بسم الله الرحمن الرحيم
قف، يا قطار ، على ربوعهم ** إنّ الأحبة، يا قطار... هنا
هذي منازلهم تهشّ لنا ** أخطأت ... بل هذي منازلنا
ما حلّ منهم موضعا أحد ** إلا وصار لكلّنا وطنا
.
.
لو سألنا أيّ قطار وكان بمقدوره اجابتنا عن ماهيّته وحقيقته وهدفه في الحياة ؟ لربما سنرى قطارنا العزيز يتّخذ مقعداً ؛ ويجلس القرفصاء ويتنهّد ؛ قائلاً : إيه يا بنيّ ! لقد أثرت شجوني وأعدت لجمجمتي المهشمة الذكريات ، وجعلت مئات وآلاف الصور تقفز في مخيّلتي ؛ فقط لأجيبك عن سؤالك واستفسارك ! فاقترب مني ولا تخفّ ، وسأطلب لك كوب قهوة لتستمع لحكايتي ، فلربما تتعلم من الكهول وتقصّها على بنيك وأحفادك ، وتخبرهم بأن قطاراً عجوزاً أخبرك ذات مرة بأن :
أنا قطار ! هكذا باختصار ، فلن أطير للسماء وأحلّق بين الغمام وأزاحم الطيور ؛ بل أنا مخلوق أرضيّ يسير على عجلات ويتوقّف بمكابح ويزمجر برعودٍ مجلجلة ! وكوني قطار ؛ فهذا يعني أني لست باخرة تهتزّ في أتون العواصف والأعاصير وتمخر يباب البحور تنتظر يابسةٍ لتثبت عليها ، بل أنا ثابت كالطود في صفحة الأرض ، أشق طريقي في الأنفاق بوسط الجبال وعبر رمال الصحراء ووسط أدغال الغابات !
أنا قطار ؛ فلي نكهتي التي يفضلها العابرين من خلالي ، فإذا ذكرتني : تذكّرت { المحطّات } فمن منكم أيها البشر لا يستمتع بمحطات توقفي ! فأنا وحياتكم عبارة عن محطّات تحمل في كل محطة ومرحلة بحياتكم أجمل الصور ! وحتى إن كانت محطة مقفرة ؛ فلن تُعدم أن تتعلّم من الألم ؛ أمل ، ومن المحنة ؛ منحة ! لا يوجد في محطاتي إلا النازلين والصاعدين !
الذي سينزل بالطبع سيغادرني وهو يشكرني أن أوصلته لأهله وأصدقاءه وسيتذكّر جميل إحساني به وبزوجه حينما سلّمته وأمتعته لمنطقة سياحته ونزهته ، ولن يختلف الصاعدين في جوف قاطراتي عمّن نزل ، فالكل منكم يأمني ويستمتع برفقتي وينظر من خلال عيوني بكل محطة حتى يصل لرغبته .
أنا قطار وبإختصار هذه مهمتي ؛ أنا أوصلكم بأمان . كنت قديماً ذا محركات بخارية أو استبدلوني بقطارٍ عصريّ ذا محركات كهربائية ، فسكتي لن تتغيّر ، ومحطاتي ستبقى ولن تختفي ، والمؤملين بي همُ همُ ، سيعرفونني ولن يتوهون عني ، فأنا أيها البشريّ ؛ تأريخ !
تأريخٌ لا يستطيع أي مهندسٍ أو شركة في الوجود لإلغائي وتقزيمي وإضعافي وتشويه سمعتي ، لأنني أنا في ذاكرة كل واحدٍ منكم !
.
.
قطار العرب المسافرين تحطّم وذهب بأدراج الرياح ، وكل قاطراته التي حملتنا في جوفه راحت هباء منثورا ! مع إن السكّة لازالت موجودة ؛ ثابتة لم تتزحزح ، وتطلّ من نافذت قطارٍ جديد ؛ كل الوجوه القديمة التي شاخت خبرة وعطاء وتضحية ، وسترى بعضد كل العمالقة القدامى ؛ أثار جهدهم وحفرهم بالصخور ، وتنبع من أطراف أعينهم تصميماً وعزماً على الإستمرار بهدفهم المجيد : عملٌ دؤوب بلا كلل أو ملل لإستقطابٍ جديد وبهدفٍ يتيم أن يصل كل مسافرٍ عربيّ لمأمنه وسياحته وأهله ورغبته وتحقيق حلمه .
فالتأريخ يُكتب بصفحة جديدة إذا أمتلئت صفحاته القديمة ، فنحن هنا بصفحة مشرقة بيضاء ناصعة ، ونحمل خلف ظهورنا كل الصفحات القديمة ، ونخزّن صورنا العتيقة التي كتبناها بمدادنا ورحلاتنا ، فبالطبع لن ينسى العرب تأريخنا ، فلقد كنّا تأريخهم ومحطّاتهم ، ولن تُمحى من ذاكرة العرب أنا كنّا وسيلتهم الوحيدة الآمنة والغنيّة والكافية الكاملة إذا عزمَ على السفر .
فقطار العرب المسافرين لم يبدأ من نقطة الصفر ، بل إنه يكمل طريقه وبحلّة جديدة ؛ هذا كل ما في الأمر ، وسينقّب العرب عنّا تحت أنياب البحار وعبر مخالب الصخور وفي ظلام النت الدامس ليجدنا ، ولكأنني بآلاف وملايين الناس وقد أرتسمت البسمة على شفاهم حينما يجدنا لازلنا هنا ، وحينها لا يهتمّ إلا أنه وجد ضالّته ، وسيعانقنا جميعاً وفي كل أقسامنا لأنه لن ولم يثقّ إلا بنا .
.
.
قف، يا قطار ، على ربوعهم ** إنّ الأحبة، يا قطار... هنا
هذي منازلهم تهشّ لنا ** أخطأت ... بل هذي منازلنا
ما حلّ منهم موضعا أحد ** إلا وصار لكلّنا وطنا
.
.
لو سألنا أيّ قطار وكان بمقدوره اجابتنا عن ماهيّته وحقيقته وهدفه في الحياة ؟ لربما سنرى قطارنا العزيز يتّخذ مقعداً ؛ ويجلس القرفصاء ويتنهّد ؛ قائلاً : إيه يا بنيّ ! لقد أثرت شجوني وأعدت لجمجمتي المهشمة الذكريات ، وجعلت مئات وآلاف الصور تقفز في مخيّلتي ؛ فقط لأجيبك عن سؤالك واستفسارك ! فاقترب مني ولا تخفّ ، وسأطلب لك كوب قهوة لتستمع لحكايتي ، فلربما تتعلم من الكهول وتقصّها على بنيك وأحفادك ، وتخبرهم بأن قطاراً عجوزاً أخبرك ذات مرة بأن :
أنا قطار ! هكذا باختصار ، فلن أطير للسماء وأحلّق بين الغمام وأزاحم الطيور ؛ بل أنا مخلوق أرضيّ يسير على عجلات ويتوقّف بمكابح ويزمجر برعودٍ مجلجلة ! وكوني قطار ؛ فهذا يعني أني لست باخرة تهتزّ في أتون العواصف والأعاصير وتمخر يباب البحور تنتظر يابسةٍ لتثبت عليها ، بل أنا ثابت كالطود في صفحة الأرض ، أشق طريقي في الأنفاق بوسط الجبال وعبر رمال الصحراء ووسط أدغال الغابات !
أنا قطار ؛ فلي نكهتي التي يفضلها العابرين من خلالي ، فإذا ذكرتني : تذكّرت { المحطّات } فمن منكم أيها البشر لا يستمتع بمحطات توقفي ! فأنا وحياتكم عبارة عن محطّات تحمل في كل محطة ومرحلة بحياتكم أجمل الصور ! وحتى إن كانت محطة مقفرة ؛ فلن تُعدم أن تتعلّم من الألم ؛ أمل ، ومن المحنة ؛ منحة ! لا يوجد في محطاتي إلا النازلين والصاعدين !
الذي سينزل بالطبع سيغادرني وهو يشكرني أن أوصلته لأهله وأصدقاءه وسيتذكّر جميل إحساني به وبزوجه حينما سلّمته وأمتعته لمنطقة سياحته ونزهته ، ولن يختلف الصاعدين في جوف قاطراتي عمّن نزل ، فالكل منكم يأمني ويستمتع برفقتي وينظر من خلال عيوني بكل محطة حتى يصل لرغبته .
أنا قطار وبإختصار هذه مهمتي ؛ أنا أوصلكم بأمان . كنت قديماً ذا محركات بخارية أو استبدلوني بقطارٍ عصريّ ذا محركات كهربائية ، فسكتي لن تتغيّر ، ومحطاتي ستبقى ولن تختفي ، والمؤملين بي همُ همُ ، سيعرفونني ولن يتوهون عني ، فأنا أيها البشريّ ؛ تأريخ !
تأريخٌ لا يستطيع أي مهندسٍ أو شركة في الوجود لإلغائي وتقزيمي وإضعافي وتشويه سمعتي ، لأنني أنا في ذاكرة كل واحدٍ منكم !
.
.
قطار العرب المسافرين تحطّم وذهب بأدراج الرياح ، وكل قاطراته التي حملتنا في جوفه راحت هباء منثورا ! مع إن السكّة لازالت موجودة ؛ ثابتة لم تتزحزح ، وتطلّ من نافذت قطارٍ جديد ؛ كل الوجوه القديمة التي شاخت خبرة وعطاء وتضحية ، وسترى بعضد كل العمالقة القدامى ؛ أثار جهدهم وحفرهم بالصخور ، وتنبع من أطراف أعينهم تصميماً وعزماً على الإستمرار بهدفهم المجيد : عملٌ دؤوب بلا كلل أو ملل لإستقطابٍ جديد وبهدفٍ يتيم أن يصل كل مسافرٍ عربيّ لمأمنه وسياحته وأهله ورغبته وتحقيق حلمه .
فالتأريخ يُكتب بصفحة جديدة إذا أمتلئت صفحاته القديمة ، فنحن هنا بصفحة مشرقة بيضاء ناصعة ، ونحمل خلف ظهورنا كل الصفحات القديمة ، ونخزّن صورنا العتيقة التي كتبناها بمدادنا ورحلاتنا ، فبالطبع لن ينسى العرب تأريخنا ، فلقد كنّا تأريخهم ومحطّاتهم ، ولن تُمحى من ذاكرة العرب أنا كنّا وسيلتهم الوحيدة الآمنة والغنيّة والكافية الكاملة إذا عزمَ على السفر .
فقطار العرب المسافرين لم يبدأ من نقطة الصفر ، بل إنه يكمل طريقه وبحلّة جديدة ؛ هذا كل ما في الأمر ، وسينقّب العرب عنّا تحت أنياب البحار وعبر مخالب الصخور وفي ظلام النت الدامس ليجدنا ، ولكأنني بآلاف وملايين الناس وقد أرتسمت البسمة على شفاهم حينما يجدنا لازلنا هنا ، وحينها لا يهتمّ إلا أنه وجد ضالّته ، وسيعانقنا جميعاً وفي كل أقسامنا لأنه لن ولم يثقّ إلا بنا .
.
.