البغي و العدوان على الناس

ياراا

:: مسافر ::
15 يناير 2019
992
3
0
41

الحمدلله وحده لا شريك له , أشهد ألا إله إلا الله , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ
قدير , وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,
ثم امابعد , فَأُوصِيكُمْ أيها المؤمنون ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تعالى و كَثْرَةِ ذِكْرِه ، و أَحُثُّكُمْ
عَلى طاعَتِهِ وشُكْرِه قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ
وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران .

أيها المؤمنون , لقد حرم الله تعالى البغي و العدوان على الناس في أنفسهم و ديارهم و
أراضيهم وأوطانهم ، عن عياض ابن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : ( إن الله أوحَى إليَّ أنْ تواضعُوا حتى لا يفْخَر أحدٌ على أحد ولا يبْغِي
أحدٌ على أحد ) مسلم , وقال ربنا تعالى : ( وَ لَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) البقرة ..

و إن بلدان الإسلام بلادٌ محسودة و بالإعتداء و الأذى مقصودة ، و إن هذه البلاد بلاد
الحرمين الشريفين و راعية المدينتين المقدستين ، مهبط الرسالة والوحي وموئل العقيدة
و مأرز الإيمان , لم تسلم من يد الغدر والبغي والعدوان , فخرجت عليها عصبةٌ غاوية و
شرذمةٌ شاذة وسلالةٌ حاقدة ضالة , فتسللت إلى حدود بلادنا المباركة و أرضها الطاهرة ،
واعتدت على حدودنا وجنودنا و أهلنا , ظلماً وبغياً وحقداً وحسداً وعدوانا , في محاولةٍ
خاسئةٍ خاسرة لنشر الفوضى و النيل من أمن بلادنا و كرامتها و سيادتها خدمةً لأعداء
الإسلام من الرفضة في دولة الرافضة و أهدافهم الخبيثة .
و كان لا بد من الوقوف ضد هذه العصبة الحاقدة , و إبعادهم ودحرهم عن حدودنا , كان
لا بد من الوقوف صفا واحدا حاكما و ولاة وجنودا وشعبا , كان لا بد من قتالهم وردعهم
و الإنتصار لبلادنا و ديننا وعقيدتنا وعزتنا وكرامتنا , قال تعالى : ( وَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ
الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ , وَ جَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا
يُحِبُّ الظَّالِمِينَ , وَ لَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ , إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى
الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى .

أيها المؤمنون , في هذه التصديات و المواجهات و الحروب , لا بد من الدعاء لجنودنا
البواسل الجنود المرابطين في الثغور المتصدين للأعداء , والذين تركوا الأهل والأبناء ،
وقاتلوا على خطوط النار في الجبهات دفاعا عن عقيدتهم ووطنهم , و لا بد من الإشادة
بشجاعتهم وبسالتهم متوكلين على رب العالمين سبحانه وتعالى , مستمدين منه العون
و النصر , قال تعالى : ( وَ لَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) الحج ..

هؤلاء الجنود الذين قدموا أوقاتهم و أرواحهم فداء لدينهم وعقيدتهم , منهم من قضى
نحبه و استشهد , و منهم من أصيب في جسده , قال تعالى : ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا
تَبْدِيلًا ) الأحزاب, قتلوا دون دينهم وعقيدتهم و وطنهم , فهم شهداء بإذن الله تعالى ,
عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( مَنْ قُتلَ دونَ ماله فهو شهيدٌ ، و من قتل دون دينه فهو شهيد ، و من قتل دون
دمه فهو شهيد ، و من قتل دون أهله فهو شهيد ) أبو داود والترمذي وصححه ..

هؤلاء الأبطال و الأمجاد المغاوير , جنودُنا المرابطون على حدنا الجنوبي الشامخ
هؤلاء الشجعان الذين تفخر الأمة بهم وتعتز بتضحياتهم , فهنيئاً لهم شرف الدنيا وثواب
الآخرة , عن سلمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( رِباطُ يومٍ وليلة خيرٌ من صيام شهر وقيامه ، و إن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان
يعمل ، و أجري عليه رزقه و أمن الفتَّان ) مسلم , و قال صلى الله عليه وسلم : ( رباط
يوم في سبيل الله خير من الدنيا و ما عليها و موضع سوط أحدكم في الجنة خير من
الدنيا وما عليها ) البخاري , وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال , سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : ( عينان لا تمسُّهما النارُ , عينٌ بكت من خشية الله ، و
عين باتت تحرس في سبيل الله ) الترمذي , وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مَكلومٍ يُكْلم في سبيل الله إلا جاء يوم
القيامة و كَلمه يدَْمى ، اللونُ لونُ دمٍ والريحُ ريحُ مِسْكٍ ) متفق عليه .
و قال ربنا تبارك و تعالى في الأمر بذلك , و رتب عليه الفلاح و النجاح : ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صَابِرُوا وَ رَابِطُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) آل عمران .

يحتاج هؤلاء الجنود المسلمون المرابطون , والذين هم في جهاد ورباط نسأل الله لهم
الثبات و النصر , و لجرحاهم الشفاء , و لمن مات منهم الشهادة , يحتاجون إلى دعم
مجتمعهم و وطنهم , بمساندتهم و مؤازرتهم و مراعاة أهاليهم و تلمس حاجاتهم ،
لتزداد معنوياتهم ، و يستمر ثباتهم ، ويعودوا ظافرين بإحدى الحسنيين إما النصر و
إما الشهادة , و لقد حث ديننا الإسلامي الحنيف على التلاحم و الترابط و التعاون بين
أفراد المجتمع المسلم في الشدة والرخاء , قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى و
لا تعاونوا على الإثم والعدوان ) المائدة ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( مَثَل المؤمنين
في توادِّهم و تراحمهم و تعاطفهم مَثَل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له
سائر الجسد بالسَّهَر و الحمَّى ) متفق عليه من حديث النعمان بن بشير ..
و إن روح الجسد الواحد ، بدت واضحةً و جليةً أول ما وطئت قدماه صلى الله عليه و
سلم المدينة ، فقد حرص على ترسيخ هذه القيمة بين المهاجرين والأنصار وتطبيقها
عملياً , فها هو سعد بن الربيع يقاسم عبد الرحمن بن عوف أمواله ، وغيرها وغيرها
من قصص المؤاخاة التي تمّت بين المهاجرين والأنصار في المجتمع المدني الإسلامي
التي تؤكّد بوضوح جلي هذا المعنى و ما قدّمه الصحابة الأخيار رضي الله عنهم من
صور التفاني والتضحية والإيثار على نحوٍ لم يحدث في تاريخ أمّةٍ من الأمم ..

و إن العناية بالمرابطين و بما خلفوه من مال و أهلين و أبناء هو من الأعمال الخيرة
التي رتب عليها الشرع الحنيف الأجر والثواب , بل وعظم الأجر في ذلك بأن من أخلف
الغازي في أهله بخير فإن له مثل أجره لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، عن أبي عبد
الرحمن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( مَن خَلَفَ غازياً في سبيل الله بخيرٍ فقَدْ غزا ) متفق عليه , و إخلافُ أهل المجاهدين
يكون بالنظر في شؤونهم و الوقوف على حاجاتهم , و هو من التعاون على البر و
التقوى , قال الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث : ( فقد غزا , أي حصل له
أجر بسبب الغزو ، و هذا الأجر يحصل بكل جهاد ، و سواء قليله و كثيره ، و لكل
خالف له في أهله بخير , من قضاء حاجة لهم و إنفاق عليهم , أو مساعدتهم في
أمورهم ، و يختلف قدر الثواب بقلة ذلك و كثرته ) انتهى كلامه رحمه الله ..

أيها المؤمنون , إنّ إخواننا الجنود المرابطين المجاهدين على حدودنا وثغورنا الجنوبية
في جازان و نجران يحتاجون منا كما مر معنا إلى وقفات مباركة ، و دعمهم معنوياً و
ماديا ، و الوقوف معهم و نصرتهم ، و الدعاء لهم بالنصر و الثبيت ، و إخلاف أهلهم
بخير ، و تفقد أحوالهم و إعانتهم ليحصل الأجر الموعود في حديث الصادق المصدوق
صلى الله عليه وسلم , و إن الواجب إزاء المرابطين عظيم و الكفل كبير على العلماء و
طلبة العلم والدعاة والخطباء و الإعلاميين في بيان فضلهم و فضل الرباط والشهادة
وبث الرسائل التشجيعية لهم و لأسرهم ، و مدارس التربية و التعليم لها دورها مع
أبناء المرابطين في المدارس والمعاهد و الجامعات ، و مؤسسات الدولة الإجتماعية
مع الأرامل و الأيتام بقضاء الديون و سد الحاجات ..

أيها المؤمنون , ستظل هذه البلاد المباركة بحول الله و قوته ، ثم بعزمات رجالها و
إيمان أهلها و صدق ولاتها و نصح علمائها حاميةً للدين والشريعة و ثغور هذه البلاد
المباركة ومواطنيها المخلصين و زوار الحرمين الشرفين , لاتساوم على حساب دينها
و لا تصانع و لا تداهن على ثوابت عقيدتها , ستظل بلداً آمنا مطمئنا مستقرا متآلفا
متلاحما متراحما عزيزاً بعز الإسلام , منيعا محفوظا مصونا بحفظها الدين وتحكيمه
و رعايته , و الدعوة إليه , و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ..

ثم اعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه ، فقال
قولا كريما : ( إِنَّ اللَّهَ وَ مَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ
سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) الأحزاب , اللهم صلِّ وسلم على نبينا وسيدنا محمدٍ ، وارضَ اللهم
عن خلفائه الأربعة أبي بكرٍ و عمرَ و عثمانَ و عليٍّ و عن سائر الصحابة أجمعين ,
اللهم أعز الإسلام و المسلمين . و أذل الشرك و المشركين و دمر أعداء الدين ، و
اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً و سائرَ بلاد المسلمين , اللهم وفق إمامنا
و ولي أمرنا لما تحب و ترضى ، و خذ بناصيته للبر و التقوى ، و هيئ له البطانة
الناصحة الصالحة الصادقة التي تدله على الخير و تعينه عليه ، و أبعد عنه بطانة
السوء , اللهم احفظ جنودنا المرابطين على الثغور ، اللهم قوِّ عزائمهم و سدد
سهامهم و اكبت أعداءهم و انصرهم على القوم الباغين يارب العالمين ، اللهم
اقبل مَنْ قُتلَ منهم في الشهداء و اشفِ مريضهم يا سميع الدعاء , اللهم من
أراد بلادنا أو أراد بلاد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فاكشف سره ، و اهتك
ستره و أبطل مكره ، و اكفنا شره و اجعله عبرةً يارب العالمين ..