مرحبا بكم في الحلقة الثانية من تقريرأمريكا الجنوبية على الدراجة الهوائية
الخريطة أدناه تمثل الطريق وأسماء المدن والأماكن التي غطتها الحلقة الأولى. وللتذكير فٱتجاه الرحلة كان من الجنوب الى الشمال. الخيمة والمنزل المرسومان بالأخضر يرمزان إلى نوع المبيت. الخيمة تعني أنني قضيت الليلة في الخيمة، وغالبا ما يكون ذلك في الخلاء، أما المنزل فيرمز إلى فندق عائلي في قرية أو مدينة. أما أيقونة الشرطي فترمز إلى الحدود الدولية.
[ATTACH=full]602266[/ATTACH]
أما الخريطتان التاليتان فيمثلان الحلقة الثانية والتي سأتعرض لها في هذا السرد. في الخريطة الأولى ترى الطريق ينطلق من پويرطو ناطالص، يمر على إل كلفاتي وينتهي بإل تشالتن، حيث تنتهي المرحلة التي أطلقت عليها إسم القفار والرياح العاتية. والخريطة الثانية تمثل العبور إلى الطريق الجنوبي في الشيلي (أو طريق رقم7) وهي تعتبر مرحلة انتقالية من مرحلة الرياح إلى مرحلة الأمطار.
[ATTACH=full]602267[/ATTACH]
[ATTACH=full]602268[/ATTACH]
أريد أيضا أن أذكر أن هذا التقرير لا يشتمل على المعلومات الأساسية التي عادة ما يحتاجها المسافر في سفره الأول. فمسرح هذه الرحلة يقع خارج الطريق المعهود والحافز هو تحدي المجهول والرغبة في احتضان الطبيعة والإستمتاع بالحرية والسلام في أحضانها. والتقرير عبارة عن وصف لشعوري وانطباعاتي الشخصية وأنا أعيش لحظات معينة من الرحلة.
عند عودتي من الرحلة ورواية القصة، كان كثير من الناس يسألونني لماذا أستمر في السير حتى في الظلام. ألم أكن بذلك أحرم نفسي بالإستمتاع بالمناظر الجميلة؟ لا شك أن هناك من القراء من يسأل نفس السؤال. جوابي: أولا انك إذا استمررت في السير ساعة أو ساعة ونصف في الظلام بسرعة الدراجة الهوائية فإنك لا تحرم نفسك من أي منظر جميل، لأنك حينما تستيقظ في الصباح الموالي ستصبح تقريبا على نفس المنظر الذي كنت تراه بالأمس قبل حلول الليل، لأنك لا تقود فِيرَّارِي وتتقدم ب 250 كلم في الساعة. ثانيا الليل يسحرني كثيرا بسكونه وأصواته، وأسراره وألغازه، وأشباحه وشجونه، ونجومه والقمر الساطع في سمائه، ولهذا فأنا أحب السير في جو الليل الساحر. ثالثا، أكره الإنطلاق في الصباح الباكر وكأنني ذاهب إلى العمل. لذلك فانطلاقي يكون متأخرا ووصولي متأخرا أيضا. رابعا، وهذا ينطبق خاصة على المناطق الآهلة حيث ينعدم الأمن، أنه يجب ألا تعطي الفرصة لذوي النوايا السيئة من المارين لظبط المكان الذي تقضي فيه ليلتك فيرجعون في الليل ليأذوك. هذه المناطق كما ترون خلاء وجد آمنة إلا أن الإلتزام بالحكمة شيء جميل. في معظم الأحيان أفضل البحث عن مكان لقضاء الليل تحت ستار الظلام فلا يراك أحد ولو كنت على أمتار قليلة من الطريق.
الحلقة الثانية.
7-1-2013
يوم استراحة في پويرطو نطالص Puerto Natales
خرجت في الصباح لأتجول في المدينة، وما إن مررت بالمحطة حتى بدأت تظهر لي بعض الملامح التي بدأت أتذكرها من زيارتي الأولى لهذه المدينة (1999). ولكن المدينة قد تغيرت كثيرا وأصبحت البنايات الجديدة في المدينة و ضواحيها تنافس القديمة. كذلك أصبحت المتاجر الكبيرة متوفرة. وقد أثار انتباهي كثرة المتاجر المتخصصة في المعدات السياحية. وهذا يدل علي الدور المهم الذي تلعبه السياحة في هذه المنطقة.
خلال جولتي كنت في نفس الوقت أبحث عن سوق السمك. الشيلي معروف بثروته السمكية. فطول ساحله يبلغ حوالي 5000 كلم. بالإضافة إلى ذلك فتربية الصلمون جعلته المُصدِّر الثاني لهذا النوع في العالم. وهذا ما كنت أريد شرائه: الصلمون. إلا أنني استغربت حينما قيل لي أنه ليس هناك سوق للسمك الطري. وللتأكد رجعت إلى المخيم وسألت المشرفة وهي تدير أيضا مطعما بجانب المخيم فأكدت لي ذلك. وقالت لي أن لديها صالمون مجمد في المطعم. فطلبت منها أن تبيع لي قطعة صغيرة للغذاء. دخلت المطعم وخرجت بوعاء فيه قطعتين. واحدة صغيرة بثمن دولارين وقطعة كبيرة يقترب وزنها الكِيلُو قالت أنها هدية من زوجها أَلْدُو! طبعا لم أكن أعرف ماذا أفعل بكل ذلك. فانا ليس عندي ثلاجة، أزد على ذلك فأنا سأغادر غدا ولم يكن عندي وقت لاستهلاك كل ذلك. لكن سرعان ما فكرت فاستدعيت جيراني في المخيم فنظمنا غذاء جماعيا.
وأنت تتجول في شوارع پويرطو نطالص تلاحظ أن المدينة تعج بالسياح. هذا لا يعني أن المدينة بالذات مدينة جميلة بمستوى أُوصْوَايَا أو فيها معالم سياحية مهمة. لكن شهرتها تكمن في اعتبارها قاعدة لتنظيم رحلات إلى المنتزهات الطبيعية الموجودة في المنطقة. وأهمها المنتزه الوطني الشهيرطورِّيصْ ذِلْ پاَيْنِ Torres del Paine الذي يبعد بحوالي 112 كلم عن المدينة. يعتبر هذا المنتزه من أجمل المنتزهات الطبيعية في جنوب أمريكا، ويمتد على مساحة قدرها 240000 هكتار. المعلمة المميزة لهذا المنتزه هي الأعمدة الغرانيطية التي تتربع كتاج طبيعي على قمة الجبل الذي يتوسطه. أما قمم الجبال فهي مغطاة بالثلوج الأزلية، وعلى سفوحها يتكدس الجليد ومنه تنحذر الجداول والشلالات فتكون بحيرات جميلة وأنهارا. أهم الحيوانات التي تعيش هناك هي اللاما غواناكو Llmama Guanaco، الويميل Huemel، الكوندور Condor والپوما Puma.
جل الناس يقصدون هذا المنتزه بهدف واحد ألا وهورحلات المشي (Trekking). تستقل الحافلة من پويرطو نطالص، وتتركك عند المدخل الشمالي للمنتزه. لا حاجة للقول أنه يجب أن تتوفر على كل معدات تريكين: الخيمة، كيس و حصيرة النوم، أحذية تريكين، طعام، جهاز ملاحة إلخ.. بمجرد الدخول للمنتزه تتفرع المسالك. وتجد على يسارك المسلك الذي يحيط بالجبل في شكل دائري ويستغرق إتمامه نحو أسبوع. أما المسلك الثاني والذي يمر بمحاذاة السفح الجنوبي للجبل فإنه يختصر الطريق بثلاثة أيام. يتوفر المنتزه على بعض الملاجئ الجبلية التي تتوفر على بعض الضروريات من طعام وسرير، ولكن الإعتماد على النفس أمر ضروري حيث أنك لا تعرف ما إذا كنت تصل إلى الملجئ في نهاية اليوم أم لا. أما حالة الجو فمعروفة بعدم الإستقرار، إذ تتناوب الفصول الأربعة في يوم واحد. تتنتهي الرحلة عند المدخل الجنوبي للمنتزه، وهناك تجد الحافلة في انتظارك للعودة إلى پويرطو نطالص.
لقد قمت بجولتي في هذا المنتزه في يناير 1999 وكانت جولة ممتعة، لذلك فأنا اليوم الشخص الوحيد في المخيم الذي لا يشمل برنامجه زيارة هذا المنتزه. أترككم إذن مع صور من العصر الورقي من رحلتي إلى طُورِّصْ ذِلْ پَايْنِ عام 1999
- المسلك الجبلي: ينطلق من الملجئ ويتبع سفح الجبل
[ATTACH=full]602269[/ATTACH]
- الرياح تعصف بماء البحيرة، فتحدث قوس قزح صغير
[ATTACH=full]602270[/ATTACH]
[ATTACH=full]602271[/ATTACH]
- آخر يوم في الرحلة. العودة إلى محطة الحافلة
[ATTACH=full]602272[/ATTACH]
18-1-2013
پويرطو نطالص Cerro Castillo - Puerto Natales مركز الحدود: 67 كلم
النوم في مكتب الشرطة
برنامج اليوم هو الإتجاه إلى الحدود للدخول إلى الارجنتين عبر صِيرُّو كَاصْتِيُو Cerro Castillo، ومن هناك التوجه إلى مدينة إِلْ كَلفَاتِي الواقعة على الضفة الجنوبية لبحيرة أَرْجِنْتِينو. المسافة الكاملة: 273 كلم. باستثناء 61 كلم إلى الحدود فالمنطقة كلها قفار لا ماء ولا شجر. إمكانية الحصول على الطعام والشراب محدودة: صِيرُّو كَاصْتِيُو، أي الحدود الشيلية، وفي قرية تَاپِي أَيْكِي. كذلك يمكن الإلتجاء في حالة الطوارئ إلى مزرعة كُنْتْشَا كَرِّيرَا Concha carrera بعد بضعة كيلومترات من المركز الحدودي الأرجنتيني. هناك أيضا بناية لمصلحة الطرق على بعد 65 كلم من طَاپِي أَيْكِي، وهناك مزرعة أخرى على سفح الهضبة التي تشرف على نهر صَانْطَا كْرُوسْ Santa Cruz. جل الطريق معبد باستثناء 10 كلم بين الحدود الدولية، و 65 كلم من طاپي أيكي Tapi aike إلى نقطة تقاطع الطرق 40 و 5. التضاريس على العموم مسطحة. وهذا يعني أنه إذا كان الجو جميلا فهي نعمة. أما إذا هبت الرياح وسقط المطر فنقمة. وخاصة الطريق الغير معبد بعد طاپي أيكي، فتربتها تتكون من الأوحال التي تلتصق بالعجلات وتعرقل دورانها..
هيأت الأكياس فركبت الدراجة وغادرت المدينة في اتجاه الشمال. كنت أسير على نفس الطريق الذي يؤدي إلى منتزه طورِّيصْ ذِيلْ پاَيْنِي وذلك حتى الوصول إلى الحدود أين يتفرق الطرق. إنه اليوم معبد بخلاف ما كان عليه سابقا. في منتصف الطريق كنت أرى على شمالي جبالا بعيدة وملامحا تشبه التاج الطبيعي الذي يعلو المنتزه، فلوحت له بيدي وأنا أتذكر المغامرة الرائعة التي عشتها هناك في 1999. وصلت الى مركز الحدود صيرو كاصتيو وكانت الشمس قد اقتربت من المغيب. بعد ختم الجواز اتجهت إلى المركز الحدودي الأرجنتيني عبر طريق غير معبدة (6 كلم). وبينما أنا بين الحدود أحسست أنه قد حان وقت الأكل فوقفت للإستراحة. بعد الأكل وشرب القهوة استأنفت السير إلى مركز الحدود الأرجنتيني. حينما وصلت هناك وجدت شرطيين في بذلة النوم ينتظران خارج المكتب، وما إن رآني أحدهما حتي بادر بتقديم مرتبته وإسمه وأضاف أهلا وسهلا، لماذا تأخرت هكذا فأجبته لقد انطلقت من پويرطو ناطالص عند الظهيرة وكما ترى فالدراجة بطيئة شيئا ما فأردف لا..لا.. أقصد من الحدود الشيلية إلى هنا. لقد كنا ننتظرك وكنا قلقين من هنا استنتجت أن هناك نوع من التنسيق بين المركزين الشيلي والأرجنتيني. إذ كيف يمكن أن ينتظرونني إذا لم يعرفوا أنني قد مررت على المركز الشيلي؟ أجبتٱه.. لقد وصلت إلى مكان فوق الهضبة فوقفت لإعداد العشاء وشرب القهوة واسترحت قليلا فقال ولكن الآن وقد مرت العاشرة فالمكتب مغلق ولا أعرف ما إذا كان المدير سيسمح لك بالدخول.. هيا.. هيا معنا لنحاول لكن لم أكن في حاجة إلى الدخول للأرجنتين حتى ولو سمحوا لي بذلك، فهذا وقت الإستراحة الليلية، وهذا مكان مناسب لقضاء الليلة. بالفعل فقد رفض المدير ختم الجواز. فقال لي الشرطي هيا معي هيا معي.. سأفتح لك باب المكتب القديم وهناك يمكن أن تبيت الليلة ففكرت: جيد.. جيد! فهذا يوفر عناء إعداد الخيمة. دخلت المكتب القديم، وكان بطبيعة الحال المكان الذي ختمت فيه جوازي حينما مررت من هنا قبل 14 عاما. من كان يظن أنذاك أنه سيأتي يوم فيتحول فيه إلى بيتي! وفي الأخير تمنى لي ليلة سعيدة وأضاف هل تحتاج إلى شيء؟ هل لديك ماء ساخن؟ (الأرجنتينيون لا يفارقهم تِيرْمُو مليء بالماء الساخن لإعداد شراب المَاتِي).
- مغادرة پورطو نطالص
[ATTACH=full]602273[/ATTACH]
-الطريق 9 إلى مركز الحدود صِيرُّو كَاسْتِيُو وإلى منتزه طُورِّصْ ذِلْ پَايْنِ
[ATTACH=full]602274[/ATTACH]
- قطعان الماشية أينما نظرت
[ATTACH=full]602275[/ATTACH]
- ملجأ الباص و مزرعة في عمق الصورة
[ATTACH=full]602276[/ATTACH]
-في اتجاه المركز الحدودي الأرجنتيني
[ATTACH=full]602277[/ATTACH]
- التفاتة إلى الوراء إلى المركز الحدودي الشيلي صيرو كاستيو[ATTACH=full]602278[/ATTACH]
19-1-2013
الحدود - نقطة تقاطع طريق 40 و 5: 110 كلم
الشمس والحر ولا ماء ولا شجر
استيقظت من النوم على الساعة التاسعة والربع. فتحت الباب وألقيت نظرة على الطريق وكانت الحركة منعدمة. بعد الفطور وبينما كنت أضع أمتعتي على الدراجة استعدادا للإنطلاق، رأيت حافلة تأتي من الأرجنتين وتقف عند الحاجز فينزل منها الركاب ويتجهون نحو المكتب. هذا يعني أن الصف سيكون طويلا! لكن حينما دخلت لدوري ناداني شرطي الأمس أن أتقدم للشباك وطلب مني جوازي، وفي دقائق معدودة أعاده لي وهو مختوم فانطلقت. بعد بضعة كيلومترات وقفت عندي سيارة فسألني صاحبها من أين أتيت وأين أقصد، فدعاني لشرب القهوة. فلما سألته أين، فأجاب هناك ..في تلك المزرعة إنها المزرعة المعروفة كُونْتْشَا كَارِّيرَا، وهي معروفة بتقديمها المساعدة للدراجين في حالة الطوارئ. لو كان الوقت المساء، لما ترددت في قبول الدعوة. لكن فقد كنت في بداية المشوار، ووقت الإستراحة لم يكن قد حان بعد. وبعد نحو 4 كلم من المركز الحدودي كنت قد وصلت إلى الطريق رقم 40 وبذلك كنت قد عدت إلى الأسفلت.
كان الجو جميلا لا رياح ولا مطر. لكن المبالغة في الجمال تؤدي إلى العكس فقد كوتني الشمس كيا. الظل منعدم تماما فلا شجر ولا مرتفع يمكن أن تحتمي به من الشمس. حان وقت الأكل فكنت أعد الغذاء تحت أشعة الشمس المحرقة. وصلت إلى محطة البنزين بطَاپِي أَيْكِي. حييت أحد العمال هناك وقصدت مباشرة الظل وراء حائط المتجر فاستلقيت على ظهري لأستريح كما ينبغي. لكن صاحب المتجر أتى إلي مذعورا يسأل: هل كل شيء بخير؟ هل تريد ماء؟ فطمأنته فقلت أنني محتاج فقط إلى قليل من الظل.
بعد ذلك، انظم إلي الرجلان فجلسنا نتحدث عن الحياة في طَاپِي أَيْكِي ورحلات الدراجات. فالقرية صغيرة تقع وسط القفار وتتكون من 19 نسمة لكن موقعها استراتيجي في ملتقى الطرق، وفي الصيف يتوقف هنا كل دراج قاصدا أو آتيا من الجنوب فيحكي لهم عن مغامرته، وهم الآن موسوعة يعرفون كثيرا من قصص الدراجين. حينما أحسست أن حر الشمس قد نقص، ودعت العاملين وركبت الدراجة فانطلقت. هنا أكون قد شرعت في السير على طريق غير معبد وطوله 65 كلم. إلا أن حالته أسوأ بالمقارنة مع تجربتي الأولى مع الطرق الغير معبد، أي الطريق إلى پوربنير، حيث أن الحصى هنا رخو في عدة أماكن ويتطلب جهدا كبيرا.
وبعد المغرب بقليل كنت أنظر أمامي فأرى من حين لآخر ضوء سيارة يتحرك بسرعة، فٱستنتجت أنني كنت على وشك الوصول إلى نقطة التقاطع مع الطريق المعبد رقم 5. فقررت أن تكون هنا نهاية رحلة هذا اليوم. فكان ما كان فأعددت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.
-الطريق إلى إِلْ كَلَفَاتِي
[ATTACH=full]602279[/ATTACH]
20-1-2013
نقطة تقاطع 40 و 5 - مكان قرب El calafate إِلْ كَلَفَاتِي: 82 كلم1000 كلم على الدراجة الهوائية
بعد الفطور، استأنفت الطريق حتى وصلت إلى نقطة التقاطع مع الطريق رقم 5 . وهناك كانت بناية تابعة لمصلحة الطرق. كان احتياطي من الماء على وشك النفاذ فاستأذنت أحد العمال وملأت القنينات من جديد وواصلت الطريق. كان الجو حارا كيوم أمس وكان الطريق يطلع ولكن بدراجات صغيرة لم أكن أحس بها. وبعد 30 كلم كنت قد اعتليت الهضبة التي تشرف على وادي صَانْطَا كْرُوسْ Santa Cruz ومن هناك كنت أرى أيضا بحيرة أَرْخِنْتِينُوLago Argentino أين تقع مدينة إل كلفاتي. بعد استراحة فوق الهضبة، شرعت في النزول: 9 كلم بدون أي جهد!
وصلت إلى نهر بوتي فألقيت نظرة على العداد وكان يقترب من تسجيل الألفية الأولى. وحين سُجل الرقم وقفت قليلا لأحتفل. وكان الإحتفال عبارة عن رقصة لبضعة ثواني وطواف للدراجة ثم الركوب من جديد لمواصلة الطريق. 1000 كلم في 16 يوما، منها 5 أيام استراحة. سرعان ما بدأت بمراجعة خريطة الطريق. ففي ضوء هذه النتيجة يمكن أن أصل إلى هدف أبعد مما حددته في المخطط الأولي. لكن استدركت ففكرت: تمهل..تمهل..تمهل! فالنجاح في الماضي لا يضمن النجاح في المستقبل. والطريق أمامي ليس هو نفس الطريق الذي تركته ورائي. فقريبا ستأتي المرتفعات ولا أعرف كيف سأتصرف معها.
كان الليل قد أسدل ستاره حينما وصلت إلى مفترق الطرق الذي يتفرع منه الطريق المؤدي إلى مطار إل كلفاتي El calafate. هناك وجدت مكانا مناسبا للتخييم. فأعددت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.
- من على مشارف نهر صَانْطَا كْرُوسْ وبحيرة أَرْخِنْتِنُو[ATTACH=full]602280[/ATTACH]
[ATTACH=full]602281[/ATTACH]
- توثيق الألفية الأولى
[ATTACH=full]602282[/ATTACH]
- سحب من النار في سماء إِلْ كَلَفَاتِي
[ATTACH=full]602283[/ATTACH]
21-1-2013
مكان قرب إِلْ كَلَفَاتِي El calafate - مدينة إِلْ كَلَفَاتِي: 14 كلم
إِلْ كَلَفَاتِي: قاعدة لزيارة النهر الجليدي Perito Moreno پِيرِيطُو مُورِينُو
استأنفت الكيلومترات المتبقية إلى إِلْ كَلَفَاتِي، وحين دخلت المدينة، واعتمادا على الذاكرة، بدأت أبحث عن الطريق إلى المخيم الذي أقمت فيه عام 1999. إنه يقع على ضفتي واد Calafate كَلَفَاتِي الذي يخترق المدينة من الجنوب إلى الشمال وبهذا يسهل وجوده. فعلا فقد وجدته بسرعة، لكن مكاني القديم كان محجوزا فٱخترت مكانا في جناح آخر. الأرجنتينيون شعب يحب التخييم، فالمخيمات كثيرة في هذا البلد وفي فصل الصيف تكون دائما مكتضة.
وإِلْ كَلَفَاتِي ليست مكتظة بالأرجنتينيين فقط، بل هي أيضا محج لكثير من السياح الأجانب، وذلك لتواجد أحد المعالم الطبيعية المهمة بالمنطقة، ألا وهو النهر الجليدي پِيرِيطُو مُورِينُو. يقع هذا النهر على بعد 80 كلم غرب المدينة، ومصدره هو الثلوج المتراكمة على الجبال والتي تحولت على مدار ملايين السنين إلى حقول جليدية تمتد لمئات الكيلومترات. بفعل الظغط الذي يولده هذا التراكم تتكون سيول جليدية هائلة تتحرك ببطئ في إتجاه البحيرات. يبلغ ارتفاع پِيرِيطُو مُورِينُو Perito moreno حوالي 60 متر، ومن حين لآخر ترى قطعة جليد هائلة تنفصل عن السيل وتسقط في البحيرة فتحدث دويا تسمع صداه يتردد بين الجبال المحيطة به. في 1999 قظيت ثلاثة أيام مخيما على بعد 6 كلم من مقدمة النهر، فكنت أستمتع بهذا الدوي الذي كان يخترق السكون فيظفي على الليل وسحر الخلاء بعدا روحانيا. كنت أريد هذه المرة أن أعود إلى هناك لعيش هذه التجربة من جديد. لكن قيل لي أنه لا يسمح بالتخييم هناك فعدلت عن الفكرة.
في مخيم إِلْ كَلَفَاتِي قضيت بعض الوقت جالسا حول مائدة بالقرب من الخيمة أكتب مذكراتي على صوت رقرقة ماء النهر كلفاتي الذي يمر بوسط المخيم. من حين لآخر كنت أتجول ببصري عبر أرجاء المخيم لأتابع حركة الناس وهم ينتقلون من ضفة إلى أخرى عبر القناطر الصغيرة، فرأيت خيمة في الجناح الشمالي من المخيم وأمامها كان يجلس شابان مشغولان بالكتابة مثلي، وبجانبهما دراجتان من نوع دراجات السفر. فكرت: وأخيرا وجدت رفقاء التجربة! اتجهت إليهم للتعارف فقالا أنهما من البرازيل، وأنهما في نهاية رحلتهما التي بدآها في پْوِيرْطُو مُونْطْ Puerto Montt في وسط الشيلي واتجها جنوبا عبر الطريق الجنوبي. في المساء انظمت إلينا مجموعة من الأرجنتينيين فأعددنا أكلة مشتركة.
صور من من العصر الورقي. رحلتي لنهر الجليد (80 كلم من إِلْ كَلَفَاتِي)عام 1999.
[ATTACH=full]602284[/ATTACH]
[ATTACH=full]602285[/ATTACH]
العلو: 60 متر
[ATTACH=full]602286[/ATTACH]
22-1-2013
يوم استراحة في إِلْ كَلَفَاتِي
مراقبة وصيانة الدراجة
ما أثار انتباهي هو التغيير الكبير الذي حصل في المدينة. ففي 1999 كان عدد السياح قليلا. ففي التسعينيات من القرن الماضي وبفعل سياسة اقتصادية تمحورت حول ربط العملة المحلية بالدولار بسعر واحد لواحد، أصبحت الأرجنتين أغلى بلد في المنطقة وأصبح السياح الأجانب يتفادونها. أما الارجنتينيون فكان قسط منهم في أزمة لا يستطيعون السفر، بينما كان الميسورون يفضلون السفر إلى دول أروپا و أمريكا التى أصبحت آنذاك في متناول يدهم بفعل بفعل ارتفاع سعر الپيصو. كنت أنا كذلك في ذلك الحين أشكو من الغلاء في هذا البلد وأتعجل بالمرور إلى الشيلي حيث كان كل شيء أرخص. أما الآن فالأثمان هنا مناسبة والمتاجر والمقاهي والمطاعم كثيرة.
بعد الظهيرة خصصت جزء من الوقت للدراجة، فبعد 1000 كلم جاء دور المراقبة والصيانة. كان كل شيء على ما يرام، فاكتفيت بالتنظيف والتزييت. وفي المساء انظم إلينا أيضا دراجان أمريكيان وهما في طريقهما إلى أُصْوَيَا. كانوا يخططون للوصول إلى هناك عبر مسالك جبلية وعرة ولكن قد تختصر الطريق ببضعة مئات الكيلومترات ويتجنبان بذلك الطرق المسطحة التي تمتد إلى اللانهاية.
- صور للشارع الرئيسي
[ATTACH=full]602287[/ATTACH]
[ATTACH=full]602288[/ATTACH]
[ATTACH=full]797781[/ATTACH]
23-1-2013
إِلْ كَلَفَاتِي Lago Viedma-El calafate بحيرة بْيِيذْمَا: 115 كلم
هاجس السيولة
عند منتصف النهار كنت أجمع وأرتب أمتعتي استعدادا لمغادرة إِلْ كَلَفَاتِي. وكانت وجهتي هي إِلْ تْشَالْتِنْ (213 كلم)، أين أتوقع الوصول في ظرف يومين أو ثلاثة أيام. بٱستثناء فندق لاَ لِيُونَا شرق بحيرة بْيِيذْمَا وبعض المزارع قرب إِلْ تْشَالْتِنْ El Chalten، فلا يوجد هناك اي عمران على طول الطريق. لهذا فيجب أن أحمل من الطعام والشراب ما يكفي لهذه المدة. لكن الهاجس الكبير في هذه المرحلة هو الهاجس المالي. إلى حد الآن كنت أمر بمدن كبيرة يسهل فيها الحصول على النقود من الشبابيك الأوتماتيكية. أما من هنا وعلى طول الطريق الجنوبي في الشيلي (+1500 كلم) فتقل المدن الكبيرة، وحسب معلوماتي فهناك مدينتين تتوفر على بنوك، وهما كُوكْرَانِي و كُويَايْكِي. ومن الناحية الأمنية، ففي رحلة بالدراجة لا يجب حمل كثير من السيولة. لقد أكد لي البرازيليان والأمريكيان وجود شباك واحد في إِلْ تْشَالْتِنْ. لكن ما العمل إذا أصيب هذا بعطب عند وصولي؟ وهل سيقبل بطاقاتي؟ الحكمة تقول أنه لا يجب الإعتماد على خيار واحد. كان لدي احتياطي من العملة الشيلية سحبته أثناء إقامتي في پْوِيرْطُو نَطَالِصْ ويمكن أن يوصلني إلى كُوكْرَانِي. لكن الإحتياطي يجب أن يحتفظ به لوقت الإحتياط. ثم أن هناك بحيرتان للعبور وثمن التذكرة مرتفع جدا. خلاصة القول هي أن هذه المرحلة تتطلب إنشاء صندوق احتياطي إضافي. وما دامت الحالة الأمنية جيدة فلا بأس. ذهبت إلى البنك فسحبت ما احتجت إليه، ثم مررت بسوپيرماركت وعدت بأكياس ثقيلة إلى المخيم. وبينما كنت أعد الأكل للطريق رأيت الشابين الأمريكيين يعودان من جولة حول المدينة. دردشنا بعض الوقت ثم تودعنا فانطلقت. في الشارع الرئيسي التقيت بالشابين البرازيليان وهم عائدان من رحلة إلى النهر الجليدي پِرِيطُو مُورِينُو فصاح وَالْتِرْ صديقي! جاهز للإنطلاق فأجبته تماما تماما.. وكيف كانت رحلتكم دردشنا قليلا فتودعنا وانصرف كل واحد إلى حاله.
خرجت من المدينة فرجعت مع نفس الطريق الذي أتيت منه قبل يومين وذلك لحوالي 32 كلم حتى التقيت من جديد بنقطة التقاطع مع الطريق رقم 40. إلى هنا كنت أتجه شرقًا وكانت الرياح تدفعني بقوة إلى الأمام فوصلت هناك في وقت وجيز. التقيت بشابين من كولومبيا يسيران في الإتجاه المعاكس، فكانا في مصارعة ضارية ضد الرياح. دردشنا قليلا فاستأنف كل منا طريقه. وعند نقطة التقاطع انعرج طريقي إلى الشمال الغربي، فأصبحت أواجه رياحا جانبية، ولكنها لم تؤثر كثيرا على إنجازي.
وصلت إلى الضفة الشرقية لبحيرة بييذما وكان الليل قد أسدل الستار. كنت أسلط الضوء على الطريق فلا أرى إلا الخطوط البيضاء تمتد في الظلام إلى اللانهاية. فجأة رأيت نقطتين بيضاء تتوسطان الطريق على بعد بضعة مئات أمتار. فاستنتجت أن ذلك ما هو إلا طلاء أبيض أسقطه هناك العمال حينما كانوا يطلون جنبات الطريق. لكن فجأة اختفت النقطتان لتظهرا من جديد بعد مدة وجيزة ولكن على جانب الطريق وخارج الخطوط البيضاء. ثم اختفت من جديد لتظهر في مكان آخر! هي إذن عيني حيوان! فكرت: هل حان الوقت للقاء الپُومَا أحكمت القبضة على القضيب الحديدي الذي أتسلح به في حالات الخوف كهذه وتقدمت إلى الأمام. ولما وصلت إلي ذلك المكان فاجأني ضباح ثعلب يأتي من جانب الطريق. فانشرحت وتبدد الخوف فصحت إليه أهذا هو أنت صديقي الثعلب، رفيق الطريق والغريب أنه كان يتبعني من على جانب الطريق ويضبح في اتجاهي، بينما كل الثعالب التي رأيتها لحد الآن كانوا يهربون بمجرد رؤيتي. فاستنتجت أنها أنثى لها صغار في مكان قريب، وهي الآن بهذا السلوك تحاول الدفاع عن مجالها. تخلصت من الثعلب وكان العداد يسجل 105 كلم فوقفت لاستراحة الليل والإستسلام للنوم العميق
- العودة إلى الطريق والقفار
[ATTACH=full]602289[/ATTACH]
ـ منبع نهر صَانْطَا كْرُوسْ Santa Cruz (بحيرة أرخنتينو Lago Argentino)
[ATTACH=full]602290[/ATTACH]
- منبع نهر لاَ لِيُونَا La Leona (بحيرة أَرْخِنْتِينُو)
[ATTACH=full]602291[/ATTACH]
ـ التفاتة إلى الوراء: إل كلفاتي على ضفة بحيرة أرخنتينو [ATTACH=full]602292[/ATTACH]
-القمر الساطع والنجوم المتلألئة في سماء پَاتَاغُونْيَا عند مصب نهر لا ليونا (بحيرة بْيِيذْمَا Viedma)
[ATTACH=full]602293[/ATTACH]
24-1-2013
بحيرة بْيِيذْمَاViedma - مكان قرب El Chalten إِلْ تْشَالْتِنْ: 86 كلم
آخر يوم في قفار پَاتَاغُونْيَا
واصلت السير في الطريق رقم 40 على الضفة الشرقية لبحيرة بييذما متجها إلى نقطة التقاطع مع طريق رقم 23 التي تتجه إلى إِلْ تْشَالْتِنْ. كانت الرياح في صالحي. لكن بعد نقطة التقاطع اتجهت إلى الغرب وأصبحت وجها لوجه مع الرياح. كانت قوتها متوسطة لا تتطلب جهدا كبيرا لمصارعتها. لكن ما أضجرني هو صوتها. ليوم كامل لا تسمع إلا صوت واحد ومستمر: بْبْبْبْبْبْبْبْبْبْبْبْبْ...فكيف لا يصيبك الضجر؟ أصبحت أذناي لا تطيق هذا الصوت، فالتجأت إلى حقيبة الحلول، فأخذت سدادات الأذنين فأغلقت بهما أذناي فكانت نعمة
وبعد ذلك التقيت بزوج ألماني في الطريق إلى أُوصْوَايَا فحصلت دردشة قصيرة بيننا لتبادل المعلومات حول الطريق. كنت أفكر في مرحلة ما بعد إِلْ تْشَالْتِنْ التي تبدأ باجتياز الحدود إلى الشيلي عبر مسلك جبلي وعر. وكنت أريد معرفة كل شيء عن ذلك المسلك. فقلت لقد قيل لي أن ذلك المسلك صعب شيء ما فرد الرجل: شيء ما؟ إنه لفي منتهى الصعوبة! فكن على استعداد! وخاصة فى حالتك، فالمرحلة الشاقة من المسلك ستجتازها صعودا، وستطلب منك مجهودا أكثر مما تطلبته منا ثم تودعنا واستأنف كل طريقه
مررت بصخرة كبيرة على جانب الطريق فوقفت للاستراحة القهوة. كنت قد أوقفت الدراجة على جانب الطريق وفجأة رأيتها تسقط على الأرض. ظننت أنه فعل الرياح، ولما تفحصتها رأيت أن رِجْلها أو بالأحرى البراغي التي تربط الرجل بالإطار قد تكسرت. لم أستغرب هذا الحادث فخلال تداريبي الأولى على هذه الدراجة كنت راضيا على كل شيء ما عدا هذا الرِّجْل. فقد كان مربوطا بالإطار بواسطة برغيين إثنين فقط وفي شكل أفقي. وهذا تصميم ضعيف، فقد كان يجب استعمال ثلاثة براغي في شكل مثلث ليكون الرجل أقوى على تحمل الظغط. والطامة الكبرى هي أنني وجدت عندي براغي احتياطية لكل الأجزاء ما عدا الرجل! أتمنى أن أجد في إِلْ تْشَلْتِنْ ما أحل به هذا المشكل!
لم أكن اليوم محتاجا لبوصلة أو جهاز ملاحة لتحديد اتجاهي فمنذ الصباح وأنا أرى قمة جبل فِيتْزْ رُويْ أمامي ومقصدي، أي بلدة إِلْ تْشَالْتِنْ، تقع عند قدمه. إنه واحد من أجمل المناظر في هذه المنطقة وتزداد عظمته كل ما ازداد الإقتراب إليه. لكن المساء لم يكن الوقت المثالي لأخذ الصور حيث كانت الشمس تغرب ورائه وتجعلني أصور جهة الظل. فقررت الوقوف لآستراحة الليل قبل إِلْ تْشَالْتِن وأستأنف طريقي غدا في الصباح حينما تكون الشمس تسلط أشعتها على الجهة الأمامية للجبل
- محدثكم، وفي العمق جبل فِيتْزْ رُويْ
[ATTACH=full]602294[/ATTACH]
- طرق بلا نهاية
[ATTACH=full]602295[/ATTACH]
[ATTACH=full]602296[/ATTACH]
- الغطاء النباتي السائد في پتاغونيا
[ATTACH=full]602297[/ATTACH]
[ATTACH=full]602298[/ATTACH]
[ATTACH=full]602299[/ATTACH]
- مزرعة عند قدم فيتز روي
[ATTACH=full]602300[/ATTACH]
25-1-2013
مكان قرب إِلْ تْشَالْتِنْ - El chalten إِلْ تْشَالْتِنْ: 14 كلم
روعة جبل Fitz Roy فِيتْزْ رُويْ
كانت الكيلومترات التي قطعتها هذا الصباح للوصول إلى إِلْ تْشْالْتِنْ ذروة هذه المرحلة. كان المنظر من أروع اللوحات الطبيعية. هاهو إذن جبل فِيتْزْ رُويْ يقف شامخا بقمته الحادة، وحوله قمم أخرى بنفس الحدة والثلوج الأزلية تكسو جنباتها ببياض ناصع. كان الجو جميلا وكانت الشمس تسلط ضوئها على الجبل، وتجعل اللحظة جاهزة لأخذ أجمل الصور.
وصلت إلى إِلْ تْشَالْتِنْ وكنت بذلك قد اختتمت مرحلة القفار والرياح العاتية. فيما يخص القفار، فخلال هذه المرحلة، وعبر مسافة تزيد عن 1200 كلم، ما كنت أرى إلا قفارا في قفار. أما بالنسبة للرياح العاتية فلقد كان حظي سعيدا. إذ أن الرياح التي صادفتها كانت متوسطة بالمقارنة مع تجربتي في عام 1999 وبعض التقارير التي قرأتها عن المنطقة. دخلت البلدة فاتجهت إلى مخيم على الشارع الرئيسي المؤدي إلى بحيرة الصحراء، فكان مخيما جميلا وهناك حطيت رحالي.
إِلْ تْشَالْتِنْ، وكمثيلتها إِلْ كَلَفَاتِي، مدينة سياحية بالدرجة الأولي وشوارعها تعج بالسياح الأجانب والمحليين. إلا أنه، وبعكس إل كلفاتي أين ترى العائلات والأطفال بكثرة، فجل السياح هنا شباب. وهذا يدل على اختلاف الأنشطة السياحية بين المنطقتين. فمن يزور إل كلفاتي قصده هو رؤية النهر الجليدي پِيرِيطُو مُورِينُو. أما إل تشالتن فأغلب من يقصدها هم من ممارسي تسلق الجبال.
محدثكم على مشارف إِلْ تْشَلْتِنْ
[ATTACH=full]602301[/ATTACH]
[ATTACH=full]602302[/ATTACH]
26-1-2013
يوم استراحة في إِلْ تْشَالْتِنْ
التخطيط للعبور إلى الشيلي
كنت أتمنى أن ألتقي بدراجين في المخيم للإستخبار عن أحوال المسلك الجبلي الذي سأمر به غدا أثناء رحلة العبور إلى الشيلي. فهذا اليوم مخصص لوضع النقاط على الحروف. المشكل هو أنه ليس هناك طريق عادي يربط إِلْ تْشَالْتِنْ بالطريق الجنوبي في الشيلي والذي يبتدأ قرب بلدة بِييَا أْوهِغِنْ. فذوي السيارات والدراجات النارية الذين يريدون زيارة هذه البلدة انطلاقا من إِلْ تْشَلْتِنْ عليهم الإتجاه شمالا حتى الوصول إلى لُوصْ أَنْتِيغْوُوصْ، ثم الدخول إلى الشيلى عبر بلدة تْشِيلِي تْشِيكُو ومن هناك الإتجاه جنوبا حتى الوصول إلى بِييَا أُوهِغِنْ. وهذا يتطلب دوران تصل مسافته إلى ما ييزيد عن 1000 كلم. أما العبور عن طريق المسلك الجبلي فإنه يختصر المسافة إلى حوالي 60 كلم بالإضافة إلى عبور بحيرتين. وهذا امتياز خاص لذوي الدواب والراجلين والدراجين.
تتنطلق الرحلة من إِلْ تْشَالْتِنْ فتتبع الطريق المتجه شمالا الى بحيرة الصحراء. وهو طريق غير معبد وطوله 38 كلم. وعند الوصول إلى بحيرة الصحراء تستقل مركبا للعبور إلى الضفة الشمالية للبحيرة أين يوجد المركز الحدودي الأرجنتيني. ويقوم المركب برحلتين يوميا: واحدة في الصباح وأخرى في المساء، ويستغرق العبور 45 دقيقة. وعند الضفة الشمالية للبحيرة يبدأ المسلك الجبلي، وهو طريق دواب طوله حوالي 23 كلم ويستعمله السكان المحليون للتواصل. يمكن أن نقسم المسلك إلى شطرين. الأول ينطلق من مركز الحدود فيطلع حتى يصل إلى قمة الجبل أين توجد علامة الحدود الدولية، وهو مسلك ضيق ووعر. الشطر الثاني يبدأ من قمة الجبل وينزل إلى أن يصل المركز الحدودي الشيلي على الضفة الجنوبية لبحيرة أُوهِغِنْ. من هناك ينطلق مركب آخر للعبور إلى الضفة الشمالية للبحيرة. لكن عدد الرحلات يقتصر عن رحلة واحدة كل يومين لهذا فيجب إعداد مخطط عبور موزع على يومين: اليوم الأول يشمل الإنطلاق إلى بحيرة الصحراء وعبورها ثم طلوع المسلك الجبلي. اليوم الثاني يشمل النزول إلى بحيرة أُوهِغِينْ والعبور إلى الضفة الشمالية.
ذهبت إلى إحدي وكالات السفر لأشتري تذكرة لعبور البحيرة الأولى ووجدت أنه يبيع أيضا تذاكر للبحيرة المتواجدة على التراب الشيلي. الأولى بثمن 25 دولار والثانية بحوالي 80 دولار. إنها أثمان مرتفعة وخاصة الأخير. لكن ما العمل فليس هناك خيار ثاني، ولست مستعدا للسباحة وحمل الدراجة على ظهري. دفعت الثمن بالفيزا واحتفظت بالسيولة.
ـ مناظر من إِلْ تْشَلْتِن
[ATTACH=full]602303[/ATTACH]
[ATTACH=full]602304[/ATTACH]
[ATTACH=full]602305[/ATTACH]
[ATTACH=full]602306[/ATTACH]
27-1-2013
إِلْ تْشَالْتِنْ El chalten - بحيرة الصحراء Lago del Desierto- المسلك الجبلي: 38+17 كلم
الإنتقال إلى الشيلي والجبال والماء والغابات
كان انطلاقي إلى بحيرة الصحراء للعبور إلى الشيلي انطلاقا متأخرا. لم أكن أنوي عبور البحيرة في رحلة الصباح. فبعد الفطور أعددت وجبة للطريق ثم انطلقت وكانت الساعة تقترب من الزوال. كنت أفكر في العبور في رحلة الساعة الخامسة، فأصل إلى الضفة الشمالية بعد 45 دقيقة فيكون ما يزال لدي أربع ساعات لاجتياز المسلك الجبلي في ضوء النهار.
لكم كانت المناظر جميلة! أينما نظرت إلا وأرى الجبال الشاهقة، والثلوج الناصعة، والأنهار الجارية والغابات الخضراء. إنه اختلاف كبير بالمقارنة مع القفار التي مررت بها منذ بداية الرحلة إلى الآن. ونظرا لتواجد الماء في كل مكان فإنه لا حاجة لحمل كمية احتياطية كبيرة. لكن ما عكر المتعة هو تذبذب الدراجة بسبب سوء حالة الطريق، فالتجأت إلى إخراج شيء من الهواء من الإطارات، فأصبحت ثقيلة شيء ما ولكن قليلة التذبذب.
عند وصولي إلى بحيرة الصحراء أخبرت أن المركب سينطلق مع السادسة وليس الخامسة. فقلت لا بأس فأنا في إجازة والمنظر جميل. بالفعل فعند السادسة كان المركب قد انطلق وكانت المناظر ساحرة. وصلنا إلى الضفة الشمالية فنزلنا واتجهت إلى مركز الحدود. سلمت الجواز لشرطي وبعد ختمه قال لي لعلك تنوي قضاء الليل هنا والإستمرار غدا إلى الشيلي؟ هناك على ضفة البحيرة مكان جميل للتخييم ثم قاطعته لالا.. فأنا عازم على الإستمرار حالا أدار رأسه إلى اليمين وألقى نظرة على ساعة معلقة على الحائط، ثم نظر إلي وقال مايزال لديك ثلاث ساعات من ضوء النهار وإذا شرعت الآن في الطلوع فسيدركك الليل في قمة الجبل عند علامة الحدود الدولية، وهناك يمكن أن تقضي الليلة وتستمر غدا في الصباح.. فكرة جيدة! إتبعني فأرشدك إلى المسلك فتبعته إلى ساحة وراء المركز، فأشار بيده إلى مرتفع عند نهاية الساحة وقال: هناك..تلك هي بداية المسلك.. أتمنى لك التوفيق ذعرت حينما رأيت ذلك المسلك وهو يطلع عموديا إلى فوق فقلتإن هذا مسلك للماعز ولا يصلح بتاتا للدراجة! ضحك الشرطي وقال: هناك خيار ثاني أسهل من هذا فسألت بشغف وما هو فر العودة إلى إِلْ تْشَالْتِنْ، بيع الدراجة واستأناف الرحلة بوسيلة أخرى هاهاهاها فقلت له دعني أفكر في هذا الخيار حينما أصل إلى قمة الجبل، وحين يكون الرجوع مستحيل ودعت الشرطي واتجهت إلى المسلك
طبعا، لم يكن المسلك صالحا للدراجة. والدفع بكل حمولتها لم يكن سهلا أيضا، فأنزلت كل الأكياس. وطلعت وأنا أدفع الدراجة وحدها، فتركتها على بضعة عشرات الأمتار، ثم عدت إلى الأكياس فطلعت بثلاثة وعدت مرة أخرى إلى ما تبقى. وهكذا دواليك. أحيانا يظهر طريق مسطح بين الأشجار، فافرح وأضع الكياس فوق الدراجة وأدفع، وبعد بضعة أمتار ينعرج الطريق فيبدأ التسلق من جديد: دفع الدراجة، العودة إلى جزء من الأكياس ثم العودة ثانية إلى ما تبقى.
أسدل الليل ستاره وأنا ما زلت في وسط الطريق بين القدم والقمة. كنت أدرك أنني في إحدى المناطق الأكثر عزلة في جنوب أمريكا، وكنت أدرك أيضا أنني الآن في مملكة الپوما، وكان القضيب الحديدي الذي تسلحت به مربوطا بحكم إلى معصمي. كانت الغابة كثيفة، وكانت الأشجار في الظلام تأخذ شتى الأشكال وتحدث شتى الأصوات فتبدو وكأنها أشباح، وخاصة حينما تحركها الرياح. ثم وصلت إلى بحيرة صغيرة في أعلى الجبل وبدأت أسير على ضفتها. فجأة سمعت وكأن جسما ضخما يسقط فيها. فتوجست وتسائلت: ما يكون هذا؟ أيكون الپوما وقد غطس ليستحم قبل الخروج للصيد؟ لكن رجّحت أن تكون صخرة أو شجرة. فبالفعل فقد كان خوفي من الأشجار أكثر من خوفي من الپوما. كان هناك كثير الأشجارة الضخمة وهي ساقطة على الأرض وقد اجتثتها الرياح من عروقها. بعضها لم يسقط على الأرض، بل بقي منحنيا على أغصان أشجار أخرى وهي توشك على السقوط وكنت أخاف أن تسقط على رأسي.
وصلت إلى علامة الحدود الدولية والساعة تقترب من الواحدة ليلا. وجدت هناك ساحة بمختلف التجهيزات الرياضية استنتجت أنها للتداريب العسكرية. استرحت قليلا وأدركت أنني قد أخطأت التقدير. لا لأني لا أحب السير في الليل، بل لأن الطريق وعر وكان من الاحسن الإنطلاق باكرا وعبور بحيرة الصحراء في الصباح واجتياز المسلك في ضوء النهار.
كنت أريد قضاء الليل عند علامة الحدود، لكن كنت أريد أن أُطَمْئِنَ نفسي أكثر فواصلت السير والآن على التراب الشيلي. النقطة الإيجابية هنا هي أن الطريق واسع بخلاف الجانب الأرجنتيني. يبدو أنه كان يستعمل من طرف الشاحنات العسكرية، ولكنه أصبح الآن في حالة مهملة وقد نخرته المياه، فكنت تارة أركب وتارة أدفع. فجأة وجدت نفسي أسير في ساحة كبيرة وعلى جنباتها لوحات حمراء وبيضاء. لكنه لم يكن في شكل ملعب كرة. فحرت فيما يمكن أن يكون ذلك. لما التجأت إلى جهاز الملاحة اكتشفت أنني أخطأت الطريق وأصبحت أسير وسط مدرج مطار عسكري. ويلي ويلي ويلي! فانتقلت بسرعة إلى الطريق وكان موازيا للمدرج. وبعد أن تأكد لي أن هذا الطريق لم يكن بنفس صعوبة الجانب الأرجنتيني، توقفت لاستراحة الليل فأعددت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.
- الطريق إلى بحيرة الصحراء
. وتغير كل شيء: أنهار وجبال واخضرار
[ATTACH=full]602307[/ATTACH]
ـ قارب بحيرة الصحراء
[ATTACH=full]602308[/ATTACH]
ـ مناظر أثناء العبور