خواطر الراحة والترفيه والسياحة

جودى

:: مسافر ::
11 يناير 2019
998
0
0
41
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


عندما يقترب الصيف وتقترب معه خواطر الراحة والترفيه والسياحة ، وترتبط فيه النفوس بمواعيد النجاحات والزيارات والزيجات

والارتباطات الأسرية والاجتماعية المعروفة .


ومع كل ذلك يرتبط الإنسان المسلم المستقيم بمنهج ربه عز وجل وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم من أجل قضاء صيفٍ يجمع بين

السياحة الهادفة والالتزام المطلوب .

باعتبارها نشاطاً إنسانياً منتظماً ، كثيراً ما يرتبط فعله في فصل الصيف وفي بعض البقاع والبلدان المعينة، تحتاج إلى كلمة جامعةٍ

وتوجيه حاسم ، حتى تكون على صراط الله المستقيم ، ولأجل نفي ما يتعلق بها من تجاوزات أخلاقية ومالية وزمنية وغير ذلك .



السياحة في الشرع الإسلامي ينظر إليها من عدة زوايا :


- من زاوية كونها نشاطاً إنسانياً أو فعلاً بشرياً ينبغي أن يتقيد بجملة التعاليم والأدلة الشرعية ، وألا يُفوّت فيه واجب ديني أو دنيوي ،

أو يكون طريقاً لارتكاب محظور ومبغوض ، أو يكون هو نفسه فعلاً محرماً ومحظوراً.

- من زاوية كونها تجولاً في الأرض ، ومشياً في مناكبها، وتأملاً في كون الله ، والنظر في آياته ومعجزاته ، والتدبر في تنوع


خلقه واختلاف مخلوقاته .

{ ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} .


- من زاوية كونها مناسبة سنوية أو فترة زمنية يجدد فيها السائح نشاطه ، ويُزيل عن نفسه أعباء الأعمال وأتعاب الأشغال ،


ويُلحق بنفسه وأهله ضروباً من الترفيه والانتعاش والانبساط والسرور، الأمر الذي يبعث فيهم الحماس ومعاودته ، والإتقان وملازمته .

- من زاوية كونها طريقاً للتعرف على المسلمين وعلى همومهم وأحوالهم وأوضاعهم ، ولتمكين الصلة بهم ، وتحقيق معنى الأخوة


العامة ، المدعو إليها في القرآن العظيم ، في قوله تعالى : { إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم } .


- من زاوية كونها إطلالة على شعوب وفئات كثيرة ، واطلاعاً على ظروفهم وأوضاعهم ، واغتنام ذلك من أجل الإفادة والتوجيهوالإصلاح ،

فكم من فئة بشرية صلح حالها وهُدي أفرادها ، بسبب كلمة مُوجهة من لسان رجل صادق ، أو بسبب قدوة مُؤثرة بسيرة إنسان مستقيم .

هذه أهم الزوايا التي نُظر بموجبها في حقيقة السياحة في الشرع الإسلامي ، وهذا النظر متقرر في إطلاقه وعمومه ، أي أنه متقرر

من غير ما يمكن أن يتعلق بهذه السياحة من شبهات وشوائب وملابسات تجعل هذه السياحة غير مطلوبة أو منهياً عنها ومُرغباً في تركها .

ولذلك يتأكد على السائحين في الأرض استحضار الضوابط الشرعية للسياحة ، والمعالم الأخلاقية لها ، حتى لا تؤدي هذه السياحة إلى

نقيض مقصودها ، وإلى خلاف ما وُضعت له وشُرعت لأجله .


ضوابط السياحة :


1- التقيد بمنهج الشرع وتوجيهاته وأدلته .

2- عدم ترك واجب ديني ، كإقامة صلاة ، وأداء زكاة، وإسداء نصحٍ .


3- عدم ترك واجب دُنيوي، كتربية ولد ، وإنفاقٍ على زوجة أو والدة ، وإضاعة مالٍ .


4- عدم الوقوع في المحرم أو في طريقٍ يؤدي إليه ، فالمحرم كما ينص الفقهاء على ذلك ، نوعان :


محرم لذاته ، كالزنا والسرقة والظلم ، ومحرم لغيره ، كالخلوة بالأجنبية ، فإنها مُنعت سداً لذريعة الفتنة .

5- عدم الإسراف في المباح وعدم المبالغة في ممارسة الحق الشخصي ، ومن ضروب ذلك :


- الإسراف في النفقات والمصروفات ، الأمر الذي يؤدي إلى إضاعة المال ، وقد عُلم أن من مقاصد الشريعة حفظ المال وصونه


من كل ضياع ، وصرفه في مجالاته ، وبمقاديره وشروطه .

وقد يكون هذا الإسراف ذريعة لحصول فقر أو وقوع حاجة في المستقبل ، وقد يكون ذريعة لإحياء العجب والافتخار في نفس المنفق

المسرف ، وقد يكون ذريعة إلى تفويت حقوق مالية وأدبية أخرى كثيرة ، كتفويت حق قريب تعينت النفقة عليه ، أو حق أسير أو

محتاج أو مظلوم أو يتيم أو أرملة أو غير هؤلاء ممن لزم الإنفاق عليهم وسد حاجاتهم وتفريج كربهم ، بموجب النصوص الإسلامية

الداعية إلى واجب النظر في أمور العامة ، فضلاً عن الأمور الخاصة .

- هدر الأوقات والمبالغة في الترفيه واللعب والارتخاء ، الأمر الذي يؤدي إلى إخلال وهفوات كثيرة وخطيرة ، ومن هذا :


- الاستخفاف بالوقت الذي أقسم الله به لمكانته في تعميره بذكر الله وبالصلاح الخاص والإصلاح العام .


- تعويد النفس على إدامة الراحة والخلود إلى عدم العمل والحركة ، والعزوف عن الفعل والنشاط والتحرك ، والاستخفاف بأهمية


العمل ومداومته ، وبعظمة المجاهدة المستمرة واليقظة الدائمة .

وقد يؤدي هذا الخلل إلى ترك بعض الواجبات الشرعية أو الدنيوية ، وإلى ترك بعض التكليف أو كله – لا قدر الله تعالى .

- إشغال النفس بما لا ينبغي الاشتغال به ، وذلك بسبب الفراغ الذي تكون عليه النفس في مثل هذه الظروف ، وقد عُلم أن النفس


إذا لم تشغلها بالحق اشتغلت بالباطل ، وإذا لم تلهها بالمعالي والمقاصد ، ألهتك بالسفاسف والمفاسد .

ولا ينبغي أن يفهم هذا الكلام على أنه دعوة إلى إشغال النفس بالالتزامات والجد والمجاهدة في جميع فتراتها وأطوارها ، بل هو

دعوة إلى التوسط والاعتدال والاتزان .

ولا نرى بأساً أن نقول : إن الترويح عن النفس مطلوب لابد منه ، وعمل جدي وملتزم إذا حَصّل أغراضه الشرعية ؛ كتنشيط

النفس وتجديد الحرص والإقبال على العمل والجد والمجاهدة ، وغير ذلك .


السياحة في نظر علماء الأصول


لعل لفظ السياحة لم يذكره علماء أصول الفقه ومقاصد الشريعة في كتبهم وآثارهم بهذه الدلالة والإطلاق ، أي بدلالة كونها نشاطاً

إنسانياً على غرار ما هو عليه الآن ، أو بدلالة كونها فعلاً بشرياً يتعلق به حكمه الشرعي ، فالأصوليون والمقاصديون - كما هو معلوم

- لا ينصب شغلهم العلمي في مجال الأحكام الفقهية العملية وفي أدلتها التفصيلية ، بل ينصب معظم جهدهم أو كله في دراسة الأصول

والقواعد العامة والإجمالية ، وفي مقاصد التشريع وغاياته وأهدافه .

غير أن علماء الأصول والمقاصد قد تكلموا عن السياحة من خلال الكلام عن بعض قواعدها وأصولها ومقاصدها التي اعتبرت إطاراً


إسلامياً عاماً ومستنداً دينياً إجمالياً ، استمدت منه السياحة حكمها الفقهي التفصيلي .

ويمكن أن نورد بعض هذه القواعد والأصول والمقاصد بكل اختصار واقتضاب :

- قاعدة ( هل المباح تكليف ) ، أي هل المباح يحصل به الامتثال كفعل الواجب والمندوب ، وكترك المحرم والمكروه .


ومعلوم أن أقسام الحكم التكليفي خمسة : ( الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح ) .

وقد قرر بعض العلماء أن المكلف إذا فعل المباح بنية التعبد وبقصد الامتثال ومن أجل تحقيق مقاصد شرعية معتبرة ، فإنه يُعد

تكليفاً يُثاب عليه ويُؤجر؛ أما إذا فعله بنية التذرع إلى الحرام وبقصد مخالفة الشرع ، ومن أجل جلب مفاسد شرعية ، فإنه يعد عصياناً

يُعاقب عليه ويأثم به .

وفي موضوع السياحة ، فإن السائح إذا فعل السياحة بنية التأمل في عظمة الله وفي كونه وخلقه ، ويقصد تقوية البدن وتنشيط النفس

وتشجيع الأولاد على القيام بالعبادة وإدامة العمل الصالح وفعل الخير وأداء مختلف الواجبات الشرعية والدنيوية فإنه مأجور

ومشكور على كل ذلك .

أما إذا فعلها بنية الفساد والمخالفة الشرعية وغير ذلك، فلا شك في أنه آثم ومذنب- والعياذ بالله - .

- قاعدة ( دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ) ، فإذا علم السائح أنه سيرتكب بعض الذنوب ، وسيقع في بعض المحظورات


أو في طرقها ، فلا تردد في ترك السياحة ، وإن كان يغلب على ظنه أنه سيجلب بعض المصالح ، كمصلحة تقوية البدن وتنشيطه ،

ومصلحة التعارف مع أناس آخرين ودعوتهم ، ومصلحة جلب بعض الأمتعة الخاصة ؛ فدرء المفاسد مُقدم على جلب المصالح .

- قاعدة ( سد الذرائع ) فإذا كانت السياحة طريقاً أو ذريعة للفساد ، أو الإسراف في المال والوقت أو تضييع الواجبات أو

التهاون فيها ، فلاشك في سد هذه الطرق والذرائع ، لأن الذي يؤدي إلى الحرام حرام ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

- قاعدة ( العذر يُزال ) ، فإذا كانت السياحة ستجلب ضرراً خلقياً أو بدنيا أو عقلياً ، عقدياً أو سلوكياً ، فلابد من إزالة هذا الضرر


بإزالة سببه وطريقه ، والذي هو السياحة .

- قاعدة ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) ، فإذا كانت السياحة ستقوي السائحين جسمانياً وعقلياً ونفسياً ، وتحقق التعارف


الهادف والتواصل المفيد ، وتقوي الاقتصاديات النافعة ، وتجدد العزائم وتبعث في النفوس النشاط للعمل والعلم والإنتاج والتنمية ،

فإذا كانت كذلك ، فهي مطلوبة ، لأنها طريق إلى مقاصدها الشرعية المعتبرة .


- قاعدة ( الموازنة بين المصالح ) ، ومعنى هذا أن المصالح إذا تزاحمت وتعارضت ، فإنه يعمل بالترجيح والتغليب أي ترجيح

المصالح الأهم على التي هي دونها ، وتغليب الأوكد والأعظم والأعم والأدوم .

فعلى السائح أن يوازن بين مصالحه ، فيقدم الأهم على المهم ، كأن يُقدم الإنفاق لأجل الاقتيات والعيش على الإنفاق من أجل

السياحة والترفيه وأن يقدم تسديد ديونه على تسديد مبالغ الفنادق والشواطئ والغابات وتذاكر الطائرات والقطارات والحافلات .

ولعل من قبيل هذا أن يقدم السياحة الداخلية على السياحة الخارجية ، كأن يقدم السياحة داخل بلده وبين أهله وبني وطنه ،

على السياحة في بلادٍ أجنبية لا يعرف فيها مآله ومصيره .

وفي السياحة الخارجية نفسها درجات وموازنات ، فله أو عليه أن يقدم السياحة في بلادٍ عربية وإسلامية على السياحة في بلاد غربية

أو شرقية قد يسيح فيها ويعود كفناً بعد أن عصى وغوى .




حفظكم الله في حلكم وترحالكم