كرحلة الميلاد تبدأ بمخاض مؤلم وتنتهى بمولود جميل كانت رحلتي إلى تركيا حيث واجهت قبيل السفر حالة من الرفض الأسري الشديد . رفض مشفوع بالخوف والحرص خاصة وأنا أسافر لأول مرة - مع رفيقاتي فى رحلة استهدفنا من وراءها قراءة دنيا جديدة والاطلاع على عالم مختلف . سعادتنا كانت كبيرة وقتما صعدنا الطائرة وبدأت كل واحدة منا ترسم فى مخيّلتها صورة عن البلد الذى سنهبط على أرضه بعد ساعات ونعيش داخله 7 أيام . نزلنا إلى المطار لتداهمنا رغبة مجنونة بالركض والانطلاق فنحن نريد أن نفوز بكل تركيا فى ساعة واحدة وننعم بزيارة كافة مناطقها مهما تباعدت فى يوم واحد .. تركنا حقائبنا فى الفندق لنبدأ من هذه اللحظة عشوائية الفرح الممتعة . نعم لم نسأل أحد أين نذهب ولم نلتزم بخارطة نتحرك على هديّها بل تركنا الجمال كما يقولون يقودنا الى حيث يريد ويقدم لنا « تركيا « الساحرة .
ميدان تقسيم
كان ميدان تقسيم المفعم بالحيوية والحركة هو نقطة الانطلاق . ساعة كاملة ونحن نتجول فى الميدان الشهير وشوارعه الجانبية الممتلئة بمحال التسوق والمطاعم والمقاهي . كان الانطباع الأول الذى تملكنا نحن الثلاثة عن تركيا متمثلا في رقى الشعب وبساطته واحترامه للسائح . كنا نتجول بأريحية وكأن البلد فتحت ذراعيها ترحابا بالبنات الثلاثة ..ومن بعد توقفنا عند آيا صوفيا أهم معالم إسطنبول السياحية والتى تعد انموذجا جماليا دالا عن العمارة البيزنطية والزخرفة العثمانية الراقية .. انتقالات خاطفة كنا نسابق فيها عقارب الساعة انتهت بجامع السلطان أحمد والمسمى بالجامع الأزرق والذي يعد بمناراته الست أضخم مساجد العالم الإسلاميّ ومع بقاء المسجد معلما دينيا يعد أيضا أهم المعالم السياحية في إسطنبول حيث تأتيه جموع السياح لينعموا بالجمال والروحانية معا .
دولما باهشته
أمام القصر الإبداعي المسمى دولما باهتشة كانت تعترينا الدهشة خاصة ونحن نقف أمام أجمل متاح وقصور أسطنبول على اطلاقها حيث استخدمت في زخارفه أطنان من الذهب والفضة حتى بدا أمام العيون تحفة متلألئة لا يمكن مشاهدة مثيل لها فى مكان آخر . هذه الإطلالات الخاطفة التى شاركتنا الكاميرا فى اقتناصها انتهت بنا الى جسر جالاتا الذي يمتد فوق ما يسمونه بالقرن الذهبي ويربط المدينة القديمة بمنطقة بييولو .. سرنا على الجسر فى لحظات الغروب لنرى من أعلاه أجمل مناظر العاصمة الجميلة .
التسوق .. شطارة
جولة جديدة داخل أكبر سوق مسقوف في أوروبا قمنا بها لنشترى الهدايا التذكارية .. كنا فى حيرة فالبضائع بألف شكل ولون كما المحال بلغت من الكثرة بمكان حتى تخطت الـ 4 آلاف محل مختلفي الأحجام . ومع روعة معروضات البازارات داهمتنا المفارقة الغريبة فلكل محل سعر خاص وعلى المشترى ان يكون ذكيا خاصة وان الباعة الأتراك فى السّوق التّاريخيّ مهرة الى حد كبير في تقديم البضاعة و التعامل مع الأسعار .
القرار الجميل
يومان مرا سريعا فى اسطنبول اتخذنا بعدها قرار السفر إلى « صبنجة « بإقليم مرمرة التى تبعد ساعتين عن اسطنبول .. لحظات لاتنسى من العمر ونحن نقف أمام بحيرة صبنجة التى تجاوزت مسماها كبحيرة جامعة للمياه العذبة الى أن أصبحت معلما سياحيا هاما يحرص الزوار على الذهاب إليه .. ساعات كانت الأجمل قضيناها برفقة الطبيعة الساحرة وأمام البحيرة التى داعبت مشاعرنا الى حد بتنا عاجزين عن فراقها .
الجميل أن البحيرة تطوقها سلسلة جبال وتلال جذابة محاطة بأشجار كثيفة كما توجد على ضفتيها بيوت انيقة من ذوات الطابقين او الثلاثة طوابق . لم يكن ما قرأناه عن صبنجه أجمل مما شاهدناه بعيوننا فتأمل البحيرة يمنحك سكينة تتسلل للجسد وتتركه في حالة خاصة .ورغم هدوء المنطقة إلا أنه يوجد بها كل الخدمات التي يحتاجها السائح والساكن على حد سواء.
جسرالاسترخاء
فنادق صبنجه لها شكل خاص ، فندقا جورال وريشموند يعدان من الفنادق المخطوبة سياحيا حيث يداعب الأول رواده بإبداع منقطع النظير ملوحا بورقة السياحة العلاجية الجاذبة فيما ينافسه الثاني بإطلالة ساحرة على البحر كما يعد فندق جرين بارك ذي النجوم الخمس الأكثر استحواذا على العائلات العربية والخليجية أغلب أيام السنة. ومع جمال صبنجة كما رأيناها تعد بحق المكان الأنسب لمن يفضلون الراحة بعيدا عن صخب اسطنبول. ولعل من أجمل الأوصاف التى قيلت عن صبنجة انها جسر يأخذ عابريه إلى منطقة الاسترخاء.
ممشى وجمال
على طول البحيرة الحالمة يوجد ممشى يقطعه السيّاح ليستمتعوا بالمناظر الساحرة وظلالهم المنعكسة على الماء الصافي من كل الزوايا ويعاينون الجبال والبيوت الدافئة في الجهة المقابلة وينعمون أيضا بامتزاج الألوان التى تجعل من المكان لوحة عالمية متسقة كما يوجد بالممشى الكثير من المقاهي والمطاعم كما يعمد السياح على ركوب الدراجات للتمتع بالمكان الرومانسي الحالم.
مطاعم صبنجة تتباين بين السريعة والفاخرة أبرزها مطعم OLIMBIA و الذي يمتد على أحد طرفي البحيرة ويقدم لك المأكولات البحرية التي يتم اصطيادها من البحيرة الى المائدة مباشرة
قرية المعشوقية
المتعة التى تذوقنا حلاوتها حفزتنا لمواصلة المشوار الى المعشوقية التي تبعد عن صبنجة 20 كم لننعم بقرية جبلية تنبض بنبضات الجمال و تطل بإطلالة الجمال على البحيرة كما تكثر بها المنتجعات السياحية وتشتهر بشلالها الفاتن الذي يبدو كفستان زفاف ناعم وفاخر ترتديه القرية حيث ينعم السائح بصوت تدفق المياه الجذاب .. جلسنا في معشوقيه وتناولنا الطعام بجوار شلالها لينتابنا شعور داخلي يصعب تكراره في مناطق سياحية أخرى ... فى المعشوقية يميل أغلب السياح الى ركوب الدراجات النارية ذات العجلات الأربعة التى تصعد في حركات التفافية شيئًا فشيئا والشجر والبيوت المسيجة على يمين وشمالك حتى تصل إلى القمة وتلتقط أنفاسك أمام منظر الفردوس الأرضي
عدنا من تركيا ولا تزال قلوبنا متعلقة بشوارعها وميادينها وقصورها بل لا أبالغ اذا قلت اننا متى التقينا - نحن الثلاثة - استعدنا الأيام الجميلة وتمنينا لو نعود لصبنجة ومعشوقية لنعيش داخل ايقونة الجمال من جديد