السلام عليكم أيها الأحباب الكرام
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، الحمد لله علم القران ، خلق الإنسان ، علمه
البيان ، الحمد لله الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
له الملك و له الحمد , و هو على كل شئ قدير ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله النبي الأكرم ، علم القرآن
فكان خير معلم ، فصلوات الله و سلامه عليه ، و على آله و أصحابه أجمعين , ثم أما بعد , فهذا مجموع
طيب عن القرآن الكريم و فضله , و فضله تعلمه و تعليمه , سائلا المولى سبحانه أن ينفع به ..
القرآن الكريم هو كلام الله تعالى , منزل غير مخلوق ، أنزله سبحانه على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم ،
كتاب الإسلام الخالد ، و معجزته الكبرى ، و هداية الناس أجمعين ، قال تعالى : ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ
النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ .. ) ابراهيم ، تعبدنا الله سبحانه بتلاوته آناء الليل و أطراف النهار ، قال تعالى :
( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ,
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) فاطر ..
فيه تقويم للسلوك ، و تنظيم للحياة ، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، و
من أعرض عنه و طلب الهدى في غيره فقد ضل و غوى ، و لقد أعجز الله الخلق عن الإتيان بمثل أقصر
سورة منه ، قال تعالى : ( و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة ممن مثله و ادعوا شهداءكم
من دون الله إن كنتم صادقين ) البقرة ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في الصدور ، مقروء بالألسنة ،
مسموع بالآذان ، فالاشتغال بالقرآن من أفضل العبادات ، و من أعظم القربات ، كيف لا يكون ذلك ، و
في كل حرف منه عشر حسنات ، و سواء أكان بتلاوته أم بتدبر معانيه ، و قد أودع الله فيه علم كل شىء ،
ففيه الأحكام و الشرائع ، و الأمثال و الحكم ، و المواعظ و التأريخ ، و القصص و نظام الأفلاك ، فما ترك
شيئا من الأمور إلا و بينها ، و ما خفي شئ من نظام في هذه الحياة إلا بينه ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : ( كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ ، وَ خَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَ حُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ،
هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَ مَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَ
هُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، وَ هُوَ الَّذِي لا تَزِيغُ بِهِ الأهْوَاءُ ، وَ لا تَلْتَبِسُ بِهِ الألْسِنَة ، وَ لا
يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَ لا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَ لأ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَ هُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ
قَالُوا ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) ، هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَ مَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَ مَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَ مَنْ
دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) أخرجه الترمذي الدارمي , و ضعفه الألباني , و الصحيح أنه موقوف
على علي رضي الله عنه , و معناه صحيح ..
هذا هو كتابنا العظيم ، هذا هو دستورنا و منهجنا , هذا هو نبراسنا و أخلاقنا ، إن لم نقرأه نحن معاشر
المسلمين ، و نسعد به , و نحصل به على الأجور و الدرجات , و نحسن به أخلاقنا و تعاملاتنا , فهل ننتظر
من اليهود و النصارى و غيرهم أن يقرؤوه ؟ قال تعالى : ( و قرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث و
نزلناه تنزيلا ) الفرقان ، و الحبيب عليه الصلاة و السلام كان أحسن الناس خلقا , قال تعالى مادحاً و واصفاً
خُلق نبيه الكريم صلى الله عليه و سلم : ( وَ إِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم , و انظروا إلى قول عائشة رضي
الله عنها لما سئلت عن خلق النبي عليه الصلاة و السلام ، قالت : ( كان خلقه القرآن ) مسلم .
فما أعظمه من أجر لمن قرأ كتاب الله ، و عكف على حفظه ، و اهتدى بهديه , و تخلق بتوجيهاته أمرا و
نهيا , فله بكل حرف عشر حسنات ، و الله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم , عن ابن مسعودٍ رضي الله
عنه ، قَالَ , قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ قَرَأ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ ، وَ الحَسَنَةُ
بِعَشْرِ أمْثَالِهَا ، لاَ أقول : ألم حَرفٌ ، وَ لكِنْ : ألِفٌ حَرْفٌ ، وَ لاَمٌ حَرْفٌ ، وَ مِيمٌ حَرْفٌ ) الترمذي .
و إن المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه و سلم و سيرة أصحابه يرى حرصهم على التلاوة بتدبر و تأمل ،
و فهم و تذكر ، أكثر من حرصهم على كثرة القراءة و سرعتها ، و الإكثار من الختمات ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً , نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً , أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) المزمل , أي اقرأه
بترسل و تمهل لأنه يحصل بذلك التدبر و التفكر ، و تحريك القلوب به , و هكذا كانت قراءة النبي صلى الله
عليه و سلم ، كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها ، و كانت قراءته مدًا . وقال ابن مسعود :
( لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر ، و لا تنثروه نثر الدَّقَل ، و قفوا عند عجائبه ، و حركوا به القلوب ، و لا يكن
هم أحدكم آخر السورة ) , و علينا مع قراءته و ترتيله أن نجوده و نحسنه ما استطعنا , قال عليه الصلاة و
السلام في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآنِ ) البخاري , و يتغنى
بالقرآن معناه عند الشافعي و أصحابه و أكثر العلماء من الطوائف و أصحاب الفنون : يحسن صوته به ,
و عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضب الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ( زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ )
رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجه , و عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه و سلم : ( لَوْ رَأَيْتَنِي وَ أَنَا أَسْمَعُ قِرَاَءَتَكَ الْبَارِحَةَ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ , فَقَالَ : لَوْ عُلِّمْتُ
لحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيراً ) رواه البيهقي و قال الألباني صحيح أبي داود : سنده جيد على شرط مسلم .
أيها المؤمنون , هنيئاً لكم كتاب الله الكريم ، هنيئاً لكم هذا الأجر العظيم ، و الثواب الجزيل ، فعن أبِى
هريرة رضِى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله
يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة و
ذكرهم الله فيمن عنده ) مسلم , فأنتم أهل الله و خاصته ، أنتم أحق الناس بالإجلال و الإكرام ، فعن أنس
رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ وَ خَاصَّتُهُ ) رواه النسائي و ابن ماجه . وعن أبِى موسى الأشعري
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة
المسلم ، و حامل القرءان غير الغالي فيه و الجافي عنه و إكرام ذي السلطان المقسط ) أخرجه أبو داود .
و أنتم خير المسلمين و خير الناس للناس ، و لقد حضيتم بهذه الخيرية على لسان نبيكم صلى الله عليه و
سلم ، فعن عثمانَ بن عفانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال : قالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّم : ( خَيركُم مَنْ تَعَلَّمَ
القُرْآنَ وَ علَّمهُ ) البخاري . أنتم يا أهل القرآن أعلى الناس منزلة ، و أرفعهم مكانة ، فلقد تسنمتم مكاناً عالياً ،
و ارتقيتم مرتقىً رفيعاً ، بحفظكم لكتاب الله ، عن عمرَ بن الخطابِ رضي اللَّه عنهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ و
سَلَّم قال : ( إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً و يضَعُ بِهِ آخَرين ) مسلم .
و أنتم أعظم الخلق أجوراً ، و أكثرهم ثواباً ، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالتْ : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
و سَلَّم : ( الَّذِي يَقرَأُ القُرْآنَ وَ هُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكرَامِ البررَةِ ، و الذي يقرَأُ القُرْآنَ و يتَتَعْتَعُ فِيهِ وَ هُو
عليهِ شَاقٌّ له أجْران ) متفقٌ عليه .
أيها المؤمنون , إن المكثر من تلاوة القرآن يُحسد على هذه النعمة العظيمة , فعن ابن عمر رضي اللهُ عنهما ،
عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ , رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاء اللَّيْلِ
وَ آنَاءَ النَّهَارِ ، وَ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَ آنَاءَ النَّهَارِ ) متفقٌ عَلَيْهِ . و الحسد هنا الغبطة ، و
هي أن تتمنى ما عند أخيك من الخير دون أي حقد أو تمنٍّ لزواله , و تلاوته تورث الدرجات العالية في الجنة ,
فعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبيِّ صلى الله عليه و سلم ، قَالَ : ( يُقَالُ لِصَاحِبِ
الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَ ارْتَقِ وَ رَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا ، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا ) أَبُو داود و الترمذي ,
قال الحافظ رحمه الله في الفتح : و المراد بالصاحب الذي ألفه ..
و تلاوته أيها المؤمنون خير من الدنيا و ما فيها , فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : ( خرج علينا رسول
الله صلى الله عليه و سلم و نحن في الصفة فقال : أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ
فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَ لا قَطْعِ رَحِمٍ ؟ فقلنا , يا رسول الله كلنا نحب ذلك , قال : أَفَلا
يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ ، وَ ثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ
ثَلَاثٍ ، وَ أَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَ مِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ ) مسلم . و الكَوماء من الإبل عظيمة السَّنام .
و ما أعظم أن يذكر الله الغني الجبار سبحانه عبده الضعيف التالي للقرآن , و لذا ثبت في الصحيحين : ( أنّ
النبي صلى الله عليه و سلم لما قال لأبي : إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ . قَالَ أبيٌّ , آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ ؟ قَالَ :
اللَّهُ سَمَّاكَ لِي , قَالَ فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي ) متفق عليه . بل إنه عليه الصلاة و السلام أحب و اشتهى أن يسمعه
من أصحابه , عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه و سلم : ( اقرأ علي
القرآن , قلت يا رسول الله أقرأ عليك و عليك أنزل ؟ قال : إني أحب أن أسمعه من غيري , فقرأت عليه
سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً ) ,
قال : حسبك الآن , فالتفت إليه ، فإذا عيناه تذرفان ) متفق عليه ..
و ثبت عن البراءِ بن عازِبٍ رضي اللهُ عنهما ، قَالَ : ( كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ ، وَ عِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ
بِشَطَنَيْنِ ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو ، وَ جَعَلَ فَرَسُه يَنْفِرُ مِنْهَا ، فَلَمَّا أصْبَحَ أتَى النَّبيَّ صلى الله عليه
و سلم , فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلقُرْآنِ ) متفقٌ عَلَيْهِ . و الشطن : الحَبْلُ .
و تلاوة القرآن بركة في الأولى و الآخرة , فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : ( قلت : يا رسول الله أوصني ,
قال : ( عليك بتقوى الله , فإنه رأس الأمرِ كلِّه , قلت : يا رسول الله زدني , قال : عليك بتلاوة القرآن , فإنه
نور لك في الأرض ، و ذخر لك في السماء ) ابن حبان . قال تعالى : ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتَابٌ مُّبِينٌ )
المائدة . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( ضمن الله لمن اتبع القرآن ألا يضل في الدنيا و لا يشقى في
الآخرة ثم تلا : فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقي ) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف .
و في تلاوته شفاء , فهو شفاء لأمراض القلوب و الأبدان ، فهو يليّن القلب القاسي , و يشفي اللديغ , و
يداوي الجريح ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَ هُدًى وَ
رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) يونس , و قال تعالى : ( وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَ لاَ يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا ) الإسراء .
أبشروا أيها المؤمنون , ابشروا يا أهل القرآن ، أزف إليكم البشرى ، بحديث نبي الهدى ، و الذي يصور فيه
حوار القرآن و الشفاعة لصاحبه يوم القيامة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ :
( يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ
الْكَرَامَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ ، فَيَرْضَى عَنْهُ ، فَيُقَالُ لَهُ : اقْرَأْ وَ ارْقَ وَ تُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً )
الترْمذي و قال : حديث حسن صحيح , و حسنه الألباني . و يصدق ذلك حديث أَبي أُمامَةَ رضي اللَّه عنهُ
قال : سمِعتُ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : ( اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإِنَّهُ يَأْتي يَوْم القيامةِ شَفِيعاً
لأصْحابِهِ ) أخرجه مسلم . و ما ثبت عن النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله صلى
الله عليه و سلم يقولُ : ( يُؤْتَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِالقُرْآنِ وَ أهْلِهِ الذينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ في الدُّنْيَا تَقْدُمُه سورَةُ
البَقَرَةِ وَ آلِ عِمْرَانَ ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا ) رواه مسلم .
أيها المؤمنون , يا حفظة كتاب الله ، أيها التالون له , المتدبرون آياته , العاملون بأحكامه , أينما اتجهتم
فعين الله ترعاكم ، فأهل القرآن هم الذين لا يقدمون على معصية و لا ذنباً ، و لا يقترفون منكراً و لا
إثماً ، و إن أذنبوا رجعوا تائبين , لأن القرآن يردعهم ، و كلماته تمنعهم ، و آياته تزجرهم ، ففيه الوعد و
الوعيد ، و التخويف و التهديد ، فلتلهج ألسنتكم بتلاوة القرآن العظيم ، و لترتج الأرض بترتيل الكتاب
العزيز ، و ليُسمع لتلاوتكم دوي كدوي النحل ، عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللَّه عنهما قال , قال رسولُ اللَّهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّم : ( إنَّ الَّذي لَيس في جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ ) أخرجه الترمذي و قال حديث
حسن صحيح , و لا تكونوا كالمنافقين الذين يقرأون القرآن نفاقا , و لا يجاوز حناجرهم , و لا كالمؤمنين
الذين لا يقرأونه , ففرق بين المؤمنين و المنافقين , عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، قَالَ , قَالَ
رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ , رِيحُهَا طَيِّبٌ وَ طَعْمُهَا طَيِّبٌ ،
وَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ , لاَ رِيحَ لَهَا وَ طَعْمُهَا حُلْوٌ ، وَ مَثلُ المُنَافِقِ الَّذِي يقرأ القرآنَ
كَمَثلِ الرَّيحانَةِ , ريحُهَا طَيِّبٌ وَ طَعْمُهَا مُرٌّ ، وَ مَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثلِ الحَنْظَلَةِ , لَيْسَ لَهَا رِيحٌ
وَ طَعْمُهَا مُرٌّ ) متفقٌ عَلَيْهِ .
أيها المؤمنون : كان من وصيته صلى الله عليه و سلم لأمته عامة ، و لِحَفَظَة كتاب الله خاصة ، تعاهدوا
هذا القرآن بشكل دائم و مستمر ، فقد قال صلى الله عليه و سلم : ( تعاهدوا هذا القرآن ، فوالذي نفسي
بيده لهو أشد تفلُّتاً من الإبل في عقلها ) أخرجه مسلم ، و من تأمل هذا الحديث العظيم و نظر في معانيه ،
أدرك عِظَمَ هذه الوصية ، و علم أهمية المحافظة على تلاوة كتاب الله و مراجعته ، و العمل بما فيه ،
ليكون من السعداء في الدنيا و الآخرة ، فيستحب ختم القرآن في كل شهر ، إلا أن يجد المسلم من نفسه
نشاطاً فليختم كل أسبوع ، و الأفضل أن لا ينقص عن هذه المدة ، كي تكون قراءته عن تدبر و تفكر ، و
كيلا يُحمِّل النفس من المشقة مالا تحتمل ، ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه
قَالَ : ( أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ أي زوجة ابنه فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا ، فَتَقُولُ : نِعْمَ
الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا ، وَ لَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ، فَقَالَ : الْقَنِي بِهِ , فَلَقِيتُهُ بَعْدُ فَقَالَ : كَيْفَ تَصُومُ ؟ قَالَ : كُلَّ يَوْمٍ ، قَالَ : وَ كَيْفَ تَخْتِمُ ؟
قَالَ : كُلَّ لَيْلَةٍ ، قَالَ : صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً ، وَ اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ , قَالَ قُلْتُ : أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ،
قَالَ : صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجُمُعَةِ , أي في الأسبوع , قُلْتُ : أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ ، وَ
صُمْ يَوْمًا , قَالَ قُلْتُ : أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ ، صَوْمَ دَاوُدَ ، صِيَامَ يَوْمٍ وَ إِفْطَارَ
يَوْمٍ ، وَ اقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً ) رواه البخاري و مسلم .
و أوصي جميع المسلمين رجالاً و نساءً ، شبابا و شيبا بحفظ كتاب الله تعالى ما استطاعوا لذلك سبيلاً ، و
إياكم و مداخل الشيطان ، و مثبطات الهمم ، فاستغلوا هذه الحياة الدنيا فيما يقربكم من الله سبحانه ،
فأنتم مسؤولون و محاسبون عن أوقاتكم و أعمالكم و أقوالكم ، و إياكم و هجران كتاب الله ، فما أنزله الله
إلا لنقرأه و لنتدبر آياته و نأخذ العبر من عظاته ، قال تعالى : ( و قال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن
مهجوراً ) الإسراء ، و قال تعالى : ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ص ,
و لن أنسى أيها المؤمنون أن أهنئ الأولياء الذين عرفوا أهمية الرعاية السليمة الصحيحة لأبنائهم ، وفق
كتاب الله تعالى ، و وفق سنة نبيه صلى الله عليه و سلم ، فقاموا بما أوجب الله عليهم من الرعاية
بالأبناء ، و أحاطوهم بالاهتمام و النصح و التوجيه و الإرشاد ، فهنيئاً لهم أولئك الأبناء الصلحاء النجباء ،
الذين يحملون كتاب الله بين جنباتهم ، و إلى كل أب و أم أدركا عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهما ،
و أدياها كما يجب ، أُبشرهما بهذا الحديث الذي حسنه الألباني في صحيح الترغيب و الترهيب عن بريدة
رضي الله عنه , قال , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من قرأ القرآن و تعلم و عمل به ألبس
والداه يوم القيامة تاجا من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس و يكسى والداه حلتين لا يقوم لهما الدنيا ,
فيقولان بم كسينا هذا ؟ فيقال بأخذ ولدكما القرآن ) رواه الحاكم و قال صحيح على شرط مسلم ،
فهنيئاً لكم أيها الأولياء هذه البشارة النبوية من الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه و سلم .
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ، و نور صدورنا ، و جلاء أحزاننا ، اللهم اجعله شفيعاً لنا ، و شاهداً لنا لا
شاهداً علينا ، اللهم ألبسنا به الحلل ، و أسكنا به الظلل ، و أسبغ علينا به النعم , و ادفع عنا به النقم ,
و اجعلنا به عند الجزاء من الفائزين ، و عند النعماء من الشاكرين ، و عند البلاء من الصابرين ، اللهم حبِّب
أبناءنا في تلاوته و حفظه و التمسك به ، و اجعله نوراً على درب حياتهم ، برحمتك يا أرحم الراحمين ،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .