بسم الله الرحمن الرحيم
من منا من لم يسمع بحضارة الإنكا أو واحدة من عجائب الدنيا الجديدة حيث مدينة ماتشو بيتشو والتي بنيت خلال
القرن الخامس عشر على ارتفاع 2280 متراً والتي تقع بين جبلين وعلى جانبيها هاوية سحيقة تمتد مئات
الأمتار وأسفلها نهر أوروبامبا ، هذه المدينة التاريخية المذهلة و التي اكتشفت عام 1911 حيث سلمت
من تدمير المستعمر الأسياني بسبب اختبائها وسط الجبال بطريقة عجيبة ، ولا أعجب من اختبائها
إلا طريقة العمارة الهندسية المتقنة رغم أن غالبية بنيانها شيد عبر الآف الصخور الكبيرة
والتي يصعب تصور كيفية نقلها وترتيبها في مثل هذا المكان العالي جداً .. ، هذه
المدينة الرائعة تمتلك ثلاث طرق للوصول إليها من أحد أجمل مدن البيرو حيث
مدينة كوسكو ، سأتكلم في تقريري باختصار عن الطريقتين الأولى
والثانية قبل أن أفصل الثالثة إضافة إلى بعض مجريات رحلتي
القصيرة وبالله أبدأ و أستعين ..
الطريقة الأولى : الهايكنج أو المشي الجبلي
وهو في رأيي أجملها وأكثرها إثارة والذي تمتد خياراته من يومين حتى 7 أيام تقريباً وهناك عدة مسارات معروفة
لا يمكن للسائح سلوكها إلا عبر دليل معتمد ، أشهر تلك المسارات وأكثرها طلباً هو Inca Trail و يمتد إلى
قرابة 45 كلم وعدد التصاريح التي تصدر هو 500 تصريح لكل يوم ويجب حجزها قبل شهرين أو
ثلاثة خصوصاً إذا كانت الزيارة ستكون في أشهر يونيو ويوليو وأغسطس وهنا لا بد
من التذكير أن شهر فبراير يتم فيه إغلاق الطريق .
تكلفة هذا المسار قد تصل إلى 600 دولار لأن من ضمنها قيمة الترخيص والتي تقارب على 90 دولاراً
والنقل إلى نقطة الإنطلاق وتذكرة دخول الماتشو بيتشو 45 دولار وقطار العودة والنقل
إلى كوسكو فضلاً عن وجبات الطعام والحمالين وبقية المصاريف والمكسب
التي ترغب كل شركة باستحصاله من كل سائح ..
ويأتي بعد Inca Trail مسار Salkantay والذي لا يحتاج إلى تصاريح لسلوكه ويمكن حجزه قبل أسابيع
قليلة أو حتى بضعة أيام في بعض الحالات ثم يأتي مسار Lares trek والذي لا
يحتاج أيضاً لاستخراج تصريح لسلوكه ..
الطريقة الثانية : القطارات
عبر السكك الحديدية وهذه الطريقة هي أشهر الطرق و أسرعها وأكثرها راحة للوصول إلى Aguas Calientes وهي
أقرب بلدة إلى الماتشو بيتشو وتكلفتها متفاوتة حيث تبدأ من 108 دولاراً حتى 875 دولاراً لمجموع
رحلتي الذهاب والعودة ، وهناك شركتين تقومان بهذه الخدمة أولاهما Peru Rail Trains
وتقدم ثلاث فئات الأولى The Hiram Bingham Train وهي الأفخم لكن لا
تعمل يوم الأحد ، و الثانية The Vistadome Train وتقدم عدة
رحلات يومية وهي الفئة المتوسطة ،و الثالثة The
Backpacker Train وهي الفئة الاقتصادية
إلى ماتشو بيتشو
من ماتشو بيتشو
الشركة الثانية هي Inca Rail وهي تقدم أيضاً عدة فئات ..
من poroy
من urubamba
من Ollantaytambo
من ماشو بيتشو
* كل الجداول السابقة عرضة للتغيير لكن أدرجتها لأخذ فكرة عن تعدد الرحلات وأثمانها ..
ومما يجدر الإشارة إليه أن المحطات التي تنطلق منها تلك القطارات أو تمر عليها لكلا الشركتين هي :
Poroy وهي بلدة صغيرة على مشارف مدينة كوسكو ويمكن الوصول إليها عبر سيارات الأجرة من وسط
المدينة خلال 20 دقيقة تقريباً ومدة الرحلة بالقطار وصولا إلى بلدة أغواس كالينتيس قرب الماتشو
بيتشو 3 ساعات وعشرون دقيقة تقريباً ولديها توقف واحد في مدينة Ollantaytambo ..
Ollantaytambo وهي مدينة تبعد عن كوسكو ساعتين عن طريق سيارة الأجرة ومدة الرحلة ب
القطار وصولاً إلى أغواس كالينتيس ساعة وخمسون دقيقة تقريباً ..
Urubamba وهي بلدة تقع بين المدينتين السابقتين لكنها أقرب إلى Ollantaytambo
حيث لا تبعد عنها سوى 25 كلم تقريباً ..
الطريقة الثالثة
وهي الطريقة الأرخص و التي سلكتها ذهاباً وإياباً رغم ما فيها من مشقة وخطورة ، وهي بشكل مختصر تتطلب المرور
على 3 بلدات بواسطة السيارة ثم المشي قرابة 11 كلم بجانب سكة القطار قبل الوصول أخيراً إلى بلدة
Aguas Calientes بالقرب من الماتشو بيتشو ثم الصعود مشياً على الأقدام إلى المدخل الرئيسي
قبل شروق الشمس ، وإليكم تفاصيل هذه الطريقة بشكل دقيق لكن قبل ذلك مقدمة
قصيرة لوصولي إلى كوسكو وطريقة حجز تذاكر الماتشو بيتشو ..
الوصول إلى كوسكو
بعد انتهاء جولتي في بوليفيا توجهت من عاصمتها لاباز إلى مدينة كوسكو البيروفية في رحلة استغرقت مدتها
ساعة واحدة حيث وصلت إليها في نفس الساعة التي غادرت منها لاباز نظراً لفارق التوقيت ( -1 ) ،
المطار كان صغيراً و إجراءات الدخول سهلة وميسرة لكن لا بد من استخراج التأشيرة
بشكل مسبق من السفارة في الرياض وفي هذا الرابط هناكل تفاصيلها ..
توجهت إلى وسط المدينة لتواجد أعداد كبيرة من النزل قرب ساحتها الشهيرة San Blas وحجزت في إحداها تلك الليلة
والليلة بعد القادمة لأن الليلة التي بينهما سأبيت في بلدة Aguas Calientes القريبة جداً من الماتشو بيتشو ، وكان
لدي تذكرة مسبقة لدخول الماتشو بيتشو حجزتها عن طريق الموقع التالي هنا وأيضاً هناك موقع آخر
أكثر شمولاً والحجز عن طريقه موثوق وآمن هنا ..والأنظمة والترتيبات قد تتغير
سنة بعد أخرى لأن هناك فارق بين الوضع الذي كان عليه العام الماضي
والعام الحالي في بعض الترتيبات ..
وكذلك كانت لدي تذكرة للدخول إلى منطقة الجبل Machu Picchu Mountain والتي ترتفع مسافة 3062متر وهي مع
منطقة Huayna Picchu والتي ترتفع 2693 متر خيارين إضافيين جميلين يستوجب حجزهما باكراً نظراً
لمحدودية العدد ( 800 تذكرة للجبل ، 400 تذكرة لـ Huayna ) خصوصاً Huayna Picchu التي
سرعان ما تنقضي تذاكرها باكراً ، أول ما توجهت له في وسط المدينة هو
المكتب الذي يقوم ببيع التذاكر للتأكد من عدم الحاجة إلى طباعة
نسخة فعلية من التذكرة وهو ما تم تأكيده من الموظف هناك
إضافة إلى تأكيده علي بوجوب إحضار أصل الجواز عند
بوابة الماتشو بيشو لمطابقة البيانات ..
بعد أن أنهيت هذه المهمة بدأت بالتجول في ساحات المدينة ومبانيها وأسواقها التاريخية وسط أعداد كبيرة
جداً من السياح ومن رجال الأمن أيضاً قبل أن أذهب بعد الظهر إلى أطرافها وضواحيها ، المدينة
جميلة ومتعددة الخيارات سواء من ناحية السكن أو المطاعم والأسواق وكذلك الأنشطة
المتعددة وإن غلب الطابع التاريخي على أجزاء منها وتستحق 3 أيام لمن أراد
التمتع بأغلب تلك الأنشطة و أترككم مع بعض الصور المختلفة ..
Callejon de Loreto
Mercado Central de San Pedro
هناك صور أخرى من قسم اللحوم في السوق غريبة لكن مقززة وترفعت أن أضعها هنا
وجبة محلية بسيطة من وسط السوق يعابها أنها باردة
Sacsayhuaman
Cristo Blanco
~ الطريقة الأرخص ~
بعد إن بت الليلة الأولى في كوسكو قمت باكرا وقد كنت مجهزاً حقيبة ظهر صغيرة فيها ما سأحتاجه لليلة واحدة أما حقيبتي
الرئيسية فأبقيتها عند استقبال النزل لأخذها بعد الرجوع وتوجهت عند الساعة الخامسة والربع فجراً إلى طريق Antonio
Lorena حيث يتجمع عادة سائقي الأجرة بمختلف مركباتهم لنقل الأهالي والسياح إلى المدن والقرى
المحيطة بكوسكو وكل يلوح بوجهته المقصودة وسعره الزهيد ويحاولون جذب الزبائن ما استطاعوا
إلى ذلك سبيلاً ، كنت أرغب بالحصول على سيارة نقل مشتركة تقلني إلى الوجهة قبل
النهائية حيث محطة القطار القريبة من Hidroelectrica لكن لأن الأمر يتطلب مزيداً
من الصبر ريثما يكتمل عدد الركاب خصوصاً أن أغلب المركبات المتوجهة لها
تكون حافلات لا يقل عدد ركابها عن 12 راكباً ففضلت أخذ سيارة صغيرة
عدد ركابها 4 سرعان ما اكتمل عددهم لكنها ستتوقف بي في
مدينة سانتا ماريا Santa María والبقية سيكملون طريقهم
إلى بلدة أخرى وكانت قيمتها 35 سول
( 10 سول يعادل 11.5 ريال تقريباً) ..
انطلقنا قبل شروق الشمس وذلك عند الساعة 5:45 وكان الطريق في بدايته جيد جداً ومكوناً من 3 مسارات في كل اتجاه قبل
أن يضيق بعد خروجنا من ضواحي المدينة إلى مسار واحد في كل اتجاه لكنه ظل جيداً ، بعد ذلك بدأت حالة الطريق
بالسوء بشكل كبير حيث انقطع الإسفلت وبدأنا بسلوك طريق غير ممهد وضيق في بعـــض الأحيان لا يكاد
يتسع إلا لسيارة واحدة وفي بعض أجزاءه عمال يقومون بإصلاح أسوء نقاطه لكنه ليس بخطر خصوصاً
في فترة النهار ، في هذا الجزء السيئ مررنا بمحاذاة إحدى سكك القطار القريبة قبل أن نعود
لدقائق إلى طريق مسفلت لكن سرعان ما عاودنا الرجوع إلى الجزء غير الممهد حتى
اقتربنا من بلدة Ollantaytambo عند السابعة والربع عندها تحسن الطريق بشكل
كبير واستمر كذلك حتى وصولنا فيما بعد إلى سانتا ماريا ، بعد أن
تجاوزنا مدينة Ollantaytambo بقرابة 20 دقيقة توقفنا لأقل من
نصف ساعة في إحدى الاستراحات لتناول طعام
الإفطار لمن أراد ذلك ..
عند توقفنا للإفطار
بعد ذلك بدأنا الدخول في منطقة يتخللها عدد من المرتفعات والمنعطفات قبل أن يعتدل الطريق في آخره
حيث وصلنا إلى مدينة سانتا ماريا الصغيرة عند قرابة الساعة العاشرة حيث تم إنزالي وأكمل
البقية طريقهم ، المكان الذي نزلت فيه ينتشر بقربه محلات الفواكه والخضار وعدد
من محلات التموينات والمطاعم الصغيرة بحكم الوقوف المتكرر للحافلات
وسيارات الأجرة حيث يقوم بعض أصحاب المحلات وخصوصاً النساء
منهم بعرض منتجاتهم على الركاب خصوصاً إن سمح لهم
بالدخول إلى الحافلة وهو أمر شائع هناك ..
بحثت عن توصيلة إلى بلدة سانتا تريزا Santa teresa فأشاروا إلى سائق لأحد السيارات الصغيرة الواقفة جانباً
وبعد أن حادثته طلب مني الانتظار ريثما يكتمل العدد حيث أني أول الركاب وبانتظار اثنين آخرين
والسعر هو 10 سول لكل شخص فجلست جانباً بعض الوقت حتى أتى راكب ثاني
وبعده بقليل اكتمل نصابنا وذلك بعد قرابة 40 دقيقة من وصولي ..
انطلقنا عند الساعة العاشرة وخمسون دقيقىة ، بداية الطريق القريبة كانت مقبولة أما بقيته فكانت الأسوء على
الإطلاق نظراً لأنه غير معبد والغبار من السيارات المارة بقربنا لا يتيح لنا فرصة لفتح النافذة فضلاً عن
ضيقة حيث لا يتجاوز عرضه 4 أمتار في أغلب الأحيان والأدهى من ذلك أن إحدى جانبي الطريق
منحدرات بالغة الخطورة تصل إلى قرابة الثمانين متراً تزيد وتنقص بحسب المكان ، لكن
ما يخفف من ذلك كله أن مدة الوصول إلى سانتا ماريا لا تتجاوز الساعة حيث
وصلنا إليها عند الساعة الحادية عشر وخمس وأربعون دقيقة حيث
كان الطريق بقربها معبداً لكن ظل ضيقاً ..
سانتا تريزا بلدة صغيرة جداً لا شيء يذكر فيها مع وجود بعض النزل المعدودة ، كان هناك حافلة صغيرة تتسع لقرابة
12 راكباً ستتوجه إلى Hidroelectrica ولم يكن فيها سوى راكبين أنا ثالثهما وقيمة التوصيل 5 سول ، لم
ينتظر سائق الحافلة اكتمال العدد حيث غادرنا البلدة عند الساعة 12:10 لعلمه أن في أول
الطريق ركاباً من أهل المنطقة مع عددهم وأدواتهم يرغبون في إيصالهم ، كان
الطــريق مقبولاً و قصيـــراً حيث وصلنا إلى Hidroelectrica عنــد الساعة
12:35 حيث تتواجد عشرات المركبات التي نقلت السياح إلى
هذه النقطة حيث تتواجد ساحة عشوائية للمواقف ..
سانتا تريزا
عند نزولنا تقدمنا قرابة الخمسون متراً لتجاوز المركبات المتوقفة حيث بدأنا بمشاهدة سكة الحديد و المكتب الذي قبلها حيث يتم
تسجيل بيانات العابرين لهذا الطريق وهو أمر لا يحدث باستمرار حسب ما قرأت ، ثم يبتدئ مشوار مسافته 11 كلم مشياً
بجانب وعلى سكة الحديد في مدة يفترض أن لا تتجاوز الساعتين كمعدل طبيعي لكن الناس تختلف بذلك كل على
حساب نشاطه ، أول السكة تنتشر عدد من الأكشاك لبيع الفواكه وغيرها وهي فرصة للتزود قبل سلوك
الطريق ثم لديك خياران لسلوك الطريق الصحيح حيث أن سكة الحديد الأولى والتي تمتد لقرابة 400
متر تنقطع ويتوجب البحث عن السكة الأساسية والتي تستمر طيلة الطريق ، الخيار الأول وهو
الذي سلكته في رحلة الذهاب رغم قلة سالكيه هو الاستمرار بالمشي حتى نهاية السكة
الأولى حيث تتوقف أمام مرتفع جبلي لا يتجاوز ارتفاعه 4 أمتار ثم التوجه يمينا بزاوية
45 تقريباً لقرابة 50 متراً وسط الأشجار حيث ستصل إلى السكة الثانية ثم تتوجه
معها يساراً ، أما الخيار الثاني فيتوجب عليك البحث عن بعض الجواد
المتجهة يميناً عند الوصول إلى الأكشاك التي في السكة
الأولى والاستمرار في سلوكها صعوداً قرابة 70 متراً
حتى تصل إلى السكة الثانية ثم التوجه يساراً ..
بعد أن تزودت ببعض الفاكهة والمياه سلكت الخيار الأول حيث استمريت بالمشي بجانب السكة الأولى حتى انتهت ولم يكن هناك
أي لوحة إرشادية تساعد في تحديد الوجهة الصحيحة بعد ذلك ، لكن بالنسبة لي فلم يكن هناك أي أمر يجعلني في
عجلة من أمري بعد أن وصلت هذه المنطقة وانتهيت من عملية التنقل عبر سيارات الأجرة ولذلك قررت الاستمتاع
وأخذ الوقت الكافي في مختلف أرجاء هذا الطريق خصوصاً أنه في طريق العودة من الغد لا مجال للتأخر فيه
فيجب أن يقطع في أقصر مدة ممكنة ، ونعود إلى حيث توقفنا عند نهاية السكة الأولى حيث يتواجد
مرتفع يقترب من الأربعة أمتار حاولت في البداية أن اتجه يساراً بعد صعوده لعلمي أن الطريق
يقترب من النهر ويتجه يساراً في بدايته لكن سرعان ما تبين خطأي مع بعض السياح
الآخرين نظراً لتواجد النهر بشكل قريب جداً ولا توجد أثار للمشاة في الضفة
الثانية فتراجعت واتجهت يميناً وسط الأشجار مع البقية مع وجود
مرتفع آخر حتى وصلت إلى سكة الحديد الثانية ثم
توجهت يساراً بمحاذاتها..
نهاية السكة الأولى
بدأت بالمسير بجانب السكة في بعض الأحيان وعليها في أحيان أخرى بحسب صعوبة الأرض المجاورة لها ومعي عشرات السياح
الآخرين إن لم يكن أكثر من ذلك وسط بعض اللوحات الإرشادية التي تؤكد على عدم المشي على نفس السكة ووجوب
الابتعاد عنها حال مرور القطار ، من المناظر الجميلة في أول الطريق وجود جسر جميل يمر من أسفله نهر أوروبامبا
نزلت إليه للاستمتاع بمياهه حيث يتواجد سياح آخرون بعضهم يقوم بالسباحة وبعضهم يأخذ قسطاً من الراحة
مستمتعين بالأجواء الجميلة في ظلال الأشجار ، ثم واصلت المسير حيث كان الطريق يتسع أحياناً ويضيق
أحياناً أخرى وتتواجد بعض الاستراحات على مسافات متباعدة تحتوي على بعض الوجبات والعصائر
ودورات المياه ، ومياه النهر كانت تقترب جداً من السكة وتبتعد في أحيان أخرى ، وصادف أن
مر أحد القطارات في منتصف الطريق فتنحى الجميع جانباً في مشهد جميل ، ثم تابعت
المسير حتى اقتربت من الربع الأخير من الطريق حيث يضيق مجرى النهر أسفل
الطريق لكن لا تستطيع سوى سماع صوت المياه مما يتطلب النزول عدة أمتار
لمشاهدته في منطقة جميلة جداً حيث ساهمت المياه الجارية في نحت
الصخور بشكل بديع ، بقيت هناك قرابة النصف ساعة مستمتعاً بالمكان
ثم واصلت المسير حتى اقتربت أخيراً من بلدة Aguas Calientes التي
يتوجب على الاتجاه يساراً لدخولها أما على اليمين فهناك
الطريق المؤدي إلى بوابة الماتشو بيتشو الأولية ..
إحدى الاستراحات القليلة على الطريق
في هذا الجزء من الطريق قرب البلدة يختلط المشاة القدمون من الماتشو بيتشو مع القادمين من سكة الحديد حتى
الوصول أخيراً إلى Aguas Calientes والتي يخترقها النهر ويقسمها إلى جزأين ، البلدة وإن كانت صغيرة إلا أنها
جميلة و مليئة بالمحلات والمتاجر والمطاعم بمختلف مستوياتها إضافة إلى آلاف السياح الذين على
الأغلب يقيمون فيها ليلة أو اثنتين على الأكثر ، لم أخذ سوى وقت يسير حتى تحصلت
على نزل أقيم فيه تلك الليلة يقع في أعلى طريق منحدر وتنتشر بجواره العديد
من المقاهي والمطاعم ، و مما يجدر الإشارة إلى أنه يتواجد مركز
سياحي متكامل لمن أراد شراء التذاكر أو أراد معرفة بعض
المعلومات عن المنطقة بالقرب من الساحة
الرئيسية في البلدة ..
مدخل إحدى العيون الحارة وسط البلدة
عمال النظافة يقومون بدق جرس معهم ليخبر ساكني المنازل بمرورهم فيقومون بإخراج نفاياتهم في تلك اللحظة
عند ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي وبالتحديد عند قرابة الساعة الخامسة فجراً وبعد آدائي لصلاة الفجر في أول وقتها
انطلقت خارجاً من النزل متوجهاً إلى البوابة الأولية للماتشو بيتشو أسفل الجبل مشياً على الأقدام قبل الصعود إلى
الأعلى بنفس الطريقة ، طبعاً كان هناك خيار آخر وأفضل وهو الصعود عبر الحافلات التي تنطلق من وسط المدينة
إلى المدخل الرئيسي في أعلى الجبل مقابل 12 دولاراً في كل اتجاه لكني فضلت الاستمرار على الطريقة
الاقتصادية خصوصاً مع وجود الوقت الكافي لذلك في رحلة الذهاب بالذات ، كان الهدوء الكبير يخيم
على البلدة في تلك اللحظات وهو أمر مناقض تماماً لما كان عليه في مساء اليوم السابق ،
الطريق في أوله كان مضاء لكن بعد ذلك سرت في عتمة تامة وسط طرق موحلة في
بعض الأحيان لكن أستدل عليه من خلال الكشافات الضوئية التي كان يحملها
بعض من يسلكون الطريق وصولاً إلى نفس الهدف ، استمريت في هذه
المرحلة قرابة 20 دقيقة حتى وصلت أخيراً إلى نقطة التفتيش
الأولى أسفل الجبل وكان أمامي قرابة 30 سائحاً ، وما
هي إلا بضعة دقائق حتى وصلت إلى موظف
التفتــيش الذي تأكــد من صحــة التذكرة
ومطابقتها لجواز السفر وسمح لي
بالمرور عبر هذه النقطة ..
وسط البلدة خالي تماماً من المارة فجراً
طرف البلدة
هكذا بدا أول الطريق
عند البوابة الأولى
بعد أن تجاوزت نقطة التفتيش مباشرة كان هناك جسر صغير يمر النهر من أسفله والجسر مكون من جزأين الأول للحافلات والآخر
للمشاة ، الحافلات طريقها ملتف يمنة ويسرة كما هو حال الطرق التي ترتقي لقمم الجبال أما المشاة أمثالي فكنا نخترق
الجبل صعوداً بشكل عمودي وسط الصخور وبين كل فترة وأخرى نقطع الطريق الخاص بالحافلات ، في أول ألوقت ونظراً
لعدم وجود كشاف معي وللظلام الدامس وعدم تمييز الطريق والصخور فكنت أتبع بعض السياح ممن يحملونه حتى
أقترب من مجموعة أخرى أمامهم فأتجاوزهم وأرافق المجموعة الجديدة حتى خفت حلكة الظلام فلم أعد
أرافق أحداً ، الطريق فيه شيء من المشقة خصوصاً مع الارتفاع المتوسط عن سطح البحر ، لكن
بالنسبة لي فقد اعتاد جسمي على ذلك نظراً لبقائي المدة السابقة في بوليفيا وأراضيها
أعلى بكثير من هــذه المنطقة ، بعد قرابة الأربعين دقيقة وب التحديد عــند الساعة
السادسة و عشرة دقائق وصلت إلى الهــدف المنشود حيث البــوابة الرئيسية
للماتشو بيتشو حيث يتواجد بجوارها المئات من السياح في تلك الدقائق
غالبيتهم أتوا عن طريق الحافلات والقلة كانوا ممن سلكوا نفس
طريقي ، والجدير بالذكر أن أغلب المواقع والمدونات تؤكد أن
الوقت المناسب لمغادرة البلدة هو عند الساعة الرابعة
والنصف فجراً كي تكون عند البوابة الرئيسية في
السادسة حينما تفتح أبوابها للزوار ..
لحظات الصعود الأولى
البوابة الرئيسية
الطريق الذي تسلكه الحافلات صعوداً إلى البوابة الرئيسية
اصطففت مباشرة مع البقية نظراً للأعداد الكبيرة من الزوار الذين يريدون الدخول و بعد قرابة الربع ساعة تمكنت من العبور بعد أن ختم
على التذكرة والجواز معاً ، ثم بدأت بالتجول داخل هذا الإرث التاريخي الكبير والمكون من عدة أادوار بشكل متدرج ، اتجهت في
البداية نحو الجانب الأيسر صاعداً إلى أعلى نقاطه وسط ضباب كثيف لم أتمكن من الاستمتاع برؤية المشاهد الجميلة
خلال الساعة والنصف الأولى ثم توجهت نحو جسر الإنكا Inca Bridge الذي كان يستخدم لحماية الجانب الغربي
من الماتشو بيتشو حيث طلب مني تسجيل بياناتي قبل الدخول إلى الممر المؤدي إليه ، هذا الممر والذي
لا يتجاوز عرضه المتر والنصف يمر بمناظر خلابة وأودية سحيقة يتــطلب المشي فيه قرابة الربع ساعة
قبل الوصول قــرب الجسر الأساسي و الذي لا يسمح للســياح بالعبور عليه نظــراً لتهالكه ، التقطت
بعض الصور ثم عدت أدراجـي إلى الجهة الأخرى من الماتشو بيتشو و التي كانت كبيرة و مبانيها
أكثر تماسكاً وجودة،وعندما اقتربت الساعة من التاسعة توجهت نحو Machu Picchu Mountain
لأنني اخترت هذا الوقت عند حجزي للتذكرة نظراً لوجود موعدين اثنين فقط لدخولها من
8 – 9 و من 9 – 10 ولا يحق للزائر الدخول في غير الوقت المحدد على تذكرته ،
تتطلب الوصول إلى بوابتها بعض الوقت نظراً لكـــوني في الجهة الأخرى من
الماتشو بيتشو ومما يجدر الإشارة إليه هنا أن الوقت اللازم للوصول إليها
من البوابة الرئيسية للماتشو بيتشو يستغرق قرابة النصف ساعة ،
سجلت بياناتي هناك عند التاسعة وعشرة دقائق وتم مطابقة
التذكرة مع جواز السفر ثم سمح لي بالدخول ..
الطريق إلى Inca Bridge
- قبيل هذه النقطة يغلق الطريق نظراً لخطورته
-
بعض من حيوانات اللاما المنتشرة هناك
مدخل Machu Picchu Mountain
الطريق المؤدي إلى قمة Machu Picchu Mountain واسع في بدايته على عكس منطقة Huayna Picchu التي تسلك فيها طريقاً
ضيقاً ، لكن مع اتساعه إلا أنه في تصاعد بزاوية تقترب من 35 درجة خلال الساعة الأولى والتي شعرت في آخرها بشيء
من التعب جعلني أخفــف الحمل الذي معي حيث علقــت حقيبة الظهر الصغيرة على أحد الأشجار بعد أن أخــذت
أثمن ما فيها على أمل أن تبقى حتى رحلة العودة ، عنــدها استطعت أن أكمــل المســير بأريحية وبسرعة
أعلى ، النصف ساعة الأخير تضيق الطريق بشكل واضح و درجة الصعود تقترب من الستون درجة فترى
العديد من السياح يجلس على جانب الطريق للراحة عدة دقائق قبل إكماله ، خلال الطريق كان
هناك بعض السياح العائدون من القمة والذي دخلوا إلى المنطقة خلال الفترة الأولى وبين
فترة وأخرى نسألهم أنا ومن حولي عن المدة الباقية بغية تبشيرنا بقرب الوصول ..،
وإنك لتعجب من بعض كبار السن ممن اقتربت أعمارهم من 60 سنة و
حفاظهم على صحتهم ولياقتهم حيث قابلت اثنين أو
ثلاثة في بعض أجزاء الطريق ..
أحد الإطلالات الجميلة خلال الطريق
استمريت بالصعود حتى وصلت إلى المنطقة القريبة من القمة والتي كانت سهلة التضاريس قبل أن أصل أخيراً إلى القمة
عند قرابة الساعة 10:30 بعد صعود أكثر من 1600 درجة ، المناظر هناك رائعة جداً والماتشو بيتشو لا ترى معالمها
بوضوح نظراً لارتفاعنا الشاهق عنها ، لم أبق هناك سوى دقائق معدودة ثم بدأت برحلة العودة باكراً ليس
لأن تذكرتي لا تسمح لي بالبقاء في الماتشو بيتشو كثيراً بل لاستغلال الوقت وإدراك سيارات
الأجرة والتي غالبيتها تغادر قبل الرابعة عصراً ، وهنا أحب أن أنوه إلى أن الوقت اللازم
لخروجي من الماتشو بيتشو هو قبل الساعة الثالثة ظهراً نظرا لكوني ضمن
المجموعة 2 في منطقة Machu Picchu Mountain وهي قد تختلف
عن وقت الخروج لمن هم في المجموعة الأولى أو الخيارات
الأخرى في الماتشو بيتشو و هذه الصفحة هنا
تفيد من أراد معرفة المزيد بعد اختيار أي
نشاط يريد القيام به
إطلالة من القمة على الماتشو بيتشو التي لا تكاد ترى معالمها إلا بعد التقريب كما في الصورة التالية
وقت الخروج *
ومما يذكر هنا أنني وأنا في طريقي عائداً إلى الأسفل واجهت أمامي فتاة في طريق منحدر وضيق وفيه شيء يسير
من الخطورة تحاول النزول بصعوبة بالغة مستندة بيديها على الجبل وتنزل بشكل جانبي خطوة خطوة بحذر
مبالغ فيه وقد بدا أنها عطلت الطريق لبعض الوقت فلما وصلت إلى المنطقة الواسعة أخذت ترتاح
لبعض الوقت مما مكنني من المرور فقالت معتذرة عن تأخيرها لي أنها تعاني من رهاب
المرتفعات ولذلك تأخذ كل ذلك الوقت في النزول فأكبرت ذلك فيها حيث لم
يمنعها ما تعانيه من تجربة بعض التحديات الصعبة على أمثالها ..
خلال النزول عدت إلى حقيبتي حيث ظلت في مكانها ولم يُعبث بها حتى وصلت إلى نقطة دخول Machu Picchu Mountain
خلال 40 دقيقة تقريباً وسجلت بياناتي تأكيدا لخروجي منها وذلك عند قرابة 11:20 ، بعد ذلك مررت بلافتة تشير
إلى بوابة الشمس Sun Gate لكن بُعدها وضيق الوقت حالاً دون زيارتي لها ، و هنا أحب أن أعرج على نقطة
هامة جداً حيث يتوجب على الزائر للمــاتشو بيتشو عدم رمي تذكرته حتى الانتهاء من التجول فيها ، لأنه
يحدث في حال رغبة أحد الزوار الانتقال من جهة إلى أخرى أن يجبرك موظفو الأمن على الخروج نحو
المدخل الرئيسي كنوع من التنظيم ثم معاودة الدخول مرة أخرى بعد مطابقة التذكرة المختومة
سلفاً مع جواز السفر ولك تكرار ذلك الأمر عدة مرات ، ولذلك أيضاً يفضل أن تكون برفقتك
خارطة للمكان لكي تستطيع زيارة أغلب الأماكن دون الاضطرار للخروج
فضلاً عن ضياع الوقت بسبب عدم التخطيط الجيد ..
واصلت المسير حتى وصولي إلى البوابة الرئيسية قبل النزول إلى أسفل الجبل ، ثم اتجهت نحو
سكة القطار وقطعتها هذه المرة خلال ساعتين اثنتين حيث لم أتوقف فيها أبداً سوى
لآداء الصلاة بجوار النهر أسفل الجسر آخر الطريق ..
ثم توجهت نحو مواقف السيارات والتي امتلأت بالعشرات منها قرابة الثانية والنصف لتبدأ رحلة البحث عن حافلة أو
سيارة أجرة توصلني إلى كوسكو مباشرة وبأسرع الطرق حيث وقع اختياري على حافلة من 12 مقعداً تقريباً
أكد لي سائقها أنه سيغادر عند الثالثة سواء امتلأت مقاعدها أم لم تمتلئ وهو ما حدث فعلاً لكن
نظراً لكثرة توقفاته نظير تركيب وإنزال بعض الركاب لم نصل إلى كوسكو إلا بعد الساعة
الحادية عشر ليلاً حيث سأبيت فيها تلك الليلة قبل المغادرة صباحاً إلى
ليما وإليكم تفاصيل هذه الطريقة الثالثة باختصار مع تكلفتها :
1 / التوجه من كوسكو إلى سانتا ماريا خلال أربع ساعات ونصف تقريباً بقيمة 35 سول ..
2 / التوجه من سانتا ماريا إلى سانتا تريزا خلال ساعة تقريباً بقيمة 10 سول .
3 / التوجه من سانتا تريزا إلى Hidroelectrica خلال نصف ساعة تقريباً بقيمة 5 سول ..
أو
استبدال كل الثلاث خطوات السابقة بالتوجه من كوسكو إلى Hidroelectrica خلال 6 ساعات تقريباً بقيمة 40 إلى 50 سول ..
4 / المشي مسافة 11 كلم تقريباً بمحاذاة سكة القطار وصولاً إلى بلدة Aguas Calientes أسفل الماتشو بيتشو ..
وبذلك تكون مدة الوصول إلى Aguas Calientes من كوسكو هي من 8 إلى 9 ساعات ، أما مجموع تكلفة
هذه الطريقة ذهاباً وإياب فهي 100 سول وهو ما يعادل 115 ريالاً سعودياً أو 30 دولاراً أمريكياً ..
~ أخيراً ~
لا بد أن أشير إلى أن تقريري البسيط قاصر وبشكل كبير عن إعطاء كوسكو والماتشو بيتشو وما حولهما ما تستحقانه
من معلومات ثرية وأماكن تستوجب الزيارة فهما بشكل خاص والببرو بشكل عام خيار جميل ورائع يناسب
الأفراد والعائلات لتعدد النشاطات وللأجواء الجميلة والخدمات السياحية المميزة فضلاً عن الطعام
البيروفي المشهور بتعدد مذاقاته ولعل الله أن ييسر لي لاحقاً قدرة لإدراج موضوع عن
البيرو بشكل عام وعن كوسكو والماتشو بيتشو وليما بشكل خاص يوفيهن
حقهن ، وكلي أمل أن أكون وفقت في نقل ما صبوت إليه وأن ينال
استحسانكم ، وعلى دروب لاتينية أخرى نلتقى
ودمتم بحفظ الرحمن ..