منذ افتتاح المنتدى الرائع وأنا مترددة في أولوية نشر تقارير لآخر رحلاتي للعام 2014 -ثم قررت أن أرتبها من الأحدث إلى الأقدم بعد أن استثنيت الدنمارك التي كانت رحلتها عزيزة جدا إلى قلبي
.. وهكذا وقع اختياري في ثالث تقاريري -ان شاء الله- على رحلتي إلى روما من 19 - 24 أكتوبر الماضي، والتي كانت، كمعظم الرحلات، سفرة عمل لكنها لم تخلُ بالطبع من الجولات الاستطلاعية والاستكشافات الخنفشارية كالعادة
شركة الطيران في هذه الرحلة كانت الملكية الأردنية - وهو خيار رائع جدا رحبت به كثيراً، ليس فقط لجودة الخدمة والطائرات، بل لأنها رحلة بدون توقف تستمر أقل من أربع ساعات من عمان إلى روما.
كانت هذه زيارتي الأولى إلى إيطاليا فعلياً ولكني جئت محمّلة بالأفكار والمشاعر الجياشة وشوق كبير لزيارة عاصمة من أقدم عواصم العالم وبلد يحمل اسمه لكثير منا معاني مختلفة - الأكل الإيطالي وكرة القدم الإيطالية والأزياء الإيطالية والكثير مما يرتبط في أذهاننا، كل حسب رؤيته وذوقه .. بالنسبة لي كان المقصد روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية - وبالطبع شيء من التسوق والكثير من الطعام الإيطالي اللذيذ ..
أعمل الآن على إنهاء تقريري الماليزي العائلي ولكنني في نفس الوقت سأتدرج في كتابة هذا التقرير باذن الله قريبا جداً فابقوا بالقرب
وهذه هدية مني لكم من ميدان بربريني وسط روما الجميلة
المقدمة السابقة بالتأكيد ليست البداية بل كانت بالنسبة لي طريقة لإجبار نفسي على البدء بتقرير آخر قبل أن أتكاسل
أما البداية فكانت من شهر سبتمبر عندما عرفت بموضوع السفر إلى روما. تتطلب المهمة التواجد مع 6 أشخاص آخرين يعملون في مكان واحد، وكانوا بالفعل قد حجزوا فندقهم "في مكان قريب من موقع العمل" .. فطلبت منهم العنوان لأحجز غرفة في الفندق..
في الصور - على موقع بوكينغ وغيره - بدا الفندق الذي اختاروه تعيساً ومزعجاً.. وبعض الحمامات مشتركة في نفس الطابق
فأخبرتهم بأنني سأحجز أقرب فندق ممكن إليهم لأكون "في متناول اليد" عندما يحتاجون إلي.. ولكن لا يمكنني البقاء في فندق كهذا ..
تجولت على خرائط جوجل وشعرت بحيرة شديدة.. فالفنادق بدت لي متراصة جدا، ولكن الموقع بدا ممتازاً لأنه بالقرب من محطة تيرميني. حجزت فندقا بدا لي في الصور نظيفا جديداً وبألوان زاهية .. رغم انني تجاوزت مخصصات السكن الممنوحة لي في الرحلة ولكنني كنت مستعدة للتضحية بمبلغ إضافي مقابل سكن نظيف ومعقول ..
وبكل الحالات كان الموقع فيه ميزة وهي القرب من محطة القطارات الرئيسية في المنطقة - وهي محطة تيرميني Temini..
أما خطوط الطيران فلم يكن لديّ أي حيرة فيها - فالملكية الأردنية خياري الأول لرحلات أوروبا لأنها مباشرة. وللأعزاء الذين يسألون عن الطيران فتقييمي له بشكل عام 7 من 10: الأكل ممتاز والطاقم ممتاز ومعايير السلامة حصلت على مرتبة متقدمة جدا مؤخرا (كانت من أفضل عشر خطوط عالمية من حيث السلامة) .. أما فخامة الطائرات وحداثتها فلا يمكنني الحديث عنها أو الإشادة بها.. خاصة أن الخطوط الأوروبية دائما هي الأسوأ (مثلا لوفتهانزا والفرنسية سيئتان جدا والملكية ممتازة مقارنة بها . لكن التركية أفضل ) .. أما الإماراتية والقطرية مثلا فلا توجد مقارنة. اعتقد أن افضل طائرات الملكية الأردنية تعمل في الرحلات الطويلة وبخاصة إلى أمريكا ولندن وغيرها ..
لكن بشكل عام ومن تجربتي لخطوط طيران كثيرة .. لا أمانع أبدا في السفر مع الملكية الأردنية - بعكس خطوط أخرى لا أقربها
- ويسعدني جدا أن اجد حجزا عليها دون توقف.. وهو ما كان في رحلة روما. جميع رحلات الملكية إلى أوروبا تغادر في الصباح وما قبل الظهر .. وهي أيضاً ميزة رائعة لأن مواعيدها بين التاسعة والثانية عشرة صباحاً.. على عكس التركية مثلا، والتي لا تغادر إلا في أسوأ الأوقات
في الفترة التي سبقت السفر كنت مشغولة جدا وسافرت ثلاث مرات فلم يكن الاستعداد كافياً صراحة .. إلى درجة الشعور بأنني وصلت روما "على غفلة" .. وكان موعد عودتي 24 أكتوبر بينما يجب أن أسافر إلى بلد أخرى في الشمال البارد يوم 27 أكتوبر. لهذا السبب قمت بإعداد خطة تكتيكية
فجهزت حقيبة بملابس صيفية تناسب جو روما الدافئ وأخرى بملابس شتوية تقيني برد لاتفيا القارس .. وقبل أن أبدأ حزم الأمتعة طرأ لدي طارئ عائلي وطلبت من الخادمة وضع المجموعة الأولى في حقيبة الغد والمجموعة الثانية في حقيبة أكبر .. وتذكروا هذه النقطة لأنها مهمة ومش مجرد كترة كلام
جاء موعد الرحلة وانا مرتاحة نفسيا .. فعلا الرحلات التي يكون وقت إقلاعها مناسباً تحسن النفسية
والتقيت بالمجموعة التي سأعمل معها في المطار وتعرفت إليهم .. واتفقنا على اللقاء في مطار روما لأن مقعدي بعيد عنهم.
لاحت الأراضي الإيطالية بألوان تسر الناظرين
كانت الرحلة سلسة استمرت أقل من أربع ساعات تسليت خلالها بفيلم Bucket List للعملاقين نيكلسون وفريمان .. وبعد الهبوط لم انتظر أحدا لأن مقاعدهم في الخلف ومشيتهم بطيئة
.. ورغم محاولتي مطولا لتذكر معالم مطار فيوميتشينو
فلا أذكر إلا أنني ركبت في مترو داخلي إلى مبنى القادمين .. وأن ختم الجوازات كان سريعا جدا وكذلك الحقائب! لهذا خرجت إلى الصالة الخارجية قبل أن أفكر أصلا بالتأمل في ما حولي .. وانتظرت الزملاء الأعزاء الذين كانوا يعيشون دور المصيفين
عرفت مكان القطار الذي يؤدي إلى محطة تيرميني وعندما جاء الزملاء أخبرتهم بمكانه لنذهب على عجل .. ولكنهم جميعاً أصروا أن نذهب بسيارة (فان) من المطار نتقاسم أجرتها معاً.. فقلت يلا .. مع الجماعة.. وركبنا سيارة اتفقنا مع سائقها على 120 يورو.
المسافة للفندق كانت حوالي ساعة إلا ربعاً.. وعندما وصل السائق إلى المكان .. كنت اتخيل أنه سيوصلهم إلى فندقهم ثم يأخذني إلى فندقي.. ولكنه أنزل كل الحقائب وقال لنا بإنجليزية عزّ نظيرها ولم أفهم إلا قليلها.. ان الفندقين هنا. (الصورة من الانترنت)
وبعد الإمعان في المكان .. اكتشفت ان فندقي وفندقهم في عمارة واحدة - بل مع فندقين آخرين - تتشارك جميعها المدخل والمصعد !
المصعد
حكاية أخرى تحتاج إلى التقاط الأنفاس أولاً..
مرحبا من جديد
المقدمة السابقة بالتأكيد ليست البداية بل كانت بالنسبة لي طريقة لإجبار نفسي على البدء بتقرير آخر قبل أن أتكاسل
أما البداية فكانت من شهر سبتمبر عندما عرفت بموضوع السفر إلى روما. تتطلب المهمة التواجد مع 6 أشخاص آخرين يعملون في مكان واحد، وكانوا بالفعل قد حجزوا فندقهم "في مكان قريب من موقع العمل" .. فطلبت منهم العنوان لأحجز غرفة في الفندق..
في الصور - على موقع بوكينغ وغيره - بدا الفندق الذي اختاروه تعيساً ومزعجاً.. وبعض الحمامات مشتركة في نفس الطابق
فأخبرتهم بأنني سأحجز أقرب فندق ممكن إليهم لأكون "في متناول اليد" عندما يحتاجون إلي.. ولكن لا يمكنني البقاء في فندق كهذا ..
تجولت على خرائط جوجل وشعرت بحيرة شديدة.. فالفنادق بدت لي متراصة جدا، ولكن الموقع بدا ممتازاً لأنه بالقرب من محطة تيرميني. حجزت فندقا بدا لي في الصور نظيفا جديداً وبألوان زاهية .. رغم انني تجاوزت مخصصات السكن الممنوحة لي في الرحلة ولكنني كنت مستعدة للتضحية بمبلغ إضافي مقابل سكن نظيف ومعقول ..
وبكل الحالات كان الموقع فيه ميزة وهي القرب من محطة القطارات الرئيسية في المنطقة - وهي محطة تيرميني Temini..
أما خطوط الطيران فلم يكن لديّ أي حيرة فيها - فالملكية الأردنية خياري الأول لرحلات أوروبا لأنها مباشرة. وللأعزاء الذين يسألون عن الطيران فتقييمي له بشكل عام 7 من 10: الأكل ممتاز والطاقم ممتاز ومعايير السلامة حصلت على مرتبة متقدمة جدا مؤخرا (كانت من أفضل عشر خطوط عالمية من حيث السلامة) .. أما فخامة الطائرات وحداثتها فلا يمكنني الحديث عنها أو الإشادة بها.. خاصة أن الخطوط الأوروبية دائما هي الأسوأ (مثلا لوفتهانزا والفرنسية سيئتان جدا والملكية ممتازة مقارنة بها . لكن التركية أفضل ) .. أما الإماراتية والقطرية مثلا فلا توجد مقارنة. اعتقد أن افضل طائرات الملكية الأردنية تعمل في الرحلات الطويلة وبخاصة إلى أمريكا ولندن وغيرها ..
لكن بشكل عام ومن تجربتي لخطوط طيران كثيرة .. لا أمانع أبدا في السفر مع الملكية الأردنية - بعكس خطوط أخرى لا أقربها
- ويسعدني جدا أن اجد حجزا عليها دون توقف.. وهو ما كان في رحلة روما. جميع رحلات الملكية إلى أوروبا تغادر في الصباح وما قبل الظهر .. وهي أيضاً ميزة رائعة لأن مواعيدها بين التاسعة والثانية عشرة صباحاً.. على عكس التركية مثلا، والتي لا تغادر إلا في أسوأ الأوقات
في الفترة التي سبقت السفر كنت مشغولة جدا وسافرت ثلاث مرات فلم يكن الاستعداد كافياً صراحة .. إلى درجة الشعور بأنني وصلت روما "على غفلة" .. وكان موعد عودتي 24 أكتوبر بينما يجب أن أسافر إلى بلد أخرى في الشمال البارد يوم 27 أكتوبر. لهذا السبب قمت بإعداد خطة تكتيكية
فجهزت حقيبة بملابس صيفية تناسب جو روما الدافئ وأخرى بملابس شتوية تقيني برد لاتفيا القارس .. وقبل أن أبدأ حزم الأمتعة طرأ لدي طارئ عائلي وطلبت من الخادمة وضع المجموعة الأولى في حقيبة الغد والمجموعة الثانية في حقيبة أكبر .. وتذكروا هذه النقطة لأنها مهمة ومش مجرد كترة كلام
جاء موعد الرحلة وانا مرتاحة نفسيا .. فعلا الرحلات التي يكون وقت إقلاعها مناسباً تحسن النفسية
والتقيت بالمجموعة التي سأعمل معها في المطار وتعرفت إليهم .. واتفقنا على اللقاء في مطار روما لأن مقعدي بعيد عنهم.
لاحت الأراضي الإيطالية بألوان تسر الناظرين
كانت الرحلة سلسة استمرت أقل من أربع ساعات تسليت خلالها بفيلم Bucket List للعملاقين نيكلسون وفريمان .. وبعد الهبوط لم انتظر أحدا لأن مقاعدهم في الخلف ومشيتهم بطيئة
.. ورغم محاولتي مطولا لتذكر معالم مطار فيوميتشينو
فلا أذكر إلا أنني ركبت في مترو داخلي إلى مبنى القادمين .. وأن ختم الجوازات كان سريعا جدا وكذلك الحقائب! لهذا خرجت إلى الصالة الخارجية قبل أن أفكر أصلا بالتأمل في ما حولي .. وانتظرت الزملاء الأعزاء الذين كانوا يعيشون دور المصيفين
عرفت مكان القطار الذي يؤدي إلى محطة تيرميني وعندما جاء الزملاء أخبرتهم بمكانه لنذهب على عجل .. ولكنهم جميعاً أصروا أن نذهب بسيارة (فان) من المطار نتقاسم أجرتها معاً.. فقلت يلا .. مع الجماعة.. وركبنا سيارة اتفقنا مع سائقها على 120 يورو.
المسافة للفندق كانت حوالي ساعة إلا ربعاً.. وعندما وصل السائق إلى المكان .. كنت اتخيل أنه سيوصلهم إلى فندقهم ثم يأخذني إلى فندقي.. ولكنه أنزل كل الحقائب وقال لنا بإنجليزية عزّ نظيرها ولم أفهم إلا قليلها.. ان الفندقين هنا. (الصورة من الانترنت)
وبعد الإمعان في المكان .. اكتشفت ان فندقي وفندقهم في عمارة واحدة - بل مع فندقين آخرين - تتشارك جميعها المدخل والمصعد !
قلنا أن المدخل مشترك بين أربعة فنادق .. منها فندقي العتيد واسمه Scott House ويقع في الطوابق الرابع والخامس والسادس. من الثاني إلى الرابع يوجد فندق ميركيارو الذي حجز فيه زملائي بالإضافة إلى فندقين آخرين في الطوابق الأخرى ..
صراحة كانت صدمة كبيرة لي ان أجد الفندق بهذه الهيئة في بناية رثة رغم أن تكلفة الإقامة كانت 120 يورو في الليلة الواحدة .. بدون الضريبة! كل التعليقات على بوكينغ لم تشر إلى نقطة البناية المشتركة ويبدو أنها أمر شائع ومعتاد في المدن الأوروبية المزدحمة؟ لم تصادفني من قبل ولكن أحدا لم يكتب كلمة سلبية واحدة عن الأمر ..
المشكلة كانت في المصعد .. وهو بالضبط عبارة عن علبة تتسع لشخصين مع حقيبة كبيرة .. العلبة تغلق بباب حديدي وبعدها ترتفع بحبل وبكرة إلى الطابق المرغوب.. ومكان المصعد (المنور) كله محاط بشبك أو سياج مشبّك يمكنك ان ترى المصعد وهو يتهادى بين الطوابق.
فندقي الجميل في الطابق الرابع فاستجمعت شجاعتي وصعدت خلال أطول 20 ثانية في الرحلة
لا أقول أنه غير آمن ولكن الشعور غير مريح أبداااا ابدا.. وصلت الاستقبال وأنا في قمة الانزعاج .. والاستقبال عبارة عن مترين في متر .. ولكن الموظفة لطيفة جدا وخدومة .. أعطتني مفتاح الغرفة وخريطة للمنطقة ودفعت 640 يورو للإقامة 5 ليال مع الإفطار .. وصعدت إلى غرفتي في الطابق السادس (مشياً) على الدرج لأني لم أتقبل المصعد
كنت بالطبع رأيت غرف الفندق قبل الحجز فيه وأعجبتني مبدئيا.. ولكن الحقيقة المرة لم تكن نفسها ! ربما كانت تلك غرفا مختلفة في مكان آخر ولكن غرفتي هي بالضبط ما ترونه في هذه الصورة فقط مع الأخذ بالاعتبار أن الصورة معالجة للألوان والإضاءة والنظافة ... وفيها حمام طبعا .. بصراحة كانت تبعث على الاكتئاب والاختناق وإضاءتها ضعيفة جدا .. أما النافذة فلا يمكن فتحها إلا لمسافة 2 سم لمنع حوادث السقوط .. أي بما يكفي فقط لإدخال ضجيج الحافلات والمارة
ربما الحسنة الوحيدة للفندق - إلى جانب موقعه القريب من المحطة- هي الإنترنت المجاني .. ولكن مقابل هذا السعر كان يجب أن تكون هناك الكثييير من الأشياء المجانية !
جلست على السرير لحظات وبدأت أحدث نفسي. أنا الآن في روما وهي واحدة من المدن التي كانت على قائمة bucket list بالنسبة لي .. أي الأماكن التي أريد زيارتها والأشياء التي اريد القيام بها يوما ما.. تماما كاسم الفيلم الجميل الذي شاهدته في الطائرة. ولهذا عليّ أن أنفض ذلك الشعور بالأسى وأخرج للقاء المدينة الحالمة التي طالما تمنيت زيارتها..
لم أحتج للتفكير كثيرا ... فالوقت كان لا يزال في حدود الثالثة ظهرا والنهار طويل ينتظر من يقطعه بالاستكشاف! فتفقدت بريدي الإلكتروني على عجل وراسلت الأهل وطمأنتهم على وصولي الميمون
ثم فتحت حقيبتي لترتيب ملابسي وارتداء ما يناب الخروج والمشي ...
الحقيبة
حكاية ثانية بحاجة إلى مزيد من التقاط الأنفاس ...!
انتهينا عند الحقيبة وكما توقع المحقق فيصل .. كانت الحقيبة المخصصة للملابس الشتوية الثقييلة في عز دفء روما.. طبعا الخطأ مني لأني لم اتاكد من بعد الخادمة ولكنها وضعت ملابسي التي سارتديها صباحا فوق الحقيبة فظننت انها فهمت وطبقت صح
ابتلعت المفاجأة غير السارة سريعا وقلبت الملابس بحثا عما يصلح لارتدائه في الغد على الأقل دون أن أموت من الحر
ثم قررت المغادرة لرؤية روما التي حلمت بها طويلا
نزلت إلى الشارع المزدحم بالمارة والكثييير من البسطات! والمحلات التجارية والمطاعم الرخيصة .. وفي البداية لم أعرف إن كان الأفضل هو التوجه يمينا أو يسارا فأنا لم أحمل خريطة ولم أعرف من قبل ماذا يوجد حول الفندق ... حالة من الجهل التام بما يحيط بي وهي حالة أحب المرور بها أحيانا واستمتع بالاستكشاف الحقيقي ... فوجود المعلومات الكاملة معك قبل الوصول أمر جيد بل ممتاز ولكنه أحيانا يفقدنا لذة الاكتشاف!
قررت الانعطاف يسارا من أول مفترق صادفته وسرت مسافة 500 متر او تزيد قليلا إلى ان وجدت حديقة عامة .. دخلت ولكنني صدمت بالإهمال فيها .. الأعشاب في كل مكان والأوساخ والروائح الكريهة .. ورغم كثرة المتواجدين في الحديقة لم يبد على اي منهم الانزعاج من المكان ... فقررت السير بدائرة حول الحديقة والخروج من نفس البوابة ..
من الاماكن القليلة النظيفة
أنهيت اللفة سريعاً وخرجت لأكمل سيري في الاتجاه المعاكس .. أي يمين المفترق الذي مررت به.. وهناك رأيت كنيسة كبيرة جدا قررت الاتجاه إليها >> وهي كنيسة سانتا ماريا (القديسة مريم).
من بعيد رأيت شعارا أعرفه جيدا.. ولن أقول ما هو كي نبقى جميعا بعيدين عن النقاشات السياسية.. لككن وجوده وسط روما أدهشني فبقيت امشي باتجاه الشعار الذي بدأ يظهر بوضوح وكثرة .. وفي النهاية وصلت إلى إشارة ضوئية أعبرها لأصل إلى مكان تجمع فيه الناس مع أعلام كثيرة وصور .. في الساحة الخلفية للكنيسة
اثناء وقوفي قدمت إلى أخت عربية سالتني سريعا عن شيء لم افهمه ... فأدركت من ملامحي أنني لا اعرف ما تتحدث عنه ودعتني لمشاركتهم الفعالية .. فقلت لها انني بالفعل جئت لمشاهدة المكان فقد لفت نظري الشعار من بعيد. عرفت فيما بعد انهم جالية عربية في إيطاليا تقيم وقفة للتعريف بحادثة معينة .. وسررت انا لوجودي في ذلك المكان في هذا التوقيت فالأمر يتفق تماماً مع اعتقادي السياسي ولكن الأهم هو البعد الإنساني الذي لا يختلف فيه اثنان..
تجولت في المكان وفجأة اقترب مني شاب معه الفتاة وطلبا مني أن ألقي كلمة باللغة الإنجليزية.. فقد عرفت الفتاة على نفسي وعندما عرفت انني من الأردن تأكدت انني اجيد الإنجليزية. شعرت بالحرج لأنني لم اكن مستعدة ابدا لإلقاء كلمات أمام جمهور في مكان كهذا ..
ولكنهما أخبراني بأن الجميع هنا يتحدث إما العربية او الإيطالية - بينما الجمهور المتواجد فيه الكثير من السواح من جنسيات مختلفة ويهمهم أن يسمعوا كلمتهم (وهم بالمناسبة اتحاد للطلبة وليسوا حزبا سياسيا)
أخبرتهم في البداية انني لا احمل نظارتي (سامحني يا رب).. ولكن إصرارهم جعلني أوافق وأتظاهر بأنني أدقق في الكلمات لانني لا ارى جيدا .. ولكني في الواقع كنت اصحح الترجمة الإنجليزية التعبانة
فإن كنت سألقي كلمة على الملأ لا بد أن تكون الكلمة صحيحة
طبعا لم اوافق الا عندما عرفت أنني لن أقف على منصة او أواجه جمهورا.. فالتركيز على معرض للصور ويقف المتحدث خلفها ليبقى التركيز منصبا على الصور التي تتحدث عن الحادثة .. وفي النهاية جاء دوري وألقيت الكلمة بحماس
والحمدلله كان هناك جمهور بريطاني عريض استمع لي وفهم أخيرا ما الذي يحدث هنا
...
بمجرد الانتهاء وجدت انني أضعت ساعة تقريبا .. حييت الفتيات المشاركات في التنظيم وشكرتهن على إشراكي في الجريمة
وغادرت مسرعة قبل أن يقبض علي أنصار الجانب الآخر
فكرت في أن أفضل ما افعله هو البحث عن مكان العمل لأتجنب التأخير في الغد .. وحسب الوصف والمعلومات التي حصلت عليها من الزملاء.. كان المكان مقابلا لساحة الكنيسة الخلفية .. ووجدته سريعا
الشارع مقابل تماماً للساحة الخلفية للكنيسة... بمواصلة السير فيه تصل إلى شارع رئيسي ومهم هو شارع فيا ناسيونالي Via Nazionale >> شارع حيوي فيه الكثير من المحلات التجارية التي تبدو من الخارج عادية ورخيصة ولكن بعضها فخم جدا ..
انعطفت يساراً في شارع ناسيونالي وواصلت السير بخط مستقيم .. أنظر إلى المحلات والناس وأتوقع ان أصل إلى مكان مهم ..
بحسب خرائط غوغل فقد مشيت 1.5 كيلومتر قبل أن أصل إلى هنا
وهذا بالطبع واحد من أجمل الأماكن في روما .. إنه الشارع الذي ينتهي بالكولوسيوم الشهير
... فاستجمعت كل ما لدي من طاقة وحماس وبدأت التجول في المكان
انتهى بنا السير في آخر إضافة عند الشارع الأثري المنتهي بالكولوسيوم .. وهنا لا بد أن أقول "حسبي الله ونعم الوكيل" في من علّمنا أن اسمه الكوليزيوم .. فقد سبب لي موقفا محرجاً -في صغري طبعا- بعد أن كنت قرأت الاسم في العديد من القصص المكتوبة بالعربية. كوليزيوم؟ اسم مرض دا ولا ايه
بدأت السير في الشارع الطويل وأنا أشعر بأنني في حلم. كان يوم أحد، أي يوم إجازة، والشارع يعج بالمارة بالاتجاهين .. فقررت البدء من البداية قبل الحماس والذهاب إلى الكولوسيوم، لأن الزحام لا يبشر بالخير الكثير
بصراحة شعرت أن روما كنيسة كبيرة .. ففي كل مكان كنائس وكاتدرائيات وصلبان وتماثيل ... وبصدق لم أحاول معرفة أسماء جميع الأماكن التي مررت بها لكثرتها. هذا المبنى في بداية الشارع من المنطقة التي دخلتها (الجانب الآخر وليس الكولوسيوم أو محطة القطار)
يبدو بأنها مقابر قديمة ..
كله بيصور ..
زوايا جميلة في كل مكان والعديد من التماثيل التي كانت "مشغولة" بالتصوير مع الزوار .. فلم أتمكن من تصويرها ..
لاحت بشائر الكولوسيوم من بعيد ..
فتركت كل ما حولي وذهبت مسرعة لأرى المبنى العملاق عن قرب
اقتربت ...
واقتربت أكثر ..
وهالتني الطوابير الطويييييلة للدخول إلى المدرجات . .. فلم أكن ارغب بالانتظار لوقت طويل. هونت الأمر على نفسي بأن اليوم لا زال الأول وهناك أربعة أيام أخرى لزيارة المكان ! فقررت التجول قليلاً والعودة لاحقاً...
حد يقول انه مش تصوير احترافي
قضيت بعض الوقت هنا ولم أتجه إلى القوس والمناطق المحيطة الأخرى، بما أنني عقدت العزم على العودة من جديد واكتشفت أنه قريب من مكان إقامتي ..
عدت أدراجي في نفس الطريق الذي سلكته قدوماً إلى المدرج.. وكان الشارع وقتها (وأعتقد أنه لا زال) يشهد حركة بناء وترميم واسعة أدت إلى إغلاق جزء كبير منه...
الفكرة الرائعة التي أسعدتني هي وجود طاولات التنس ورقعة الشطرنج العملاقة وغيرها من وسائل التسلية المجانية المتاحة للجميع ..
وبالطبع تتناثر العديد من الأكشاك لبيع الأشغال اليدوية والتحف والتذكارات ... وبالتأكيد الكثير من أصحاب الحيل لجمع النقود، ومنها هذا الفرعون الذي أوهم الأطفال بأنه تمثال ذهبي
وأذكر شخصاً يشبه كثيراً بابا الفاتيكان.. يلبس ملابس الرهبان ويجلس بوقار على كرسي ليتصور معه الناس .. ولكن العدد الضخم من الناس منعني من تصويره بوضوح. طبعا كان أكثر الأشخاص تحصيلاً للنقود
مع انتهاء الشارع انعطفت يساراً لأجد المتحف الوطني الإيطالي ... وهو مبنى ضخم مزين بعشرات التماثيل، إلا أن معظمها للأسف ليس مناسباً للتصوير
بعد ان انتهت الجولة الاستطلاعية قررت العودة إلى الفندق وشراء بعض الأغراض والاحتياجات، وكانت الساعة قد شارفت على السابعة مساءً حينها فسرت عبر شارع فيا ناسيونالي من جديد، واتجهت إلى الفندق قرب محطة تيرميني. قريباً من الفندق يوجد سوبرماركت كبير نسيت اسمه للأسف اشتريت منه بعض العصائر والجبن والفاكهة للعشاء ووصلت الفندق للراحة والنوم استعداداً ليوم العمل في الغد..
اليوم الثاني في روما .. استيقظت في السابعة صباحاً لألحق موعدي مع زملائي عند مدخل العمارة (العمارة التي تضم كل الفنادق
) .. وكان في الثامنة تماماً.. اتجهت إلى بوفيه الإفطار في الطابق الرابع من المبنى وفوجئت بصغر حجم المطعم والبوفيه. لم يكن من المفترض أن أفاجأ فكل شيء على عكس ما توقعته حتى الآن
المطعم عبارة عن 3-4 طاولات صغيرة امامها كاونتر عليه مرآة كبيرة .. تشعرك لأول وهله بأن هناك امتداداً للداخل ومزيداً من الأطباق .. ولكن الواقع أن البوفيه هو هذا فقط:
انهيت إفطاري في دقائق وأنهيت بعض أمور العمل قبل أن اذهب إلى مدخل الفنادق حيث اتفقنا على اللقاء في الثامنة. إلا أن شيئاً ما طرأ عليهم (يمكن تسميته بالإهمال أو قلة الذوق) جعلهم يتفقون على اللقاء في التاسعة والنصف دون إعلامي بذلك. طبعا لا أحد منهم يرد على الإيميل أو الهاتف (للسبب الوارد أعلاه)... فبقيت انتظر ساعة ونصف (وبعدها ربع ساعة تأخير طبيعي) ... على باب الفندق ..
الحقيقة ان الحياة هناك تبدأ مبكرا جدا، ولا شك في أن الموقع الملاصق لمحطة تيرميني له علاقة بالأمر. المطاعم والبسطات المتناثرة التي تبيع كل شيء من الحقائب المقلدة والملابس الرخيصة إلى الساعات والتذكارات وغيرها، تنتشر سريعاً مع انتشار شمس الصباح، بينما يتدفق الناس من كل الأجناس والألوان في اتجاهات متعددة للحاق بأعمالهم أو شؤونهم ..
وكل هذا بالطبع وأنا أنتظر ..
ظهر أولهم في العاشرة إلا ربعاً.. على وجهه لا تزال آثار نوم
وحياني بكل برود قبل أن أسأله عن سبب التأخير ومكان وجود الآخرين.. فقال لي أنهم اتفقوا أن لا داعي للذهاب مبكراً في أول يوم - تماماً كتلاميذ المدارس ما شاء الله- فذكرته بأنه كان من الممكن إبلاغي بالاتفاق لأنني قاربت على إتمام ساعتين واقفة في هذا المكان، فلم يبد أي بوادر تنم عن إدراك الموقف وقال : الآخرون في الطريق.
استغرق الطريق منهم (نزول 3 طوابق) نصف ساعة أخرى للرجال، بينما احتاجت الفتاتان إلى ربع ساعة إضافية لزوم الأناقة
وبهذا انطلقنا نحو مبنى الدائرة المقصودة قبيل الحادية عشرة بقليل. بالطبع سرت وحدي فخطواتهم شبيهة ببرود أعصابهم: ثقيلة متراخية توحي بأن أصحابها في التسعين من أعمارهم ..
وصلت المبنى وانتظرت وصولهم، ولدى دخولنا معاً اكتشفت حقيقة صعبة ! كان هذا أحد مباني الدائرة المقصودة، ولكنه ليس المبنى الذي سنعمل فيه على مدى الأيام التالية!! ولأن الإيطاليين يتحدثون لغة أخرى يمكن أن نسميها الإنجليزية في عالم موازِ، فقد احتاج الأمر إلى ساعة كاملة ليصفوا لنا مكان المبنى الآخر - والذي يقع في ساحة الاستقلال على بعد حوالي 2 كيلومتر من هذا المكان
لا داعي لأصف لكم تلك الرحلة ... فالجماعة مصابون بداء الكسل الجماعي واللامبالاة المزمنة، رغم أن سبب هذا الخطأ الفادح هو رئيسهم الذي لم يهتم بتفقد رسائله الإلكترونية قبل يومين من السفر، حيث أخبروه باحتمالية وقوع الخطأ وأكدوا عليه بضرورة التوجه إلى المبنى في ساحة الاستقلال.
وصلنا أخيراً في الواحدة ظهراً .. وكان في استقبالنا طاقم الدائرة بكامله ليعتذروا عن خطأ لم يرتكبوه فعلياً.. ثم اصطحبونا إلى القاعة لنبدأ العمل الذي كان مقرراً أن يبدأ في العاشرة.
أعجبني المبنى الصغير الهادئ بتفاصيله المعمارية الجميلة
الأرضية
السقف
وقبل أن نبدأ .. أخذ زملائي الأعزاء بالتذمر لأنهم لم يتناولوا الإفطار أو القهوة أو الشاي بعد
فأحضر لنا الإيطاليون قهوتهم الشهيرة في أكواب صغيرة.. كانت رائحتها مذهلة تنعش الحواس .. ولكنني لا أتناول القهوة أصلاً فلم أغامر بتناول الجرعة المركزة السوداء ..
جدول العمل يقول بأن هناك استراحة غداء في هذا الوقت .. وكان الإيطاليون قد أظهروا الكثير من الصبر والأناة في تعاملهم فقرر الزملاء أن علينا المجاملة والعمل لساعة واحدة ثم إنهاء فعاليات اليوم بكامله
فبدأنا العمل أخيرا..
ليس لأنني أعشق العمل ولكنه بدا المهرب الوحيد من التعامل المباشر من مجموعة غريبة من الكسالى
وفي الثانية والنصف تقريبا أعلن "كبيرهم" أنه اكتفى من العمل وعلينا الذهاب للراحة، فانتهى الجزء الأول من اليوم أخيراً وسعدت لأنني لم أعد مضطرة للبقاء معهم إلى صباح الغد. أخبرتهم على عجالة بأنني سأتركهم هنا فهم يعرفون مكان الفندق أما أنا فلا بد من أن أذهب لشراء ملابس خفيفة بدلا من الدافئة ... وكان لي معهم موقف دفعني فيما بعد لكتابة خاطرة خفيفة وسريعة .. ليس فقط بسبب موقفهم ولكن بسبب عدة مواقف تعرضت لها على الصعيدين الشخصي والعملي في تلك الفترة::
"كنت أتحدث إلى مجموعة من الزملاء عن مدى انزعاجي لأنني ارتكبت خطأً في حزم أمتعتي قبل السفر. قلت لهم أنني رتبت ملابسي إلى قسم للجو الدافئ وقسم للجو البارد، وأنني وضعت "كومة" الملابس الخفيفة وقلت للخادمة أن تضعها في حقيبتي، وأن تترك الكومة الثانية للرحلة القادمة إلى وجهة باردة، في حقيبة أخرى. أكدت لهم أن الخطأ خطئي وأنه كان عليّ أن أتحقق من انها فهمت أو حتى أتاكد من وضع الأغراض في مكانها الصحيح، وذكرت بأنني سأتجه إلى محل قريب لأشتري ملابس خفيفة بدلاً من الملابس التي أحملها معي، والتي تناسب غالبيتها الأجواء القطبية.
أول ما بادرتني به إحداهن هو القول: "قصدك تحكيلنا أنو عندك شغالة".. بينما بادرني الآخر بتعليق عن كلمة "كومة" وأنها تستعمل للدلالة على امتلاك ملابس كثيرة "بالكوم" – ولفتت أخرى نظري إلى أنني استخدم ذلك حجة لأشتري ملابس و"اتفشخر"
فيما بعد بأنني اشتريتها من إيطاليا! التعليق الوحيد الذي كان يتماشى مع قصدي من رواية القصة كان من زميلة ألفت اللوم عليّ لأنني لم أتأكد من محتوى الحقيبة ، وتمنت لي أن أجد ما يناسبني سريعاً.
غنيّ عن القول أن الزميلة الأخيرة كانت إيطالية! قلت للجميع أن ملاحظاتهم قد تكون في مكانها ولكنني لم أقصدها. لم أستغرب ولم أغضب ولم أردّ على أحد منهم بفظاظة – فلكل منهم منظور مختلف، يرى منه كل الأشياء بطريقته. المنظور – تلك الكلمة التي لا يعرفها الكثير من "جماعتنا" ولا يلقون لها بالاً، بل يؤمنون بالعقلية الجماعية والأسلوب الموحد في التفكير ورواية الأحداث وإلقاء الأحكام.
جماعتنا، والمقصود بهم مجتمعنا الواسع، لا يفكرون في أن لكل شخص زاوية معينة يرى منها الأمور، ويسقطها على كل ما يرى ويسمع. فكل ما يسمعه يطبّقه على نفسه او على فكرة معينة في عقله، مهما كان الأمر بعيداً عنها.. ومن نفس المنطلق، نرى البعض يتكلم أو يكتب أو يروي حادثة ما دون اعتبار لمنظور الآخرين، والذي قد يوقعه في مشاكل لم يقصدها ولم يكن له يد فيها.
نحن مجتمع لا يعرف عن المنظور إلا "عمي منظور النجار".. لا ينظر إلى الأمور إلا بمنظار موحد لا لون له ولا ملامح، قد يختلف التفسير في بعض الأحيان ولكن المنظور –في الغالب- واحد . جميع الزملاء الذين استمعوا إلى شكواي العادية فسروها بهواهم، ولكن التفسير كان يسير بنفس الاتجاه السلبي، بل إن أحدهم قال لي فيما بعدها، وعندما حاولت أن أبيّن لهم كم ابتعدوا عن مغزى حديثي، أنه همّ بالتعليق "قصدك انك مسافرة كمان مرة وعم تجاكرينا". عبارات وان اختلفت في المضمون، لا تدل إلا على ضحالة التفكير وتجذّر الرؤية السلبية للآخرين – ففي كل ما نسمع ونرى نبحث عن التفسير السلبي والفكرة التي تسيء إلى محدثنا، فنشبعه تنظيرا وتفسيراً ومناقشة دون أن يدري المعنيّ بكل ما خرجنا به من أفكار.
رجاءً، قبل أن تفسروا شيئاً حاولوا أن تضعوا نفسكم مكان المتحدث، وقبل أن تتهموا شخصاً، افترضوا حسن النية. أصبحنا بالفعل نحتاج إلى "تصريح إخلاء المسؤولية" أسفل كل قول أو مقال او صورة أو حكاية - فأحسنوا النية! ليست تلك فلسفة معقدة ولا كيمياء صعبة: إنه المنظور يا سادة!
طبعا الساعة شارفت على الثالثة وانا لم أتناول أي طعام يذكر سوى الإفطار الخنفشاري
فقررت أن آكل في أي مكان كتبت كلمة (بيتزا) على واجهته. لم أمش لأكثر من 200 متر عن ساحة الاستقلال (في أحد الأزقة المواجهة لها) حتى وجدت مطعم بيتزا شعبي صغير من النوع الذي يمكن أن تضطر للأكل فيه واقفاً
ولكن لحسن الحظ كانت هناك مقاعد فارغة فطلبت بيتزا بالخضار كانت أشهى بيتزا أكلتها في حياتي... ليس لأنها متقنة بل لأني كنت أشعر بالجوع وبالغضب في وقت واحد .. وما أفضل من الطعام ل(فش الخلق) وتفريغ الغضب؟
انتهيت من الطعام وسرت عائدة إلى الفندق لراحة قصيرة ثم نزلت إلى محل قريب اسمه upim بهدف شراء ملابس تناسب الجو، فقد خنقتني الحرارة بملابسي الحالية ولا بد من استبدالها .. المحل كبير عبارة عن أقسام، شبيه بمحلات سنتربوينت لدينا تقريبا، نفس مدى الأسعار ونوعية المعروضات (ملابس، مواد تجميل ومكياج، ألعاب وتحف وأدوات منزلية وبياضات... )... والأسعار كما ذكرت متوسطة. بعد فترة طويلة من التجوال وقياس الملابس اكتشفت أن القياسات مختلفة تماماً عنا - فمقاس M لديهم هو XXL !
أما الشيء الذي أثار استغرابي بالفعل هو أن أحداً من الموظفين لا يتحدث الإنجليزية (ولا حتى كلمات بسيطة) ولم أتمكن من السؤال عن أمور عادية جدا أو التفاهم معهم على قطعة معينة... المهم اني في النهاية اشتريت ما ينقذني في اليومين المتبقيين.
خرجت من المحل باتجاه سوبرماركت كبير نوعاً ما قريب من كنيسة سانتا ماريا (مكان الاعتصام لو ما زلتم تذكرونه).. وبعبارة أدق فإن السوبرماركت على الجانب الآخر من الشارع فقط عند وقوفك عند الكنيسة. هدفي الأساسي كان شراء الريحان الإيطالي الطازج وجبن الموزاريلا الإيطالي لعمل سلطة مع الطماطم .. ولكنني دخت من كثرة الخضروات وفي النهاية لم أجد الريحان أبداً !!
من منكم يعرف ما هذا الشيء ؟؟
ملاحظة مهمة جدا لمن رغب بشراء الخضار في إيطاليا : لا تحاول أبداً وضع يديك على الخضار والفاكهة بدون وضع القفازات المعلقة في كل مكان .. فالإيطاليون أنفسهم قد يعرضونك للإهانة والتوبيخ في حال لمسك لأي شيء منها دون قفاز! الحمدلله أنني قرأت تلك الملاحظة عرضاً في يوم ما ، وتذكرتها بمجرد دخولي فاستعملت القفاز - وضحكت سراً على شخص يبدو أنه أمريكي، تعرض لتهزيء من عجوزين إيطاليتين بسبب عدم التزامه بتلك القاعدة ..
عدت إلى الفندق لأضع مشترياتي وانطلقت من جديد باتجاه معاكس نحو ميدان بربريني، وهو قريب جدا جدا من محطة تيرميني ولكن شتان شتاااان بين المكانين .. على يمين الميدان توجد كنيسة (مايكل أنجلو) وأعتقد ان بداخلها متحفاً.. ولكن كانت الأبواب مغلقة ..
ثم تمشيت قليلاً وجلست أتأمل الغروب لوهلة ..
فندق فخم للغاية جعلني أكره فندقي الكئيب ذي المصعد اللعين
يبدو أن للنافورة قصة ولكني -يا للغرابة- لم أشعر بأي فضول لأعرف ما هي ...
حل الظلام تماماً وقررت السير في شارع فيا ناسيونالي الذي مررت به في الأمس ..
ومشيت إلى أن وصلت إلى أحد مطاعم برغر كينغ .. فشعرت حينها بضرورة تناول الطعام والتهمت ساندويتش وطبق سلطة ومشيت عائدة إلى الفندق .. ولكنني لم أكن راضية أبداً عن أدائي خلال يومين من التواجد في روما! فقررت أن أستغل يوم غد في جولة سياحية حقيقية .. وهكذا كان !
ولكن الآن ينتهي يوم آخر كان حافلاً بمشاعر سلبية لا بد من التخلص منها سريعاً... فمررت في طريقي على محل Kiko - وهي ماركة إيطالية للمكياج- وتخلصت من الطاقة السلبية ومن مبلغ لا بأس به
اعتذر بشدة عن طول الغياب وأعدكم بأن اكمل الموضوع بأسرع ما يمكن ان شاء الله ..
انتهينا عند نهاية اليوم الثاني، والذي عزمت بمجرد استيقاظي فجر اليوم التالي أن أتخلص من كل تأثيراته السلبية..
وكانت أولى الخطوات لإنجاز ذلك، التغاضي عن إفطار الفندق الذي كان أحد أسباب إحباطي
ومن ثم الذهاب وحدي إلى العمل دون انتظار الزملاء الأعزاء أصحاب نظرية "الدنيا مش طايرة" ...
ولأننا اتفقنا على أن نبدأ يومنا في التاسعة، انطلقت في الثامنة تماماً لجولة سريعة في المنطقة قبل التوجه إلى العمل. أحرص عندما أسافر على ممارسة رياضة المشي التي يحرمنا منها نظام الشوارع في بلدي .. فالأرصفة نادرة الوجود، وعندما توجد، فهي إما مزدحمة بالبسطات والباعة، أو بالسيارات التي آثر أصحابها ركنها على الرصيف، أو بالأشجار التي تعمي العيون بأغصانها..
واستغلالا لتلك الفرصة النادرة، سرت في مربع كبير حول محطة تيرميني عودة إلى الفندق من جديد، ورأيت العديد من الأشخاص يحملون البروشورات ويقتربون من السياح ليعرضوا عليهم رحلات الباص السياحي hop-on-hop-off. قررت التعرف إلى عروضهم مبكراً لأستغل وقتي جيداً بعد العمل، وكان المندوب البنغالي لشركة GLT - غرين لاين تورز قد بذل جهداُ كبيرا في محاولة إقناعي وتعاطفت معه صراحة .. بالرغم أنني ربما كنت سأختار شركته دون تعاطف أصلا، فالمسار جيد والسعر ممتاز..
اتفقت معه على شراء التذكرة بعد انتهائي من العمل فوراً، فصلاحيتها الزمنية 24 ساعة تبدأ من موعد الشراء، ولهذا لم أرغب بتفويت وقت ثمين منها .. وكان سعرها مشجعاً فهي بسعر 20 يورو يمكن استخدامها لأي عدد من المرات خلال 24 ساعة، تهبط وتصعد فيها عند أي موقف من مواقف الشركة قدر ما تشاء...
وهنا توجهت إلى العمل متفائلة بيوم جديد جميل. صحيح أن الزملاء وصلوا في العاشرة والنصف، مدّعين بأنهم اعتقدوا أن موعدنا في العاشرة (والنصف ساعة ضمن إطار التأخير الطبيعي) .. ولكنني لم أحفل بهم هذه المرة، فهو في الواقع عملهم وانا هنا لمساعدتهم وحسب..
في استراحة الغداء المبكرة (12 ظهرا) ذهبت إلى أحد مطاعم البيتزا القريبة.. وطلبت بالطبع بيتزا نباتية أخرى .. تعويضاً عن الإفطار والغداء لأنني أردت ركوب الباص فور انتهائي من العمل. استمعت بعد عودتي إلى تعليقات الزملاء والزميلات عن مشيتي السريعة ، وانهم "لم يروا في حياتهم سيدة تسير بتلك السرعة" ... اذكروا الله يا جماعة. اذكروا الله ...
تذكرت هذا الموقف وتلك العبارات بعد أقل من أسبوع، حيث سافرت مرة أخرى إلى لاتفيا، كما ذكرت في بداية الموضوع، وأخبرني الزملاء هناك (يعملون في نفس الدائرة مع زملاء رحلة إيطاليا ولكنهم من قسم آخر) أنهم سمعوا عني أشياء كثيرة .. كان منها الصحيح ومنها ما فيه مبالغة.. كسرعة الحركة والمشي لمسافات طويلة والتجول وحدي دون خوف، والنتيجة أنني أمضيت وقتي في لاتفيا بين المستشفى ومخفر الشرطة
كانت من المرات التي شعرت فيها بأن الحسد والعين موجودان حولي رغم إيماني سابقاً بوجودهما - بعيداً عني .. !
بعد انتهاء العمل كنت مستعدة تماماً للجولة السياحية، فتوجهت إلى كشك جرين لاين تورز وسألت عن الموظف البنغالي، كما أوصاني، فهم على ما يبدو يحصلون على عمولة عن كل تذكرة. تبدأ الرحلة في الرابعة، وبهذا كنت أول من يصل إلى الباص وركبت المقعد المرموق - الصف الأول في الطابق العلوي من الباص. لم أركب هذا المقعد من قبل وكنت أعتقد أنه الأفضل -وهو كذلك بالفعل- لولا أنه أثار خوفي في بعض الأحيان نظراً لحركة الباص الضخم قريبا جدا من المشاة والسيارات والمباني .. وهو ما يتضح تماماً عندما تجلس أمام الحاجز الزجاجي دون فواصل...
موقع توقف الباص في بداية رحلته مقابل محطة تيرميني تماماً.. وهذه الصورة من مقعدي في الباص
ممنوع تناول الطعام والمشروبات في الباص طبعا، وهناك سماعات للاستماع إلى الشرح بعدة لغات "لم استعمله" ويوجد على متن الباص إنترنت مجاني ..
وفي الرابعة تماماً، انطلق الباص متجهاً في رحلته حسب الخريطة .. وبنفس ترتيب المحطات الوارد عليها .. انا اخترت الخط الأخضر فقط وهو ما سأزوره اليوم .. فكونوا معي
اعتذر بشدة عن طول الغياب وأعدكم بأن اكمل الموضوع بأسرع ما يمكن ان شاء الله ..
انتهينا عند نهاية اليوم الثاني، والذي عزمت بمجرد استيقاظي فجر اليوم التالي أن أتخلص من كل تأثيراته السلبية..
وكانت أولى الخطوات لإنجاز ذلك، التغاضي عن إفطار الفندق الذي كان أحد أسباب إحباطي
ومن ثم الذهاب وحدي إلى العمل دون انتظار الزملاء الأعزاء أصحاب نظرية "الدنيا مش طايرة" ...
ولأننا اتفقنا على أن نبدأ يومنا في التاسعة، انطلقت في الثامنة تماماً لجولة سريعة في المنطقة قبل التوجه إلى العمل. أحرص عندما أسافر على ممارسة رياضة المشي التي يحرمنا منها نظام الشوارع في بلدي .. فالأرصفة نادرة الوجود، وعندما توجد، فهي إما مزدحمة بالبسطات والباعة، أو بالسيارات التي آثر أصحابها ركنها على الرصيف، أو بالأشجار التي تعمي العيون بأغصانها..
واستغلالا لتلك الفرصة النادرة، سرت في مربع كبير حول محطة تيرميني عودة إلى الفندق من جديد، ورأيت العديد من الأشخاص يحملون البروشورات ويقتربون من السياح ليعرضوا عليهم رحلات الباص السياحي hop-on-hop-off. قررت التعرف إلى عروضهم مبكراً لأستغل وقتي جيداً بعد العمل، وكان المندوب البنغالي لشركة GLT - غرين لاين تورز قد بذل جهداُ كبيرا في محاولة إقناعي وتعاطفت معه صراحة .. بالرغم أنني ربما كنت سأختار شركته دون تعاطف أصلا، فالمسار جيد والسعر ممتاز..
اتفقت معه على شراء التذكرة بعد انتهائي من العمل فوراً، فصلاحيتها الزمنية 24 ساعة تبدأ من موعد الشراء، ولهذا لم أرغب بتفويت وقت ثمين منها .. وكان سعرها مشجعاً فهي بسعر 20 يورو يمكن استخدامها لأي عدد من المرات خلال 24 ساعة، تهبط وتصعد فيها عند أي موقف من مواقف الشركة قدر ما تشاء...
وهنا توجهت إلى العمل متفائلة بيوم جديد جميل. صحيح أن الزملاء وصلوا في العاشرة والنصف، مدّعين بأنهم اعتقدوا أن موعدنا في العاشرة (والنصف ساعة ضمن إطار التأخير الطبيعي) .. ولكنني لم أحفل بهم هذه المرة، فهو في الواقع عملهم وانا هنا لمساعدتهم وحسب..
في استراحة الغداء المبكرة (12 ظهرا) ذهبت إلى أحد مطاعم البيتزا القريبة.. وطلبت بالطبع بيتزا نباتية أخرى .. تعويضاً عن الإفطار والغداء لأنني أردت ركوب الباص فور انتهائي من العمل. استمعت بعد عودتي إلى تعليقات الزملاء والزميلات عن مشيتي السريعة ، وانهم "لم يروا في حياتهم سيدة تسير بتلك السرعة" ... اذكروا الله يا جماعة. اذكروا الله ...
تذكرت هذا الموقف وتلك العبارات بعد أقل من أسبوع، حيث سافرت مرة أخرى إلى لاتفيا، كما ذكرت في بداية الموضوع، وأخبرني الزملاء هناك (يعملون في نفس الدائرة مع زملاء رحلة إيطاليا ولكنهم من قسم آخر) أنهم سمعوا عني أشياء كثيرة .. كان منها الصحيح ومنها ما فيه مبالغة.. كسرعة الحركة والمشي لمسافات طويلة والتجول وحدي دون خوف، والنتيجة أنني أمضيت وقتي في لاتفيا بين المستشفى ومخفر الشرطة
كانت من المرات التي شعرت فيها بأن الحسد والعين موجودان حولي رغم إيماني سابقاً بوجودهما - بعيداً عني .. !
بعد انتهاء العمل كنت مستعدة تماماً للجولة السياحية، فتوجهت إلى كشك جرين لاين تورز وسألت عن الموظف البنغالي، كما أوصاني، فهم على ما يبدو يحصلون على عمولة عن كل تذكرة. تبدأ الرحلة في الرابعة، وبهذا كنت أول من يصل إلى الباص وركبت المقعد المرموق - الصف الأول في الطابق العلوي من الباص. لم أركب هذا المقعد من قبل وكنت أعتقد أنه الأفضل -وهو كذلك بالفعل- لولا أنه أثار خوفي في بعض الأحيان نظراً لحركة الباص الضخم قريبا جدا من المشاة والسيارات والمباني .. وهو ما يتضح تماماً عندما تجلس أمام الحاجز الزجاجي دون فواصل...
موقع توقف الباص في بداية رحلته مقابل محطة تيرميني تماماً.. وهذه الصورة من مقعدي في الباص
ممنوع تناول الطعام والمشروبات في الباص طبعا، وهناك سماعات للاستماع إلى الشرح بعدة لغات "لم استعمله" ويوجد على متن الباص إنترنت مجاني ..
وفي الرابعة تماماً، انطلق الباص متجهاً في رحلته حسب الخريطة .. وبنفس ترتيب المحطات الوارد عليها .. انا اخترت الخط الأخضر فقط وهو ما سأزوره اليوم .. فكونوا معي
المحطة الأولى، كما تظهر الخريطة، هي كنيسة سانتا ماريا الكبرى، والتي استمدت اسمها من كونها أكبر كنيسة كاثوليكية مريميّة في روما. تقع على ميدان كبير وهي نفس المكان الذي أقيم فيه الاعتصام سالف الذكر.
لم أنزل لمشاهدتها من الداخل أو الخارج، فقد اكتفيت برؤيتها في جميع مشاويري الأخرى لأنها في طريقي بين الفندق وشارع ناسيونالي وغيره ..
التقطت هذه الصور من الباص وبالفعل الفرق كبير بين أن تكون في مقدمة الباص أو في مقاعده العادية
من أحد جوانب الكنيسة الضخمة
من هنا امتدت الطريق بنا باتجاه الكولوسيوم، وكانت الشمس في وجهي تماماً فلم تكن الصور موفقة للأسف
كما أن خوفي من تهوّر السائق والسيارات التي تسير أسفل مني تماماً كان عائقاً آخر..
روما كأنها متحف معماري للمباني والكنائس والتماثيل في كل زاوية وشارع ....
المحطة التالية هي الكولوسيوم، وهو أحد أهم معالم روما التي يتوافد إليها الناس .. وبالتالي كان من الطبيعي أن يفرغ الباص من الركاب تقريبا عند المحطة... وأصبحت حرة أكثر في الحركة
ولم أرغب بالنزول إلى الكولوسيوم أيضاً لسببين .. أحدهما رغبتي في مشاهدة كل معالم الخط اليوم بشكل مبدئي لأعود لها خلال 24 ساعة القادمة - والثاني هو ألم مفاجئ في قدمي أقنعني بأنني لن أدخل المدرج اليوم بالتأكيد ..
لدى مغادرة الكولوسيوم، يمر الباص حول ستاد ماكسيموس (سيركو ماسّيمو)، والذي كان ميدان سباق في روما القديمة، وأول ستاد للترفيه والفعاليات فيها وفي الإمبراطورية الرومانية لاحقاً.
ما يميزه هو المساحة الكبيرة من الأرض المنبسطة بين تلّتين ..
توقف الباص هنا لإنزال الراغبين بالنزول وواصل مسيره إلى ميدان فينيسيا، وهو الميدان الذي يوجد فيه المتحف الوطني ويتفرع إلى عدة شوارع حيوية جميلة ...
في الطريق مررنا بعدد من المباني الأثرية .. احدها يشبه الكولوسيوم كثيرا من الخارج إلا أنه متهالك وغير معتنى به كالأخير ...
معلم آخر لا أعرف ما هو .. رأيت الكثير من الناس يصورونه من الأسفل ...
وصلنا ساحة فينيسيا ، والتي مررت فيها بالأمس سيرا على الأقدام فلم أرَ فيها كل ما رأيته اليوم.. بالطبع المتحف والزحام لم يتغيرا ولكنني بالأمس لم أر هذه اللوحة الجميلة المرسومة بالزهور
الزحام في المنطقة شديد، فهي كما ذكرت نقطة انطلاق باتجاه نافورة تريفي وماحولها، وتصل إلى شارع ناسيونالي كما توصل إلى الكولوسيوم مروراً بما حوله من الآثار ..
ومن هنا انعطفنا يساراً .. متجهين صوب ساحة نانوفا حسبما يقول الكتيّب والخريطة ...
لكنني لا أذكر أبدا أننا توقفنا في ميدان ما.. وحتى لم أصوّر شيئاً يشبه ميداناً حينها ..
تماثيل ومباني أثرية في كل مكان
هذا الجسر في الطريق إلى قلعة مايكل أنجلو ...
قلعة مايكل أنجلو .. لم نتوقف عندها ..
النسبة الساحقة من السيارات في إيطاليا هي سيارات أوروبية صغيرة الحجم.. لا بد في ان السبب الأساسي لذلك هو الاقتصاد في الوقود الذي يبلغ أسعاراً خيالية في إيطاليا .. وربما كان للزحام الشديد في الشوارع ومحاولة إيجاد مواقف للسيارات دوراً في هذا الأمر ... ونظرا لضخامة حجم الحافلة السياحية، ظهرت السيارات أمامي كألعاب الأطفال
بالانعطاف يميناً فوق النهر، تجد مبنى يحمل اسم "محكمة النقض" امامك
الصور غير واضحة لانها -جميعا- بالهاتف، وأثناء حركة الباص
ومن هنا توجهنا نحو الفاتيكان .. أصغر دولة في العالم .. وكما تلاحظون بدأ الظلام يحل واقترب غروب الشمس بالإضافة إلى انتشار الغيوم .. فكان لا بد من السرعة .. والتهور .. والكثير من الخضّات المتلاحقة
أعجبتني تفاصيل الجدار -وكان شبه ملاصق لي وانا في الباص!!
باتجاه الفاتيكان ...
وصلنا قبيل الغروب بقليل.. وهناك بدأت المناظرة بيني وبين نفسي. أنزل الآن وأتجول في الفاتيكان ومتحفها الشهير .. فأضيع بقية الجولة ... أم أعود في الغد وأخصص لها ساعة أو اثنتين؟ قررت تأجيلها لأن النهار انتهى وأردت أن أرى المتحف جيداً دون القلق حيال العودة...
كان قرص الشمس الموشك على المغيب في مواجهتي تماماً.. ولهذا كانت كل الصور التي التقطتها لقبة الفاتيكان الشهيرة .. فاشلة وسيئة. وتذكرت حينها أن أكتب على صفحتي في الفيسبوك أنني الآن في أصغر دولة في العالم (توقف الباص 5 دقائق بداخلها لانتظار من أرادوا العودة بعد جولات مبكرة)..
بدأ الباص بالتحرك خارج الفاتيكان ..
متجها إلى محطته قرب نافورة تريفي
مبنى جميل مع حديقة جميلة
دخول الباص إلى هذه الشوارع الضيقة المليئة بالمشاة كان عبارة عن مشاهد رعب متتالية
كان جماهير كرة القدم في تلك الليلة على موعد مع مباراة فريق مدينة روما ضد بايرن ميونيخ الألماني ... والتقطت أثناء سير الباص صورة لمشجعين للفريق الألماني، كانت لديهم الجراة للرقص والتشجيع بزي بايرن ميونيخ في قلب روما ...
بعد دقائق توقف الباص في محطة نافورة تريفي فقررت النزول.. بدا لي أن النهار عاد من جديد بعد انقشاع الغيوم .. فقررت أن أكسب بعض الوقت عند النافورة ..
كنت أعرف أن هناك أعمال تصليح تجري فيها ولكن ....
لا ماء ولا شيء.. مسموح فقط للناس المشي على الجسر قرب التماثيل ..
بما أن الزحام كان شديداً، اكتفيت بالتصوير من الخارج ...
التماثيل حسب المعتقدات القديمة لإله الماء .... والأسطورة تقول بأن من يرمي العملات المعدنية فيها سيعود إلى روما مجدداً.. أما العملة الثانية فيرميها من يبحث عن الحب، ويرمي الباحثون عن الزواج فيها ثلاث عملات ليحظوا بمباركة إله الماء ...
تشير الإحصاءات إلى أن النقود التي يرميها السواح في النافورة تصل إلى 4000 دولار أمريكي يومياً... ويتم جمعها يومياً وتعطى إلى جمعية خيرية إيطالية تسمى Caritas، والتي تنفقها بدورها على برامج تهدف إلى منح الفقراء في روما بطاقات للتسوق من محلات السوبرماركت والمواد الغذائية ..
ولهذا السبب فإن أخذ العملات من النافورة يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون تحت بند السرقة !
الجموع الغفيرة التي تواجدت حول النافورة ...
لم أطل البقاء .. فمشيت من جديد إلى الشارع الرئيسي أنتظر الباص السياحي التالي ...
وعاد عبر شارع باربريني باتجاه الميدان الجميل
حوض ماء قريب من ميدان باربريني
عند ميدان بربريني انتهت جولتي، فقد أردت شراء بعض الأغراض قبل الذهاب إلى الفندق. للأسف لم أحفظ اسم أية بقالة ولكن لفت نظري الغلاء الكبير في أسعار المواد الغذائية مقارنة مع ألمانيا مثلا..
عدت إلى الفندق في موعد المباراة وبدأت متابعتها .. والأصوات تهتف في الشارع وفي كل مكان حولي تشجيعا لفريق المدينة .. بينما أنا أشجع بايرن ميونيخ
لم يطل أمر التشجيع من الخارج طويلاً.. فقد انهمرت الأهداف على الفريق الإيطالي سريعة.. وانتهت المباراة بواقع 7 - 1 لبايرن ميونيخ .. في هزيمة نكراء لا أعتقد أن الرومانيين سينسونها سريعاً
انتهى يومي الثالث في روما .. وفي الغد يوم جديد ومغامرة أروع
استيقظت فجر اليوم الرابع والأفكار تتزاحم في رأسي .. بين صوت يخبرني بأن عليّ الالتزام بخط سير المجموعة الكسولة.. وصوت آخر، أكثر جرأة ووضوحاً، يقول لي بأنني قضيت أفضل أوقاتي أتجول وحدي. ونظراً لأني لم أخطط لأي شيء في هذه الرحلة، بل تركتها على "التساهيل" كما نقول، فقد واصلت الأصوات في رأسي نقاشها حول أفضل طريقة لقضاء فترة ما بعد العمل .. فهناك صوت يخبرني بأن عليّ العودة إلى الأماكن التي لم أقض فيها وقتاً كافياً بالأمس، وآخر يحثني على التوجه إلى أماكن جديدة تماماً..
رافقتني الأصوات طيلة طريقي إلى العمل ولم تهدأ حتى بدأت عملي بالفعل.. وفي تلك الأثناء ظهرت أصوات جديدة تحاول فهم ما يقوله أولئك الإيطاليون .. فهم -برأيي الشخصي- أسوأ من يتحدث اللغة الإنجليزية .. ولديهم أصوات لا ينطقونها أبدا مثل هــ (يتحول إلى أ) و ث (يتحول إلى ف) عند غالبيتهم .. بالتالي كلمة health مثلاً تصبح (إلف ) بدلاً من (هيلث) ...
إلا ان العناء انتهى مع انتهاء فترة العمل .. وحان وقت تناول المزيد من البيتزا النباتية - واليوم دور البيتزا بالباذنجان
مع قلة الوقت الذي أخصصه للبحث عن المطاعم، والتركيز طبعا على الأكل الحلال، يصبح الخيار الأوحد هو الطعام النباتي .. وهكذا توجهت إلى مطعم للبيتزا مقابل محطة تيرميني تماماً.. وهناك الكثير من المطاعم التي تبدو بسيطة الشكل ولكن البيتزا لديها مميزة ولذيذة جدا.. ويجب أن أنوّه إلى أن هناك الكثير من مطاعم الأكل الهندي والمطاعم التي تعلن عن الأكل العربي والحلال ... ولكنني لم أحاول تجربتها لغرض في نفسي
طلبت شريحة بالخضار المشكّلة (كوسا وباذنجان وفلفل ملون ) وأخرى بالجبن والطماطم فقط.. انتهيت من البيتزا على عجل، وحان وقت القرار الصعب
لا زالت معي تذكرة الباص السياحي وصلاحيتها حوالي ثلاث ساعات من الآن،يمكنني خلالها زيارة ما أردت من معالم.. ولكن شيئاً بداخلي دفعني إلى التغاضي عن تلك الفكرة والذهاب في مغامرة مختلفة.
هنا قررت أن أدخل محطة تيرميني، وأشتري تذكرة قطار باتجاه معين .. ومن ثم أنزل في المحطات المهمة بذلك الاتجاه لأتجول فيها قليلا واستكشف ما يوجد في كل منها
الخطوة الأولى كانت معرفة كيفية شراء التذاكر، فأنا أشتريها لأول مرة. كما أن الطابور الطويييييل في المحطة ساعدني على التفكير جيداً في المسار الذي أريد .. وعند وصولي إلى ماكينة التذاكر،اخترت اللغة الإنجليزية فلم يعمل الجهاز.. مرة ومرتان قبل أن يبدأ من خلفي بالتذمر
فانتقلت سريعا إلى الخيارات الأخرى لاجد اللغة الإيطالية و اللغة الألمانية فقط.. فاخترت الألمانية سريعا... رغم عدم استعدادي لاستخدام مخزوني المخبأ منها
إلا أن العملية مرت بسلام .. فاشتريت تذكرة صالحة لمدة 24 ساعة يمكن استخدامها في شبكةمترو الأنفاق وفي الترام والباصات طوال تلك الفترة وداخل حدود روما - وبسعر 7 يورو.
توجهت إلى مكان القطارات وأنا لا أعرف اتجاهي تماماً.. ولكن بقراءة الخريطة عرفت أن عليّ التوجه عبر الخط الأزرق B للوصول إلى الكولوسيوم أو الخط الأحمر A للوصول إلى المحطات الأخرى التي أردت زيارتها. قررت في اللحظة الأخيرة التوجه إلى الكولوسيوم لدخول المدرجات وزيارته بالشكل الذي يليق
وصل أول قطار أركبه في إيطاليا ...
الازدحام كان شديداً ولكني حصلت على موقع استراتيجي جيد بجانب الأبواب .. والمسافة على كل حال محطتان فقط.. فنزلت في محطة الكولوسيوم الواقعة تماماً أمام المعلم الأثري
هذان الرجلان يرتديان ملابس شخصيات المصارعين الرومان (المجالدين - gladiators) للتصوير معهما .. ولا يسمح بالتصوير مجانا. لكن على مين
بدأت التقاط الصور "الفنية" للكولوسيوم من جديد .. قبل أن أتذكر أن هدفي هو الدخول إلى المدرجات الداخلية
ولخيبة أملي، كانت الطوابير التي تنتظر الدخول أطول منها في المرة الماضية
وأنا لا أطيق الانتظار بصراحة ...
فقررت مواصلة التجول في المكان ..
والتقاط مزيد من الصور المملة ...
سررت برؤية شجر الزيتون الروماني الشهير (روماني نسبة إلى روما وليس إلى رومانيا .. ) .. وهي شجرة تتواجد في قرى فلسطين وربما غيرها حسب ما أعرف، وتتميز بجودة الزيتون وزيت الزيتون الذي ينتج منها
أعتقد ان تلك المباني الصغيرة قبور .. ولكنني لست واثقة ..
قوس مميز قرب الكولوسيوم ..
ويوجد قوس مشابه على مسافة طويلة أمام المدرج أيضاً... باتجاه سيرك ماسيمو ..
لكني في الواقع كنت مستمتعة بالهواء العليل والمنظر الجميل ولم أرغب باستكشاف المكان أكثر .. فجلست أتامل الناس والمكان وأتشاغل بالتقاط الصور ...
شعرت بأن روما مدينة شاعرية لا ينفع السفر إليها وحيدا.. فالكل يسير في مجموعات أو ثنائيات ..
ولكن ذلك لم يمنعني من مواصلة التجوال .. حيث اشتريت الكثير من التذكارات الجميلة كالميداليات والقداحات والمرايا التي تحمل صوراً من روما الجميلة ..
مللتم من صور الكولوسيوم ؟؟
لا زالت هناك صور ...
ولكن تكفيكم هذه اللقطة الختامية ..
عبرت الشارع الصغير عائدة إلى محطة المترو .. وهنا قررت أن أتوجه إلى محطة piazza del popolo لأذهب منها إلى حدائق فيلا بورغيزي Villa Borghese. يمكنني الآن الاعتراف بأنني اخترت الطريق الأصعب بل وطريقا في غاية الصعوبة للوصول إلى الحديقة .. وهذا لأنني لم أقم بالبحث ودراسة المسار جيدا قبل الانطلاق.. ولكنني قضيت فيها وقتاً جميلا وطويلا.. كما سأبين في الرد التالي ان شاء الله ...
نكمل من حيث انتهينا منتصف اليوم الرابع .. وفي بدايات الجولة الغريبة التي قررت أن أقوم بها بالركوب في القطار والنزول في المحطات للتجول فيها .. ركبت القطار من محطة الكولوسيوم باتجاه بيازا ديل بوبولو ، وهي مسافة طويلة وملتوية نوعاً ما إذ أني لم أعرف أن الطريق المباشر كان أقصر بكثير ..
نزلت في ميدان بوبولو وخرجت من المحطة إلى الساحة .. الكثير من الباعة المتجولين والبسطات التي تبيع كل رخيص ومقلّد من الحقائب والملابس والشالات والنظارات وغيرها .. وبالطبع التذكارات والأغراض التي تجذب السياح وحتى السيلفي ستيك
..
تجاوزت منطقة البيع وانعطفت يساراً إلى حيث بوابة حدائق بورغيزي التي قرأت عنها نبذة موجزة ..
لم يبد لي المكان كما تخيلته .. فأنا أتخيل الحديقة العامة مكاناً منبسطاً واسعاً فيه الكثير من المساحات الخضراء والمساحات المائية والأطفال والدراجات ... ولكني رأيت بعد المدخل شارعاً تمر عبره السيارات ..
ولكنني دخلت على أي حال وبدأت السير صعوداً .. كان الصعود خفيفاً في البداية ولكنه أصبح حاداً مع الوقت.. متعباً مع حرارة الشمس التي اشتدت مع وقت العصر ..
بدأت ملامح الحديقة تتضح بعد مسافة لا بأس بها .. فهناك القليل من التماثيل هنا وهناك .. وأناس يركبون الدراجات صعوداً ونزولا. أخبرت نفسي بأنه لا بأس من قليل من خيبة الأمل، فأنا لم أخطط للأمر أصلا ولا يمكن أن تكون كل الأماكن جميلة رائعة ..
بدأت الأرض بالاستواء وصار المشي أسهل .. التقطت أنفاسي وبدأت بالنظر حولي لأتفحص المكان بعد أن صرت على ارتفاع مشرف على المكان .. كان المنظر جميلاً والمكان يبدو بحاجة إلى الكثير من الصيانة والاهتمام، ولكن لا عجب فالحديقة شاسعة مترامية الأطراف. استقبلني تمثال للشاعر الألماني الكبير يوهان غوته ، والذي كانت لي معه صولات وجولات خلال دراستي الجامعية
من هنا انعطفت يميناً إلى منحدر يفضي إلى منطقة مشجّرة، شعرت بأن خلفها ما يغري بالاستكشاف .. وسعدت كثيراً عندما عرفت أنني على حق
فقد كنت على مشارف هذه الجميلة
رغم حرارة الجو كان هناك الكثير من المتنزهين الجالسين حول البحيرة الصغيرة .. والتي تحيط بها مسارات رفيعة للمشي أو الدراجات ، إلا أن الطريق إليها وحولها غير مستوِ أبدا مما أثار استغرابي حقيقة، لأن المشي صعودا ونزولا ليس هواية محببة لدى الكثيرين
أحمل معي دائماً كتاباً في حقيبتي.. سواء كنت مسافرة أم لا، فالإنسان لا يعرف متى تسنح له فرصة الجلوس في مكان جميل أو متى يضطر إلى الانتظار فترات طويلة لا يملؤها استعمال الهاتف الذكي .. ولهذا أخرجت كتابي وجلست فترة أقرأ واستمتع بالمنظر والهواء المنعش الذي خفف عني تعب الصعود ..
يمكنني الجلوس هنا ليوم كامل، ولكنني آثرت النهوض بعد نصف ساعة ومواصلة الجولة في الحديقة ..
بدأت المساحات الخضراء الواسعة بالظهور، كلاب تتنزه مع أصحابها وأطفال يلهون بالدراجات ، وطريق يسلكه الجميع صعوداً إما على الدراجات ذات المقاعد الرباعية أو على دراجات هوائية.. وانا، ضمن قلة قليلة جدا، أصعد سيرا على قدمي، بينما الغالبية العظمي تنزل من الطريق بالاتجاه المعاكس. عندها أدركت أنني دخلت الحديقة من المخرج ...
في قمة الجبل هذا المبنى، وهو مركز للفنون لم أركّز كثيرا في غايته.
في الساحة المقابلة للمبنى الكثير من الأطفال والكبار يرسمون ويقرؤون ويتحادثون...
لكنني لم أجلس هنا طويلاً بل واصلت السير نزولا من الاتجاه الآخر ..
في طريقي نزولاً وجدت مدخل حديقة حيوانات .. إلا أن الوقت كان متأخرا وكانت على وشك إغلاق أبوابها
على ما يبدو الدخول مجاني،لأنني دخلت وتجولت دقائق معدودة ولم يطلب مني احد أي تذاكر أو غيرها ..
واصلت السير نزولاً ، معتمدة فقط على إحساسي الداخلي بأنني أسير باتجاه المخرج .. كانت المسافة طويلة جدا، استغرقت مني اكثر من نصف ساعة من السير السريع دون أن أصل إلى أي مكان.. فبدأ القلق يساورني رغم ان غروب الشمس لا زال يبعد أكثر من ساعة ونصف ..
في هذا المكان الهادئ جلست قليلاً للراحة، فالحرارة كانت شديدة وأنا أرتدي ملابس ثقيلة اعتماداً على بضع قطيرات من المطر هطلت صباح اليوم
..
اكملت سيري في نفس الاتجاه ولكن مع الانعطاف في شارع يصعد للأعلى، ووصلت قمته بعد فترة بسيطة لأجده مطلاً على هذا المبنى - متحف الفن المعاصر ..
لن أفهم يوماً الفن المعاصر. فالدائرة أو الخط المستقيم لها دلالات لا نفهمها نحن أصحاب الرؤية التقليدية والتذوق الفني السقيم
إلا أن وجودي في منطقة مرتفعة كشف لي المكان بشكل أفضل وتمكنت من تحديد اتجاهي من جديد .. مقابل المتحف مباشرة (وهو بالمناسبة يقع على الجانب الآخر من الشارع) توجد نافورة وبضع تماثيل تحيط بمساحة خضراء جميلة .. اخترت التجول فيها وسعدت جداً بقراري..
الصورة غير واضحة بسبب قوة الشمس .. ولكن النافورة تمثل سلاحف ومخلوقات مائية أخرى
صعدت درجاً بسيطاً ووجدت لافتة تقول بالإيطالية "ميدان أحمد شوقي" ... بجانبها تمثال للشاعر العربي المصري الكبير .. أمير الشعراء أحمد شوقي
بقية التماثيل كانت لشخصيات أدبية أخرى منها الفردوسي وشاعر أذربيجاني وآخرون لم أصورهم جميعا
ولكني تصورت "سيلفي" مع احدهم ههههه
تركت التماثيل آمنة في مكانها وواصلت السير بالاتجاه الذي اعتقد انه نقطة دخولي للحديقة .. وكانت ملامح الطريق غير مبشرة أحيانا ولكني كنت مصرّة على أنني سأصل إلى مكان ما في النهاية
انتهى بي الطريق إلى هذا الزقاق .. ولمحت في نهايته شارعاً
وبالفعل كان الزقاق يفضي إلى الميدان الذي انطلقت منه - بيازا ديل بوبولو- فقفزت قفزاً إلى محطة القطار لأتجه إلى معلم سمعت عنه كثيراً - ساحة إسبانيا والدرجات الإسبانية Spanish Steps ...
وصل القطار إلى محطة Spanga - أو إسبانيا ببساطة، فنزلت لأستكشف الميدان الذي سمعت عنه كثيراً. لاحظت أن المحطة عميقة جداً وهناك مسافات كبيرة للمشي للخروج منها أو الدخول إلى القطارات .. وبالطبع لا زلت استخدم بطاقتي الموحدة الصالحة لمدة 24 ساعة
خرجت أخيراً من المحطة وسررت بالمنظر .. ميدان أوروبي تقليدي يعجّ بالناس والسياح ومحلات الماركات والفنادق العريقة.. يتوسطها ميدان ونافورة كالعادة، وتمثال ذو دلالة مسيحية.. أما سبب تسمية الميدان فسرعان ما اتضح لي عندما رأيت سفارة إسبانيا تتوسط الساحة
سأترككم مع الصور من الميدان وفي أزقته ومن أعلى درجاته، فهي لا تحتاج إلى كلام وتوضيح
التقطت هذه الصورة في واحد من الأزقة الضيقة التي تتفرع من ساحة إسبانيا، ولسبب ما تحتل مكانة في قلبي وأعتبرها من أفضل الصور التي التقطتها .. ليس لدقتها أو إعداداتها الاحترافية .. بل ربما لشعور راودني وأنا أقف هناك، أو لما توحي به صورة الرجل يسير وحيداً بقامة منحنية .. أترك لكم تفسير الصورة ..
قررت العودة إلى القطار بعد جولة قصيرة ولفتني جمال المباني عند مدخل الميدان
وبائع الكستناء المشوية الذي استهجن التصوير دون شراء. .. مشكلتي أنني لا أحب الكستناء
(اعتقد أن البعض يسميها ابو فروة)..
عدت في الطريق الطويييييييييييييييييييييييييل إلى مكان القطارات .. وقررت النزول في المحطة التالية باتجاه الكولوسيوم - وهي محطة تحمل اسم كافور Cavour ... لا أعرف ما فيها ولكن الهدف من الجولة هو الاستكشاف! فلنرَ
ونزلت في محطة كافور .. وهي المحطة الأقرب إلى الكولوسيوم، وبالتالي كان علي السير مسافة قصيرة قبل الوصول إليه ومحاولة زيارته من جديد.
سرت في شوارع جميلة للمشاة، تحفل بالرسامين وأصحاب العروض الموسيقية والفكاهية.. ولفتتني هذه "الشلة" اللامعة من رجال يقلدون التماثيل المعدنية .. يحيونك عندما تضع لهم العملات المعدنية بخشخشة صاخبة وضحكات عالية
بدأ الشارع يضيق ويزدحم، وتجولت قليلاً بين الأكشاك التي تبيع هدايا وتذكارات جميلة .. إلى ان وصلت مطعم ماكدونالدز!
من يعرفني أو يتابع تقاريري يعرف أنني لا أقرب هذا المطعم إلا في السفر
فهو بمثابة ملجأ أتجه إليه عندما تقل الخيارات. وعندما رأيته شعرت بالفعل أنني جائعة فقد مضت ساعات طويلة ومشيت مسافات مضنية منذ تناول الغداء .. فقررت الدخول وطلبت وجبة ساندويتش سمك. وللحق كان الساندويتش لذيذا والإطلالة من الطابق الثاني مسلية وممتعة.
عندما خرجت كانت الشمس قاربت على الغروب، ولم يظهر لي انني أسير في الطريق الصحيح، فانعطفت في شارع اعتقدت أنه يوصلني إلى الشارع المطلوب أو إلى شارع ناسيونالي على الأقل.
فجأة أصبح المكان موحشاً.. وبدأت المحلات تغلق أبوابها والأصوات تخفت .. قررت اجتياز هذا الزقاق الصغير باتجاه الشارع الرئيسي عندما سمعت شخصاً يناديني بالإنجليزية. لم أرد، فهو يقف مع زميله في زاوية على مدخل الزقاق وهذا أمر لا يبشر بخير. تابعت السير إلى أن قال لي "السلام عليكم" .. فتوقفت والتفت إليه متسائلة ..
كان الشاب من المغرب العربي ويحمل لافتة بالإيطالية .. سارع زميله إلى شرحها سريعاً بالإنجليزية. فالشابان تعالجا في السابق للتعافي من الإدمان ويعملان الآن على جمع التبرعات لصالح المدمنين وعلاجهم. أخبرني انه من البوسنة.. البلد الأوروبي الجميل، وأنه يعرف تماماً كم هي معاناة المدمنين الذين يرغبون بالتخلص من إدمانهم ولكنهم لا يملكون ثمن العلاج، فيؤثرون الاستمرار في طريق الدمار. بعد حوار سريع سألته عن الطريق إلى فيا ناسيونالي.. فأشار لي أنني في الاتجاه الصحيح .. فواصلت السير ...
مبنى بتماثيل متعددة في الأعلى .. أظن انه محكمة أو شيء من هذا القبيل
انتهى بي المطاف في هذا الشارع - وهو ليس الشارع المقصود ! وبعدين يعني
في مكان وقوفي بالضبط شاهدت هذا اللطيف ...
وشعرت بحماس كبير ومفاجئ .. إنه متحف لتماثيل الشمع!
متحف الشمع مكان أحلم بدخوله منذ الصغر.. ورغم أنه كان واضحا ان المتحف متواضع وبسيط جدا.. إلا أنني لم أتردد لحظة في الدخول، ولكنهم أخبروني ان الوقت المتبقي قبل إغلاق المكان نصف ساعة .. فوافقت سريعا ..
نيرون على المدخل .. يخبر رجاله بأن العدد اكتمل (يلا ولّع) ..
المتحف مليء بالشخصيات - علماء ومؤرخون ،سياسيون وممثلون وشخصيات من أمثال غاليليو وبيكاسو وتشارلي تشابلين وغيرهم الكثير..
توم كروز ..
توتي
شعرت برهبة شديدة في المكان. لم يتواجد غيري في تلك الساعة المتأخرة، إضاءة خافتة في غرف تعج بالتماثيل .. كنت بانتظار أية حركة لأصرخ..
توقفت أتامل هذه الشلة الديكتاتورية.. هتلر وموسوليني وآخرون لا أذكرهم الآن ..
التفاصيل في تمثال موسوليني متقنة تعبر عن كشرة حقيقية ...
انطلقت الصرخة أخيرا عندما شعرت بحركة خلفي .. كان أحد مسؤولي القاعة قابعاً في مكان ما فيها، لاحظ اندماجي مع موسوليني وجماعته
.. أشار لي بأن أقف وسطهم وأخذ هاتفي وانا لا أزال مذهولة، خائفة وغير مصدقة
والتقط لي صورة مع "شلة الأُنس"....
خرجت بعدها مسرعة دون أن أنتبه لبقية المعروضات ...
كنت تائهة في روما، اعرف أنني قريبة من مكان أعرفه ولكنني لا أدرك كيف أصل إليه. سألت شخصا أو اثنين ولكن اللغة الإنجليزية لدى الناس هناك سيئة جدا لا يفهمونني ولا أفهمهم!!
مشيت في اتجاه مقابل لمتحف الشمع بعد ان حلّ الليل .. وكدت أقفز من الفرح عندما رأيت هذا المبنى الجميل ..
إنه المتحف الوطني.. أخيراً عرفت أين أنا
من هنا أسرعت بخطاي باتجاه الكولوسيوم. الشارع هاديء شبه فارغ، النسيم عليل وعداد الخطوات على هاتفي يخبرني بأنني سرت حوالي 17000 خطوة اليوم !
لا بأس، سأصور الكولوسيوم والشارع في الليل وأتجه إلى المحطة لأركب قطاراً إلى تيرميني ..
يا جمال المكان ...
يا سلاااام
صاحب النصيب الأكبر من الصور في الموضوع
اكتفيت بهذا القدر وذهبت إلى المحطة ... إلا أنني أدركت حينها الحقيقة المرّة. كل الجموع الغفيرة التي زارت الكولوسيوم انتقلت إلى محطة القطار للعودة إلى أماكنها. لم اتمكن من ركوب القطار الأول أو الثاني فأنا لا أرغب بمزاحمة الناس ولا أتقنها أصلا..
وهنا كان علي مواجهة القرار الصعب ..
العودة مشياً إلى الفندق..
نمت يومها قبل أن أفكر بالنوم .. وقبل أن أبدل ملابسي أو أربط منبه هاتفي .. نمت وعداد الخطوات قد سجل 23 ألف خطوة .. مشيتها في يوم واحد في روما
ختام رحلتي في اليوم الخامس .. والذي خصصته تماماً للتسوق..
مقارنة مع ألمانيا مثلا، وجدت أن الأسعار في إيطاليا أعلى كما أن خيارات التسوق حولي لم تكن متنوعة وكثيرة.. ربما لم أذهب إلى الأماكن المناسبة... أبرز المحلات التي تسوقت فيها للملابس ديسجوال و Teezenis الموجودان في شارع ناسيونالي.. وهو مليء بمحلات جميلة .. وبالطبع محل المكياج Kiko ممتاز وأسعاره معقولة جدا جدا .. له فرع في محطة تيرميني وشارع ناسيونالي وأكيد انه موجود في كل المولات ..
الغريب أنني لم أزر في تلك الفترة أي مول ولم تكن لدي في الواقع رغبة بزيارتها .. وهذا ربما أحد الأسباب في انني لم أوفق كثيرا في التسوق .
كما ذكرت، محل upim المشابه لسنتربوينت في فكرته ومستواه خيار جيد للتسوق والهدايا .. أسعاره متوسطة وفيه أنواع من الكريمات والعطور الإيطالية بسعر منخفض.. مستواها جيد ووجدتها ممتازة للهدايا
الأشياء المميزة التي اشتريتها من هناك - البهارات الإيطالية ! رائعة وموجودة في كل سوبرماركت ومحل .. واشتريت أكياس معكرونة ملونة بشكل الكولوسيوم .. طعمها عادي صراحة لكن شكلها كان محبب للأطفال. أما البهارات فندمت أنني لم أحمل معي كمية !
لاحظت أن أسعار الشوكولاتة عالية مقارنة بألمانيا والدنمارك أو دبي مثلا..
في يومي الأأخير تعشيت في مطعم ممتاز ورخيص اسمه لازانيا إم lasagnam في شارع ناسيونالي .. اخترت طبق اللازانيا بالخضار وكانت لذيذة جدا وسعر الوجبة لم يتجاوز 6 يورو ..
لديهم الكثير من الخيارات لكن بالطبع ليست حلال.. وهنا أذكر أنني طلبت وجبة لازانيا رأيت صورتها في القائمة ولم أنتبه إلى ما فيها أصلا .. (الجوع وعمايله) فقالت لي البائعة بلطف - يبدو أنك مسلمة وهذا الخيار غير مناسب للمسلمين.
ينصر دينك! لم أتمكن من تحديد موقع المطعم بدقة ولكنه في شارع ناسيونالي، بجانب مطعم London fish and Chips وهو أكبر وأوضح ..
هذه خلاصة يومي الأخير في روما .. والتي غادرتها وأنا أعد نفسي بزيارة أخرى تم التخطيط لها جيداً، مع رفقة أفضل
ان شاء الله تعالى
اعتذر عن التأخير في تكملة الموضوع .. وعن التفاصيل الكثيرة في بعض المواضع والاختصار الشديد في غيرها ..