الحمد لله رب العلمين , أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد , و هو على كل شيء
قدير , و أشهد أن سيدنا محمداً عبد الله و رسوله , صلى الله و سلم عليه و على آله و صحبه أجمعين , ثم أما
بعد , فأوصيكم و نفسي تقوى الله سبحانه و تعالى , يقول تعالى : ( وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا , وَ يَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق ,
أيها المؤمنون , قال ربنا تبارك و تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَ مَلَائِكَتَهُ يُصَلُّون َعَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَ سَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) الأحزاب , قال البخاري : قال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة ، و صلاة
الملائكة الدعاء , قال ابن كثير : و المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه و تعالى أخبر عباده بمنزلة عبده و
نبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين و أن الملائكة تصلي عليه ثم أمر تعالى أهل
العالم السفلي بالصلاة و التسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي و السفلي جميعاً ..
و الصلاة والسلام على رسول الله تجارة رابحة لتجار الحسنات , فأين الراغبون في ربح تلك التجارة ؟ , أخرج
مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ : ( إذا سمعتم المؤذن
فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي , فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا , ثم سلوا الله لي
الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله و أرجو أن أكون أنا هو , فمن سأل لي الوسيلة
حلت له الشفاعة ) مسلم , فيالها من تجارة رابحة فبكل صلاة منك على الحبيب المصطفى صلى الله عليه
و سلم تحصل على عشر صلوات من قيوم السموات و الأرض ، و الرحمن الرحيم عندما يصلي علينا فإنه
يخرجنا من الظلمات إلى النور و يرحمنا رحمة من عنده سبحانه , قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ
مَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) الأحزاب ..
أيها المؤمنون , أين من يرجو شفاعة الحبيب عليه الصلاة و السلام في يوم يجعل الولدان شيباً ؟ فإنه عليه
الصلاة و السلام قد قدم لنا طريق ذلك بقوله عليه الصلاة و السلام : ( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ
هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَ الصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَ الْفَضِيلَةَ وَ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ
لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) البخاري ، و على كل من تكاثرت عليه هموم الدنيا و أسرف على نفسه بالذنوب و
الخطايا أن يتأمل هذا الحوار الذي تم بين الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله عنه و رسول الله صلى الله
عليه و سلم , يقول أبي : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ , جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ , قَالَ أُبَيٌّ قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي ؟ فَقَالَ مَا شِئْتَ , قَالَ قُلْتُ الرُّبُعَ , قَالَ مَا شِئْتَ
فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ , قُلْتُ النِّصْفَ , قَالَ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ , قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ , قَالَ مَا
شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ , قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا , قَالَ إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَ يُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ) الترمذي
و قال حديث حسن صحيح , و عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : ( أتاني آتٍ من ربي فقال : ما من عبدٍ يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرًا , فقام إليه رجل
فقال : يا رسول الله أجعل نصف دعائي لك ؟ قال : إن شئت ، قال : ألا أجعل ثلثي دعائي ؟ قال : إن شئت ،
قال : ألا أجعل دعائي كله ؟ قال : إذن يكفيك الله هم الدنيا و هم الآخرة ) مسلم ..
و إلى كل من أراد أن يكون أولى الناس برسول الله صلى الله عليه و سلم يوم القيامة فليكثر من الصلاة و
السلام عليه , فقد أخرج الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ
سَلَّمَ قَالَ : ( أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً ) ..
و إلى كل من يرفع يديه متضرعاً إلى الله بالدعاء , نقول له , لقد نقل الإمام بن كثير عن سعيد بن المسيب
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ( الدعاء موقوف بين السماء و الأرض لا يصعد منه شيء حتى
تصلي على نبيك ) , إن خسارة المعرض عن الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم فادحة , فقد دعا عليه
الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : ( رغم أنف رجل ذُكرتُ عنده فلم يصل عَليَّ ، و رغم أنف رجل أدرك أبويه عنده الكبر فلم يدخلاه
الجنة ، و رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ) الترمذي ..
أيها المؤمنون , إن مجلساً لا يُصلى فيه على النبي صلى الله عليه و سلم يكون على أصحابه حسرة و ندامة
يوم القيامة , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ
يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَ لَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً يوم القيامة , إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ )
الترمذي و قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، و صححه الألباني ..
أيها المؤمنون , صلوا على نبيكم عليه الصلاة و السلام أينما كنتم فإن صلاتكم تصل إليه , فعن علي بن
الحسين قال : أخبرني أبي عن جدي أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا تجعلوا قبري عيدًا
و صلوا عليَّ و سلموا حيثما كنتم , فسيبلغني سلامكم و صلاتكم ) أبو داود و أحمد و حسنه الحافظ ، و
قال الألباني: صحيح بطرقه و شواهده . و عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
( إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام ) النسائي و الحاكم و صححه و وافقه الذهبي , و قال
الألباني : إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح ..
أما كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم : فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : أتانا
رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشر بن سعد : ( أمرنا الله أن
نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى
تمنينا أنه لم يسأله , ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قولوا اللهم صل على محمد و على آل
محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، و بارك على محمد و على آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم في
العالمين إنك حميد مجيد ، و السلام كما علمتم ) مسلم ..
أما المواطن التي يكون فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم :
الموطن الأول : و هو أهمها و آكدها في الصلاة في آخر التشهد ، و قد أجمع المسلمون على مشروعيته
و اختلفوا في وجوبه فيها .
الموطن الثاني : صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية ، عن الزهري قال : سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف
يحدث سعيد بن المسيب قال : ( إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ، و يصلي على النبي
صلى الله عليه و سلم , ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ، و لا يقرأ إلا مرة واحدة ثم يسلم في نفسه )
النسائي و الحاكم و صححه على شرط الشيخين و وافقه الذهبي و الألباني .
الموطن الثالث : عند ذكره صلى الله عليه و سلم , و قد اختلف في وجوبها كلما ذكر اسمه صلى الله عليه و
سلم , فقال الطحاوي و الحليمي : تجب الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم كلما ذكر اسمه ، و قال غيرهما
: ذلك مستحب و ليس بفرض يأثم تاركه .
الموطن الرابع : عند دخول المسجد و عند الخروج منه ، عَنْ أَبَى هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا دَخَلَ أَحَدكُمْ الْمَسْجِد فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ لِيَقُلْ : اللَّهُمَّ اِفْتَحْ
لِي أَبْوَاب رَحْمَتك , وَ إِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ لْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ
الشَّيْطَان الرَّجِيم ) , و عن فاطمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : ( إذا دخلت المسجد فقولي بسم الله و السلام على رسول الله ، اللهم صلي على
محمد و على آل محمد و اغفر لنا و سهل لنا أبواب رحمتك ، فإذا فرغتِ فقولي مثل ذلك غير أن قولي :
و سهل لنا أبواب فضلك ) ابن ماجة و الترمذي و صححه الألباني بشواهده .
الموطن الخامس : عقب الأذان و الإقامة لقوله صلى الله عليه و سلم : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل
ما يقول ، ثم صلوا عليَّ ، فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة
فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، و أرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة
حلت له الشفاعة ) مسلم كما مر معنا آنفا .
الموطن السادس : عند الدعاء , عن فَضَالَة بْنَ عُبَيْدٍ قال : ( سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ رَجُلاً يَدْعُو فِي
صَلاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : عَجِلَ هَذَا ، ثُمَّ دَعَاهُ
فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ : إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَ سَلَّمَ ، ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ ) , و عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رض الله عنه قَالَ : ( إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ
وَ الأَرْضِ لا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّم ) , و عن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه قال : ( إذا أراد أحدكم أن يسأل فليبدأ بالمدحة و الثناء على الله بما هو أهله , ثم ليصل على
النبي صلى الله عليه و سلم ثم ليسأل بعد فإنه أجدر أن ينجح ) .
الموطن السابع : الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة : لحديث أوس بن أوس أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم قال : ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم و فيه قبض ، و فيه
النفخة ، و فيه الصعقة ، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليَّ ، قالوا : يا رسول
الله كيف تعرض عليك صلاتنا و قد أَرِمْتَ ؟ يقولون : قد بليتَ , قال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل
أجساد الأنبياء ) .
اللهم صل و سلم و بارك على نبينا و سيدنا محمد , و على آله و صحبه أجمعين ..
قدير , و أشهد أن سيدنا محمداً عبد الله و رسوله , صلى الله و سلم عليه و على آله و صحبه أجمعين , ثم أما
بعد , فأوصيكم و نفسي تقوى الله سبحانه و تعالى , يقول تعالى : ( وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا , وَ يَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق ,
أيها المؤمنون , قال ربنا تبارك و تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَ مَلَائِكَتَهُ يُصَلُّون َعَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَ سَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) الأحزاب , قال البخاري : قال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة ، و صلاة
الملائكة الدعاء , قال ابن كثير : و المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه و تعالى أخبر عباده بمنزلة عبده و
نبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين و أن الملائكة تصلي عليه ثم أمر تعالى أهل
العالم السفلي بالصلاة و التسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي و السفلي جميعاً ..
و الصلاة والسلام على رسول الله تجارة رابحة لتجار الحسنات , فأين الراغبون في ربح تلك التجارة ؟ , أخرج
مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ : ( إذا سمعتم المؤذن
فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي , فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا , ثم سلوا الله لي
الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله و أرجو أن أكون أنا هو , فمن سأل لي الوسيلة
حلت له الشفاعة ) مسلم , فيالها من تجارة رابحة فبكل صلاة منك على الحبيب المصطفى صلى الله عليه
و سلم تحصل على عشر صلوات من قيوم السموات و الأرض ، و الرحمن الرحيم عندما يصلي علينا فإنه
يخرجنا من الظلمات إلى النور و يرحمنا رحمة من عنده سبحانه , قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ
مَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) الأحزاب ..
أيها المؤمنون , أين من يرجو شفاعة الحبيب عليه الصلاة و السلام في يوم يجعل الولدان شيباً ؟ فإنه عليه
الصلاة و السلام قد قدم لنا طريق ذلك بقوله عليه الصلاة و السلام : ( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ
هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَ الصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَ الْفَضِيلَةَ وَ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ
لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) البخاري ، و على كل من تكاثرت عليه هموم الدنيا و أسرف على نفسه بالذنوب و
الخطايا أن يتأمل هذا الحوار الذي تم بين الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله عنه و رسول الله صلى الله
عليه و سلم , يقول أبي : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ , جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ , قَالَ أُبَيٌّ قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي ؟ فَقَالَ مَا شِئْتَ , قَالَ قُلْتُ الرُّبُعَ , قَالَ مَا شِئْتَ
فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ , قُلْتُ النِّصْفَ , قَالَ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ , قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ , قَالَ مَا
شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ , قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا , قَالَ إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَ يُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ) الترمذي
و قال حديث حسن صحيح , و عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : ( أتاني آتٍ من ربي فقال : ما من عبدٍ يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرًا , فقام إليه رجل
فقال : يا رسول الله أجعل نصف دعائي لك ؟ قال : إن شئت ، قال : ألا أجعل ثلثي دعائي ؟ قال : إن شئت ،
قال : ألا أجعل دعائي كله ؟ قال : إذن يكفيك الله هم الدنيا و هم الآخرة ) مسلم ..
و إلى كل من أراد أن يكون أولى الناس برسول الله صلى الله عليه و سلم يوم القيامة فليكثر من الصلاة و
السلام عليه , فقد أخرج الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ
سَلَّمَ قَالَ : ( أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً ) ..
و إلى كل من يرفع يديه متضرعاً إلى الله بالدعاء , نقول له , لقد نقل الإمام بن كثير عن سعيد بن المسيب
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ( الدعاء موقوف بين السماء و الأرض لا يصعد منه شيء حتى
تصلي على نبيك ) , إن خسارة المعرض عن الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم فادحة , فقد دعا عليه
الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : ( رغم أنف رجل ذُكرتُ عنده فلم يصل عَليَّ ، و رغم أنف رجل أدرك أبويه عنده الكبر فلم يدخلاه
الجنة ، و رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ) الترمذي ..
أيها المؤمنون , إن مجلساً لا يُصلى فيه على النبي صلى الله عليه و سلم يكون على أصحابه حسرة و ندامة
يوم القيامة , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ
يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَ لَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً يوم القيامة , إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ )
الترمذي و قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، و صححه الألباني ..
أيها المؤمنون , صلوا على نبيكم عليه الصلاة و السلام أينما كنتم فإن صلاتكم تصل إليه , فعن علي بن
الحسين قال : أخبرني أبي عن جدي أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا تجعلوا قبري عيدًا
و صلوا عليَّ و سلموا حيثما كنتم , فسيبلغني سلامكم و صلاتكم ) أبو داود و أحمد و حسنه الحافظ ، و
قال الألباني: صحيح بطرقه و شواهده . و عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
( إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام ) النسائي و الحاكم و صححه و وافقه الذهبي , و قال
الألباني : إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح ..
أما كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم : فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : أتانا
رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشر بن سعد : ( أمرنا الله أن
نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى
تمنينا أنه لم يسأله , ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قولوا اللهم صل على محمد و على آل
محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، و بارك على محمد و على آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم في
العالمين إنك حميد مجيد ، و السلام كما علمتم ) مسلم ..
أما المواطن التي يكون فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم :
الموطن الأول : و هو أهمها و آكدها في الصلاة في آخر التشهد ، و قد أجمع المسلمون على مشروعيته
و اختلفوا في وجوبه فيها .
الموطن الثاني : صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية ، عن الزهري قال : سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف
يحدث سعيد بن المسيب قال : ( إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ، و يصلي على النبي
صلى الله عليه و سلم , ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ، و لا يقرأ إلا مرة واحدة ثم يسلم في نفسه )
النسائي و الحاكم و صححه على شرط الشيخين و وافقه الذهبي و الألباني .
الموطن الثالث : عند ذكره صلى الله عليه و سلم , و قد اختلف في وجوبها كلما ذكر اسمه صلى الله عليه و
سلم , فقال الطحاوي و الحليمي : تجب الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم كلما ذكر اسمه ، و قال غيرهما
: ذلك مستحب و ليس بفرض يأثم تاركه .
الموطن الرابع : عند دخول المسجد و عند الخروج منه ، عَنْ أَبَى هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا دَخَلَ أَحَدكُمْ الْمَسْجِد فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ لِيَقُلْ : اللَّهُمَّ اِفْتَحْ
لِي أَبْوَاب رَحْمَتك , وَ إِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ لْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ
الشَّيْطَان الرَّجِيم ) , و عن فاطمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : ( إذا دخلت المسجد فقولي بسم الله و السلام على رسول الله ، اللهم صلي على
محمد و على آل محمد و اغفر لنا و سهل لنا أبواب رحمتك ، فإذا فرغتِ فقولي مثل ذلك غير أن قولي :
و سهل لنا أبواب فضلك ) ابن ماجة و الترمذي و صححه الألباني بشواهده .
الموطن الخامس : عقب الأذان و الإقامة لقوله صلى الله عليه و سلم : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل
ما يقول ، ثم صلوا عليَّ ، فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة
فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، و أرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة
حلت له الشفاعة ) مسلم كما مر معنا آنفا .
الموطن السادس : عند الدعاء , عن فَضَالَة بْنَ عُبَيْدٍ قال : ( سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ رَجُلاً يَدْعُو فِي
صَلاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : عَجِلَ هَذَا ، ثُمَّ دَعَاهُ
فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ : إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَ سَلَّمَ ، ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ ) , و عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رض الله عنه قَالَ : ( إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ
وَ الأَرْضِ لا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّم ) , و عن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه قال : ( إذا أراد أحدكم أن يسأل فليبدأ بالمدحة و الثناء على الله بما هو أهله , ثم ليصل على
النبي صلى الله عليه و سلم ثم ليسأل بعد فإنه أجدر أن ينجح ) .
الموطن السابع : الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة : لحديث أوس بن أوس أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم قال : ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم و فيه قبض ، و فيه
النفخة ، و فيه الصعقة ، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليَّ ، قالوا : يا رسول
الله كيف تعرض عليك صلاتنا و قد أَرِمْتَ ؟ يقولون : قد بليتَ , قال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل
أجساد الأنبياء ) .
اللهم صل و سلم و بارك على نبينا و سيدنا محمد , و على آله و صحبه أجمعين ..