لم يمنع الحصار غزة من أن تحظى ببعض الترفيه، فعلى امتداد شاطئ المدينة أنشأ المستثمرون مشاريع سياحية يقدم بعضها خدمات بمستوى متميز، حتى بدأ الفلسطينيون يطلقون على شارع الرشيد المعبد اسم “شارع الفنادق”.
ومقابل الخدمات الترفيهية التي توفرها هذه الأماكن، تقدم أسعاراً مرتفعة مقارنةً بالأماكن الشعبية، الأمر الذي أثار امتعاض البعض، بينما رأى آخرون أنها "تتناسب مع طبيعية المكان والخدمة".
التنوع سبب النجاح
ودفع إغلاق إسرائيل المعابر مع اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000، رائد الأعمال وائل أبو كرش إلى فتح مطعم سمّاه "التايلندي" في العام 2002.
استفاد صاحب المشروع من الخبرة التي حصل عليها أثناء عمله في المطاعم الإسرائيلية، قبل أن يختار استثمار أمواله في مشروع خاص به.
ويقول رامي أبو شنب، مدير العلاقات العامة في المطعم لـ "هافينغتون بوست عربي"، إن تنوع أصناف الأكل التي يقدمها المطعم بين شرقية وغربية وحلويات كان السبب وراء صمود المشروع طوال هذه السنوات.
وعبر أبو شنب عن رضا إدارة المشروع على مردود المطعم الذي يستطيع خدمة 1000 زبون في نفس اليوم. ويشغّل صاحب "التايلندي" 50 عاملاً جميعهم خريجو السياحة والفندقة.
وشكل الحصار وإغلاق المعابر وأزمة الكهرباء أبرز التحديات التي تعيق تطور المشروع، فقد لجأ المطعم لشراء مولدات لسد العجز الناتج عن انقطاع الكهرباء، الأمر الذي يتطلب ميزانية تقدر بـ 12 ألف شيكل (3 آلاف دولار) شهرياً لشراء الوقود.
84 مطعماً خلال 20 عاماً
وشهدت السنوات الأخيرة تكاثر المشاريع السياحية في قطاع غزة من خلال إنشاء مطاعم وفنادق فخمة، حيث تشير وزارة السياحة إلى أن عدد المطاعم زاد من 8 في العام 1996، إلى 84 مطعماً سنة 2016، إضافةً إلى ارتفاع عدد الفنادق من 3 قبل 20 عاماً إلى 13 فندقاً في العام 2016.
ويقول المدير العام لقطاع السياحة في الوزارة المهندس رزق الحلو، لـ "هافينغتون بوست عربي" إن القطاع عرف ازدهاراً في إنشاء الملاهي والمنتزهات الخاصة، "فأصبح الأمر أقرب إلى منافسة اقتصادية بين المستثمرين".
وتقف العراقيل التقنية في وجه نمو الشماريع كصعوبة مواكبة أصحاب الفنادق لأحدث ما توصلت إليه الصناعات الفندقية وانقطاع الكهرباء وصعوبة الحصول على المواد اللازمة لتطوير هذه المنشآت، بحسب الحلو، كذلك صعوبة سفر الكوادر إلى الخارج من أجل الحصول على دورات والحرمان من التواصل مع المراكز الدولية.
ويتفق المدير العام للسياحة مع الرأي القائل إن "أسعار الخدمة التي تقدمها هذه الأماكن مرتفعة بشكل كبير، مقارنةً بالوضع المادي لغالبية المواطنين، إلا أن هذا الأمر يخضع لقدرة الراغبين في زيارة هذه الأماكن، وأن الوزارة لا سلطة لها في الأمر، ويقتصر دورها على مراقبة جودة ما تقدمه والعاملين فيها".
القطاع الأقل تضرراً من الحصار
وشكل موقع قطاع غزة على البحر المتوسط عاملاً أساسياً شجّع أصحاب الأماكن السياحية على المضيّ في مشاريعهم، بحسب عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة غزة د. زياد الدماغ.
ويرى الدماغ أن التوجّه للاستثمار في القطاع السياحي يعد أمراً منطقياً، باعتبار أن أي صاحب رأس مال يميل دوماً للقطاعات البعيدة عن المخاطرة حاله كحال القطاع التجاري والخدماتي والنقل.
وجعلت طبيعة قطاع غزة - الاستهلاكية أكثر منها إنتاجية - المطاعم والفنادق وغيرها مشاريع ناجحة، إلا أن إسهامات القطاع السياحي في الاقتصاد الفلسطيني مازالت متواضعة، بحسب الدماغ، كما أنها لم تتمكن من القضاء على البطالة، فمساهمته لا تزيد على 15إلى 20% بالناتج المحلي.
ووضع الدماغ شرط استمرار هذه المشاريع لأكثر من 10 سنوات حتى تصبح ناجحة، فـ 90% من المشاريع التي تقام في غزة لا تستمر، "بينما يتمكن 10% منها فقط من الاستمرار بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي والحصار القائم".