . إنها
صفية بنت حيي . فقالا : سبحان الله يا رسول الله . فقال : إن الشيطان يجري من ابن
آدم مجرى الدم . وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو قال شيئا ) متفق عليه ..
اللهم ألهمنا رشدنا ، و قنا شر أنفسنا ، و طهر قلوبنا من كل ما يغضبك علينا ، يا ذا
الجلال و الإكرام , هذا و صلوا و سلموا على نبينا و سيدنا محمد , و على آله و
أزواجه و أصحابه أجمغين ..
و أصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , ثم اما بعد ,
فاتقوا الله ربكم , و أصلحوا ذات بينكم , و اقتدوا بنبيكم , تفوزوا و تفلحوا , قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) آل عمران .
أيها المؤمنون , نحن في حياتنا التي نعيشها نتقلَّب بين الأفراح والأتراح ، والمسرات والأحزان ,
وبين المثبطات والمحبطات في مختلف الأوقات ، وكلها أمور يختلط بعضها في بعض , ممَّا
يستدعي الصبر والحكمة عند التعامل مع أقراد الأسرة والأهل والأقارب وكافة أطياف المجتمع
الذين يختلط بهم و يتعامل معهم , و قد ينالنا من هذه التقلبات و الإختلاط مع الناس شيء
من التعامل السيء و الأذى , و لذلك لا بد من الصبر و الإحتمال و الحكمة على ما ينالنا من
أخطاء الناس في تعاملاتهم معنا , عن ابن عمر رضي الله عنهما قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي
لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ) أحمد والترمذي و ابن ماجة , و حسّنه ابن حجر
و صححه الألباني و الأرناؤوط ..
و الإنسان أيها المؤمنون ضعيف و مجبول على الخطأ و التقصير , إلا من عصمه الله تعالى
من الأنبياء والرسل ، و من يسر الله له اليسرى في الأخلاق و المعاملة , عن أنس بن مالك
رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ , وَخَيْرُ
الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) أحمد و الترمذي و ابن ماجة , و حسنه الألباني , و لو يعاقب الله تعالى
الناس ويكافئهم بما عملوا من الذنوب و المعاصي , و اجترحوا من الأخطاء ما ترك على
ظهرها من دابة تدب عليها , قال تعالى : ( وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ
ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَ لَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ) فاطر ..
فالخطأ وصف ملازم للإنسان لا ينفك عنه ، و لذلك كان أصل محاسن الأخلاق و القاعدة
التي يحقق الإنسان بها حسن الخلق ما ذكره الله في كتابه الكريم : ( خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) الأعراف ..
أيها المؤمنون , إن على المسلم أن يعتذر إن أخطأ , و أن يلتمس العذر للمسلمين إن وقعوا
في بعض الأخطاء , و أن يعفو ويسامح , و ألا يسيء الظن بأهله وإخوانه وأصدقائه , و ألا
يستعجل في الحكم على الأقوال و الأقوال التي تصدر منهم , و أن يجد لهم العذر طالما أنه
يجد لها في الخير محملا , و إن الاعتذار للناس و التماس الأعذار لهم ، من الصفات الكريمة ,
بل إنه من كمال العقل ، و هو من أكبر الشيم التي ينعم بها الإنسان في حياته ، و من كان
كذلك عاش سعيدا و محبوبا من أهله و مجتمعه , و كيف يعيش أناس حياتهم و هم
يسيئون الظن بأهلهم و أقاربهم و جيرانهم و معارفهم و أصحابهم ؟
و إنَّ مشكلة إساءة الظن في بيوتنا و مجتمعاتنا ينتج عنها كثير من القبائح و الذنوب , مثل
الغيبة و النميمة و البهتان و الكذب , و المشاكل من فرقة و تباغض و تقاطع , بالإضافة
إلى ما يعانيه المسلم من الهموم والغموم الملازمة , و العجيب أن بعض الناس يتطلبون
الزلات في كثير من الأحيان و يبحثون عنها في العبارات و الحركات ، بل إنهم ليفرحون
بالسقطات ، وهذا سوء ظن و عمل سيء ، إذا تورط فيه الإنسان فإنه من تطلب عورات
المسلمين كشفه الله ، و أوقعه في سيء أعماله ، و تورط فيما هو مثله أو أعظم منه .
أيها المؤمنون , إن على المسلم العاقل الخلوق أن يلتمس لأهله و إخوانه عشرات الأعذار ,
و مما يقال على ألسنة الناس مع قلة العاملين به : ( التمس لأخيك سبعين عذرا ) , ومثله
ما ورد أن جعفر بن محمد قال : ( إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذراً واحداَ
إلى سبعين عذرا ، فإن أصبته و إلا قل , لعل له عذرا لا أعرفه ) , و قد جاء في الحديث عن
عبدالله بن عمر قال : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال , يا رسول الله كم
نعفو عن الخادم ؟ فصمت ثم أعاد عليه الكلام فصمت , فلما كان في الثالثة قال , اعفوا
عنه في كل يوم سبعين مرة ) أبو داود , والحديث حسَّنه ابن حجر و صحَّحه الألباني ..
و من أساء لنا في ظنه و قوله و فعله , ثم أتى لكي يعتذر ، فعلينا أن تقبل منه عذره ،
فالله تعالى يقول : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعَافِينَ عَنِ
النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران , و يقول تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ
بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) الأنفال ..
و على المسلم حينما يسمع بأخيه شراً أو سوءاً و مثله لا يظن به إلا الخير والصلاح , فإنَّه
لا ينبغي الظن به إلا خيراً ، و لأجل ذلك قال تعالى في سياق حديث الإفك : ( لولا إذ
سمعتموه ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين ) النور ..
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( لا يحل لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة يظن بها
سوءاً وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجاً ) و قال : ( لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه )
و قال سعيد بن المسيب : ( كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله أنْ ضعْ أمر
أخيك على أحسنه ، ما لم يأتك ما يغلبك ، و لا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًا ،
و أنت تجد لها في الخير محملاً ) , و عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال : ( رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق ، فقال له : أسرقت ؟ قال : كلا
و الله الذي لا إله إلا هو ! فقال عيسى : آمنت بالله ، و كذّبت عيني ) متفق عليه ..
و قد ضرب حبيبنا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام أروع الأمثال في هذا الجانب , فعن أبي
هريرة رضي الله عنه قال : ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرَ على الصدقة فقيل
للنبي صلى الله عليه وسلم منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس بن عبد المطلب , فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : أما ابن جميل فما ينقم إلا أن كان فقيرا فأغناه الله , و أما خالد
فإنكم تظلمون خالدا ، فإنه احتبس أدرعه وَ أَعْتِدَهُ في سبيل الله , و أما العباس فهي علي
و مثلها معها , ثم قال : يا عمر ، أما شعرت أن عم الرجل صنوُ أبيه؟ ) متفق عليه ,
فهذا الحديث: فيه إرشاد للتصرف مع الأفعال التي ظاهرها القصور و الخطأ في تصرفات
الناس ، و أنه ينبغي أن يسعى الإنسان جاهدا في طلب العذر للناس ، و ألا يآخذهم
مباشرة من أقوالهم و أفعالهم ..
و العلاقة الزوجية تحتاج إلى تجنب سوء الظن , و إلى التماس العذر للزوجة إن قيل شيء
أو حصل شيء , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( جاء رجل من بني فزارة إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي ولدت غلاما أسود , فقال له : هل لك من إبل ؟ ،
قال : نعم ، قال : فما ألوانها؟ ، قال حُمْر ، فقال له : هل فيها من أورق ؟ ، قال نعم ،
قال : فأنى كان ذلك ؟ ، قال : أراه عرقٌ نزعه ، قال : فلعل ابنك هذا نزعه عرق )
متفق عليه ، فلم يرخص له عليه الصلاة والسلام في الانتفاء منه ..
بل إنه عليه الصلاة والسلام غضب على أسامة غضبا شديدا , حينما ظن بأحد المشركين
ظنا , و لم يقبل منه كلمة لا إله إلا الله , عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : ( بَعَثَنَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا
فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَ قَتَلْتَهُ ؟ قَالَ :
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ ، قَالَ : أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ
أَقَالَهَا أَمْ لَا ؟ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ ) مسلم ..
بل إنه عليه الصلاة والسلام لم يجعل لأحد مجالا يظن فيه السوء , عن صفية بنت حيي
رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه و سلم معتكفا . فأتيته أزوره ليلا .
فحدثته ثم قمت لأنقلب ، فقام معي ليقلبني , فمر رجلان من الأنصار , فلما رأيا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أسرعا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما . إنها
صفية بنت حيي . فقالا : سبحان الله يا رسول الله . فقال : إن الشيطان يجري من ابن
آدم مجرى الدم . وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو قال شيئا ) متفق عليه ..
اللهم ألهمنا رشدنا ، و قنا شر أنفسنا ، و طهر قلوبنا من كل ما يغضبك علينا ، يا ذا
الجلال و الإكرام , هذا و صلوا و سلموا على نبينا و سيدنا محمد , و على آله و
أزواجه و أصحابه أجمغين ..