صلوا أرحامكم و احذروا من قطيعة الرحم

ياراا

:: مسافر ::
15 يناير 2019
992
3
0
41
الحمد لله خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً , أحمده سبحانه وأشكره , و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له , أحاط بكل شيء خبراً ، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمد عبده و رسوله أعلى الناس منزلة و أعظمهم
قدراً , صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله وصحبه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , ثم
أما بعد , فاوصيكم و نفسي بتقوى الله تعالى , قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا
تموتن إلا و أنتم مسلمون ) آل عمران , و قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَ بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَ نِسَاء وَ اتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَ الأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) النساء ..

أيها المؤمنون , اتقوا الله تعالى و صلوا ما أمر الله به أن يوصل من حقوقه وحقوق عباده , صلوا أرحامكم ،
و الأرحام و الأنساب هم الأقارب ، و ليس كما يفهم بعض الناس أنهم أقارب الزوج أو الزوجة , فإن أقارب
الزوج أو الزوجة هم الأصهار ، إنما الأرحام و الأنساب هم أقارب الإنسان نفسه كأمه و أبيه و ابنه و ابنته ،
و كل من كان من بينه و بينه صلة من قِبَل أبيه أو من قبل أمه أو قبل ابنه أو من قبل ابنته .
و إن صلة الرحم مما قصّر فيه الكثيرون في هذه الأزمان , نظراً لانشغالهم بالملهيات و المغريات ، و
حطام الدنيا الفاني , و لذا عظَّم الله شأن صلة الرحم .

أيها المؤمنون , صلوا أرحامكم و احذروا من قطيعة الرحم , فإنها سبب للعنة الله و عقابه , يقول الله تعالى :
( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم , أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و
أعمى أبصارهم ) محمد , و يقول تعالى : ( و الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر
الله به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار ) الرعد ..

أيها المؤمنون , بصلة الأرحام تقوى المودة ، و تزيد المحبة ، و تتوثق عرى القرابة ، و تزول العداوة و
الشحناء ، و يحن ذو الرحم إلى أهله ، و صلة الرحم و الإحسان إلى الأقربين ذات مجالات شتى كثيرة ,
صلوا أرحامكم بالزيارات و الصلات , و التفقد و الاستفسارات , بالإتصالات و المراسلات , و الهدايا و
النفقات ، صلوهم بالعطف و الحنان , و لين الجانب و بشاشة الوجه و الإكرام و الاحترام , أحسنوا إلى
المحتاج , و ابذلوا المعروف , غضوا عن الهفوات , و اعفوا عن الزلات , و أقيلوا العثرات , و اجتهدوا في
الدعاء لهم بالتوفيق و الصلاح , و كل ما يتعارف به الناس من صلة ، و إن صلة الرحم ذِكْرى حسنة و أجر
كبير , إنها سبب لدخول الجنة و صلة الله للعبد في الدنيا و الآخرة , اقرؤوا إن شئتم قول الله تعالى : ( إنما
يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله و لا ينقضون الميثاق , و الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل
و يخشون ربهم و يخافون سوء الحساب , و الذين صبروا ابتغاء وجه ربهم و أقاموا الصلاة و أنفقوا مما
رزقناهم سراً و علانية و يدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار , جنات عدن يدخلونها و من صلح
من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم و الملائكة يدخلون عليهم من كل باب , سلام عليكم بما صبرتم فنعم
عقبى الدار ) الرعد , و قوله تعالى : ( وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَ بِذِي الْقُرْبَى
وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَ الْجَارِ الْجُنُبِ وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ) النساء , و قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْأِحْسَانِ وَ
إِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) النحل ..

و في الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري : ( أن رجلا قال , يا رسول الله أخبرني بما يدخلني الجنة و
يباعدني من النار , فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لقد وفق أو قال لقد هدي , كيف قلت؟ فأعاد
الرجل , فقال النبي : تعبد الله و لا تشرك به شيئا و تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و تصل ذا رحمك , فلما
أدبر قال النبي صلى الله عليه و سلم : إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة ) متفق عليه ,
فصلة الرحم سبب لدخول الجنة كما في هذا الحديث الشريف ..

صلة الرحم سبب لطول العمر و كثرة الرزق , عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال , قال النبي صلى الله
عليه : ( من سره أن يبسط له في رزقه و أن ينسأ له في أثره فليصل رحمه ) متفق عليه , و صلة الرحم
سبب لصلة الله تعالى , عن أبي هريرة رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله
تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت , هذا مقام العائذ بك من القطيعة , قال الله :
نعم أما ترضين أن أصل من وصلك و أقطع من قطعك ؟ قالت : بلى , قال : فذلك لك ) متفق عليه ,
و عن عائشة رضي الله عنها قالت , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( الرحم متعلقة بالعرش تقول ,
من وصلني وصله الله ، و من قطعني قطعه الله ) متفق عليه .

أيها المؤمنون , إن بعض الناس لا يصل أقاربه إلا إذا وصلوه ، و هذا في الحقيقة ليس بصلة , فإنه مكافأة ,
إذ أن المروءة و الفطرة السليمة تقتضي مكافأة من أحسن إليك قريبا كان أم بعيدا , يقول النبي صلى الله
عليه و سلم : ( ليس الواصل بالمكافئ ، و لكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) متفق عليه , فصلوا
أرحامكم و إن قطعوكم ، و ستكون العاقبة لكم عليهم , عن أبي هريرة رضي الله عنه , ( أن رجلا قال , يا
رسول الله إن لي قرابة أصلهم و يقطعوني ، و أحسن إليهم و يسيئون إليّ ، و أحلم عليهم و يجهلون علي ,
فقال : لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ , أي الرماد الحار , و لا يزال معك من الله ظهير عليهم , أي
معين عليهم , ما دمت على ذلك ) مسلم .

و عن عبدا لله بن سلام رضي الله عنه , قال : ( لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة ، انجفل الناس
قِبَلهُ , و قيل قد قدم رسول لله صلى الله عليه و سلم ، قد قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قد
قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثاً , فجئت في الناس لأنظُرَ , فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه
ليس بوجه كذاب ، فكان أول شيء سمعتهُ تكلم به أن قال : يا أيها الناس أفشوا السلام ، و أطعموا
الطعام ، و صلوا الأرحام ، و صلوا بالليل و الناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ) الترمذي و ابن ماجه و أحمد .
و لا يخفى عليكم الحديث الذي فيه قصة أبي سفيان مع هرقل , ( و أن أبا سفيان أجاب هرقل حينما سأله
ماذا يأمركم ؟ قال : قلت ( أبو سفيان ) قلت يقول : اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به شيئاً , و اتركوا ما
يقول آباؤكم , و يأمرنا بالصلاة و الصدق و العفاف و الصلة ) متفق عليه

و عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( لا يدخل الجنة قاطع , يعني
قاطع رحم ) متفق عليه , و أعظم القطيعة قطيعة الوالدين , ثم من كان أقرب فأقرب من القرابة ، و لهذا
قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ثلاث مرات , قلنا : بلى يا رسول الله , قال :
الإشراك بالله و عقوق الوالدين , و كان متكئاً فجلس , فقال : ألا و قول الزور و شهادة الزور , فما زال
يكررها حتى قلنا : ليته سكت ) متفق عليه ..
سبحان الله ما أعظم عقوق الوالدين , و ما أشد إثمه , حيث يلي الإشراك بالله سبحانه و تعالى ..

أيها المؤمنون , يا من آمن بالله و رسوله و اليوم الآخر , إن صلة الرحم تدل على الأيمان بالله و اليوم الآخر ,
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من كان يؤمن بالله و اليوم
الآخر فليصل رحمه ) البخاري , فانظروا في أقاربكم , هل قمتم بما يجب لهم عليكم من صلة ؟ هل ألنتم
لهم الجانب ؟ هل أطلقتم الوجوه لهم ؟ و هل شرحتم الصدور عند لقائهم ؟ هل قمتم بما يجب لهم من
محبة و تكريم و احترام ؟ هل زرتموهم في صحتهم توددا ؟ و هل عدتموهم في مرضهم احتفاء بهم و
سؤالا عنهم ؟ هل بذلتم ما يجب بذله لهم من نفقة و سداد حاجة ؟ ..

إن من الناس من لا ينظر إلى والديه اللذين أنجباه و ربياه إلا نظرة احتقار و سخرية و ازدراء ، يكرم امرأته و
يهين أمه ، و يقرب صديقه و يبعد أباه ، يستثقل الجلوس و يستطيل الزمن عندهما , كالساعة أو أكثر , لا
يخاطبهما إلا ببطء و تثاقل ، و لا يتحدث لهما في أي أمر مهم ، قد حرم نفسه لذة البر و عاقبته الحميدة ,
و إن من الناس من لا ينظر إلى أقاربه نظرة قريب لقريبه ، و لا يعاملهم معاملة تليق بهم ، يخاصمهم في
أقل الأمور , و يعاديهم في أتفه الأشياء ، و لا يقوم بواجب الصلة ، لا في الأقوال و لا الأفعال , و لا في
بذل المال , تجده غنيا قادرا و أقاربه محاويج ، فلا يقوم بصلتهم , بل قد يكونون ممن تجب نفقتهم عليه
لعجزهم عن التكسب و قدرته على الإنفاق عليهم فلا ينفق .
و إن من الناس من يبقى مخاصما أقاربه و أرحامه أو بعضهم فترة طويلة من الزمن من أجل حظ من
حظوظ الدنيا قليل , و لأسباب يزينها الشيطان فيرى أنه ليس المخطئ , فيبقى قاطعا هاجرا معرضا ,
طارت به الأنفة , و طاشت به الظنون , عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
( إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث ، و لا تحسسوا و لا تجسسوا ، و لا تحاسدوا و لا تباغضوا و لا
تدابروا ، و كونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله عز و جل , المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه و لا يخذله و لا
يحقره . التقوى ههنا و يشير إلى صدره ثلاث مرات . بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل
المسلم على المسلم حرام : دمه و ماله و عرضه ) متفق عليه , و عنن أبي أيوب رضي الله عنه , أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا و
يعرض هذا و خيرهما الذي يبدأ بالسلام ) متفق عليه , و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَ يَوْمَ الْخَمِيسِ , فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا
إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ , فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا , أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ,
أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) مسلم , و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ ) أحمد ,
و حسنه الأرناؤوط ..

أيها المؤمنون , اتقوا الله تعالى و صلوا أرحامكم و احذروا من قطيعتهم , و استحضروا دائما ما أعد الله
تعالى للواصلين من الثواب و للقاطعين من العقاب , و استغفروا الله تعالى و توبوا إليه , و صلوا و
سلموا على الحبيب المصطفى عليه الصلاة و السلام ..