لم تكن لدي نية بشراء تذكرة إلى المغرب وتزجية ما تبقى من إجازة بالربوع الجَميلة وقضاء اللحظات بين بلاد الأطلس إلا بعد أن هاتفني رئيسي بالعمل قائلاً : لديك 14 يوم من رصيد إجازتك وآمل ألا تستفيد منه فالسنة شارفت على الانتهاء ولن تستطيع الاستفادة منه.
من يصدق !
الرئيس الذي يدقق علينا أصغر الأمور وتوافهها يقول لي : لديك رصيد إجازة !
من يصدق بأن هذا الرئيس الذي كان حتى وإن كان هنالك مواعيد طبية تكون موافقته على مضض يلينُ قلبه تجاه موظفه المسكين الذي يعشقُ تراب المغرب ويذكرهُ برصيد الأيام !
عرجتُ على موقع الخطوط السعودية بعد أن أتت موافقة العمل على الإجازة ورأيتُ الأسعار التي كانت مناسبة وأعددتُ جدولاً بسيطاً ( عشوائياً) كي لا ارتبط بخطة معينة تجعلني أخسر لذة الأيام.
كان سعر التذكرة بـ 2078 ريال للشخص ، والمسار من ( الدمام – جدة-الدار البيضاء) مع انتظار في المطار لمدة 3 ساعات ونصف تقريباً ( ترانزيت) في مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة.
هاتفتُ شقيقي ( سعد ) واخبرته عن قرب سفري للمغرب فقال والدهشةُ في صوته : من جدك ؟
قلتُ له نعم سنسافر بمشيئة الله بعد 10 أيام من تاريخ اليوم.
قال لي : أين أنت الآن؟
قلت له : في منزلي.
حسناً اعرج على منزل والدتي فأنا هناك.
سعد شقيقي للسفر معه متعة ولذة وذكريات كثيرة وكان أول شخص سافرتُ بمعيته إلى المغرب من إخوتي، فلقد كان معي في رحلتي الربيعية التي زرنا بها مناطق عديدة ولقد كتبتُ عنها تقريراً في البوابة.
ما إن وصلت إلى منزل والدتنا حفظها الله بادرني بالتحية وقال : المغرب أجل ! ايه من ورانا يا ابو احمد طيب عطنا خبر بدري ع الاقل !
أجبته بأن حجزي للتذاكر لم يكن مخططاً ولا مرتباً، فلقد أشعرتُ بوجود رصيد في إجازتي وتحتم علي أخذها قبل أن تُلغى.
تمتم قائلاً : امممممممم حسناً حسناً أعطني رقم الرحلة من الدمام إلى جدة سأحجز معك ونتجه إلى المغرب وسأحجز أيضاً لوالدتي.
لم يكن يعلم المسكين بأني حجزت لوالدتي بعد شرائي التذاكر قُبيل ساعات.
لا حاجةَ لك بأن تحجز لوالدتي فأمورها " طيبة" نظر إلي بغرابة والدهشة تملأ تفاصيل وجهه : وش العلم ؟
ستسبقك إلى المغرب.
اعلمُ مدى اشتياقه للمغرب وحبه للسفر، لكني لمستُ تردداً على مُحياه وبالرغم من هذا قام بقطع التذكرة وحجز المقعد الخاص به في مقدمة الطائرة ( دفع رسوم بسيطة) لقاء مقعد ذو مساحة أمامية للقدمين.
اعددتُ له وشرحتُ جدول الرحلة ولم يعطني رأيه النهائي أو افكاره، وكان مستسلماً يومئ رأسه تارة ويسرح في خياله تارة أخرى.
حسناً سأقطع التذكرة !
هكذا قال لي بحرارة وشعرتُ بجموح مشاعره في تلك اللحظة ولم انطق بحرفٍ واحد آخر بشأن مشاعري وتخوفي من عدم سفره معي لكنه أكمل حجوزاته واتجهنا إلى السوق لشراء حاجيات السفر وبعض الملابس واتفقنا على موعدٍ قبل السفر بيوم للتوجه إلى الحلاق وترتيب الأمور البسيطة في الحقائب.
كنت أحصي الأيام واتقلبُ بين فراشي طوال الأسبوع السابق للرحلة ، ما بين تفكير وتخطيط و حيرة وتردد بشأن الجدول، ولم تنتهِ تلك الأيام إلا بعد أن جعلتُ جدول رحلتي " عشوائياً" وآثرتُ بأن ينسق جدول الرحلة أخي " سعد" ويتولى القيادة هذهِ المرة.
وجاء يوم الرحلة
ارتباك وفوضى مشاعر تُلهب الأكف وتجعل نبضات القلب تتدافع في حرم الاشتياق
نسأل الله ألا يقعَ حادثاً عاطفياً بين دمعي ومُقلتي لفرط الحَنين فمثل هذهِ اللحظات تضيع كافة المعاني والحروف والتعابير.
كنتُ في مكتبي منذ الصباح الباكر يوم الرحلة وكان التنسيق بأن اخرج منتصف اليوم بعد صلاة الظهر لأستغل الوقت بالترتيبات النهائية للحقائب وجمع ما لم يسعفني جمعه من ( شواحن جوالات و ما إلى ذلك).
دخلتُ على موقع الخطوط السعودية كي اطبع التذاكر ( اصبحت عادة ) في المطارات لا يطلبونها يطلبون فقط الجواز ، لكنها لذة السفر إلى المغرب تجعلك تتعلقُ بكل تفاصيل الرحلة ( عشق رهيب).
راجعتُ كافة الحجوزات وتبقى حجز أخي ، ادخلتُ رقم الحجز لكن !
اختفتْ المعلومات من التذكرة ، لا أرى تفاصيلاً مهمة !!
لكن المبلغ مسدد والتفاصيل مذكورة ما القصة ؟ ارجوكم يا خطوطنا السعودية لا تعذبوا قلوبنا اليوم فاليوم يوم الرحلة.
هاتفتُ الخطوط السعودية و نبضات قلبي كالرصاص المنتشر بين أرصفة برلين إبان الحرب العالمية الثانية، سألتهم عن وضع الرحلة الخاصة بأخي، ولماذا لا استطيع تعديل بعض الخيارات من تأكيد اختيار المقاعد أو اختيار الوجبة على أقل تقدير .
كانت الصدمة مدوية ، قالوا الحجز مُلغى يا أخي الكَريم!
قلت لهم والغرابة منتشرةُ في صوتي كالحشرجة والاحتضار : كيف ومتى ومن ألغاها !
قالوا التذكرة مُلغاة.
حولوني على رقم آخر وأفادني بأن التذكرة ملغاة وإذا شئت بأن نسترجع لك التذكرة مجدداً فقم بحجز جديد.
شكرتهم على توضحيهم لي التفاصيل المتعلقة بشأن التذكرة الخاصة بأخي واغلقت الهاتف واتصلت على أخي سعد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سعد : وعليكم السلام ورحمة الله ، مرحباً كيف حالك ؟
الحمد لله ، أين أنت يا رجل ؟
سعد : في الطريق إلى مدينة الظهران وأنا الآن بقرب مدينة الدمام.
ما الذي تفعله يا عزيزي؟
سعد : مع السائق أنهي له اجراءات شركة التأمين، أوراق ومراجعات ووثائق.
سعد أ حقاً ألغيت حجزك المؤكد إلى المغرب وطلبت استرداد مبلغ التذكرة؟
سعد : بنبرة هادئة واثقة : نعم ألغيتها فجراً واعذرني لم أخبرك حينها لأني شعرتُ ببعض التعب والإعياء فآثرتُ إلغاء الحجز.
لكنه المغرب يا شقيقي !
واليوم الطائرة كيف و و و و و و و و و و و !
لم أرغب في أن أضاعف أحزانه و أعاتبه ، فلا حاجة للعتب الآن.
دعا لنا بالتوفيق والسداد وقضاء رحلة ممتعة ولم أعاتبه بشأن الترتيب والتنسيق السياحي أو البرنامج أو حتى ميزانية السفر ، اكتفيتُ بشكره على حُسن اختياره لتوقيت إلغاء رحلته و أخبرته بأني قادم عصر اليوم إلى منزل والدتنا واللقاء سيكون هناك فلم يعترض وقال بكل هدوء : لا بأس.
قمت بالترتيب النهائي لجدول الرحلة واعداد الحقائب وشراء بعض الهدايا للأهل في المغرب وشيء من التمور وماء زمزم.
وصلت إلى المطار في تمام الساعة السابعة مساءً وأنهيت الإجراءات بكل سلاسة في مطار الملك فهد الدولي بالدمام وجلسنا تقريباً مدة ساعتين ونصف حتى أعلنوا موعد صعود الطائرة المتجهة إلى جدة ومنها إلى المعشوقة الأبدية " الدار البيضاء".
والدتي وزوجتي وابنتي " مريم" برفقتي والمشاعر تجاه المغرب بازدياد والأفكار تتناسلُ لوضع جدول احتياطي للرحلة في حال لو تغيرت الآراء أو لأي ظروف أخرى طارئة.
شهر اكتوبر في المغرب غالباً ما يكون موسماً للأمطار الغزيرة وبداية التساقطات الثلجية في المرتفعات وجبال الأطلس، مما يعني في حال لو رغبنا التوجه إلى " تاونات" فإنه يلزمنا أخذ الاحتياط والحذر كون المنطقة جبلية وتحتاج إلى ترتيب مُحكم مع موسم الأمطار.
تناولنا بعض الوجبات الخفيفة وصعدنا الطائرة المتجهة إلى مطار الملك عبدالعزيز في جدة وبعد مضي أقل من ساعتين تقريباً وصلنا المطار وأكملنا فترة الانتظار بعد إنهاء الاجراءات من جوازات وجمارك وما إلى ذلك.
بعد أن تجاوزنا منصة الجوازات الأخيرة والتفتيش الشخصي الأخير وكعادة الخطوط السعودية لم توضح رقم البوابة في بطاقة صعود الطائرة ( البوردنغ) اضطررت مراراً وتكراراً إلى البحث عن الشاشة التي بها رقم البوابة الخاصة بالدار البيضاء، لكن مضت ساعتين ولم تظهر أية بوادر لوضع رقم البوابة في الشاشات.
مطار جدة خصوصاً الصالة الدولية اعتبرها مأساة كارثية بكل أمانة، بشق الأنفس تجد مقعداً فارغاً والخدمات المقدمة لا ترتقِ لمستوى الرضا وكلنا ثقة مع تشغيل المطار الجديد والتوسعة بأن يكون علامةً فارقة بين مطارات العالم.
المذياع الداخلي : رحلة رقم 377 والمتجهة بمشيئة الله إلى ( الدار البيضاء) بوابة رقم ( 10) يرجى من السادة المسافرين و و و التوجه إلى البوابة.
يا لهذا الصوت الجَميل يا لهذهِ اللحظة الرائعة، اسرعُ من البرق اتجهنا إلى البوابة نسابق المسافرين باشتياقُ وجنون ومزيج من الدهشة لقلة المسافرين المتجهين نحو البوابة.
نزلنا إلى الحافلة التي تقلنا إلى الطائرة ( رحلة مكوكية) واعتبرها من سيئات هذا المطار حيث تستغرق الحافلة وقتاً طويلاً ( قرابة الـ 15 ) دقيقة كي تصل إلى الطائرة وما بين جلوس ووقوف و مطبات و أفلام ( هندية) تجدُ نفسك أمام الطائرة.
لا مجالَ للنوم الآن بالرغم من الإرهاق والإعياء نظراً لعدم أخذ كفايتي من النوم يوم الرحلة واستئذاني من العمل للخروج باكراً لم يزدني إلا رَهقاً.
المقاعد قمت باختيارها مسبقاً وهي المتاخمة لمقاعد درجة رجال الأعمال مباشرة ولا يفصلنا عنهم سوى ستارة خفيفة، وسبب اختياري لهذه المقاعد أولاً قربها من بوابة الصعود والخروج ثانياً: إمكانية طلب سرير لطفلٍ رضيع ، علاوةً على المساحة الإضافية للأقدام.
رحتُ اتفرس في ملامح المسافرين، فذلك مستجدُ على المغرب والآخر حديث عهدٍ أيضاً والآخر متأنق كالعريس والأخرى تتصل بذويها في المغرب و الخُبراء والمزاعيط والمجانين !
ومن صعد الطائرة كي يكمل مسيرته نحو أوروبا انطلاقاً من جدة ومواصلة في الدار البيضاء.
الوجوه بعضها كتاب مفتوح وبعضها تجيد إخفاء الأسرار.
كعادتي الدائمة لا أجيد النوم في الطائرة مهما كانت المغريات ووسائل الترفيه والراحة، اللهم إني أضعُ رأسي المثقل بالأفكار والبرامج السياحية على كتف المقعد الذي يواسيني دائماً لمدة ربع ساعة في غفوةٍ بسيطة كأبعد تقدير.
دائماً ما تذبل الأحرف حين رغبتي بالكتابة والتعبير عن مغربنا الحَبيب وليسامحني عشاق هذا البلد لهذهِ التقلبات الشاعرية والأمواج التي تنكسر على صخور الصمت أحياناً.
فالمسألة ليست سهلةً جداً بأن تكتب أجمل مشاعرك وتصور أحاسيسك على الورق، تحتاجُ إلى جولات وجولات من الهدوء والسكينة، ولا تخدعنكم بعض الأحرف حينما أكتبها بأجمل الوصوف فهي تكون مشاعر ارتجالية.
أما على سياق الترتيب فأنا أكبر فوضوي على وجه الأرض خصوصاً مع الكتابة والقراءة والتعبير المنسق، لا شيء يعدل الفوضى التي تجدُ مشاعرك بها صادقة.
وكما كنتُ أقول : فوضى تجمعُ مشاعرك ولا ترتيب يبعثرُ أحاسيسك !
الطائرة تحلق فوق أجواء الدار البيضاء، رغبتي وشغفي في صراع لالتقاط صور جانبية للخضرة التي أشاهدها بالأسفل، والغيوم ترسمُ لوحة أخرى خلابة وساحرة.
أما قطرات المطر فلقد ألهبت فؤادي المسكين وجعاً وتودداً ورغبةً في إنهاء الإجراءات بأسرع وقت ممكن.
نزلنا تقريباً بعد نزول أغلب الركاب في إجراء ( حداثي) من أفكار زوجتي كي لا يزاحمنا أحد نظراً لوجود " رضيعة" تحتاجُ إلى الهدوء وتعامل لطيف.
يا الله !
إنه ممر السعادة إني أخطو الخطوات الأولى ومن تحتي أشعرُ بأنه كعرش بلقيس ، رحتُ التقطُ دُرر الأوكسجين والزمرد والياقوت بنهم، والجوع العاطفي ترتعدُ له أناملي، إنها المصافحة الأولى للدار البيضاء بعد مضي ( 3 ) أشهر، إنها الدار البيضاء يا سادة بكبريائها وشموخها تصافحني !
ما إن ولجنا إلى صالة الجوازات حتى رأيت صفوف المسافرين من كل صوبٍ وحدب، لكني اتجهتُ إلى المسار السريع ( ذوي الاحتياجات الخاصة و من لديهم أطفال رضع ونساء) وانهينا الإجراءات بسلاسة ومن دون تعقيد أو حتى تلميح بالإكراميات وما إلى ذلك.
إلى بقية الإجراءات الآن، هيا نحو سير الحقائب !
ذلك ما كنا نرسمه في مخيلاتنا حتى صدمنا بواقع تأخير الحقائب والعفش الذي امتد قرابة الساعة ونصف.
هنا اضطربت المشاعر وانقبضت الأفئدة وبدأ الشحن العاطفي يترفع معدله والتوتر في أعلى معدلاته.
خرج شابٌ من الصفوف واتجه إلى داخل سير الحقائب متجاوزاً بذلك الفعل كافة الأعراف ليرى حقائبه بنفسه، فخرج له رجال الأمن وأخذ برفع صوته قائلاً : لقد سرقوا هواتفي وأموالي !
قال له الشرطي : وكيف لعاقلٍ مثلك يعلم بأن الحقائب التي تحتوي أموالاً أو أجهزة الكترونية لا توضع مع حقائب الشحن، وكان حرياً بك أن تأخذها معك أعلى الطائرة.
وحمى الوطيس و يا ليل مطولك !
بعد أن تدافعت الحقائب نحوي فرحتُ فرحاً كبيراً وطرتُ في سعادتي محلقاً بأجنحة الرضا رغم التأخير ، فلا شيء يعدل تلك الحقائب الآن!
فهي في نظري " وطن " !
اسرعتُ إلى رجال الجمارك ولقد أوعزت إلى أحد موظفي الحقائب بأن يساعدني في سحب العربة الأخرى ( كان لدينا 6 حقائب تقريباً) ومن النوع الكبير ولا أملكُ تلك الطاقة التي يمتلكها " سوبر مان" كي أدفع بيدي العارية 6 حقائب !
واتفقتُ معه على أن اكرمه بمبلغ يجعلهُ سعيداً طوال اليوم وتم الاتفاق.
في هذهِ النقطة يجب على السائح أن يحدد السعر على أقل تقدير أو يتفق، بعض الموظفين يستطيع أن يجعلك تمر دون تفتيش وبعض الموظفين يضع الحقائب على السير الخاص بالجمارك ومن ثم تبدأ عملية التفتيش أحياناً والفلسفة.
مررنا الحقائب وبداخلي كتمتُ ألف ضحكة، ولقد قلتُ لزوجتي سيوقفني رجل الجمارك فنحنُ قادمين من الشرق ولسنا برحلةٍ داخلية.
وفعلاً أعاد الحقائب وطلب مني أن افتحها هكذا فقط لأني قلتُ له بعد سؤاله لي من أين أتيتم فأجبته: مطار جدة.
أخذ يقلب الحاجيات وينبشُ بأسلوب بدائي فوضوي، وبالرغم من الفوضوية التي اعشقها لكنه اخترع فوضوية أخرى جعلت كل ما في الحقيبة أطلالاً وأعجاز نخل خاوية !
قال : هل تحمل أكثر من هاتف نقال ؟
قلت: كلها استخدام شخصي، هل ترى أنت هواتف محمولة جديدة مثلاً ؟
قال : كلا لكن هنالك شخص سرقت هواتفه وبعض المبالغ المالية .
قلت له بكل هدوء : وهل تخالني حقاً أو المسافرين في حال سرقتنا لهذهِ الأموال والهواتف لا نملك حيلاً أو حلولاً تجعل من الهاتف أو المبالغ لا تشير إلى أنها مسروقات ؟
أ ليس لديكم كاميرات مراقبة هُنا ؟
أجاب : بلى لدينا أحدث التقنيات ، حسناً بما أنه لديكم أحسن التقنيات وأحدثها فدعني أخرج لأعانق الهواء النقي والمطر.
اعتذر وطلب مني ألا افهمه خطأ أو أسيء فهمه، فأشرتُ إليه بطرف عيني : لا تخف ولا تبتئس فأنت موظف هنا وتلك هي الأوامر.
خرجتُ من بوابة الجحيم إلى بوابة النعيم
أوكسجين يا مسلمين أوكسجين !
شهيق
زفير
اشحن رئتك يا ساري اشحنها
بعبقِ السهول
برائحة الأطلس
ونسائم الأطلسي
برائحة النعناع
والحبق !
برائحة الفليو والشيبة والزعيترة !
احقن وريدك بأفيون الشوق
خذ جرعة مفرطة!
ارتخِ
شد من أزرك !
لا تبكِ لا تحزن !
التهم تلك المائدة العامرة بأصنافِ المشاعر
اهجم وباغت الأوكسجين لا تدعه يهرب !
أنا الصريعُ هُنا من أول جولة عاطفية
أنا الغريقُ هنا !
قشة " شوق " تغرقُ مركب " الحنين " !
ما بين مستقبلين ومودعين رأيت تلك الحشود من خلف السياج الحديدي
ونظرات البعض تلاحقنا رغبةً وطمعاً في بعض دريهمات لمساعدتنا في حمل الحقائب أو ركوب سيارة أجرة.
وهاتفي يرن
يرن
يرن !
إنه محمد
الووووووووووووووو
وافينك اسيمحمد
انا هنا حدا الباركينغ !
فينك !
وظهر محمد كالبدرِ تماماً بالنسبة لي بعد ظلام ليل حالكٍ ما بين السُحب والمطبات الهوائية وطول الانتظار والإجراءات.
رحتُ معانقاً له محتضناً جسده الهزيل .
محمد ( نسيبي )
كان يتحدثُ كثيراً عن تأخرنا وكيف واجه بعض الصعوبات نظراً لغزارة المطر والزحام الأزلي في الدار البيضاء، وأنا جسدي معه لكن قلبي وعقلي في حديثٍ صامت مع الدار البيضاء وبين تلك النفحات الشاعرية الجميلة الباردة.
قلت له : لم اسمعك جيداً ماذا كنت تقول؟
قال: لا تمل ولا تكل من الدار البيضاء أنت؟
ولسان حالي يقول :
ونسيت دائي حين جاء دوائي
من ذا يقاوم نظرة (البيضاء)
صادت فؤادي والفؤاد ضعيف
والآه أصل الآه من حواء
غسل المحيط عيونها وأحاطها
بسلاسل من فضة بيضاء
والشمس تشرق كي تقبل خدها
وتذوب بالكفين كالحناء
ومشى بها فوق الرمال غرامها
بمسيرة علوية خضراء
زحفت ملايين تسابق بعضها
والعز في أعلامها الحمراء
هي مغرب الأحباب فردوسهم
جبل على بحر على صحراء”
للشاعر كريم العراقي
هي بالأساس ( من ذا يقاوم نظرة السمراء)
ووضعت البيضاء أعني بها
الدار البيضاء
لا تزال تلك الحقول الخضراء تصلي في محاريب الذاكرة والخشوع يملأ رؤوس السنابل وانحناءة الشموخ تزيدك تسبيحاً وذكراً لله.
فالبساط الأخضر هذا لا يعدله شيء في نظر عشاق المغرب، وبالرغم من بوادر تزاحم المركبات أمامنا إلا إني أشرتُ على محمد بأن يسلك طريق ( حد السوالم) كي نصل إلى ( ليساسفة) دون زحام وصخب وضجيج فالمنظر هناك أشدُ خضرة وأقسى ضراوة على قلبي المتيم بحب هذا البلد.
سلكنا الطريق والغيوم كأنها البلور بل كالفيروز ترسم صورةً شاعرية محرضة لارتكاب ثورة عاطفية ومجزرة رومنسية.
عقلي الباطن يُشير إلي بالتوجه إلى شقتي و وضع الحقائب التي لا حاجة لها حالياً ومحمد يلح علي بالقدوم إلى منزلهم وبين شد وجذب آثرتُ التوجه معه إلى منزلهم الكبير، لكنه أخبرني بأنه لا يوجد أحد بالدار سواه لأن الأهل سافروا إلى " تاونات" ومن الصعب التوجه إليها مع هذهِ الأمطار وبعد عناء الرحلة، لكن بأسلوب " كريم" ونفسٍ طيبة أراد أن يضيفنا في الدار ويحتفي بنا.
قمت بتعبئة رصيدي للرقم المغربي الدائم – مكالمات وانترنت- وشراء شريحة جديدة للوالدة وذلك للتواصل والاطمئنان على الأوضاع في الوطن.
كانت الفكرة الأولى هي أن اتجه إلى " حمام الزياني" بالدار البيضاء لأغسل عناء السفر واستعد لصلاة الجمعة، لكن الكارثة كان الوقت في الأصل وقت دخول صلاة الجُمعة.
الشرع أعطانا رخصة السفر لكني في دواخل نفسي قلت سأصلي الجمعة وبعدها أرتاح من كل العناء والتعب.
بعد صلاة الجمعة اتجهتُ لشراء بعض المستلزمات الخفيفة البسيطة وطلبت من محمد مناولتي مفتاح السيارة كي اتعرف على وضعية صيانتها وما إلى ذلك.
لا شك لدي بأنها جديدة وليس بها عيوب ، لكن تفادياً لأي طارئ لا سمح الله وتدارك الوضع في حال رغبنا استبدالها من مكتب تأجير السيارات.
أمام منزل الأهل تجول بي الذاكرة وتشير البوصلة إلى ذلك المقعد الخشبي لصديقي " عزيز" رحمه الله وغفر له وتأخذني طائرة الذكرى لتحملني إلى بائعة النعناع وذلك المخبز الصغير لصديقنا " مصطفى".
تفاصيل صغيرة لها أثر كبير في النفس، وكأنها طوق نجاةٍ لغريق مثلي لا يرغب في مغادرة الماء وإن ضربت قدماه في العُمق.
كفكفت السماء أدمع المطر وتراقصت الطيور مجدداً فوق أغصان الشجيرات بحديقة المنزل، لدي الكثير من الرغبات والأمنيات لكن التعب وحده كان سيد الموقف.
غفوت حتى قُبيل صلاة المغرب واستيقظت من شدة برودة الجو وفاتني الحمام المغربي مجدداً بالرغم من وجود فرصة لكن المنطقة التي يقع بها الحمام تعتبر منطقة حيوية ، عليه فإن التوجه إلى هناك من بعد الساعة السادسة مساءً يعتبر مضيعةً للوقت نظراً لكثافة المركبات و المتسوقين.
وضعنا جدولاً مبسطاً كان كالتالي:
- سلا ( نصف يوم ).
- الرباط ( نصف يوم).
طبعاً قد لا يعلم البعض بأن الرباط و سلا متقاربتان جداً جداً ولا يفصل بينهم سوى نهر أو لنقل ضفة بسيطة.
لكن الحياة تختلف جذرياً بين المدينتين.
فالرباط عاصمة المغرب وقلبها النابض، فهي زاخرة بشتى أنواع الخدمات والمباني الحكومية ( وزارات – إدارات عمومية) وما إلى ذلك.
وكانت الوجهة التالية بعد " الرباط " هي مدينة فاس، تلك المدينة التاريخية التي بلغت من العمر عتياً، عمر المدينة الآن تقريباً 900 عام .
ومن فاس إلى " تاونات" المنطقة الجبلية.
كانت الترتيبات تُعبر عن رحلة بسيطة سريعة خاطفة، لنقل بأنها " نقاهة" وكسر روتين العمل فقط، الأمر الذي جعلنا نتأخر في مغادرة تاونات الأمطار والرياح الشديدة وجمال المنطقة ومياها العذبة من تلك الآبار النقية.
بعدما حان موعد العشاء قررنا الخروج إلى " morocco Mall" وبعد تداولات ومشاورات ونقاش استبدلت الخطة بـ “ Anfa Place” هو مركز تجاري أيضاً لكنه اصغر مساحة من " موركو مول".
محدثكم من أكبر معارضي تضييع الوقت في التسوق بهذهِ المراكز، ويجد لذة في الأسواق الشعبية.
لكن معشر النساء لا نستطيع أن نرفض لهم طلباً فيما يتعلق بهذهِ المراكز التجارية، فحزبهم يشكل أغلبية الحكومة وما أنا إلا مستشار قانوني في حكومتهم.
قلت لهم مازحاً : المحلات التجارية والماركات متشابهة في المركزين فلماذا يطول بكم الوقت وأنتم في هذه الدائرة المفرغة؟
لا نقاش ولا جدال هههههههههههههه، اسكت فالوضع الآن كغرفة العمليات لا تقاطعهم وإلا رأيت ما لا يحمد عقباه.
بعد انتهائنا من الجولة السريعة ( بالنسبة لهم ) البطيئة جداً على قلبي المسكين، قررت أم " مريم " بأن نلغي فكرة التوجه إلى الرباط و سلا ونتجه مباشرة إلى فاس ومنها إلى تاونات.
اعجبتني الفكرة ولم أبدِ اعتراضاً، لأني ضد الجولات السريعة الخاطفة والزيارات العائلية التي تكون قصيرة ومرهقة ، عدنا إلى منزل الأهل ولم نستغرق وقتاً طويلا للاستعداد ليوم غد حيث أن كل الحقائب تقريباً لم تفتح، لكن يلزمنا جمع حاجياتنا في حقيبة كبيرة على أقل تقدير كي نحملها معنا إلى " تاونات".
خرجنا صبيحة الغد متأخرين بعض الشيء من المنزل وكانت الطامة الكبرى بانتظارنا !
انهارت أحد القناطر المرورية وأدت إلى ارتباك بالسير أمامنا فاضطررنا للانتظار قرابة ساعة ونصف تقريباً في المنطقة الرابطة بين الطريق السريع من الدار البيضاء و الرباط.
وبعد مضي الساعة والنصف أحبط الجميع وتقلبت الأمزجة لكني أخبرتهم بأنه أمر الله ومكتوب علينا فلا حاجة للتأفف فإن " تاونات" لن تطير.
الطريق من الدار البيضاء إلى فاس يأخذ تقريباً قرابة الثلاث ساعات، وهنالك طريقان : الطريق الوطنية ( متعبة مرهقة طويلة) والطريق السريع وهو الأفضل والخدمات متوفرة بوفرة ( محطات ومطاعم وما إلى ذلك).
توقفنا في محطة الأداء الخاصة بمدينة ( بو زنيقة ) وهي مدينة ساحلية قريبة من الرباط وتعتبر وجهة صيفية مزدحمة والحمد لله لسنا بفصل الصيف
.
بعد أن تناولنا غداءنا في المطعم المتاخم لمحطة الوقود قررنا وضع خطة للقيادة، تنص على أن يكون هنالك فترة استراحة لتبديل السائقين حالة التعب، ولقد تم الاتفاق مع النسيب بهذا الشأن ( تمهيداً لغفوةٍ بسيطة في السيارة) حيث شعرتُ بالنعاس أثناء قيادتي فآثرتُ عدم المغامرة بالمواصلة.
واصلنا المسير بعد أن تبادلنا المواقع في القيادة، لكني لم أنعم بالنعاس لحظة نظراً لكثرة المواضيع المتداولة والبرامج التي تدور في محيط أفكارنا،بعد أن قربنا من محطة الأداء ( رسوم تدفع على الطرق السيارة) فاجئت الجميع بأننا سنتجه إلى " تاونات" مباشرة ولا حاجة للمرور على " فاس".
اتفق الجميع معي بشأن هذا الرأي وواصلنا المسير إلى أن ظهرت لنا جبال الريف وتلك الغيوم التي تسلب الألباب.
ومنظر الأودية المهيب وتراكمات الأمطار يعطيك للوهلة الأولى انطباعاً بأن هذهِ البقعة من الأرض لا يغيب عنها اللون الأخضر إلا ما ندر.
في الطريق إلى " تاونات" يتوجب على السائق القيادة بحذر في بعض المنعطفات والمرتفعات، ومن يخافون المرتفعات انصحهم بألا يرو تلك المنحدرات لكي لا يصابوا بالدوران
.
لكن يوجد هنالك طرق مستوية وليست كل المسافة تعرجات ومنحنيات، وتاونات مقسمة على عدة قُرى و مدن صغيرة أخرى وتجمعات سكانية متنوعة.
وكما يسمونها ( دوار).
المنطقة التي سنتجه لها هي منطقة ( هوارة) في عين معطوف، ستشاهدون الجبال والحقول الشاسعة ومن بعيد ودون مقدمات ظهر لنا المنزل تحت الجبل ( منزل الحاج محمد) فالجبل دليلنا.
لكن تغطية الانترنت ضعيفة جداً جداً بل وتصبح مستحيلة بين الجبال ولو جئت بأحدث الهواتف المحمولة ما شفع لك ولم يمكنك من تصفح حتى ربع (كيلوبايت)!
الأجواء كانت باردة نسبياً والغيوم تراود الشمس تارة والشمس تغلبها تارة أخرى،اتصلنا بعد أن تحسنت إشارة الجوال بالحاج محمد وأخبرناه بأننا قريبين ولا يفصلنا سوى بضع دقائق عن الوصول، سألني : هل ستتأخرون ؟
قلت إن كنتم تنتظرونا لتناول الشاي والقهوة وبعض الحلويات فلا تحملوا هماً ولا تنتظروا أحداً، لديكم ضيوف غيرنا فلا تربطوهم بوصولنا !
نظر إلي محمد : وكيف عرفت بأن هنالك ضيوف آخرين ؟
قلت : العصفورة أخبرتني !
ما إن تطأ قدمك الأرض في ( هوارة ) حتى تشعر وكأنك في عالمٍ آخر وأرض أخرى لا نعلمها ولم نشاهدها؛ فحقول القمح وشجيرات الزيتون والتين الشوكي تسبقك إلى مداخل القُرى باستقبالك.
و قطيع الغنم وبعض الأبقار وصوت الديك يعود بك إلى أيامٍ كنا قد عشناها في قرية أجدادي رحمهم الله وذكريات الطفولة والمراهقة.
وصلنا إلى منزل الحاج محمد وكدتُ أن اذوب بين يديه لشدة احتضانه لي وحمدت الله أن لم يكسر لي ضلعاً لفرط الشوق ولم تخني أدمعي ( متأثر بالمسلسلات التركية)
، وأدخلنا إلى المنزل ( مرحبا مرحبا ، نهار كبير هاد).
حرارة اللقاء وحفاوة الترحيب تجعلك فعلاً تعيد حساباتك مع بعض من تخالهم أحباباً وأصدقاءً في الوطن !
البساطة وعدم التكلف وصدق المشاعر رغم كبر السن و ضعف الحالة المادية إلا أن المغاربة فعلاً شعب كريم مضياف والأدلة كثيرة والقصص لا تعد ولا تحصى.
كان بالانتظار أيضاً ( عديلي ) وابنه الصغير وأخت زوجتي و نسيبي الآخر ( أحمد ) والحاجة أم أيوب ( خالتي - أم زوجتي ).
وفد كامل من الأسرة كان ينتظرنا هُنا
، بداخلي شعرتُ بأن شوكة حزب الرجال انكسرت وبأن النساء سيربحون معارك هذهِ الرحلة
لنلقِ نظرة سريعة على ( هوارة ) و ( تيسة) وعين معطوف وعين عائشة
تلك المناطق نسبة السكان ليست بكبيرة والغالبية العظمى هاجرت إلى أوروبا وتعود إلى هنا في العطل والمناسبات.
ولا يخفى عليكم فالمنطقة جميلة جداً وبسيطة وهادئة وبعيدة عن كافة ألوان التلوث والصخب والضجيج.
ومحاصيل الزيتون والزيت والتين تكاد أن تغطي استهلاك مدينة كبيرة كالرياض مثلاً، وذلك لما حباهم الله بنعمه وفضله وفتح لهم أبواب الرزق عن طريق جمع وعصر وبيع الزيت والزيتون.
والبعض فتح شركة استيراد وتصدير وتوسع في تجارته خارجياً.
لن يجد المتعطش للخدمات الراقية مجالاً هنا ، لكن على الجهة الأخرى سيجد راغب الراحة والسكينة والهدوء كافة مايبحث عنه !
محلات صغيرة وبعض الدكاكين ( بقالات) ( حوانيت ) بالدارجة المغربية.
الألبان والأجبان واللحم والخضر كلها طازجة ومحصول الموسم.
والأسعار لا توصف أبداً، ولكم أن تتخيلوا معي كمثال على رخص الأسعار، بأنك حينما تشتري أغلب أصناف الفواكه والخضار مع (2) كيلو لحم - كمثال - فذلك كله لا يكلفك 25 دولار !
أما منطقة ( تيسة )
فهي متطورة مقارنة مع ( هوارة) ، ستشاهد المركبات والحافلات والمدارس ومحطات الوقود والأسواق المتوسطة.
في هوارة الآبار الجوفية كثيرة جداً فالمنطقة خصبة وصالحة للزراعة ولا يشوبها شائب أبداً.
قال الحاج محمد : لنذهب إلى القهوة ( المقهى ) بعد أن نتناول الحلويات والشاي
سألته : لماذا يا حاج محمد ؟ قال : سأريك بعضاً من الذكريات للأمكنة التي كنت أزورها أيام شبابي وأعرفك على الأحبة هنا ومنها نصلي المغرب في الجامع.
لا أذكر بأني سمعت أصوات السيارات إلا ما ندر ولم تزعجني أي رائحة هُنا كرائحة المصانع والتلوث في المدن.
السكون هنا يبعث على الجنون أحياناً
لكنها تجربة جميلة للغاية.
بعد عودتنا من المقهى، اشتدت البرودة في الجو فسألت الحاج محمد عن الحطب فأشار بأن الدنيا ليل ولن تكون " حاطب ليل " !
قلت له : لا تخف فإن خطورة البرد على والدتي أشد من خطورة الأفاعي أو العقارب علي، إن كنت تعتقد بأنها تجتمع أسفل الحطب.
ضحك من كل قلبه قائلاً : مكاينش عقارب ولا تا حناش.
اشعلتُ النار بأغصان وجذوع الزيتون وبعضاً من عروق شجيرات صغيرة يابسة وما إن اشتعلت النار وتوسعت ألسنتها وزاد لهبها ، حتى قدم الجميع تجاهي ووضعوا تلك ( الزربية ) - فرش و المقاعد وبعضهم قدم حاملاً الفوانيس، في لوحة عائلية جميلة.
أما الحاج محمد فلقد أحضر ( براد الشاي ) وزوجتي احضرت ( دلة القهوة) !
اخبرتكم بأن حزب النساء سيستولي على كل شيء !
هنالك منزل آخر بالجوار وهو ملك للحاج محمد ، فخرجنا نحن معشر الرجال إليه وأزجينا تلك الليلة كالمجانين في عنبر واحد، ما بين نكات قديمة ودعابات من العصر الجليدي، حتى داهمنا النعاس .
يقع إقليم تاونات في بلدة جبالة جنوب غرب جهة فاس-مكناس. يحدها إقليما الحسيمة وشفشاون من الشمال، ولاية فاس من الجنوب، وإقليم تازة من الشرق، وإقليم سيدي قاسم من الغرب.
يعتبر إقليم تاونات إقليما ريفيا في غالبه مع سكان متفرقين عبر أكثر من 1600 قرية. تبلغ مساحتها 5885 كيلومتراً مربعاً ويبلغ عدد سكانها حالياً 632.000 نسمة. مناخه متوسطي، مع شتاء بارد ورطب (5 درجات)، وانخفاض هطول الأمطار من الشمال (1800 ملم / السنة) إلى الجنوب (500). بلغ عدد سكان المقاطعة 680.000 نسمة في عام 2005 (120 هكتار / كم²) ، حيث كان معدل التمدن في حدود 12٪ فقط، مع نمو طبيعي بنسبة 0.6٪ في السنة.
التاريخ
يعود تاريخ مدينة تاونات إلى زمن الموحدين. في ذلك الوقت (القرن الثاني عشر أو الثالث عشر)، غادرت ثلاث قبائل، المزية، والجاية ورغيوة منطقة زرهون، بالقرب من مكناس، وقدموا للاستقرار في تاونات التي تعني “عالية” بالبربرية.
يوجد بتاونات عدة قصبات، تشهد على مرور المرابطين بها، أشهرها قصبة جبل أمركو.
الثقافة والمجتمع
تاونات واحدة من المدن الرئيسية لجبالة في المغرب. جبالة، كما يوحي اسمهم، هم “متسلقي الجبال” أو “سكان الجبال”. هذا الاسم، الذي يشير إلى الجغرافيا أكثر منه إلى جانب عرقي معين، يتم تمريره مع ذلك من أجل هوية ثقافية نظراً لعددهم الكبير ومساحتهم الجغرافية الممتدة، مقارنةً بـسكان جبليين آخرين في المغرب. على الرغم من أصلهم الأمازيغي، فقد تم تعريب جبالة في القرن الحادي عشر، وهو ما يفسر لكنة حديثهم ما قبل الهلالية.
بالإضافة إلى ذلك، يتوفر إقليم تاونات على صناعات تقليدية متنوعة: النسيج في أولاد أزم، والسلال في مولاي بوشتى، والنجارة في بني وليد والفخار في اسلاس.
مواقع للزيارة:
مدينة تاونات
هذه المدينة متوسطة الارتفاع، تقع على تلة عند سفح الريف الجنوبي، وتعلو وادي سرا، الذي يتدفق إلى ممر غارغارا، وهي واحدة من أكبر مدن جبالة.
القصبة المرابطية في جبل أمركو
يشتهر إقليم تاونات بقصبته المرابطية في جبل أمركو، وإنشاء منطقة الحماية حول هذه المنطقة الأثرية، ويقدم هذا الموقع التاريخي إطلالة بانورامية على سد الوحدة.
قلاع تاونات
تشتهر المقاطعة بشكل خاص بقلاعها: زاوية سلاس وتاورتا بغفساي ومزيات وأود يخلام وتام بوزيد بتاونات وقلعة أود أحمد بتيسة.
يعود تاريخ مدينة تاونات إلى زمن الموحدين. ففي ذلك الوقت، غادرت قبائل مزيات والجاية ورغيوة منطقة زرهون بالقرب من مكناس لتستقر بموقع تاونات الحالي. تتميز تاونات، العالية بالأمازيغية، على عدة قصبات أشهرها قصبة جبل أمركو، تشهد على مرور المرابطين.
لقد كانت تاونات مجرد مركز قروي تابع لمدينة فاس إلى أن تم تعيينها مركزا للإقليم سنة 1977. وهي مدينة متواضعة اقتصاديا ومترسخة في بيئتها القروية. ورغم مرور أزيد من 40 سنة على تعيينها مركزا للإقليم، إلا أن حجمها ظل صغيرا ولا يتجاوز عدد سكانها 38000 نسمة حسب إحصاء 2014. ومع ذلك، فهي تحتل موقعا مهما في وسط قروي يضم عدة مراكز في تطور سريع كغفساي وتيسة وقرية با محمد وعين عائشة.
تتوفر تاونات على مؤهلات سياحية كبيرة بإمكانها جذب عدد مهم من السياح من داخل المغرب أو من خارجه. فمناظرها الطبيعية المتنوعة المشكلة من غابات وجبال مكسوة بالثلوج في فصل الشتاء، ومواقعها التاريخية وقلعاتها، توفر فضاءات تبعث على الهدوء والتأمل والاستمتاع بجماليتها.
فهناك سد الوحدة وسد إدريس الأول ببحيرتيهما، والموقع الطبيعي لغفساي وعيون بوعادل ذات المياه العذبة والغزيرة، ومهرجانات كثيرة، كمهرجان الفرس بتيسة والمواسم التي ينظمها السكان المحليون لأوليائهم الصالحين، وأشهرها موسم مولاي بوشتى الخمار… كلها مؤهلات من شأنها أن تدعم السياحة المستدامة في الإقليم.
بالإضافة إلي هذه الإمكانيات السياحية، توفر تضاريس المنطقة وغاباتها الممتدة فضاءات لممارسة رياضة القنص وخصوصا صيد الخنوير والحجل.
المساءات هنا باردة جداً تذكرني بتلك الليالي في " اوزود" و " مشليفين" ( أوزود نواحي مراكش) ومشليفين ( جبل في ايفران).
رائحة جذوع الزيتون تنعش الأجواء وتبعثُ الحماس وتنشر الدفء بشكل جميل، بل ويغرس في مخيلتك فكرة الشواء أو عجن الخبز ومزجه بهذهِ الرائحة السريالية الجَميلة.
بعد تناولنا الإفطار طلب منا الحاج محمد أن نتجه إلى " فاس" حيث يمتلك هناك منزلاً صغيراً وذلك لإحضار الثلاجة ووضعها في تاونات.
لم أتردد لحظة بقبولي الطلب وذلك لقضاء سويعات في فاس التاريخ و زيارة بعض الأصدقاء هناك وكما يقولون : عصفورين بحجر واحد.
علاقتي بمدينة فاس قديمة بعض الشيء، حيث تعتبر من المدن التي تلهفت النفس لرؤيتها قبل عقدٍ من الزمن تقريباً و شاهدتها أكثر من مرة وعشت بين مبانيها الأثرية وارتويت منها حتى الثمالة.
لكني فضلتُ أن اخرج من تاونات إليها لتجديد العهد وبالرغم من زيارتي لها لأكثر من 8 مرات إلا أنها لا تشيخُ في عيني، فأسواقها البسيطة الجامعة لكل شيء وشوارعها المرتبة وصغر المدينة تجعلك تعيد الزيارات مراراً وتكراراً.
علاوةً على التطور الملحوظ بالمدينة وجودة المنتجات المغربية التقليدية هناك، من ملابس و تذكارات وهدايا أثرية.
القيادة ممتعة في فاس وليست كالدار البيضاء، فالدار البيضاء تحتاج القيادة فيها إلى " أعصاب هادئة" و " انتباه شديد " نظراً للزحام الكارثي.
سلكنا الطريق المؤدي إلى فاس الذي قطعناه تقريباً في ساعة وعشر دقائق من تاونات، وذلك نظراً لكثرة التعرجات بين فترة وأخرى و قيادتي بسرعة لا تتجاوز 60 كيلو متر غالباً في تلك التعرجات والمنحدرات، ما إن دخلنا إلى المدينة حتى قابلتنا ( المدينة القديمة وباب ابي الجلود و البطحاء) وتفاصيل جَميلة تعيدك إلى زمان ولى لكنه في الذاكرة باق.
كانت الأجواء باردة مقارنة مع تاونات نسبياً أو لم اشعر بالبرودة في تاونات لتسمري جوار ألسنة النار الدافئة.
بعض الصور كي لا يصبح التقريرُ مملاً أرفقها مع هذهِ الأسطر
هكذا تستقبلنا فاس ونحنُ قادمين من تاونات
تعتبر فاس من المدن الزاخرة والعامرة بالمدارس التاريخية والجامعات الإسلامية علاوةً على جودة المنتجات المغربية في الأسواق وأصالتها.
ما إن وطئت أقدامنا " عين الشقف " بفاس، حتى تسابقت لنا الأعين وشعرتُ بأن للغربة هُنا قصص تُحكى والنظرات لا ترحمك أيها الغَريب، هكذا كان شعوري لحظتها.
تقدم إلينا حارس المجمع السكني وابتسامته لا تغادر محياه وبادرنا بالتحية وإلقاء السلام، هُنا احسستُ بالطمأنينة وتيقنتُ بأني لستُ غريباً ولا في منفاي الاختياري.
قلتُ له : نسيتنا يا حاج مصطفى !
قال : كلا يا بُني، قالها ضاحكاً حتى اختفتُ عينه بين وجناته لفرط الضحك.
قال المسألة فقط في السيارة لأنكم آخر مرة قدمتم إلى هنا كانت معكم مركبة أخرى مختلفة تماماً عن هذهِ.
معك حق يا حاج مصطفى كل السيارات التي تراها معنا هي من محلات كِراء السيارات، فاليوم BMW وبعده RANGE ROVER وغداً لا نعلم قد تكون CLIO أو حتى " كوتشي" !
انفجر ضاحكاً قال :اشمن بي ام دابليو واشمن رونج روفر هدي دوستر ياك !
بعد أن تناولنا الشاي معه في كابينة الحراسة استأذنته بالانصراف كي انهي الاشغال التي أوصانا عليها الحاج محمد وكي يتسنى لنا أخذ جولة سريعة على فاس قبل غروب الشمس.
فالطريق إلى تاونات مساءً يعتبر مغامرة محفوفة بالمخاطر، نظراً للتعرجات وبعض الحُفر التي تلزم السائق الانتباه والقيادة بحذر شديد.
أخذنا الثلاجة التي طلب الحاج " محمد " أن نحملها إلى تاونات ومضينا في الطريق إلى بعض معالم فاس.
الشمس هُنا حارقة بالرغم من كونه شهر اكتوبر، فاس هكذا دائماً تعشق الحرارة، ولا يثق أحدكم في تلك النسمات الباردة في اكتوبر، فالشمس لا تزالُ تُرسل حممها في الظهيرة.
ما يميز مدينة فاس صغرها مقارنة بالمدن الأخرى الكبيرة، علاوةً على قلة صخبها وحسن ترتيب مظهر شوارعها.
لكن مع ازدياد أعداد المهاجرين الأفارقة وانتشارهم عند إشارات المرور وفي ظل عدم وجود حل للمهاجرين الغير شرعيين ومعالجة أمورهم تظل المدن رهينة الفوضى أحياناً.
جولة سريعة في فاس العز كانت كفيلة بتجديد المشاعر و زيادة نبضات القلب المشتاق لكافة تفاصيل المغرب الحَبيب.
هذهِ خارطة المدينة
تمتاز فاس بكثافة الأبواب القديمة والأقواس، علاوةً على جذورها الضاربة في التاريخ، لهذهِ الأماكن سحر جذاب.
المعالم التاريخية لمدينة فاس كثيرة وعلى سبيل الذكر لا الحصر
المدرسة البوعنانية
جامع القرويين
القصر الملكي
زاوية مولاي إدريس
متحف دار البطحاء
قصر النجوم
باب ابي الجلود.
( الأصل في الاسم - باب أبي الجنود ) وفقاً للوثائق التاريخية والمراجع لكن جرت العادة لدى أهل المغرب الحَبيب على نطق الباب : ابي الجلود ).
كانت لنا جولة خاطفة على أغلب المعالم التاريخية ولقد مررنا على " ضريح مولاي ادريس" لكني صدمت من جهل بعض العامة بالتبرك والتمسح بالأضرحة وآثرت عدم التصوير من الداخل بالرغم من قدرتي على التقاط الصور بكل أريحية
لكني قاومت تلك الرغبة بالدعاء لهم بالصلاح.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1024x768.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1024x768.
فاس من الأعلى
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1024x768.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1024x768.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1024x768.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1024x768.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1024x768.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1024x768.
هذهِ تسمى " العمارية"
وهي كالهودج توضع فيه العروسة ليلة زفافها وهنالك " عماريات" يوضع بها الرجال أيضاً
وعقبال ما نهزو كاع العزاب في العماريات.
* كلمة كاااع او قاااع بالدارجة المغربية تعني " الكُل " وتأتي بصيغ أخرى ومعانٍ حسب سياق الجُمل.
هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1024x768.
حاولتُ مراراً وصف مدينة فاس في خواطر أو حتى قصائد أو أحرف عابرة، لكن القلم يقفُ حائراً خائراً أمام هذهِ المدينة الضاربة في جذور التاريخ، لا شيء يقفُ أمام سيل الحيرة التي أمر بها حينما حاولتُ وصف المدينة بأجمل الأوصاف.
لكنها مدينة جَميلة وصغيرة مقارنة بالمدن الأخرى، قد يحبها البعض وقد لا تُعجب الآخرين، وللمعلومية مدينة فاس تعتبر من المدن الأرخص في سعر العقارات ( بيع - إيجار) والفارق كبير جداً بينها وبين المدن الأخرى، فالبون شاسع والفرق واسع.
مثلاً شقة في الدار البيضاء مساحتها 100 متر مربع في خدماته متكاملة ولا بأس به من النواحي الأخرى فإنها تصل إلى مليون درهم مغربي !
أي ما يعادل400 ألف ريال وتزيد قليلاً ( من دون الضرائب ورسوم التسجيل والتوثيق والتحفيظ)، لكن في فاس تجد نفس المساحة تماماً والسعرُ لا يتجاوز الـ 300 ريال مع كافة تكاليف التسجيل والتوثيق والضرائب!
أما نواحي فاس فهي من أجمل النواحي على الإطلاق وكذلك مكناس، فالربيع يكون ساحراً بشكل يجعل العين تظل حائرة وجروح المشاعر غائرة، خصوصاً في شهر مارس وابريل وحتى بداية يونيو،تلك النواحي اعتبرها من أجمل النواحي في المغرب، حيث السهول والهضاب ومشاهد تسر الناظرين.
للتقرير بقية بمشيئة الله وسأضعُ لكم تفاصيل الحياة اليومية في " تاونات" وماهي الايجابيات والسلبيات في المدينة الصغيرة والقرى المجاورة لها.
أخذني الحَنين
وراودني الأنين !
تذكرتي بيدي
والشمال تصفق باليمين !
ما بين رهبة الموقف
والتضجر والتأفف!
من إجراءات العابرين!
حقائب والحاضر الغائب
هنالك في قاعة التدخين
اغرورقت عيني لفرط الضباب !
غرفة صغيرة تفاصيلها مُثيرة للإعجاب
سألني الموظف : إلى أين ؟
قلت إلى : دار الحالمين..
قال : محطتك الأولى (جدة)
ابتسمت له قائلاً:
جده يا هوى الولهان
فيك تجمع الغزلان !
وصلنا جدة والأشواق محتدة !
جدة أم الرخاء والشدة ..
نصلُ الحنين في داخلي
بلغ أشده
تموضع بين الرئتين
ويا لين ياعين !
وتقول لي قلبين؟
من وين بس
قلي من وين !
ولا زلنا ننتظر إعلان البوابة
وكأني مغرم صبابة
تفصل بيني وبين الدار البيضاء
طائرة مليئة بالأغنياء
والغَلابة !
وفي سحابة
على متن التمني
في سحابة !