الحمد لله رب العالمين ، خلقنا لعبادته و أمرنا بتوحيده و طاعته ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
في أُلُهيته , كما أنه لا شريك له في ربوبيته ، و أشهد أنْ محمداً عبده و رسوله ، و خيرته من جميع بريته ،
صلى الله عليه و على آله و أصحابه و أهل ملته ، و سلم تسليماً كثيرا ، ثم أما بعد , فاتقوا الله سبحانه و
تعالى : قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) آل عمران .
أيُّها المؤمنون ، اتقوا الله تعالى ، و اعلموا أن كلمة ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهَ ) هي كلمة الإخلاص ، و هي كلمة
التقوى و العروة الوثقى ، و هي المنجية من النَّار لمن قالها بصدق و إخلاص ، و هي كلمة الإسلام ، و
مفتاح دار السلام , من كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة , في الحديث : ( لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ أي المحتضرين
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فإن من كان آخر كلمه لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دخل الجنة ) ابن حبان , و صححه الألباني , و عن أنس بن
مالك رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم و معاذ رديفه على الرحل ، قال يا معاذ بن جبل , قال :
لبيك يا رسول الله و سعديك ، قال : يا معاذ . قال : لبيك يا رسول الله و سعديك ، ثلاثا ، قال : ما من
أحد يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار , قال : يا رسول
الله ، أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال : إذا يتكلوا . و أخبر بها معاذ عند موته تأثما ) متفق عليه .
و لما كانت هذه الكلمة العظيمة بهذه المنزلة العالية من بين أنواع الذكر و تعلق بها الأحكام . و لها شروط
و لها معنى و مقتضى ، فليست كلمة تقال باللسان فقط , و هذه الكلمة يعلنها المسلمون في الأذان و
الإقامة و الخطب ، و هي كلمة قامت بها الأرض و السموات ، و خلقت من أجلها جميع المخلوقات ، و
بها انزل الله كتبه و أرسل رسله ، و شرع شرائعه ، و لأجلها نصبت الموازين و وضعت الدواوين ، و قام
سوق الجنة و النار ، و انقسمت الخليقة من أجلها إلى مؤمنين و كفار ، و عنها و عن حقوقها يكون السؤال
و الجواب ، و عليها يقع الثواب و العقاب ، و عليها نصبت القبلة و أسست الملة ، و لأجلها جردت سيوف
الجهاد ، و هي حق الله على جميع العباد , فهي كلمة الإسلام ، و بها تكون النجاة من الكفر و النار و
الخلاص , من قالها عصم دمه و ماله في الدنيا ، و إذا كان موقنـًا بها من قلبه نجا من النار في الآخرة و
دخل الجنة , قال عليه الصلاة والسلام : ( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه
الله ) البخاري , و هي كلمة و جيزة اللفظ قليلة الحروف , خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان ، فقد جاء
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه , عن رسول الله صلى الله عليه و سلم , قال : ( قال موسى عليه
السلام , يا رب علمني شيئـًا أذكرك و أدعوك به ، قال يا موسى قل لا إله إلا الله ، قال , يا رب كل عبادك
يقولون هذا ، قال , يا موسى ، لو أن السموات السبع و عامرهن غيري ، و الأرضيين السبع في كفة ، و لا
إله إلا الله في كفة ، مالت بهن لا إله إلا الله ) ابن حبان و الحاكم و صححه , و صححه الذهبي و ابن حجر ..
و عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يصاح برجل من أمتي
على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسع و تسعون سجلاً كل سجل مد البصر , ثم يقال : أتنكر من
هذا شيئًا ؟ فيقول لا يا رب , فيقال , ألك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل و يقول , لا . فيقال , بلى إن لك
عندنا حسنة , و إنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله ، و أشهد أن محمدًا
عبده و رسوله , فيقول , يا رب و ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال , إنك لا تظلم , فتوضع
السجلات في كفة و البطاقة في كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة ) أحمد و الحاكم , و قال
صحيح الإسناد ..
و قد زار النبي صلى الله عليه و سلم أو عاد عمه أبا طالب و كان في الاحتضار ، و كان عنده رجلان من
المشركين , فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يَا عَمِّ قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ
اللَّهِ ، فقال الكافران المشركان : أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ فأعاد عليه النبي صلى الله عليه و سلم
و أعاد عليه كلامهم فقال : هو على ملة عبد المطلب ) و مات على ذلك ، و العياذ بالله و أبى أن يقول
لا إله إلا الله ، و قد ( عاد النبي صلى الله عليه و سلم غلاماً من اليهود كان يخدمه و هو يحتضر فقال :
( يا غلام قل لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله , فنظر الغلام إلى أبيه اليهودي , فقال أبوه أطع أبا
القاسم ، فقال الغلام : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله ثم فاضت روحه ، فقال صلى الله
عليه و سلم : الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ) البخاري و أحمد و أبو داود , فغسله المسلمون و
كفنوه و صلوا عليه ثم دفن في مقابر المسلمين ..
و معنى كلمة ( لا إله إلا الله ) العظيمة : لا معبود بحق إلا الله , و لها ركنان :
الركن الأول : النفي ، و هو نفي الألوهية عما سوى الله من سائر المخلوقات .
و الركن الثاني : الإثبات . و هو إثبات الألوهية لله سبحانه , و بهذا يتضح معناها ، و أنها البراءة من
الشرك و المشركين ، و إخلاص العبادة لله وحده , و هذا معنى قول الخليل عليه الصلاة و السلام لأبيه
و قومه : ( إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ , إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ) الزخرف . و أيضًا معنى قوله تعالى :
( فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَ يُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا ) البقرة ,
أيها المؤمنون , إن فمجرد النطق بها من غير عمل بمدلولها و مقتضاها لا يفيد الإنسان شيئـًا ، فإن
المنافقين كانوا يقولونها بألسنتهم و لا يعتقدونها بقلوبهم ، فهم يعتقدون في الموتى و يطوفون
بالأضرحة تقربًا إلى الأموات ، و يطلبون المدد من الأولياء و الصالحين , و ينذرون لقبورهم و يذبحون
لها ، فهؤلاء لا تنفعهم لا إله إلا الله , لأنهم لم يعملوا بمقتضاها , و هو البراءة من الشرك و المشركين ،
و إخلاص العبادة لله رب العالمين , لأن معنى لا إله إلا الله : ترك عبادة القبور ، و ترك التقرب إلى
الأموات ، كما تترك عبادة الأوثان من اللات و العزى و مناة ، لا فرق بين عبادة الأصنام و عبادة القبور ،
و هذا هو معنى لا إله إلا الله , و لهذا قال النبي صى الله عليه وسلم لكفار قريش ، ( قولوا : لا إله إلا
الله ، قالوا : ( أَجَعَلَ ٱلاْلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْء عُجَابٌ ) ص , فالمشركون فهموا أن معناها : لا إله
إلا الله ، و أشركوا معه غيره سبحانه , و لهذا يجمعون بين الشرك و النطق بلا إله إلا الله ، و تجدهم
يفسرون لا إله إلا الله بأن معناها ، الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق ، و يقولون : إن من أقر بأن الله هو
الخالق الرازق فقد حقق التوحيد ، و شهد أن لا إله إلا الله , و لا مانع بعد ذلك عندهم أن يعبد الأصنام
و يذبح للأموات و يتقرب إليهم بأنواع العبادات , فالمشركون كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق ،
كما قال الله تعالى عنهم : ( وَ لَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَ ٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ )
الزخرف ، وقال تعالى : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَ ٱلأرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ و ٱلاْبْصَـٰرَ وَ مَن يُخْرِجُ
ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ وَ يُخْرِجُ ٱلْمَيّتَ مِنَ ٱلْحَىّ وَ مَن يُدَبّرُ ٱلاْمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ) يونس ,
و إن هذا الفهم الخاطئ لمعنى لا إله إلا الله قد يقع فيه عدد من المسلمين اليوم , فيذبحون
و ينذرون لغير الله ..
أيها المؤمنون , و إن من مقتضى لا إله إلا الله و حقها على من نطق بها : إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة ،
و صوم رمضان ، و حج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً ، و العمل بطاعة الله و ترك معاصيه ,
و قد وجد في الناس اليوم خلق كثير يقولون هذه الكلمة و لكنهم لا يقيمون الصلاة أو لا يؤتون الزكاة ،
و قد دل الكتاب و السنة على أن من لا يصلي فليس بمسلم ، و إن قال : لا إله إلا الله , قال تعالى :
( فَإِن تَابُواْ وَ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَ ءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ ) التوبة ، و قال في الآية الأخرى : ( فَإِن تَابُواْ
وَ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَ ءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدّينِ ) التوبة , فدلت الآيتان الكريمتان على أن الذي لا
يقيم الصلاة لا يخلى سبيله بل يُقتل ، و على أنه ليس من إخواننا في الدين لأنه كافر .
و قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( بين العبد و بين الكفر ترك الصلاة ) مسلم , و قد منع جماعة
بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم الزكاة ، و هم يقولون : لا اله إلا الله ، فقاتلهم أبو بكر الصديق
و الصحابة رضي الله عنهم أجمعين , و لم يمنعهم من قتالهم نطقهم بهذه الكلمة ، لأنهم اعتبروا
الزكاة من حق لا إله إلا الله , لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ و أن محمد رسول الله ، و يـقـيـمـوا الصلاة و يؤتوا الزكاة , فإذا فعلوا ذلك عصموا مني
دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله تعالى ) متفق عليه ,
فقال رضي الله عنه : ( إن رسول الله صلى الله و سلم قال : إِلاَّ بِحَقِّهَا , و إن الزكاة من حقها , و الله لو
منعوني عناقاً أو عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ) ، فاقتنع الصحابة
رضي الله عنهم بقول أبي بكر رضي الله عنه ، فهذا دليل على أنه لا يكفي مجرد النطق بـ ( لا إله إلا الله )
مع عدم الالتزام بمدلولها ومقتضاها و قد قيل للحسن رحمه الله : ( إن ناسًا يقولون : من قال لا إله إلا
الله دخل الجنة ، فقال : من قـال : لا إله إلا الله فأدى حقها و فرضها دخل الجنـة ) ، و قال وهب بن
منبـه رحمه الله لمن سأله : ( أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، و لكن ما من مفتاح إلا له
أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، و إلا لم يُفتح لك ) ..
لكن من قالها فإنه يكف عنه و يحكم بإسلامه , فإن تبين منه بعد ذلك ما يناقضها , و تبين أنه لا يؤدي
مقتضى الكلمة فإنه يحكم بردته و تقام عليه أحكام الردة ، و لهذا لما ( غزى بعض المسلمين جماعة من
المشركين فانتصروا عليهم و فر واحد منهم فلحق به أسامة بن زيد رضي الله عنه و عن أبيه و معه رجل
من الأنصار , فلم رفع أسامة السيف عليه قال : لا إله إلا الله ، فكف عنه الأنصاري و قتله أسامة بن
زيد ، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم غضب على أسامة و قال : أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، قال يا رسول الله : إنما قالها يتقي بها السيف ، قال : هلا شققت على قلبه فتعلم أنه
قالها يتقي بها السيف , ماذا تعمل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ فما زال يكررها , ماذا تعمل بلا
إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ حتى ندم أسامة رضي الله عنه ندامةً شديدة على ما فعل و عرف
خطأه في ذلك ) ، فهذا هو الشأن فيمن أعلن إسلامه و قال لا إله إلا الله فإنه يكف عنه و أنه يقبل منه
الإسلام ، فإن ظهر منه بعد ذلك ما يخالف مقتضى هذا الكلمة فإنه يجرى عليه الحكم الشرعي ، و نحن
ليس لنا إلا الظاهر ما لم يتبين لنا خلافه نحن نحكم على الظاهر ، و أما ما في القلوب فلا يعلمه إلا
الله سبحانه و تعالى ..
أيها المؤمنون , و من معنى لا إله إلا الله و مقتضاها : التحاكم إلى شريعته ، و تحريم ما حرمه و تحليل
ما أحله ، و أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه ، فيجب على من قال : لا إله إلا الله ، الحكم
بشرع الله ، و الكفر بأحكام الطواغيت و اجتنابها , لأن التشريع حق لله وحده , فمن وضع قوانين يحكم
بها بين الناس بدل شريعة الله تعالى فقد جعل نفسه شريكـًا لله , و من أطاعه في ذلك مختارًا فقد أشرك
بالله ، قال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ ) الشورى , و قال تعالى :
( وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) الأنعام , و قال تعالى : ( ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَ رُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ
وَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَ مَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـٰهاً وٰحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَـٰنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة ..
و لما سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه هذه الآية قال : ( يا رسول الله ، إنا لسنا نعبدهم ، فقال صلى
الله عليه و سلم : أليسوا يحلون ما يحرم الله فتحلونه ، و يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ قال : بلى ،
قال : فتلك عبادتهم ) , و هذا يتمثل اليوم في الولاة الذين يحكمون بالقوانين المتعصبين الذين يقلدون
أئمتهم و لو أخطأوا في الاجتهاد و خالفوا الدليل ، و يتمثل في المتصوفة الذين يطيعون مشائخ الطرق
في فعل الأمور الشركية و البدعية ، كل ذلك داخل في عبادة الأحبار و الرهبان من دون الله ، و هذا مما
يوجب على المسلم الذي يريد الفوز و النجاة ، أن يتعلم معنى لا إله إلا الله ، و يفهم مقتضاها ، و
يعمل بذلك حتى يكون من أهلها .
أيها المؤمنون : فكونوا من أهل لا إله إلا الله حقـًا ، جعلنا الله و إياكم من أهلها , ( فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَ
ٱللَّهُ وَ ٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَ ٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْوَاكُمْ ) محمد , فأمر سبحانه
بالعلم قبل القول و العمل , لأن العمل الذي لا يؤسس على علم صحيح يكون ضلالاً ، و قال تعالى :
( وَ لاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ) الزخرف ، أي: شهد
بالتوحيد بأن قال : لا اله إلا الله وَ هُمْ يَعْلَمُونَ بقلوبهم و يفهمون ما شهدت به ألسنتهم .
فاتقوا الله أيها المؤمنون و تفقهوا في معنى لا إله إلا الله لتعملوا بمقتضاها ، و تمسكوا بكتاب
الله و سنة رسوله عليه الصلاة و السلام , و الزموا جماعة المسلمين , و صلى الله و سلم على
نبينا محمد , و على آله و أصحابه أجمعين ..
في أُلُهيته , كما أنه لا شريك له في ربوبيته ، و أشهد أنْ محمداً عبده و رسوله ، و خيرته من جميع بريته ،
صلى الله عليه و على آله و أصحابه و أهل ملته ، و سلم تسليماً كثيرا ، ثم أما بعد , فاتقوا الله سبحانه و
تعالى : قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) آل عمران .
أيُّها المؤمنون ، اتقوا الله تعالى ، و اعلموا أن كلمة ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهَ ) هي كلمة الإخلاص ، و هي كلمة
التقوى و العروة الوثقى ، و هي المنجية من النَّار لمن قالها بصدق و إخلاص ، و هي كلمة الإسلام ، و
مفتاح دار السلام , من كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة , في الحديث : ( لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ أي المحتضرين
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فإن من كان آخر كلمه لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دخل الجنة ) ابن حبان , و صححه الألباني , و عن أنس بن
مالك رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم و معاذ رديفه على الرحل ، قال يا معاذ بن جبل , قال :
لبيك يا رسول الله و سعديك ، قال : يا معاذ . قال : لبيك يا رسول الله و سعديك ، ثلاثا ، قال : ما من
أحد يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار , قال : يا رسول
الله ، أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال : إذا يتكلوا . و أخبر بها معاذ عند موته تأثما ) متفق عليه .
و لما كانت هذه الكلمة العظيمة بهذه المنزلة العالية من بين أنواع الذكر و تعلق بها الأحكام . و لها شروط
و لها معنى و مقتضى ، فليست كلمة تقال باللسان فقط , و هذه الكلمة يعلنها المسلمون في الأذان و
الإقامة و الخطب ، و هي كلمة قامت بها الأرض و السموات ، و خلقت من أجلها جميع المخلوقات ، و
بها انزل الله كتبه و أرسل رسله ، و شرع شرائعه ، و لأجلها نصبت الموازين و وضعت الدواوين ، و قام
سوق الجنة و النار ، و انقسمت الخليقة من أجلها إلى مؤمنين و كفار ، و عنها و عن حقوقها يكون السؤال
و الجواب ، و عليها يقع الثواب و العقاب ، و عليها نصبت القبلة و أسست الملة ، و لأجلها جردت سيوف
الجهاد ، و هي حق الله على جميع العباد , فهي كلمة الإسلام ، و بها تكون النجاة من الكفر و النار و
الخلاص , من قالها عصم دمه و ماله في الدنيا ، و إذا كان موقنـًا بها من قلبه نجا من النار في الآخرة و
دخل الجنة , قال عليه الصلاة والسلام : ( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه
الله ) البخاري , و هي كلمة و جيزة اللفظ قليلة الحروف , خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان ، فقد جاء
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه , عن رسول الله صلى الله عليه و سلم , قال : ( قال موسى عليه
السلام , يا رب علمني شيئـًا أذكرك و أدعوك به ، قال يا موسى قل لا إله إلا الله ، قال , يا رب كل عبادك
يقولون هذا ، قال , يا موسى ، لو أن السموات السبع و عامرهن غيري ، و الأرضيين السبع في كفة ، و لا
إله إلا الله في كفة ، مالت بهن لا إله إلا الله ) ابن حبان و الحاكم و صححه , و صححه الذهبي و ابن حجر ..
و عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يصاح برجل من أمتي
على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسع و تسعون سجلاً كل سجل مد البصر , ثم يقال : أتنكر من
هذا شيئًا ؟ فيقول لا يا رب , فيقال , ألك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل و يقول , لا . فيقال , بلى إن لك
عندنا حسنة , و إنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله ، و أشهد أن محمدًا
عبده و رسوله , فيقول , يا رب و ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال , إنك لا تظلم , فتوضع
السجلات في كفة و البطاقة في كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة ) أحمد و الحاكم , و قال
صحيح الإسناد ..
و قد زار النبي صلى الله عليه و سلم أو عاد عمه أبا طالب و كان في الاحتضار ، و كان عنده رجلان من
المشركين , فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يَا عَمِّ قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ
اللَّهِ ، فقال الكافران المشركان : أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ فأعاد عليه النبي صلى الله عليه و سلم
و أعاد عليه كلامهم فقال : هو على ملة عبد المطلب ) و مات على ذلك ، و العياذ بالله و أبى أن يقول
لا إله إلا الله ، و قد ( عاد النبي صلى الله عليه و سلم غلاماً من اليهود كان يخدمه و هو يحتضر فقال :
( يا غلام قل لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله , فنظر الغلام إلى أبيه اليهودي , فقال أبوه أطع أبا
القاسم ، فقال الغلام : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله ثم فاضت روحه ، فقال صلى الله
عليه و سلم : الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ) البخاري و أحمد و أبو داود , فغسله المسلمون و
كفنوه و صلوا عليه ثم دفن في مقابر المسلمين ..
و معنى كلمة ( لا إله إلا الله ) العظيمة : لا معبود بحق إلا الله , و لها ركنان :
الركن الأول : النفي ، و هو نفي الألوهية عما سوى الله من سائر المخلوقات .
و الركن الثاني : الإثبات . و هو إثبات الألوهية لله سبحانه , و بهذا يتضح معناها ، و أنها البراءة من
الشرك و المشركين ، و إخلاص العبادة لله وحده , و هذا معنى قول الخليل عليه الصلاة و السلام لأبيه
و قومه : ( إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ , إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ) الزخرف . و أيضًا معنى قوله تعالى :
( فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَ يُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا ) البقرة ,
أيها المؤمنون , إن فمجرد النطق بها من غير عمل بمدلولها و مقتضاها لا يفيد الإنسان شيئـًا ، فإن
المنافقين كانوا يقولونها بألسنتهم و لا يعتقدونها بقلوبهم ، فهم يعتقدون في الموتى و يطوفون
بالأضرحة تقربًا إلى الأموات ، و يطلبون المدد من الأولياء و الصالحين , و ينذرون لقبورهم و يذبحون
لها ، فهؤلاء لا تنفعهم لا إله إلا الله , لأنهم لم يعملوا بمقتضاها , و هو البراءة من الشرك و المشركين ،
و إخلاص العبادة لله رب العالمين , لأن معنى لا إله إلا الله : ترك عبادة القبور ، و ترك التقرب إلى
الأموات ، كما تترك عبادة الأوثان من اللات و العزى و مناة ، لا فرق بين عبادة الأصنام و عبادة القبور ،
و هذا هو معنى لا إله إلا الله , و لهذا قال النبي صى الله عليه وسلم لكفار قريش ، ( قولوا : لا إله إلا
الله ، قالوا : ( أَجَعَلَ ٱلاْلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْء عُجَابٌ ) ص , فالمشركون فهموا أن معناها : لا إله
إلا الله ، و أشركوا معه غيره سبحانه , و لهذا يجمعون بين الشرك و النطق بلا إله إلا الله ، و تجدهم
يفسرون لا إله إلا الله بأن معناها ، الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق ، و يقولون : إن من أقر بأن الله هو
الخالق الرازق فقد حقق التوحيد ، و شهد أن لا إله إلا الله , و لا مانع بعد ذلك عندهم أن يعبد الأصنام
و يذبح للأموات و يتقرب إليهم بأنواع العبادات , فالمشركون كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق ،
كما قال الله تعالى عنهم : ( وَ لَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَ ٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ )
الزخرف ، وقال تعالى : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَ ٱلأرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ و ٱلاْبْصَـٰرَ وَ مَن يُخْرِجُ
ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ وَ يُخْرِجُ ٱلْمَيّتَ مِنَ ٱلْحَىّ وَ مَن يُدَبّرُ ٱلاْمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ) يونس ,
و إن هذا الفهم الخاطئ لمعنى لا إله إلا الله قد يقع فيه عدد من المسلمين اليوم , فيذبحون
و ينذرون لغير الله ..
أيها المؤمنون , و إن من مقتضى لا إله إلا الله و حقها على من نطق بها : إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة ،
و صوم رمضان ، و حج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً ، و العمل بطاعة الله و ترك معاصيه ,
و قد وجد في الناس اليوم خلق كثير يقولون هذه الكلمة و لكنهم لا يقيمون الصلاة أو لا يؤتون الزكاة ،
و قد دل الكتاب و السنة على أن من لا يصلي فليس بمسلم ، و إن قال : لا إله إلا الله , قال تعالى :
( فَإِن تَابُواْ وَ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَ ءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ ) التوبة ، و قال في الآية الأخرى : ( فَإِن تَابُواْ
وَ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَ ءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدّينِ ) التوبة , فدلت الآيتان الكريمتان على أن الذي لا
يقيم الصلاة لا يخلى سبيله بل يُقتل ، و على أنه ليس من إخواننا في الدين لأنه كافر .
و قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( بين العبد و بين الكفر ترك الصلاة ) مسلم , و قد منع جماعة
بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم الزكاة ، و هم يقولون : لا اله إلا الله ، فقاتلهم أبو بكر الصديق
و الصحابة رضي الله عنهم أجمعين , و لم يمنعهم من قتالهم نطقهم بهذه الكلمة ، لأنهم اعتبروا
الزكاة من حق لا إله إلا الله , لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ و أن محمد رسول الله ، و يـقـيـمـوا الصلاة و يؤتوا الزكاة , فإذا فعلوا ذلك عصموا مني
دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله تعالى ) متفق عليه ,
فقال رضي الله عنه : ( إن رسول الله صلى الله و سلم قال : إِلاَّ بِحَقِّهَا , و إن الزكاة من حقها , و الله لو
منعوني عناقاً أو عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ) ، فاقتنع الصحابة
رضي الله عنهم بقول أبي بكر رضي الله عنه ، فهذا دليل على أنه لا يكفي مجرد النطق بـ ( لا إله إلا الله )
مع عدم الالتزام بمدلولها ومقتضاها و قد قيل للحسن رحمه الله : ( إن ناسًا يقولون : من قال لا إله إلا
الله دخل الجنة ، فقال : من قـال : لا إله إلا الله فأدى حقها و فرضها دخل الجنـة ) ، و قال وهب بن
منبـه رحمه الله لمن سأله : ( أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، و لكن ما من مفتاح إلا له
أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، و إلا لم يُفتح لك ) ..
لكن من قالها فإنه يكف عنه و يحكم بإسلامه , فإن تبين منه بعد ذلك ما يناقضها , و تبين أنه لا يؤدي
مقتضى الكلمة فإنه يحكم بردته و تقام عليه أحكام الردة ، و لهذا لما ( غزى بعض المسلمين جماعة من
المشركين فانتصروا عليهم و فر واحد منهم فلحق به أسامة بن زيد رضي الله عنه و عن أبيه و معه رجل
من الأنصار , فلم رفع أسامة السيف عليه قال : لا إله إلا الله ، فكف عنه الأنصاري و قتله أسامة بن
زيد ، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم غضب على أسامة و قال : أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، قال يا رسول الله : إنما قالها يتقي بها السيف ، قال : هلا شققت على قلبه فتعلم أنه
قالها يتقي بها السيف , ماذا تعمل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ فما زال يكررها , ماذا تعمل بلا
إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ حتى ندم أسامة رضي الله عنه ندامةً شديدة على ما فعل و عرف
خطأه في ذلك ) ، فهذا هو الشأن فيمن أعلن إسلامه و قال لا إله إلا الله فإنه يكف عنه و أنه يقبل منه
الإسلام ، فإن ظهر منه بعد ذلك ما يخالف مقتضى هذا الكلمة فإنه يجرى عليه الحكم الشرعي ، و نحن
ليس لنا إلا الظاهر ما لم يتبين لنا خلافه نحن نحكم على الظاهر ، و أما ما في القلوب فلا يعلمه إلا
الله سبحانه و تعالى ..
أيها المؤمنون , و من معنى لا إله إلا الله و مقتضاها : التحاكم إلى شريعته ، و تحريم ما حرمه و تحليل
ما أحله ، و أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه ، فيجب على من قال : لا إله إلا الله ، الحكم
بشرع الله ، و الكفر بأحكام الطواغيت و اجتنابها , لأن التشريع حق لله وحده , فمن وضع قوانين يحكم
بها بين الناس بدل شريعة الله تعالى فقد جعل نفسه شريكـًا لله , و من أطاعه في ذلك مختارًا فقد أشرك
بالله ، قال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ ) الشورى , و قال تعالى :
( وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) الأنعام , و قال تعالى : ( ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَ رُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ
وَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَ مَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـٰهاً وٰحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَـٰنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة ..
و لما سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه هذه الآية قال : ( يا رسول الله ، إنا لسنا نعبدهم ، فقال صلى
الله عليه و سلم : أليسوا يحلون ما يحرم الله فتحلونه ، و يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ قال : بلى ،
قال : فتلك عبادتهم ) , و هذا يتمثل اليوم في الولاة الذين يحكمون بالقوانين المتعصبين الذين يقلدون
أئمتهم و لو أخطأوا في الاجتهاد و خالفوا الدليل ، و يتمثل في المتصوفة الذين يطيعون مشائخ الطرق
في فعل الأمور الشركية و البدعية ، كل ذلك داخل في عبادة الأحبار و الرهبان من دون الله ، و هذا مما
يوجب على المسلم الذي يريد الفوز و النجاة ، أن يتعلم معنى لا إله إلا الله ، و يفهم مقتضاها ، و
يعمل بذلك حتى يكون من أهلها .
أيها المؤمنون : فكونوا من أهل لا إله إلا الله حقـًا ، جعلنا الله و إياكم من أهلها , ( فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَ
ٱللَّهُ وَ ٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَ ٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْوَاكُمْ ) محمد , فأمر سبحانه
بالعلم قبل القول و العمل , لأن العمل الذي لا يؤسس على علم صحيح يكون ضلالاً ، و قال تعالى :
( وَ لاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ) الزخرف ، أي: شهد
بالتوحيد بأن قال : لا اله إلا الله وَ هُمْ يَعْلَمُونَ بقلوبهم و يفهمون ما شهدت به ألسنتهم .
فاتقوا الله أيها المؤمنون و تفقهوا في معنى لا إله إلا الله لتعملوا بمقتضاها ، و تمسكوا بكتاب
الله و سنة رسوله عليه الصلاة و السلام , و الزموا جماعة المسلمين , و صلى الله و سلم على
نبينا محمد , و على آله و أصحابه أجمعين ..