إسمها من قسمين أوزبك وستان ومعناه أرض الأوزبك ، هي إحدى الدول التي إستقلت بعيد إنحلال الإتحاد السوفيتي في عام 1991م وهي إحدى أكثرها سكانا وأثراها تاريخا ، تاريخيا كانت على خط قوافل الحرير البادىء من الصين والمنتهي بأوروبا ، دخلها الإسلام في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان وعلى يد القائد قتيبة بن مسلم الباهلي الذي ولي على خراسان بعد ترشيحه من الحجاج بن يوسف الثقفي ، وفيها قبره في وادي فرغانة بالقرب من مدينة أنديجان ، فيها العديد من القوميات أهمها القومية التركية وكان لها دور كبير في تاريخ الإسلام ، فمنها كان القائد العظيم بابور والذي فتح نصف القارة الهندية ومات ودفن في أنديجان ، ومنها علماء كبار من مثل البخاري والخوارزمي والبيروني والنسائي والزمخشري والترمذي ، وتنتمي قبيلة الترك العثمانيون إلى هذه البلاد أيضا ومنها خرجوا إلى آسيا الوسطى حيث أنشأوا دولتهم العثمانية ، وقبلها كانت دولة السلاجقة والتي بدأت من هذه البلاد ، وكانت مصدرا للمحاربين في الجيوش الإسلامية فإليها ينتسب التركمان في العراق وبعض ملوك المماليك في مصر وإليها ينتسب حي الأوزبكية في القاهرة.
حاربت كثيرا الغزو الروسي منذ عهد القياصرة الروس في القرون السبعة عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر ثم الإتحاد السوفيتي ولكن كانت الغلبة للأقوى ، وأستخدم كثيرا من شبابها في الحرب العالمية الأولى والثانية تحت غطاء القوات الروسية ، وأضطر كثير من أهلها للهروب بدينهم وأهليهم إلى التركستان الشرقية المحتلة من الصين الآن ومنها إلى كشمير ثم باكستان ومنها أنتشروا إلى العديد من الدول فمنهم من رحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومنهم من رحل إلى اليابان ثم بعض الدول العربية قبل إستقلالها مثل سوريا والعراق وفلسطين والأردن ، كما بقي كثير منهم بين باكستان والهند وأفغانستان ، وكثير لجأوا إلى الحرمين الشريفين وسكنوا مكه المكرمة والمدينة المنورة والطائف وجدة ، فبعضهم وصل منذ نهايا القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين ، ولقبوا كثيرا منهم بالبخارية وبعضهم بأسماء عوائلهم والبعض الآخر نسبوا إلى مدنهم فمنهم عائلة الأنديجاني والنمنكاني والطاشكندي والسمرقندي والقوقندي ، ومنهم علماء كبار في الدين عاشوا ودرسوا في جنبات الحرمين الشريفين ، إشتهر "البخارية" بأكلات كثيرة منها الرز البخاري والمنتو والتميس واللغمن والفرموزة أو السمبوسة أو الصمصا كما يطلق عليها أهلها ، وتخرج منهم الكثير من حملة الدين والعلم والأدب ، وكان منهم الكثير الذين خدموا بلدهم ، فمنهم على سبيل المثال وزير الثقافة والإعلام السابق الدكتور عبدالعزيز خوجة وسفير السعودية لدى اليابان الدكتور عبدالعزيز تركستاني وكثير آخرون من الأطباء والمهندسون.
سأكون هناك في الفترة بين 17 فبراير إلى 24 وسأقوم بالتغطية بالصور والسنابات بقدر الإمكان بإذن الله وسأكتب لكم تحت هذه التدوينة.
يمكن التقديم عن للحصول على تأشيرة أوزبكستان عن طريق السفارة في الرياض (أو أي عاصمة أخرى من عواصمنا الغالية) أو القنصلية في جدة. الطلبات:
- صورتين شمسية.
- صورة لجواز السفر مع الأصل.
- خطاب من جهة العمل بالراتب.
- حجز الطيران وحجوزات الفنادق والترتيب مع وكالة سياحية.
- 350 ريال للتأشيرة الواحدة.
الوكالة السياحية تقدم خطاب دعوة ، اوزبكستان دولة منغلقة حتى الآن وتصر على تحديد مدة الزيارة بالضبط ومدن الزيارة ، السفارة يمكنها مساعدتكم للحصول على ارقام الوكالة السياحية.
حجوزات الطيران عن طريق الأوزبكية تطير إلى دبي أو إسطنبول ، أو عن طريق الخطوط التركية وهي الأفضل.
توقفنا اليوم في مطار اسطنبول ، الحقيقة أني أعجبت جدا بالتطور الكبير في المطار وفي صالة الدرجة الأولى ورجال الأعمال خصوصا ، اترككم مع الصور.
سألتني زوجتي ماذا تشعر؟ المشاعر مختلطة ، أنا هنا في بلد تركها جدي يوما خوفا على دينه وذريته ، المد الشيوعي كان لا يقبل أي مظهر ديني وكان يحارب الأديان ويعتقل كل من يصلي أو يصوم ، إنتمى إلى بلدي الذي ولدت فيه وولد والدي فيه ، أنا هنا غريب ، والنَّاس ينظرون إليّ فيستغربون غربتي!
الثلوج إستقبلتنا بكثافة ، أصرت أن تفرش لنا الأرض بغطاء أبيض فلم تتوقف حتى المساء وحتى أدت مهمتها ، نزلنا من الطائرة أولا لننحشر داخل باص عبئ إلى أقصى قدرته بالركاب ، نزلنا أرض المطار فتذكرت الأيام الخوالي قبل خمسة وعشرون عاما في مطار القاهرة ، فالنظام مستغرب والفوضى أعم ، أبلغونا بوجوب تعبئة بيان بما تحتويه الحقائب ، كان البيان بلغتين فقط ، الأوزبكية أو الروسية فحملته وذهبنا للطابور الأخير حتى تبرعت راكبة لتعبأته لنا.
كان السائق في إنتظارنا بالخارج ، الحمدلله يتحدث الإنجليزية كما طلبته ، أخذنا مباشرة إلى الفندق ، فندق إيشان كالا Ichan-Kala خماسي النجوم محلي الخدمة تراثي المظهر في وسط طشقند ولا يبعد كثيرا عن المطار.
أمام مدخل الفندق
الساحة الداخلية
المبنى كان قصرا وتحول إلى فندق ، الغرفة عبارة عن جناح ضخم فيه صالون وغرفة نوم بديكورات كلاسيكية.
بضع ساعات للراحة سرقناها بين إتصال وآخر ثم صحونا للخروج وإستكشاف ما يمكن إستكشافه ، الجوع صوته أعلى من إرادة الإستكشاف ، قادنا المرشد إلى أحد المطاعم الأفخم في حي يعتبر الأغلى في طشقند إسمه AFSONA ، أكلنا بلهفة الجوعى.
أكلة إسمها هانوم عبارة عن عجين محشو باللحم تطبخ بالبخار
شرائح مقطعة من لحم الحصان تسمى كازي وهي ممتازة للشتاء البارد
خرجنا من المطعم والثلوج مازالت تصر على فرش الأرض لنا بالبياض ، لم يكن من بد غير الذهاب إلى مكان مغلق ، قادنا مرشدنا إلى أحد الأسواق المغلقة الحديثة ، السوق صغير ومن خمسة أدوار فيه محلات لملابس مستوردة ، أسعار المستورد ليست رخيصة فالبلد فقيرة للدولارات ، بعد جولة عدنا إلى الفندق للراحة وليوم آخر أكثر جمالا بإذن الله.
بقي أن أحكي لكم عن صرف العملة ، صرفنا مائتين من الدولارات في السوق السوداء ، السوق السوداء هنا نشطة ومتغافل عنها من الحكومة ، السعر الرسمي للدولار 3300 سوم وهو العملة المحلية بينما السعر في السوق السوداء 6950 سوم!
إكتفت السماء من فرش الأرض لنا بالرداء الأبيض ، وقررت التوقف عن مراسم تحيتها وترك الضيافة إلى غيرها من عوامل الطبيعة ، وتركت لنا من آثارها ضبابا قليلا ، ما فتىء أن تركنا ورحل وبقيت السماء غائمة ، والجو البارد أقل من خمسة درجات تحت الصفر.
توقف هطول الثلج
الشارع
الشارع 2
كان لي موعد مع إمام المسجد الكبير في طشقند ، توجهنا إلى المسجد الذي يطلق عليه المسجد الجديد وأيضا المسجد الأبيض ، مسجد بني على الطراز الأوزبكي المزخرف الجميل من ثلاثة أعوام تقريبا ، هو مسجد رائع ، أحاطته الثلوج من كل جانب لتزيد بياضه ، الإمام أحد الشخصيات الدينية المهمة في البلاد في نفس مرتبة المفتي العام ، أستقبلنا نائبه وأدخلني إلى مكتبه من باب خاص داخل المسجد ، مكتب فخم يليق بحضرة إمام بهذا القدر ، قابلته فوجدته شخصية رائعة ورحب بي كثيرا ، من خارج المسجد يظهر بعيدا برج طشقند الذي يسمح لمعتليه أن يطل على كامل المدينة.
المسجد الجديد أو الأبيض
صورة أخرى للمسجد
المدخل الرئيسي داخل حرم المسجد
من مكتب الإمام
برج طشقند
خرجنا لجولة إلى السوق الشعبي في وسط طشقند القديمة ، قسم كبير فيه للمأكولات الشعبية تعرض فيه سيدات مأكولات شتى وتفوح الرائحة منه لتجذب المتخوم ، أما الجوعى أمثالنا الذين لم يتناولوا إفطارهم اليوم فقد كان الرائحة الشهية أسرا وسحرا ، ولعل هؤلاء النسوة قد تدربن على تسويق بضاعتهن وخبرن بخبرة السنين وجوه الجوعى من الزوار ، تنادي كلا منهن على مطعمها وطبخها وفازت منهن واحدة بنا بحسن الحديث ، غداءنا كان من أكلة النورون وهي عجين مقطع بحرفية مخلوط بلحم الحصان المقطع بنفس القدر من الحرفية وشوربة ، وجربنا الصمصا (السمبوسة) المحشوة باللحم الضان والكباب الأوزبكي ، ولا تلتئم المائدة الأوزبكية بدون الشاي بدون السكر ، حسابنا لثلاثة أشخاص لم يزد عن عشرين دولار.
المطاعم الشعبية في السوق القديم
أكلة النورون بلحم الحصان
أكلة هانوم نوع من العجين المخلوط بالصلصة
الصمصا أو السمبوسة
حشوة الصمصا
طبق النورون
الشاي بدون سكر الشراب الرئيسي على المائدة الأوزبكية
الكباب الأوزبكي
أكملنا جولتنا داخل السوق وشاهدنا قسم لبائعي السومالاق والمضير والبيض والخبز والمكسرات واللحوم والأجبان والخضار والفواكه والعسل ، لكل بضاعة قسمها والبائعون من سيدات وسادة يبيعون بضاعتهم بكل إحترام جنبا إلى جنب.
السومالاق وهو عبارة عن خليط من القمح والسكر يتم إعداده خلال تجمع نسائي حيث تتناوب الحاضرات تقليب القدر طوال ساعات طوال وهي ممتازة للإفطار وغنية بالطاقة
أنواع وأشكال من المضير
وأنواع وأشكال من البيض
المخبز الشعبي
أشكال من الخبز
أكملنا إلى قسم أخر وناحية أخرى من السوق ، سوق الملابس حيث شاهدنا الأردية الشعبية التراثية ، الجوبون وهو المشلح أو البشت الأوزبكي المبطن والمقصب بالزخارف الجميلة والأطقم المزخرفة الرائعة للنساء والقبعات الأوزبكية المربعة ، الأوزبكيون فخورون بمناطقهم فلكل منطقة جوبون بزخرفة مميزة وقبعة مميزة ، لم أستطع أخذ كثير من الصور هنا ولكن لي زيارة أخرى بإذن الله.
بالقبعة الأوزبكية
ومن هناك إلى ميدان الإستقلال وهي حديقة جميلة محاطة بالمباني الحكومية المهمة في البلاد منها مبنى البرلمان ورئاسة الوزراء ومبنى الحكومة ، بعض المباني منذ العصر السوفيتي وأكثرها جديد ويمنع منعا باتا تصويرها ، تمشينا في الحديقة وشاهدنا النصب التذكاري لقتلى الحرب العالمية الثانية من الأوزبك ، العديد من شباب الأوزبك أخذوا جبرا للقتال في الحرب العالمية وفي الجبهات المتقدمة ، كان الروس يستخدمونهم كجدار الدفاع الأولي وكانوا يعدون أهل أوزبكستان بالإستقلال بعد إنتهاء الحرب إذا أحسنوا القتال ، ثم نكثوا وعودهم وأعدموا أكثر ممن مات في الحرب وحاربوا الإسلام ومنعوا مظاهر الدين وأعتقلوا الآلاف وأرسلوهم إلى صحراء سيبيريا ، على طرفي النصب سجلات من النحاس محفور فيها أسماء القتلى من كل منطقة ، راجعنا بعضها وشاهدنا الأعمار لا تتجاوز بدايات العشرينات ، رحمهم الله وغفر لهم.
الحديقة عند ميدان الإستقلال
سجلات قتلى الحرب العالمية الثانية
نصب الجنود منذ العهد السوفيتي
بعد الإستقلال أزيلت المعالم التي تشير إلى العهد السوفيتي البائد ، في هذه الساحة كان نصبا عظيما للينين زعيم الحركة الإشتراكية في روسيا وأول رئيس للإتحاد السوفيتي ، أزيل التمثال ووضعت كرة أرضية مكانه ، وبني في المقدمة نصب ليرمز للإستقلال عليه طيور.
"سيدي عمر .. سيدي عمر .. سيدي عمر" كان يوقظني من سباتي العميق وحلمي الغريب ، بينما كنت أرى نجما ينطفىء في منامي ، ماذا! لقد شاهدته بالأمس فكيف ينطفىء اليوم! لماذا لم ألحظ قرب إنطفائه؟ كنت أرى في منامي أيضا أن مرصدي هدم وأن كتابي يطير ، لم أكن أتعلق بالأحلام كثيرا ولكن كان حلما عجيبا ، لماذا يوقظني الخادم؟ هم يعلمون أني أنام نهارا أصحو ليلا ، أتابع النجوم وأكتب ملاحظاتي ، كتبت بعضا من رباعياتي البارحة أيضا:
إن لم أكن أخلصت في طاعتك
فإنني أطمع في رحمتك
وإنما يشفع لي أنني
قد عشت لا أشرك في وحدتك
أفقت ، ونظرت حولي ، مازال النهار ساطعا ، ناديت بالباب "أدخل"
"سيدي عمر .. هناك خطب ما ، الوزير .. نظام الملك .. قتل فجرا"
ماذا!! نظام الملك! لماذا؟ من يقتل نظام الملك؟ "هل أمر السلطان بقتله؟" "لا ياسيدي .. إن السلطان بكى عليه ، قتله رجل بخنجر مسموم ريثما بدأ الصلاة ، وقبل أن يموت الوزير قال إني عفوت عن قاتلي" عرفت وقتها من قتل الوزير ، ليس غيره ، إنه حسن الصباح ، خرج إلى شرفة المنزل الجميل ونظر إلى المدينة الرائعة تحته وبكى ، ثم حدث نفسه "لم يعد بك سكن يا سمرقند ، سيموت العلم هنا كما كان دائما هنا ، سأعود إلى نيسابور". (القصة مبنية على وقائع حقيقية ويمكن العودة للمراجع للقراءة أكثر عنها)
سمرقند ، كانت مكان هذه الأحداث ، كانت مركزا للأحداث ، وحيث تبدأ الأحداث ، كانت المدينة الجميلة التي من بين كل ما رأى الإسكندر المقدوني لم يعجب بمثلها ، هنا كان مركز القرار وهنا كان مجلس العلوم ومكتبة العلماء ونادي النبلاء وممر القوافل من الصين إلى أوروبا تحمل الحرير ، كانت أغنى المدن في طريق الحرير وكان لابد للقوافل أن تستريح فيها وتأتي إليها بجميع أصناف الحمولات من كل بلاد العالم ، وكانت القوافل تأخذ معها الأخبار وتأتي بالأخبار ، وفي هذه المرة حملت معها خبر مقتل الوزير نظام الملك ، الوزير الذي قتل هو نظام الملك وزير الدولة السلجوقية وكان وزيرا محبا للعلم والدين ويعمل لكلاهما ، والعالم بالتأكيد هو عمر الخيام.
يقال أنها بدأت منذ 2700 عام وربما أكثر ، وهي تنقسم اليوم ثلاثة أقسام سمرقند الأثرية وسمرقند التاريخية وسمرقند الحديثة أو الروسية ، الأولى كانت فوق تلال موجودة للآن وكان النهر يجري تحتها فكانت عجيبة في تكوينها ، وقد دمرها جنكيز خان حاكم المغول في طريقه لبغداد وغير مسار النهر فجفت ثم قتل جميع رجالها وسبى النساء والأطفال فلم يبق فيها أحد ، ودفن الرجال في أرض تلك المدينة القديمة فأصبحت مقابر ولم تعد تصلح للسكن ، سمرقند الأثرية هي التي بدأت بعد ذلك في أطراف المدينة الأولى وهي التي إتخذها تيمور لنك عاصمة له وللدولة التيمورية من بعده وكانت عاصمة أولوغ بيك حفيده العالم الحاكم الذي كان يقضي وقته بين المدرسة وقصر الحكم ، ثم سمرقند الحديثة وهي الجزء الحديث من المدينة التي بنيت في أيام الإتحاد السوفيتي لتصبح نقلة نوعيىة في شكل المدينة بشوارع أكثر وسعا ومباني أكثر حداثة.
حاولنا الحجز بالقطار السريع الذي يربط كلا من طشقند العاصمة ويتوقف في سمرقند ثم إلى بخارى ولكن كان القطار ممتلىء للأسف ، يجب الحجز مبكرا ، إضطررنا للسفر بسيارة مستأجرة بسائق ، الطريق في حدود أربع ساعات ، السيارة شيفروليه ماليبو جيدة ونظيفة لكن الطريق غير مريح ، كنا في المقعد الخلفي وكأننا في في طريق بري خارج الطرق العادية المسفلتة للسيارات ، لا أنصح أبدا بهذه الرحلة فقد كانت متعبة ومرهقة ، وصلنا إلى الفندق مساء ولم يتبقى من ليلتنا غير العشاء ، تعشينا في مطعم إسمه سمرقند على إسم المدينة ، أشبه ما يكون بصالة أفراح كبيرة بها مئات الأشخاص وكانت أكثر من عائلة تحتفل بمناسبة لكل منها ، فتارة عيد ميلاد هنا وتارة أغنية مع كيكة هناك ، وموسيقى صاخبة وعرض فني فلوكلوري.
في أحد فنادقها القديمة المعروفة كانت إقامتنا ، إسمه جراند سمرقند ، فندق عريق وذا بناء من الطراز المحلي ومن فئة الأربعة نجوم ، الغرفة جميلة وجيدة المساحة ، وموقعه في الجزء الحديث من المدينة ، في يومنا الثاني كان قرابة من سبعة أزواج جدد يحتفلون بزواجهم ويوثقون ليلتهم بجلسة التصوير في الفندق لما في ديكوراته من الأصالة ، خرجنا مع سائقنا ومرشدنا الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة بالإضافة إلى الفارسية والأوزبكية والروسية ، أول ما شاهدنا كان ميدانا كبيرا في الطريق به تمثال عظيم لتيمور لنك ، كل تاريخ المدينة الموروث من العصور الوسطى يدور حول تيمور لنك والدولة التيمورية ففيها كان إزدهارها ، توجهنا أولا إلى ضريحه ، مبنى رائع مزخرف بالأشكال المعروفة في وسط آسيا من العصور الإسلامية الجميلة في خارجه ، تعلوه قبة رائعة تمثل إبداعا هندسيا إلى هذا الزمن ، الدخول من البوابة ثم حرم المبنى حيث كانت توجد مدرسة للقرآن والعلوم الدينية ، عبرنا إلى داخل المبنى وفي صالته الأولى خريطة توضح غزوات تيمور لنك وإتساع دولته التي تبدأ من شمال الهند وأطراف الصين إلى القسطنطينية (وفي ذلك مبالغة) فقد تقابل الجيش التيموري التتاري مع جيش العثمانيين في معركة أنقرة في عام 1402م والتي هزم تيمور لنك فيها جيش بايزيد الأول وأسره ثم مات في الأسر وكادت السلطنة العثمانية أن تختفي وهي في بداياتها حتى عاد بها محمد الأول جد محمد الثاني الفاتح الذي فتح القسطنطينية.
المقبرة الملكية من الخارج حيث ضريح تيمورلنك وبعض أبناءه وحفيده أولوغ بيك
حرم المقبرة حيث كانت المدرسة
عند دخولنا لصالة الضريح الرئيسية طلب منا مرشدنا النظر للأسفل وعدم رفع رؤوسنا حتى إشارته ، وبالفعل رفعنا رؤوسنا لنجد إبداعا لا مثيل له في زخرفة القبة الداخلية بكل الذهب الرائع الذي يجعل الزائر يصرخ من الإعجاب ، عدة أضرحة في الصالة عرقت فيما بعد أن البناء كان لمحمد سلطان حفيد تيمور لنك الذي توفي في إحدى الغزوات فبنى تيمور هذا الضريح تخليدا له ، وكان من مرافقي تيمورلنك الدائمين أستاذه ومعلمه وفقيهه رجل يدعى ميرزا وقد مات ودفن في مسقط رأس تيمور وقد أوصى بعدها تيمور لنك بالدفن تحت قدمه ، ولكن توفي تيمور في الشتاء ولم يستطيعوا نقله عبر الجبال إلى حيث وصيته فدفنوه هنا ثم أحضروا رفات مدرسه وجعلوا نهاية قبره على رأس تيمور كما أوصى ، دفن بعدها أبناء تيمور وبعض أحفاده وحفيده المفضل الآخر أولوغ بيك.
سقف الضريح من الداخل
صورة تظهر القبور وبعض السقف
خرجنا من هناك إلى موقع ريجستان وهو قلب المدينة القديم والرمز التاريخي لها حيث كانت هناك ثلاث مدارس بقت حتى بداية العهد السوفيتي ، وكانت إحداها مدرسة صوفية والبقية للقرآن والفقه والطب والعلوم ، أعيد ترميم معظم المباني بعد الإستقلال من الإحتلال الروسي ، كانت أقل تلك المدارس لتحتوي على 100 طالب في وقت واحد ينامون ويسكنون في الغرف ويدرسون طوال فصل الشتاء وبدايات الربيع ثم يعودون إلى قراهم ليساعدوا والديهم في الزراعة والصناعة ويتخرجون بعد خمسة عشر عاما ليصبحوا معلمين أو علماء في نفس المدرسة أو غيرها ، وكانت تقام لهم الإمتحانات العديدة ليتم التأكد من قدراتهم ، شاهدنا أيضا المسجد الذهبي الملحق بإحدى المدارس وكان من بعض أجمل ماترى العين في هذه الدنيا من الزخارف الذهبية الرائعة.
ريجستان
إحدى المدارس من الداخل
المسجد الذهبي من الداخل
المحراب
من هناك إتجهنا إلى ضريح الإمام البخاري خارج مدينة سمرقند في قرية سميت بإسمه "إمام بخاري" على بعد عشرين كيلومتر تقريبا ، فالإمام الذي عاد إلى مسقط رأسه ليدرس ويعلم الحديث طلبه أمير بخارى أن يدرس في القصر ولطبقة النبلاء فرفض وقال قولة مشهورة "العلم لا يأتي بل يؤتى إليه" فحورب ومنع من التدريس في بلده فخرج حنى أتي سمرقند وبقي فيها فترة يدرس فيها إلا أن المنع لاحقه فخرج إلى قرية قريبة إسمها "خرتنك" وهناك توفي ودفن رحمه الله ، وبقي ذلك المكان مهملا حتى إنتبه إليه السوفييت بسبب طلب الزيارة من الرئيس الأندونيسي سوكارنو الذي زار القبر في عهدهم ثم بعد الإستقلال جرى بناء ضريح عليه وحرم كامل.
مرقد وضريح الإمام البخاري
في طريق عودتنا مررنا على أحد مطاعم الصمصا بفرن التندور المميزة والمشهورة هنا ، تناولنا غذاءنا ثم إتجهنا إلى السوق الشعبي القديم حيث المكسرات والفواكه المجففة والملابس التراثية وتذكارات السياح ، زرنا أيضا سوق بسيطا للمشغولات اليدوية كانت لا حاجة فيه لشراء قطع من القماش الأوزبكي (أطلاس) المميز بتموجاته ، سرنا من هناك إلى مسجد ومدرسة تيمورلنك الذي بناه بعد ضمه لشمال الهند لمملكته وجلبه لكنوز من هناك على ظهر 59 وقيل 70 فيلا إستخدمها في بناء هذا المسجد وشاهدنا مدرسة وضريح زوجته "بيبي خانوم" المقابل لها ، والمدرسة ثم إستخدمها حفيده أولوغ بيك في بناء مرصده.
السوق الشعبي من الخارج
مسجد ومدرسة تيمورلنك من الخارج
ريجستان ليلا
في طريق عودتنا مررنا على مدرسة ريجستان لنشاهدها ليلا مع الأضواء ، فكان منظرا ساحرا يدل على عظمة ذلك الزمان وقدرات قلما وجدت في مثل تلك العصور ، تعشينا في مطعم إسمه بلاتان Platan قريب من فندقنا سرنا إليه في عتمة الليل ، فالمدينة قلما تضاء شوارعها ليلا ، ولكن يغمرها أمان طيبة أهلها.
"يمكنكم مشاهدة القيديو على اليويتويب لتفاصيل الرحلة"