منذ مدة وفكرة تجربة طريق الموت الشهير قرب مدينة لاباز ورؤية تلك السيارات و الشاحنات تعبر بحذر منعطفاته الخطرة والضيقة
وسقوط بعضها نحو الهاوية تستهويني و تدور في ذهني إضافة إلى تجربة تلك الارتفاعات العالية وما تحدثه من تغيرات
في جسم الإنسان لكني أرجئها مؤملاً أن تتحسن الأوضاع الأمنية في الحلم الأكبر لي في القارة الأمريكية
الجنوبية حيث فنزويلا الساحرة لكي أزورهما سوياً مع كولومبيا ، لكن مؤخراً بدا واضحاً أن الأوضاع
تزداد سوء في فنزويلا والأمر سيطول لذلك عقدت العزم على القيام بهذه التجربة وزيارة
بوليفيا هذه السنة وأدرجت جارتيها البيرو وتشيلي معها ، لكن فشلي في
الحصول على تأشيرة تشيلي وضيق الوقت غير من خططي وألغيت
حينها عدة تذاكر و عدلت بعضها جعــلني استبـدلها بالإكوادور
لتشمل رحلتي النهائية كل من بوليفيا والبيرو والإكوادور
إضافة إلى الأرجنتين حيث خيارات الطيران والوصول
إليها أسهل من البقية واستغرقت مدة الرحلة
قرابة 24 يوماً ابتداء من 30يونيو 2017 ..
معلومات عامة
بوليفيا دولة داخلية في أمريكا الجنوبية حيث ليس لها أي إطلالة على البحر ، وتعتبر خامس أكبر دولة مساحةً في
القارة بعد البرازيل، و الأرجنتين، و بيرو، و كولومبيا حيث تبلغ مساحتها (1،098،581) كيلومتراً مربعاً
وعدد سكانها يقارب 11 مليون نسمة ،و أهم مدنها سانتا كروز، و أورورو، و سوكري،
و بوتوسي، و كوتشابامبا ، إضافة إلى سوكري و لاباز.
يرجع اسمها إلى الجنرال سيمون بوليفار الذي سعى من أجل تحرير أراضي أمريكا الجنوبية من سيطرة الاستعمار الإسباني .. ،
وتقع غرب القارة ويحدها من الشمال والشرق البرازيل ومن الغرب بيرو وتشيلي ومن الجنوب البراغواي
والأرجنتين ، أما تضاريسها فتنقسم إلى قسمين رئيسين الأول والأكبر يحتل شرقها وهو
عبارة عن سهول واسعة وذات مناخ حار ورطب إلى حد ما وتكثر فيه الأمطار أما
الثاني فمرتفعات وقمم عالية جداً تصل إلى قرابة 6000م غرب
البلاد ومناخها بارد وجاف في الغالب ..
اقتصادياً تعد بوليفيا واحدة من أفقر بلدان أميركا الجنوبية، رغم أنها أكبر منتج للقصدير في العالم، وتحتوى
على أكبر مخزون للغاز الطبيعي في القارة، هذا بجانب تصدير فول الصويا ومعادن
الذهب، الفضة، الزنك والرصاص والكوكا ..
يعيش معظم سكان بوليفيا في المناطق المتوسطة الارتفاع، فحوالي 80% من السكان يعيشون في المرتفعات
والأودية الجبلية، والقسم الشرقي من البلاد قليل السكان، وحوالي 54% من سكان بوليفيا
من الهنود الأمريكيين، وحوالي 32% من السكان من المستيزو (خليط أوروبي
هندي)، وحوالي 14% من الأوروبيين.
العملة
عملة بوليفيا يقال لها بوليفيانو
1 دولار أمريكي = 7 بوليفيانو تقريباً
1 ريال سعودي = 1.84 بوليفيانو تقريباً
التأشيرة
بوليفيا تقسم مواطني الدول الراغبين بالحصول على تأشيرتها إلى 3 مجموعات ..الأولى لا تحتاج إلى تأشيرة أما الثانية
فالتأشيرة مطلوبة وفق شروط بسيطة أبرزها جواز صالح لستة أشهر و شهادة تطعيم ضد الحمى الصفراء
و تذاكر سفر و كشف حساب بنكي .. ويمكن استخراجها من المطار مباشرة بقيمة 100 دولار
أو من أقرب سفارة مجاناً بعد تعبئة النموذج على الرابط هنا
أما الثالثة فشروطها أصعب قليلاً ..
بالنسبة لمواطني الخليج فهم ضمن المجموعة الثانية وإليكم موقعين يحتويان على كل التفاصيل والمجموعات ..
غادرت السعودية فجر الخميس 29 يونيو متوجهاً إلى القاهرة لعدة ساعات من أجل أمرين ، أولهما استخراج تأشيرة بوليفيا من
سفارتها هناك لعدم وجود سفارة في الرياض و لأنني استفسرت ممن سبق وأن زار بوليفيا قبلي فأشار علي
بعضهم بإصدارها من السفارة أفضل نظراً لوجود بعض الحالات التي يعرفونها تم رفض دخولها إليها عند
الوصول لكن للأسف أن هذا الأمر لم أوفق في تنفيذه نظراً لوجود إجازة رسمية في البلاد
بمناسبة ذكرى ثورة (( 30 )) يونيو والتي كانت ستصادف الجمعة لكن تم
تقديمها للخميس ، وكنت أجهل هذه المصادفة ولم أعلم بها
إلا من سائق الأجرة الذي أخبرني بذلك ، لكني مع
ذلك توجهت إليها عل وعسى لكن دون جدوى ..
أما الأمر الآخر الذي جعلني أتوجه إلى مصر فهو تكلفة تذكرة السفر الأقل ( ذهاباً و إياباً ) بفارق كبير عنها من
السعودية حتى مع احتساب تذكرة السفر إلى القاهرة .. حيث استقر اختياري على طيران الإمارات
بعد مقارنته ببعض الخطوط الأوروبية حيث كان الأفضل سعراً والأقل توقفاً وما يعيبه هو التوجه
شرقاً بداية ، ليكون الشكل النهائي لرحلتي ذهاباً : القاهرة دبي بوينيس أيرس
أما العودة : بوينيس أيرس دبي ثم النزول دون المواصلة إلى القاهرة وعبر
طيران فلاي دبي إلى السعودبة بعد الوصول بساعتين تقريباً ..
بعد التجول لعدة ساعات في القاهرة توجهت إلى دبي ثم إلى بوينيس آيرس في أطول بقاء لي في
طائرة استمر قرابة 19 ساعة حيث توقفت في ريودي جانيرو قرابة الساعتين لإنزال
وإركاب بعض المسافرين ونحن باقون فيها قبل مواصلة الرحلة ..
في الأرجنتين مكثت فيها قرابة اليوم والنصف وحرصت على البقاء هذه المدة لمشاهدة أحد أجمل النشاطات في المدينة لم
أتمكن من حضوره قبل عدة سنوات وحجزت تذكرته قبل وصولي بمدة يدعى Fuerza Bruta وهو عرض غريب جميل
يمتد لمدة 80 دقيقة تقريباً وكن مستعداً لمعايشة أحداث كثيرة بعضها أنت جزء منها وقد تبتل
ملابسك في بعض الأماكن ، و في ظهر اليوم التالي توجهت إلى مطار إيزيزا
الدولي من أجل مغادرتها إلى أكبر مدن بوليفيا سانتا كروز
في رحلة استغرقت قرابة الثلاث ساعات ...
سانتا كروز Santa Cruz de la Sierra
هي واحدة من أسرع المدن نمواً في العالم وتقع على نهر بيراي شرق البلاد على ارتفاع منخفض
يبلغ 416م وهو أمر استثنائي لمدن بوليفيا الكبرى ، وهي المدينة الأكثر سكاناً فيها
حيث يتجاوز عدد سكانها المليونين نسمة ، وتنتج ما يقارب 35% من
الناتج المحلي مما ساعد في جعلها أهم مركز تجاري فيها ..
مطارها الدولي والذي يحمل اسم فيرو فيرو Viru Viru International Airport ويرمز
له بـ vvi هو أكبر المطارت في بوليفيا وأكثرها حركة ..
مناخها مشابه لمناخ السافانا الاستوائية مع متوسط درجة حرارة سنوي يبلغ 23 درجة مئوية ، وبالرغم
من أن الطقس دافئ بشكل عام طوال السنة إلا أن هناك بعض الرياح الباردة تهب شتاء
قادمة من الأرجنتين تساهم بانخفاض واضح في درجات الحرارة ..
الوصول
عند قرابة السابعة مساء وصلت إلى مطار سانتا كروز وهو مطار منظم ومعتنى به وسط أجواء لطيفة ، عند
الوصول إلى صالة الجوازات وجدت مكتبين مكشوفين على يساري خاصين باستخراج التأشيرة
ومطابقة الأوراق والتصوير ودفع قيمة التأشيرة ، ويفضل أن تحتفظ احتياطاً بنسخة من
كل التذاكر الدولية التي ستزور بلدانها حتى التذكرة النهائية التي ستعود
بك إلى بلدك لأنك قد تسأل عنها ، استغرقت العملية وقتاً جيداً
لدرجة أنه لم يبقى في الصالة سواي لكنها انتهت
على خير بعد بعض الأسئلة الروتينية ..
خرجت حاملاً حقيبتي على ظهري والتي حرصت أن تكون متوسطة الحجم خفيفة الوزن قليلة الحمل لوجود تنقلات
كثيرة فضلاً عن وجود بعض الرحلات الجوية الفارق بين بعضها لا يتجاوز الساعتين ثم توجهت نحو إحدى
الحافلات المتوقفة عند بوابة المطار والتي تأخذ ركابها عند اكتمال عددهم بثمن بخس نحو محطة
الحافلات وسط المدينة ، بعد قرابة الأربعين دقيقة وقبل أن نصل إلى المحطة بمدة
بسيطة طلبت من السائق أن أنزل عند أحد التقاطعات نظراً لكونه أقرب
نقطة لــمكان سكنــي ثم توجهت مشياً علـى الأقــدام لمدة 15
دقيقة نحوه و الذي يقع في قلـــب المدينـة التــاريخي و عند
أكبر ساحاتها وأشهرها حيث Plaza 24 de Septiembre ..
في بادئ الأمر كانت الطرق هادئة لكن مع قربي إلى هدفي تزداد الحركة ويكثر المشاة حتى وصلت إلى الساحة
حيث تتواجد العديد من المطاعم المحلية ومراكز التسوق الصغيرة والعديد من الباعة المتجولون فضلاً
عن أعداد كبيرة من المتنزهين من الأهالي ومن السياح الأجانب ، توجهت نحو النزل لوضع
حقيبتي وللصلاة ثم عدت إلى الساحة للاستمتاع بتلك الأجواء اللطيفة حولها و
لتناول طعام العشاء قبل أن تغلق المطاعم ..
استيقظت قبل شــروق اليوم التالي و هو الموعــد المعتاد في غالبية الأيام ثم تجــولت في المنطقة التاريخية القريبة مستمتعاً
بدقائق الصباح الأولى قبل أن أتناول إفطاري ، ثم بدأت بالتوجه نحو الجهة الجنوبية الغربية من المدينة مشياً على الأقدام ،
في طريقي كنت أبحث عن شريحة للأنترنت حتى وجدت ما أصبو أليه وكانت تغطيتها وسرعتها مقبولة نوعاً ما ،
مررت قرب محطة الحافلات ثم على سوق شعبي يقال له La Ramada وهو سوق للملابس مزدحم جداً
وضيق الممرات وبعض أجزائه مغطاة وبجواره سوق مكشوف للخضار وآخر للحوم فضلا عن آخر مناطقه
حيث تتواجد مبيعات الجملة للمنظفات وما شابهها .. تجولت فيهن مطلعاً على بعض من غرائبها
ومتذوقاً لبعض أطعمتهم الخفيفة بالذات من المعجنات والحلويات وغالبيتها مستساغة
وبعضها طيب الطعم ثم واصلت المسير حتى ابتعدت عن وسط المدينة المزدحم
وبدأت الطرقات بالاتساع مع تواجد لبعض الأسواق الأكثر ترتيباً وأفضل بضاعة
والمنازل وسط الأحياء أكبر مساحة وأحدث حتى بدأت درجات الحرارة
بالزيادة بشكل ملحوظ عندها بحثت عن سيارة أجرة تقلني إلى
وجهتي الثانية حيث Parque Lomas de Arena لكن كلما
أوقفت أحدهــم و عرف وجهتي رفض أن يوصلني حتى
وافق أحدهم أخيراً على أن يوصلني إليها ويعيدني
أيضاً إلى وسط المدينة ولو كان يعلم فعلاً
ما سيواجهه لرفض مثل سابقيه..
شابين يقدمان بعض العروض البهلوانية عند أحد الإشارات
Parque Lomas de Arena
تقع قرب أحد البلدات الصغيرة خارج سانتا كروز بـ 18 كلم والطريق إليها في بعض أجزائه الأخيرة غير معبد ويمر
قبل ذلك بسجن المدينة وهو سجن ذو مساحة كبيرة ، كان السائق لا يعرف طريقها بالضبط مما جعل
مدة الوصول تقارب على الساعة ، بعد أن وصلنا إليها كانت هناك بوابة لتسجيل بيانات
الداخلين إلى المحمية ولاحظت أن هناك سائحين فرنسيين سبقاني إلى
الدخول إليها ، تكلم السائق قليلاً مع الموظف المختص وبدا لي
من ردات فعله وتعابير وجهه أنه لم يكن يعلم ما
سيقابله ويتمنى أنه لم يقبل بتوصيلي ..
بعد ذلك دخلنا سوياً بالسيارة إلى داخل المحمية .. كان الطريق مقبولاً في بدايته ثم بدت الرمال في الزيادة لكنها ظلت في عمق
مقبول حتى واجهنا جدولاً صغيراً منخفضاً لا يتعدى عرضه 6 أمتار ومياهه سطحية وكان لابد من عبوره لمواصلة المسير ،
توقفنا قربه ونزلنا لتمعنه ولمعرفة الطريقة الأسلم لعبوره وخصوصاً أنه من الأفضل أن تكون السيارة ذات دفع رباعي
ليسهل عليها العبور .. ، توكلنا على الله وقررنا عبوره عبر زيادة طفيفة في السرعة خوفاُ من أن نعلق في
المياه وكان لنا ما نريد إلا أن السيارة توقفت بعد الخروج منه بسبب ارتفاع كمية الرمال بعده ، حاول
السائق إخراجها عدة مرات دون فائدة فأشرت إليه أن يعطيني الفرصة لتجربة قيادتها ومحاولة
إخراجها فلدينا من الخبرة بالرمال وأحوالها ما يفوق كل تجاربهم وما هي إلا دقيقة أو دقيقتين
حتى أخرجناها لكن فضلنا الرجوع بها وراء إلى النهر والطريق الذي قبله من أجل زيادة
السرعة عند عبوره وهو ما تم بنجاح ، بقية الطريق تفاوتت بين رمال مقبولة وأراض
شبه ممهدة وقابلنا خلالها السائحان الفرنسيان عائدان وكانا رجل وإمرأة في
حال يرثى لها بسبب الحر والجهد الذي قاما به حيث دخلا من تلك البوابة
مشياً على الأقدام ، حتى وصلنا إلى طريق لم تكن السيارة بقادرة
على دخوله نظير كميات الرمال الكبيرة فيه ففضل السائق
الوقوف قبله وطلب مني إكمال الطريق
ارتجالاً ولا يلام حقيقة ..
بدأت المشي بمحاذاة الطريق الرملي والذي يتحول إلى مستنقعات من الطين في بعض المرات وسط بعض الشجيرات وصوت
السكون يخيم على المكان ولا يشوبه سوى أصوات قلة من الطيور العابرة وبعد قرابة الربع ساعة بدأ المكان بالاتساع و
وضحت معالم المرتفعات الرملية أمامي أما على اليسار بقرب الطريق فيتواجد منتجع مهمل يحتوي على بعض
المسطحات الخضراء ومسبح وبعض المباني المتفرقة ..واصلت المسير حتى وصلت إلى أسفل الكثبان
وكانت هناك لوحات إرشادية قليلة تشير إحداها بمنع مرور المركبات قرب المنطقة وأخرى تشير إلى
موقع يسمح فيه بقيادة الدراجات النارية وأماكن التزلج على الرمال ، صعدت إلى الأعلى حيث
تتواجد هضبة صغيرة تمتد قرابة 500 متر وأمامها في الأسفل أرض منبسطة واسعة جداً
أما على اليسار فتتواجد واحة صغيرة مليئة بالشجيرات والأعشاب تحيط بها الرمال
لكنها شبه جافة لعدم تساقط الأمطار تلك الأيام ، تجولت في المنطقة قرابة
الساعة وسط شمس حارة لكن نسمات الهواء تخفف جزء من حرارتها
ثم عدت أدراجي وفي طريقي قابلت عائلة قادمة حالها كحالي
حيث توقفت مركبتهم قرب سيارة الأجرة التي أقلتني
لأنهي بذلك رحلتي في هذا المكان ..
عدت إلى المدينة ولكن من الجهة المقابلة حيث الجهة الشمالية الشرقية ،كانت المدينة في هذا الجزء أكثر
تتطوراً وطرقها أوسع وأكثر ترتيباً وتنتشر المباني العالية فيها فضلاً عن عدد جيد من الحدائق إحداها
كانت واسعة جداً وتحتوي على عدة ملاعب لرياضات مختلفة ككرة القدم والسلة والتزلج
وحديقة أخرى وصلتها عند مغيب الشمس صغيرة لكن عدد زوارها كبير نظراً لقربها
من وسط المدينة قبل أن أعود لاحقاً لتناول العشاء عند الساحة الرئيسية
ثم النوم استعداداً ليوم قادم ووجهة جديدة جميلة ..
استيقظت فجراً وتوجهت نحو المطار وسط طرق شبه خالية لألحق برحلتي التي اخترت لها وقتاً مبكراً لإدراك
النشاط الأبرز في الوجهة القادمة ، وبعد أن أنهيت إجراءات السفر بسهولة ويسر وحان موعد
الرحلة توجهت مع بقية ركابها في حافلة صغيرة إلى طائرة أصغر منها في رحلة
قصيرة امتدت 65 دقيقة متوجهين جنوباً حيث مدينة أيوني .
عند قرابة الثامنة وصلت بحمد الله إلى مطار أيوني الصغير جداً وما أن دخلت صالته حتى أخرجت بعض الملابس
الإضافية لألبسها جراء البرد القارس والجاف ، ثم اتخذت سيارة أجرة لتقلني إلى وسط البلدة القريبة
وتحديداً إلى محطة الحافلات في مدة لم تصل إلى 10 دقائق ، عند ذلك بحثت في المكاتب
السياحية المتعددة عن حجز مناسب للنشاط الرئيسي قرب البلدة حتى وجدت
ضالتي في أحدها والذي سيبدأ بعد أقل من ساعة عندها استأذنت
الموظفة العاملة في المكتب بأن أضع حقيبتي لديهم حتى
آخر اليوم نظراً لكوني لن أبيت في هذه البلدة ..
المكتب الذي حجزت منه
خلال هذه الساعة خرجت للتجول في البلدة والتي كان لقربها من الحدود الأرجنتينية عبر منفذ Villazon والتشيلية عبر منفذ
Ollague انطلاقاً من مدينة وصحراء كالاما الشهيرة وما حولها دور في زيادة عدد السياح والرحلات التي تنطلق منهما
لزيارتها لأيام قليلة ، البلدة صغيرة جداً لا تكاد أبنيتها تصل إلى المائة وارتفاعها لا يتجاوز الطابقين على الأغلب
وبعض طرقها غير مسفلتة وتحتل الأكشاك قرب منطقتها المركزية غالب الرصيف الأوسط وكان للأتربة والغبار
نصيب جيد عند مرور المركبات ويستثنى من ذلك منطقة صغيرة مرصوفة بشكل جيد ، أما الأجواء فكانت
باردة جداً نظراً لارتفاعها عن سطح البحر والذي يصل إلى قرابة 3700 متر وجفافها وكوننا في فصل
الشتاء والجميع يبحث عن الشمس لتخفيف شيء من قسوة الطقس ، ثم عدت أخيراً إلى
المكتب لأن الوقت المحدد قد أزف وهو في غالب المكاتب السياحية يبدأ من الساعة
العاشرة تزيد أو تنقص نصف ساعة وما هي إلا دقائق حتى أتت المركبة
ذات الدفع الرباعي لتقلنا إلى وجهتنا حيث الصحراء الملحية
والتي تدعى بـ Salar de Uyuni
Salar de Uyuni معلومات عامة
تعتبر صحراء "سالار دو أويوني" المالحة في بلدة أويوني في مرتفعات ألتيبلانو جنوب غرب بوليفيا أكبر
مجمع للملح في العالم، تمتد على مساحة 10582كيلومتر، ويطلق عليها "مرآة السماء"،
وتشتهر بمناظرها الطبيعية الخلابة وجمالها المدهش حيث تجتذب اليها
قرابة 60 ألف سائح سنوياً لاكتشاف هذه المساحة البيضاء
العاكسة لجماليات الطبيعة بشكل مذهل ومثير ..
يرجع تشكل الصحراء الجيولويجي الى ما يزيد على 40 ألف سنة، حيث تكونت على مر الزمان من بقايا بحيرة
مياه بحر "باجيفيان" الذي كان يغطي هذه المنطقة من العالم وبعد جفافه بقيت رواسب الملح تغطي
المنطقة حتى اصبحت أكبر صحراء ملح في العالم وتمثل ثلث احتياطيات العالم من الليثيوم الذي
يعد من المواد الأساسية للكثير من صناعات السيراميك والزجاج والصناعات الطبية وغيرها
من الصناعــات. كما تحتوــي الصحــراء على كميات ضــحمة من الصوديوم و البوتاسيوم
و المغنيسيوم ، وينتج سنــوياً حوالي 25.000 طن من المــلح منها ، إضافة 10 مليار
طن منه كمخزون والذي من غير المرجح ان يستنفذ ما دام الإنتاج بهذه الكمية ..
أحداث الرحلة
كنا ستة سياح إضافة إلى السائق وكنت أجلس في المقدمة بجواره ، نصفنا وأنا أحدهم كانت جولتنا مدتها يوم واحد
والنصف الآخر تمتد ليوم آخر ، انطلقنا نحو الطريق الذي يمر قرب المطار وبعد أن تجاوزناه ببضعة دقائق انعطفنا
يساراً عبر طرق غير معبدة حيث مررنا على فندقين أو منتجعين مميزين عن ما هو موجود وسط المدينة
ثم واصلنا المسير لدقائق قليلة حتى وصلنا إلى أول النقاط البارزة في رحلتنا حيث مقبرة القطار
Train Graveyard وبقايا عرباته .. أوقف السائق السيارة جانباً قرب بعض المحلات
الصغيرة ثم نزلنا متوجهين نحوه لمدة نصف ساعة للاطلاع عليه والتنزه
حوله ، و يفضل عند النزول من السيارة أن تتعرف عليها جيداً وعلى
موقعها لوجود عشرات السيارات الماثلة لها عند العودة ..
بعد ذلك مررنا نحو قرية Colchani الصغيرة والتي تقع على بعد 7 كلم شمال أيوني وتنتشر على طريقها الرئيسي
عشرات المحلات الصغيرة التي تبيع التذكارات والهدايا وبعض المأكولات لكننا لم نتوقف فيها لعدم رغبة
الجميع في النزول ، ثم بدأنا في الدخول إلى الصحراء الملحية حيث توقفنا في أولها حيث
تتواجد أكوام الملح المعدة لتجف قبل أن يتم تعبئتها والتقطنا بعض الصور
حيث مكثنا قرابة الربع ساعة هناك ..
بعدها بقرابة 6 كلم وصلنا إلى فندق مبني من الملح وفيه عدد من المجسمات الملحية ومطعم تجولنا
داخله لدقائق وفي المنطقة المحيطة به حيث تتواجد إعلام لمختلف الدول
وضعها السياح كل بحسب دولته ..
بعد ذلك بدأنا في الدخول إلى عمق الصحراء حيث لا لون يسيطر سوى اللونين الأبيض والأزرق حيث بياض
الأرض وزرقة السماء الصافية حتى وصلنا بعد قرابة الأربعين دقيقة إلى مكان يحتوي على
بعض التجمعات المائية وعدد من طيور الفلامنجو توقفنا عنده واستمتعنا برؤية
الانعكاسات الجميلة ثم تناولنا طعام الغداء في منطقة Tahua القريبة
والتي تحتوي على مطعم وعدة غرف للمبيت ..
بعد ذلك انطلقنا لوقت يقارب سابقه متوجهين نحو أحد المعالم البارزة حيث جزيرة Incahuasi والتي تعني في لغة الكيشوا
( بيت الإنكا ) ، وهي عبارة نتوء صخري يمتد عدة مئات من الأمتار وسط الصحراء يتميز بوجود أشجار الصبار وبأعداد
كبيرة وبعضها يمتد لعدة أمتار ، توقفنا جانباً مع عشرات المركبات الأخرى وبدأنا في جولة حرة امتدت قرابة
الساعة ، يتواجد في أسفل الجزيرة من الجهة الغربية حيث تقف غالبية المركبات عدد من المباني
البسيطة والتي تحتوي على مطعم و دورة مياه و تموينات صغيرة وأعتقد متحف ومبنيين أو
ثلاثة إضافية أحدها لبيع التذاكر الخاصة بالدخول إلى قمة الجزيرة ، عند التعمق قليلاً
وصولاً إلى القـــمة لاحظت ازدياد اشجــار الصبار عدداً وحجــماً ، ووجود عدد من
الممرات الضيقة الجانبية وكأنها كهوف صغيرة ، وعند الوصول إلى القمة
استمتعت بتلك المشاهد الرائعة والامتدادات اللا متناهية
ومشاهدة تلك العربات وسط اللا شيء وكأنها نقط
متناهية الصغر مبعثرة يمنة ويسرة ..
غالبية السياح يتوقف عند القمة السابقة و المحددة بأسوار قصيرة ويرجع مع الطريق الآخر حيث طريق العودة
إلى المركبات لكني تجاوزتها شرقاً ثم شمالاً حيث السكون التام مستمتعاً بشكل أكبر بهيبة
المكان وجماله ، وعندما قاربت الساعة المحددة على الانتهاء عدت إلى الأسفل
حيث شاهدت عدداً من الخيام الشخصية الصغيرة حيث يبيت أصحابها
على حدود الجزيرة مستعدين لليلة شديدة البرودة ..
انطلقنا بعد ذلك متوجهين شرقاً قرب المنطقة التي دخلنا منها إلى هذه الصحراء في مسافة امتدت قرابة
النصف ساعة أو أكثر قليلاً حيث توقفنا لالتقاط الصور لمغيب الشمس ورؤية الأشكال الهندسية
الجميلة على الأرض الجافة ، قبل أن نصل أخيراً إلى وسط المدينة وفي طريقنا أوصلنا
راكبين إلى المطار وكانت حقائبهم في أعلى المركبة ..
حينما وصلت إلى المدينة قرابة السابعة أخذت حقيبتي من عند المكتب السياحي وتوجهت للبحث عن حافلة تقلني إلى مديني
بوتوسي في رحلة ستسغرق قرابة الثلاث ساعات ونصف ووجدت ضالتي سريعاً حيث تتواجد عدة مكاتب بجانب
محطة الحافلات وأخذت واحدة من الرحلات التي ستغادر خلال نصف ساعة ، استغليت هذه الفترة
البسيطة لأخذ لقمة يسيرة مكونة من فاكهة أو اثنتين وسط خيارات قليلة علها تصبرني
حتى الوصول إلى وجهتي ، وحينما أزف الوقت ركبت الحافلة واتخذت لبساً إضافياً
بحكم زيادة بــرودة الطقس في الحــافلة وكلــما اقتربنا من بوتوسي ، و لتنتهي
بذلك فعاليات إقامتي في مدينة أيوني والتي استمرت لأقل من نصف يوم ..
معالم وأنشطة أخرى حول البلدة
أغلب الرحلات والتي تمتد لأكثر من يوم تكون أغلب أنشطتها متعلقة بزيارة عدد من البحيرات القريبة أو بعض
قمم الجبال أو زيارة معالم تشيلي القريبة أو الإقامة في الفنادق المبنية من الملح ولا يفوتني هنا
أن أذكر بوجود جزيرة أخرى غير جزيرة الصبار آنفة الذكر وشبيهة بها تدعى Isla del Pescado
جزيرة السمك تتوجه إليها بعض شركات السياحة عوضاً عن الجزيرة الأولى أو معها ،
أيضاً هناك ولمحبي المغامرة فرصة لزيارة الصحراء الملحية بشكل فردي عبر
الدراجات الهوائية لكن مع وجوب الحذر بسبب الاحتمالية الكبيرة للضياع ...
وقبل أن أختم معكم موضوع أيوني أترككم مع بعض الصور الطريفة التي يلتقطها
بعض السياح مستغلين انبساط الأرض ..
هي عاصمة للمقاطعة التي تحمل نفس اسمها وهي واحدة من أعلى مدن العالم حيث يصل ارتفاعها إلى 4090 متر ،
يبلغ عدد سكانها قرابة 250 ألف نسمة ، وتقع على سفح جبل سيرو ريكو Cerro rico (( الجبل
الغني )) ووجود رواسب الفضة فيه هو أحد أسباب تأسيسها عام 1546م وهي واحدة
من أهم مصادر الفضة أيام المستعمر الإسباني ..
لديها مطار يقع على بعد 7 كلم شمال شرقها فضلاً عن محطتي
حافلات تصلها بباقي المدن البوليفية ..
مناخها شتاء حيث أشهر يونيو ويوليو وأغسطس جاف وشديد البرودة حيث يبلغ متوسط
درجات الحرارة نهاراً 5 درجات مئوية أما ليلاً فالمتوسط 4- درجات مئوية ، أما
صيفاً فهو موسم الأمطار ودرجات الحرارة تقع بين 9 نهاراً و 3 ليلاً ..
منظر عام للمدينة ولجبل سيرو ريكو
سياحيا اشتهرت المدينة بالمناجم القائمة على جبل سيرو ريكو وهي مجموعة من أكبر المناجم في العالم وتقع
على ارتفاع يقارب 4700 متر ، اشتهر الجبل باسم ( الجبل الذي يأكل الرجال ) بسبب العدد الكبير
جداً من العمال الذين لقوا حتفهم منذ تم العثور على الفضة فيه في القرن السادس
عشر حيث الرقم يصل إلى خانة الملايين ، حالياً يعمل فيه أكثر من
11 ألف عامل لدى شركات يتجاوز عددها الثلاثون شركة
وسط ظروف قاسية ووسائل سلامة بدائية ..
الوصول إلى المدينة
عند قرابة الحادية عشر مساء تقريباً وصلت الحافلة إلى بوتوسي وبالتحديد إلى محطة الحافلات القديمة Antigua Terminal de Buses
والتي لديها وجهات محددة تنطلق منها وإليها أغلبها في المنطقة القريبة من أيوني ، نزلت باحثاً عن سكن قريب وفرائصي
ترتعد من شدة البرد وكان للجوع دور في ذلك وسرعان ما وجدت فندقاً قريباً يحتوي على النقطتين الأهم في مثل هذه
الأجواء حيث التدفئة والمياه الساخنة وهو أغلى سكن أخذته طوال رحلتي في الدول الأربع حيث قارب سعره
على 140 ريالاً ، بعد أن وضعت حقيبتي خرجت مجدداً للبحث عن مطعم لتناول طعام العشاء فالبرد
والجوع لن يجعلاني أهتنئ بنوم ، كانت أغلب المحلات والمطاعم في المنطقة القريبة قد
أغلقت أبوابها نظراً لاقترابنا من منتصف الليل لكــني في النهاية وجدت ما كنت
أبحث عنه حيث يتواجد مطعم أقيم في أحد الأكشــاك وسط الطريق يقدم
أصنافاً قليلة تعمل فيه إمرأة شــابة وبرفقتها طفلــتها الصغيرة
فاستأذنتها لالتقاط صورة سريعة لهذه الزهرة قبل
أن أعود لاحقاً أدراجي للمبيت ..
عند قرابة الساعة السادسة والنصف صباحاً أتممت عملية الخروج من الفندق لكني أبقيت حقيبتي لديهم ثم تجولت
في المدينة قليلاً متوجهاً إلى ساحة Plaza 10 de Noviembre حيث قلب المدينة التاريخي والذي يبعد عن
الفندق قرابة 3 كلم .. في هذه الساعات الأولى من النهار يكاد كل المشاة في بحث عن ضوء
الشمس الضئيل والمختبئ بسبب دونها من الأفق وتراص البنيان وهم في طريقهم إلى
أعمالهم ليمدهم بشيء من الدفء ولم أكن باستثناء عنهم ..
تجولت في المنطقة بحثاً عن مكتب سياحي يفتح أبوابه بشكل باكر لحجز الجولة الأبرز في المدينة حيث زيارة المناجم والتي
لها موعدين اثنين عند أغلب المكاتب ، الأول يبدأ عند الثامنة والنصف صباحاً والثاني عند الواحدة والنصف ظهراً وكلاهما
يمتدان لقرابة الأربع ساعات ..وجدت أحدها بعيد السابعة وحجزت من عنده على الرحلة الأولى ثم أشار إلى موقع
تجمع المجموعة في طرف الساحة عند الثامنة والنصف ، أكملت جولتي في المنطقة وكان عدد المباني
العتيقة كبيراً وكثير منها حافظ على متانته وجماله ، أما الطرق فكانت ضيقة وبالكاد تتسع لسيارة
واحدة كحال المناطق المشابهة مع وجود مرتفعات ومنخفضات تصعب من عملية السير
وبعض الطرق مخصصة للمشاة وفيها أعداد جيدة من المحلات والتي لا زالت
مغلقة ومن المؤكد أن الحركة في المساء أكبر وأكثر حيوية حيث
تنتشر أيضاً العديد من النزل والمطاعم ..،
يلاحظ طبقة رقيقة من الجليد على سطح الماء
عندما اقتربت الساعة من الموعد المتفق عليه توجهت نحو المكان المحدد حيث تجمع عدد من السياح وصل عددنا إلى قرابة 14
سائحاً ، استقلينا الحافلة وتوجهنا إلى أحد المنازل في طريق امتد قرابة العشرة دقائق كان يحوي في وسطه باحة
صغيرة وعدة غرف تحيط بها يصل عددها إلى قرابة الستة غرف وتسكن فيه إحدى العوائل ، المنزل معد ليكون
مخزناً للملابس والأدوات التي سنرتديها و نحملها معنا والتي شملت معطفاً خفيفاً و بنطالاً وحذاء ثقيلاً
ومصباحاً يثبت على الرأس إضافة إلى لثام للحماية من الأتربة والغبار ، والحقيقة أن مظاهرنا كانت
مثيرة للضحك فالمقاسات ليست دقيقة ولا قريبة من ذلك والملابس قد عفى عليها الزمن
وأجزاء منها ممزقة ، كان الهدف من تلك الملابس حماية ملابسنا الأساسية من
الاتساخ أو التمزق ، ومما يجدر الإشارة له أنه يمنع حمل أية حقائب حتى
ولو كانت صغيرة الحجم وسيتم حفظها مع الأحذية في إحدى الغرف ..
بعد ذلك توجهنا إلى الحافلة والتي أقلتنا قريباً إلى سوق Miner´s Market وهو عبارة عن بضعة محلات صغيرة تدير
أغلبها نساء كبيرات في السن تبيع بعض المنتجات والتي يطلب من السائح - إن رغب - شراءها لدعم
عمال المناجم وتشمل على نبتة الكوكا وبعض المرطبات والمياه وبعض من المأكولات البسيطة
إضافة إلى بعض المواد الكيميائية التي يصنع منها الديناميت بشكله البسيط و الذي
يستخدم داخل المنـــجم ومبالغها بسيطة لا تذكر ، ثم توجهنا بالحــافلة إلى
طرف المدينة القريب حيث يتواجد المنجم عبر المرور على طرق قليلة
ضيقة حتى وصلنا إلى وجهتنا أخيراً حيث جبل Cerro Rico..
الدليل يقوم بشرح فوائد نبتة الكوكا وما تعنيه للبوليفيين
تم إعطائنا بعض التعليمات الأساسية بالذات فيما يتعلق بإجراءات السلامة لأن المنجم العمل قائم به كما هو معتاد دون النظر إلى
وجود بعض السياح داخله فضلاً عن أن إجراءات الأمن والسلامة داخله متواضعة ثم بدأنا بالدخول واحداً تلو آخر هرولة طيلة
الطريق الضيق في أغلب مسافاته مع لزوم الحذر والانحناء أحياناً لوجود بعض الصخور البارزة من الأعلى
التي ورغم الخوذة التي نلزم بارتدائها قد تحدث بعض الإصابات منها وهو ما حدث مع أحد الأشخاص
في مجموعتنا حيث ارتطم جفنه وجزء من جبينه بإصابة بسيطة لم تمنعه من المواصلة لكن
تم تحذيره من أن يمسه بيده نظراً لاحتكاكها بأماكن كثيرة من أرضية وجدران المنجم
والتي قد تحتوي على بعض المواد الخطرة ، كذلك يتم تحذيرنا عند اقتراب
أحد العربات المحملة بالحجارة أو عند عودتها – وما أكثرها - بوجوب
التزام أقرب جزء واسع من الطريق ...
كان الدليل يتوقف عدة مرات في الطريق لتعريفنا ببعض المعادن الموجودة وبعض المعلومات التاريخية البسيطة
إضافة إلى إعطاء العمال بعض الأطعمة التي قام السياح بشرائها قبل أن نصل إلى تجويف يتواجد
فيه El Tio وهو مجسم يتم تقديم بعض القرابين له مكثنا حوله عدة دقائق شرح لنا
شيئاً من الخزعبلات حوله و تم تجسيده بصورة فاضحة ..
أحد مجسمات El Tio التي تأخذ أشكالاً عدة
ثم توجهنا إلى جزء آخر من المنجم يتطلب المرور عليه بعض المصاعب حيث يضيق الطريق وينخفض بشكل كبير مما
يضطرنا إلى أن نكاد أن نزحف لنتجاوزه ووجود بعض الحفر العميقة جداً والغير مؤمنة حتى وصلنا إلى مكان
واسع جداً كنا في أعلاه ولمواصلة الطريق لابد من النزول عبر سلم وضع بشكل عامودي وظهرنا إليه
حيث تردد البعض في المواصلة وأخبرهم الدليل أن بإمكانهم القاء في الأعلى بعض الوقت ريثما
نعود لكنهم في النهاية تجرأوا بالنزول ، أكملنا طريقنا وسط بعض المنخفضات حتى وصلنا
إلى وجهتنا الأخيرة في مكان واسع قليلاً حيث يتواجد أحد العمال يقوم بتنقية
الحجارة الصغيرة وعزلها وبقينا حوله لقرابة النصف ساعة ..
ذلك العامل يعمل في هذه الجهة من المنجم منذ قرابة 17 عاماً ، كان يحاوره الدليل ويترجم لنا ما يقوله ويضيف هو معلومات
أخرى وكان مما أخبره لنا أن هذا العامل له أكثر من 20 عاماً في هذا العمل وأنه ترك دراسته في وقت مبكر وأنه يعمل
قرابة 14 ساعة يومياً نادراً ما كان يستمتع بإجازة إسبوعية ، وأنه خلال ال 17 سنة الأخيرة استطاع أن يعمل بشكل
منفرد حيث تمكن من العثور على أحد الجهات في المنجم التي تحتوي على نسبة جيدة من الفضة ومع بعض
الإمكانيات المادية البسيطة وكثير من الجهد ووجود بعض المعاونين تعمق بها بشكل أكبر وهي الآن في
تنظيمهم كأنها ملك له لا يحق لأحد البحث فيها ولديه 3 من المعاونين هو رئيسهم ، يقومون بالتنجيم
ثم العزل والتنقية ثم يبيعون ما وجدوه إلى إحدى الشركات المشغلة للمنجم بثمن بخس والتي
تقوم بدورها بعدة عمليات لتنقية الفضة ومعالجتها بشكل مثالي لتكون معدة للبيع في
الأسواق الخارجية ، أيضاً شرح لنا الدليل رتب العمال وما المطلوب لارتقائهم وما
يواجهونه من مصاعب وخطورة ما يتعرضون له من إصابات ووفيات ، أيضاً بين
لنا وجود عدد من الأطفال الذين يعملون بعد خروجهم من المدارس
أو في نهاية الأسبوع واضطرار بعضهم لترك التعليم لمساعدة
أهاليهم وبعض المعلومات الأخرى ..
بعض المجسمات التي يتفاءلون فيها ويتقربون إليها
أثناء حديث الدليل كان الجميع ملتفين حوله أما أنا وسائح آخر كنا خلفهم نراقب أحد العمال وهو يعد الديناميت بشكل بدائي
حيث أتى بورقتين أو ثلاث من إحدى الصحف ووضعهم فوق بعضهم البعض ثم نثر مادة نترات الأمونيوم إن لم أكن مخطئاً
بكمية محدودة قبل أن يقوم بلف الورق بصورة محكمة واضعاً فتيلاً في النهاية وعند انتهائه قام بإعطاء الدليل
خبراً أنه سيقوم بعملية التفجير في أحد الأماكن القريبة إن أراد اصطحابنا إلى هناك ، و هو ما وافق عليه
حيث توجهنا إلى المكان المعد لوضع إصبع الديناميت فيه حيث قام العامل مسبقاً بعمل تجويف بسيط
ومائل لكي لا يسقط الإصبع وأخبرنا بوجود عدة مقاسات للفتيل بعضها مدته دقيقة وبعضها أكثر
ويتم تحديد المقاس بناء على صعوبة الخروج والابتعاد عن المكان أما كمية المادة فيتم
تحديدها بناء على الحجم المراد تفتيته ، ثم قام بإشعال الفتيل وطلب منا التراجع
لمسافة تتجاوز العشرون متراً وبعد دقيقة سمعنا دوي التفجير ثم انتظرنا
لدقيقة أو اثنتين قبل العودة تخوفاً من سقوط بعض الأحجار الأخرى ..
عدنا إلى قرب المكان الذي حدث فيه التفجير وأشار لنا الدليل أن العامل لا يقوم بالبحث في المنطقة إلا بعد مرور ساعة أو اثنتين
نظراً لقلة الأكسجين لكنه قام على عجل بأخذ قطعة من الحجارة التي تساقطت من المكان وأرانا الفضة التي تحتوي
عليها ، بعد ذلك بدأنا برحلة العودة مع بعض التوقفات القليلة عند بعض الأماكن التي يتواجد فيها بعض العمال
لإعطائهم جزء مما تم شراؤه و سماع بعض تجاربهم حتى وصلنا أخيراً إلى بوابة المنجم الخارجية ،
ومما يجدر الإشارة إليه إلى أن هذه الرحلة تحتاج مزيداً من الجهد رغم سهولتها الظاهرية
وذلك بسبب الارتفاع العالي وقلة الأكسجين في الخارج فضلاً عن الداخل وقد يصاب
البعض بالإنهاك وعدم القدرة على المضي قدماً فيها خصوصاً مع مطالبة
الدليل في بعض الأوقات بالهرولة هرباً من العربات القادمة ..
زيارة هذه المنجم أو غيره قد يواجه السائح فيها مخاطر إضافية حيث قرأت لدى عدد من المدونيين تجارب سيئة لبعض
شركات السياحة كأن تكون الطرق داخل المنجم طينية أو زلقة مع المطالبة الدائمة بعملية الجري أو الهرولة
أو أن يكون الدليل في حالة بسيطة من السكر فضلاً عن وجود أعداد من عمال المناجم في حالة سكر
متقدمة مع قيامهم ببعض الأعمال الخطرة كالتفجير دون أخذ احتياطات تذكر .. أيضاً هناك مخاطر
صحية على من يتعرضون بشكل دائم لغبار السيليكا للإصابة بمرض السحار السيليسي
(Silicosis) وهو أحد الأمراض الرئوية وعليه يجب عدم إهمال اللثام أو الكمامات ..
أنهينا جولتنا عائدين إلى ذلك المنزل لتغيير ملابسنا قبل أن يتم إيصالنا إلى وسط المدينة عند الساحة وكان ذلك قرابة الواحدة
ظــهراً ، سلكت طريــقاً آخراً غير طريق الذهاب للوصــول إلى الفندق لأخذ الحقيبة ، الطــرق كانت جمـيلة مع انتشار تلك
المباني التاريخية لكن كان الإشكال في عملية التضاريس الصعبة للمدينة بين علو وهبوط مما يجعل التجوال متعباً
فيها ثم أوقفت سيارة أجرة لتوصلني إلى محطة الحافلات الجديدة Nueva Terminal de buses والتي
تقع في شمال المدينة وهي محطة منظمة ومتوسطة الحجم ، بحثت عن أقرب رحلة
ستغادر إلى سوكري ووجدت ما أريد في حافلة ستغادر خلال ساعة
في رحـــلة مدتها 4 ســاعات تقريباً لأنهي بذلك رحلتي
القصـــيرة إلى المدينة والتي ليس فيها أنشطة
تذكر غير زيارة المناجم ..
وقبل أن أنهي حديثي عن هذه المدينة وخصوصاً لمن أراد زيارتها أفضل أن يطلع على بعض المواقع التي
ذكرت قصصاً عن الصعوبات والمآسي التي واجهها الأهالي جراء العمل في المناجم
وما يحصل لأعداد كبيرة من الأطفال من قهر وذل وذلك لاستشعار الجانب
الإنساني أثناء الزيارة كي تأخذ بعدها الحقيقي المستحق ..
هي العاصمة الدستورية لبوليفيا ، تقع في الجزء الجنوبي الأوسط من بوليفيا ويتجاوز عدد سكانها 320 ألف
نسمة وهي سادس مدينة اكتظاظا بالسكان ، نأسست عام 1538 وترتفع عن سطح البحر
بـ 2810 متر ولديها مناح معتدل تقريباً طوال العام ، لديها تاريخ مرتبط بمدينة
بوتوسي حيث كانت ملاذاً جذاباّ للأثرياء والمؤثرين ممن لديهم صلة
بمناجم بوتوسي ، لديها مطار صغير يقدم وجهات معدودة ..
الوصول إلى المدينة
بعد اقتراب انقضاء تلك الساعات في الحافلة والتي انطلقت بها من مدينة بوتوسي قاربنا على الوصول إلى مدينة سوكري والتي
كان جزءها الجنوبي عبارة عن واد عميق فيه مئات المساكن والتي استغربت تواجد هذا العدد منها لخطورة الموقع وقت
الأمطار وكنت أود لو أن لدي الوقت الكافي لزيارتها ، بعيد مغيب الشمس وصلت الحافلة إلى وسط المدينة ثم
حجزت نزلاً قرب ساحتها الرئيسية والمسماة بـ Plaza 25 de Mayo لأقوم بعدها بالتجوال في
المنطقة المحيطة ، الأجواء كانت رائعة و لطيفة مع ميل بسيط للبرودة ، عدد السياح
والمتنزهين قرب الساحة كان كبيراً مع انتشار لعدد من الباعة المتجولين ، نوعية
المحلات بدا أنها أكثر حداثة وأفضل ترتيباً من باقي المدن السابقة ، هناك
بعض المرتفعات والمنخفضات البسيطة وسطها لكن ليس كتلك التي
في مدينة بوتوسي ، أدركت عدداً من المكاتب السياحية فاتحاً
لكني لم أحجز منها أية رحلة للغد لأن النشاط الذي أرغب
القيام به بإمكاني الوصول إليه بشكل فردي ، ثم
عدت لاحقاً إلى النزل للمبيت ..
في الصباح أتممت عملية الخروج من النزل واضعاً حقيبتي لديهم ريثما أعود بعد الظهر ، تجولت في أجزاء أخرى من المدينة قبل
أن أعود إلى الساحة الرئيسية للذهاب إلى أبرز النشاطات القريبة من المدينة حيث زيارة Parque Cretácico والتي لديها
حافلة تنقل المتنزهين بسعر جيد من وإلى المنتزه ، كانت الحافلة من طابقين ، الأعلى منهما مفتوح ، وصلنا إلى
المنتزه خلال أقل من نصف ساعة حيث يقع في طرف المدينة قرب منطقة تكثر فيها الشاحنات والمعدات
الثقيلة وأحد المصانع بجانب مدخلها ، بعد شراء التذاكر والدخول تتواجد بعض المجسمات لعدة أنواع
من الديناصورات وصالة لعرض بعض البرامج الوثائقية ثم حديقة صغيرة ومطعم أو اثنين ثم مطل
على آثارها ، وللنزول إلى أسفل حيث أثار مواطئ الديناصورات لا بد من مرافقة دليل
وهذا يتطلب الانتظار قليلاً ريثما تخرج المجموعة التي في الأسفل ..
قبيل النزول تم إعطائنا خوذة و نظارة و في اعتقادي ليس لهما أي داع فالــمكان ليس خــطراً ثم تم تقسيمنا مجموعتين الأولى
لمن يجيد اللغة الإسبانية والأخرى للغة الإنجليزية ، عند كل مرحلة من النزول يتوقف الدليل لإعطائنا بعض المعلومات
حتى وصلنا أخيراً إلى أقصى نقطة حيث تجولنا لعدة دقائق قبل العودة إلى الأعلى .. ، عند حلول موعد
الحافلة توجهنا إليها عائدين إلى وسط المدينة ظهراً قبل أن أعود لاحقاً إلى النزل ثم التوجه للمطار
بغية السفر إلى لاباز والذي يقع شمال المدينة ويبعد عن وسطها قرابة 10 كلم ..
في المطار كان هناك تنظيم غريب حيث أنه وبعد قطع البوردينج لا يسمح لك بالدخول إلى صالة المغادرة
حتى يقترب موعد الرحلة حيث يقف أحد الموظفين مهمته فرز المسافرين ، وعندما يسمح
لركاب هذه الرحلة بالدخول يتم النداء عبر المذيع الداخلي برقم الرحلة ..
ولأنهي بذلك رحلتي القصيرة إلى هذه المدينة ..
هي العاصمة الفعلية لبوليفيا تأسست عام 1548 م ، تقع في جبال الإنديز على ارتفاع يتراوح
بين 4058 و 3100 متر ، وهي أعلى عواصم العالم ارتفاعاً كما هو مطارها الدولي ..
بنيت المدينة في الوادي الذي أنشأه نهر تشوكويابو قبل أن تمتد على المرتفعات المحيطة به
حتى وصلت إلى أعلى أراضيها حيث منطقة ألتو والتي بني المطار فيها ، وتقع
جنوب خط الاستواء بـ 16 درجة ، مناخها ممطر صيفاً وجاف شتاء وقد
تتساقط فيه الثلوج أحياناً و هي باردة طـــوال السنة لكن أشهر
الشتاء أكثر قسوة حيث تصل إلى 4- إن لم تتجاوز ذلك ..
الوصول إلى لاباز
وصلت إلى مطار لاباز بعد غروب الشمس وهو يقع في منطقة ألتو أعلى مناطق المدينة وسط أجواء باردة واستقليت سيارة أجرة
لتوصلني إلى وسط المدينة ، كانت هناك أعمال صيانة في الطريق المنحدر إلى وسط المدينة مما زاد من زمن الطريق ويبدو
أنها طوبلة الأمد ، حينما وصلت قرابة الثامنة توجهت مباشرة لإدراك بعض من المكاتب السياحية قبل إغلاقها لحجز أحد
أبرز الأنشطة في المدينة وحولها ثم توجهت إلى الفندق والذي يقع على شارع Sagarnaga وبعدها إلى ساحة
Plaza Mayor القريبة أسفل المنحدر الذي أقيم فيه الفندق ، تجولت فيها وكانت ساحة لطيفة تفتقر إلى
المسطحات الخضراء لكن فيها مدرجين يقام فيهما بعض العروض فضلاً عن انتشار لكثير من
الباعة المتجولون و أعداد روادها كبير ، توجهت بعدها عبر جسر صغير إلى منطقة
الأسواق القريبة والتي بدأت بعض محلاتها بالإغلاق قبل أن أعود
إلى الفندق مع اتجاه آخر أكثر هدوء ..
في صباح اليوم التالي أتى أحد الأشخاص لأخذي للمكان الذي ستمر فيه الحافلة الصغيرة للذهاب بنا إلى مغامرة هذا اليوم حيث
عبور أحد أشهر الطرق في أمريكا الجنوبية حيث طريق الموت عبر الدراجات الهوائية ، واسم الطريق الحقيقي هو طريق
يونغاس Yungas Road وهو الطريق الوحيد الذي كان سابقاً يربط بين بلدة كورويكو Coroico المنخفضة بالعاصمة
لاباز قبل أن يتم إنشاء طريق حديث قبل عدة سنوات مما ساهم في تقليل عدد المركبات السالكة للطريق
القديم ، كنا قرابة 8 سياح فرادى من 8 جنسيات مختلفة وأعطانا طول الطريق خصوصاً في العودة
فرصة للتحدث ولسماع الكثير من تجارب السفر والرحلات ، ولأكون صادقاً أن مثل هذه الدقائق
أحتاجها نظراً لكوني منفرداً وقلما أجد شخصاً أتكلم إليه وأسمع منه لكنها وبكل
تأكيد لا ولن تثنيني عن السفر وحيداً قادم السنوات بإذن الله ..
و بالعودة إلى الحافلة والتي كانت تحمل على ظهرها عدداً من الدراجات فقد تجاوزت بنا وســط المدينة حتى وصلنا إلى أطــرافها
فتوقفنا لتناول بعض المأكولات البســيطة و منتظرين حافلتين أخريين تحملان أعداداً مماثلة من السياح ، واصلنا المسير بعدها
قرابة النصف ساعة قبل أن نتوقف جانباً في أرض منبسطة قرب الطريق حيث تم إعطائنا بعض الأوراق للتوقيع عليها وهي
تختص بمواضيع السلامة إضافة إلى عدم تحملهم ما قد يصيب الراكب من إصابة أو وفاة ثم تم إنزال الدراجات
وترتيبها بحسب أحجامها كما نحن بحسب أطوالنا ثم يأخذ كل واحد منا دراجته ما عدا بعض الأشخاص
الذين حجزوا دراجات مميزة فتم النداء عليهم بالاسم ،ثم لبسنا أدوات السلامة الخاصة بالمرفق
والركبة إضافة إلى الخوذة والقفازات قبل أن يتم إعطائنا بعض الوقت للتدرب على الدراجات
في هذه الساحة وإعطائنا بعض التعليمات قبل البدء في الرحلة وأخبرونا أن المسافة
التي ستقطع عبر الدراجات ستصل إلى قرابة 64 كلم وأغلبها بشكل
منحدر بنسبة بسيطة لتسهيل الرحلة ..
الرحلة تبدأ من علو 4650م حيث ممر La Cumbre نزولاً إلى 1200م ، كانت المنطقة المحيطة بنا شديدة البرودة والثلوج بادية
على قمم الجبال القريبة ، انطلقنا بداية على الطريق المعبد وكان يتقدمنا أحد الأدلة وفي الوسط ثان وثالث في الأخير
إضافة إلى الحافلات الثلاث خلفه ، البداية كانت سهلة لكن مع وجوب توخي الحذر من السيارات العابرة
للطريق ، كانت سرعتنا عالية نظراً للانحدار وكنا نتوقف عدة مرات ليجتمع العدد حيناً ولإعطاء بعض
التعليمات حيناً أخر ، في أحد المرات اضطررنا للعبور خارج الطريق المعبد نظراً لوجود نفق
ضيق من الخطورة أن نعبره مع مرور السيارات فالتففنا من خلفه ، بعد مضي قرابة
الأربعين دقيقة توقفنا جانباً وحملنا الدراجات على الحافلات للانتقال بها إلى
الجزء الأجمل في الرحلة حيث طريق الموت بضيقه وأرضيته الوعرة ..
بعد قرابة النصف ساعة توقفنا على بعد مسافة يسيرة من أول الطريق غير المعبد وكل أخذ دراجته ثم أخذنا بعض التعليمات اليسيرة
كان أبرزها أن نسلك الجهة اليسرى ( إن لم أكن مخطئاً ) من الطريق في النصف الأول من الطريق والأيمن في الثاني عند
مرور المركــبات ثم تم أخذ مبلغ 50 بوليفيانو من كل سائح لأن هناك نقــطة لا يــسمح بالمرور منها إلا بعــد دفع هــذا
المبلغ ، ثم انطلقنا وسط ضباب بسيط قبل أن ينقشع لاحقاً كانت البداية قلقة وحذرة نظراً لوعورة الطريق مما
يجعلك ممسكاً بالمقود بقوة خوفاً من بعض الحجارة التي ستفقدك السيطرة عليه ، توقفنا عدة مرات
للتصوير وللاطلاع على بعض المعالم لكن التوقف الأول كان أمام تذكار بسيط أقامته عائلة سائح
من الكيان الصهيوني لقي حتفه في هذا الموضع وتم إخبارنا أن عدد السياح الذين لقوا
حتفهم في هذا الطريق من ركاب الدراجات يبلغ 19 سائحاً حتى حينه ..
اكملنا المسير وسط أجواء باردة ومناظر خلابة ومنعطفات خطرة خصوصاً عند مرور بعض المركبات ، أما الطريق
نفسه فكان متوسط عرضه 3 أمتار والمنطقة الجانبية اليمنى كانت في الغالب جبالاً عالية أما المنطقة
اليسرى فكانت في أغلب الطريق هوة سحيقة تمتد مئات الأمتار ، في بعض الأماكن كانت المياه
تتساقط علينا من الجبال في مشاهد جميلة وفي أحياناً أخرى كانت المياه تقطع الطريق
مما يتسبب في تبلل الجزء السفلي واستمرينا على هذه الحالة لمدة تقارب على
الساعتين لكن مع ارتفاع لدرجات الحرارة نظراً لنزولنا إلى الأسفل ..
ومن المواقف التي حصلت في منتصف الطريق وكانت أثناءها المسافات بين أغلب الدراجين متباعدة أنني أنا والسائح الذي
أمامي شاهدنا دراجة ملقاة على الأرض لوحدها دون راكبها وما أن توقفنا بحثاً عن صاحبها خوفاً من فقده إلا وخرج
علينا من وسط الأشجار المتراصة و الممتدة بضعة أمتار قبل الهاوية وبعض من ملابسه ممزقة و وقلبه يرتعد
من الخوف والارتباك يعلو تصرفاته ولا يلام فقد كان قريباً من أن يحمل الرقم 20 ، سألناه إن كان بخير
فأشار أنه ما دام حياً فهو بخير ، ركب دراجته منطلقاً بسرعة ومقاوماً لآلامه فقد كتبت له حياة
جديدة ، كنت خلفه لبعض الوقت للتأكد من قدرته على المواصلة حيث بدأت سرعته
فيما بعد بالتباطؤ لكن مع اقتراب مزيد من الدراجين تركته وأكملت طريقي
ثم شاهدته في آخر الطريق وقد أكمل جولته ..
في الثلث الأخير من الطريق قد يعاني البعض من التعب لأنه في بعض مئات الأمتار يقل انحداره مما يتطلب أن يقوم الراكب
بمزيد من الجهد لمواصلة المسير ، في نهاية الطريق والرحلة توقفنا في استراحة صغيرة لقرابة الساعة أو أكثر قليلاً
لتناول وجبة الغداء وللاغتسال في دورات المياه المتعددة ، أما أنا فتوجهت نحو النهر الذي أسمع صوت خرير مياهه
لكن لا أشاهده خلف الأشجار القريبة من الاستراحة واستمتعت بتلك المياه الجارية بعض الوقت قبل العودة ،
بعد أن ركبنا في الحافلة وسرنا لدقائق بسيطة توقفنا في أحد التقاطعات لإنزال سائحين يرغبان في
التوجه إلى بلدة Coroico نظراً لقربها من هذه النقطة ثم أكملنا الطريق صعوداً إلى لاباز والتي
وصلنا إليها بعد مغيب الشمس ، انتظرنا قليلاً في المكتب السياحي ريثما يتم الانتهاء
من إعداد السيدي الخاص بالرحلة ثم غادر كل في سبيله ..
El alto market 16 de Julio
في صباح اليوم التالي والأخير لي في بوليفيا اخترت أن يكون مفتوحاً دون الارتباط بأمر محدد لزيارة بعض من معالمها ، بعد
أن تناولت وجبة الإفطار توجهت للتنزه في سوق الخضار المفتوح على امتداد طريق قريب جداً من الفندق لألحظ
وجود كثير من السكان في لباسهم الرياضي مسرعين في خطاهم متوجهين إلى ساحة Plaza Mayor
القريبة وكنت حينها أسمع أصواتاً لشخص أو اثنين يتكلمان عبر المكبرات ، في البداية ظننته
صادراً من إحدى المظاهرات لكن حينما توجهت إليه تبين لي أن هناك سباقاً يقام في
تلك الساحة وسط بعض المظاهر الاحتفالية وأعداد كبيرة من المتسابقين ..
بعد أن تابعت جزء من السباق توجهت إلى إحدى محطات التلفريك القريبة والتي يتطلب الوصول إليها شيئاً من الجهد
نظراً لوقوعها في موقع مرتفع ، والتلفريك واحدة من أهم وسائل النقل العامة في لاباز و التي تسهم في
تسهيل عملية التنقل بين بعض أجزاءها خصوصاً مع تفاوت الارتفاع ، كانت المحطة واسعة وحديثة
ومتعددة المرافق والتنظيم داخلها رائع وسلس رغم ازدحامها ، عدد العربات كان كبيراً
وتتسع الواحدة منهن إلى 10 أشخاص وكانت المناظر في هذه الوصلة جميلة
نظراَ لصعودنا إلى منطقة ألتو أعلى مناطق المدينة ..
ما أن وصلت إلى المحطة التالية و نزلت حتى رأيت أحد أكبر الأسواق الشعبية في العالم حيث سوق ألتو El alto market ويطلق
عليه محلياً بـ 16 de Julio والذي يقام كل يومي خميس و أحد ويمتد لعدة كيلو مترات ويباع فيه كل ما يمكن أن تتصوره
من البضائع الجديدة والمستخدمة وحتى الهالكة تجولت في الجزء القريب لمدة ساعة تقريباً قبل أن أنزل إلى بعض
المنازل المتهالــكة والتي كانت مأوى لعدد من الكلاب – أعزكم الله – لم تكــف عن النباح طيلة بقائي هناك ،
هذه المنازل والممرات الفاصلة بينها تتميز بإطلالات مباشــرة وجميلة على المدينة حيث التقطت بعض
الصور عابها إن توقيتها قرب فترة الظهيرة ،بعد خروجي من هذه المنطقة أردت العودة إلى محطة
التلفريك حيث مررت بعدد من المنازل التي يقوم أهاليها بإعداد الأطعمة بقدور كبيرة قبل
نقلها إلى السوق الشعبي ، كان هناك استنفار في هذه المنطقة فكل فرد من أفراد
كل عائلة لديه مهمة يقوم بها فهذا اليوم هو فرصة لزيادة دخل العائلة وأفرادها ،
وعلمت فيما بعد أن أعدادا جيدة من أصحاب المحلات في مختلف أرجاء
المدينة يقومون بإغلاقها هذا اليوم والتوجه بما استطاعوا
حمله إلى هذا السوق ..
وصلت إلى محطة التلفريك التي نزلت منها لكني اخترت مساراً آخر حيث تجولت في عدة أماكن أخرى يصل
إليها التلفريك والملفت كان امتداد هذا السوق لمسافة كبيرة وتشعبه حتى بلغت قرب أطراف
المدينة ثم قمت بالعودة لاحقاً إلى وسط المدينة حيث المحطة التي انطلقت منها ..
توجهت نحو سوق الساحرات Witches' Market القريب من سكني وهو ما يطلق عليه محلياً بـ Mercado de Hechiceria أو
Mercado de las Brujas وهو عبارة عن عدد من محلات العطارة والتي تبيع أيضاً شيئاً من التمائم والتعويذات
والحيوانات الصغيرة المحنطة خصوصاً أجنة اللاما لأن بعض البوليفيين ما زال لديهم اعتقادات غريبة
عند دفنها أسفل المنازل كنوع من القرابين لبعض الآلهات المزعومة ، كذلك تنتشر
العديد من محلات الهدايا والتذكارات والأقمشة في نفس السوق ..
valle de la Luna
ونظراً لبقاء قرابة الثلاث ساعات قبل غروب الشمس فقد توجهت عبر سيارة الأجرة إلى وادي القمر valle de la Luna حيث تبلغ
قيمة تذكرة الدخول إليه 15 بوليفيانو والطريق إليه يمتد لقرابة نصف الساعة ، والحقيقة لا أعلم سر تسميته بالوادي
فهو أبعد ما يكون عنه لأنه عبارة عن مجموعة من القمم الصغيرة المكونة من الطين والحجارة الرملية والتي
تتأثر بالرياح وبالمطر مكونة متاهة جميلة من الطرق الضيقة متفاوتة الارتفاع ، عند الدخول يتواجد مركز
للمعلومات السياحية ثم بإمكانك اختيار أحد مسارين للبدء في الجولة أولهما يمتد لقرابة الربع
ساعة والثاني يمتد لمدة تتجاوز النصف ساعة وتستطيع أن تتجاوز تلك المسارات نحو
بعض الأماكن الأكثر جمالاً لكن لابد من الحذر فالتربة قد تنزلق بك إلى القاع نظراً
لنعومتها ، ومما يعاب على المكان وجود بعض الروائح الكريهة آخر المنتزه
نظراً لوجود منطقة للمجاري – أعزكم الله – قريبة من هناك ..
رجعت إلى وسط المدينة بعد الغروب تجولت قليلاً قبل أن أخلد إلى النوم باكراً مودعاً آخر الليالي في لاباز
وبوليفيا ، وبعد الفجر توجهت نحو المطار لمغادرة بوليفيا ومتوجهاً إلى مدينة كوسكو البيروفية في
رحلة قصيرة تمتد لثلاثة أيام ، كان المطار متوسط الحجم والخدمات المقدمة فيه جيدة
لكن صالة المغادرة الدولية النهائية كانت أكثر فخامة وهدوء رغم صغرها نظراً
لأن أغلب الرحلات الدولية تكون وجهتها مدينة سانتا كروز ..ولأنهي
بذلك أحداث رحلتي الجميلة إلى بوليفيا والتي أتمنى
أنكم قضيتم وقتاً ممتعاً معها ..
منطقة إل ألتو من الطائرة
بحيرة تيتيكاكا من الطائرة
الخاتمة
بوليفيا بلد جميل وتجربة موفقة لي ولله الحمد ، قد يناسب محبي المغامرة والسياح الأكثر جلادة بحكم تضاريسه الوعرة
وبرودة الطقس والارتفاع العالي جدا لمناطق عدة عن سطح البحر وما يصاحب ذلك من تأثيرات على جسم
الإنسان قد لا يتحملها أو يتقبلها البعض ، ومن المؤكد أن البلد ليس خياراً صحيحاً لمحبي التسوق ،
أما الحالة الاقتصادية فمن الواضح وجود أعداد كبيرة من السكان يعانون من الفقر أو يقتربون
منه ، أما الأهالي فمتعاونون إلى حد كبير رغم أن اللغة الإنجليزية نادرة الاستخدام ،
و أعترف أن مدة بقائي فيها كانت أقل من المطلوب بثلاثة أيام على
الأقل إضافة إلى أن وقت الرحلة كان من الأفضل أن
يتوافق مع بعض الاحتفالات الشهيرة هناك لكن
وقت الإجـــازة ليس لدي حــل تجــاهه ..
ختاما أتمنى أن يكون التقرير سلط شيئاً ولو يسيراً من الضوء على هذا البلد الجميل
و أن تكون بعض لمعلومات مدعاة لزيارة البعض له ، و إلى لقاء قريب بإذن
الله في تقرير قصير عن زيارتي إلى الماتشو بيتشو في البيرو ..
ودمتم في رعاية الله وحفظه ..