رئة العاصمة التي تجمع بين التاريخ والترفيه
لوحة فنية بديعة رسمتها ألوان الزهور الزاهية وظللتها أغصان الأشجار الشاهقة وروتها مياه البحيرات البيضاء ، حديقة سياحية تجمع بين المعالم التاريخية للمدينة الايوبية وأحدث وارقى وسائل الراحة والترفيه ،لتضيف لزوار المحروسة رئة جديدة تمتد مساحتها لاكثر من مليون متر مربع
الحديقة الأسطورة التي تحولت إلى قصة عشق بين أهالي القاهرة وزوارها بل والسائحين العرب والأجانب شهدت ميلادها عام 1984م حينما أعلنت مؤسسة أغاخان الثقافية عن إهدائها مصر تلك الحديقة . وشهد إنشاء الحديقة العديد من المفاجآت التي أبهرت الجميع وبخاصة المهتمون بالتاريخ ، إذ تم اكتشاف العديد من الآثار الإسلامية ومن بينها سور المدينة الأيوبية الذي يعود للقرن الثاني عشر ، وقد بني في عهد صلاح الدين الأيوبي وتطلب العثور عليه الحفر لعمق 15 متراً ليظهر السور بأبراجه وشرفاته بكل روعتها ، هذا إلى جانب العديد من الأحجار التي حملت كتابات هيروغليفية . وليست التلة العالية التي بنيت عليها الحديقة هي كل ما يميزها فقط، بل أيضاً مدينة القاهرة الفاطمية القديمة بما تركته من الآثار، التي تقع على الجانب الغربي من الحديقة وتمتد حتى الدرب الأحمر، بما تضمه من المساجد، والأضرحة، المزينة بخط طويل من المآذن .
بمجرد اجتيازك بوابة الحديقة التي تكلف إنشاؤها 300 مليون جنيه مصري، تستقبلك مساحات شاسعة من التلال الخضراء والبساتين المفتوحة لتنعم باستنشاق نسمات من الهواء العليل. وليبهرك تصميم الحديقة الخاص الذي يضفي عليها سحراً يشيع بداخلك إحساساً عميقاً بالتراث الإسلامي العريق في فترات تاريخية وأماكن جغرافية مختلفة بالعالم الإسلامي. فالنمط الفاطمي يطغى بوضوح على أماكن الجلوس والطرق وكذلك بعض مباني الحديقة مثل مطعم «الربوة»، بينما تلاحظ المظاهر الهندية في العناصر المائية من نوافير وأحواض وقنوات وشلالات وبحيرة مائية ضخمة تم تصميمها جميعاً على نسق مماثل لنوا فير تاج محل في الهند، بينما يظهر النسق الفارسي بشدة في النخيل والزروع العامة التي تظلل أماكن الجلوس بالحديقة حتى إنك عند التعب يمكنك التقاط أنفاسك بالجلوس على «التختبوش» لتشعر وكأنك تحاكي حياة الملوك والسلاطين .
الحياة النباتية
إذا استكملت رحلتك أعلى التلال الخضراء التي ترتفع عن سطح الأرض والمناطق الموجودة حولها لأكثر من 20 متراً، فإنك قد تقع في حيرة من أمرك بسبب جمال النباتات والورود التي تشبه حبات اللؤلؤ المتناثرة على أرض الحديقة، حيث توجد أشكال متعددة للحياة النباتية تتمثل في النباتات المتنوعة المصرية وغير المصرية التي جلبت من الخارج خصيصاً لتزيين الحديقة. أما إذا تجولت بناظريك من فوق هذه التلال خارج الحديقة التي تكسو الخضرة ثلثيها، بينما تمثل ممرات السير والمتنزهات والبحيرة الصناعية وجداول المياه والمطاعم والكافتيريات باقي المساحة.
التصميم
إن التصميم الرئيس للحديقة يعتمد على وجود المحور الرئيس الذي يُسمى «القصبة» التي تربط أطراف الحديقة من الشمال إلى الجنوب، وهو عبارة عن محور أساس يبلغ عرضه ثمانية أمتار، تصطف على جانبيه عشرات من النخيل الملوكي الذي وزع على جانبيه العديد من المقاعد الجانبية التي يتوسطها ممرات وشلالات للمياه وطرق ضيقة تبدأ من شمال التل إلى اتجاه القلعة في الجنوب، ثم ينحني المحور الأساس في اتجاه مآذن المدينة القديمة مؤدياً بعد ذلك إلى بحيرة صغيرة على الهضبة المنخفضة، والتي تمر على الحديقة الأساسية المقسمة إلى أجزاء مستقلة تزينها الحدائق والمقصورات التي تعتمد في تصميمها على التشكيلات الإسلامية القديمة، المحاطة ببساتين مزروعة، ليتجه بعدها المحور نحو المقهى المطل على البحيرة.
المطاعم
يوجد بالحديقة العديد من المطاعم إلا أن أشهرها مطعم «ستوديو مصر» الذي يهتم بتقديم الوجبات المصرية واللبنانية، بينما يهتم مطعم «البحيرة» بتقديم وجبات خليجية وإيطالية، فضلاً عن مطعم القلعة الذي جرى تصميمه في اتساق رائع مع العمارة الإسلامية للمكان والذي يقدم الأطعمة الشرقية على أنغام الموسيقى العربية التي تنساب هادئة مع رائحة أوراق الشجر والورود من حولك لتنعم بسحر ليل القاهرة المحاط بنجوم لا تظهر إلا في سمائها، خصوصاً أن الحديقة تستقبل زوارها من التاسعة صباحاً وحتى الثانية عشرة ليلاً وتتسع لـ 15 ألف زائر يومياً.
مسرح الجنينة
وفي مسرح «الجنينة» بالحديقة يمكنك مشاهدة أمتع العروض الثقافية المسرحية وربما تكون من بعض الفائزين بهدايا تذكارية إسلامية أو جلاليب مطرزة بشكل مبهر عن طريق مسابقات وأنشطة ثقافية ينظمها المسرح.
بانوراما تاريخية
أما إذا كنت من عشاق الآثار والأماكن السياحية فزيارتك لحديقة الأزهر تسعفك وتلبي رغباتك لأن الأحياء المجاورة للحديقة من أغنى مناطق العالم بآثار الفن والعمارة القديمة، فبخلاف رؤيتك لمآذن الجامع الأزهر، وجامع الحسين، وقلعة صلاح الدين، ومسجد محمد علي، ومسجد السلطان حسن، تستطيع الوصول إليها من داخل الحديقة إلى سور المدينة الأيوبية، ومجموعة أم السلطان شعبان التي بنيت عام 1369ميلادية وهي انعكاس رائع للعمارة والهندسة المملوكية القديمة، وكذلك مجموعة خاير بك التي تنسب لأول حاكم مصري بعد الغزو العثماني وتضم قصراً وجامعاً وبعض الكتب لتؤكد كل هذه المشاهد الخلابة أن حديقة الأزهر مركز للإشعاع الجمالي والحضاري والترفيهي والثقافي والفني والإبداعي في قلب القاهرة.