الحمد لله وحده لا شريك له , و الصلاة ز السلام على رسول الله ثم أما بعد , فأُوصيكم أيها الأحباب و نفسي
بتقوى الله سبحانه , قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) الحشر ,
أيُّها المؤمنون ، لم يترُكِ النبيُّ عليه الصلاة و السلام خيرًا إلا دلَّنا عليه ، و لا بابًا للجنَّةِ إلا أرشدنا طَريقَه ،
و في ذاتِ الوقت ربَّانا على لزوم السُّنن و الآدابَ ، و أرادَنا أن نكونَ على مُراد الله سبحانه في كلِّ الأحوال ,
في منامنا و يقَظَتنا ، في عباداتنا و أعمالنا الدنيوية ، و أن يكونَ حالُنا و مُنقلَبُنا لله تعالى ، قال سيحانه :
( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيَايَ وَ مَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام ، و هذه غايةُ العبودية ،
و العبوديَّة هي الغايةُ .
أيّها المؤمنون ، سنكون مع آية عظيمة من آيات ربنا سبحانه , ألا و هي النوم , قال تعالى : ( وَ مِنْ آيَاتِهِ
مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ ابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) الروم , فالنومُ حالٌ عجيبٌ
من أحوالِ الإنسان ، و آيةٌ من آياتِ الله العِظام ، و يُشكِّلُ النَّومُ جزءًا كبيرًا من اهتِمام الناس ، فيتَّخِذون له
الفُرشَ و الوسائد و الأثاث ، و يتهيَّؤون له بالوسائل و الأحوال ، و الإنسانُ يُمضِي ثُلُثَ حياته في النوم ,
و تجده إذا اضطرب لديه النوم و اختلفَ عليه بزيادةٍ أو نَقصٍ أثَّر على صحّته بدنيًّا و نفسيًّا ، و عانى معاناة
ظاهرة في حياته , فسعى للحلول , و بذَلَ للعلاج الكثيرَ من الأموال و الأوقات , و مِن هنا جاءَت الآدابُ النبويَّة
و السنَن المحمديّة بالتوجيه و الإرشاد ، حتى يكون منامُنا طاعَةً و نومُنا عبادة ، و التزامُ هذه السّنَن سببٌ
للأجر ، و مُعينٌ على القيامِ لصَلاة الفَجر ، و النشاطِ في سائر اليوم ، و البُعد عن الوساوس و الأحلام المُزعِجة
و الأمراض النفسيّة , و هذه السننُ و الآداب على أهمّيَّتها و عظيم أجرِ فاعلها قد أعرض كثيرٌ من المسلِمين
عنها جهلاً أو تكاسُلاً ، أو زُهدًا فيما عند الله من ثوابٍ .
و إليكم أيّها المؤمنون طائفةً مما صحَّ عن النبيِّ عليه الصلاة و السلام من سُنن النومِ و آدابه ، فيها الخير و
السعادةُ في الدنيا و الآخرة :
فأوّل ذلك : ما ورد عنِ النبيّ عليه الصلاة و السلام من التبكير في النّوم , فعن أبي بَرزةَ رضي الله عنه :
( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم كان يكرَه النومَ قبل العشاء و الحديثَ بعدها ) متفق عليه . ثمّ الوِتر قبل
النوم لمن خشِيَ أن لا يقومَ آخر الليل , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( أوصاني خليلي صلى الله عليه و
سلم بثلاث , بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر ، و ركعتَيْ الضُّحَى ، و أن أُوتِر قبل أن أرقُـد ) مسلم .
و من الآدابِ : عَدمُ النومِ على مكانٍ مُرتَفعٍ بلا حَواجز , عن عليِّ بن شيبانَ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى
الله عليه و سلم قالَ : ( من باتَ على ظَهر بيتٍ ليس له حِجارٌ فقد برِئَت منه الذِّمَّة ) أبو داود و له عدةُ شواهد .
و من الآداب : إطفاءُ النار و تخميرُ الإناءِ وإغلاقُ الأبواب , عن جابر رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه
و سلم قال : ( أطفِئوا المصابيحَ إذا رَقدتُم ، و غلِّقوا الأبوابَ، و أوكُوا الأسقِيةَ ، و خمِّروا الطعامَ و الشرابَ ،
و أحسِبُـه قال : و لو بعودٍ تعرضُه عليه ) متفق عليه ، و عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه
و سلم قال : ( لا تترُكوا النار في بيوتِكم حينَ تنامون ) متفق عليه ، و عن أبي موسَى رضي الله عنه قال :
( احترَق بيتٌ بالمدينَةِ على أهله من الليل ، فحُدِّث بشأنهم النبيُّ صلى الله عليه و سلم ، فقال : إنَّ هذه النارَ
إنما هي عَدوٌّ لكم ، فإذا نِمتُم فأَطفِئوها عَنكم ) متفق عليه .
و مِن الآداب : غسلُ اليَد و الفَم من أثرِ الأكل و الدَّسَم و نحوه , عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( من نامَ و في يَده غَمَرٌ و لم يَغسِله فأصابَه شيءٌ فلا يلومنَّ إلا نفسَه ) أبو داود .
و ذِكرُ الله مَطلوبٌ عند النوم , فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه و سلم أنّه
قال : ( من اضطَجَع مضجِعًا لا يذكرُ اللهَ فيه كانت عليه من الله تِرة ) أبو داود .
و منَ السنَن : الوضوءُ قبلَ النّوم , عن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنه قال : قال النبيُّ صلى الله عليه و سلم :
( إذا أتيتَ مضجعَك فتوضَّأ وضوءَك للصلاة ) أخرجه البخاري و مسلم . و يُسنُّ الوضوءُ أيضًا حتى و لو كان
الإنسان جُنُبًا , عن ابن عمر رضي الله عنه : ( أنَّ عمر بنَ الخطاب رضي الله عنه سأل رسولَ الله صلى الله عليه
و سلم : أيرقُد أحدُنا و هو جُنُب ؟ قال : نعم ، إذا توضَّأ أحدُكم فليرقُد و هو جُنُب ) متفق عليه .
ثم يجمع كفَّيْه ثم ينفُثُ فيهما فيقرأ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، ثم يمسح
بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه و وجهه و ما أقبل من جسَده ، يفعل ذلك ثلاثَ مرات ، كما في
صحيح البخاري , و يقرأ آية الكرسي , ففي حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه الطويل ، قال : ( إذا أويتَ إلى
فِراشِك فاقرأ آيةَ الكرسي , فإنه لن يزالَ عليك من الله حافظٌ و لا يقربُك شيطانٌ حتى تُصبِح ، فقال النبيُّ
صلى الله عليه و سلم : صدَقَك وهو كذوبٌ ، ذاك شيطان ) متفق عليه , و يقرأ آخر آيتين من سورة البقرة
من قوله تعالى : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ ) إلى آخر الآيتين ، ( من قرأ بهما في ليلةٍ
كَفَتاه ) رواه البخاري و مسلم .
و يقول أيضًا: ( سبحان الله ثلاثًا و ثلاثين ، و الحمد لله ثلاثًا و ثلاثين ، و الله أكبر أربعًا و ثلاثين ) متفق عليه , و
فيه حديثُ عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وشكوى فاطمَة رضي الله عنها ما تلقى من الرَّحَى مما تطحَن ، و
طلبَت خادمًا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أدلُّكما على خيرٍ مما سألتُماه؟ إذا أخذتُما مضاجِعكما
فكبِّرا اللهَ أربعًا وثلاثين، واحمدَا ثلاثًا وثلاثين وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين فإنَّ ذلك خيرٌ لكما مما سألتُماه ) متفق عليه.
و مِن آدابِ النَّوم : نفضُ الفراشِ و التَّسمية فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبيُّ صلى الله عليه و
سلم : ( إذا أوَى أحدُكم إلى فراشِه فليأخُذ داخِلةَ إزاره ، فلينفُض بها فِراشَه و ليُسمِّ الله , فإنه لا يعلمُ ما خلَفَه
بعده على فِراشه ، ثم يقول : باسمك ربّي وضعتُ جنبي و بك أرفعُه ، إن أمسكتَ نفسي فارحمها ، و إن
أرسلتَها فاحفَظها بما تحفَظ به عبادَك الصالحين ) متفق عليه . و يحرِصُ المسلمُ على التَّستُّر حتى لا تَنكشِفَ
عورتُه و هو نائمٌ , عن جابرِ بنِ عبدِ الله أنَّ النبيَّ صلى الله عليه و سلم قال : ( لا يستلقِيَنَّ أحدُكم ثم يضعُ
إحدى رجلَيْه على الأخرى ) مسلم .
و مِن الآدابِ : تباعُد النائمين عن بَعضهم , عن عمرو بِن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال : قال رسول اللهِ صلى
الله عليه و سلم : ( مُروا أولادَكم بالصلاة و هم أبناءُ سبعِ سنين ، و اضرِبوهم عليها و هم أبناءُ عشرٍ ، و
فرِّقوا بينهم في المضَاجِع ) أحمد وأبو داود .
و من السننِ : كتابةُ الوصيَّة , فعن عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : ( ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يُوصِي فيه يبيتُ ليلتَين إلا و وصيَّتُه مكتوبةٌ عنده ) متفق عليه .
و من الآداب عدم النومِ على البَطن ، لنهيه صلى الله عليه و سلم , : ( إنها ضَجعةُ أهلِ النار )، و قال : ( إنها
ضَجعَةٌ يُبغِضُها الله عز و جل ) أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ . و عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال : ( رأى رسولُ الله
صلى الله عليه و سلم رَجلاً مُضطجِعًا على بطنه ، فقال : إنَّ هذه ضَجعةٌ يُبغِضُها الله و رسولُه ) الترمذيّ .
و من الآداب : استحباب الإكتحال بالإثمد قبل المنام , لما روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي
الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام في كل عين ثلاثة أميال )
و في سنن ابن ماجه عن عمر مرفوعا : ( عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر و ينبت الشعر ) , و روى نحوه الطبراني
من حديث جابر و كذا ابن ماجه أيضا بلفظ : ( عليكم بالإثمد عند النوم فإنه يجلو البصر و ينبت الشعر ) و رواه
الإمام أحمد من حديث ابن عباس مرفوعا و لفظه : ( خير أكحالكم الإثمد فإنه يجلو البصر و ينبت الشعر ) و
رواه الترمذي و غيره بلفظ : ( من خير أكحالكم الإثمد ) قال الترمذي حديث صحيح , و الإثمد بكسر الهمزة هو
حجر أسود صلب براق يصنع منه الكحل , و عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم
كان له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة أميال في هذه و ثلاثة أميال في هذه ) رواه الإمام أحمد و ابن ماجه
و الترمذي و قال : حديث حسن , و المكحلة بضم الميم هي التي يكون فيها الكحل ..
و من السنة أيضا : النومُ على الشِّقِّ الأيمن , فعن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنه قال : قال النبيُّ صلى الله
عليه و سلم : ( إذا أتيتَ مضجِعك فتوضَّأ وضوءَك للصلاة ، ثم اضطجِع على شِقِّك الأيمن ثم قل : اللّهمّ
أسلَمتُ وجهي إليك ، وفوَّضتُ أمري إليك ، و ألجأتُ ظهرِي إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجَأ ولا منجَى منك
إلا إليك، اللّهمّ آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، وبنبيِّك الذي أرسلتَ ، قال : فإن متَّ من ليلتك فأنت على الفِطرة ،
و اجعلهنَّ آخرَ ما تتكلَّم به ) متفق عليه .
و من السنّة : وضعُ اليدِ تحت الخدِّ , فـ ( عن حذيفةَ رضي الله عنه قال : كانَ صلى الله عليه و سلم إذا أخَذ
مَضجِعَه من الليلِ وضع يدَه تحت خدِّه ) أخرجه البخاري , و عن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنه قال : كان
رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أرادَ أن ينامَ توسَّد يمينَه و يقولُ : اللّهمّ قِني عذابَك يومَ تجمعُ عبادَك )
أخرجه أحمد والترمذي , و عندهما عن حفصة أيضا .
و من الآداب المستحبة , أنه إذا استيقظَ من النوم مسح أَثَر النوم عن وجهه بيده ، و قد نصَّ على استحبابِه
النوويّ و ابنُ حجر ، لحديث : ( فاستيقظ رسول الله فجلس يمسَح النومَ عن وجهه بيده ) رواه مسلم .
و ان يقول : الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا و إليه النشور , فعن حذيفة بنُ اليمان رضي الله عنه قال :
( كان النبيّ صلى الله عليه و سلم إذا أوى إلى فِراشه قال : باسمك اللّهمّ أموتُ و أحيا ، و إذا قام
قال : الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا و إليه النشور ) أخرجه البخاري .
و إذا استيقظ أيضا فليبادر إلى السواك , عن حذيفةَ رضي الله عنه قال : ( كانَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم
إذا قام من الليل يشُوصُ فاهُ بالسِّواك ) متفق عليه ، و عن عائشة رضي الله عنها : ( أنَّ النبيَّ صلى الله
عليه و سلم كان يُوضَع له وَضوؤه و سِواكُه ، فإذا قام من الليل تخلَّى ثم استاكَ ) أبو داود , و عن ابن
عمر رضي الله عنه : ( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم كان لا ينامُ إلا و السواك عنده ، فإذا استيقظَ
بدأ بالسِّواك ) أحمد .
و هناك أدعية و أذكار أخرى ثبتت عن النبي صلى الله عليه و سلم , يحسن بالمسلم أن يحافظ عليها :
فمنَ الدعاءِ الذي كان يقوله صلى الله عليه و سلم ما رواه حذيفةُ بنُ اليمان رضي الله عنه قال :
( كان النبيّ صلى الله عليه و سلم إذا أوى إلى فِراشه قال : باسمك اللّهمّ أموتُ و أحيا ، و إذا قام
قال : الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا ، و إليه النشور ) أخرجه البخاري .
و منها ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول إذا أخَذَ
مضجِعَه : الحمدُ لله الذي كفاني و آواني ، و أطعمني و سقاني ، و الذي منَّ عليَّ فأفضَلَ ، و الذي
أعطاني فأجزَل ، الحمدُ لله على كلِّ حال ، اللّهمّ ربَّ كل شيءٍ و مليكَه و إلهَ كلِّ شيءٍ ، أعوذ بك من
النار ) أخرجه أبو داود و صحَّحه ابن حبان و النوويّ .
و منها ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قال : يا رسول الله ،
مُرني بكلماتٍ أقولهنَّ إذا أصبحتُ و إذا أمسَيتُ ، قال : قل : اللّهمّ فاطرَ السماوات و الأرض ، عالمَ
الغيبِ و الشهادة ، ربَّ كلِّ شيءٍ و مليكَه ، أشهد أن لا إلهَ إلا أنتَ ، أعوذ بك من شرِّ نفسي و شرِّ
الشيطان و شِرْكِه ، قال : قُلها إذا أصبحتَ و إذا أمسيتَ ، و إذا أخذتَ مضجِعَك ) أخرجه أبو داود .
و ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( أتَت فاطمةُ النبيَّ صلى الله عليه و سلم تسألُه خادمًا ، فقال
لها: قولي : اللّهمّ ربَّ السماوات و ربَّ الأرض و ربَّ العرشِ العظيم ، ربَّنا و ربَّ كلِّ شيءٍ ، فالقَ الحبِّ و
النوَى ، و مُنزِل التوراةِ و الإنجيلِ و الفُرقان ، أعوذ بك مِن شرِّ كلِّ شيءٍ أنت آخِذٌ بناصيته ، اللّهمّ أنت الأوّل
فليس قبلك شيء ، و أنت الآخِرُ فليس بعدَك شيء ، و أنت الظاهرُ فليس فَوقَك شيء ، و أنت الباطنُ
فليس دونَك شيء ، اقضِ عنّا الدَّيْن و أغنِنا من الفقر ) أخرجه مسلم .
و ما جاء عن أنسٍ رضي الله عنه ( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم كان إذا أوى إلى فِراشِه قال : الحمدُ
لله الذي أطعمَنا و سقانا و كفانا و آوانا ، فكَم ممّن لا كافِيَ له و لا مُؤوِي ) أخرجه مسلم .
و ما جاء عن علي رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه و سلم : ( أنّه كان يقول عند مضجعه : اللّهمّ
إني أعوذ بوجهِك الكريم و كلماتك التامّة من شرِّ ما أنت آخِذٌ بناصيته ، اللّهمّ أنت تكشِفُ المغرَمَ و المأثَمَ ،
اللّهمّ لا يُهزَمُ جندُك و لا يُخلَفُ وعدُك و لا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجَدُّ ، سبحانك و بحمدك ) أبو داود .
أيّها المؤمنون ، و قد يعرِضُ للمسلِم ما يُخيفُه و يُفزِعُه ، فإذا وجدَ ذلك فليَستعِذ بالله ، ( قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : إذا فزِعَ أحدُكم من النوم فليقُل : أعوذ بكلماتِ الله التاماتِ من غضبِه و عِقابه و
شرِّ عِباده ، و من هَمَزات الشياطين و أن يحضُرون ,فإنها لن تضُرَّه ) أبو داود و حسَّنه الترمذي و ابن حجر .
و للرؤيا و الأحلام آدابٌ و سُنن , عن أبي قتادةَ رضي الله عنه قال : ( سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و
سلم يقول : الرُّؤيا منَ الله و الحُلمُ من الشيطان ، فإذا رأى أحدُكم شيئًا يكرهه فلينفُث عن يساره ثلاثَ
مرات ، ثم ليتعوَّذ من شرها ، فإنها لا تضرُّه ) متفق عليه ، و عن جابرٍ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى
الله عليه و سلم أنّه قال : ( إذا رأى أحدُكم الرؤيا يَكرهُها فليبصُق عن يساره ثلاثًا ، و ليستعِذ بالله من
الشيطان ثلاثًا ، و ليتحوَّل عن جنبه الذي كان عليه ) مسلم .
أيّها المؤمنون ، و إذا انتبَه المسلِم من الليل فيُسنُّ له أن يذكُر اللهَ تعالى و يَدعُوَه ، فإنه حرِيٌّ بالإجابة ,
عن عبادةَ بنِ الصامت رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه و سلم قال : ( من تعارَّ من اللّيلِ فقال :
لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له ، له الملكُ و له الحمدُ و هو على كلِّ شيءٍ قدير ، الحمدُ لله و سبحان
الله و لا إلهَ إلا الله و الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللّهمّ اغفِر لي أو دعا استُجيبَ له ،
فإن توضَّأ و صلَّى قُبِلَت صلاتُه ) البخاري , و عن مُعاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه
و سلم قال : ( ما مِن مسلمٍ يَبيتُ على ذِكرٍ طَاهرًا فيتَعارُّ من الليل ، فيسأل الله خيرًا من الدنيا و
الآخرة إلا أعطاه إياه ) أحمدُ و أبو داود و ابن ماجه .
و مِنَ السنّة أيضا إذا قام ليلا : قراءةُ آخر سورةِ آل عمران , عن عبدِ الله بن عباس رضي الله عنهما قال
في حديثه : ( فنام رسولُ الله صلى الله عليه و سلم حتى انتصَفَ الليل أو قبلَه بقليل أو بعده بقليل ،
ثم استيقظَ رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلسَ ، فمسحَ النومَ عن وجهه بيده ، ثم قرأ العشر
آياتٍ خواتيمَ سورة آل عمران ) متفق عليه .
و مَن أراد النشاطَ و انشراحَ الصدر و طِيبَ النفس بعد الاستيقاظ من النومِ فليُبادِر إلى ذكر الله ، ثم
إلى الوضوء و الصلاة , عن أبي هريرةَ رضي الله عنه ( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم قال : يَعقِدُ
الشيطانُ على قافيةِ رأس أحدكم إذا هونام ثلاث عُقَد ، يضربُ مكانَ كلِّ عُقدةٍ : عليك ليلٌ طويلٌ فارقُد ،
فإن استيقَظ فذكرَ الله انحلَّت عُقدَة ، فإن توضَّأ انحلَّت عُقدَة ، فإن صلَّى انحلَّت عُقَدُه فأصبح نشيطًا
طيِّبَ النفس ، و إلا أصبح خبيثَ النفس كسلان ) متفق عليه .
و من السنة عند القيام من النوم كذلك , :غسلُ اليَد ثلاثًا قبل استعمالها , عن أبي هريرةَ رضي الله
عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا استيقظَ أحدُكم من نومه فليغسِل يدَه قبل أن
يُدخِلَها في وضوئه فإن أحدَكم لا يدري أين باتَت يدُه ) البخاري .
أيُّها المؤمنون ، هذا شئ مما ثبَتَ في آداب و سنن النوم عن النبيِّ صلى الله عليه و سلم ، جمعته
لكم لنعلم شيئا من هديه عليه الصلاة و السلام , فنستن به و نعمل به ..
أسأل الله تعالى أن ينفع بها قائلَها و سامِعَها ، و أن يُعينَنا على تطبيقها و التزامها
اللّهمّ وفِّقنا لهُداك ، و اجعَل عملنا في رضاك ، و اجعلنا مُتَّبعين لسنة نبيِّك محمَّد صلى
الله عليه و سلم ، اللّهمّ أورِدنا حوضَه ، وارزُقنا شفاعتَه ، و احشُرنا تحت لوائه .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين
بتقوى الله سبحانه , قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) الحشر ,
أيُّها المؤمنون ، لم يترُكِ النبيُّ عليه الصلاة و السلام خيرًا إلا دلَّنا عليه ، و لا بابًا للجنَّةِ إلا أرشدنا طَريقَه ،
و في ذاتِ الوقت ربَّانا على لزوم السُّنن و الآدابَ ، و أرادَنا أن نكونَ على مُراد الله سبحانه في كلِّ الأحوال ,
في منامنا و يقَظَتنا ، في عباداتنا و أعمالنا الدنيوية ، و أن يكونَ حالُنا و مُنقلَبُنا لله تعالى ، قال سيحانه :
( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيَايَ وَ مَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام ، و هذه غايةُ العبودية ،
و العبوديَّة هي الغايةُ .
أيّها المؤمنون ، سنكون مع آية عظيمة من آيات ربنا سبحانه , ألا و هي النوم , قال تعالى : ( وَ مِنْ آيَاتِهِ
مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ ابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) الروم , فالنومُ حالٌ عجيبٌ
من أحوالِ الإنسان ، و آيةٌ من آياتِ الله العِظام ، و يُشكِّلُ النَّومُ جزءًا كبيرًا من اهتِمام الناس ، فيتَّخِذون له
الفُرشَ و الوسائد و الأثاث ، و يتهيَّؤون له بالوسائل و الأحوال ، و الإنسانُ يُمضِي ثُلُثَ حياته في النوم ,
و تجده إذا اضطرب لديه النوم و اختلفَ عليه بزيادةٍ أو نَقصٍ أثَّر على صحّته بدنيًّا و نفسيًّا ، و عانى معاناة
ظاهرة في حياته , فسعى للحلول , و بذَلَ للعلاج الكثيرَ من الأموال و الأوقات , و مِن هنا جاءَت الآدابُ النبويَّة
و السنَن المحمديّة بالتوجيه و الإرشاد ، حتى يكون منامُنا طاعَةً و نومُنا عبادة ، و التزامُ هذه السّنَن سببٌ
للأجر ، و مُعينٌ على القيامِ لصَلاة الفَجر ، و النشاطِ في سائر اليوم ، و البُعد عن الوساوس و الأحلام المُزعِجة
و الأمراض النفسيّة , و هذه السننُ و الآداب على أهمّيَّتها و عظيم أجرِ فاعلها قد أعرض كثيرٌ من المسلِمين
عنها جهلاً أو تكاسُلاً ، أو زُهدًا فيما عند الله من ثوابٍ .
و إليكم أيّها المؤمنون طائفةً مما صحَّ عن النبيِّ عليه الصلاة و السلام من سُنن النومِ و آدابه ، فيها الخير و
السعادةُ في الدنيا و الآخرة :
فأوّل ذلك : ما ورد عنِ النبيّ عليه الصلاة و السلام من التبكير في النّوم , فعن أبي بَرزةَ رضي الله عنه :
( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم كان يكرَه النومَ قبل العشاء و الحديثَ بعدها ) متفق عليه . ثمّ الوِتر قبل
النوم لمن خشِيَ أن لا يقومَ آخر الليل , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( أوصاني خليلي صلى الله عليه و
سلم بثلاث , بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر ، و ركعتَيْ الضُّحَى ، و أن أُوتِر قبل أن أرقُـد ) مسلم .
و من الآدابِ : عَدمُ النومِ على مكانٍ مُرتَفعٍ بلا حَواجز , عن عليِّ بن شيبانَ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى
الله عليه و سلم قالَ : ( من باتَ على ظَهر بيتٍ ليس له حِجارٌ فقد برِئَت منه الذِّمَّة ) أبو داود و له عدةُ شواهد .
و من الآداب : إطفاءُ النار و تخميرُ الإناءِ وإغلاقُ الأبواب , عن جابر رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه
و سلم قال : ( أطفِئوا المصابيحَ إذا رَقدتُم ، و غلِّقوا الأبوابَ، و أوكُوا الأسقِيةَ ، و خمِّروا الطعامَ و الشرابَ ،
و أحسِبُـه قال : و لو بعودٍ تعرضُه عليه ) متفق عليه ، و عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه
و سلم قال : ( لا تترُكوا النار في بيوتِكم حينَ تنامون ) متفق عليه ، و عن أبي موسَى رضي الله عنه قال :
( احترَق بيتٌ بالمدينَةِ على أهله من الليل ، فحُدِّث بشأنهم النبيُّ صلى الله عليه و سلم ، فقال : إنَّ هذه النارَ
إنما هي عَدوٌّ لكم ، فإذا نِمتُم فأَطفِئوها عَنكم ) متفق عليه .
و مِن الآداب : غسلُ اليَد و الفَم من أثرِ الأكل و الدَّسَم و نحوه , عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( من نامَ و في يَده غَمَرٌ و لم يَغسِله فأصابَه شيءٌ فلا يلومنَّ إلا نفسَه ) أبو داود .
و ذِكرُ الله مَطلوبٌ عند النوم , فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه و سلم أنّه
قال : ( من اضطَجَع مضجِعًا لا يذكرُ اللهَ فيه كانت عليه من الله تِرة ) أبو داود .
و منَ السنَن : الوضوءُ قبلَ النّوم , عن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنه قال : قال النبيُّ صلى الله عليه و سلم :
( إذا أتيتَ مضجعَك فتوضَّأ وضوءَك للصلاة ) أخرجه البخاري و مسلم . و يُسنُّ الوضوءُ أيضًا حتى و لو كان
الإنسان جُنُبًا , عن ابن عمر رضي الله عنه : ( أنَّ عمر بنَ الخطاب رضي الله عنه سأل رسولَ الله صلى الله عليه
و سلم : أيرقُد أحدُنا و هو جُنُب ؟ قال : نعم ، إذا توضَّأ أحدُكم فليرقُد و هو جُنُب ) متفق عليه .
ثم يجمع كفَّيْه ثم ينفُثُ فيهما فيقرأ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، ثم يمسح
بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه و وجهه و ما أقبل من جسَده ، يفعل ذلك ثلاثَ مرات ، كما في
صحيح البخاري , و يقرأ آية الكرسي , ففي حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه الطويل ، قال : ( إذا أويتَ إلى
فِراشِك فاقرأ آيةَ الكرسي , فإنه لن يزالَ عليك من الله حافظٌ و لا يقربُك شيطانٌ حتى تُصبِح ، فقال النبيُّ
صلى الله عليه و سلم : صدَقَك وهو كذوبٌ ، ذاك شيطان ) متفق عليه , و يقرأ آخر آيتين من سورة البقرة
من قوله تعالى : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ ) إلى آخر الآيتين ، ( من قرأ بهما في ليلةٍ
كَفَتاه ) رواه البخاري و مسلم .
و يقول أيضًا: ( سبحان الله ثلاثًا و ثلاثين ، و الحمد لله ثلاثًا و ثلاثين ، و الله أكبر أربعًا و ثلاثين ) متفق عليه , و
فيه حديثُ عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وشكوى فاطمَة رضي الله عنها ما تلقى من الرَّحَى مما تطحَن ، و
طلبَت خادمًا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أدلُّكما على خيرٍ مما سألتُماه؟ إذا أخذتُما مضاجِعكما
فكبِّرا اللهَ أربعًا وثلاثين، واحمدَا ثلاثًا وثلاثين وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين فإنَّ ذلك خيرٌ لكما مما سألتُماه ) متفق عليه.
و مِن آدابِ النَّوم : نفضُ الفراشِ و التَّسمية فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبيُّ صلى الله عليه و
سلم : ( إذا أوَى أحدُكم إلى فراشِه فليأخُذ داخِلةَ إزاره ، فلينفُض بها فِراشَه و ليُسمِّ الله , فإنه لا يعلمُ ما خلَفَه
بعده على فِراشه ، ثم يقول : باسمك ربّي وضعتُ جنبي و بك أرفعُه ، إن أمسكتَ نفسي فارحمها ، و إن
أرسلتَها فاحفَظها بما تحفَظ به عبادَك الصالحين ) متفق عليه . و يحرِصُ المسلمُ على التَّستُّر حتى لا تَنكشِفَ
عورتُه و هو نائمٌ , عن جابرِ بنِ عبدِ الله أنَّ النبيَّ صلى الله عليه و سلم قال : ( لا يستلقِيَنَّ أحدُكم ثم يضعُ
إحدى رجلَيْه على الأخرى ) مسلم .
و مِن الآدابِ : تباعُد النائمين عن بَعضهم , عن عمرو بِن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال : قال رسول اللهِ صلى
الله عليه و سلم : ( مُروا أولادَكم بالصلاة و هم أبناءُ سبعِ سنين ، و اضرِبوهم عليها و هم أبناءُ عشرٍ ، و
فرِّقوا بينهم في المضَاجِع ) أحمد وأبو داود .
و من السننِ : كتابةُ الوصيَّة , فعن عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : ( ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يُوصِي فيه يبيتُ ليلتَين إلا و وصيَّتُه مكتوبةٌ عنده ) متفق عليه .
و من الآداب عدم النومِ على البَطن ، لنهيه صلى الله عليه و سلم , : ( إنها ضَجعةُ أهلِ النار )، و قال : ( إنها
ضَجعَةٌ يُبغِضُها الله عز و جل ) أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ . و عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال : ( رأى رسولُ الله
صلى الله عليه و سلم رَجلاً مُضطجِعًا على بطنه ، فقال : إنَّ هذه ضَجعةٌ يُبغِضُها الله و رسولُه ) الترمذيّ .
و من الآداب : استحباب الإكتحال بالإثمد قبل المنام , لما روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي
الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام في كل عين ثلاثة أميال )
و في سنن ابن ماجه عن عمر مرفوعا : ( عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر و ينبت الشعر ) , و روى نحوه الطبراني
من حديث جابر و كذا ابن ماجه أيضا بلفظ : ( عليكم بالإثمد عند النوم فإنه يجلو البصر و ينبت الشعر ) و رواه
الإمام أحمد من حديث ابن عباس مرفوعا و لفظه : ( خير أكحالكم الإثمد فإنه يجلو البصر و ينبت الشعر ) و
رواه الترمذي و غيره بلفظ : ( من خير أكحالكم الإثمد ) قال الترمذي حديث صحيح , و الإثمد بكسر الهمزة هو
حجر أسود صلب براق يصنع منه الكحل , و عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم
كان له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة أميال في هذه و ثلاثة أميال في هذه ) رواه الإمام أحمد و ابن ماجه
و الترمذي و قال : حديث حسن , و المكحلة بضم الميم هي التي يكون فيها الكحل ..
و من السنة أيضا : النومُ على الشِّقِّ الأيمن , فعن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنه قال : قال النبيُّ صلى الله
عليه و سلم : ( إذا أتيتَ مضجِعك فتوضَّأ وضوءَك للصلاة ، ثم اضطجِع على شِقِّك الأيمن ثم قل : اللّهمّ
أسلَمتُ وجهي إليك ، وفوَّضتُ أمري إليك ، و ألجأتُ ظهرِي إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجَأ ولا منجَى منك
إلا إليك، اللّهمّ آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، وبنبيِّك الذي أرسلتَ ، قال : فإن متَّ من ليلتك فأنت على الفِطرة ،
و اجعلهنَّ آخرَ ما تتكلَّم به ) متفق عليه .
و من السنّة : وضعُ اليدِ تحت الخدِّ , فـ ( عن حذيفةَ رضي الله عنه قال : كانَ صلى الله عليه و سلم إذا أخَذ
مَضجِعَه من الليلِ وضع يدَه تحت خدِّه ) أخرجه البخاري , و عن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنه قال : كان
رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أرادَ أن ينامَ توسَّد يمينَه و يقولُ : اللّهمّ قِني عذابَك يومَ تجمعُ عبادَك )
أخرجه أحمد والترمذي , و عندهما عن حفصة أيضا .
و من الآداب المستحبة , أنه إذا استيقظَ من النوم مسح أَثَر النوم عن وجهه بيده ، و قد نصَّ على استحبابِه
النوويّ و ابنُ حجر ، لحديث : ( فاستيقظ رسول الله فجلس يمسَح النومَ عن وجهه بيده ) رواه مسلم .
و ان يقول : الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا و إليه النشور , فعن حذيفة بنُ اليمان رضي الله عنه قال :
( كان النبيّ صلى الله عليه و سلم إذا أوى إلى فِراشه قال : باسمك اللّهمّ أموتُ و أحيا ، و إذا قام
قال : الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا و إليه النشور ) أخرجه البخاري .
و إذا استيقظ أيضا فليبادر إلى السواك , عن حذيفةَ رضي الله عنه قال : ( كانَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم
إذا قام من الليل يشُوصُ فاهُ بالسِّواك ) متفق عليه ، و عن عائشة رضي الله عنها : ( أنَّ النبيَّ صلى الله
عليه و سلم كان يُوضَع له وَضوؤه و سِواكُه ، فإذا قام من الليل تخلَّى ثم استاكَ ) أبو داود , و عن ابن
عمر رضي الله عنه : ( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم كان لا ينامُ إلا و السواك عنده ، فإذا استيقظَ
بدأ بالسِّواك ) أحمد .
و هناك أدعية و أذكار أخرى ثبتت عن النبي صلى الله عليه و سلم , يحسن بالمسلم أن يحافظ عليها :
فمنَ الدعاءِ الذي كان يقوله صلى الله عليه و سلم ما رواه حذيفةُ بنُ اليمان رضي الله عنه قال :
( كان النبيّ صلى الله عليه و سلم إذا أوى إلى فِراشه قال : باسمك اللّهمّ أموتُ و أحيا ، و إذا قام
قال : الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا ، و إليه النشور ) أخرجه البخاري .
و منها ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول إذا أخَذَ
مضجِعَه : الحمدُ لله الذي كفاني و آواني ، و أطعمني و سقاني ، و الذي منَّ عليَّ فأفضَلَ ، و الذي
أعطاني فأجزَل ، الحمدُ لله على كلِّ حال ، اللّهمّ ربَّ كل شيءٍ و مليكَه و إلهَ كلِّ شيءٍ ، أعوذ بك من
النار ) أخرجه أبو داود و صحَّحه ابن حبان و النوويّ .
و منها ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قال : يا رسول الله ،
مُرني بكلماتٍ أقولهنَّ إذا أصبحتُ و إذا أمسَيتُ ، قال : قل : اللّهمّ فاطرَ السماوات و الأرض ، عالمَ
الغيبِ و الشهادة ، ربَّ كلِّ شيءٍ و مليكَه ، أشهد أن لا إلهَ إلا أنتَ ، أعوذ بك من شرِّ نفسي و شرِّ
الشيطان و شِرْكِه ، قال : قُلها إذا أصبحتَ و إذا أمسيتَ ، و إذا أخذتَ مضجِعَك ) أخرجه أبو داود .
و ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( أتَت فاطمةُ النبيَّ صلى الله عليه و سلم تسألُه خادمًا ، فقال
لها: قولي : اللّهمّ ربَّ السماوات و ربَّ الأرض و ربَّ العرشِ العظيم ، ربَّنا و ربَّ كلِّ شيءٍ ، فالقَ الحبِّ و
النوَى ، و مُنزِل التوراةِ و الإنجيلِ و الفُرقان ، أعوذ بك مِن شرِّ كلِّ شيءٍ أنت آخِذٌ بناصيته ، اللّهمّ أنت الأوّل
فليس قبلك شيء ، و أنت الآخِرُ فليس بعدَك شيء ، و أنت الظاهرُ فليس فَوقَك شيء ، و أنت الباطنُ
فليس دونَك شيء ، اقضِ عنّا الدَّيْن و أغنِنا من الفقر ) أخرجه مسلم .
و ما جاء عن أنسٍ رضي الله عنه ( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم كان إذا أوى إلى فِراشِه قال : الحمدُ
لله الذي أطعمَنا و سقانا و كفانا و آوانا ، فكَم ممّن لا كافِيَ له و لا مُؤوِي ) أخرجه مسلم .
و ما جاء عن علي رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه و سلم : ( أنّه كان يقول عند مضجعه : اللّهمّ
إني أعوذ بوجهِك الكريم و كلماتك التامّة من شرِّ ما أنت آخِذٌ بناصيته ، اللّهمّ أنت تكشِفُ المغرَمَ و المأثَمَ ،
اللّهمّ لا يُهزَمُ جندُك و لا يُخلَفُ وعدُك و لا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجَدُّ ، سبحانك و بحمدك ) أبو داود .
أيّها المؤمنون ، و قد يعرِضُ للمسلِم ما يُخيفُه و يُفزِعُه ، فإذا وجدَ ذلك فليَستعِذ بالله ، ( قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : إذا فزِعَ أحدُكم من النوم فليقُل : أعوذ بكلماتِ الله التاماتِ من غضبِه و عِقابه و
شرِّ عِباده ، و من هَمَزات الشياطين و أن يحضُرون ,فإنها لن تضُرَّه ) أبو داود و حسَّنه الترمذي و ابن حجر .
و للرؤيا و الأحلام آدابٌ و سُنن , عن أبي قتادةَ رضي الله عنه قال : ( سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و
سلم يقول : الرُّؤيا منَ الله و الحُلمُ من الشيطان ، فإذا رأى أحدُكم شيئًا يكرهه فلينفُث عن يساره ثلاثَ
مرات ، ثم ليتعوَّذ من شرها ، فإنها لا تضرُّه ) متفق عليه ، و عن جابرٍ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى
الله عليه و سلم أنّه قال : ( إذا رأى أحدُكم الرؤيا يَكرهُها فليبصُق عن يساره ثلاثًا ، و ليستعِذ بالله من
الشيطان ثلاثًا ، و ليتحوَّل عن جنبه الذي كان عليه ) مسلم .
أيّها المؤمنون ، و إذا انتبَه المسلِم من الليل فيُسنُّ له أن يذكُر اللهَ تعالى و يَدعُوَه ، فإنه حرِيٌّ بالإجابة ,
عن عبادةَ بنِ الصامت رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه و سلم قال : ( من تعارَّ من اللّيلِ فقال :
لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له ، له الملكُ و له الحمدُ و هو على كلِّ شيءٍ قدير ، الحمدُ لله و سبحان
الله و لا إلهَ إلا الله و الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللّهمّ اغفِر لي أو دعا استُجيبَ له ،
فإن توضَّأ و صلَّى قُبِلَت صلاتُه ) البخاري , و عن مُعاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه
و سلم قال : ( ما مِن مسلمٍ يَبيتُ على ذِكرٍ طَاهرًا فيتَعارُّ من الليل ، فيسأل الله خيرًا من الدنيا و
الآخرة إلا أعطاه إياه ) أحمدُ و أبو داود و ابن ماجه .
و مِنَ السنّة أيضا إذا قام ليلا : قراءةُ آخر سورةِ آل عمران , عن عبدِ الله بن عباس رضي الله عنهما قال
في حديثه : ( فنام رسولُ الله صلى الله عليه و سلم حتى انتصَفَ الليل أو قبلَه بقليل أو بعده بقليل ،
ثم استيقظَ رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلسَ ، فمسحَ النومَ عن وجهه بيده ، ثم قرأ العشر
آياتٍ خواتيمَ سورة آل عمران ) متفق عليه .
و مَن أراد النشاطَ و انشراحَ الصدر و طِيبَ النفس بعد الاستيقاظ من النومِ فليُبادِر إلى ذكر الله ، ثم
إلى الوضوء و الصلاة , عن أبي هريرةَ رضي الله عنه ( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم قال : يَعقِدُ
الشيطانُ على قافيةِ رأس أحدكم إذا هونام ثلاث عُقَد ، يضربُ مكانَ كلِّ عُقدةٍ : عليك ليلٌ طويلٌ فارقُد ،
فإن استيقَظ فذكرَ الله انحلَّت عُقدَة ، فإن توضَّأ انحلَّت عُقدَة ، فإن صلَّى انحلَّت عُقَدُه فأصبح نشيطًا
طيِّبَ النفس ، و إلا أصبح خبيثَ النفس كسلان ) متفق عليه .
و من السنة عند القيام من النوم كذلك , :غسلُ اليَد ثلاثًا قبل استعمالها , عن أبي هريرةَ رضي الله
عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا استيقظَ أحدُكم من نومه فليغسِل يدَه قبل أن
يُدخِلَها في وضوئه فإن أحدَكم لا يدري أين باتَت يدُه ) البخاري .
أيُّها المؤمنون ، هذا شئ مما ثبَتَ في آداب و سنن النوم عن النبيِّ صلى الله عليه و سلم ، جمعته
لكم لنعلم شيئا من هديه عليه الصلاة و السلام , فنستن به و نعمل به ..
أسأل الله تعالى أن ينفع بها قائلَها و سامِعَها ، و أن يُعينَنا على تطبيقها و التزامها
اللّهمّ وفِّقنا لهُداك ، و اجعَل عملنا في رضاك ، و اجعلنا مُتَّبعين لسنة نبيِّك محمَّد صلى
الله عليه و سلم ، اللّهمّ أورِدنا حوضَه ، وارزُقنا شفاعتَه ، و احشُرنا تحت لوائه .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين