أنا لم اسافر الى كوريا بغرض السياحة بل رحلة عمل عمرها أربعة أيام .. كانت هذه هى المرة الأولى التى أطأ بقدمى البلد المسمى بفردوس آسيا . إحساس غريب - لا أعرف له توصيفا - انتابني فور وصولي لسيول حتى شعرت اننى أمام منظومة سياحية ابداعية تجذبني الى ألف اتجاه . فالبحيرات والجزر تناديني لأيام برفقة الطبيعة والخيال فيما تداعبني الشواطىء الرملية بسحرها لأقضى ساعات على وسادتها الناعمة .
ومع دهشتي بروعــة الأجواء فى كوريا استوقفني المزج الغريب بين قديم التاريخ وحديثه .فالأبراج شاهقة البنيان ومراكز التسوق الأنيقة تجاور القصور التاريخية العتيقة فى صورة فريدة قد لا تتوافر فى أى مكان آخر أما المهرجانات فكانت الحكاية التى حيرتني بحق . اربعمائة مهرجان فى 365 يوما مما أكد لي أن هذا الشعب خٌلق ليفرح وعاش ليبتكر ألف شكل من أشكال السعادة والمرح . بلد ترقص وتبتهج ويعشق انسانها الحياة بل ويجعل السياحة جزءا اصيلا من تفاصيل حياته .
رحلة الأربعة أيام عمل تحوّلت - بلا قصد مني - الى خمسة عشر يوما سياحة . نعمت خلالها برؤية بعض جمال الفردوس الأسيوي الذى لم يُكتشف فى نظري حتى اليوم ... فتعالوا نبدأ الرحلة .
عاصمة الـ 600عام
سيول العاصمة الضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ والتى تعود إلى أكثر من 600 عام تعد أكثر العواصم حيوية حيث تبدو مشتعلة بالحركة على مدار اليوم لكونها المركز السياسي والاقتصادي الأهم لكوريا .. فى شوارع العاصمة كنت أتعجب من الحالة البنائية الغريبة التى تجمع بين التقليدية والحداثة حيث تحتضن العاصمة القصور التاريخية بجوار الأبراج الحديثة هذا بخلاف مراكز التسوق التجارية الفاخرة .. أماكن سياحية عدة كان تجذبني للزيارة فى العاصمة التى احتلت الرقم 10 عالميا من حيث مساحتها ولانها كانت بالنسبة لى أول زيارة فقد رافقني أحد زملائي ليكون بمثابة الدليل الذى يقودني لأروع الأماكن السياحية .
جبل وبرج
كان جبل نامسان الواقف كالحارس وسط المدينة هو مقصدي الأول حيث تمتعنا على صفحته بكل فنون الترفيه بدءا بركوب التلفريك وصعود الدرج الذي يأخذ الزوار إلى القمة كما اتاح لما الجبل مطالعة برج سيول الشامخ والذى يرتفع 1575 قدم ويمنحك الفرصة لقراءة المدينة كلها .ويعد البرج نافذة على مساحة ثقافية حقيقية تقدم مختلف العروض والأفلام والمعارض ، فضلا عن المطاعم الفاخرة والمقاهي التي تقدم الوجبات الخفيفة والبرج مجهز بمطعم دوار بالاضافة إلى المرصد الرقمي ، وحافة الصدمة والتلسكوب الرقمي ذي القدرة العالية ومتجر للهدايا التذكارية. انتقلت وزميلي بعد رحلة الجبل إلي قرية « نامسا نجول « التراثية الواقعة بين مجموعة من ناطحات السحاب الشاهقة لتؤكد ماذكرته سلفا حالة المزج الإبداعي الغريب بين القديم والحديث . قرية تضم خمسة منازل كورية تاريخية تم ترميمها و يمكن للزوار استكشاف البيوت و الاستمتاع بالشاي التقليدي ورؤية الحرف الكورية القديمة كما ان بمقدور الزائر ممارسة الألعاب التى يعشقها الكوريون كرمى السهام والقفز على الأرجوحة القديمة
6 ملايين زائر
حديقة سيول الرئيسية والتى تعد أكبر حديقة داخلية فى العالم ويزورها نحو 6 ملايين زائر سنويا .. في داخلها تنتظرك أرض المغامرات التى تعج بمئات الأنشطة الترفيهية والمحلات التجارية والمطاعم والاستعراضات المستمرة في الهواء الطلق كما توجد جزيرة ماجيك والقلعة التي تحتضن الحكايات الخرافية والعروض المثيرة على ارتفاعات عالية هذا بخلاف متعة ركوب الخيل ، وعروض الليزر الممتعة ومسارات المشي حول البحيرة ويوجد بالحديقة أماكن مغلقة للتزلج على الجليد
اسطورة الترفيه
كويكسمول أو ما يطلق عليها اسطورة الترفية تقع فى قلب العاصمة - سيول وتضم 250 محلا تجاريا و800 مطعم مع حوض يشمل 40000 من المخلوقات المائية ومجمعا لصالات السينما يحتوي 17 شاشة عرض بالاضافة إلى والمحلات التجارية والبوتيكات. ويعد كويكسمول إنه اكبر مركز للتسوق على الأرض كما يمكنك فى المجمع العالمي ان تقف على النفق المائي الكبير أيضا لترى أسماك القرش وغيرها من المخلوقات المائية سابحة فوق رأسك.
5آلاف سنة
فى القرية الشعبية انت مدعو لقراءة 5000 عام من تاريخ كوريا على أرض الواقع كما يمكنك فهم تفاصيل الحياة القديمة للكوريين حيث تحتوي القرية على 260 بيتاً كورياً تختلف باختلاف الطبقة التي ينتمي إليها قاطنوها من حيث ارتفاع السقف والزخرفة ويقوم 243 موظفاً يرتدون الملابس الكورية التقليدية (الهانبوك) بتمثيل أنماط الحياة القديمة المختلفة كما تتيح لك القرية رؤية البائع المتجول الذى تشتري منه الحلويات والمشغولات القديمة و تحتوي القرية الشعبية على عشرين ورشة للحرف اليدوية المختلفة مثل صناعة الفخار والسلال والخيزران والمصنوعات الخشبية والورق والنحاس ، والمراوح ، والآلات الموسيقية.
نهران وحكايتان
نهران وحكايتان
فى سيول تبهرك صفحة الماء خاصة وان الأنهار تخترق المباني لتقدم لك بانوراما جمالية غريبة فعلى نهر تشيونج الذى يمر وسط المدينة تقام الاحتفالات الكبرى وتقول الاحصاءات ان زوار النهر يتخطون 80000 زائر في كل يوم وقد احسن القائمون على السياحة عندما اهتموا بهذا المكان الجاذب حيث ابدعوا فى تصميمه المعماري الرائع وكسوا جوانبه بالإنارة الملونة مع عدد كبير من جسور المشاة طولا كما جعلوا حركة المياه من النافورة الرخامية في اتجاهات مختلفة بخلاف ما وضعوه من موسيقى هادئة وهي وأنوار ملونه يصل ارتفاعها إلى 5 أمتار وإذا كان نهر تشيونج جميلا فنهر هان ينافسه ذات الجمال حيث يمر عبر العاصمة وتنعكس على صفحة مياهه ناطحات السحاب القائمة في المدينة كما تمتد المنتزهات على طول ضفاف نهر هان وهي مجهزة بمجموعة من وسائل الراحة مثل مسارات الركض وأحواض السباحة في الهواء الطلق وحلبات التزلج والمطاعم العائمة والمقاهي
الفراشات والمصارعة
تتفاوت المهرجانات فى كوريا - اسما وجمالا - حتى لا أبالغ لو قلت ان صيف كوريا الممتد من يونيو الى اغسطس يفاجئك بمهرجان كل ساعة «. ومع كثرة المهرجانات التى تتجاوز 400 مهرجان فى العام لم يكن حظى إلا متابعة بعض منها وأبرزها الرقص مع الفراشات والذى يقام فى السادس والعشرين من ابريل كل عام و تحلق فيه 120 ألف فراشة في حدائق الزهور المنتشرة على مساحة تبلغ مليون متر مربع فى يوم وصفه الكوريون بيوم تحرير الفراشات ومع جمال مهرجان الفراشات بألوانه المبهجة صدمنى مهرجان « الطين « والذى يتجاوز فيه الكوريون حد القاء بعضهم بكرات الطين الى حد مصارعة بعضهم فى البرك وحمامات الطين وبستقطب هذا المهرجان على غرابته ملايين المتابعين من كل انحاء العالم
الألعاب النارية
مهرجان هايونداي على شاطئ بوسان مهرجان لنحت الرمال حيث يأتى الفنانون لعرض أعمال النحاتين المشهورين الكوريين والدوليين على الرمال وتعرض الاعمال على طول الشاطئ. ويمكن للزوار محاولة عمل منحوتاتهم الرملية وصناعة التماثيل الرملية والتزلج على الشاطئ الرملي فيما يشاركه مهرجان الألعاب النارية في بوهانغ حيث يوفر مناظر رائعة تضيء السماء ليلا ويشارك بها ممثلون من بلدان مختلفة خلال مسابقات تقام خصيصا لهواة الألعاب النارية الدولية في بوهانج وتشمل الاحتفالات أيضا موكب الضوء والحفلات الموسيقية الحية على الشاطئ، ومسابقات الفن الخفيفة .. كل هذه المهرجانات تضاف لمهرجان زهرة اللوتس والسراميك والفراولة والثلج وصيد السمك الأمر الذى يؤكد ان الكورييين شعب عاش ليفرح ويرقص ويبتكر ومن ثم يعمل ويبدع أيضا .