وانتهت مرحلة في يوم الثلاثاء الماضي الثاني...

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Yousef Alnamlah
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
Y

Yousef Alnamlah

:: مسافر ::
وانتهت مرحلة


في يوم الثلاثاء الماضي الثاني من شهر ربيع الأول لعام 1431 للهجرة, السادس عشر من شهر فبراير لعام 2010 وفي تمام الساعة الحادية عشر وتسع عشرة دقيقة ضحى أرسلتُ إلى المحاضرة ذات الأخلاق العالية
Jenny Green
رسالة بريدية عنوانها: أنا قلق نوعًا ما ! كتبت فيها طلبًا يسيرًا وهو أن تخبرني عن نتيجة البحث الأخير الذي قدمته لها كآخر بحث أسلّمه لاستكمال متطلبات مرحلة الماجستير والتي كانت في إدارة الموارد البشرية في جامعة سيدني للتكنولوجيا. في نفس اليوم وفي تمام الساعة السابعة وثمانية عشر دقيقة مساءً أرسلت لي تلك المحاضرة اللطيفة رسالة بريدية جوابية تقول فيها: مع التحية ليوسف، تفضل ملحوظاتي التفصيلية على بحثك والدرجة النهائية. و بسرعة شديدة فتحت الملف المرفق فوجدت صفحة من الوورد ملئت بملحوظات علمية دقيقة ونصائح أكاديمية ثم الدرجة التي أراها منطقية وصحيحة في نهاية الورقة والتي تعني تجاوزي تلك المادة بنجاح والحمد لله.
هذه الورقة هي بمثابة إعلان انتهاء مرحلة الماجستير التي قضيتها في أستراليا وتحديدًا في مدينتها الساحرة سيدني. بعد استلامي لهذا البريد قرأته عدة مرات ثم أغلقت الجهاز ثم عدت وقرأته ثانية ثم ثالثة ،، وفي كل مرة أقرأه برؤية مختلفة ،،
هنا انتهت مرحلة دراسة الماجستير في أستراليا والتي سبقتها دراسة اللغة الإنجليزية والتي كان فيها ما كان من صراع وإخفاق وإحراج وكل ذلك بسبب الأساس اللغوي الهزيل جدًا الذي حملته معي أول أيام البعثة مع الأسف الشديد ،،
تجربة جديدة على المرء حين يسافر بعيدًا عن الوطن ويحصل على درجة علمية في لغة غير لغته الأولى ،، وبقدر ما كانت متعبة ومرهقة خصوصًا مع هم العائلة وتحمل مسؤولية الأطفال بقدر ما كانت ممتعة ومفيدة إلى حد كبير جدًا ،،
إزاء هذه التجربة والتي بلغت ثلاث سنوات وعشرة أيام أود أن أبعث بثلاث مقترحات إلى المسؤولين عن الابتعاث في المملكة العربية السعودية، وقبل أن أبعث هذه الثلاث رسائل أقول
:
إلى وزارة التعليم العالي وجهات الابتعاث عامة ،، أشكر الله تعالى أولاً ثم أشكركم ثانيًا فحقيقة لم أقدر فوائد الابتعاث حتى عايشتها وأفدت منها كثيرًا والحمد لله ،، أحسنتم في تنفيذ توجيهات الملك المحبوب خادم الحرمين الشريفين الذي يأمل ونحن معه بأن يتغير مجتمعنا للأحسن في أقرب وقت ونستغني عن الاعتماد على الأجنبي بقدر ما نستطيع وهاهو غرسه حفظه الله بدأ يؤتي أكله وثماره والحمد لله ،، فقد شاهدت وتحدثت مع طلاب مبتعثين كثر كلهم يردد خواطر الحب للوطن وكيفية رد هذا الجميل ،، والحمد لله أن وفقنا لهذا الشعور ،، شعور الوطنية الذي تضاعف لدينا في بلد الغربة وما ذلك بغريب على أبناء المملكة الأوفياء.
أيها المسؤول عن الابتعاث أيًا كان مكانك ومنصبك ،، أشكرك كثيرًا مرة أخرى وأستأذنك في أن أطرح على طاولتك ثلاثة مقترحات آمل أن تحسن من مستوى الابتعاث في السنوات القادمة.
المقترحات الثلاثة:
الأول/ لابد من الاهتمام بلغة المبتعثين قبل إرسالهم للخارج ،، فلقد تعبت كثيرًا وتعبي معي الألوف بسبب الضعف اللغوي في بداية مشوار الابتعاث ،، كنا والله نخجل حين يزاملنا بعض الطلاب من جنسيات أخرى فنراهم يعبرون جسر اللغة بسرعة أمامنا ونحن لا نزال نلت ونعجن !! هل نعيب مناهج التعليم؟ هل نعيب التربية الأسرية؟ هل هل ،، ليست هذه قضيتنا وأنما المأمول أن تقوم كل جهة مسؤولة عن الابتعاث بتهيئة المبتعثين لغويًا ويتبعه بطبيعة الحال التهيئة الثقافية لأن اللغة قالب الثقافة أو الثقافة قالب اللغة !. أتذكر على سبيل المثال بعض الطلاب من اليابان الذين درسوا اللغة الإنجليزية معي. كانت فترة دراستهم للغة لا تتجاوز ثلاثة أشهر في الغالب ،، ويحضر معهم مراقبون ،، يحضرون معهم حتى في الفصل الدراسي وقت الدرس ،، والطلاب اليابانيون وإن كانت لغتهم ضعيفة في الغالب ولا تكفي ثلاثة أشهر لصقلها إلى أنهم حددوا أهدافًا ونفذوها من خلال هذه الثلاثة أشهر. أقول ثلاثة أشهر وليس سنوات في دراسة اللغة كما هو الحال مع الطالب السعودي.
ومن باب الإنصاف، أتقدم بوافر الشكر والثناء للملحقية الثقافية في أستراليا التي قامت بواجبها وتابعت الطلاب السعوديين بقدر طاقتها فلهم منا الشكر والدعاء.

الثاني/ إدراك البعد الثقافي ضروري جدًا. من خلال معايشة لمدة ثلاث سنوات في أستراليا سكنت فيها مع عائلة أسترالية وزرت عوائل أخر وزاملت طلابًا من جميع جهات العالم أدركت من خلال ذلك أن دراسة الثقافة الجديدة لا تقل أهمية عن دراسة اللغة. هذا الإدراك جعلني أهتم بالفروق الثقافية بين البشر وبحكم دراستي في إدارة الموارد البشرية آثرت أن أجعل بحث الماجستير حول تأثير الثقافات المختلفة على الموظفين في شركة واحدة أو مكان واحد ،، وقفت بعدها على بحر لا ساحل له من الفروق والاتجاهات والتنوعات الثقافية ،، لكن الذي يهمنا هنا هو ضرورة إدراك ثقافة بلد الابتعاث قبل السفر بشكل تفصيلي لأن ذلك يسهل عملية التآلف مع المجتمع الجديد ويقلل من عقبات التعلم ،، من الطريف أن أذكر بعض المواقف التي مرت علي والتي تؤكد ضرورة إدراك وفهم الثقافة الجديدة مع عدم ضرورة التنازل عن الثقافة الأولى ،، أذكر أن بعض الطلاب السعوديين أنكر على مدرسه الأسترالي من أصل بريطاني تشغيل الموسيقى في الفصل الدراسي !! وآخر طلب منه بعض المسؤولين في معهد اللغة أن يستحم قبل أن يحضر للفصل لأن رائحته نفاثة وغير مقبولة ! ثم تبين بعد ذلك أن صاحبنا كان يضع دهن العود الأصلي على ملابسه عند كل صباح ! وثالث اسمه محمد لكنه طلب من معلمته أن تناديه بـ (النك نيم) وهو( مو) عندها قالت له المدرسة : عادة نستخدم النك نيم لتسهيل التخاطب أو لتغيير الأسماء الصعبة واسم محمد من أشهر الأسماء في العالم كله فلا تحتاج إلى اسمه غيره !!

الثالث/ أبناء المبتعثين يعيشون هوية متذبذبة نوعًا ما ولابد من مدارس خاصة للسعوديين في أستراليا. لك أن تتخيل طفلاً سعوديًا لا يستطيع القراءة والكتابة باللغة العربية !! وفي بعض الظروف لا يستطيع حتى التحدث بها ! بكل شفافية ووضوح أستطيع القول إن فكرة ابتعاث طلاب سعوديين إلى أستراليا حصل لها بعض الخلل ومنه عدم التفكير بإيجاد مدارس أو أكاديميات سعودية تحفظ لأبناء المبتعثين هويتهم الوطنية وقبل ذلك هويتهم العربية والإسلامية ! يزيد الطين بلة مع المبتعثين لدراسة الماجستير والدكتوراه أو للزمالة الطبية أو غيرها من أنواع الابتعاث التي تتجاوز في الغالب خمس سنوات، عندها سيعود أبناء وبنات المبتعثين إلى مجتمع عربي مسلم ولكن بدون لغة عربية أو هوية عربية وإسلامية متينة. لا أكتم القارئ سرًا إن قلت إن لدي طفلتين الأولى في الصف الرابع الابتدائي والأخرى في الصف الأول وهما أبعد ما تكونان عن اللغة العربية !! قد يقول قائل: هنا يأتي دور البيت ويتحمل المبتعث تعليم أولاده اللغة العربية لكني أقول له: لنكن واقعيين ،، تعليم مبادئ اللغة العربية فن ومهارة لا يتقنهما أغلب الناس ،، وأيضًا كيف تطلب من الوالدين عمل ذلك وهما يدرسان في الجامعات الأسترالية التي لا تبخل بتكليف الطالب بأنواع الواجبات الأكاديمية من بحوث مرورًا بعروض تقديمية وانتهاء باختبارات مرهقة. ثم إن قصّر المبتعث مع أبناءه فأين واجب حكومة المملكة العربية السعودية في حفظ هوية أطفالها في الخارج؟ بكل صدق وضع أبناء وبنات المبتعثين في أستراليا غير مرضي من حيث دراسة مناهج المدارس السعودية.


دمت يا وطني بعز وتوفيق ،،
أبو الجوري
أستراليا