مدائن صالح

دودو

:: مسافر ::
4 مارس 2017
501
7
0
41
مصر
مدائن صالح.. ملحمة الحضارة الإنسانية وأسرار ألف عام

009e6c24b36f63c420055878da6cf7a6.jpeg



009e6c24b36f63c420055878da6cf7a6.jpeg


أعلن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز خلال زيارته التفقدية لآثار مدائن صالح بأنه سيتم تدشين وافتتاح الموقع رسميا وللمرة الأولى خلال شهر ( مايو ) الجاري.
.. و ( سـوّاح ) تسلط الضوء على هذا الموقع الذي يحوي كنوزا أثرية هائلة ويشكل علامة فارقة على خارطة السياحة المحلية ، خاصة وأنه أول موقع سياحي سعودي يتمّ تسجيله على قائمة لجنة التراث العالمي في منظمة اليونسكو .
كنوز أثرية :
عند مشاهدة آثار العلا ومدائن صالح يمتزج الواقع بالخيال, فتتداعى الصور, وتنهال الأسئلة, وتختلط الحقيقة بالخرافة من كثرة ما يرتسم في المخيّلة من علامات التعجب, عن قصة حضارة انسانية خالدة ومضيئة, رغم انها قديمة قدم التاريخ نفسه.
بالفعل هي مدينة الاسرار بلا منازع ، ولا غرو ان تعدّ هذه المدينة متحفاً مكشوفاً ومنجماً مفتوحاً للكثير من الباحثين الذين وجدوا بغيتهم واناخوا مطيتهم فيها لاجراء بحوثهم ودراساتهم.
عندما تسير بين آثار العلا تجد انك تقرأ ملحمة تاريخية كبيرة تعود إلى أكثر من 6000 سنة .. يمتزج فيها الحلم بالحقيقة وبالفانتازيا ثم يتحرك المشهد نفسه أكثر لتتداعى الصور مرة أخرى .. صورة بعد أخرى تتهادى من المخيلة التي تأسرها شواهد حضارة إنسانية لا تزال شواهدها قائمة من آثار وقبور وسدود ونقوش وكتابات وزخارف وفنون متنوعة تصوّر بكل تفرد تلك الحضارة الحافلة بالنبوغ في المناحي العمرانية والثقافية والتجارية.
وأنت في العلا لا تلبث ان تقابل السياح من جنسيات مختلفة حيث يجد هؤلاء في غرف التاريخ وارض الاحلام واحداً من اهم المعالم الزاخرة الى حد الترف بمخزون تراثي اثري تاريخي.. ولأنها مدينة لا تشبه كل المدن فقد لملمت صخورها وجبالها اثار الايام الغابرة وسطورا من تاريخ الحضارات المعينية واللحيانية والديدانية وكذلك النبطية .
إن الشواهد التي لا تزال قائمة حتى يومنا تنبئ بالكثير عن حضارة أولئك القوم وتشي بتفرد الممالك الديدانية واللحيانية والمعينية والنبطية بعلوّ الكعب والازدهار في شتى المناحي التجارية والاقتصادية والعمرانية وحتى الاجتماعية والثقافية. وتعطي صورة واضحة تفاصيل انسان الجزيرة العربية قبل 6000 عام, عهد ازدهار مملكة (ديدان أو دادان) التي لا زالت آثارها قائمة حتى الآن في الموقع المسمى بـ(آثار الخريبة) ثم تلتها مملكة اللحيانيين التي امتد حكمها على المدينة 6 قرون, وكانت تسيطر على الخط التجاري القديم الذي يربط اليمن في جنوب الجزيرة بشمالها حيث البضائع والسلع كانت تنقل من اليمن الى الشام أو العكس ايضاً. وقد شاركت (لحيان) مملكة (معين) التي استمرت في نفوذها التجاري حتى سقوطها على يد الأنباط منذ ألفي عام.
ولأنها هكذا فإن اسرارها متدفقة وجمالها يظهر تجليات متنوعة ، ومن السهل على زائرها ان يقرأ ملامح ذلك التاريخ الإنساني التليد بكل عنفوانه وأصالته.

مـدائن صـالح ..صخور لملمت أسـرار الـتاريخ
آثار مدائن صالح أو (الحجر) الواقعة شمال العلا فهي تحكي قصة الحضارة النبطية (المتميزة) فبقايا القصور والأضرحة تشير الى ان القوم بلغوا شأناً كبيراً في فنون النحت والزخرفة والعمارة, كما يبدو ذلك واضحاً من الزخارف والنقوش والتماثيل على واجهات الأضرحة التي تتزين بالأشكال الهندسية المتناسقة من مثلثات ومربعات ودوائر كذلك الزخارف الأخرى التي تدل على الحرفية والكفاءة التي وصل إليها الأنباط في هذه الفنون.
مدينة الأسرار:
في الطريق الى مدائن صالح «الحجر» تستعيد من ذاكرتك أناشيد الأماكن التاريخية وملامح صمودها في وجه تصاريف الزمن. في مدائن صالح تتوقف الأعين أمام حيّز مكاني تضاريسي يأبى ان ينكشف للزائر منذ أول وهلة لتنجلي، رويدا.. رويدا ، على مهل ، وفي استحياء شديد ، كاشفاً في كل مرة من تجلياته عن معالم باهرة ومفاتن تشعرك بالفعل انك في «مدينة» ليست مثل كل المدن وأمام معلم استوفى من الأسرار ما لا تكفي معه أيام ولا شهور لسبر أغواره والغوص في أعماقه واستجلاء رهبة المكان.

خصائص متفردة:
ومدائن صالح الآثار والتاريخ تختزن دهاليزها الأسرار وقلّما نجد مدينة في كل بقاع الأرض جمعت ما تحتويه مدائن صالح بين ثناياها وفي إنحائها من خصائص متفردة تمتزج فيها أسرار التاريخ بالانثربولوجيا و دهاليز الماضي التليد وتختلط بخصوصية غرائبية المشاهد وبانورامية الصور.. هنا في مدائن صالح قد يغيب جزء كبير من الحاضر رافعاً قبّعته للسيد «التاريخ» الحافل بالعراقة المتميزة وبروعة شواهد الأمس البعيد ومعالم العصور الغابرة.

أصـل التسـمـية:
ويعتقد الكثير من الناس ان اسم مدائن صالح تعود تسميتها الى نبي الله صالح عليه السلام وهذا خطأ شائع يجب الانتباه إليه حيث بدأ الناس يتعارفون على هذا المسمى منذ القرن الثامن الهجري ويذكر ابن ناصر الدين محمد عبدالله نقلاً عن ابي محمد القاسم البرزالي ان مدائن صالح التي تبعد عن العلا22 كلم ينسب اسمها الى صالح وهو من بني العباس بن عبدالمطلب.. أمّا قبل ذلك فكان يطلق عليها مسمى «الحجر» وقد ورد ذلك في القرآن الكريم بل وحمل اسمها احدى سور القرآن الكريم وهي سورة الحجر.

التاريـخ حاضـر:
رغم عوامل التعرية إلا ان التاريخ يظل صامداً ولسان حاله يقول حاوروني وأسالوا «الأمكنة» إنهّا أمامكم لن تضنّ عليكم بإجابة استنطقوا كل شي عن الماضي وتفاصيل حياة إنسان الجزيرة العربية في عصور ما قبل الميلاد والى ما قبل 2800 عام.

الحضارة النبطية:
في اثار مدائن صالح تسطع الحضارة «النبطية» بكل ما بلغته من شأن كبير من حيث فنون النحت والزخرفة والعمارة كما يبدو ذلك جلياً على واجهات الاضرحة والمقابر المنحوتة في الجبال والتي تتزين بأشكال هندسية متناسقة من مثلثات ومربعات ودوائر وكذلك الرسومات التي تحتفل كثيراً بطائر «النسر» وكائنات اخرى تتصل بما كان يجمع عليه اولئك القوم من معتقدات وطقوس.

دور المرأة النبطية:
لا يقتصر المشهد في مدائن صالح عند ما يجسده الابداع الحرفي الرائع الذي يشهد لتلك الحضارة بنبوغ آخاذ في فنون مختلفة بل تتجاوز ذلك الى ما احتوته من اسرار على صعيد الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية لاصحاب الحضارة النبطية في ذلك الوقت منها على سبيل المثال دور ومكانة المرأة في المجتمع النبطي حيث تشير الدراسات الاثرية والابحاث الالكيولوجية الحديثة الى ان المرأة كانت ذات حضور مؤثر ومكانة متميزة لدى النبطيين وكانت تقام لها المقابر الخاصة باختلاف احجامها وتنحت في الصخر ومن النساء الشهيرات في الحضارة النبطية هناك امرأة تدعى «كمكم» وقبرها موجود ضمن مقابر قصر البنت. كما ان هناك «رقوش» التي فضلت ان تدفن في الحجر. كما يمكن, حسب النقوش الضريحية, ان ترث المرأة قبرها, وترمي اللعنة والغرامة على من يتجرأ ويتصرف فيه بأي شكل من الأشكال خلاف ما يرد في وصيتها. وتكشف النقوش ايضاً ان المرأة تنتسب الى امها والى جدها لأمها.

واجهات نبطيّـة:
في مدائن صالح تتوزع المقابر المنحوتة في الجبال واشهرها قصر الصانع وتقع في الجهة الجنوبية من الموقع وتضم هذه المقبرة نقشاً يعود الى شهر مارس من سنة (8) ميلادي وهناك مقبرة القصر الفريد وسميت بذلك لانفرادها بجبل مستقل بذاته ولتميزّها بالاعمدة النبطية الافقية والرأسية وهناك مقابر الخزيمات التي تضم 53 مقبرة تتوزع على مجموعة من الكتل الصخرية.
وقد ثبت لدى الباحثين ان الانباط هم اول من استوطن «الحجر» مدائن صالح وقاموا بتعميرها ويرى الباحثون أن أصل الانباط من الجزيرة العربية وذكر المؤرخ ديوردور الصقلي ان الانباط كانوا بدواً رعاة لا يعرفون الزراعة وان ارضهم اغلبها صخرية وعرة.