غابة الرميلات ، غابة الكلاوي ، غابة قصر بيرديكاريس ، لكن صفتها واحدة إنها الغابة التي تشكل اليوم المحمية الطبيعية الوحيدة في طنجة والرئة التي يتنفس منها سكان طنجة آخر أجوائهم النقية في وقت يكثر الإسمنت حول المدينة من كل جانب لكنها في كل الأحوال هي أجمل مفاخر طنجة الطبيعية ، ونافذة مشرعة نحو البحر ونحو العالم .
الذين يحبون سياحةن الطبيعة والبحر والتاريخ لن يجدوا أفضل من هذه الغابة إنه المكان الذي يجتمع فيه ما تفرق في غيره ، خضرة الطبيعة والأشجار ، وينابيع الماء الصافي ، وزرقة مضيق جبل طارق الذين يبدو كنهر خرافي وتاريخ مثير تلخصه أسطورة السفير الأمريكي بيرديكاريس والثائر الغامض الريسوني أو بريسول وأسم الكلاوي الذي ارتبط في أذهان المغاربة .
قصة القصر الموحش المهجور في وسط الغابة قصر بيرديكاريس الإبن في قرار مفاجئ قرر بيرديكاريس الإبن ، الهجرة من اليونان بشكل نهائي نحو طنجة هذه المدينة التي كانت تصيب عشاقها بالجنون في الماضي طبعاً بفضل سحرها الإستثنائي ، ومازالت إلى اليوم تصيب عشاقها بالجنون .
استقر بيرديكاريس الذي أصبح قنصلاً لأمريكا في طنجة مع زوجته الجميلة في غابة لم يكن أحد يجرؤ على دخولها وبنى قصراً فخماً وسط الغابة يطل على أوروبا عبر مضيق جبل طارق وهناك بدأت فصول مثيرة من تاريخ المغرب ، وطنجة على الخصوص .
الريسوني يختطف زوجة الملياردير في بداية القرن العشرين ، كان المغرب يعيش على بركان التمردات وبينما كان المتمرد بو حمارة يبسط سيطرته على مناطق واسعة من وسط المغرب ومنطقة شمال وشرق الريف ، كان مولاي أحمد الريسوني الحاكم شبه المطلق في مناطق جبيلة ولا شيء يقف في طريقه حتى أعتلى الدول الأوروبية .
كانت ثورة الريسوني في حاجة إلى الدعم والمال وكان قصر بيرديكاريس في بطن غابة موحشة صيداً مثالياً ، كان الملياردير الأمريكي - اليوناني يعتقد أن ماله وجنسيته وشهرته ستحميه من أي شيء ، وكان الريسوني لا يعترف بأي شيء من كل هذا ، لذلك وفي أحد أيام شهر ماي من سنة 1904 ، أغار الريسوني ومقاتلوه على غابة الرميلات وفي لمح البصر اختطفوا زوجة بيرديكاريس وابنه كرومويل ثم اختفوا وكأن الأرض ابتلعتهم.
كاد بيرديكاريس يصاب بالجنون بعد اختطاف زوجته التي كان يعشقها بصدق وطلب حماية السلطان عبدالعزيز لكن الريسوني أجمل شروط الإفراج عن الزوجة والإبن في أن يؤدي السلطان وبيرديكاريس 70 ألف قطعة ذهبية ، وأن يخرج أعوان السلطان من منطقة نفوذ الريسوني .
لكن الغريب هو أن زوجة الملياردير اليوناني استحلت الاختطاف وأعجبت بالريسوني إلى حد أنها قالت إن هذا الرجل ليس زعيم عصابة ولا قاطع طريق ، بل إنه مقاتل من أجل وطنه وكرامته وأنه يدافع عن قومه ضد الجبروت والطغيان .
ومن يشاهد الفيلم الشهير " العاصفة والأسد " الذي لعب فيه الممثل الإنجليزي الشهير سين كونوري دور الريسوني ، سيدرك سر ذلك التعاطف الكبير الذي أحست به المرأة المختطفة تجاه خاطفها وكيف كان يحميها كما لو كان يحمي زوجته وابنته ، ربما أحبته وأحبها وربما كان فقط ملتزماً بمبادئ الرجال النبلاء تجاه مخطوفيهم لكن القضية في البداية والنهاية هي أن المخطوفة تعاطفت مع خاطفها ولم تندم أبداً على أيام الأختطاف ، وربما تمنت أن تطول .
لم تنفع مع الريسوني كل تهديدات الأمريكيين والإنجليز ، وكان يواجههم بكثير من الكبرياء والأعتزاز بالنفس ، كان هذا الرجل الجبلي داهية ومرغ أنف دولتين كبيرتين في التراب وكان الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بنفسه معجباً بشجاعة الريسوني ، وكان يريد رأسه في النهاية .