أيام في أحضان الأسطورة

ياسمينا

:: مسافر ::
6 يناير 2017
496
14
0
40
مصر
على هذه الأرض المسماة بأرض الأحلام وفى أحضان أجمل البقاع التي تزاوجت فيها الطبيعة مع الانسان وتناغم على بساطها البحر والجبل بشكل إبداعي خلاق كانت رحلتي التي لا تُنسي .. رحلة فارقة في عمري المهني كم أتمنى لو تتكرر في العام مرات ومرات . وعلى الرغم من الصدفة الجميلة التي ساقتني لقضاء أيامى السبع في ربوع سويسرا إلا اننى نجحت كل النجاح في استثمار الصدفة واستغلالها والفوز بزيارة مدن جميلة و قرى متألقة لأنعم بالجمال العادل الذى توزع بحب و ترك بصمته الحلوة في كل الأماكن.

لن أتحدث - كما تحدث غيري - عن جبال الألب وسحرها الخلاب و البحيرات والانهار التي تنقل الزائر لعالم الدهشة والاستغراب ولن اتوقف طويلا أمام الحضارة الأنيقة التي مزجت بين التقليدية والحداثة بشكل تخطى سقف الخيال بل سأحكى كثيرا عن الأنسان الذى شارك الطبيعة في صناعة سياحة أسماها المحبون بسياحة الأسطورة . انسان ابرم مع الطبيعة عهد مصالحة وفاق وعاشا معا بقانون الحب والوفاء .. وبعيدا عن التغني بجمال سويسرا التي عزف لها الكثيرون قبلي أجمل معزوفات الحب ها أنا أحمل القارىء ليعيش معي على الورق الرحلة بكل تفاصيلها وأحداثها المدهشة . فأقرأوا ما رأيت.

في القلب والذاكرة

لم تكن سويسرا غريبة عنى فلقد قرأت مدنها وقراها قبل أن تقلني الطائرة الى مطار جنيف الدولي .. قرأت عن أغلب مدنها وقراها وفزت بمعلومات ثرية عن مناطقها السياحية والحضارية ووقفت على عاداتها و تقاليدها ولكن رغم كل ما فزت به في خزانة ذاكرتي كانت الحقيقة أروع الف مرة مما قرأت . رأيت الطبيعة البكر - كما صنعها الخالق - بلا رتوش ولا ألوان . وكأن القائمين على سياحة سويسرا تركوا كل شيء على طبيعته الأولى حتى لا يشوهوا بشرة الجمال.

الأنسان الأنيق

كان الأنسان السويسري هو محط اهتمامي الأول حيث رأيته شريكا رئيسا في صناعة سياحة هذا البلد . الكل يحتفي بي بوجودي حريص على اسعادى . وكأن فرحتي بسويسرا مسئولية الجميع . مواقف بسيطة عشتها مع انسان هذا الوطن قد لا يكترث الغير ولكنها علّمت في ذاكرتي . ربما لأنى صحفية تربيت على رصد المواقف وحفظها في الذاكرة ومن ثم استعادتها على الورق .. في سويسرا تعلمت ان الانطباع الأول يدوم رغم عدم قناعتي سابقا بهذه القاعدة . فالحفاوة التي استقبلت بها كانت تكفي للتأكيد على اننى أعيش في أحضان وطن يقدم للضيف حضارته على طبق من ذهب.

قرية غشتاد

من داخل القطار الذهبي البارنورامي الذى نقلني إلى قرية غشتاد كنت أشعر اننى مثل الاطفال اتنقل من نافذة الي لأخري لالتقط صورا للمناظر الخلابة . كنت أشعر حقا أن المدن والقرى التي أطالعها من نافذة القطار كأنها عقد من قطع المرمر الخالص تجاورت بدقة متناهية . نعم ما رأيته فاق الوصف و الخيال فالطريق الممتد مزين بالبحيرات والأنهار والشلالات كما القرى والمدن تراصت لترسم لوحة إبداعية ليس لها شبيه .

مشاهير واثرياء

قرية غتشاد - ليست ككل القرى - التي زرتها وتعرفت عليها في أوطان أخرى بل فيها أهم وأفضل أماكن التزلج في العالم يرتادها المشاهير والأثرياء كما انها تضم منتجعات وفنادق وأماكن تسوّق فخمة بها وبوتيكات صممت وكأنها شاليهات راقية . كانت إقامتي في غشتاد « نموذجية « حيث نعمت بالسكن في منطقة Saanenmoser فيما يمكن وصفه بالفندق العائلي . عند وصولي استقبلتني مالكة الفندق بحفاوة بالغة وبحرارة صاحب البيت كما يقولون حتى شعرت اننى سأقيم في ضيافة أسرة لا فندق من ذوى النجوم الخمس .

طراز خشبي

صعدت الي غرفتي فأدهشني الطراز الخشبي السويسري الانيق والإطلالة المبهرة علي جبال الالب السويسرية وصوت الطبيعة وهى تتكلم لتداعب بتراتيلها مسامعي ومع كل ما ذكرت وقفت على صوت أجراس الابقار المدللة التي تعزف معلنة عن سعادتها.. في الساعة السابعة من مساء ذات اليوم تناولت العشاء مع مسؤولة هيئة السياحة السويسرية بغشتاد في مطعم صمم بشكل يفتح شهيتي للطعام .. طراز سويسري انيق من الخشب والديكورات التراثية والرسومات التي تنقل الجالس لعالم اخر كل هذا يضاف الى روائح الورد الريفي التي تداعب أنوف الجالسين في أروقة المكان .

جولة في مطبخ

العشاء تحول الى جولة في مطبخ. كل شي تذوقته كان يوحي لي برقي الشعب السويسري حتى القهوة التى احتسيتها أمام مدفأه الخشب التقليدية ووسط أصوات الموسيقي الهادئة كان لها مذاق مختلف تبادلت مع رفيقتي الحوار عن سويسرا السياحية والانشطة التي لا تهدأ طيلة العالم .. بطولات وانشطة تتنقل من مدينة لمدينة ومن قرية لأخري.

في اليوم التالي استيقظت وكلي شوق لاكتشاف المزيد من المتعة.. تجولت في شوارع المدينة والاسواق ورايت البيوت التقليديه وجمال ديكورتها حيث انه قيل لي ان لكل منزل تاريخ عائلي يتم تدوينه علي واجهة المنزل من اول مالك له كما ان كل المنازل مصنوعة من الخشب علي قاعدة من الاسمنت .. استدارة خاطفة لأرى النافورات الراقصة الخلابة تدور التي تبرز الحياة الريفية التقليدية للمزارع السويسري ومع البيوت والنوافير كانت البوتيكات والماركات العالمية في سوق غايه في الرقي والجمال.

الذهب الأصفر

أكملت جولتي لأصل إلى مطعم يقدم اجود انواع الجبنة Le Chalet Restaurant او كما يسمونها ( الذهب الاصفر السويسري حيث يتم تصنيع الجبن علي مرآي عين الزائر .. تبادلت الحوار مع مالك المطعم الذى دعاني بذوق رفيع لتقليب الجبن علي الموقد الطبخ التقليدي الخاص .ز لا أنكر أن المطعم بهرني بديكوره التقليدي فلكل قطعة ديكور من الاحجار الجبلية والاثاث الخشبي معتقد ومفهوم خالص بالحياة لا يسعني سرده ومع جمال ما رأيت كان الأكثر دهشة حقا في المكان العريق هي رائحة الخشب الممتزجة برائحة الجبن السويسري الفاخر.. رائحة أشتاق حقا لها الآن .

توجهت مع المرشدة لركوب التليفريك الكهربائي من أعلي قمة جبلية جليدية (جلاسير) تتخطى الـ 3000 متر..صعدت علي قمة الجبل لأنعم بالثلوج صيفا فجبال الالب لا تعرف الصيف رغم الشمس الساطعة .. صدفوني لو قلت انها تشكلت أمامي كعروس في ليلة زفافها تختال ثوب عرسها .. عبرت ممشي bridge Peak Walk لأصل الي حافة الجبل الثلجي و في تجربة رائعة حيث بدأت العديد من الانشطة التزحلق من خلال عربات ذات مسار محدد تسير وسط الثلوج بسرعة مثيره الي الجلوس علي كرسي يهبط ثم يصعد بي من المحطة نفسها.

شهادة في قرية

انتهت تجربة الصعود لأعلي قمة في قرية غشتاد السياحية ولكن لم تنته الجولة الرائعة برفقة المرشدة السياحية حيث دعتني لجولة أخرى بالسيارة داخل القرية معلنة عن مدي الهدوء والسكينة والحياة الصحية التي جعلتها تهرب من المدينة الصاخبة لتعمل في هذه البلدة الصغيرة..حكت لي المرشدة عن مدى ترابط سكان هذه القرية مؤكدة أن عائلات عربية شهيرة يمتلكون منازل في غشتاد كما أن اشهر نجوم امريكيا واوروبا يستمتعون بخصوصية هذا المكان .. في غشتاد لايوجد من يتطفل علي الحياة الخاصة فالكل يمارس يومه بحرية وانطلاقه تاركين حياة الاضواء والضوضاء الي حياة هادئة.

التاريخ في مطعم

في ختام الجولة وصلنا لأقدم مطعم تاريخي Posthotel Rossli يرتاده المشاهير الذين زاروا غشتاد . جلسة إبداعية و مناخ دافئ وخدمة ممتازة وطعام رائع .. لحظات تأملت فيها رواد المطعم فالكل قادم ليلقي التحية علي الموجودين وكأنه يرحب بهم في بيته.. كنت أتأمل الوجوه والمكان وكأنني أقرأ قصة ابطالها أمامي .
الرحلة لم تتنه في ربوع سويسرا أرض الخيال والحلم والأسطورة ولكن كما نجحت سويسرا في تقسيم جمالها بين مدنها وقراها .. ها أنا اقسم جولتي الجميلة لحلقات .. فانتظروني