مساحة من المعرفة تخصصها «الإمارات اليوم» لتعريف القرّاء من مختلف الأعمار بدولة الإمارات، من خلال طرح موضوعات ترتبط بالهوية الوطنية، وتاريخ الدولة وثقافتها، وتراثها ولهجتها وإنجازاتها، وكل ما يرتبط بهوية ومكونات الدولة، والشخصية الإماراتية، وهو ما يصبّ في تحقيق أهداف نشر المعرفة والثقافة التي يستند إليها «عام القراءة».
بين البنايات الحديثة والمباني الشاهقة، يقف حي الفهيدي التاريخي (البستكية سابقاً) متمسكاً بهويته الأصيلة التي تعكس ملامح الحياة في الإمارات قبل ظهور النفط، ليمثل بوابة للأجيال الجديدة للعودة إلى الماضي والتعرف على التراث والهوية الوطنية، خصوصاً في ما يرتبط بملامح العمارة الإماراتية القديمة، حيث يزخر الحي - الذي يمتد بمحاذاة خور دبي لمسافة 300 متر وبعمق 200 متر نحو الجنوب، وتبلغ مساحته حالياً 38 ألف متر مربع - بالمباني التي تبرز السمات المميزة لأحياء وبيوت ومباني دبي قديماً، ومنها يمكن لزائر المكان أن يتعرف أيضاً على أنماط الحياة التي كانت سائدة في دبي منذ منتصف القرن الـ19 وحتى سبعينات القرن الـ20.
أطلقت دبي خطة طموحة لتطوير منطقة دبي التاريخية، تتضمن تجديد حصن الفهيدي عبر تحويله إلى ساحة كبيرة للفعاليات الثقافية، وإعادة بناء السور الدفاعي القديم بالقرب من برج المراقبة، كما سيضم الحصن شاشات تفاعلية تستعرض تطور الخور عبر السنين وإسهامه في إحياء تاريخ دبي.
يتميز الحي التاريخي بشوارعه التي تمثل أزقة وحارات ضيقة طويلة، مرصوفة بالحجارة، تتراصّ على جانبيها المباني والبيوت والمشيدة بمواد البناء التقليدية من الحجر المرجاني، والجص، وخشب الساج، وخشب الشندل، وسعف وجذوع النخل، وهي بيوت منخفضة لا يزيد ارتفاعها على طابقين وفوقها تقف البراجيل شامخة باعتبارها واحدة من أبرز ملامح العمارة الإماراتية، ونموذجاً مثالياً يعكس نجاح أهل المنطقة في التغلب على صعوبة المناخ وقسوته، خصوصاً في الصيف، قبل اكتشاف أجهزة تكييف الهواء. ولأن المباني والعمارة تمثلان جزءاً من هوية المكان وترتبطان ارتباطاً وثيقاً بعادات وتقاليد السكان، يمكن لزائر حي الفهيدي التعرف على نمط الحياة الاجتماعية التراثية، الذي كان سائداً في دبي، بما تحمله من مخزون قيمي ثري يستشف من تصميم مباني الحي وتوزيعها فيه، فعلى سبيل المثال لا تخطئ العين اهتمام المجتمع بالخصوصية المتمثلة في قلة فتحات المباني الخارجية وضيقها وارتفاعها، وأيضاً في تعرجات والتواءات السكيك والأزقة، وكذلك الإجماع على توجيه جميع مباني الحي جهة الجنوب الغربي لتكون متوجهة نحو قبلة الصلاة.
عبر سنوات طويلة، احتل حي الفهيدي مكانة مميزة في تاريخ دبي لأسباب عدة، من أهمها موقعه الاستراتيجي على خور دبي، الذي يمثل ميناء تجارياً يستقبل السفن والتجار من كل العالم، بالإضافة إلى أن الحي مجاور لديوان سمو حاكم دبي، كما يضم «حصن الفهيدي» الذي يقع في الجهة الجنوبية من خور دبي بجوار ديوان سمو الحاكم، ويعود تاريخ تشييده إلى عام 1787، أي منذ ما يزيد على 200 عام، ليكون مقراً لحاكم الإمارة ومركزاً دفاعياً للذّود عنها إذ كان يقع على حدود منطقة دبي الحضرية وقتها. ثم تحوّل الحصن إلى مخزن للذخائر والسلاح، كما استخدم سجناً للخارجين عن القانون. وقد تم ترميم الحصن في عهد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، وافتتح في عام 1971 (عام قيام الاتحاد) ليكون متحفاً رسمياً يعرض تاريخ دبي وتراثها الأصيل، وفي عام 1995 أنشئ متحف آخر جديد (تحت الأرض) أُضيف للحصن القديم.
ويرسم متحف دبي «حصن الفهيدي» صورة وافية عن تاريخ دبي الضارب في القدم، والمتواصل مع مختلف الشعوب والحضارات على مر التاريخ، كما يعرض المتحف مختلف بيئات الحياة الحضرية والريفية في دبي، من بحرية وساحلية وصحراوية وجبلية وزراعية. وتتوزع القطع الأثرية النادرة، والعينات الأصلية، واللوحات والنماذج التوضيحية، والمواد الصوتية والضوئية، في مختلف أجنحة المتحف، حيث يتكون المتحف من جناح الآثار، الذي يعرض المكتشفات الأثرية الضاربة في القدم، من أوانٍ فخارية، وأسلحة، ومدافن، ومبانٍ ومجتمعات عمرانية، وجناح دبي الماضي والحاضر، وجناح السوق في خمسينات القرن الـ20 الذي يعرض نماذج تفصيلية عن جو السوق، والباعة، والدكاكين، والبضائع المتداولة في تلك الحقبة، وجناح البيت التقليدي والمسجد، وجناح الواحة، والصحراء، وقصة الماء، والصحراء ليلاً. وجناح الفلك والظواهر الطبيعية، وجناح البحر الذي يأخذ الزائر في جولة خلابة للتعرف على صناعة السفن وأدوات الصيد، ومهنة الغوص لصيد اللؤلؤ، والحياة البحرية في قاع الخليج العربي. وجناح الفنون الشعبية، وجناح الأسلحة وتحصينات دبي القديمة، كما يتوسط حصن الفهيدي فناء فسيح مخصص لعرض نماذج من القوارب المحلية، وبيت العريش بأثاثه التقليدي.
وأطلقت دبي خطة طموحة لتطوير منطقة دبي التاريخية، تتضمن مشروع تجديد حصن الفهيدي ليصبح مركز المنطقة، وذلك عبر تحويله إلى ساحة كبيرة للفعاليات الثقافية، علاوة على إعادة بناء السور الدفاعي القديم بالقرب من برج المراقبة، كما سيضم الحصن شاشات تفاعلية تستعرض القصص المحلية حول تطور الخور عبر السنين وإسهامه في إحياء تاريخ دبي. وبشكل عام يقوم مشروع تطوير منطقة دبي التاريخية على أربعة عناصر، هي رفع مستوى التواصل بين الإماراتيين وتراثهم، وإيجاد ملتقى تراثي وتجاري عالمي، وجذب 20 مليون زائر بحلول 2020 إلى جانب تعزيز مكانة دبي وجهةً تراثية وتاريخية عالمية، في إطار خمسة محاور هي الحفاظ على العادات والتقاليد، والحفاظ على التراث المادي، وتشجيع النشاط التجاري، وترسيخ جذور المجتمع الإماراتي، وإحياء روح الماضي.