- حُلم- تذاكر في اليد
حقيبةٌ منهزمة أمام الاشتياق
مطارٌ صدره رحب للجميع !
-واقع-
طائرةٌ في محرابها تصلي
تحملُ أطيافاً من البَشر !
-خوف-
تأخر الإقلاع!
الغرق في النوم ..!
تأجيل..!
-كابوس-
استيقظ
لم تقبل اجازتك
حتى يعود زميلك بالعمل !
- ليساسفة-
تموت الأشجار واقفة
تنضحُ وريقاتها بالندى (آسفة) !
يُخيل لها بأن تلك الريح
عاصفة !
في أقصى الحي بؤساء !
بل نحن البؤساء
والخبزُ بيننا
نناصفه !
* ليساسفة شعبي جداً وقديم بالدار البيضاء.
لا تنبشوا قُبور الصعاليك
-صراع-
بيني وبين النوم قبيل السفر
جولات ربحتها وجولات انسحبت خشية الهزيمة
والانسحاب هَزيمة !
حتى حاجياتي وأدتها في حقائبي بوقت متأخر من الليل
كي لا يلقى القبض علي متلبساً بجريمة اغتيال الترتيب !
عطور
ملابس
أوراق ودفاتر !
أقلام و و !
جنون السفر !
اتجهتُ باكراً إلى مطار الملك فهد بالدمام استعداداً لعناق عروس الأطلسي، لم تكن الرحلة مجدولة بشكل رسمي نظراً لتكالب ظروف العمل من جهة وتصادم الأعمال الخاصة بالمغرب من جهةٍ أخرى.
الشعور نفسه الذي يراودني حينما أهمُ بالسفر، لا أثقُ بعاطفتي أبداً وقلبي مُجرم حربٍ عتيد لا يرحمني في ساحةِ العشق أبداً وإن أبقاني أسيراً لديه.
أما الوسوسة قُبيل السفر فكانت على هيئة جُرعات أفيونية ( هنالك شيء ناقص- سيحدثُ تأخير-سأفقد العفش-موسم الحج)...!
كل ذلك تغلغل في داخلي باكراً لأني أدرك بأن رحلات المساء دائماً ما تكون كالزيت على أرصفةِ المُدن !
طلبتُ من شقيقي أن يقلني إلى المطار ذلك المساء، و العينُ ترقبُ الطريق والإضاءة وأمواج السيارات التي تتراقص على شاطئ الطريق السريع.
تجاوزنا الطريق الجريح ذو الكدماتِ الفظيعة والجراح العميقة حتى بلغنا مطار الملك فهد الدولي.
الارتباكُ سيد الموقف وكأني عريسُ هذهِ الليلة والكلُ يرقب حضوري وإطلالتي، هل كل شيء على ما يرام؟ يسألني أخي : ابتسمت قائلاً : اعتني بوالدتنا وشقيقاتنا وبلغهم تحياتي.
كنتُ أستجدي الغيمة المتدلية من عنق المطار أن تحبل وتثقل سرعةً في الإنجاز وسهولةً في إنهاء الإجراءات، وكانت صلاة استسقائي العاطفية والأماني مُجابة وحمدت الله بأني لم أتأخر كثيراً ولم يستغرق الأمر سوى خمس دقائق بالضبط حتى عانقتُ بطاقة الصعود للطائرة.
سحبتُ حقيبتي الصغيرة بكل هدوء واكملتُ مسيرتي باتجاه المطاعم والمقاهي المتوسدة أذرعة المطار النائمة على معصمِ الجمال والترتيب، ووقفت متناولاً قهوتي السوداء كليالي الشتاء الباردة.
وقنينة الماء اليتيمة تراودني تارة لعناقها بعد أن نشفت أغصاني شوقاً وحنيناً للمغرب.
قابلتُ صديقي بالعمل دونما ميعاد، فرآني وابتهج وقال : على المغرب يا أبا أحمد ؟
صافحته بحرارة قائلاً : لا حاجةَ لي بالسفر إن لم أتجه إلى المغرب .
ما بال جسمي يعرقُ وكأني في سباقٍ لاختراق الضاحية !! عجبي هل أصبتُ بفرط الحركة الآن ؟!
أوه تذكرت ! القهوة والمشاعر مزيج ساخنٌ جداً وذلك الواتس أب المزعج لا يهدأ ويستفزني غالباً.
أرقد بسلامٍ يا هاتفي العزيز حتى أصل إلى محطتي التالية ( مطار الملك عبدالعزيز بجدة).
إعلان للسادة المسافرين
كلا كلا أرجوكم لا تكن رحلتنا هي المتأخرة أرجوكم لا تحطموا فؤادي !
كالأشباح مرت أرقام الرحلة على تلك الشاشة، ولم أصدق حينها بأن رحلتنا ستتأخر لمدة ثلاث ساعات.
الكارثة بأن لدي انتظار في جدة أربعُ ساعاتٍ تقريباً وهنا ستمضي الساعات وسنتأخرُ في الاجراءات دون شك في مطار الملك عبدالعزيز الدولي !
وصلت الطائرة، انتفض القلب مرتعداً مرعوباً تماماً كعينِ ذلك الذي قضى فترةً طويلة في الظلام ثم أخرجوه للشمس !
أُفٍ لرقعةِ الشطرنج وأفٍ للبيادق و (كش ملك) !
كنتُ مرهقاً للغاية، حيث خرجتُ من العمل واتجهتُ إلى منزل الوالدة حفظها الله لأسلم عليها قبل السفر ولم أنم ساعة وعدتُ إلى منزلي أعدُ عدة السفر وبعد هذا كله نتأخرُ في المطار !
وصلنا جدة بعد رحلةٍ قصيرة نسبياً والخوفُ يدبُ في جوانبنا من فقدان الرحلة، لأن مطار جدة الآن قيد التوسعة والطائرات بعيدة عن المطار، فالمدرجات اصبحت في أقصى المطار.
تجاوزت الاجراءات كلها بسلاسة وفي سباقٍ محموم مع الزمن، شعرتُ بأني ملكت الوقت والمكان حينها فلقد انتصرتُ على الوساوس تلك التي تقتلنا قبل السفر والمخاوف الغجرية !
ركبت الطائرة وتذكرت الراحل : طلال مداح رحمه الله ورحتُ أترنمُ ببعض الطلاسم التي صغتها ذاتَ جنون لاستحضار أرواح الشِعر والنثر كي أدمي وريقاتي المسكينة بوحاً و سرداً.
لا أنام أنا في طائرة متجهة إلى الدار البيضاء أبداً !
وإن سألوني فإني أجيبهم: لم يحدث أن نام أحدهم يوم عُرسه واستيقظ قُبيل الزفاف بساعة !
على تلك الحافلة صعدنا باتجاهِ الطائرة، زحامٌ رهيب ! ما هذا ؟ الكُل يريد أن يهرب ؟ موسم الحج الآن أوه نسيت الأمرَ كُلياً، إجازة رسمية ! يا إلهي ارحمنا من أوجاعِ الانتظار وتُخمة الآهات !
صغيرتي !
نحنُ الآن بالطائرة..
مشاعرنا ريحٌ ثائرة..
أحاسيسنا مقيمة تارة
وتارة مهاجرة..!
تركنا جراح التعب
بيننا وبين العشقِ نسب!
فأنا مجنونكِ وأنتِ وطني
في هذا الكون أوله
وآخره..
لوهلةٍ شعرت بأن الطائرة اصبحت مقهى يعجُ بالبشر، الأصوات هُنا تتناسل بشكل سريع تتكاثرُ فيما بينها تلك الحروفُ بين اشتياق وبين نصائح وعَتب، مزيجٌ بين نار وهواء، عناقٌ مُدمر لهدوئي الذي أملته.
وضعتُ جسدي المُنهك على ذلك المقعد بجوار النافذة، لأني أؤمن بأن النوافذ وحدها تُجيد قراءة صمتي وهي القادرة على تحمل غفوتي القصيرة التي لا تتجاوز ربع ساعةٍ دائماً ورحتُ مُشيعاً جدةً إلى أن اختفتُ خلف الغيوم.
لا أخفي عليكم بأني لا أذكرُ ملامح من كانوا بجواري في الطائرة، فحينما نؤخذُ على حين غرةٍ إلى المغرب فإننا لا نحفظُ إلا بطاقات صعود الطائرة في أيادينا..!
وكأني بالشوق حينما عصب عيني وقادني إلى صفحة الخطوط السعودية لإجراء الحجز ولم أتوسل إليه لفك قيودي، ولستُ بالذي يلونُ قيوده بالذهب كلا !
لكني تيقنتُ بأن حرية العشق أشدُ وطئاً من عبودية الجنون !
انظرُ إليهم بتأمل وصمت، سحناتهم وملامحهم المندهشة، إنهم جدد على المغرب كما يخبرني حدسي، انظروا إليهم يكاد الشوق أن يُعمي أعينهم !
يا لغرورك يا دارنا البيضاء، تسحبين قلوبنا نحو محرقة الشوق وبنا لا تُبالين.
أقابلكِ ومشاعري مُتقدة وأنتِ تقابليني ببرودة الثلج المتماسك، أحقاً يكون هذا جزاء المُستهامِ المُتيم؟!
وصلنا إلى الدار البيضاء، إلى مطار محمد الخامس ذلك المطار العجيب حقاً والمليء بالمفاجآت دائماً.
نزلنا من الطائرة، يممتُ وجهي شطر السماء نحو الغيوم، استجابت رئتي للأوكسجين من خلال تلك الفتحة البسيطة بين السُلم والمصعد فانتشيتُ طرباً.
أمامي صفوفٌ طويلة قبل الجوازات، الكُل هنا يرغب في ختم الدخول على جوازه، إنها قُبلة الحياة تقريباً كما يحلو لي تسميتها.
مرت الاجراءات بسلاسة تقريباً دون تلميحاتٍ أو طلبٍ للإكراميات ( الأرغفة المتعفنة) مع ابتساماتٍ صفراء لا تسر الناظرين!
تأكد الشُرطي من أختام الجواز ولم يقلب ولم ينبش كثيراً في جوازي وقال : من هنا الطريق.
نزلتُ من المصعد باتجاه عربات الحقائب والعينُ ترقب سير الحقائب المتراقصة على نغمات الانتظار.
وتجاهلتُ نداءات محلات صرف العملة كعادتي، ولا اعرف لماذا هم بالذات في الواجهة فهنالك بالخلف محلات أفضل منهم ( والصرف خارج المطار) أعلى وأفضل.
وصلتُ إلى منطقة الحقائب، الكلُ احتضن عفشه والكثير منا لا يزال ينتظر وينتظر !
ساعة ونص الآن مرت، والمزاج انقلب وتلبدت النفس بغيوم الغضب وعواصف القهر الجزئي!
فأمطرتُ تأففاً وتذمراً باتجاه مكتب العفش فقالوا بكل برودة : سجل محضر فقدان أمتعة وسنتصل بك لاحقاً.
كانَ هنالك رجل قابلتهُ في أحد المصانع بالجبيل الصناعية أثناء دورة عمل، قال لي : لماذا تجاوزتنا ولم تحترم انتظارنا؟!
قلت: لم أتجاوز أحد، أنا هنا لكني وضعتُ من ينوب عني بينكم انظر إليه ولقد أخبركم واستأذنكم فأذنتم له ، أم تُراك ترغب في الجدال في هذهِ الصبيحة المُباركة؟ ( صبيحة الجُمعة)..!
رفع أحد المسافرين صوته وزمجر غاضباً ( ذو لهجةٍ خليجية) فما كان إلا أن قدم شُرطي وطلب منه خفض صوته أو سيتم اخراجه من صف الانتظار، وما كانَ له أن استجاب للشرطي و شعر بأن ( ريشه نُتِف) !
جمعتُ حسرتي وبقايا غضبي الخامد وعانقتُ حقيبتي الصغيرة التي كانت معي وجهازي المحمول وفوضت أمري لله، حتى ظهر لي أحد عُمال الشحن قائلاً : أعطني رقمك وسأهاتفك في حال وصول الحقائب، فهنالك رحلة ستصل بعد صلاة المغرب تقريباً.
أعطيته رقمي وشكرته وخرجتُ إلى البوابة بعد أن انهيت اجراءات الجمارك دون تعثر أو تأخر، شعرتُ بأن الدار البيضاء تحاول تهدئتي بينما تفتعلُ الجَلبة بداخلي كي أنثرها حُبا على سهول عشقي.
في الحَي الجنوبي تسابقت الأعين في مضمار النظر فالفضول دائماً ديدنُ النائمين وسط المقاهي الساكنين الأرصفة المستحلين للمُلك العام.
تفصلني عن المنزل محلات قديمة ومبان تليدة، يُخيل لمن يراها بأنها آيلة للسقوط بيدَ أن أكف القدر تحتضنها.
همسات نساء الحَي وأولئك الصبية الأشقياء بالقرب من المدرسة اصبحت كالنيكوتين في شرايين مُدخن فلا يمرُ يوم دون استهلاك كميات هائلة من الأحاديث العارضية والمقالب الصبيانية.
أما أنا فلا زلتُ انتظر خلو الموقف لأركن سيارتي في هذه الظهيرة الساخنة وأرقبُ " العساس" * حارس السيارات النهاري؛ذلك الرجل الخمسيني ذو السحنة السمراء.
الحَي غريب حقاً فهو مزيج من كافة الأنسجة الاجتماعية وكون حي شعبي جداً فإن تواجد الشرطة به يعتبرُ كنوع من الهلوسة.
تخاطبتُ مع عقلي الداخلي وقررتُ أن أوقف السيارة أمام منزل الأهل ومن ثم اتجه إلى داري بعد عناء السفر لأغسل أتربة الأسى على ملامحي و أزيل تجاعيدَ البؤس بعد التأخير في المطارات.
غالباً ما أتفادى رصاص الأحاديث الكثيرة وأضعُ درع الصمت الواقي وأطبقه كُليا على مشاعري حال وصولي فإني أدركُ بأني استنزفتُ طاقتي كلها في السفر فأظلُ صامتاً متأملاً تلك الأحاديث وأكواب الشاي ذات السحر الخاص والمذاق الرفيع تساعدني بالبقاء مستمعاً ومستمتعاً لدرجة الهذيان.
الوقتُ قصير جداً وصلاةُ الجمعة اقتربت، مشاعري مضطربة بين اشتياق وحَنين ورغبات بمعانقة حتى مصابيح الدار البيضاء، لنقم إلى الصلاة وبعدها لكل حادثة حديث !
اللهم جنبنا مرارة الاشتياق ولواعج الفراق و أجعل قلوبنا نقية كنهر أبي رقراق وأبيةً كالعراق، وارحمنا يوم تلتف الساق بالساق.
اللهم ارحم صديقي " عبد العزيز" واغفر له واجعل قبره روضة من رياض الجنة يا ذا الجلال والمِنّة.
اعلمُ بأن الصور هي مطلبكم جَميعاً لكن أمهلوني بضعة أيام لا اجمع أنفاسي لأني قد نثرتُ شُعيرات رئتي فوق حقول المحيط الأطلسي فأمطرت نرجساً وأرعدت حروفاً علها تنال ذائقتكم الجَميلة.
في هذه الرحلة الطويلة " جزئياً" القصيرة "فعلياً" كان جُل اهتمامي ينصب على إنهاء الكثير من الأمور العالقة في مغربنا الحَبيب.
فما بين مراجعات ومشاورات وبحث طويل وعميق استقر الرأي على بيع "منزل" وشراء آخر بحثاً عن الهدوء والسُكون، تماماً كسكون الرباط في المساءات الباردة.
لكن ذلك لا يعني إهمالي لجدول الرحلة أبداً، فلقد تنقلتُ هنا وهناك وبين أحشاء الأطلس تكون جَنين العشق المُفرط هذه المرة، حيث أن المرور ببعض الأماكن لأكثر من مرة يجعلك ترسمُ لوحة أخرى بتفاصيل أجمل و أدق.
أما صديقي عبد العزيز رحمه الله، فشاءت الأقدار أن نفترق قُبيل رحلتي بأربعة أيام تقريباً، إذ تبادلنا أطراف الحديث ذلك المساء وحينما رآني خارجاً من المنزل سألني بصوته المبحوح : صافي غادي للبلاد؟
ابتسمتُ له قائلاً: كلا يا عزيز فإني متجهُ إلى أحد المطاعم القريبة وسأحضر لك أيضاً العشاء، قال : كلا كلا إنما خشيتُ أن تُسافر ولا أراك ولا أودعك.
كأنه على علم مسبق بقرب أجله، ذلك اليوم لم يكن اعتيادياً أبداً، والخوفُ دب بين جوانبي لأني فقدته يومين تقريباً وسألت الحاج محمد: ألم ترى عبدالعزيز؟
لا يخفى عليكم بأن حي " ليساسفة" يعتبرُ كالقنبلة الموقوتة إن لم يكن كذلك، نظراً لتردي الخدمات وكونه يقع على الطريق السريع بين الدار البيضاء و مدينة الجديدة، ولكم أن تتخيلوا كثافة المركبات والشاحنات وتلك العَربات المتهالكة، وسائقو الشاحنات المتهورين جداً إذ يعبرون الطريق ويُخيل لهم بأنه لا يوجد أحد أمامهم.
ولا يعنيهم شيء سوى إيصال تلك البضائع بعد تمزيق الطرق الجديدة والقديمة و جعل الحي والطريق المؤدي إليه والمخرج كذلك أشبه بأطلال اعمال صيانة.
في ذلك المساء خرج عبدالعزيز ولم يعد ، نعم صدقوني لم يعد المسكين، فلقد كان يهمُ بالتجاوز للرصيف الأخر ولم يرى تلك الشاحنة الكبيرة، آه و ألف آه أيها العزيز على قلبي، أتت تلك الشاحنة لتدهس ذو القوام النحيل جداً، حجم السُنبلة في حقول القمح، لتجعله يصارع الموت لمدة يومين في المستشفى ومن ثم سلم الروح إلى بارئها.
هنا كانت الصدمة كالصاعقة فوق رأسي، خانتني الدموع حينها لدرجة بأني شعرتُ بأن ملوحة البحر الميت تتفجرُ من خلال عيني وحينها لم أشعر بقلبي، هل هرب نحو الجنوب أم دب البردُ بين جنباته.
ليرحمك الله يا عبدالعزيز
لن أنسى ما حييت قُبلاتك على جبيني
وتلك الابتسامة وسؤالك الدائم عن أحوالي
رغم ضعف حالتك و عوزك وقل حيلتك.
لكنك شيدت في قلبي لك قصراً لا يهدمه أحد.
عُشاق المغرب كُثر والمجانين أكثر والعُقلاء أيضاً، منهم من اصبح المغرب عشقه لأسباب فردية والبعض لأسباب عاطفية، أما من ارتبط بعشق البلد نفسه فإن علاجه صعب جداً مقارنة بالآخرين.
حيث من يهوى الترحال وسبر الأغوار ومخر عُباب الأطلسي فإنه سيظل دائماً يعشق الاكتشاف والتجديد وإن طال به الغياب فوحده العاشق العاقل يدركُ مضاعفات الحَنين.
نحنُ ندرك تماماً كَمية الأوكسجين التي نحتاجها بمعدل طبيعي، لكننا لا نعرف كمية جرعة العشق لإن سحر المغرب المُباح أسرعُ وسيلة للإدمان، وليس أي إدمان بل هو الجُنون العاقل.
عرجتُ على تلك الأسواق العشوائية بنظرة سريعة خاطفة، باعة الخُضر في جهة والفواكه في جهة أخرى، وأنا بين ضفافهم أحاول مقاومة أمواج أصواتهم العاتية التي تحاول جذبك نحو تيار شراء حاجياتك منهم.
علاوةً على باعة الأسماك ( لم يسبق لي الشراء منهم) ولن اشتري ما حييت وكذلك الجزارين وبعض محلات الحلويات والمخابز الشعبية.
ولن ينسى الزائر هذا السوق أبداً، فإن هنالك أطفال مهنتهم بيع الأكياس البلاستيكية التي منعتها الدولة مؤخراً لأسباب بيئية حسب تعبيرهم.
أما الوضع بالسوق فهو آمن كثيراً كون الكُل منشغل في كسب قوت يومه، ولا يعني ذلك بالضرورة أن تحمل معك مبلغاً كبيراً أو تخرج هاتفك المحمول.
فأنت بين أفقر الأحياء في الدار البيضاء ووسط تكدس غير طبيعي ( غير المواسم) والعُطلات.
غالباً ما أخرج برفقة الحاج محمد أو أخي محمد وبطبيعة الحال هم لا يدعوني اخرج لوحدي حتى ولو أردتُ الخروج لمكان قريب.
فرط الخوف هذا جعلني أتمرد على القوانين والقيود، بالرغم من حبهم وخوفهم علي إلا إني أعرف تفاصيل هذه المدينة وتلك الأحياء.
شكراً لكرمهم وألف شكر لخوفهم علي بارك الله فيهم وفي كل ما يقدمونه لي.
بعد أن تنهي جولتك في السوق، سترى عالماً أخراً ينتظرك قُبيل غروب الشمس
حيث ذلك الزحام الغير معقول جداً في الطريق وتكدس المركبات، وشرطي يقيد العديد من المخالفات لأصحاب الدراجات النارية وبعض سائقي الأجرة.
وبين توسل وعراك صوتي بين الأطراف تكون الشمس راحت في غفوتها اليومية ليبدأ ستار المساء بالنزول تدريجياً.
ولا تعتقد بأنك ستشعرُ بالفرق !
كلا فالحي لا يهدأ ولا ينام حتى سويعات الفجر الأولى.
إنه مزيج رهيب وخليط عجيب، لن يعجبك الحال مبدئياً وتدريجياً ستجدُ نفسك أحببت الحَي ولو بنسبة ضئيلة أو رسخت لديك بعض أجزاء من الذكريات فيه.
لكني لا انصح السائح بزيارته خصوصاً في المساء.
لأن الحي لا تدخله الشرطة إلا نادراً بل لا يأتون إلا بعد أن يذهب أحدهم ليحضرهم.
أما عن الجمال في الحي، فالمساجد والجوامع كثيرة ومتعددة، وفي جهة من الحَي هنالك سوبر ماركت صغير أو لنقل "ميني ماركت" غالباً يُلبي بعض الحاجيات.
لكن من تجربة فإني افضل " مرجان" كونه يضم كافة ما ابحث عنه.
قد يتساءل البعض ما سر مكوثك في الحَي ، فأجيبه : منزلُ الأهل هُناك وبتُ مألوفاً على الجَميع واصبح الكُل كما يقول أحبتنا أهل مصر : يعظمون لي التحية !
سأخرجُ من النصوص الارتجالية والهذيان السابق وسأوضح لكم الآلية الخاصة ببرنامج الرحلة والمدن التي عرجتُ عليها وتكاليف السكن في تلك المدن وأسعار المطاعم.
أما الجدول فكان كالتالي:
1- الدار البيضاء
2- الرباط.
3- شاطئ بوزنيقة (شواء وسباحة).
4-سلا.
4-العودة إلى الدار البيضاء.
5-حد السوالم.
6-مراكش.
7-الصويرة.
8-سيدي كاوكي. - شاطئ جَميل وخلاب ومنطقة سياحية لا تبعد كثيراً عن الصويرة.
9-العودة إلى مراكش.
10-حد السوالم.
11-الدار البيضاء.
12- قضاء يوم كامل في شاطئ سيدي رحال.
13- الهروب مجدداً إلى ( اوريكا ) نواحي مراكش.
في هذهِ الرحلة الجَميلة استفدتُ كثيراً من تنوع الأماكن وكذلك تغيير العادات (السفرية) وكسر روتين الارتباط مع الأهل والأصدقاء.
مما حداني إلى الابتعاد عن مسببات الضجيج والصخب في المدن، فجعلتُ من ( سيدي كاوكي) ملاذاً لي بعد عروجي على كافة المدن الصاخبة وصومعةً لجمع الأفكار وصياغة سير الرحلة.
منطقة (سيدي كاوكي) جميلة وبسيطة ونظيفة أيضاً لا تبعد كثيراً عن الصويرة، ذات طابع تقليدي، حيث البحر والكثبان الذهبية التي تشكل ثنائياً رهيباً يجبرانك على المكوث في المنطقة أطول فترة ممكنة.
علاوةً على توافر الخدمات والمطاعم وخيارات السكن العديدة ووسائل الترفية.
* الصور مقتبسة
نظراً لعدم توافر ( الهارد دسك ) لدي بالعمل - سأضعُ الصور كلها - لاحقاً بمشيئة الله .
لم يسبق لي تجربة قيادة عربات الدفع الرباعي الصغيرة ( الميني جيب ) في المغرب إلا في هذهِ المنطقة، التناغم الجميل بين ترانيم المحيط و همسات الكثبان الرملية صنعت معزوفة يطرب لها الفؤاد وتبهجه.
وكلما تزايدت بي السرعة لمعانقة التفاصيل وجدتُ تلك الهمسات تتسارعُ في كسر زجاج الدهشة العالق في ذهني.
شيء لا يوصف هذهِ المنطقة البسيطة ، ورائحة الشواء كذلك أضفت لمسة خيالية على اللحظات البسيطة هناك.
سعر استئجار المركبة الصغيرة هو 300 درهم لنصف الساعة مع إمكانية الحجز لفترات أطول ولا أخفي عليكم بأن ( فليتها فل ) وقمت بالتمديد لساعات وبمعيتي الأهل.
أيضاً الأنشطة البحرية متوفرة كركوب الأمواج والطائرات الشراعية الصغيرة .